المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : -الجزء الأول- أقسام أدلة الشرع للشيخ محمد علي فركوس


حفيد الصالحين
07-08-2011, 11:10 PM
http://www.ferkous.com/image/gif/C0.gif

مقدمة

إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه،.وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين إلى يوم الدِّين. أمَّا بعد:
فإنَّ الحافظ أبا الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة (474ه) أحد قادة الفكر الأندلسي الذين بلغوا ذروة المجد العلمي والنبوغ الفكري في القرن الخامس الهجري، قد أسهم في إثراء وتعزيز الثروة العلمية العظيمة بما تركه من آثار علمية قيِّمة، نافعةٍ جليلةٍ، جمعت بين الرواية والدراية، والمنقول والمعقول، فبرع في القرآن والحديث وعلومهما، والفقه وأصوله، والعربية وقواعدها، والعقليات وغوامضها، فكان خبيرًا بها، قادرًا على التأليف فيها، ومن مصنَّفاته الأصولية: كتابه المختصر الموسوم ب «الإشارة في معرفة الأصول، والوجازة في معنى الدليل»، ومن خلال مضامين كتابه يظهر تأثُّره بشيخه الأصولي الفقيه: أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الشافعي المتوفى سنة (476ه) في مسائل تعرَّض لها في كتبه الأصولية والجدلية، مثل: «التبصرة» و«شرح اللمع» و«المعونة في الجدل»، كما هو الحال في اصطلاح: «لحن الخطاب» و«فحوى الخطاب» و«إطلاقه لفظ الراوي» وغيرها، كما اعتمد على كتبه في نقل الآراء الأصولية للمذهب الشافعي، وعلى كتب شيخه الفقيه القاضي: أبي جعفر محمَّد بن أحمد السمناني المتوفى سنة (444ه) في نقل اجتهادات المذهب الحنفي، وأفاد المؤلِّف - أيضًا - من كتاب «التقريب» في أصول الفقه للقاضي: أبي بكر محمَّد بن الطيب الباقلاني المتوفى سنة (403ه) في مسائل عديدة منها: «الأوامر والنواهي» و«العموم والخصوص»، و«أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، ومسائل أخرى، وقد كان للمصنِّف رأيٌ مع الاجتهادات التي يوردها، فإن حصل توافق مع رأيه أخذ بها وإلاَّ ناقشها وفنَّدها، لذلك جاء كتاب «الإشارة» لأبي الوليد الباجي -رحمه الله- على صغر حجمه واختصاره مستوعبًا لمعلومات أصولية نفيسة، مفيدة للمبتدئ والباحث، راعى المؤلِّفُ فيه التيسيرَ والتسهيل، واختصره من كتابه المفصَّل في الأصول الموسوم ب «إحكام الفصول في أحكام الأصول» فأشار فيه إلى أهمِّ أبواب أصول الفقه، وأوجز العبارة في إيراده لمعاني الأدلة سواء النقلية منها أو العقلية بإيجاز غير مخلٍّ، تسهيلاً للفهم، وتمكينًا للقارئ من تحصيل المراد منه دون عناء ولا نَصَب، مكتفيًا بذكر الأقوال في المسائل الأصولية المطروحة، لذلك سماه «الإِشَارَة فِي مَعْرِفَةِ الأُصُولِ، وَالوِجَازَة فِي مَعْنَى الدَّلِيلِ»، فكانت عبارة المصنِّف علمية دقيقة سلسة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والتعصُّب المذهبي، ولم يسلك فيه المصنِّف نهج المقارنة بين الآراء الأصولية المتعارضة بإيراد أدلتها ثمَّ مناقشتها ونقضها، وإبراز الراجح منها كما هو صنيعه في الأصل إلاَّ نادرًا، فتراه يبيِّن ما ترجَّح عنده من الآراء الأصولية المالكية مدعِّمًا ترجيحَه بالحُجَّة النقلية والعقلية، وتارة يكتفي بدليل نقلي أو عقلي.
أمَّا التعريفات الاصطلاحية الواردة في النصِّ فقد استقاها كلَّها من كتابه: «الحُدود في أصولِ الفقه» كما يظهر - أيضًا - رجوع المؤلِّف إلى كتابه في الجدل المسمَّى: ب «تفسير المنهاج في ترتيب الحجاج»، فقد أفاد منه مسائل عديدة منها: «باب الترجيح» بمُعظم فصوله.
واقتصر المصنِّف في مؤلَّفه على أقوال وآراء علماء المذاهب الثلاثة: الحنفي والمالكي والشافعي من غير أن يتعرَّض للمذهب الحنبلي، ولعلَّ اقتصاره هذا كان نتيجة اطِّلاعه على الاجتهادات الأصولية لعلماء المذاهب الثلاثة من خلال تَتَلْمُذِهِ على شيوخه من الحنفية والمالكية والشافعية.
وجاء كتاب «الإشارة» حافلاً بجملة من أقوال علماء المالكية ممَّن لم تنل اجتهاداتهم حظَّها من الطباعة والنشر، أمثال: القاضي أبي إسحاق إسماعيل ابن إسحاق البصري المتوفى سنة (282ه)، وأبي الفرج عمرو بن محمَّد ابن عمرو الليثي البغدادي المتوفى سنة (331ه)، وأبي بكر محمَّد بن عبد الله ابن محمَّد بن صالح الأبهري المتوفى سنة (375ه)، وأبي الحسن علي بن عمر ابن أحمد الشهير بابن القصَّار المتوفى سنة (398ه)، وأبي محمَّد عبد الوهاب ابن علي بن نصر بن أحمد التغلبي المتوفى سنة (422ه)، وأبي عبد الله محمَّد بن أحمد ابن عبد الله بن خويز منداد البصري المتوفَّى في (أواخر القرن الرابع الهجري)، وغيرهم من أعلام المالكية المعروفين بالإجادة والإتقان في علم أصول الفقه وغيره من علوم الشريعة، بغض النظر عن أئمَّة المذاهب الأخرى.
وضِمن الاهتمام بمضامين كتاب «الإشارة» فلا أعلم من تناوله بالشرح والتوضيح إلاَّ ما ذكره لسان الدِّين بن الخطيب في ترجمته لمحدث الأندلس: أبي جعفر بن الزبير الثقفي(1 )، حيث عدَّ من جملة مصنَّفاته المفيدة «شرح الإشارة للباجي في الأصول»(2)، وما ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» في ترجمته لأبي العباس أحمد حلولو القروي(3 )، وهذان الشرحان -حاليًّا- في حكم المعدوم إذ لم يصل إلينا منهما شيء.
هذا، وكتاب «الإشارة في معرفة الأصول» قد تناولته -فيما مضى- بالدراسة والتحقيق في محاولةٍ لإخراجه على صورةٍ قريبةٍ من الصورة التي وضعها المصنِّف، وقد سلكت فيه خطوات منهجية متمثِّلة في القسم الدراسي أوَّلاً، حيث رتَّبت فيه الخِطَّة على مقدّمة شاملة لأهمِّية ما يتضمَّنه الكتاب من قِيمةٍ علميةٍ مع الإشادة بمكانة المصنِّف العلمية، وبسطت منهجي في الكتاب، ثمَّ مهَّدت لترجمة أبي الوليد الباجي ‑رحمه الله‑ وحياته العلمية بتمهيد بيَّنت فيه -باختصار- الوضع السياسي في القرن الخامس الهجري بالأندلس -وهو عصر ملوك الطوائف الذي عاش فيه الإمام الباجي رحمه الله- وانعكاساته السلبية على الوضع الاجتماعي المتردِّي لأَصِلَ إلى ذِكْرِ بعضِ ملامحِ الواقع العلمي وعوامل الازدهار الفكري.
وفي القسم التحقيقي تجسَّد عملي باتباع خطوات منهجية، لا تخرج في الجملة عمَّا يسلكه أهلُ التحقيق في مناهجهم الحديثة في تحقيق التراث الإسلامي وغيره، وختمتُ الكتابَ بإعداد فهارسَ فَنِّيةٍ عِلميةٍ عامَّةٍ للكتاب تسهيلاً للرجوع إليه، ولم أدَّخر وُسْعًا فيه لينال حظَّه من الدراسة والتحقيق، والحمد لله الذي سهَّل لإخراجه ويسَّر لطبعه عِدَّة طبعات داخل الجزائر وخارجها.
ومن أيام التحقيق وأنا تشدُّني رغبة مُؤكَّدة في الشرح والتعليق على بعض جوانب محتوى الكتاب على ما تضمَّنه من معلومات وقواعد أصولية نافعة، غير أنَّ الهِمَّةَ به فترت لأسباب أو لأخرى، لولا إلحاح بعض إخواني الذين نحسبهم من أهل الحِرص على دراسة كُتب التراثِ وتحصيلِ منافعها، دفعني إلى الاهتمام بالشرح والتعليق على الجوانب التي تحتاج إلى شرح وتوضيح ممَّا لا يحتويه كتابه «إحكام الفصول في أحكام الأصول»، وممَّا قوَّى استجابتي لطلبهم ما وقفت عليه من ملاحظات عامَّة على منهجية المصنِّف في هذا الكتاب كإدراجه الفصل المتعلِّق ب «التعارض والترجيح» في «باب العموم وأقسامه»، إذ لا يخفى ما جرت به عادةُ علماءِ الأصولِ عند تَعَرُّضِهم لمسألة التعارض والترجيح بوضعها في باب مستقلٍّ ويجعلونها مع أواخر المباحث الأصولية الذي هو مكانها الأصلي لها، ومن ناحية ثانية يكتفي المصنِّف في العديد من المسائل الاجتهادية بذكر القول منسوبًا إلى أهله ومقرونًا بدليله، من غير إشارة إلى كون المسائل مختلفًا فيها على نحو ما يفعله في المسائل الأخرى التي تعرَّض لها بالبيان، كمسألة «تخصيص العموم بخبر الواحد»، و«تخصيص عموم القرآن وأخبار الآحاد بالقياس الجلي والخفي»، و«فحوى الخطاب»، و«لحن الخطاب»، و«الحصر» وغيرها. كما أنَّ المصنِّفَ يُعَنْوِنُ في كتابه الأبواب والفصولَ لكن يغيب التوازن بينها، فنجد أبوابًا تتراوح فصولها من ثلاثة إلى أحد عشر فصلاً، وأبوابًا أخرى بفصل واحد فريد: ك «باب أحكام الاستثناء»، و«باب الأسماء العُرفية»، و«باب أحكام الترجيح»، وأبوابًا ثالثة مجرَّدة من الفصول: ك «باب حكم المطلق والمقيَّد وما يتَّصل بالخاصِّ والعامِّ»، و«باب حكم المجمل»، وتارة تتعرَّى بعض المباحث الأصولية عن الأبواب والفصول كمسائل «النهي». وقد ألصقت في تعليقي على الفصول المعراة عناوين مناسبةً وضعتها بين معقوفين ليسهل الرجوع إليها.
وممَّا تجدر ملاحظته -أيضًا- أنَّ المصنِّف قد يقسِّم المسألةَ إلى ضربين أو أكثر، فيترك الضرب الأوَّل ضِمن باب والأضرب الأخرى ضمن فصول لاحقة لها، مثل ما فعل في «باب الكلام في معقول الأصل»، وقد يعمد -أحيانًا- إلى تقسيم المسألة إلى قسمين: يضع القسم الأوَّل في فصل، والثاني في باب، مثل ما هو حاصل في «باب أحكام الترجيح»، ولا يخفى أنَّ مثل هذه الجوانب من منهجية التأليف مُؤاخَذٌ عليها من الناحية الشكلية، فضلاً عن الملاحظات والتعليقات التي أوردتها على متن المصنِّف، وقد جاءت إكمالاً لمضمون القاعدة، وإتمامًا للفائدة وتعميمًا للخير وخدمةً للعلم، وذلك بتنوير مقاطعَ من نصِّ المصنِّف وزيادةِ توضيحِها، وقد وسمت شرحي وتعليقي عليه بعنوان: «الإنارة شرح كتاب "الإشارة"».
هذا، وحريٌّ بالتنبيه أنَّ المقطع المشروحَ على نصِّ المؤلِّف قد رمزتُ له بحرف [م]، آخذًا مِن أوَّل حرف لفظ [المعلق]، وتركت الإحالةَ على المصادر في بعض الجهات من الشرح والتعليق اكتفاءً بالمصادر المثبتة على هامش التحقيق السابق لنصِّ المصنِّف.
وقد رأيتُ من المفيد أن أعقد ترجمةً موجزةً لأعلام «الإنارة» الذين لم يحظوا بترجمةٍ في كتاب «الإشارة» استكمالاً لقائمة الأعلام المشهورين والمغمورين.
كما وضعتُ عناوين فرعيةً للفصول الواردة في نصِّ المؤلف، والخالية منها، وكذا الفقرات المحتاجة إلى عناوين جزئية تسهيلاً للرجوع إليها، وجعلتها بين معقوفين للتمييز بين نصِّ المعلِّق ونصِّ المؤلِّف.
واللهَ تعالى أسألُه أن ينفعنَا بعِلم السابقين، ويحشرَنا مع الصالحين، ويغفرَ لنا أجمعين، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمِّد، وعلى آله وصحبه وزوجاته أُمَّهات المؤمنين، وإخوانه إلى يوم الدِّين.

القاضي أبو الوليد الباجي
في ترجمة مختصرة(4)
هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التُّجِيبِي(5 )، الباجي، القرطبي، البَطَلْيَوْسي، الذهبي(6) الأندلسي، القاضي المالكي، المُكَنَّى بأبي الوليد، ولد الباجي -رحمه الله- يوم الثلاثاء 15 من ذي القعدة سنة 403ه، وكان مسقط رأسه ببطليوس، ثمَّ رُحِلَ به في صباه إلى باجة الأندلس، ثمّ انتقل إلى قرطبة، وينتسب أبو الوليد الباجي -رحمه الله- إلى أسرة علم وتقوى ونُبْلٍ وحسن تديُّن، فكان والده أبو سليمان خلف بن سعد من أهل العِفَّة والصلاح، ووالدته أُمُّ سليمان فقيهة عابدة، وهي بنت فقيه الأندلس: أبي بكر محمَّد بن موهَب القبري المعروف بالحصار فهو جدّه لأمِّه، وإخوته الأربعة: إبراهيم وعلي وعمر ومحمَّد، على وتيرة أبيهم من حسن التديُّن، وأعمامه الثلاث بنو سعد: سليمان، وعبد الرحمن وأحمد فقد نُعِتُوا بكثرة العبادة والخير، أمَّا أخواله فكانوا من أهل العلم والعبادة، ومنهم خاله العالم الخطيب أبو شاكر عبد الواحد ابن محمَّد المعروف بابن القبري، وهو أحد شيوخ القاضي أبي الوليد الباجي. أمَّا أبناؤه فمنهم: محمَّد وكنيته: أبو الحسن، توفي في حياة والده وكان شابًّا يتَّصف بالذكاء والنبل، ومن أشهر أولاده: أبو القاسم، الذي برع في علم الأصول وخلَف أباه في حلقته بعد وفاته، وأذن له في إصلاح كتبه الأصولية وجمع ديوانه، وصَلَّى عليه يوم وفاته، وله ابنة نجيبة زوَّجها للفقيه المحدِّث: أبي العباس أحمد ابن عبد الملك المُرسي أحد طلبة الباجي.
وفي وسط هذه الأسرة العربية الأصيلة، وفي كنف هذه البيئة العلمية نشأ أبو الوليد الباجي ونال حظَّه من التربية الحسنة، وأخذ تعليمَه الأوَّلي في سِنٍّ مُبكِّرة، ساعده ذلك على تنمية قدراته الذِّهنية ومواهبه الفكرية، الأمر الذي فسح أمامَه آفاقًا واسعةً تبشِّر بغدٍ مُشرقٍ بالعلم والمعرفةِ.
وفي مراحله التعليمية توجَّه أبو الوليد الباجي برغبة أكيدة إلى طلب العلم، وعَمِل على تحصيل مدارك العلوم والمعرفة بشتى الوسائل تدريجيًّا، فأخذ من علماء بلده بالأندلس غربًا أَوَّلاً، ففي قُرْطُبَة أخذ عن خاله: أبي شاكر عبد الواحد، وعن المحدِّث اللغوي: يونس بن مُغيث، وعن الإمام المقرئ الكبير: أبي محمَّد مكي بن أبي طالب، وبطُرطُوشَة أخذ عن أبي سعيد الجعفري، وبطُلَيْطِلَة أخذ عن ابن الرحوي، وبسَرَقُسْطَة أخذ عن بن فُورْتش القاضي، وبوَشْقَة أخذ عن ابن أبي درهم، فلمَّا استوعب أبو الوليد الباجي علوم الأندلس وجد في نفسه عزمًا قويًّا في المزيد من طلب العلوم، فقرَّر الرحيل صوب المشرق الإسلامي ثانيًا، فأخذ من علماء الحجاز والعراق بصبرٍ عريضٍ واجتهاد دؤوب وهمَّة عالية، وكان أوَّل منازله الحجاز، ففي مكَّة لزم أبا ذرٍّ الهَرَوي، وسمع من شيوخ الحرم كأبي بكر المُطَّوَّعي وأبي بكر بن سَحْنَوَيْه الإسفرائيني، وأبي القاسم بن مُحْرِزٍ وغيرهم، ومن الحجاز اتجه صوب العراق وهو لا يزال متعطِّشًا إلى المزيد من العلوم، ولتحقيق رغبته استأجر نفسه أيام إقامته ببغداد لحراسة الدروب، فكان ينفق ما يعطى له من أجر على معاشه دون أن تفوته مجالسة العلماء، ويستعين بضوء الدروب ليلاً ليطالع ما حصَّله من العلم ويراجعه.
ومن أشهر شيوخه ببغداد القاضي: أبو الطيِّب طاهر الطَّبَري الشافعي، وأبو إسحاق إبراهيم الشِّيرازي، وأبو الفضل بن عَمروس، وأبو عبد الله الصَّيمَري، وأبو عبد الله الصُّوري وغيرهم، ثمَّ دخل الشام، وفي دمشق مكث ثلاثة أعوام، أخذ عن جملة من كبار العلماء منهم: أبو الحسن بن السَّمسار، وأبو محمَّد بن جُميع، وأبو القاسم بن الطُّبَيز وغيرهم، ورحل إلى المَوْصِل، وبها أقام عامًا كاملاً يدرس العقليات على أبي جعفر السِّمْنَاني، ودخل مصر وبها سمع من أبي محمَّد بن الوليد وغيره، هكذا قضى أيامه الدراسية بالمشرق نحو ثلاث عشرة سنة من المثابرة في الطلب والاجتهاد في التحصيل لا يَهاب في سبيل تحقيق رغبته حرَّ الصيف ولا بردَ الشتاء.
فلما حقَّق رغبتَه وأشبع حاجتَه وقضى منيته، وبرع في القرآن والحديث وعلومِهما، والفقه والأصول، والعربية وقواعدها، والعقليات وتوابعها، وجد في نفسه حنين الديار وأحسَّ بالشوق للأهل والأحباب، فقرَّر العودة إلى الأندلس بعد رحلته المشرقية. وقد كان لطائفة من أهمِّ شيوخ أبي الوليد الباجي الأثر البالغ على شخصيَّته، ومفعولاً في تكوينه العلمي وسلوكه الخُلُقي، كما كان لأقرانه الذين لهم نصيب في تكوين شخصيته العلمية من خلال التنافس في البحث والتحصيل والتأليف والتدوين والمناظرات العلمية، ومن أقرانه: أبو محمَّد بن حزم الظاهري، وأبو عمر بن عبد البر النَّمَرِي، وأبو بكر الخطيب البغدادي وغيرهم، وفي أرض الأندلس قام أبو الوليد الباجي بعِدَّة نشاطات علمية تمثَّلت في دروسه العامَّة والتوجيهية، وحلقاته التربوية الخاصَّة التي كان يلقيها في مختلف جهات الأندلس من خلال تنقُّلاته المتعدِّدة بين الأمصار وحواضر الأندلس لنشر العلم وبثِّ المعرفة، وقد كانت حلقاته من أكبر حلقات الاستماع في الأندلس عددًا، وسهَّلت تنقلاتُه للعديد من الطلاَّب الذين لم تسمح لهم ظروف التنقُّل من الأخذ والرواية عنه ومن التحديث والمذاكرة، ومن أهمِّ تلامذة أبي الوليد الباجي الذين تفقَّهوا بملازمته وانتفعوا بعلمه ونشروه: ابنه أبو القاسم أحمد بن سليمان، وأبو علي الحسين بن أحمد الغسَّاني الجِيَّاني، وأبو علي حسين الصَّدَفي السَّرَقُسْطِي المعروف بابن سكرة، وأبو بكر الطُّرطوشي المعروف بابن أبي رَنْدَقَة، وأبو بكر محمَّد بن حَيدرة المَعَافري، وأبو بكر عبد الله الإِشبيلي، وأبو بكر بن دُرَيد الأَسدي، وغيرهم كثير ممّن أثر في تكوينهم العلمي والتربوي وتفقّهوا على يديه.
هذا، وقد كانت للمناظرات العلمية التي أجراها بالأندلس، وظهور تآليفه الأصولية والفقهية، وانتشار علمه وذيوع صيته، وما يتميّز به من صفة خَلْقِية في هيئته وسمته ووقاره، فضلاً عن اتصافه بالديانة والتقوى، الأثر البالغ في نفوس الناس، كما كان تكوينه العلمي والأدبي محلَّ ثقتهم، الأمر الذي فتح مجالاً للحكَّام ليتَّصلوا به ويتقرَّبوا إليه، وكانت صلته بهم عملية تتمثَّل في مهام ميدانية، فقد أسند إليه مهمَّة القضاء وكلِّف به، ثمَّ ندب ليطوف بحواضر الأندلس قصد توحيد جهود المسلمين وجمع كلمة الملوك، ولَمِّ الشَّعَثِ والوقوف صفًّا واحدًا متراصًّا ضدّ «ألفونس السادس» العدو المشترك الذي كان يتربَّص بهم الدوائر بعد ما قويت شوكته، وتكثَّفت ضغوطه على طُلَيْطِلَة، فلم يزل أبو الوليد الباجي في سفارته بين ملوك الطوائف مجتهدًا يؤلِّفهم على نصرة الإسلام ونبذ أحقادهم، وجمع كلمتهم، والاستعانة بجيش المرابطين بقيادة «يوسف بن تاشفين» لصدِّ العدو الصليبي الحاقد حتى وافاه أجله بمدينة «المَريَّة» من ليلة الخميس -بين العشائين- في التاسع عشر [ 19 رجب من سنة 474ه] عن عُمْرٍ يناهز الواحد والسبعين سنة، رحمه الله ورحم المسلمين أجمعين.
هذا، وإنَّ اشتغال أبي الوليد الباجي بالمهام القضائية والأمانات والسفارة بين ملوك الطوائف لإصلاح ذات البين لم يَثْنِهِ عن نشر العلم والمعرفة والتدريس والتأليف، فلقد ترك -رحمه الله- آثارًا علميةً نافعةً، وثروةً وافرةً قيِّمةً من الكتب والرسائل في مجالات شتَّى وفنون متنوِّعة جمعت بين المنقول والمعقول، والرواية والدراية، تشهد له بالمعرفة، وسعة علمه، ومكانته الراقية بين علماء زمانه، وقد حَفِظَتْ لنا مختلفُ المصادر والمراجع عناوين كتبه ومسائله منها ما خرج إلى حيِّز الوجود مطبوعًا ومتداولاً، ومنها ما بقي مخطوطًا، فله مؤلَّفات في فقه أحاديث الموطَّأ والمسائل الفرعية عليها مثل: «الاستيفاء»، و«المنتقى»، و«الإيماء»، وله في شرح المسائل الفقهية في المدوَّنة أو في اختصارات عليها وتهذيبها منها: «شرح المدوَّنة»، و«مختصر المختصر»، و«المهذب»، وفي المجال الفقهي أيضًا له: «المقتبس في علم مالك بن أنس»، وكتاب «فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام».
وله في مجال الحديث والرجال والتراجم مؤلَّفات منها: «التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح»، و«اختلاف الموطآت»، و«فرق الفقهاء»، و«التبيين لمسائل المهتدين»، و«فهرست».
أمَّا مُصنَّفاته الأصولية والجدلية فمنها: «إحكام الفصول في أحكام الأصول»، و«الإشارة إلى معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل»، و«الحدود في أصول الفقه»، و«الناسخ والمنسوخ في الأصول»، و«تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج».
وله مُصنَّفات في الزهد والرقائق منها: «سنن الصالحين وسنن العابدين»، وكتاب «سبيل المهتدين».
كما له مصنَّفات في علوم أخرى مثل: «التسديد إلى معرفة التوحيد»، و«تفسير القرآن»، و«الانتصار لأعراض الأئمَّة الأخيار»، وفي اللغة: «تهذيب الزاهر لابن الأنباري».
وللقاضي أبي الوليد الباجي -أيضًا- رسائل ومسائل، ومن رسائله: «الردّ على رسالة الراهب الفرنسي»، و«تحقيق المذهب في أنَّ رسول الله قد كتب»، و«الوصية لولديه»، و«شرح حديث: البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، ومن المسائل التي عالجها الباجي والتي تحمل الصبغة الفقهية والطابع الخِلافي مثل: «مسألة مسح الرأس»، و«مسألة غسل الرجلين»، و«مسألة اختلاف الزوجين في الصداق» وغيرها.
كما أنَّ له شِعرًا ونثرًا اهتمَّ بهما منذ صغره، فجعل قراءة الأدب شِعرًا ونثرًا أحد محاور عنايته، وشاعرية أبي الوليد الباجي متَّفق عليها عند علماء التراجم، فقد كان شاعرًا مطبوعًا جيِّد العبارة، حَسَنَ النظم، فشِعره هادف يعمل على خدمة أغراض بنَّاءة بمعان في عقود مصروفة عن الإسفاف والهذر، وجملة أبياته وشعره تدلُّ على ذوقه الأدبي ونبوغه الشعري.
ومن شعره قوله في فساد الطبائع والأخلاق:
مَضَى زَمَنُ المَكَارِمِ وَالكِرَامِ
وَكَانَ البِرُّ فِعْلاً دُونَ قَوْلٍ

سَقَاهُ اللهُ مِنْ صَوْبِ الغَمَامِ
فَصَارَ البِرُّ نُطْقًا بِالكَلامِ
هذا، وملخَّص حياة أبي الوليد الباجي -رحمه الله-، في الجملة أنه ابتدأ حياته الفكرية بالأدب فبرز في ميادينه، وانتهى تحصيله بعلوم الديانة غربًا وشرقًا، وجعل خاتمة أمره ومنتهى طوافه السفارة الإصلاحية بين ملوك الطوائف جمعًا لكلمة المسلمين ولَمًّا لشملهم، فضلاً عن المهام القضائية والأمانات التي أسندت إليه، كلّ ذلك لم يمنعه من أداء واجبه في نشر العلم والمعرفة وتكريسهما بالتدريس والتأليف، وقد خلف لنا آثارًا وثروةً علميةً نافعةً تَرْبُو عن ثلاثين مؤلَّفًا في مختلَف أنواع العلوم الشرعية التي أحيت ذكره، وخلَّدت اسمه، وأكَّدت عظمة شخصيته العلمية البارزة.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا

بـاب أقسام أدلة الشرع
فـصل [ في المجـاز ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 156]:
«…فَأَمَّا المَجَازُ: فَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ تُجُوِّزَ بهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ…».

[م] والمجاز مشتقٌّ من الجواز، والجواز في الأماكن حقيقة وهو العبور، ويستعمل في المعاني، فهو طريق المعنى بالقول، ويسمَّى بذلك لأنَّ أهل اللغة يجاوزون به عن أصل الوضع توسُّعًا منهم.
واستعمل المصنِّف لفظ «تُجُوِّزَ» في الحدِّ، وهو تعريف لفظ المُعَرَّفِ، ويستحسن عند العلماء صون الحدود عن ذلك، ويمكن تعريفه بأنه: «اللفظ المستعمَل في غير ما وُضع له أصلاً لعلاقة بينهما مع وجود قرينة صارفةٍ عن إرادة المعنى الأصلي»(7).
وقد جعل المصنِّفُ قسمةَ المجاز في القرآن الكريم رباعيةً تبعًا لأبي إسحاق الشيرازي(8)، كما جاء في «شرح اللمع»(9) و«التبصرة»(10)، والقسمة نفسها ذكرها الكلوذاني(11 ) في «التمهيد»(12)، وزاد آخرون أقسامًا أخرى(13)، قال الشوكانيُّ(14 ) مُعقِّبًا على من قَيَّدَ آحادَ المجاز بعدد: «واعلم أنَّه لا يُشترط النقلُ في آحاد المجاز بل العلاقة كافيةٌ والمعتبَرُ نوعها، ولو كان نقل آحاد المجاز معتبرًا لتوقَّف أهل العربية في التجوُّز على النقل، ولو وقعت منهم التخطئة لمن استعمل غير المسموع من المجازات وليس كذلك بالاستقراء، لذلك لم يدوِّنوا المجازات كالحقائق، وأيضًا لو كان نقليًّا لاستغنى عن النظر في العلاقة لكفاية النقل… وكلُّ من له عِلمٌ وفَهمٌ يعلم أنَّ أهل اللغة العربية ما زالوا يخترعون المجازاتِ عند وجود العلاقة ومع نصب القرينة، وهكذا من جاء بعدهم من أهل البلاغة في فَنَّي النَّظْم والنَّثْرِ، ويتمادحون باختراع الشيء الغريب من المجازات عند وجود المصحِّح للتجوّز، ولم يُسمَعْ عن واحد منهم خلاف هذا»(15).

[ في مسألة وقوع المجاز في القرآن ]

• قال الباجي -رحمه الله- من الفصل نفسه في [ص 158]:
«وَاحْتَجُّوا بأَنَّ القُرْآنَ كُلَّهُ حَقٌّ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا مَا لَيْسَ بحَقِيقَةٍ…».

[م] في مسألة وقوع المجاز في القرآن الكريم خلافٌ، وما عليه جمهور العلماء وقوعه مُطْلَقًا في القرآن والحديث واللغة.
وذهب محمَّد بن خويز منداد(16) وابن القاص(17 ) وابن حامد(18 ) وأبو الحسن التميمي(19 ) وغيرُهم إلى عدم وقوعه في القرآن الكريم وواقعٌ في غيره، ويرى المذهب الثالث عدمَ وقوعِه في القرآن والحديث وواقع فيما عداهما، وهو محكيٌّ عن داود(20) الظاهري وابنه أبي بكر(21)، وإن كان المشهور عنهما القول بمنع وقوعه في القرآن خاصَّة. وبالغ - في إيضاح منع المجاز - أبو العباس بن تيمية(22 )، وتلميذه ابن القيم، بل أوضحَا منعه في اللغة أصلاً، وبه قال أبو إسحاق الإسفرائيني(23 )، وأبو علي الفارسي(24 )، كما عزاه لهما ابن السبكي في «جمع الجوامع»(25).
قال الشنقيطي(26 ) في «منع جواز المجاز»: «وأوضح دليل على منعه في القرآن: إجماع القائلين بالمجاز على أنَّ كلَّ مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقًا في نفس الأمر، فتقول لمن قال: رأيت أسدًا يرمي ليس هو بأسد، وإنما هو رجلٌ شجاع، فيلزم على القول بأنَّ في القرآن مجازًا أنَّ في القرآن ما يجوز نفيه، ولا شكَّ أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن، وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحَّتُه، وأنه ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في القرآن العظيم»(27).
قلت: مَن تأوَّل صفات الله تعالى الواردة في القرآن، ونفى حقيقتها بشبهات عقلية أثبت المجاز فيها، وهو مذهب المثبتين للمجاز من المتكلِّمين ومن وافقهم، وعليه فالقول بالمجاز على هذا الرأي ذريعة إلى تأويل الصفات ونفيها، وهذا على خلاف مذهب المثبتين للمجاز من أهل السُّنَّة، فأثبتوا صفات الله تعالى في القرآن على حقيقتها ومنعوا دخول المجاز فيها، وماعدا آيات الصفات فالمجاز يدخل فيها ولا تلازم بين القسمين، إذ لا يلزم من إثبات المجاز تأويل الصفات أو نفيها؛ لأنَّ المجاز يحتاج إلى قرينة وهي منتفية عن آيات الصفات عند أهل السنَّة، لذلك كان الخلاف بين أهل السنَّة في إثبات المجاز ونفيه خلافًا لفظيًّا كما صرَّح ابن قدامة -رحمه الله- بقوله: «..وذلك كلُّه مجاز؛ لأنَّه استعمال للفظ في غير موضوعه ومن منع فقد كابر، ومن سلم وقال: لا أسميه مجازًا فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه، والله أعلم»(28).

فـصل
[ في الحقيــقة ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 160]:
«وَأَمَّا الحَقيقَةُ فَهُوَ: كُلُّ لَفْظٍ بَقيَ عَلَى مَوْضُوعِهِ».

[م] الحقيقة: هو فعيلة من حَقَّ الشيءُ بمعنى ثبت، والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية الصرفة، قال الشوكاني: «وفعيل في الأصل قد يكون بمعنى الفاعل، وقد يكون معنى المفعول، فعلى التقدير الأوَّل معنى الحقيقة: الثابتة، وعلى التقدير الثاني يكون معناها: المثبتة»(29). قال أبو النور زهير في «أصوله»: «والحقيقة إن كانت بمعنى فاعل فالتاء فيه للتأنيث؛ لأنَّ فعيلاً بمعنى فاعل، ويفرق فيه بين المذكر فيه والمؤنث بالتاء، يقال: رجل كريم وامرأة كريمة، ورجل عليم وامرأة عليمة، وإن كانت بمعنى مفعول فالتاء للنقل وليست للتأنيث؛ لأنَّه يستوي فيه المذكر والمؤنث يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل، إلاَّ إذا سمي به أو جرى مجرى الأسماء بأن استعمل بدون الموصوف مثل: النطيحة، أي: البهيمة المنطوحة، فإنه يؤتى فيه بالتاء لتكون دالة على النقل من الوصفية إلى الاسمية، والحقيقة من هذا القبيل»(30).
والحقيقة تنقسم إلى: شرعية وعُرفية ولغوية، ومتى أمكن حمل اللفظ على الحقيقة وجب حمله عليها، ومتى تعذَّر حمله على الحقيقة حُمل على المجاز إذا وجدت القرينة الدالة على امتناع حمله على الحقيقة، وعليه فالمجاز خلاف الأصل، ومتى وقع احتمال اللفظ لهما فإنَّ الحقيقة ترجّح عليه لأصالتها.
هذا، والحقيقة لا تستلزم المجاز اتفاقًا، بينما يستلزم كلّ مجاز وجود حقيقته في شيء آخر لتفرعه عنها، وهو مذهب الجمهور.

[ في معنى «المفصَّل» ]

• قال الباجي -رحمه الله- بعدها في الصفحة نفسها:
«وَأَمَّا المُفَصَّلُ: فَهُوَ مَا فُهِمَ المُرَادُ بهِ مِنْ لَفْظِهِ وَلَـمْ يَفْتَقِرْ فِي بَيَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: غَيْرِ مُحْتَمَلٍ، وَمُحْتَمَلٍ».

[م] المراد بالمفصَّل - عند المصنِّف - المفسَّر، ويكون تعريف المُجمل الذي يقابل المفصَّل أنه: «ما لا يُفهم المراد به من لفظه ويفتقر في بيانه إلى غيره»(31)، وهذا المجمل الذي عناه المصنِّف إنما هو المجمل عند السلف وهو: ما لا يكفي وحده في العمل، فلا بدَّ أن يُعرَفَ ببيان، مثل قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]، فإنَّ الصدقة المطهِّرة والمزكِّية تحتاج إلى بيان(32)، وهو ما أفصح عنه المصنِّف على متن «الإشارة» (ص 220)، أمَّا المجمَل عند الأصوليِّين فهو: «ما له دلالة على مَعنَيين لا مزيةَ لأحدهما على الآخر»، أو هو: «ما تردَّد بين محتملين فأكثر على السواء»، فقد أورده المصنِّف في الضرب الثاني من المفصَّل، حيث قَسَّم المفصَّل إلى غير المحتمل: وهو النصُّ الذي يجب المصير إليه ولا يعدل عنه إلاَّ بناسخ أو معارض، وإلى محتمل، وقَسَّمه إلى ضربين:
فجعل المجمل -عند الأصوليِّين- وهو: «الذي لا يجوز العمل بأحد احتمالاته إلاَّ بدليلٍ خارجي صحيح»، أي: لا يصار إليه إلاَّ بعد البيان في الضرب الأوَّل حيث نصَّ عليه على متن «الإشارة» (ص 161) بقوله: «أن لا يكون في أحد محتملاته أظهر منه في سائرها»، وألحقه بالضرب الثاني الذي هو «الظاهر» مُبيِّنًا حكمه بأنه: «لا يجوز العدول عن معناه الظاهر إلى سائر المحتملات إلاَّ بدليلٍ أقوى منه»، فإن دلَّ دليل أقوى على صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه فإنه يعدل عنه إلى المحتمل المرجوح وهذا ما يسمَّى بالمؤوَّل.
قلت: النصُّ يتفق مع الظاهر في رجحان الإفادة، غير أنَّ النصَّ مانع من احتمال غيره، في حين أنَّ الظاهر لا يمنعه، وهذا القدر المشترك بينهما يسمَّى ب «المُحْكَم»، ويعرف بأنه: «ما يتَّضح معناه»، أمَّا المجمل والمؤوَّل فيتَّفقان في عدم الرجحان، غير أنَّ المجمل وإن لم يكن راجحًا فهو غير مرجوح من جهة الوضع، بخلاف المؤوّل فهو مرجوح، والقدر المشترك بينهما يسمى: «المتشابه»، فالمتشابه هو: «ما لم يتَّضح معناه»، فالمحكم -إذن- نوعان: نصّ وظاهر، والمتشابه نوعان: مجمل ومؤوّل.

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 161]:
«فَأَمَّا غَيْرُ المُحْتَمَلِ فَهُوَ النَّصُّ، وَحَدُّهُ: مَا رُفِعَ فِي بَيَانِهِ إِلَى أَرْفَعِ غَايَاتِهِ» نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ [البقرة: 228] فَهَذَا نَصٌّ فِي الثَّلاَثَةِ لاَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ».

[م] قال القرافي(33 ) -رحمه الله-: «والنَّصُّ فيه ثلاثة اصطلاحات، قيل: ما دَلَّ على معنى قطعًا لا يحتمل غيرَه قطعًا كأسماء الأعداد، وقيل: ما دَلَّ على معنى قطعًا وإن احتمل غيره كَصِيَغِ الجموع في العموم، فإنها تدلُّ على أقلِّ الجمع قطعًا وتحتمل الاستغراق، وقيل: ما دلَّ على معنى كيف ما كان وهو غالب استعمال الفقهاء»(34).
قلت: والمثال الذي ساقه المصنِّفُ من قبيل الاصطلاح الأوّل للنصِّ، وهو العدد الذي يشمل أفراده على وجه الحصر، مثل قوله تعالى: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: 196]، فهو مانع من إرادة احتمال غيره، لكن «القرء» في الآية مجمل لتردُّده بين الحيض والطهر فهو محتاج إلى بيان، والأمر بالتربّص من قبيل الظاهر وإن ورد بالصيغة الخبرية فهي في معنى الإنشاء، والأصل في الأوامر أن تحمل على الوجوب لكونها أظهر في الوجوب من سائر محتملات الأمر، ولا يعدل عنه إلاَّ بدليل أقوى. فالآية - إذن - تضمَّنت النصَّ والظاهرَ والمجملَ.

فـصل
[ فـي اقتضاء الأمر المطلق الوجوب ]

في معرض الاستدلال على أنَّ لفظ الأمر المطلق إذا ورد عاريًا من القرائن وجب حمله على الوجوب ما لم يدلَّ عليه دليل أنه أريد به الندب.
• يقول الباجي -رحمه الله- في [ص 168]:
«وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لإِبْلِيسَ: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: 12]، فَوَبَّخَهُ وَعَاقَبَهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ بالسُّجُودِ لآدَمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَاهُ الوُجُوبَ لَمَا عَاقَبَهُ وَلاَ وَبَّخَهُ عَلَى تَرْكِ مَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ».

[م] والخصم وإن كان يعترض على هذا الدليل بخروجه عن محلِّ النِّزاع؛ لأنَّه ورد في أمر عُلِم كونه واجبًا بقرائن اتصلت به فإنَّ أهل التحقيق -بغضِّ النظر عن صحَّة هذا الاحتمال- يحتجُّون على أنَّ الأوامر تقتضي الوجوب بأنَّ تارك المأمور به عاصٍ كما أنّ فاعله مطيع بقوله تعالى:﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: 93]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: 69]، وقوله تعالى: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: 6]، وإذا كان تارك المأمور عاصيًا استحقَّ العقاب سواء أكان ذلك في أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، ولقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [الجن: 23]، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمر بالسواك لأجل المشقَّة مع أنَّ السواك مندوب إليه فلو كان أمره للندب لما امتنع منه(35).
هذا، والمسألة اتسع الخلاف - في المعنى الحقيقي للأمر - على ما يربو عن ستة عشر قولاً، وما عليه مذهب الجمهور أنَّ الأمر على الوجوب حقيقة، وإنما يصرف إلى غيره بقرينة، وهو قول الشافعي(36 ) وظاهر كلام أحمد، وهو مذهب الأحناف وجمهور المالكية، ورجَّحه المصنِّف، وصحَّحه ابن الحاجب(37 )، والبيضاوي(38 )، وقال الفخر الرازي(39 ) إنه: «الحقّ»(40)، غير أنهم يختلفون في دلالته على الوجوب هل هو بوضع اللغة أم بالعقل أم بالشرع ؟ والصحيح أن اقتضاء الصيغة للوجوب إنما ثبت عن طريق اللغة لا عن طريق الشرع ولا العقل؛ لأنّ إلحاق العصيان على من خالف الأمر بمجرَّد ذكر الأمر، وقد ثبت عن أهل اللغة تسمية من خالف مطلق الأمر عاصيًا؛ ولأنَّ الوعيد مستفاد من اللفظ كما يستفاد منه الاقتضاء الجازم، وإذا تقرَّر أنَّ صيغة «ﭐفعل» مقتضية للوجوب بوضع اللغة لزم حمل الأمر على الوجوب سواء كان الأمر الوارد من جهة الشرع أو من غيره إلاَّ ما خرج بقرينة أو دليل، خلافًا لمن رأى أنها تقتضي الوجوب بوضع الشرع فيقصرها على أوامر الشرع، أو تقتضي الوجوب عن طريق العقل فيقصرها على الأوامر التي يقتضي العقل أنها الوجوب دون غيرها.

فـصل
[ في ورود الأمر بعد الحَظْر ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 169]:
«إِذَا وَرَدَتْ لَفْظَةُ «ﭐفْعَلْ» بَعْدَ الحَظْرِ اقْتَضَتِ الوُجُوبَ أَيْضًا عَلَى أَصْلِهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا: إِنَّهَا تَقْتَضِي الإِبَاحَةَ، وَبهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ».

[م] مسألة ورود الأمر بعد الحظر خلافية، وهي على الوجوب عند عامَّة الحنفية والمعتزلة، وهذا القول مروي عن الباقلاني(41) ورجَّحه المصنِّف والفخر الرازي، وتوقّف فيه الجويني(42 )، أمَّا ما عليه أكثر الفقهاء والمتكلِّمين أنها تقتضي الإباحة، وهو ظاهر قول الشافعي وأحمد(43 )، واختاره الآمدي(44 ) ورجَّحه ابن الحاجب.
هذا، ولعلَّ أقرب الأقوال إلى الصواب مذهب القائلين بأنَّ الأمر بعد الحَظْرِ يفيد رجوع الفعل إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإن كان قبله جائزًا رجع إلى الجواز، وإن كان واجبًا رجع إلى الوجوب، وهذا المذهب هو المعروف عند السلف والأئمَّة، ويدلُّ عليه الاستقراء، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ﴾ [المائدة: 2]، فرجع إلى ما كان عليه قبل التحريم وهو الإباحة، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 5]، فرجع إلى ما كان عليه قبل المنع وهو الوجوب، قال ابن كثير(45 ) -رحمه الله-: «والصحيح الذي تثبت على السير أنه يَرُدُّ الحكمَ إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا ردَّه واجبًا، وإن كان مستحبًّا فمستحب أو مباحًا فمباح، ومن قال بالوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال إنه للإباحة ترد عليه آيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلّها هذا الذي ذكرناه»(46)، وهذا القول هو اختيار محمَّد الأمين الشنقيطي(47) -رحمه الله-.

حفيد الصالحين
07-08-2011, 11:21 PM
فـصل
[ في اقتضاء الأمر المطلق الفور ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 170] في مسألة الأمر المطلق هل يقتضي الفور ؟ ما نصّه: «…وَقَالَ أَكْثَرُ المَالِكِيِّينَ مِنَ البَغْدَادِيِّينَ إِنَّهُ يَقْتَضِي الفَوْرَ».

[م] وهذا المذهب هو اختيار ابن قدامة وابن القيم(48 ) والفتوحي من الحنابلة، واختار المصنِّف مذهب الباقلاني وابن خويز منداد والمغاربة من المالكيين أنَّ الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويظهر من الروايات المختلفة في الأوامر المطلقة عن مالك(49) ‑رحمه الله‑ أنَّ دلالة الأمر ‑عنده‑ تدلُّ على مجرَّد الطلب والامتثال وهو ما قرَّره ابن العربي عنه ورجَّحه بقوله: «واضطربت الروايات عن مالك في مطلقات ذلك، والصحيح ‑عندي‑ من مذهبه أنه لا يحكم فيه بفور ولا تراخ ‑كما تراه‑ وهو الحقُّ»(50). وهذا المذهب هو اختيار الغزالي(51 ) والفخر الرازي والآمدي ونسبه التلمساني لأهل التحقيق(52)، أمَّا قياس المصنِّف الأمر على الخبر في استدلاله على أنَّ الأمر المطلق لا يقتضي الفور، فأجيب عنه بأنه قياس مع ظهور الفارق بينهما من ناحية أنَّ الخبر يحتمل الصدق والكذب والأمر لا يحتملهما؛ لأنَّه حثٌّ ووجوب واستدعاء، ولأنَّ الخبر لا يوجد إلاَّ بعد أن تَيَقَّن الحكيم أن المخبر يكون على ما أخبر فيه فلا يقع الغرر عليه بالتأخير، بخلاف الأمر فإنَّ التأخير في الفعل خطر وغرر فيجهل المأمور مباغتة الموت له قبل الامتثال، فكان إيقاعه للفعل أول الوقت أحوط له، ولأنَّ الآمر لو أراد التأخير لأَخَّر الأمر بالفعل.
هذا، ويترتَّب على القول بفورية الأمر من عدمه جملة من الآثار منها: في الحجّ، والزكاة عند استكمال شرائطهما، هل يجبان على الفور أم على التراخي ؟ ومنها: في قضاء فوائت رمضان فهل يجب على الفور، ولا يجوز فعل النوافل من الصيام حتى يقضي الواجب، أم يجوز له التأخير بلا إثم كما يجوز له فعل النوافل من الصيام ؟ ومن ذلك أيضًا وجوب الكفارة هل هي على الفور أم على التراخي ؟(53).

فـصل
[ في الاحتجاج بأمر نسخ وجوبه ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 172]:
«إِذَا نُسِخَ وُجُوبُ الأَمْرِ جَازَ أَنْ يُحْتَجَّ بهِ عَلَى الجَوَازِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا مِنْهُمْ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ».

[م] المراد بالجواز الاشتراك بين الندب والإباحة، فيبقى الفعل إمَّا مباحًا أو مندوبًا؛ لأنَّ الماهية الحاصلة بعد النسخ مركَّبة من قيدين: أحدهما زوال الحرج عن الفعل وهو المستفاد من الأمر، والثاني: زوال الحرج عن الترك وهو المستفاد من الناسخ، وهذه الماهية صادقة على المندوب والمباح فلا يتعيَّن أحدهما بخصوصه، وهو اختيار المجد بن تيمية(54 ) ورجَّحه الرازي وأتباعه وحكي عن الأكثر، ومذهب أبي الوليد الباجي من خلال استدلاله أنَّ الجائز أعمُّ من الوجوب لشموله للإباحة والندب والوجوب والكراهة التنزيهية، فإذا نسخ الوجوب فقد نسخ أحد أفراد عموم الجواز، وتبقى الإباحة والندب يشتركان في الجواز، أمَّا الكراهة فلا تدخل في الجواز بهذا الاعتبار؛ لأنَّ الشرع لا يأمر بالمنهي عنه.
هذا، ويذهب أبو يعلى(55 ) والكلوذاني وابن عقيل من الحنابلة إلى أنَّ وجوب الأمر إذا نسخ فيبقى الاحتجاج به على الندب؛ لأنَّ المرتفع التحتُّم بالطلب فإذا زال التحتُّم بقي أصل الطلب وهو الندب، ويبقى الفعل مندوبًا إليه، وذهب الغزالي من الشافعية وابن بَرهان(56 ) من الحنابلة والحنفية إلى أنه لا يدلُّ على الندب ولا على الإباحة، وإنما يرجع إلى ما كان عليه من البراءة الأصلية أو الإباحة أو التحريم؛ لأنَّ اللفظ موضوع لإفادة الوجوب دون الجواز، وإنما الجواز تبع للوجوب، إذ لا يجوز أن يكون واجبًا لا يجوز فعله، فإذا نسخ الوجوب وسقط، سقط التابع له، وهو نظير قول الفقهاء: «إِذَا بَطَلَ الخُصُوصُ بَقِيَ العُمُومُ»(57).
وبناءً عليه يكون الخلاف معنويًّا كما يذهب إليه بعض أهل العلم كالتلمساني(58 ) والهندي(59 ) وغيرهما؛ لأنه -على هذا الرأي الأخير- إذا كان الحكم قبل مجيء أمر الإيجاب على التحريم، فإنَّه يعود الحكم إلى ما كان عليه بعد نسخ الوجوب وهو التحريم، ومن يقول يبقى على الجواز لا يقضي بالتحريم، وتختلف الفروع حكمًا باختلاف تقرير هذا الأصل.
هذا، والذي يظهر لي في هذه المسألة وجوبُ التفريق بين العبادات والمعاملات، فإذا نُسخ الوجوبُ في العبادات فيُحمل على الندب إذا لم يرد من الشرع إبطال الفعل كلية؛ لأنه أدنى ما يكون عليه أمر العبادة والتقرُّب إلى الله تعالى، مثل نسخ وجوب صوم عاشوراء فيجوز أن يحتجَّ به على الندب، أمَّا إن كان في المعاملات فيرجع فيه إلى ما كان عليه الحكم قبل نسخ وجوب الأمر. والعلم عند الله تعالى.

فـصل
[ في تكليف المسافر والمريض ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 173 - 174]:
«المُسَافِرُ وَالمَرِيضُ مَأْمُورَانِ بصَوْمِ رَمَضَانَ، مُخَيَّرَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ غَيْرِهِ… فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بصَوْمِهِ لَمَا أُثِيبَ عَلَيْهِ كَالحَائِضِ لَمَّا لَمْ تُخَاطَبْ بالصَّوْمِ لَمْ تُثَبْ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيْضِهَا».

[م] المسافر والمريض يتعلَّق بهما التكليف لتوفُّر شرط العقل وفهم الخطاب فيهما، وهما من شروط التكليف العائدة على المحكوم عليه وهو: «المكلَّف»، غير أنه رُخِّصَ لهما الإفطار لمظنَّة المشقَّة الحاصلة لهما إذا صاما، فحكمهما ثابت للعذر على خلاف الدليل المعارض لهما والذي يتمثَّل في وجوب صوم رمضان عليهما، هذا عند ظنِّ المشقَّة، أمَّا مع تحقُّقها فإنَّ رخصة الإفطار تصير عزيمة في حقِّهما، فيحرم الصوم حينئذٍ، ويجب فيه الإفطار.
هذا، وإن كان المصنِّف -رحمه الله- يرى أنَّ المسافر والمريض مخيَّران بين صوم رمضان وبين صوم غيره كالنذر والقضاء وهو مذهب أبي حنيفة ومن وافقه فيقع محقِّقًا ما نواه إن كان واجبًا؛ لأنَّه شغل الوقت بالأهمِّ ورخصته متعلِّقة بمطلق السفر وقد وجد، والأعمال بالنيات وأنَّ لكلِّ امرئ ما نوى(60).
فالصحيح مذهب الجمهور من أنه لا يصحُّ أن يصوم رمضان عن غيره بوجه من نذر أو قضاء أو تنفل؛ لأنَّ الفِطر ما دام قد أبيح رخصةً وتخفيفًا للعذر فلا يصحُّ أن يصام عن غيره، فإن كانت فيه المشقَّة فالظاهر وجوب الإفطار، وإن كانت القدرة على الصيام ولم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل وهو: صوم رمضان، وكذلك إن نوى المريض أن يصوم عن واجب آخر(61). ونية العامل لا تصحِّحُ فسادَ العمل ولو كانت صالحةً أو حسنةً.
هذا، وينبغي التفريق بين ما ثبت حكمه لعذر، وما ثبت لمانع كوجوب ترك الصوم والصلاة للحائض والنفساء، وضابط الفرق بينهما أنَّ مانع الحيض والنفاس يرفع التكليف مع إمكان اجتماعه به عقلاً ولا يجتمع معه شرعًا، بل يمنع وجوده أصلاً، بخلاف العذر فيجتمع مع المشروع كاجتماع السفر والمرض مع الصوم.
هذا، ومن سافر أو مرض في رمضان فأفطر أو حاضت المرأة فيه فأفطرت، فهل صيام هذه الأيام بعد انقضاء رمضان يعدُّ قضاءً أم أداء ؟ الخلاف في هذه المسألة خلاف في تسمية هذا الفعل والتعبير عنه، لاتِّفاقهم على أنَّ المسافرَ والمريضَ والحائضَ إذا أفطروا في نهار رمضان لمانع الحيض أو لعذر السفر والمرضِ فإنه يجب عليهم صيام تلك الأيام التي تركوها، وما ذهب إليه الجمهور من حيث تسميته قضاء لا أداء أوفق لتطابق حقيقة القضاء عليه وهو: «ما فعل بعد خروج وقته المحدَّد شرعًا مُطلقًا»، ولإجماعهم على أنَّ المسافرَ والمريض والحائضَ بعد انتفاء العذر وزوال المانع يجب في حقِّهم نيَّة القضاء، وما وجبت فيه نية القضاء فهو قضاء، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ»(62)، فقد ورد في الحديث تسميته بالقضاء، والآمر هو النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم فلا يُعدل عنه إلى الأداء لاشتهاره به. والعلم عند الله.

فصل
[ في مخاطبة الكفار بفروع الإيمان ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 174] في هذه المسألة:
«…وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ -رحمه الله- أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ شَرَائِعِ الإِيمَانِ».

[م] وهذا القول مشهور عن أكثر الحنفية وهو قول الشافعي وأحمد، واختاره أبو حامد الإسفرائيني(63) والرازي من الشافعية والسرخسي(64 ) من الحنفية، وعن الإمام أحمد رواية ثالثة مفادها: أنَّ الكفار مخاطبون بالنواهي دون الأوامر وقيل: مُكلَّفون بما سوى الجهاد، وقيل: يُكلَّف المرتدُّ دون الكافر الأصلي وفي المسألة أقوال أخرى(65).
غير أنَّ الأصل الذي لا اختلاف فيه بين الأُمَّة أنَّ الكفَّار مخاطبون بالإيمان، أمَّا فروع الإيمان فالذي ينبغي أن يُعلَم أنَّ الكافر غير مُطالَب بفِعلها حالَ كفره؛ لأنَّه إن أدَّاها -وهو على هذه الحال- لم تقبل منه، ولم يصحّ ما يؤدِّيه من فروع الإيمان إلاَّ بعد تحصيل أصل الإيمان لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: 39]، ولقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ﴾ [إبراهيم: 18]، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 54].
هذا، وإذا أسلم الكافر فليس عليه قضاء ما فاته من العبادات السابقة؛ لأنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبلَه إلاَّ أنَّه إن بقي على الكفر فيعاقب على أمرين: أحدهما أصل الإيمان، والثاني على تركه لفروع الإيمان، ودليل ذلك ما ذكره المصنِّفُ أنَّ اللهَ أخبر عن المشركين في معرض التصديق لهم تحذيرًا من فعلهم: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المدثر: 42-46]. ويدلُّ على معاقبته لهم على أصل الإيمان وفروعه بتضعيف العذاب عليهم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: 68 - 69]، وعليه فالكافر مُطالَب بفروع الإيمان على الراجح من أقوال أهل العلم، لكن مع تحصيل شرط التكليف المتمثِّل في الإيمان الذي هو أصل تلك الفروع، ولا تنفعه تلك الفروع بدونه، ويدلُّ على مخاطبة الكفار بتلك الفروع عموم الآيات والأوامر الإلهية مثل قوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: 6-7]، وقوله تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97].
ويتفرَّع عن هذا الأصل مسائلُ: منها المرتدُّ إذا أسلم هل يلزمه قضاء الصلوات الفائتة في أيام ردَّته، وكذلك الزكوات التي عليه هل تسقط عنه أم لا ؟ ومن ذلك استيلاء الكفار على أموال المسلمين وحرزها بدارهم هل يملكونها أم لا ؟(66).
هذا، ويجدر التنبيه إلى أنَّ مسألة مخاطبة الكفَّار بفروع الشريعة ليست قاصرة على الإنس بل شاملة للجِنِّ -أيضًا- وهم مكلَّفون بفروع الدِّين على أرجح قولي أهل العلم، مع اتفاقهم على تكليفهم بالإيمان للإجماع على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل بالقرآن الكريم إلى الثقلين، وقد اشتملت أوامر القرآن الكريم ونواهيه على الأصول وفروع الدِّين نحو قوله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللهِ﴾ [الحديد: 7]، ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ﴾ [البقرة: 43]. وقد توجَّه خطاب الله تعالى في القرآن الكريم إلى الجنسين معًا في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وفي قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ [الأنعام: 130]، وقوله تعالى: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: 13]، غير أنَّ تكليفهم قد يختلف عن تكليف الإنس للاختلاف بينهم في الحدِّ والحقيقة كما صرَّح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-(67).

فــصل
[ فيما يحمل قول الصحابي: أمرنا رسولُ الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بكذا أو نهانا ]

• قال أبو الوليد -رحمه الله- في [ص 176]:
«إِذَا قَالَ الصَّحَابيُّ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بكَذَا وَنَهَانَا عَنْ كَذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الوُجُوبِ"».

[م] أي: على وجوب الفعل أو وجوب الترك وهو التحريم، وهو الصحيح؛ لأنَّ الصحابة رضي الله عنهم هم أهل اللغة ومشهود لهم بالعدالة، فإذا كانوا أهل المعرفة بأوضاع اللغة وطرق استعمالها فإنه يبعد أن يقول الصحابي: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمضمضة والاستنشاق، وأمر أن لا توصل صلاة بأخرى، أو فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، وأمر أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وأمر برجم ماعز، والغامدية، وفي النهي: نهى عن المخابرة، ونهى عن الوصال، ونهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، ونهى عن القراءة في الركوع والسجود وغيرها، وهو غير متيقَّن بالأمر والنهي حقيقة، ولا يعلم تمام العلم بنوع الإطلاق وطرق استعماله، ثمَّ إنَّ مثل هذه الألفاظ - من جهة أخرى - كانت تنقل إلى الصحابة رضي الله عنهم وينقلونها، ويقبلها صحابة آخرون من غير توقّف ولا تحرٍّ، فكان ذلك منهم إجماعًا سكوتيًّا.

مسـائل النهي
[ في الأمر بالشيء نهيٌ عن أضداده والعكس ]

• قال الباجي -رحمه الله- في بيان مسائل النهي [ص 180]:
«الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْــهِ أَهْلُ السُّـنَّةِ أَنَّ الأَمْرَ بالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بأَحَدِ أَضْدَادِهِ».

[م] الأمر يقتضي النهي عن ضدِّه وأضداد المأمور به من حيث المعنى، فإنَّ قولك: «اسكن» يقتضي النهي عن الحركة لاستحالة اجتماع الضِّدَّين، فالأمر به هو أمر بلوازمه وليس طريقه قصد الآمر، وإنما يثبت بطريق اللزوم العقلي(68).
أمَّا من جهة اللفظ فإنَّ الأمر بالشيء ليس هو النهي عن ضِدِّه؛ لأنَّ المعلوم أنَّ لفظ الأمر غير لفظ النهي، ثمَّ إنَّ اقتضاء النهي عن أضداد المأمور به إنما يكون وقت الامتثال.
ولَمَّا كان النهي فرعًا عن الأمر، فالأمر هو الطلب، والطلب قد يكون للفعل أو للترك، كان لكلِّ مسألة من الأوامر وِزان من النواهي على العكس، وعليه فإنَّ النهي عن الشيء أمر بضدِّه هذا إذا كان له ضدٌّ واحد، وأمَّا إن كان له أضداد فهو أمر بأحدها من جهة المعنى، وهو مذهب الجمهور؛ لأنَّ النهي يوجب عليه ترك المنهي عنه، إذ المطلوب في النهي الانتهاء، ولا يمكنه ترك المنهي عنه إلاَّ بفعل ضِدِّه، فكان فعل ضِدِّه واجبًا التزامًا لا صيغةً، عملاً بقاعدة أنَّ «الأَمْر بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ»، ويترتَّب على هذا القول أنَّ الزوج إن قال لزوجته: «إن خالفت أمري فأنت طالق» ثمَّ قال لها: «لا تقومي» فقامت فإنها تطلق؛ لأنَّ النهي عن الشيء أمر بضدِّه(69).
[ في أقسام النهي ]

• وفي الصفحة نفسها [180] يقول الباجي -رحمه الله-:
«وَالنَّهْيُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: نَهْيٌ عَلَى وَجْهِ الكَرَاهَةِ، وَنَهْيٌ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ».
[م] ودليل هذا التقسيم أنَّ حكم الله هو: طلبه أو إذنه أو وضعه، والطلب إمَّا أن يكون للفعل أو الترك، وهو في كليهما: إمَّا أن يكون على سبيل التحتيم، وإمَّا على سبيل الترجيح، وما كان طلبًا للفعل على سبيل التحتيم فهو الإيجاب، وما كان طلبًا على سبيل الترجيح فهو الندب أو الاستحباب، وما كان طلبًا للترك على سبيل التحتيم فهو التحريم، وما كان طلبًا للترك على سبيل الترجيح فهو الكراهة(70).
هذا، ويجدر التنبيه إلى أنَّ المكروه الذي يقابل المندوب، يُطلق على ترك المندوب، أو على ترك كلِّ مصلحة راجحة، فإنه قد يُطلق على الحرام - أيضًا -؛ لأنَّه بغيض إلى النفوس العارفة، إذ كلُّ بغيض إلى النفوس فهو مكروه في اللغة، ومنه قوله تعالى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ [الإسراء: 38]، وعليه فقد تطلق الكراهة على المحظور والحرام فتسمَّى بالكراهة التحريمية، وعلى التنزيه فتسمَّى بالكراهة التنزيهية كما هو معهودٌ من كلام العلماء، غير أنه إذا أطلق لفظ المكروه في اصطلاح الفقهاء انصرف إلى كراهة التنزيه، وهذا هو المكروه الذي هو قسيم المحظور، وهو: ما ترجَّح تركه من غير وعيدٍ فيه إلى أن يقوم دليلٌ يصرفه إلى التحريم(71).
[ في اقتضاء النهي المطلق للتحريم ]

• وقول المصنِّف بعدها في الصفحة نفسها:
«…النَّهْيُ إِذَا وَرَدَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلاَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الكَرَاهَةِ».

[م] صيغة النهي تقتضي التحريم حقيقة، ولا يحمل على غيره إلاَّ بقرينة، وبه قال جمهور أهل العلم، وعليه إجماع السلف وأهل اللسان واللغة.
وصيغة النهي تقتضي انتهاء عن المنهي عنه على الفور، وتقتضي دوام الترك، أي: تكراره، وهو الحقُّ؛ لأنَّ المنهي عنه قبيح شرعًا، والقبيح يجب اجتنابه على الفور وفي كلِّ وقت، وقياسه على الأمر فاسد للفرق؛ ذلك لأنَّ الأمر يقتضي وجود المأمور مُطلقًا، والنهي يقتضي أن لا يوجد المنهي مُطلقًا، والنفي المطلق يَعُمُّ، والوجود المطلق لا يَعُمُّ، فكلُّ ما وُجد مَرَّة فقد وجد مُطلقًا، وما انتفى مَرَّة فما انتفى مُطلقًا(72).

[ في دلالة النهي على فساد المنهي عنه ]

• وقوله -رحمه الله- في [ص 181]:
«وَالنَّهْيُ إِذَا وَرَدَ دَلَّ عَلَى فَسَادِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرِهِمْ».

[م] ويضاف إلى هذه القاعدة عبارة: «إِلاَّ مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ»، وبهذا القول قال جمهور العلماء: من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر مطلقًا سواء ورد النهي في العبادات أو في المعاملات، واختاره الغزالي في «المنخول»، وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى عدم فساد المنهي، وبه قال القفال(73 ) وإمام الحرمين والغزالي في «المستصفى»، وفصَّل آخرون بين العبادات والمعاملات فالنهي يقتضي فسادًا في العبادات دون المعاملات، وبه قال الباقلاني وأبو الحسين البصري(74 ) واختاره الفخر الرازي، غير أنَّ أصحاب هذا المذهب يختلفون في جهة الفساد هل ثبتت باللغة أم بالشرع؟ وما عليه أكثر الأصوليِّين هو اقتضاء الفساد شرعًا لا لغةً؛ لأنَّ صيغة النهي في اللغة إنما تدلُّ على مُطلق الترك على سبيل اللزوم والجزم، وأمَّا دلالة الفساد والبطلان فقدرٌ زائدٌ يفتقر إلى دليل غير اللغة.
هذا، ويمكن أن يكون النهي اقتضى الفساد مطلقًا من جهة المعنى لا من جهة اللغة والشرع لدلالة النهي على قبح المنهي عنه ومذموميتِه وحَظْرِه، وهو بهذا الاعتبار مضادٌّ للمشروعية، وقريب من القول السابق في التفريق بين العبادات والمعاملات ما ذهب إليه التلمساني في تحقيق المذهب أنَّ النهي عن الشيء إن كان لحقِّ الله تعالى يفسد المنهي عنه، وإن كان لحقِّ العبد فلا يفسد المنهي عنه، وفي المسألة أقوال أخرى(75).
هذا، وقد استدلَّ المصنِّف لمذهب الجمهور بإجماع الأُمَّة من الصحابة رضي الله عنهم وغيرِهم على الاستدلال بمجرَّد النهي في القرآن أو في السُّنَّة على فساد العقد المنهي عنه كفساد عقود الرِّبا بقوله تعالى: ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 278]، وعن بيع الذهب متفاضلاً بنهي النبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم عن بيع الذهب بالذهب متفاضلاً في حديث متفق عليه(76)، وعن تحريم نكاح المشركات وفساده بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: 221]، وغيرها من المسائل ممَّا لا تحصى كثرة.
والمصنِّف اكتفى بذكر بعض الأدلة النقلية وفيها غُنْية، واستأنس آخرون ممَّن استدلَّ لهذا المذهب بإضافة أدلَّة عقلية تظهر من ناحيتين:
الناحية الأولى: إنه ثبت بالاستقراء التامِّ وتتبّع النصوص أنَّ الشارع لا ينهى عن شيء إلَّا لكون المفسدة متعلِّقة بالمنهي عنه، والمفسدة ضرر، والضرر يجب إزالته وإعدامه وهو مناسب له عقلاً وشرعًا.
الناحية الثانية: إنَّ الأمر يقابل النهي فإذا كان الأمر بالشيء يقتضي إيجاده وعدم تركه فالنهي عنه يقتضي تركه وعدم فعله بل اجتنابه، وإذا كان الأمر يقتضي صلاحَ المأمورِ به وجب أن يكون النهي يدلُّ على فساد المنهي عنه مطلقًا.
هذا، وإذا كان يدلُّ على هذا المذهب عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(77)، الشامل للمنهي عنه في العبادات والمعاملات، وللمنهي عنه لعينه ولغيره، أو لحقِّ الله وحقِّ العبد، فضلاً عن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على بطلان الأفعال والعقود بنهي الشارع عنها، إلاَّ أنَّ ما يراه جمهور العلماء في النهي عن العمل لوصف مجاور ينفك عنه، غير لازم له أنه لا يقتضي بطلان العمل ولا فساده بل يبقى صحيحًا مُتَّصفًا بالمشروعية ومنتجًا لآثاره غير أنه يترتَّب على فاعله الإثم كالصلاة بخاتم من ذهب للرجال، والنهي عن الوطء في الحيض، والنهي عن سوم المسلم على سوم أخيه، والخطبة على خطبة أخيه، فإنَّ جهة المشروعية فيه تخالف جهة النهي فلا تلازم بينهما، فمخالفة الشرع تستوجب الإثم لا تخلف ترتَّب الأثر على ذلك العمل(78).
هذا، والخلاف بين العلماء في هذه المسألة ليس لفظيًّا بل تترتَّب عليه جملةٌ من الآثار نذكر منها:
أوّلاً: الناذر لصيام يوم العيد فإنه عند الجمهور يبطل نذره، ولا يصحُّ صومه إن صام ولا يسقط القضاء عنه؛ لأنَّ النهي يقتضي فساد المنهي عنه، بخلاف الحنفية فيرون أنَّ النذر صحيح بأصله دون وصفه، ويجب عليه الفطر والقضاء، فإن صام ذلك اليوم فصومه صحيح مع الإثم، فالنهي عندهم لا ينافي المشروعية وإنما يقتضي صِحَّة المنهي عنه.
ثانيًا: نكاح المُحْرِم في الحجّ فاسد بالنهي الوارد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ»(79)، وهو مذهب جمهور أهل العلم خلافًا لمن صحّحه بناءً على التقعيد السابق.
وبقية الآثار المترتِّبة على هذا الأصل من هذا القبيل.
.. يتبع ..

حفيد الصالحين
07-08-2011, 11:22 PM
1- هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن الثقفي العاصمي الجياني مولدًا، الغرناطي منشأ، كان محدِّث الأندلس والمغرب في زمانه، قال عنه ابن الخطيب: «كان خاتمة المحدِّثين، وصدور العلماء المقرئين... إليه انتهت الرياسة بالأندلس في صناعة العربية، وتجويد القرآن، ورواية الحديث». وله تصانيف كثيرة، منها: «صلة الصلة» لابن بشكوال، و«مُلاك التأويل في المتشابه اللفظ في التنزيل»، و«سبل الرشاد في فضل الجهاد» توفي بغرناطة سنة (708ه).
انظر ترجمته في: «الإحاطة في أخبار غرناطة» لابن الخطيب (1/188)، «تذكرة الحفاظ» للذهبي (4/465)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (1/84)، «بغية الوعاة» للسيوطي (126)، «البدر الطالع» للشوكاني (1/33)، «فهرس الفهارس» للكتاني (1/454)، «معجم المؤلفين» لكحالة (1/88).
2- انظر: «الإحاطة» لابن الخطيب (1/190).
3- هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الحق المغربي القيرواني المالكي، المعروف ب «حلولو» القروي، فقيه أصولي، نزل تونس، وولي قضاء طرابلس سنين، ثمَّ رجع إلى تونس واستقر بها، ثمَّ ولي مشيخة بعض المدارس، من مؤلفاته: «الضياء اللامع في شرح جمع الجوامع» للسبكي، و«التوضيح شرح التنقيح» للقرافي، و«شرح مختصر خليل»، و«شرح الإشارات» للباجي. توفي سنة (898ه).
انظر ترجمته في: «الضوء اللامع» للسخاوي (2/260)، «معجم المؤلفين» لكحالة (1/134)، «شجرة النور» لمخلوف (1/259)، «الأعلام» للزركلي (1/147).
4- اختصرت حياة الإمام الباجي من الترجمة المفصَّلة التي أعددتها له في دراستي لكتاب «الإشارة» وقد استغنيت عن ذكر مصادر ترجمته اكتفاءً بما أثبته في الأصل.
5- نسبة إلى قبيلة «تُجِيب» العربية، بطن من بطون كندة، وكان أول رجل من هذه القبيلة نزل بأرض الأندلس مع جنود جيش الإسلام الفاتح، ثمَّ زاد نسل التجيبيين وارتفع عددهم في الأندلس، ومن ديارهم «بطليوس» وهي موطن أجداد أبي الوليد الباجي.
[انظر: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (429)، «معجم ما استعجم» للبكري (1/56)، «نهاية الأرب» للقلقشندي (174)، «العبر» لابن خلدون (3/577)، «معجم قبائل العرب» لكحالة (1/166)].
6- لقب ب «الذهبي» لأنَّه اشتغل بضرب ورق الذهب للغزل، وذلك بعد رجوعه من رحلته العلمية المشرقية سنة ( 439ه).
7- انظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (21).
8- هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي. انظر ترجمته على كتاب «الإشارة» (67).
9- (1/169).
10- (178).
11- هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني البغدادي الحنبلي، تلميذ أبي يعلى ابن الفراء، أحد علماء المذهب وأعيانه، كان فقيهًا أصوليًّا أديبًا شاعرًا، له تصانيف مفيدة، منها: «التمهيد» في الأصول، و«الهداية» في الفقه، و«التهذيب» في الفرائض، توفي سنة (510ه).
انظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/116)، «الكامل» لابن الأثير (10/524)، «اللباب» لابن الأثير (3/107)، «سير أعلام النبلاء» (19/348)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (2/37)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/180)، «مرآة الجنان» لليافعي (8/41)، «شذرات الذهب» لابن العماد (4/27).
12- (1/81).
13- انظر: «المحصول» للرازي (1/1/449)، و«التمهيد» للإسنوي (186)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (1/156).
14- هو أبو عبد الله محمَّد بن علي بن محمَّد، الشوكاني ثمَّ الصنعاني اليمني، الفقيه المحدِّث الأصولي النظار، عرف بالإمام المجتهد، له تصانيف كثيرة ومفيدة، منها: «فتح القدير» في التفسير، و«نيل الأوطار» في الحديث، و«إرشاد الفحول» في الأصول، توفي سنة (1250ه).
انظر ترجمته في: «البدر الطالع» له (2/214)، «الفتح المبين» للمراغي (3/144)، «الأعلام» للزركلي (6/298)، «معجم المؤلفين» لكحالة (3/541)، «الرسالة المستطرفة» للكتاني (114)، «الإمام الشوكاني، حياته وفكره» د. عبد الغني قاسم غالب الشرحيبي، و«الإمام الشوكاني مفسّرًا» محمد حسن الغماري.
15- «إرشاد الفحول» للشوكاني (24).
16- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (158).
17- هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري ثمّ البغدادي، المعروف بابن القاص، فقيه شافعي، تلميذ أبي العباس بن سُرَيج في طبرستان، كثير المواعظ، وشديد الخشوع والرقة، له تصانيف صغيرة الحجم كثيرة الفائدة، منها: «التلخيص»، و«المواقيت»، و«أدب القاضي»، و«المفتاح»، وغيرها، توفي ببغداد سنة (335ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشيرازي» (111)، «طبقات الشافعية» للسبكي (3/59)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/68)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/219)، «دول الإسلام» (1/209)، «سير أعلام النبلاء» كلاهما للذهبي (15/371)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/339).
18- هو أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق، شيخ الحنابلة في زمانه، وهو من أكبر تلامذة أبي بكر غلام الخلاَّل، كان يتقوَّت من النَّسْخ، ويُكثر الحج، له مصنّفات في علوم مختلفة، أشهرها: «الجامع» في الفقه، و«شرح الخرقي»، و«شرح أصول الدين»، وغيرها، توفي سنة (403ه).
انتظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (7/303)، «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/171)، «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (625)، «المنهج الأحمد» للعليمي (2/82)، «دول الإسلام» للذهبي (17/203)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/349)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/166).
19- هو أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث التميمي، فقيه حنبلي، له اطلاع على مسائل الخلاف، ولد سنة 317ه، صحب أبا القاسم الخرقي وأبا بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلاَّل، صنّف في الأصول والفروع والفرائض، توفي سنة (371ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (10/461)، «المنتظم» لابن الجوزي (7/110)، «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/139)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/298)، «المنهج الأحمد» للعليمي (2/66).
20- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (158).
21- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (176).
22- هو أبو العبَّاس تقيُّ الدِّين أحمدُ بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، الإمام المحقِّق، الحافظ المجتهد، شيخ الإسلام، نادرة عصره، انتهت إليه الإمامة والرئاسة في العلم والعمل، كان سيفًا مسلولاً على المخالفين، وشجا في حلوق أهل الأهواء المبتدعين، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، له تصانيف عديدة، منها: «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم»، «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية»، «منهاج السنة النبوية في نقد الشيعة والقدرية». توفّي بدمشق سنة (728 ه).
انظر ترجمته في: «دول الإسلام» للذهبي (2/237)، «البداية والنهاية» لابن كثير (14/132، 135، 146)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (1/154)، «مرآة الجنان» لليافعي (4/277)، «طبقات المفسّرين» للداودي (1/46)، «طبقات الحفّاظ» للسيوطي (520)، «فوات الوفيات» للكتبي (1/74)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/80)، «الفتح المبين» للمراغي (2/134)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/362).
23- هو الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم بن مهران الإسفرائيني الشافعي، شيخ أهل «خراسان»، الملقب بركن الدين، كان فقيهًا أصوليًّا، له مصنفات عديدة، وآراء أصولية مشهورة، وتعليقة في أصول الدين، توفي سنة (418ه).
انظر: «طبقات الشيرازي» (106)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/28)، «اللباب» لابن الأثير (1/55)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/24)، «سير أعلام النبلاء» (17/353)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (1/248)، «طبقات الإسنوي» (1/40)، «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/170)، «مرآة الجنان» لليافعي (3/31)، «معجم البلدان» لياقوت (1/178)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/209).
24- هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغافر الفارسي النحوي، صاحب التصانيف، وإمام عصره في علوم العربية، جرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس، ومن أشهر مصنفاته: «الإيضاح»، «والتكملة» في النحو، و«التذكرة»، و«المقصور والممدود»، و«الحجة» في القراءات، وكتاب «الإغفال» فيما أغفله الزجاج من المعاني وغيرها من المصنفات. توفي سنة (377ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (7/275)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/80)، «معجم الأدباء» للحموي (7/232)، «الكامل» لابن الأثير (9/51)، «المنتظم» لابن الجوزي (7/138)، «دول الإسلام» للذهبي (1/377)، «بغية الوعاة» للسيوطي (216)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/88).
25- انظر: المصادر المثبتة على هامش النصِّ المحقَّق من كتاب «الإشارة» (ص 160).
26- هو محمَّد الأمين بن محمَّد المختار الجنكي الشنقيطي الموريتاني، الفقيه الأصولي المفسر، صاحب «أضواء البيان»، كان -رحمه الله- في مواقفه مع الحق قويًّا صلبًا في بيانه، ليّنًا سهلاً في الرجوع إلى ما ظهر إليه منه، له مؤلفات، منها: «منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز»، و«دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب»، و«مذكرة الأصول على روضة الناظر»، و«أدب البحث والمناظرة»، وله العديد من المحاضرات ذات المواضيع المستقلة، ولد سنة 1325ه، وتوفي بمكة مرجعه من الحج سنة (1393ه).
انظر ترجمته مفصَّلة في محاضرة أُلقيت في موسم ثقافات الجامعة الإسلامية بالمدينة، أعدّها وألقاها تلميذه الشيخ محمَّد سالم عطية، وهي مثبتة في آخر الجزء (10) من «أضواء البيان»، وكذا ترجمة الشيخ عبد الرحمن السديس له.
27- «منع جواز المجاز» للشنقيطي (ص 8).
28- «روضة الناظر» لابن قدامة (1/183).
29- «إرشاد الفحول» للشوكاني (21).
30- (2/248).
31- «الحدود» للباجي (45، 46).
32- انظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (1/75).
33- هو أبو العباس، شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المصري، الشهير بالقرافي، أحد الأعلام المشهورين في المذهب المالكي، كان حافظًا مفوهًا بارعًا في العلوم الشرعية والعقلية، له تصانيف قيمة، منها: «الذخيرة» في الفقه، و«الفروق» في القواعد الفقهية، و«شرح المحصول للرازي»، و«تنقيح الفصول وشرحه» في أصول الفقه، توفي سنة (684ه).
انظر ترجمته في: «الديباج المذهب» لابن فرحون (62)، «المنهل الصافي» للأتابكي (1/215)، «حسن المحاضرة» للسيوطي (1/316)، «درة الحجال» لابن القاضي (1/8)، «الفتح المبين» للمراغي (2/89)، «شجرة النور» لمخلوف (1/188)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/233)، «الأعلام» للزركلي (1/90)، «معجم المفسرين» للنويهض (1/28).
34- «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (36).
35- انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (378).
36- هو أبو عبد الله محمَّد بن إدريس بن العباس القرشي المطلبي الشافعي المكي، الإمام المجتهد المحدّث، الفقيه صاحب المذهب، مناقبه عديدة، له مصنفات في أصول الفقه وفروعه، أشهرها: «الرسالة» في أصول الفقه، و«الأم» في الفقه، و«أحكام القرآن»، توفي سنة (204ه).
انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» للبخاري (1/42)، «التاريخ الصغير» (2/275)، «الفهرست» للنديم (263-264)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (7/21-24)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (2/56 - 78)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (1/382-397)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/163-169)، «الكامل» لابن الأثير (6/359)، «اللباب» لابن الأثير (2/175)، «البداية والنهاية» لابن كثير (1/251-254)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/18 - 2)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/5/99)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (227-230)، «وفيات ابن قنفذ» (39)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/25/31)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (158-159)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/9/11)، «الفكر السامي» للحجوي (1/2/394-45)، «تاريخ المذاهب» لأبي زهرة (436-482)، «تاريخ التراث العربي» لسزكين (2/165-176)، «كتاب الإمام الشافعي» لعبد الحليم الجندي.
37- هو أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي، الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب المصري، كان بارعًا في العلوم الأصولية، وتحقيق علم العربية ومذهب مالك، له تصانيف مفيدة منها: «الجامع بين الأمهات»، و«والمختصر»، و«الكافية»، و«الشافية» في النحو والصرف، توفي سنة (646ه).
انظر ترجمته في: «الديباج المذهب» (189)، «البداية والنهاية» لابن كثير (13/176)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/248)، «بغية الوعاة» للسيوطي (323)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/234)، «معجم المؤلفين» لكحالة (2/366)، «شجرة النور» لمخلوف (1/167).
38- هو أبو الخير القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي، الفقيه الأصولي، صاحب التصانيف الكثيرة، منها: «المصباح» في أصول الدين، و«الغاية القصوى» في الفقه، و«المنهاج» في أصول الفقه، و«أنوار التنزيل» في التفسير، ولي القضاء بشيراز،وتوفي سنة (685ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للقاضي شهبة (2/172)، «البداية والنهاية» لابن كثير (3/309)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/136)، «بغية الوعاة» للسيوطي (286)، «طبقات المفسرين» للداودي (1/248)، «مرآة الجنان» لليافعي (4/220)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/392)، «الفتح المبين» للمراغي (2/91)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/341).
39- هو أبو عبد الله فخر الدين محمَّد بن عمر بن الحسين القرشي البكري التيمي الشافعي، المعروف بابن الخطيب، صاحب المصنفات المشهورة، منها: «التفسير»، و«المحصول»، و«المعالم» في الأصول، و«المطالب العالية»، و«نهاية العقول» في أصول الدين، توفي سنة (606ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» لابن السبكي (8/81)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/248)، «دول الإسلام» (2/112)، «سير أعلام النبلاء» كلاهما للذهبي (21/500)، «البداية والنهاية» لابن كثير (13/55)، «لسان الميزان» لابن حجر (4/426)، «طبقات المفسرين» للداودي (2/215)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/21).
40- «المحصول» للفخر الرازي: (1/2/66)، وانظر المسألة مثبتة على هامش «الإشارة» (166).
41- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (167).
42- أبو المعالي، ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني الشافعي، الملقب بإمام الحرمين، كان فقيهًا أصوليًّا متكلِّمًا على مذهب الأشاعرة، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصلين، منها: «الشامل»، و«الإرشاد» في أصول الدين، و«البرهان» و«الورقات» في أصول الفقه، و«نهاية المطلب» في الفقه، و«غياث الأمم» في الأحكام السلطانية، توفي سنة (478ه).
انظر ترجمته في: «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر (278)، «الكامل» لابن الأثير (10/145)، «اللباب» لابن الأثير (1/315)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/167)، «سير أعلام النبلاء» (18/468)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (2/8)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/123)، «طبقات الشافعية» للسبكي (5/165)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/358).
43- هو أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل الشيباني الوالي المروزي، ثمَّ البغدادي، المحدِّث الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب المذهب الرابع في الفقه السُّنِّي، ومذهبه مُفضَّلٌ عند أصحاب الحديث، له فضائلُ ومناقبُ وخصالٌ كثيرةٌ، من كتبه: «المسند»، و«التاريخ»، و«الناسخ والمنسوخ»، و«علل الحديث»، توفي سنة (241ه).
انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (1/292-313)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (4/412-423)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/63-65)، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/80)، «البداية والنهاية» لابن كثير (10/325-343)، «مرآة الجنان» لليافعي (2/132-134)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/177-358)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/96-98).
44- هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمَّد بن سالم التغلبي، سيف الدين الآمدي، الفقيه الأصولي، قال سبط ابن الجوزي: «لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام»، وقال الذهبي: «وبكل قد كان السيف غاية ومعرفته بالمعقول نهاية»، من كتبه: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«منتهى السول في الأصول» وغيرهما. توفي سنة (631ه).
انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (22/364)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (2/103)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/293)، «البداية والنهاية» لابن كثير (13/140)، «طبقات الشافعية» للسبكي (8/306)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/142).
45- هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، الإمام الحافظ، أخذ عن ابن عساكر والمِزِّي وابن تيمية، وبرع في علم التفسير والفقه والحديث والنحو والتاريخ، وصنّف في هذه العلوم تصنيفًا مفيدًا انتفع به الناس، ومن مصنفاته: «تفسير القرآن العظيم» و«البداية والنهاية»، و«مختصر معرفة علوم الحديث»، و«تحفة الطالب في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب»، و«طبقات الشافعية»، توفي سنة (774ه).
انظر ترجمته في: «الدرر الكامنة» لابن حجر (1/373)، «البدر الطالع» للشوكاني (1/153)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/231)، «الأعلام» للزركلي (1/317)، «معجم المؤلفين (1/373)، «الرسالة المستطرفة» للكتاني (175).
46- «تفسير ابن كثير» (2/6، 7).
47- «أضواء البيان» للشنقيطي (3/2-4)، «المذكرة الأصولية» للشنقيطي (192).
48- هو أبو عبد الله شمس الدِّين محمَّد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي الدمشقي ابن قيم الجوزية الحنبلي، الفقيه الأصولي، المفسِّر النحوي، أحد كبار العلماء، قال عنه الشوكاني: «برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الآفاق، وتبحَّر في معرفة مذاهب السلف»، له كتب عديدة، منها: «إعلام الموقعين»، و«زاد المعاد»، و«وشفاء العليل»، و«إغاثة اللهفان»، توفي سنة (751ه).
انظر ترجمته في: «البداية والنهاية» لابن كثير (14/234)، ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (2/447)، «طبقات المفسرين» للداودي (2/93)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (4/21)، «بغية الوعاة» للسيوطي (25)، «البدر الطالع» للشوكاني (2/143)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/168)، «الفتح المبين» للمراغي (2/168)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/365).
49- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (174).
50- «أحكام القرآن» لابن العربي (1/187).
51- هو أبو حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي الطوسي الشافعي، الملقب بحجَّة الإسلام، صاحب التصانيف العديدة منها: «المستصفى»، و«المنخول» في الأصول، و«الوسيط»، و«البسيط»، و«الوجيز»، و«الخلاصة» في الفقه، توفي سنة (505ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (6/191)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/216)، «دول الإسلام» (2/34)، «سير أعلام النبلاء» كلاهما للذهبي (19/322)، «مرآة الجنان» لليافعي (3/177)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/173)، «شذرات الذهب» لابن العماد (4/10)، «الأعلام للزركلي» (7/247).
52- «مفتاح الوصول» للتلمساني (383).
53- انظر: المصادر المثبتة على هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (381) بتحقيقنا (ط/1).
54- هو أبو البركات مجد الدِّين عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمَّد بن تيمية الحراني، جدُّ شيخ الإسلام ابن تيمية، فقيه حنبلي، محدِّث أصولي نحوي مفسر، له تصانيف عدة، منها: «الأحكام الكبرى»، و«المحرر» في الفقه، و«المنتقى» من أحاديث الأحكام، و«المسودة»، في أصول الفقه، التي زاد عليه ابنه عبد الحليم، وحفيده تقي الدين أحمد. توفي سنة (652ه).
انظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (2/249)، «فوات الوفيات» للكتبي (2/323)، «غاية النهاية» لابن الجزري (1/385)، «طبقات المفسرين» للداودي (1/303)، «البداية والنهاية» لابن كثير (13/185)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/257)، «الرسالة المستطرفة» للكتاني (180).
55- هو أبو يعلى محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن الفرَّاء القاضي الحنبلي، كان من أوعية العلم في الأصول والفروع، عالم زمانه وفريد عصره، له تصانيف كثيرة في فنون شتى، منها: «العدة» في الأصول، «أحكام القرآن»، و«عيون المسائل»، و«الأحكام السطانية»، «وشرح الخرقي» وغيرها، توفي سنة (458ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (2/256)، «سير أعلام النبلاء» (18/89)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (1/269)، «الكامل» لابن الأثير (10/52)، «اللباب» لابن الأثير (2/413)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/94)، «مختصر طبقات الحنابلة» للنابلسي (377)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/306).
56- هو أبو الفتح أحمد بن علي بن محمَّد الوكيل الحنبلي ثمَّ الشافعي، المعروف ب «ابن بَرهان»، فقيه أصولي، ولي التدريس بالنظامية، له تصانيف أصولية، منها: «البسيط»، و«الوسيط»، و«الأوسط»، و«الوجيز»، توفي سنة (518ه).
انظر ترجمته في: «طبقات السبكي» (3/30)، «الكامل» لابن الأثير (10/625)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/9)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي» (19/456)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/279)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/102)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/194)، «شذرات الذهب» لابن العماد (4/62).
57- انظر: اختلاف الأصوليين في بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب أو التوقُّف في المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (173).
58- هو أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن علي الشريف الإدريسي: نسبة إلى إدريس بن عبد الله بن حسن، وهو أول من دخل المغرب، التلمساني: نسبة إلى مدينة «تلمسان» الواقعة في الغرب من القطر الجزائري، أحد علماء القرن الثامن الهجري له مؤلَّفاتٌ نافعة منها: «مفتاح الوصول إلى بناء الأصول على الفروع»، و«مثارات الغلط في الأدلة»، وله أجوبة عن مسائل فقهية وأصولية، توفى سنة (771ه).
[انظر ترجمته موسَّعةً على كتاب «مفتاح الوصول» -بتحقيقي- المكتبة المكية - مؤسّسة الريان ط/1 - (1419ه-1998م)].
59- هو أبو عبد الله محمَّد بن عبد الرحيم بن محمَّد الأرموي، الملقب بصفي الدين الهندي، فقيه شافعي أصولي، ناظر شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن مصنفاته: «الفائق» في التوحيد، و«نهاية الوصول إلى علم الأصول»، توفي بدمشق سنة (715ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/162)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/227)، «البداية والنهاية» لابن كثير (14/74)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (4/14)، «مرآة الجنان» لليافعي (4/272)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/302)، «البدر الطالع» للشوكاني «2/187)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/37).
60- «تبيين الحقائق» للزيلعي (1/316).
61- «المغني» لابن قدامة (3/102)، «الإشراف» للقاضي عبد الوهاب (1/443).
62- أخرجه البخاري (1/421) في الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، ومسلم (4/26) في الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. وأبو داود (1/180) في الطهارة، باب الحائض لا تقضي الصلاة، والترمذي (1/234) في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، والنسائي (1/191) في الحيض والاستحاضة، باب سقوط الصلاة عن الحائض، وابن ماجه (1/207) في الطهارة باب الحائض لا تقضي الصلاة، وأحمد في مسنده (6/231) من حديث عائشة رضي الله عنها.
63- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (320).
64- هو أبو بكر محمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسي، المعروف ب «شمس الأئمة»، الفقيه الأصولي أحد أئمة الحنفية، له مصنفات، كثيرة، منها: «المبسوط» في الفقه أملاه وهو في السجن، كما أملى «شرح السير الكبير لمحمَّد بن الحسن»، وله «شرح مختصر الطحاوي»، و«أصول السرخسي» توفي سنة (483ه).
انظر ترجمته في: «الجواهر المضيئة» للقرشي (2/28)، «الفوائد البهية» للكنوي (158)، «تاج التراجم» لابن قُطلوبغا (52)، «معجم المؤلفين» لكحالة (3/68)، «الفتح المبين» للمراغي (1/264).
65- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (175).
66- «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني (99-101).
67- انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/233)، «شرح مختصر الروضة» للطوفي (1/218) «طريق الهجرتين» لابن القيم (350).
68- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (11/675)، (20/118).
69- انظر: «مذكرة الشنقيطي الأصولية» (28).
70- «الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول» للمؤلف (39).
71- انظر: «شرح مختصر الروضة» للطوفي (1/382)، «مذكرة الشنقيطي» (21).
72- انظر تفصيل الخلاف في مسألة اقتضاء صيغة النهي للتحريم في المصادر المثبتة على هامش «الإشارة» (181).
73- هو أبو بكر محمَّد بن علي بن إسماعيل، القفال الشاشي الكبير، الفقيه الشافعي، المحدِّث الأصولي اللغوي، وهو والد القاسم صاحب «التقريب»، وهو أول من صنَّف في الجدل الحسن عند الفقهاء، له «شرح الرسالة»، و«التفسير»، و«أدب القضاء»، و«محاسن الشريعة»، و«دلائل النبوة»، توفي سنة (336ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشيرازي» (112)، «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر (182)، «وفيات الأعيان» (4/200)، «سير أعلام النبلاء» (16/283)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (1/226)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/148)، «مرآة الجنان» لليافعي (2/381)، «طبقات الشافعية» للسبكي، (3/200)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/4)، «طبقات المفسرين» للداودي (2/198)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/51).
والجدير بالذكر أنه إذا ذكر القفال الشاشي، فالمراد صاحب الترجمة، أمَّا القفال المروزي، فهو القفال الصغير الذي كان بعد الأربعمائة، ثمَّ إنَّ الشاشي يتكرر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام، أمَّا المروزي فيتكرر في الفقهيات. [انظر: «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/282-283)].
74- هو أبو الحسين محمَّد بن علي بن الطيِّب البصري، أحد أئمَّة المعتزلة الأعلام، كان إمام المعتزلة في وقته، كبير الاطلاع غزير المادة، جيد العبارة، وله تصانيف في علم الأصول وغيرها، منها: «المعتمد»، و«تصفح الأدلة»، و«غرر الأدلة» و«شرح الأصول الخمسة»، وكتاب في الإمامة، سكن بغداد وتوفي بها سنة (436ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (3/100)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/271)، «سير أعلام النبلاء» (17/587)، «دول الإسلام» (1/258)، «ميزان الاعتدال» كلها للذهبي (3/654، 655)، «الكامل» لابن الأثير (9/527)، «البداية والنهاية» لابن كثير (12/53)، «لسان الميزان» لابن حجر: (5/298)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/259)، «هدية العارفين» للبغدادي (2/69).
75- راجع المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» للباجي (181) و«مفتاح الوصول» للتلمساني (418).
76- انظر تخريجه على هامش «الإشارة» (182).
77- أخرجه مسلم (12/16) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد اتفق الشيخان على إخراجه بلفظ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه البخاري (5/301)، ومسلم (12/16) من حديث عائشة رضي الله عنها.
78- انظر المصادر المثبتة على كتاب «الإشارة» للباجي (183).
79- أخرجه مالك في «الموطأ» (1/321)، وأحمد في «مسنده» (1/57، 68، 73)، والدارمي في «سننه» (2/38 ،141)، ومسلم (9/193)، وأبو داود (2/421)، وابن ماجه (1/632)، والترمذي (3/199) والنسائي (5/192) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.