المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمع كلام العلماء المعاصرين المطبق على تحريم المنطق إلا للرادين على الفرق 2


أ/أحمد
06-19-2011, 08:44 AM
كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

قال الشيخ العلامة/ محمد العثيمين -رحمه الله- في شرح العقيدة السفارينية - مقدمة المنظومة.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى :
30- ألم تر اختلاف أصحاب النظر *** فيه وحسن ما نحاه ذو الأثر
31- فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى **** وصحبه فاقنع بهذا وكف
_____________
الشرح
لما ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز الرد إلى العقول في باب الصفات ، وذكر تحريم التأويل وانه استطالة وجرأة وافتراء ، ذكر دليلا حسيا ملموسا ، فقال :
( ألم تر اختلاف أصحاب النظر فيه ) يعني الم تعلم أن أصحاب النظر والمراد بأصحاب النظر أصحاب الكلام ، الذين يرجعون في إثبات الصفات أو نفيها إلى العقل ، فهؤلاء اختلفوا واضطربوا اضطرابا كثيرا عظيما ، حتى إن بعضهم يوجب ما يرى الآخر أنه مستحيل . احدهم يقول : هذا واجب لله ، والثاني يقول : هذا مستحيل على الله ، والأخر يقول : هذا جائز ، وهذا من التناقض فاضطربوا اضطرابا كثيرا فيما هم عليه .
ولا ريب أن اختلاف الأقوال واضطرابها يدل على ضعفها وأنه ليس لها أساس ؛ لان الأقوال كلما قويت أساساتها تقاربت ، ولهذا تجد المسائل المنصوصة في القرآن أو السنة الخلاف فيها قليل ، وأضرب لك مثلا بالمواريث فإن الخلاف بين العلماء رحمهم الله في المواريث قليل بالنسبة للخلاف في غيره ، وذلك لان غالب أحكامه منصوص عليها ، والمنصوص عليه لا يختلف الناس فيه . كذلك أهل الزكاة مثلا ، فأهل الزكاة الثمانية لا تكاد تجد خلافا بين العلماء رحمهم الله فيهم إلا قليلا بالنسبة للخلاف في المسائل الأخرى ، لان أصحاب الزكاة منصوص عليهم ، فكلما كانت الأقوال مؤيدة بالنصوص كان الخلاف فيها أقل ، لان النص يجمع أطراف الخلاف .
أما إذا كانت المسائل ليست مبنية على نص ولا على أصل فانك ترى فيها الخلاف العجيب ، ولو شئت لقلت ، إن الخلاف أكثر من أصحابه ، فإذا كانوا عشرة اختلفوا على خمسة عشر قولا .
فإذا قال قائل : كيف يكون الخلاف أكثر من أصحابه ؟!
فنقول : يكون للواحد عدة أقوال . فإذا كانوا عشرة وكل واحد له خمسة أقوال صار الخلاف خمسين وجها .
فأصحاب النظر ، الذين يدعون أنهم أصحاب عقول وأن غيرهم عامة وحشوية وبلهاء وما أشبه ذلك ، هم أكثر الناس اختلافا في هذا الباب ، ومن طالع ما ينقل عنهم رأى العجب العجاب ، حتى إنك لا تكاد تتصور القول من شدة فساده .
فإذا كان هذا حال أصحاب النظر فكيف يعتمد على هؤلاء فيما هو أساس الرسالات ، وهو معرفة الرب جل وعلا بأسمائه وصفاته ؟! وكيف نعتمد على هذه الأقوال المتناقضة التي لا تنبني على أصل ؟! ولهذا فإن المؤلف رحمه الله جاء باختلاف أهل النظر دليلا على فساد أقوالهم ، لان الاختلاف والاضطراب يدل على الفساد .
فإن قيل : من هم أصحاب النظر ؟
فالجواب : هم أصحاب الكلام كما يسميهم أهل العلم ، وعلمهم علم الكلام ، وسموا أصحاب النظر لأنهم قدموا النظر على الأثر . وأصحاب النظر - هؤلاء المتكلمون - هم أكثر الناس فسادا واضطرابا في الأقوال ؛ لأنهم لم يبنوا على أسس صحيحة ، وإنما بنوا على وهميات ظنوها عقليات ، فبنوا عليها عقيدتهم .
ولعله قد مر بك أن أساطينهم ورؤساءهم أقروا بأنهم على ضلال ، فمن جملتهم الرازي الذي يقول : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروي غليلا ولا تشفي عليلا ، ووجدت اقرب الطرق طريقة القرآن ، اقرأ في الإثبات قول الله تعالى :(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) ، وقوله : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(فاطر: الآية 10) ، وأقرأ في النفي : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشورى: الآية 11) ، ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: الآية 110) ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .
هذا هو الرازي أحد أساطينهم وكبرائهم وعلمائهم يقول : هذه المناهج والطرق ما رأيتها تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً ، أي ، لا تسمن ولا تغني من جوع ، ويقول : رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، يعني : طريقة تحكيم النصوص في هذا الباب ، ثم ضرب مثلا : اقرأ في الإثبات : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) فأؤمن بأنه استوى على العرش ، واقرأ : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(فاطر: الآية 10) فأؤمن بأنه في العلو ، واقرأ في النفي : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشورى: الآية 11) وهي نفي للتمثيل ، واقرأ : (َلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: الآية 110) وهي نفي التكييف ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .
ويقول :
نهاية إقدام العقول عقال **** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا **** وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا **** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
والقيل والقال محصول ليس بجيد ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال . هؤلاء بحثوا طول عمرهم وما استفادوا إلا قيل وقالوا ، وغاية دنياهم أذى ووبال والعياذ بالله ؛ لان غاية دنياهم - نسأل الله العافية -الشك والحيرة ، فأكثر الناس شكا عند الموت هم أهل الكلام ، لأنهم ليس عندهم عقيدة يبنون عليها معبودهم عز وجل ، بل لا يعرفونه إلا بوهمياتهم التي يدعون إنها عقليات ، فلذلك إذا جاءت الساعة وجاء وقت الامتحان والمحك ضاعوا وما وجدوا حصيلة.
فكانوا أكثر الناس شكا عند الموت نسأل الله العافية ، حتى إن بعضهم يقول : ها أنا أموت على عقيدة أمي ، أمه الأمية التي لا تعرف ، والثاني يقول : أموت على عقيدة عجائز نيسابور . فرجعوا إلى عقيدة العجائز لأنها فطرية ، وهم عقيدتهم نظرية وهمية في الواقع .
فإذا نظرنا إلى هؤلاء والى مآلهم والى أحوالهم - فهل يمكن لنا أن نقول أنهم على حق وندع الأثر لنظرهم ؟! لا يمكن أبداً فكل إنسان عاقل لا يمكن أي يتولى مثل هؤلاء ويأخذ من أقوالهم ؛ لأنها أقوال فاسدة متناقضة ليس لها أساس لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من أقوال السلف .
والعجيب أن الرازي يقول : أرواحنا في وحشة من جسومنا ، إلى هذا الحد : روحه مستوحشة من جسده ، لا تود أن تقر فيه ، كأنما يتمنون الموت الآن ومفارقة الروح الجسد الذي هي في وحشة منه ؛ لان الإنسان - نسأل الله العافية والسلامة والثبات - إذا لم يكن له عقيدة ضاع ، اللهم إلا أن يكون قلبه ميتا ، لان الذي قلبه ميت يكون حيوانيا لا يهتم بشيء أبداً ، لكن الإنسان الذي عنده شيء من الحياة في القلب إذا لم يكن له عقيدة فإنه يضيع ويهلك ، ويكون في قلق دائم لا نهاية له ، فتكون روحه في وحشة من جسمه وقوله: ( وحسن ما نحاه ذو الأثر) نحاه بمعني اتبعه ، يعني: وألم تر حسن ما اتبعه ذوي الأثر ، والجواب: أننا نرى ذلك، فنحن نطالع كتب هؤلاء وأقوالهم ، ونطالع كتب أولئك وأقوالهم، فنجد أن هؤلاء الأثريين، إذا قالوا قولاً فإنما يقولون بقول الله ورسوله، مطمئنين منشرحة صدورهم. أما أولئك فهم على العكس من هذا، دائماً في صراع قيل وقال، وجدل لا نهاية له، وفرضيات وهمية ليس لها أصل، فتجدهم في حيرة وقلق.
لكن ما نحاه أهل الأثر واتبعوه يقرأ احدهم كلام الله عز وجل : (وَجَاءَ رَبُّكَ)(الفجر:22) ( فيقول : سبحانه وتعالى يجيء كما يليق بجلاله ، ويقرأ : ( استوى على العرش) ( فيقول : استوى سبحانه وتعالى على عرشه كما يليق بجلاله ، ويقرأ :(بل يداه مبسوطتان) ( يقول : له يدان لكنها ليست كأيدي المخلوقين ؛ لان الله ليس كمثله شيء وهكذا يقرأ في القرآن والسنة نصوصا واضحة بينة.
ووالله لو خلوا من التقديرات التي يقدرونها ما وجدوا إلا خيرا ، أي شيء يضير الإنسان إذا قال : أنا أؤمن بان لله يدين ؛ لأن الله أثبتهما لنفسه ، ولكني أؤمن بأنه لا مثيل لهاتين اليدين ، هل عليه ضير ؟ أبداً ، بل ينشرح صدره ، ويستريح من التقديرات التي لا أساس لها ، ولذلك تجد أهل السنة والجماعة في هذا الباب هم أريح الناس بالا ، وأشرحهم صدرا ،وأكثرهم اطمئنانا وأبعدهم إشكالا . أما أن نذهب نقدر ونقول : اليد جارحة ، والجارحة ممتنعة ، والجارحة بعض من كل ، وما أشبه ذلك . وهذا جسم وهذا عرض ، فإننا سوف نتعب في هذا .
والأولى لنا أن نؤمن بأن لله يدا ونقول : سبحان الله العظيم ، وبأن له وجها وبأن له عينا ، وبأنه مستو على العرش ، وبأنه يجيء يوم القيامة ، وبأنه ينزل إلى السماء الدنيا ، إلى غير ذلك بدون أن نقدر تقديرات ، فلسنا نحن الذين نحكم على الله ، بل الله هو الذي يحكم علينا ولنفسه بما شاء ، أما نحن فليس لنا إلا التسليم في هذه الأمور ، ولهذا قال : ( حسن ما نحاه ذو الأثر ).
وأنا أجزم جزما أنك لو تلوت على أحد من العامة حديثا في صفات الله عز وجل ، تجده يسبح بلسانه ، ويعظم الله بقلبه ، ويقشعر من ذلك جلده ، لكن لو تلوته على واحد من أهل الكلام ما أحس بهذا أبداً ، بل ذهب يتصور أن الله مناف للمخلوق ، ثم يحاول أن يصرف هذا النص إلى معنى يدعي أنه معقول ،وتجده يتعب نفسه ، وذاك العامي يسبح ويهلل ويمجد الله ، ولا يتعب نفسه . وذاك يذهب يبحث عن القرائن ، ولا يكون في قلبه من تعظيم الله مثل ما يكون في قلب العامي ، وهذا أمر محسوس ،ولهذا ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا .
فأنت إذا أخذت النصوص على ظاهرها سلمت من كل شيء ، وعظمت الله حق تعظيمه ، ولن تحتاج إلى أن تتكلم في ذات الله كأنما تشرح جسما من أجسام الآدميين ، كما يوجد عند بعض الناس الآن ، حتى إني رأيت كتابا لبعض الناس يسال : هل يقال أن الله ذكر أو أنثى ؟ أعوذ الله إلى هذا الحد - نسأل الله العافية ؟!
والله إن هذا الإنسان ليس في قلبه تعظيم لله عز وجل وهو يفرض هذا الفرض ، فتجد من يقول : أقم دليلا على أن الله ذكر ؟! وتجد من يفرض ويقول : هل الله واحد أو متعدد ؟ والله يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )(الحجر: الآية 9) فنحن هنا جماعة ؟! فإذا أراد الإنسان السلام فليدع هذه الأشياء ، فماذا أنت يا ابن ادم بالنسبة للسماء وبالنسبة للأرض وبالنسبة للأشجار ؟! لست بشيء فكيف تتكلم في خالق السموات والأرض بأشياء ما تكلم بها عن نفسه ، ولا تحدث بها رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولا قالها من هم احرص منك على الخير وأشد منك تعظيما لله ؛ وهم الصحابة رضي الله عنهم .
ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له .. إلى آخره ) لم يفكر الصحابة رضي الله عنهم كيف ينزل الله تعالى وكيف يصعد ، بل فكروا كيف يستغلون هذا الوقت بالاستغفار والدعاء والسؤال ، وهذا هو الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أراد منهم أن يفكروا كيف نزل ومتى يصعد وكيف صعد بل أراد منهم أن ينتهزوا هذه الفرصة في هذا الجزء من الليل الذي يقول الله فيه : من يدعوني ؟ من يسألني ؟ من يستغفرني ؟
فالمهم أن الواجب علينا أن نعرض عما قاله أهل الكلام في هذا كله ، ونحن نحاجهم بكلمة بسيطة وهم أهل جدل ، فنقول : أأنتم أعلم باله أم الله ؟ إن قالوا : نحن أعلم بالله من الله فهم كرة بذلك . وإن قالوا : الله أعلم ، فنقول : ألم يقل عن نفسه كذا وكذا . فلماذا لا تقبلون ؟! ولماذا تحاولون الزيغ يمينا ويسارا ؟! والله عز وجل وضح وبين وكلامه أبين الكلام (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ )(النساء: الآية 26)( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(النساء: الآية 176)( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )(النحل: الآية 44).
فالقرآن مبين ، والرسول عليه الصلاة والسلام مبين ، ولا يمكن أبداً بحال من الأحوال أن يبين الله لنا كيف نبول ، وكيف نتغوط ، وكيف نلبس ، وكيف ندخل ، وكيف نخرج ، وكيف نأكل ، وكيف نشرب ، وكيف ننام ، وكيف نستيقظ ، ثم يدع البيان فيما يتعلق بأسمائه وصفاته التي هي زبدة الرسالة ، ونحن إذا لم نعرف الله ما عبدناه ، وإذا عرفناه فيجب أن نعرفه كما وصف نفسه ، بعيدا عما أشار المؤلف إليه من اختلاف أصحاب النظر ، فإن هذا يصدنا عن سبيل الله ويبعدنا كثيرا .
إذا بأي شيء يكون : ( حسن ما نحاه ذو الأثر ) ؟ يكون بإتباع الآثار ، وهذا الحسن يتمثل في طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر ، وركود النفس ، والانبساط ، وعدم القلق ، وعدم الحيرة . وكل هذا موجود ولله الحمد فيما نحاه أهل الأثر ، حيث يقولون : سمعنا وأطعنا .
قوله :( فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى وصحبه ) : ( فإنهم ) أي أهل الأثر ، (قد اقتدوا بالمصطفى ) وهو محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، فاتبعوه ظاهراً وباطناً ، ومن اتبع المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد هدى إلى صراط مستقيم، كما قال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(الشورى: الآية 52) ، ومن وفق لذلك فقد وفق لمحبة الله له ، قال تعالى : ( كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه)(آل عمران: الآية 31) ، ومن وفق لذلك فقد شرح صدره ، قال تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)(الزمر: الآية 22) .
فإذا وفق المسلم لإتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في العقيدة ، والقول والعمل ،والفعل والترك ، فقد وفق لكل خير . وقد قال بعض السلف : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن في لجالدونا عليه بالسيوف . الله اكبر ! فانك لو سالت أهل الدنيا : من انعم الناس ؟ لقالوا : الملوك وأبناء الملوك .
لكن أهل العبادة انعم من هؤلاء ، انعم ، واسر بالا ، وأشرح صدرا وأهدأ نفسا ، لأنهم متصلون بالله عز وجل في قيامهم وقعوهم ومنامهم ويقظتهم ، دائما مع الله ، والله تعالى معهم ، فهم انعم الناس في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .
لكن الملوك إذا اخذوا بما اخذ به هؤلاء صاروا انعم منهم ،ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إما عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ...) فبدأ هؤلاء السبعة بالإمام العادل ؛ العادل في معاملة الله وفي معاملة عبد الله .
فالمهم إننا نقول : إن الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فيه كل الخير ، فاحرص على أتباعه ظاهرا وباطنا ، في العقيدة ، والأقوال ، والأعمال ، والأفعال والتروك ، لكن ما فعله على سبيل التعبد فانك تفعله عبادة وتقربا إلى الله هه ، وما فعله لا على سبيل التعبد فإن من الناس من يفعله لمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام ، لا للتقرب إلى الله به ، بل يفعله لان الرسول صلى الله عليه وسلم فعله فيحب ما عله الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا تعبدا لله . كما أن الإنسان إذا أحب شخصا تجده يقلده وإن كان لا يعتقد أن في ذلك عبادة وتقربا إلى الله عز وجل .
ومن ثم كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في غير الأمور العبادية ، حتى أنه كان يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليبول فيه في الطريق فينزل ويبول ، لكن هذه القاعدة خالفه فيها أكثر الصحابة رضي الله عنهم ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
ثم قال : ( وصحبه ) صحب الرسول صلى الله عليه وسلم هم كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك ،ولكن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم طبقات وليسوا طبقة واحدة ، كما قال تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)(الحديد: الآية 10) حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد لما نازع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما : (( لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه ) ، ففرق بين خالد الذي تأخر إسلامه وبين عبد الرحمن بن عوف الذي يعتبر من السابقين إلى الإسلام .
والمهم أن الصحب طبقات ؛ طبقات في الصحبة ، وطبقات في الهجرة ،وطبقات في العلم وطبقات في كل شيء ولا يوجد أحد من الصحابة أفضل من أبي بكر رضي الله عنه ؛ لان الله تعالى نص على صحبته في القرآن الذي يتلى إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(التوبة: الآية 40) ، فاثبت الصحبة له ، وأثبت المعية الخاصة له مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(التوبة: الآية 40) .
ثم يليه بلا شك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي اختاره أبوبكر ، ونحن نشهد الله عز وجل أن أبا بكر اشد الناس أمانة وأصدقهم فراسة فأشد الناس أمانة لأننا نعلم لو كان الرجل يريد الخيانة ما ولى عمر رضي الله عنه ولولى أحد أبنائه أو أحد قومه ، لكنه أمين على هذه الأمة ، فأدى الأمانة رضي الله عنه حيا وميتاً.
ونعلم أنه أصدق الناس فراسة لأنه ولى عليهم من هو خير الناس بعده ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان دائما يقول : ذهبت أنا وأبوبكر وعمر ، وجئت أنا وأبوبكر وعمر ، ودائما يقترن اسم هذين الرجلين باسم الرسول عليه الصلاة والسلام .
ولهذا شاء الله سبحانه وتعالى بحكمته أن يكون هؤلاء الثلاثة قرناء في الحياة وفي الممات ، فقبورهم في مكان واحد ، ويوم القيامة يقومون من قبورهم قيام رجل واحد ، وهذه هي الميزة والفضيلة .
والمهم أن الصحب يختلفون ، لكن على كل حال لا أحد يساوي الصحابة رضي الله عنهم في فضل الصحبة أبداً أما في العلم فربما يوجد من التابعين من هو اعلم من بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فإن الرجل الأعرابي لو جاء للرسول صلى الله عليه وسلم ، وآمن به وأخذ منه ما أخذ من الشريعة وانصرف إلى قومه ولم يأت إلى المدينة للتعلم لا شك أن من التابعين من هو اعلم منه ، ولكن الصحبة التي هي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام مع الإيمان به لا توجد في غير الصحابة رضي الله عنهم.
قال : ( فاقنع بهذا وكفى ) ، ونقول للمؤلف رحمه الله : سمعا وطاعة ، نقنع بهذا إن شاء الله تعال ، ونسأل الله تعالى أن يميتنا عليه ، ( اقنع بهذا ) أي : بإتباع آثار المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وصحبه ، ( وكفى ) أي : كفى عن كل شيء ، كفى عن أهل النظر ، وعن مجادلاتهم ، وعن معقولاتهم التي هي وهميات ، ففي هذين البيتين اكبر دليل على بطلان ما عليه أهل النظر ، وأكبر دليل على صحة ما عليه أهل الأثر . والله اعلم .

المرجع/
موقع الشيخ ابن عثيمين:
المكتبة المقروءة/ التوحيد/ شرح العقيدة السفارينية/مقدمة المنظومة.


قال الشيخ العلامة/ محمد العثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة الكهف: عند الآية/ 22.
( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً ) أي لا يصل إلى القلب لأنه إذا وصل الجدال إلى القلب اشتد المجادل، وغضب وانتفخت أوداجه وتأثر، لكن لما لم يكن للجدال فيهم كبير فائدة قال الله تعالى: { فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً } يعني إلاَّ مراءً على اللسان لا يصل إلى القلب، ويؤخذ من هذا أن ما لا فائدة للجدال فيه لا ينبغي للإنسان أن يتعب قلبه في الجدال به، وهذا يقع كثيراً؛ أحياناً يحتمي بعض الناس إذا جودل في شيء لا فائدة فيه، فنقول: "يا أخي لا تتعب، اجعل جدالك ظاهراً على اللسان فقط لا يصل إلى القلب فتحتمي وتغضب"، وهذا يدل على أن ما لا خير فيه فلا ينبغي التعمق فيه، وهذا كثير، وأكثر ما يوجد في علم الكلام، فإن علماء الكلام الذين خاضوا في التوحيد وفي العقيدة يأتون بأشياء لا فائدة منها، مثل قولهم: "تسلسل الحوادث في الأزل وفي المستقبل" وما شابه ذلك من الكلام الفارغ الذي لا داعيَ له، وهم يكتبون الصفحات في تحرير هذه المسألة نفياً أو إثباتاً مع أنه لا طائل تحتها، فالشيء الذي ليس فيه فائدة لا تتعب نفسك فيه، وإذا رأيت من صاحبك المجادلة فقل له: "تأمل الموضوع" وسدَّ الباب.
المرجع/
موقع الشيخ ابن عثيمين:
المكتبة المقروءة/ التفسير/ سورة الكهف.

قال الشيخ العلامة/ محمد العثيمين -رحمه الله- في كتاب:فتح رب البرية بتلخيص الحموية.
الباب الثاني والعشرون
في تحذير السلف عن علم الكلام

علم الكلام هو: ما أحدثه المتكلّمون في أصول الدين من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها، وأعرضوا بها عما جاء الكتاب والسنة به، وقد تنوعت عبارات السلف في التحذير عن الكلام وأهله، لما يفضي إليه من الشّبهات والشّكوك، حتى قال الإمام أحمد: "لا يفلح صاحب كلام أبداً". وقال الشافعي: "حُكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام" اهـ.
وهم مستحقون لما قاله الإمام الشافعي من وجه؛ ليتوبوا إلى الله، ويرتدع غيرهم عن اتباع مذهبهم، وإذا نظرنا إليهم من وجه آخر، وقد استولت عليهم الحيرة، واستحوذ عليهم الشيطان، فإننا نرحمهم ونرقّ لهم، ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاهم به.
فلنا فيهم نظران: نظر من جهة الشرع: نؤدبهم ونمنعهم به من نشر مذهبهم.
ونظر من جهة القدر: نرحمهم، ونسأل الله لهم العافية، ونحمد الله الذي عافانا من حالهم.
وأكثر من يخاف عليهم الضلال هم الذين دخلوا في علم الكلام ولم يصلوا إلى غايته.
ووجه ذلك أن من لم يدخل فيه فهو في عافية، ومن وصل إلى غايته فقد تبين له فساده، ورجع إلى الكتاب والسنة، كما جرى لبعض كبارهم(47) فيبقى الخطر على من خرج عن الصّراط المستقيم، ولم يتبين له حقيقة الأمر.
وقد نقل المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في هذه الفتوى كثيراً من كلام من تكلم في هذا الباب من المتكلمين. قال: "وإن كنا مستغنين بالكتاب والسنة وآثار السلف عن كل كلام، ولكن كثيراً من الناس قد صار منتسباً إلى بعض طوائف المتكلمين ومحسناً للظن بهم دون غيرهم، ومتوهّماً أنهم حقّقوا في هذا الباب ما لم يحقّقه غيرهم، فلو أتى بكل آية ما تبعها حتى يؤتى بشيء من كلامهم". ثم قال: "وليس كل من ذكرنا قوله من المتكلمين وغيرهم، نقول بجميع ما يقوله في هذا وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به"(48) . اهـ.
فبيّن رحمه الله أن الغرض من نقله بيان الحق من أي إنسان، وإقامة الحجة على هؤلاء من كلام أئمتهم. والله أعلم.
المرجع/
موقع الشيخ ابن عثيمين:
المكتبة المقروءة/غير مصنف/ فتح رب البرية بتلخيص الحموية.

قال الشيخ العلامة/ محمد العثيمين -رحمه الله- في شرح العقيدة السفارنية:

الخاتمة
148- مدارك العلوم في العيان **** محصورة في الحد والبرهان
185- وقال قوم عند أصحاب النظر **** حسٌّ وإخبار صحيح والنظر
_____
الشرح
هذه مسائل مبنية على علم المنطق ، والمؤلف رحمه الله أتى بها ملجأ إليها ، وإلا فنحن في غنى عن المنطق فالصحابة رضي الله عنهم لم يدرسوا المنطق ، ولا عرفوا المنطق ، والتابعون كذلك .
والمنطق حدث أخيراً ، ولا سيما بعد افتتاح بلاد الفرس والرومان حيث انتشرت كتب الفلاسفة ، ولا سيما أنها دعمت بعمل من الخلافة كما فعل المأمون ، الذي قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله : لا اعتقد أن الله يغفل للمأمون عما صنع بهذه الأمة ، أو كلمة نحوها والعياذ بالله ، فقد جر الناس إلى سوء ، ودعاهم إلى ضلاله ، والله حسيبه .
لكن علم المنطق كتب فيه العلماء رحمهم الله وحذروا منه ، وممن كتب في الرد على المنطق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد كتب في الرد عليهم كتابين أحدهما مطول والآخر مختصر ؛ المطول : الرد على المنطقيين ، والمختصر : نقض المنطق ، وهذا الأخير أحسن لطالب العلم ؛ لأنه أوضح وأحسن ترتيباً ، وقد ذكر رحمه الله في مقدمة كتاب الرد على المنطقيين قال : (( إن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد)) ، فالبليد يبقى ساعات ليحل سطراً مما كتب فيه ، والذكي لا يحتاج إليه ، وإذا كان الذكي لا يحتاج إليه والبليد لا ينتفع به ، إذاً فإن دراسته مضيعة وقت .
وهذا الكلام من شيخ الإسلام يدل على أن أدنى أحواله الكراهة ، والعلماء رحمهم الله اختلفوا فيه ؛ فمنهم من حرمه ومنهم من قال : ينبغي أن يعلم ، ومنهم من فصل ، فقال : الإنسان الذي عنده منعة لا يؤثر على عقيدته فإنه ينبغي أن يتعلمه ليحاج به قومه ، أي قوم المنطق ، ومن لم يكن كذلك فلا يتعلمه لأنه ضلال .
والصحيح أنه لا يتعلمه مطلقاً ؛ لأنه مضيعة وقت ، لكن إذا اضطر إلى شيء منه فليراجع ما اضطر إليه فقط ، ليكون تعلمه إياه كأكل الميتة ، يحل للضرورة وبقدر الضرورة ، فإذا كان هناك اضطرار أخذ من علم المنطق ما يضطر إليه فقط ، أما أن يتوسع ويضيع وقته فيه فلا .
وذلك لأنه ما ادخل علم المنطق على المسلمين إلا البلاء ، حتى أوصلهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، وينكروا على الله ما وصف به نفسه ، فالمسألة خطيرة ، والله عز وجل نزل الكتاب تبياناً لكل شيء ، لا يحتاج الناس إلى شيء بعد كتاب الله ، وأمر عند التنازع أن يرد إلى الكتاب والسنة ،قال تعالى ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: الآية59)).
المرجع/
موقع الشيخ ابن عثيمين:
المكتبة المقروءة/ التوحيد/ شرح العقيدة السفارينية.