المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : -الجزء الخامس- باب بيان حكم المجمل للشيخ محمد علي فركوس


حفيد الصالحين
07-08-2011, 11:56 PM
http://www.ferkous.com/image/gif/C0.gif
الجزء الخامس

بـاب
بيان حكم المجمل
[ في تعريف المجمل ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 220]:
«... وَجُمْلَتُهُ أَنَّ المُجْمَلَ مَا لاَ يُفْهَمُ المُرَادُ بهِ مِنْ لَفْظِهِ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى البَيَانِ إِلَى غَيْرِهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، فَلاَ يُفْهَمُ المُرَادُ ب: «الحَقِّ» منْ نَفْسِ اللَّفْظِ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ يَكْشِفُ عَنْ جنْسِ الحَقِّ وَقَدْرِهِ، فَإِذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذَا وَجَبَ اعْتِقَادُ وُجُوبهِ إِلَى أَنْ يَرِدَ بَيَانُهُ فَيَجِبُ امْتِثَالُهُ».
[م] تعريف المصنِّف للمجمَل بهذا المفهوم إنما هو تعريف له عند السلف وهو «الَّذِي لاَ يَكْفِي وَحْدَهُ فِي العَمَلِ»، مثلُ قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]، فإنَّ الصدقةَ المطهِّرةَ والمزكِّيةَ لهم التي أمروا بها تحتاج إلى بيان، ومثلُ هذا لا يعرف إلاَّ ببيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(1).
أمَّا في اصطلاح الأصوليِّين فالمجمل -كما تقدَّم- هو: «ما له دلالة على معنيين فأكثر لا مزيةَ لأحدهما على الآخر». وحكم المجمل التوقُّف فيه حتى يتبيَّن المراد منه، أي: أنه لا يجوز العمل بأحد احتمالاته حتى يأتي دليل منفصلٌ خارجي عنه يدلُّ على المراد منه؛ ذلك لأنَّ المعنى لم يتعيَّن المراد منه بنفسه لتردّده بين مَعنيين فأكثر فاحتاج إلى المبيَّن.
وقول المصنّف في آية زكاة الزروع بأنه لا يفهم المراد ب: «الحق» من نفس اللفظ ولا بد له من بيانٍ يكشف عن جنس الحقّ وقدره، فلا يستقيم مع ما بيَّنه أهلُ التحقيق من أنَّ اللفظ قد يكون واضح الدلالة من وجه، مجملاً من وجه آخر، فإنَّ إيتاءَ الحقِّ واضح الدلالة، وهو الزكاة المفروضة إلاَّ أنه مُجمَل في مقداره لاحتماله النِّصف أو أقلَّ أو أكثر كما بيَّنه صاحب «أضواء البيان»(2).

[ في نصوص اختلف في كونها مجملة ]

• وفي الصفحة نفسها قال المصنِّف -رحمه الله-:
«... قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43، 110]، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]، ﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: 97]، ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابنَا إِلَى أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ: «كُلُّهَا عَامَّةٌ، فَيَجبُ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا إِلاَّ مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي».
[م] فمذهبُ القاضي الباقلاني وأكثر الشافعية أنَّ الاسم -إن ورد- وله مُسمَّى شرعي ومُسمَّى لغوي، وأمكن أن يكون المراد مسمَّاه الشرعي ومسمَّاه اللغوي، وليس من قرينة ترجِّح الشرعيَّ فهو مجملٌ لتردُّده بينهما، كالصلاة لها مسمَّى شرعي، أمَّا اللغوي فهو الدعاء، وكذلك الصوم والزكاة والحجِّ والرِّبا، فإنَّ لها معنًى شرعيَّا وآخر لغويًّا، وهو: الإمساك، والنَّمَاء، أو الطهارة والقَصْد. وحملته طائفة من الحنفية والشافعية على المسمَّى اللغوي حتى يدلَّ دليلٌ على إرادة الشرعي، وفَصَّل الغزالي والآمدي في المسألة، فيرى الغزالي أنَّ ما ورد في الإثبات كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إِنِّي إِذًا صَائِمٌ»(3)، المتردد بين الإمساك اللغوي والصوم الشرعي، فهو للحكم الشرعي، وما ورد في النهي كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعِي الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ»(4)، المتردِّد بين الصلاة الشرعية والدعاء اللغوي، فهو مجمل، واختار الآمدي ظهورَه في المسمَّى الشرعي في طرف الإثبات وظهوره في المسمَّى اللغوي في طرف الترك، ومذهبُ جمهور الأصوليِّين أنه لا إجمالَ فيما كان له مُسمَّى لغوي ومسمَّى شرعي، بل الواجب حمله على المعنى الشرعي، سواء في حالة الإثبات، أو في سياق النفي، ما لم يصرف عنه صارف إلى غيره؛ لأنه عُرف الشارع، وإنما يحمل لفظ الشارع على عرفه(5)، كما سيأتي.
وفي تقديري أنَّ سبب الاختلاف في هذه المسألة يرجع إلى الاختلاف الحاصل في هذه الأسماء، هل هي منقولة من اللغة إلى الشرع لكونها محتاجة إلى بيان المعنى الجديد المنقولة إليه، أم أنها غير منقولة، وإنما ورد الشرع بشروط وأحكام مضافة إلى الوضع اللغوي؟(6) والقول بالإجمال مبني على أنها غير منقولة كما سيأتي تفصيله في باب بيان الأسماء العرفية اللاحق.
ونوع الخلاف فيه معنويٌّ، فمن يرى أنه لا إجمال فيه قال بجواز العمل بما يقتضيه النصُّ من غير توقُّفٍ، أمَّا مَن رأى أنَّ فيه إجمالاً فإنه لا يجيز العمل به إلاَّ إذا عيَّنت قرينةٌ أو دليلٌ أحدَ المحتملين.

بـاب
بيان الأسماء العرفية
فـصل
[ في أقسام الحقيقة ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 223] عند تعرُّضه لأقسام الحقيقة:
«عُرْفُ الاسْتِعْمَالِ يَكُونُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: اللُّغَةُ، نَحْوُ قَوْلِنَا: «دَابَّةٌ»، وَالثَّانِي: عُرْفُ الشَّرِيعَةِ، نَحْوُ قَوْلِنَا: «صَلاَةُ»، وَ«صَوْمٌ»، وَ«حَجٌّ»، وَالثَّالِثُ: عُرْفُ الصِّنَاعَةِ كَتَسْمِيَةِ أَهْلِ الكِتَابَةِ الدِّيوَانَ زِمَامًا... فَإِذَا وَرَدَ شَيْءٌ مِنَ الأَلْفَاظِ العُرْفِيَّةِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا عُرِفَ بالاسْتِعْمَالِ فِيهِ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْهَا».
[م] قسم المصنِّف الحقيقة إلى ثلاثة أقسام، وابتدأ بالقسم الأول المتمثِّل في الحقيقة اللغوية الوضعية أي الثابتة بالوضع اللغوي، بمعنى أن يضع الواضع لفظًا لمعنى يفهم عند الإطلاق ذلك المعنى الموضوع له، فيكون حقيقة فيه لتبادره إلى الذهن وسابقيته إليه من الحقيقة العرفية والشرعية، مثل لفظ «أسد» فإنه يسبق إلى الذهن المعنى الموضوع له وهو الحيوان المفترس، فإن استعمل في غير ما وضع له لعلاقة بقرينة فهو المجاز، مثل إطلاق لفظ «أسد» على الرجل الشجاع، فإن كان اللفظ محتملاً لحقيقته ومجازه فإنه راجح في الحقيقة لأصالتها(7)، ومن هذا التصوُّر يُعلم أنَّ الألفاظ تنقسم إلى أربعة أقسام، وهي: حقيقة لغوية وضعية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية، ومجاز. ودليل حصرها في أربعة أقسام يظهر في أنَّ اللفظ إمَّا أن يبقى على أصل وضعه فهذا هو الحقيقة الوضعية، أو يغَيَّر عنه، ولا بدَّ أن يكون هذا التغيير من قِبَلِ الشرع أو من قبل عرف الاستعمال، أو من قبل استعمال اللفظ في غير موضعه لعلاقة بقرينة. فإن كان تغييره من قِبَلِ الشرع فهو الحقيقة الشرعية، وإن كان من قِبَل عُرف الاستعمال فهو الحقيقة العرفية، وإن كان من قِبَل استعمال اللفظ في غير موضعه لدلالة القرينة فهو المجاز(8).
أمَّا القسم الثاني فهو لعُرف الشريعة أو ما يُسمَّى بالحقيقة الشرعية وهي: اللفظ المستعمل في الشرع على غير ما كان مستعملاً في الوضع كالصلاة والزكاة والصيام والحجّ، فإنها تطلق ويراد بها تلك العبادات المعروفة مع أنَّ لهذه الألفاظ معاني أخرى في أصل وضعها اللغوي، فالصلاة في اللغة: الدعاء، والزكاة: النماء، والصوم: الإمساك، والحج: القصد، فهي ألفاظ نقلها الشارع عن مُسمَّياتها ومعانيها اللغوية إلى معان أُخَرَ بينها مناسبة معتبرة، فصارت حقائق شرعية بعدما كانت لغوية، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، خلافًا لمن يرى أنها معان مبتكرة شرعًا، يجوز أن يلاحظ فيها المعنى اللغوي، فإن وجد فهو اتفاقي وليس مقصودًا، وهو مذهب المعتزلة والخوارج، وبعض الأحناف كالدبوسي والبزدوي، وبعض الحنابلة كأبي الخطاب، وذهب الباقلاني وكثير من الأشاعرة إلى أنَّ الألفاظ اللغوية لم ينقل الشارع منها شيئًا، بل الاسم باقٍ على ما هو عليه في اللغة لكن الشرع ضمَّ إليه أفعالاً، واشترط له شروطًا(9).
والظاهر من هذه الأقوال أنَّ القول بنقل الألفاظ اللغوية مع الإعراض عن موضوعاتها اللغوية إلى الشرع أسهل من حصوله بإبقاء الموضوعات اللغوية مع زيادة الشروط الشرعية، ويؤيّد ذلك الاستقراء والتتبع للألفاظ الشرعية التي استعملها الشارع فقد استعملها في معان لها علاقة بمعناها اللغوي، وليس نقلاً كليًّا للفظ، وإنما لوجود مناسبة بينهما، كما يؤكّد ذلك القياس على فعل أهل اللغة في الألفاظ العرفية -كما سيأتي- كلفظ «الدابة» حيث خصَّصوه في ذوات الأربع مع أنه يُطلق لغة على ما يَدِبُّ على الأرض، والعِلَّة الجامعة وجود علاقة معتبرةٍ بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي والعرفي.
هذا، وفي كلِّ الأحوال أنَّه إذا حصل الاتفاق على وجوب الرجوع إلى بيان الشارع لهذه الأسماء وتفسيره لها فإنَّ بيانه للألفاظ وتفسيره لها مقدَّم على أي بيانٍ وتفسير، ولا يلتفت إلى كونه منقولاً عن اللغة أو مزيدًا فيه، فالمطلوب معرفة ما أراده الله ورسوله بهذا الاسم، فإن عرف بتعريف الشارع له كيف ما كان الأمر فإنَّ ذلك هو مراده.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: «فالنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قد بيَّن المرادَ من هذه الألفاظ بيانًا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك، فلهذا يجب الرجوع في مسمَّيات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شافٍ كافٍ»(10)، وقال -أيضًا-: «والاسم إذا بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حدَّ مسمَّاه لم يلزم أن يكون قد نقله عن اللغة أو زاد فيه، بل المقصود أنه عرف مراده بتعريفه هو صلى الله عليه وآله وسلم كيف ما كان الأمر، فإنَّ هذا هو المقصود، وهذا كاسم الخمر فإنه قد بيَّن أنَّ كُلَّ مُسكِرٍ خمرٌ، فعُرِف المراد بالقرآن، سواء كانت العرب قبل ذلك تطلق لفظ الخمر على كلِّ مُسكِرٍ أو تخصُّ به عصير العنب لا يحتاج إلى ذلك، إذ المطلوب معرفة ما أراد الله ورسوله بهذا الاسم، وهذا قد عرف ببيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم»(11).
هذا، وتقديم بيان الشرع على كلِّ بيانٍ يلزم منه معرفةُ حدود ألفاظ الشرع والوقوف عندها من غير مجازوة لمعناها، بحيث يدخل فيها ما ليس منها أو يخرج ما هو منها(12)، هذا –أَوَّلاً-، وأن يُراعَى –ثانيًّا- مُرادُ المتكلِّم ومقصدُه، فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريقٍ وجب المصيرُ إلى العمل بمقتضاه؛ لأنَّ الألفاظ لم تُقصَد بذواتها، وإنما هي أدلَّةٌ يُستدَلُّ بها على مُراد المتكلِّم، وقد يُستدَلُّ على إرادة الشيء بإرادة نظيره ومثله وشبهه، وذلك قَدْرٌ زائدٌ على مجرَّد اللفظ(13)، وأن يُراعَى –ثالثًا- سياقُ الألفاظ وسباقُها مع النظر إلى قرائن الكلام والأحوالِ عند بيان تلك الألفاظ من عمومٍ وخصوصٍ ومُطلق ومقيَّدٍ واقترانٍ وتجريدٍ، وبين الألفاظ التي تكون عامة عند الإطلاق، والتي ليست بعامة على الإطلاق(14)، كما يلزمه –رابعًا- في مراعاة ألفاظ الشارع حملها على اللغة والعرف والعادة السائدة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم وقت نزول الخطاب، وعليه فلا يصحُّ أن تحمل هذه الألفاظ على عاداتٍ وأعرافٍ وقعَتْ في غيرِ زمن النُّبوَّة أو على اصطلاحاتٍ وَضَعَهَا أهلُ الفنون بعد عصر التَّنْزيل، وضمن هذا المنظور يقول ابنُ تيمية: «ولا يجوز أن يحمل كلامه [أي: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم] على عاداتٍ حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه، كما يفعله كثير من الناس، وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه»(15)، وجاء عنه ‑أيضًا‑: «فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك»(16).
ومن آثار هذا الاختلاف السابق أنَّ من يرى أنَّ الأسماء المنقولةَ من اللغة إلى الشرع يُقرِّر أنَّ الألفاظ تحمل على الحقيقة الشرعية دون اللغوية إلاَّ بدليلٍ أو قرينة؛ لأنَّ عرف الشرع يجري على بيان الأحكام الشرعية دون الحقائق اللغوية، أمَّا على مَن قال بأنَّ تلك الأسماءَ باقيةٌ على دلالتها اللغوية ولكن زاد عليها الشارع بعض الشروط والقيود؛ فإنَّ تلك الأسماءَ تحمل على المعنى اللغوي، ولا يجوز العدول عنها إلى الشرعية إلاَّ بقرينةٍ، وتفرَّع عن ذلك أن ذهب بعضهم إلى أنَّ تلك الأسماء تبقى مجملة حتى يأتي البيان، ويرى الغزالي أنَّ ما ورد في الإثبات فهو للحكم الشرعي وما ورد في النفي فهو مجمل، واختار الآمدي ظهوره في المسمَّى الشرعي في طرف الإثبات، وظهوره في المسمَّى اللغوي في طرف الترك -كما تقدَّم-.
والصحيحُ في ذلك حمل ألفاظ الكتاب والسُّنَّة على المعاني الشرعية دون اللغوية؛ لأنَّ العادة في كلِّ متكلِّم أن يحمل لفظه على عُرفه، والصلاة والزكاة والصوم والحجّ تحمل على مراد الشرع ومقصوده؛ لأنَّ عرف الشرع يجري على بيان الأحكام الشرعية؛ والنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث للتعريف بها لا لتعريف الألقاب اللغوية؛ ومن بين المسائل التي اختلفوا فيها بناءً على هذا الأصل ما يأتي:
1- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَوَضَّؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»(17)، فهل المقصود منه الوضوء الشرعي أو اللغوي ؟ فذهب بعضهم إلى أنَّ المراد به الوضوء الشرعي، ويرى آخرون بأنه الوضوء اللغوي، ورأى فريق ثالث أنه مُجمَل لتردُّده بين محتملين فلا يحمل على أحدهما إلاَّ بقرينة(18).
2- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلاَةٌ»(19)، فهل الطواف كالصلاة حُكمًا في افتقاره إلى الطهارة فيكون المراد بها الصلاة الشرعية، أو أنَّ الطواف يشتمل على الدعاء الذي هو صلاة لغة(20).
3- هل النكاح في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22]، يُراد به المعنى الشرعي وهو العقد، أو المعنى اللغوي وهو الوطء، أو هو مجمل(21) ؟
من هذا القبيل -أيضًا- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ»(22)، هل يراد بالنكاح العقد الذي هو الحقيقة الشرعية، أو الوطء الذي هو المعنى اللغوي، أم هو مجمل(23) ؟
أمَّا القسم الثالث فهو للحقيقة العرفية، وهي على قسمين:
‑ حقيقة عرفية عامَّة: وهي اللفظ الذي وضع لغة لمعنى، ولكن استعمله أهل العرف العامِّ في غير ذلك المعنى، وشاع عندهم استعماله، مثل لفظ «الدابة» فهو اسم موضوع لكلِّ ما يَدِبُّ على وجه الأرض، من إنسان وحيوان، ثمَّ غلب عليه عرف الاستعمال في نوع من الحيوان دون غيره، وهو لكلِّ ما له حافر كالفرس والبغل والحمار.
ومثاله ‑أيضًا‑: لفظ «غائط» فإنه يطلق في اللغة على المطمئنِّ والمنخفض من الأرض، ثمَّ استعمل عرفًا في الخارج المستقذر من الإنسان، فصار هذا الاستعمال العرفي هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق، ونسي الاستعمال الوضعي. ومثاله كذلك اسم «الفقيه» فإنه يطلق لغة على من يفقه كلام الآخر ويفهمه، نحو قال تعالى: ﴿فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: 78]، ثمَّ خصَّص العرف هذا الاسم بالعالم بالأحكام الشرعية العملية.
‑ حقيقة عرفية خاصَّة: وهي اللفظ الذي وضع لغة لمعنى، واستعمله أهل العرف الخاصّ في غيره وشاع عندهم فيه، كالرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ عند النحاة، والنَّقضِ والقَلبِ من قوادح القياس عند الأصوليِّين، وهو ما أشار إليه المصنِّف فيما عرف عند أهل الصناعة وما اصطلح عليه أرباب كلِّ فنِّ(24).
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنَّ اللفظ إنما يحمل على المعنى العرفي إجماعًا إذا ما أميتت الحقيقة اللغوية كلية وأصبحت كالمتروكة، كمن حلف أن يأكل من هذه الشجرة، فإنَّ مقتضى الحقيقة العرفية أنه يأكل من ثمرتها لا من جذعها كما هو مقتضى الحقيقة اللغوية، وهي مماتة بالكلية في هذا المثال، إذ لا يقصد عاقل الأكل من جذع الشجرة إطلاقًا، لذلك كان المصير إلى الحقيقة العرفية واجبًا حتميًّا، أمَّا إذا لم تتناسَ اللغوية بالكلية وجب تقديمها على العرفية(25)، وفي حالة التعارض يحمل اللفظ على حقيقته الشرعية، فإن لم تكن فعلى حقيقته العرفية وإلاَّ فعلى حقيقته اللغوية ما لم يرد دليل أو قرينة صارفة عن ذلك المعنى إلى غيره كما هو عليه مذهب الجمهور(26).
بـاب
أحكام أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
[ في المراد بالسنة عند الأصوليين ]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 225]:
«السُّنَّةُ الوَارِدَةُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ: أَقْوَالٌ، وَأَفْعَالٌ، وَإِقْرَارٌ».
[م] المراد بالسُّنَّة عند الأصوليِّين هو: «مَا ثَبَتَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ القُرْآنِ الكَرِيمِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ مِمَّا يَخُصُّ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ»، بخلاف ما هو جارٍ عند المحدِّثين إذ لم يقصروا السُّنَّةَ على إفادة الحُكم الشرعيِّ فَحَسْب، بل توسَّعوا في الإطلاق، فالسُّنَّة عند المحدِّثين هي: «كُلُّ مَا أُثِرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ صِفَةٍ خُلُقِيَّةٍ أَوْ خَلْقِيَّةٍ أَوْ سِيرَةٍ»، بينما مرادُ السُّنَّة عند الفقهاء هي: «كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ العِبَادَاتِ»، أي: تُطلق السُّنَّةُ عندهم فيما يقابل الواجب.
ومنشأ الخلاف يكمن في الجانب المراد العناية به، فالأصوليُّون نظروا إلى جانب الأدلة الإجمالية للأحكام الفقهية، وغرضهم إثباتها وبيانها، أمَّا الفقهاءُ فنظروا إلى جانب الأحكام التفصيلية، واهتمُّوا بإثبات الأحكام الفرعية الخاصَّة بالمكلَّف، أمَّا المحدِّثون فلم يقصروا نظرهم على الحكم الشرعي من حيث إثباتُه، ولكن تعدَّوه إلى كلِّ ما يَتَّصلُ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا ونقلاً؛ فالسُّنَّة عند المحدِّثين أعمُّ منها ما عند الأصوليِّين الذين يشترطون الثبوت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم: «ما ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير»، بينما يكتفي المحدِّثون بالإضافة والأثر في قولهم: «ما أُضيف إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم» فيدخل الضعيف وغيرُه.
وحريٌّ بالتنبيه إلى أنَّ السُّنَّة تطلق عند السَّلف وأهلِ الكلام على ما يقابل البدعةَ، كما تطلق السُّنَّة ‑أيضًا‑ على ما عمل عليه الصحابة رضي الله عنهم، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي»(27)، لكن إذا أُطلقت السُّنَّة فالمتبادر إلى الذهن سُنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم(28).
هذا، والمراد بالأقوال: كُلُّ ما تَلَفَّظَ به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ممَّا يتعلَّق بالتشريع، وهو يشمل الكتابةَ ‑أيضًا‑ مِثلُ أمرِه صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا بالكتابة يوم الحديبية، على أَنْ تُقَيَّدَ أقوالُهُ صلى الله عليه وآله وسلم في التعريف بعبارة «غير القرآن» لإخراجه من جنس ما صدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وثبت؛ لأنَّ كلام الله تعالى تلاه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على جماعة تقوم الحُجَّة بقولهم، وهذا كلُّه إنما يكون بعد البعثة؛ فما ثبت وصدر عنه قبل البعثة لا يسمى سُنَّةً؛ لأنه في تلك الفترة لم يكن نبيًّا ولا رسولاً، كما يخرج منه ما صدر عن الأنبياء والرسل قبله صلى الله عليه وآله وسلم، لإضافة السُّنَّة إليه، ويخرج ‑أيضًا‑ الحديث المردود فلا يُسمَّى سُنَّةً لعدم ثبوته عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: «وأفعال»، أي: ما فعله النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ممَّا يتعلَّق بتشريع الأحكام، كصلاته وحَجِّه صلى الله عليه وآله وسلم «فعلاً» و«تركًا»؛ لأنَّ الكَفَّ فِعْلٌ على الراجح، والترك سُنَّةٌ إذا وجد المقتضي وانتفى المانع وتَرَكه ولَمْ يَفعله صلى الله عليه وآله وسلم، وتدخلُ «الإشارةُ» في الفعل كإشارته صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ: «الشَّهر يكونُ هكذا وهكذا»(29)، كما يدخل فيه «الهمُّ»، وهو ما همَّ بفعله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفعله، إذ لا يَهُمُّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلاَّ في مطلوب شرعي على وجه الحقِّ؛ لأنه مبعوث لبيان الأمور الشرعية، كهمِّه صلى الله عليه وآله وسلم في جعل أسفل الرداء أعلاه في الاستسقاء، فثَقُل عليه فتركه، والشافعية يجعلون «الهمّ» قِسمًا رابعًا إضافة إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في نصِّ المصنِّف(30).
هذا، ويدخل ‑أيضًا‑ في الفعل سائر أفعاله القلبية كالاعتقادات والإرادات، فهذه من حيث الحقيقةُ ليست أفعالاً، ولكنَّها معدودةٌ من الأفعال لاتصالها بها كالنيات(31).

[ في أقسام أفعال النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ]

• وقوله -رحمه الله- في الصفحة نفسها:
«وَالكَلاَمُ هَا هُنَا فِي الأَفْعَالِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَفْعَلُهُ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ المُجْمَلِ فِي الوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَوِ الإِبَاحَةِِ.
وَالثَّانِي: مَا يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً، وَذَلِكَ ‑أَيْضًا‑ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِيهِ قُرْبَةٌ، نَحْوُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَصُومَ، فَهَذَا قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ...».
[م] في القسم الأول من أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم يظهر وجهُ التفصيل فيه كالتالي:
إن كان فعله صلى الله عليه وآله وسلم لبيان مجملٍ أو لتقييد مُطلقٍ، فإنَّ هذا النصَّ التشريعيَّ يأخذ حُكْمَ النصِّ المبيَّن، فإن كان المبيَّن واجبًا فهو واجبٌ، وإن كان مندوبًا فهو مندوبٌ، فحكم فِعلِه تابعٌ لما بيَّنه؛ ذلك لأنَّ البيان لا يتعدَّى رتبة المبيَّن، فهو كالتفسير ينطبق مع المفسَّر، كبيانه صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، فإنه بيَّنها بقطع اليمين من الكَوْعِ، هذا من الكتاب، أمَّا من السُّنَّة فكبيانه بأفعاله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»(32)، وقولِه: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»(33)، فأفعالُه تحمل على الوجوب ما لم يرد صارف عنه.
فإن لم يكن بيانًا لمجمَلٍ أو تقييدًا لمطلَقٍ، فإمَّا أن يُعلم فِعله بدليلٍ يرجّح الوجوب أو الندب أو لم يعلم، فإن علم فإنه يحمل على ما يرجِّحه الدليل، وإن لم يُعلم فِعله بدليل، فإنَّ ما عليه أهلُ التحقيق أنه إن قصد بذلك قُربةً فهو مندوبٌ؛ لأنَّ قصد ظهور القربة فيه يوضِّح رجحان فِعله على تركه، والزيادة منتفية بالأصل، وذلك هو معنى الندب، فإن لم يظهر منه قصد القربة ففعله محمولٌ على الإباحة؛ لأنَّ صدورَهُ منه دليل على الإذن فيه، والزيادة على ذلك منتفية بالأصل، وذلك معنى الإباحة(34).
هذا، وقد رجَّح المصنِّف الوجوب فيما يفعله صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً على وجه القربة، وهو ما حكاه ابن خويز منداد عن مالك، وهو أصح الروايتين عن الإمام أحمد، وبه قال بعض الشافعية كأبي سعيد الإِصْطَخْرِي(35) وابن خَيْران(36) وابن سُرَيجٍ(37) وأبي إسحاق الإسفرائيني وغيرهم، واستدلَّ المصنِّف على وجوب فعله والتأسِّي به بالكتاب والإجماع.
أمَّا بالكتاب فبقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]، وبقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [النور: 63]، حيث حذَّر مِن مخالفة أمره، والتحذيرُ دليلُ الوجوب، واسم «الأمر» يطلق على الفعل، والأصل في الإطلاق الحقيقة، وغايته اشتراكه مع القول المخصوص فكان متناولاً للفعل.
أمَّا الإجماع فلرجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى قول عائشة رضي الله عنها في الغسل من غير إنزال، فقالت: «فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا»(38)، ولولا أنَّ فعله متَّبعٌ لما التزموه واجبًا.
وقد أُجيب عن استدلالات المصنِّف والقائلين بالوجوب بأنَّ قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ صريحٌ في اتباع شخصِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو غيرُ مقصود، لذلك كان ضروريًّا إضمار المتابعة في أقواله وأفعاله، و«الإضمار على خلاف الأصل»(39)، فتمتنع الزيادة فيه من غير حاجة، وأمكن دفع الحاجة بأحد الأمرين، والمتابعة في القول أَوْلَى من الفعل لكونه متفقًا عليه بخلاف الفعل فمختلف فيه(40). لذلك كانت أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم المبيِّنة لمجمَلٍ واجبٍ واجبةٌ؛ لأنَّ حُكم فعله تابع لما بيَّنه بقوله.
أمَّا الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [النور: 63]، فإنَّ اسمَ الأمر ‑وإن أطلق على الفعل والقول المخصوص‑ إلاَّ أنه مُجمَع على كونه حقيقة في القول المخصوص، ومختلف في الفعل، فحمله على المتفق عليه أَوْلَى، وتُؤيِّد ذلك القرائن السياقية حيث تَقدَّم في الآية ذِكر دعاء الرسول، ودعاؤه إنما هو «القول» في قوله تعالى: ﴿لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ [النور: 63]، فعاد الأمر إلى قوله، مع إمكان عود الضمير في «أمره» إلى الله تعالى، إذ هو أقرب مذكور، حيث قال ‑بعد ذكر الرسول‑: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا﴾ [النور: 63]، فكان عوده إليه أولى، فضلاً عن أن يكون القول بالتحذير عن مخالفة الفعل يستدعي وجوب ذلك الفعل لاستحالة التحذير من ترك ما ليس واجبًا، ووجوب الفعل إذا كان لا يعرف إلاَّ من التحذير كان دورًا.
أمَّا الاحتجاج بالإجماع فغير مُسَلَّم أنَّ وجوبَ الغسل من التقاء الختانين كان مستفادًا من فعل النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما استُفيدَ وجوبُه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ»(41)، وجاء سُؤالُ عمر رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها ليعلم أنَّ فعل النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم هل وقع موافقًا لأمره أو لاَ، قصد التأكُّد ليلتزمه طاعة(42).

فـصل
[ ما يفعلُه النبيُّ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ابتداءً ولا قُربةَ فيه ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 230]:
«وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا لاَ قُرْبَةَ فِيهِ نَحْوُ: الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ».
[م] بهذا الحكم قطع الأكثرون، ونقل المصنِّف عن بعض المالكية أنه يدلُّ على الندب، وبه قال أكثر الأحناف، وذهب جمهور الشافعية إلى الوقف، واختاره الغزالي والرازي وصحَّحه أبو الخطَّاب من الحنابلة، وذكره عن الإمام أحمد وأيَّده شيخُ الإسلام ابن تيمية(43).
فهذه الأفعال الصادرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم والتي لم يُقصد بها التشريعُ والقربةُ لا يكون النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أسوةً فيها، فهي من العادات المعدودةِ من القِسْمِ المباحِ، غيرَ أنه لو تؤسِّيَ به لأُثيبَ عليه، وإن تركه لا رغبةً عنه ولا استكبارًا فلا بأسَ بذلك، فإن قام الدليلُ على أنَّ المقصودَ من فعله الاقتداءُ كان تشريعًا بذلك الدليل، وليس بمجرَّد صدوره منه، كالأكل باليد اليمنى أو ممَّا يلي الأكل الثابت من حديث عُمَرَ بن أبي سَلَمَةَ رضي الله عنه(44)، فاتباعه صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية ذلك وصفته حَسَنٌ لصفته لا لنفس الفعل، كابتداء التنعُّل باليمين، والمشيِ في نعلين، فإنَّ ذات الأكل والمشي وغيرهما من الأفعال الصادرة بمقتضى طبيعته الإنسانية فهي المباح وليست في ذاتها محلاًّ للتأسِّي، لكن إن فعلها كان مأمورًا بإيقاعها على صفة فعله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الوجه الذي يُعَدُّ قربةً، وهو محلُّ أسوة.
أمَّا ما كان صادرًا منه بمقتضى الخِبرة البشرية المستفادة من التجارب الخاصَّة في الحياة كالزراعة والتجارة ووصف الدواء فلا تُعدُّ تشريعًا ولا حُجَّةً، ويدلُّ عليه حديثُ أنسٍ وعائشةَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ على أهل المدينة وهم يؤبِّرون النخلَ فأشار إليهم بالترك، فتركوا ولم تحمل الأشجار، فشكوا إليه، فقال لهم: «أَبِّرُوا، أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ(45)»(46).

فـصلٌ
[ في إقراره صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأقسامه ]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 231]:
«وَأَمَّا الإِقْرَارُ بأَنْ يُفْعَلَ بحَضْرَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِعْلٌ وَلاَ يُنْكِرُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لاَ يُقِّرُّ عَلَى المُنْكَرِ».
[م] تناول المصنِّفُ ‑في هذا الفصل‑ الإقرارَ على الفعل بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل العلم يفصِّلون في ذلك بين الإقرار على الأقوال والإقرار على الأفعال.
والإقرارُ على الأقوال على قسمين:
‑ إمَّا أن يتعلَّق بأمور الدِّين، وذلك إذا وقع الحكم بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم فأقرَّه، فإقرارُه يدلُّ على صِحَّة حكم الشرع في تلك المسألة، ويسمَّى هذا النوع ب «الإقرار على حكم»، كاعتراف ماعزٍ بالزِّنَى أمامَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: «إنَّكَ إِنِ اعترفتَ الرابعةَ رَجَمَكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم»، فسكت عنه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم(47)، فدلَّ ذلك على إصابته الحكم، وكقول العجلاني للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «الرجل يجد مع امرأته رجلاً، إن قتل قتلتموه، وإن تكلَّم جلدتموه، وإن سَكَتُّ سَكَتُّ عن غيظٍ»، فسكتَ عنه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم(48)، فدلَّ على صِحَّةِ كلامه وإصابته للحقِّ.
‑ وإمَّا أن يكون إقرارُه على أقوالٍ متعلِّقةٍ بالدنيا والأمور المغيبة، فإقرارُه لا يدلُّ على ثبوت المدلول وصدق خبره، مثل ما كان يطعن المنافقون في نسب أسامة بن زيد رضي الله عنهما بسبب التخالف بينهما في اللون، فسكوته لا يدلُّ على صدق الخبر، ويدلُّ عليه أنَّ القائف لما رأى أقدام زيد وأسامة وقد غَطَّيَا رؤوسهما، قال: «إنَّ هذه الأقدام بعضها من بعض» فسُرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وأعجبه(49).
أمَّا الإقرار على الأفعال إن لم يكن فيها قربة فإنه يدلُّ على نفي الحرج، كإقراره على أكل الضبِّ والجراد مع أنه لم يأكل منهما، وإلاَّ فإقراره يدلُّ على صحَّة الفعل إن كان قربة، كصلاة ركعتين بعد صلاة الصبح من قصَّة قيس ابن قهد(50) رضي الله عنه فسكت عنه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليه(51).

[ في شرط الإقرار الذي يكون حجّة ]

• وقول الباجي -رحمه الله- في الصفحة السابقة بعدما ذكر قصِّة ذي اليدين رضي الله عنه: «وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الكَلاَمَ فِي الصَّلاَةِ لِيَفْهَمَ الإِمَامُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ».
[م] هذا الذي ذكره المصنِّف هو ما كان الفعل بحضرته وعلى عِلمٍ به(52).
أمَّا إقراره على فعل في زمانه وكان مشهورًا فمثاله ما ثبت في قصَّة معاذ رضي الله عنه أنه كان يصلي العشاء مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمَّ ينصرف إلى قومه، فيصلي بهم، فاستدلَّ به على جواز اقتداء المفترض بالمتنفِّل، إذ مثل هذا لا يخفى عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ غالب الظنَّ علمه بالأئمَّة الذين يصلون في قبائل المدينة، لا سيما وقد ثبت في الصحيحين شكوى الأعرابي للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عن إطالة معاذ رضي الله عنه في صلاته فقال: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذٌ ؟»(53).
وقد يقع الفعل في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم ويكون خفيًّا غير مشتهر، أي: لم ينتشر انتشارًا يبعد معه أن يعلمه، فهذا لا حُجَّة فيه، بخلاف ما وقع بحضرته أو في زمانه وكان مشتهرًا.
مثاله: قول بعض الصحابة رضي الله عنهم: «كُنَّا نُكْسِلُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نَغْتَسِلُ(54)»(55)، والحديث وإن كان لا يصحُّ إلاَّ أنه أوتي به للتمثيل على احتمال عدم علمه، لذلك فلا يكون حُجَّة(56).
هذا، ويشترط في الإقرار الذي يكون حُجَّة الشروط التالية:
‑ أولاً: أن يَعلم بوقوعه سواء بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم أو زمانه، ويكون قادرًا على الإنكار.
‑ ثانيًّا: أن لا يكون قد بيَّن حكمه بيانًا يسقط عنه وجوب الإنكار.
‑ ثالثًا: أن لا يكون المسكوت عنه صادرًا من كافر، فلا عِبرة فيه، لما علم بالضرورة إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم لما يفعله الكفار(57).


1- «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (1/75).
2- انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (1/32).
3- أخرجه مسلم (8/33)، وأبو داود (2/823)، والترمذي (3/111)، وابن ماجه (1/543)، والنسائي (4/193)، والدارقطني (2/176) من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- أخرجه أحمد (6/420)، وأبو داود (1/122)، والنسائي (1/121)، وابن ماجه (1/203)، من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، انظر: «البدر المنير» لابن الملقن (3/125)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/170)، «صحيح الجامع» للألباني (2363).
5- انظر تفصيل المسألة في «العدة» لأبي يعلى (1/143)، «المستصفى» للغزالي (1/357)، «التمهيد» للكلوذاني (1/11)، «روضة الناظر» لابن قدامة (2/14)، «الإحكام» للآمدي (2/176)، «منتهى السول» لابن الحاجب (140)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (114)، «المسودة» لآل تيمية (117)، «تخريج الفروع» (123)، «مفتاح الوصول» للتلمساني (469)، «التمهيد» للإسنوي (228)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (3/434)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (2/41)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (172).
6- انظر: «التبصرة» للشيرازي (195)، «شرح اللمع» للشيرازي (1/464)، «المنخول» للغزالي (73)، «الإحكام» للآمدي (2/176)، «التمهيد» للإسنوي (228).
7- انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني (471)، والمصادر المثبتة على هامشه.
8- انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (2/8)، و«شرح مختصر الروضة» للطوفي (1/484)، و«مذكرة الشنقيطي» (175).
9- انظر تفصيل هذه المسألة في المصادر المثبتة على هامش «الإشارة» (224).
10- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/287).
11- المصدر نفسه (19/236). وبيانه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». سيأتي تخريجه.
12- انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (1/266).
13- انظر المصدر السابق (1/219، 255).
14- انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/162، 31/117 وما بعدها).
15- المصدر السابق (7/115).
16- المصدر السابق (7/106).
17- أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 86)، ومسلم (4/ 44)، وابن ماجه (1/ 164)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 62)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه -أيضًا- أحمد في «مسنده» (2/ 529)، ومسلم (4/ 43)، والنسائي (1/ 105)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 63)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
18- انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني (469).
19- أخرجه الدارمي في «سننه» (2/44)، والترمذي (3/293)، وابن الجارود في «المنتقى» (186)، وابن خزيمة في «صحيحه» (4/222)، وابن عدي في «الكامل» (5/2001)، والحاكم في «المستدرك» (1/459، 2/267)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (5/85)، من طرق عن عطاء ابن السائب عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما بزيادة: «إِلاَّ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ لَكُمْ فِيهِ النُّطْقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلاَ يَنْطِقْ إِلاَّ بِخَيْرٍ».
وأخرج أحمد في «مسنده» (3/414، 4/64، 5/377)، والنسائي (5/222)، من طرق عن جريج أخبرني مسلم عن طاوس عن رجل أدرك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الطَّوَافُ صَلاَةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الكَلاَمَ»، قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/130): «هذه الرواية صحيحة، وهي تعضِّد رواية عطاء بن السائب وترجِّح الرواية المرفوعة». [انظر تخريج الحديث في «تحفة الطالب» لابن كثير (324)، «المعتبر» للزركشي (179)، «إرواء الغليل» للألباني (1/154)، «طريق الرشد» لعبد اللطيف (240)].
20- انظر «مفتاح الوصول» للتلمساني (468).
21- انظر المصدر السابق (517).
22- أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 321)، وأحمد في «مسنده» (1/ 57، 68، 73)، والدارمي في «سننه» (2/ 38 ،141)، ومسلم (9/ 193)، وأبو داود (2/ 421)، وابن ماجه (1/ 632)، والترمذي (3/ 199) والنسائي (5/ 192) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
23- المصدر السابق (475).
24- انظر المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (224).
25- انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (7/268-275).
26- «مذكرة الشنقيطي» (175).
27- أخرجه أبو داود (5/13)، والترمذي (5/44)، وأحمد (4/126)، من حديث العرباض ابن سارية رضي الله عنه، والحديث صَحَّحه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (2/346).
28- «الفتح المأمول» للمؤلف (72).
29- أخرجه البخاري (4126)، ومسلم (7/192)، والبغوي في «شرح السنّة» (6/228)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
30- انظر: «حاشية البناني على جمع الجوامع» (2/94)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (2/166)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (41).
31- «الفتح المأمول» للمؤلف (73).
32- أخرجه الشافعي في «مسنده» (55)، والبخاري (2/ 111) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، في أوله قصة وفي آخره: «فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». والحديث متفق عليه إلاَّ هذا الطرف من الحديث فهو من أفراد البخاري، [«صحيح مسلم» (5/ 174)، «سنن البيهقي» (2/ 17)].
33- أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 318، 337، 367، 378)، ومسلم (9/ 44)، وأبو داود (2/ 495)، وابن ماجه (2/ 1006)، والنسائي (5/ 270)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 130)، والبغوي في «شرح السنّة» (7/ 179) بألفاظ متقاربة من حديث جابر بن عبد الله ، وتمامه: «فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ».
34- «مفتاح الوصول» للتلمساني (571) بتحقيقي، ( ط/1).
35- هو أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى الإِصْطَخْرِي، شيخ الشافعية بالعراق، ومن أكابر أصحاب الوجوه في المذهب، وُلي قضاء «قُمْ»، وحسبة «بغداد»، واستقضاه المقتدر بالله على «سجستان»، وأفتى بقتل الصابئة، وله كتب حسنة وأخبار ظريفة في الحسبة، ومن مؤلفاته: «أدب القضاء»، و«كتاب الفرائض الكبير»، و«كتاب الشروط والوثائق والمحاضر والسجلات»، وله في الأصول آراء مشهورة توفي سنة (328ه) ببغداد.
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (3/230)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/109)، «طبقات الفقهاء» للشيرازي (111)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي: (7/268)، «دول الإسلام» للذهبي (1/201)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/193)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/375)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/312).
36- هو أبو عليّ الحسين بن صالح بن خَيْران الفقيه الشافعي، وأحد أركان المذهب، عرض عليه القضاء في زمن المقتدر بالله فامتنع، وكان يعاتب ابن سريج على قبوله القضاء، وله في المذهب والأصول آراء مشهورة، توفي سنة (320ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (3/271)، «طبقات الفقهاء» للشيرازي (110)، «دول الإسلام» للذهبي (1/194)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (8/53)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/173)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/378)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/400).
37- هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج البغدادي، القاضي الفقيه الأصولي، شيخ الشافعية في عصره، وكان يقال له: «الباز الأشهب»، ولي قضاء شيراز، وله تصانيف كثيرة، توفي سنة (306ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (3/21)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/89)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي» (4/287)، «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/811)، «دول الإسلام» للذهبي (1/185)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/129)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/49)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/247).
38- أخرجه الشافعي في «الأم» (1/39)، وأحمد في «مسنده» (6/161)، والترمذي (1/180-181)، وابن ماجه (1/199) من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحّحه ابن حبان وابن القطان، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» (1/183)، وإسناده موقوف على عائشة رضي الله عنها. وللحديث أسانيد أخرى مرفوعة ثابتة.
[انظر: «نصب الراية» للزيلعي (1/82)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/134)، «إرواء الغليل» للألباني (1/121-122)].
39- الأصل في اللفظ أن يكون مستقلاَّ بذاته لا يتوقَّف معناه على تقدير لذلك كان الإضمار على خلاف الأصل. [انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (482) والمصادر المثبتة على هامشه].
40- انظر: «الإحكام» للآمدي (1/135).
41- أخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 39)، وأحمد في «مسنده» (6/ 161)، والترمذي (1/ 180)، وابن ماجه (1/ 199)، من حديث عائشة رضي الله عنه، والحديث صحَّحه ابن حبان وابن القطان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وإسناده موقوف على عائشة رضي الله عنه، وللحديث أسانيد أخرى مرفوعة ثابتة. [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (1/ 82)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 134)، «إرواء الغليل» للألباني (1/ 121)]. وأخرجه البخاري (1/ 395)، ومسلم (4/ 39)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ».
42- انظر: «الإحكام» للآمدي (1/137).
43- انظر: «المنخول» للغزالي (226)، «المحصول» للرازي (1/3/346)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (288)، و«أصول السرخسي» (2/86)، «المسودة» لآل تيمية (71)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (2/178)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (35).
44- هو جزء من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه كان يقول: «كنت غلامًا في حِجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». والحديث متفق على صِحَّته، أخرجه أحمد في «مسنده» (4/26-27)، وعبد الرزاق في «مصنَّفه» (10/415)، والبخاري (9/521)، ومسلم (13/192)، وابن ماجه (2/1087)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (7/277).
45- أخرجه مسلم (15/116)، وابن ماجه (2/725)، من حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما.
46- «الفتح المأمول» للمؤلف (154).
47- متفق عليه، أخرجه البخاري (12/136)، ومسلم (11/192)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
48- أخرجه مسلم (10/127)، وأبو داود (2/685)، وابن ماجه (1/669)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
49- متفق على صحَّته، أخرجه البخاري (7/87)، (12/56)، ومسلم (10/40)، وأبو داود (2/698)، وابن ماجه (2/787)، والترمذي (4/440)، والنسائي (6/184) من حديث عائشة رضي الله عنها.
50- هو الصحابي قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة الأنصاري المدني جدّ يحي بن سعيد التابعي المشهور، ويلقَّب: قيس بن قهد من بني مالك بن النجار شهد بدرًا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
[انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (7/101)، «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/1297)، «أسد الغابة» لابن الأثير (4/223)، «الكاشف» للذهبي (2/406)، «الإصابة» لابن حجر (3/255، 257)].
51- أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 447)، وأبوداود (2/ 51)، وابن ماجه (1/ 365)، والترمذي (2/ 284)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2/ 164)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (2/ 456)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 274)، وابن حزم في «المحلى» (3/ 112)، من حديث قيس ابن عمرو رضي الله عنه. والحديث ضعَّفه النوويُّ في «المجموع» (4/ 169)، وصحَّحه الحاكم ووافقه عليه الذهبي، قال أحمد شاكر: ثمَّ هذه الطرق كلّها يزيد بعضها بعضًا ويكون بها الحديث صحيحًا لا شبهة في صِحَّته. [انظر: تحقيق أحمد شاكر على «سنن الترمذي» (2/ 287)].
52- انظر المصادر المثبتة على هامش «الإشارة» (232).
53- متفق على صحَّته، أخرجه البخاري (2/192، 200، 10/515)، ومسلم (4/181)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/85)، والبغوي في «شرح السُّنَّة» (3/71)، من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما.
54- قال النووي في «شرح مسلم» (4/36): «اعلم أنَّ الأُمَّةَ مجتمعةٌ الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلاَّ بالإنزال ثمَّ رجع بعضُهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين. وفي الباب حديث: «إِنَّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ» مع حديث أُبَيِّ بن كَعْبٍ عن رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل يأتي أهله ثمَّ لا ينزل، قال: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ»، وفيه الحديث الآخر: «إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ». قال العلماء: العمل على هذا الحديث. وأمَّا حديث «الماء من الماء» فالجمهور من الصحابة ومَن بعدهم قالوا: إنه منسوخ، ويعنون بالنسخ أنَّ الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطًا ثمَّ صار واجبًا. وذهب ابن عباس رضي الله عنهما وغيره إلى أنه ليس منسوخًا بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باق بلا شكَّ، وأمَّا حديث أُبي بن كعب ففيه جوابان: أحدهما أنه منسوخ، والثاني أنه محمول على ما إذا باشرها فيما سوى الفرج».
قلت: والجواب الأول هو الصحيح، لتصريح أُبَيِّ بن كَعْبٍ رضي الله عنه بالنسخ، والدليل الناسخ حيث قال رضي الله عنه: «إنَّ المَاءَ مِنَ المَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي بَدْءِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالاغْتِسَالِ بَعْدُ»، وفي رواية: «ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»، والحديث صحيح تقدَّم تخريجه.
55- أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/35)، والهيثمي في «كشف الأستار» (1/164)، وفي إسناده محمَّد بن إسحاق بن يسار المطلبي. قال عنه ابن حجر: صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين، وعن شر منهم، ووصفه بذلك أحمد والدارقطني.
[انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (3/468)، «تعريف أهل التقديس» لابن حجر (132)، «التبيين لأسماء المدلسين» لابن العجمي (47)].
56- انظر: «شرح اللمع» للشيرازي (1/560-561)، «مفتاح الوصول» للتلمساني (588).
57- انظر: «الفتح المأمول» للمؤلف (156).