حفيد الصالحين
07-10-2011, 02:28 PM
http://www.ferkous.com/image/gif/C0.gif
الجزء السادس (1)
بـاب
أحكام الأخبار
[ في تعريف الخبر ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 233]:
«الخَبَرُ هُوَ الوَصْفُ لِلمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ».
[م] هذا التعريف يُعَدُّ أحد تعريفات الخبر، والذي ينسجم مع تقسيم المصنِّف أن يعرفه بأنّه: «القَوْلُ الَّذِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ»، وأطلق بعضُ العلماء على الخبر بأنَّه: «المُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِلإِنْشَاءِ»، ويخرج الإنشاء؛ لأنَّه لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا كالأوامر والنواهي، وهو اصطلاح الأصوليِّين وأهلِ اللغة.
وقال بعضهم: إنَّ الخبرَ هو ما يُقابل المبتدأ، وهو إطلاق النحاة، أمَّا أهلُ المنطق فأطلقوا الخبر على القضية، وأطلقه المحدِّثون على ما هو أعمُّ من الإنشاء والطلب، كقولهم «أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم»، فهذه الأخبار محتوية على الأوامر والنواهي.
فـصل
[ في خبر التـواتر ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 233]:
«فَالتَّوَاتُرُ: مَا وَقَعَ العِلْمُ بمُخْبَرِهِ ضَرُورَةً مِنْ جِهَةِ الخَبَرِ».
[م] هذا الفصل وما بعده يتعلَّق بالخبر من حيث سندُه، ومعنى تعريف المصنِّف للتواتر: هو الخبرُ الذي رواه جمعٌ يحصل العلمُ بصِدقهم ضرورةً بأن لا يحتمل العقل تواطؤهم على الكذب، أو صدوره منهم اتفاقًا عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره، ويكون ممَّا يدرك عن طريق الحسّ لا العقل.
وقول المصنِّف: «ضرورةً» أي: من شرط الخبر المتواتر إفادته العلم اليقيني بالمخبر عنه، وهذا مذهب أهل الحقِّ خلافًا للسُّمَنية(1) والبراهمة(2) الذين يعتقدون أنَّ خبر التواتر يفيد الظنَّ، وقد مثل المصنف -رحمه الله- بحصول العلم ببعض البلدان ك «الصين» و«الهند» والأنبياء السابقين والعلماء والسلاطين والوقائع والغزوات ونحو ذلك.
ومفهوم قوله: «ضرورة»: أنَّ العلم الحاصلَ بالمتواتر يقينيٌّ وليس نظريًّا، وهو مذهب الجمهور وهو الصحيح، أي أنّ العلم الحاصل بالمتواتر علمناه بالضرورة من غير نظر ولا استدلال؛ لأنَّه لو كان المتواتر نظريًّا لم يقع إلاَّ لمن اكتسب درجةَ النظر والاستدلال، وللزم اختلاف العلماء فيه؛ ولأنّ كلَّ ذي لُبٍّ مضطر إلى التصديق بوجود «مكة» والبلاد الأخرى التي لم يرها ولم يدخلها، وهذا على خلاف مذهب ابن القطان(3) والدقاق وغيرِهما الذين يرون أنَّ المتواتر يحتاج إلى نظر لذلك قالوا: إنَّ العلم به نظري وليس بضروري، إذ لا يحصل العلم إلاَّ بمقدمتين:
الأولى: أنَّ المخبرين يستحيل تواطؤهم على الكذب.
والثانية: أنَّهم اتفقوا على الإخبار عن واقعة واحدة كوجود مكَّة مثلاً.
والصحيح أنَّ المقدّمتين حصلتَا في أوائل الفطرة، ولا تحتاج إلى كبير تأمّل وفكر، ومِثْل ذلك لا يُسمَّى نظريًّا؛ لأنّ النظري يتوقّف على أهلية النظر، وفي هذه المسألة أقوال أخرى كالوقف ذهب إليه الآمدي، وتردَّد بعضُهم بين النظري والضروريّ(4).
والخلافُ بين المذهبين السابقين خلافٌ لفظيٌّ لا ثمرةَ له لاتفاقهما على النتيجة، واختلافهم في الطريق إليها، لذلك يذهب بعضُ المحقِّقين إلى عدم اشتراط إفادته العلم اليقيني الضروري؛ لأنَّه يترتَّب على شروط المتواتر، فحيثما اجتمعت حصل العلم(5).
[ في خبر الآحاد وإفادته الظنّ عند الجمهور]
• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 234] في معرض ذكر خبر الآحاد:
«لاَ يَقَعُ بهِ العِلْمُ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ السَّامِعِ لَهُ صِحَّتُهُ لِثِقَةِ المُخْبرِ بهِ».
[م] ما قرَّره المصنِّف من إفادة خبر الواحد للظنِّ هو مذهب جمهور العلماء؛ لأنَّه لو كان يفيد العلم لحصل ذلك بخبر الأنبياء عن بعثهم وإرسالهم من غير ما حاجة إلى إظهار المعجزات الدالَّة على صدقهم؛ ولأنَّه لو كان مفيدًا للعلم لوجب على القاضي أن يصدق المدعي من غير بيِّنة؛ لأنَّ العلم يحصل بقوله، وإذا ثبت أنَّه لا يصدقه إلاَّ ببينة دلَّ ذلك على أنَّ خبر الواحد بمجرّده لا يكفي في إفادة العلم، ومن الأدلة العقلية ما ذكره المصنِّف: من أنَّ المخبر ـ وإن كان ثقةً ـ يجوز عليه الغلط والسهو كالشاهد.
[ في حجّة من قال بوقوع العلم بخبر الواحد ]
• قال الباجي -رحمه الله- في الصفحة نفسها عن محمَّد بن خُوَيْزَ مِنْدَادٍ أنَّه قال: «يَقَعُ العِلْمُ بخَبَرِ الوَاحِدِ».
[م] وهذا مذهب أهلِ الظاهر كداود وابن حزم، وبه قال الحسين الكرابيسي، والحارث المحاسبي، وهو رواية عن الإمام أحمد، وحُجَّتُهم أنَّ الله تعالى قال: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وقال تعالى: ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 169]، ثمَّ أمرنا بالعمل بخبر الواحد، وهذا يدلُّ على أنَّ خبر الواحد يفيد العلم.
وجوابه: أنَّه لا يلزم إفادته للعلم وإنَّما وجب العمل به لغلبة الظنّ، كما هو الأمر بالنسبة للقياس فإنَّه يجب العمل به مع إفادته للظنِّ، وكذلك يجب العمل بقول الشاهدين وبقول المفتي بالنسبة للمستفتي مع أنَّه لا يفيد العلم.
وفي هذه المسألة قول آخر يرى أصحابه: أنَّ خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تُؤيِّده كأن تتلقَّاه الأُمّة بالقَبول، أو لا يُنكره أحد ممَّن يعتقد بقوله أو ينقل الخبر من طرق متساوية لا تختلف، أو يروي خبر الواحد راوٍ متَّصف بالعدالة والثقة والإتقان، فإن توفرت هذه القرائن في خبر الواحد أفاد العلم بإجماع.
والتحقيق أنَّ خبر الواحد إذا احتف بقرائن خرج عن محلِّ النِّزاع؛ لأنَّ النزاع في خبر الواحد المجرَّد عن القرائن، وبناء عليه فمذهب الجمهور أقوى في الاعتبار والنظر.
والخلاف بين العلماء في هذه المسألة لفظيٌّ لاتفاقهم على وجوب العمل بخبر الواحد من حيث التطبيق الفرعي سواء أفاد العلم أو الظنّ. أمَّا من حيث الترجيح بالسند فقد يكون معنويًّا؛ لأنَّ الخبر المفيد للعلم يرجح على الخبر المفيد للظنِّ.
فـصل
[ في المسـند ووجوب العمل به]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 235] في معرض الاستدلال على وجوب العمل بالمسند:
«...أَنَّهُ لاَ يُمْتَنَعُ مِنْ جِهَةِ العَقْلِ أَنْ يَتَعَبَّدَنَا البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعَمَلِ بخَبَرِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا ثِقَتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَنَا العِلْمُ بصِدْقِهِ».
[م] ابتدأ المصنِّف بتقرير مذهبِ الجمهور في جواز التعبُّد بخبر الواحد عقلاً، خلافًا لمن رأى أنّ العقل أوجب علينا قَبول خبر الواحد والعمل به، وخلافًا للمعتزلة وابنِ عُلَيَّةَ(6) وطائفة من المتكلمين الذين يرون أنَّه لا يجوز التعبّد بخبر الواحد عقلاً(7).
واستدلَّ المصنِّفُ من جهة العقل بعدم امتناع أن يتعبَّدنا الله تعالى بالعمل بخبر من يغلب على ظنِّنا ثقتُه وإن لم يقع لنا العلم بصدقه على نحو ما يتعبّدنا بشهادة عدلين، وإن لم يحصل لنا العلم بصدقهما، ومن ذلك ما ثبت في السُّنَّة من الأحاديث الدالَّة على إرساله صلى الله عليه وآله وسلم الرسلَ للملوك، وللإمارة على البلدان والقضاء بها والسعي على الصدقات وغيرها، فمن ذلك تأميره لأبي بكر رضي الله عنه لموسم الحجّ، وإنفاذه سورة براءة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتوليته عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على الصدقات(8).
• ثمَّ قال المصنِّف في [ص 236]:
«وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَحَابَةِ عَلَى وُجُوبِ العَمَلِ بأَخْبَارِ الآحَادِ كَرُجُوعِ عُمَرَ بنِ الخَطََّابِ رضي الله عنه مِنْ شَرْعٍ بخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَخْذِهِ جزْيَةَ المَجُوسِ بخَبَرِهِ... وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُحْصَى كَثْرَةً».
[م] ردَّ المصنِّف على مَن لا يُجوِّز التعبُّد بخبر الواحد سمعًا، وهو منسوب لمحمَّد بن داود الظاهري، ومحمَّدِ بن إسحاق وبعضِ الرافضة، واستند على صحَّة مذهبه وهو مذهب الجمهور بإجماع الصحابة السكوتي على وجوب العمل بخبر الآحاد حيث ثبت في وقائع وحوادث كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم عملهم بخبر الواحد من غير نكير، وإن كان كلّ واقعة لم تتواتر لكن بمجموع تلك الحوادث حصل العلم بأنّهم اتفقوا على العمل به، فمن ذلك أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى حدَّثه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجوسِ هَجَرٍ(9)، فقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك، وبدأ يأخذ الجزية مع أنَّه خبر الواحد، ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ نَهَى عَنْهَا»(10)، وأنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في خبر حمل بن مالك في إسقاط الجنين: «لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ»(11)، وأنّه لَمَّا كان أهل قباء يصلون إذ جاءهم آت فقال: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ»(12).
وممَّا يستدل به الجمهور أيضًا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]. فوجه دلالة الآية أنّها تفيد وجوب التبيّن والتثبّت إذا كان المخبر فاسقًا، فظهر بمفهومه أنَّ العدل يُقبل خبرُه من غير تثبّت؛ لأنّ الفائدة من إيراد الفسق في الآية لا تكون إلاَّ لمعنى، إذ لا ينسب العبث إلى الشرع.
ومن القياس استدلُّوا بقياس الرواية على الشهادة، وقياس الرواية على الفتوى، فإنّه كما يجب العمل بشهادة العدلين، ويجب العمل بفتوى المفتي يجب العمل برواية العدل أو العدلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجامع بينهما أنّ كُلاَّ منهما يفيد الظنَّ لجواز الغلط على الشاهد والمفتي والراوي.
فــصل
[ في المـرسـل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في تعريف المرسل من [ص 239]: «وَأَمَّا المُرْسَلُ: فَهُوَ مَا انْقَطَعَ إِسْنَادُهُ فَأُخِلَّ فِيهِ بذِكْرِ بَعْضِ رُوَاتِهِ».
[م] هذا تعريف المرسَل على اصطلاح الأصوليِّين والفقهاء الشامل لسائر أنواع الانقطاع، أمَّا في اصطلاح جمهور أهل الحديث فإنَّ المُرْسَلَ هو: ما رفعه التابعي إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صغيرًا كان التابعي أو كبيرًا، بمعنى: أن يترك التابعيُّ الواسطةَ التي بينه وبين رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الشوكاني: «وإطلاق المرسَل على هذا، وإن كان اصطلاحًا ولا مشاحة فيه، لكن محلّ الخلاف هو المرسَل باصطلاح أهل الحديث»(13).
وأهل العلم يُفرِّقون في المرسَل من حيث قَبولُه بين مُرسَل الصحابي وغير الصحابي، والمقصود من مرسل الصحابي هو: أن يروي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يسمعه منه شفاهًا بل سمعه من صحابيٍّ آخر. وحكمه أن يقبل مُطلقًا سواء عرفنا أنَّه لا يروي إلاَّ عن صحابي أو لم نعرف ذلك، وسواء صرّح أو لم يصرِّح بذلك، وهو مذهب جمهور العلماء للإجماع الواقع من الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم كانوا يرسلون الأحاديث من غير نكير من أحد؛ ولأنَّ الأُمّة أجمعت على قَبول كلِّ مرويَّات عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو مع إكثاره للرواية لم يسمع أكثر الأحاديث التي يرويها عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً، حيث تُوفي النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وابنُ عباس رضي الله عنه لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، وإنَّما أخذها عن صحابة آخرين. ومن صغار الصحابة: عبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، والحسن والحسين ابنا عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وغيرهم، وقد قَبلت الأُمّة جميعَ مرويَّاتهم ولم ينكر أحدٌ شيئًا من ذلك، فثبت وجوب قَبول مرسل الصحابي مطلقًا، وقد حكى ابنُ عبد البر(14) الإجماعَ على ذلك، ونقل ابن جرير الطبري(15) إجماعَ التابعين، وخالف أبو إسحاق الاسفرائيني وأبو بكر الباقلاني لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين وليس من أجل الشكّ في عدالة الصحابة رضي الله عنهم(16)، قال السيوطي: «وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى ‑يعني من مراسيل الصحابة‑ لأنَّ أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلّهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بيَّنوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات، أو حكايات أو موقوفات»(17).
[ في حكم العمل برواية المُرسِل المتحرز ]
• فيما كان المُرسِل متحرِّزًا لا يرسل إلاَّ عن الثقات قال الباجي -رحمه الله- في [ص 241]: «فَإِنََّهُ يَجِبُ العَمَلُ بهِ عِنْدَ مَالِكٍ -رحمه الله- وَأَبي حَنِيفَةَ».
[م] وبوجوب العمل به قال جمهور أصحابهما، وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل، وإليه ذهبت جماعة من المحدثين، وأمَّا جمهور المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول ذهبوا إلى ردّه مُطلقًا، خلافًا لمن فصّل في رَدِّه فهؤلاء اختلفوا في وجوه التفصيل على آراء، وفي المسألة أقوال أخرى.
وأظهرها: أنَّ من علم من حاله أنَّه لا يرسل إلاَّ عن ثقةٍ قُبل مُرسَلُه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، أوجبت الآية التبيُّنَ في خبر الفاسق دون العدل الذي يجب قَبول خبره مُطلقًا مُسندًا كان أو مُرسلاً، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]، فالآية أوجبت على الطائفة الإنذار، ولم تفرِّق في الإنذار بين ما أرسلوه وما أسندوه، ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة: 159]، فالراوي الثقة إذا قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقد التزم ما دَلَّت عليه الآية من وجوب التبليغ وتحريم كتمان البيِّنات والهدى، وليس في الآية دلالة على التفريق بين المرسل والمسند.
وقد استدلَّ المصنِّف على مذهبه –أيضًا‑ بالإجماع والمعقول ‑كما سيأتي‑(18).
هذا، وقد تمسَّك المانعون من العمل بالحديث المرسل مُطلقًا بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ»(19)، وبما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»(20)، والحديثان يدلاَّن على كيفية وصول الحديث إلى الراوي، وبناء عليه يكون الاتصال شرطًا من شروط قَبول الخبر، وما دام الإرسال يفتقر إلى هذا الشرط فالرواية به غير مقبولة.
وقد أجيب عن دلالة أحاديث المانعين من قَبول الحديث المرسل بأن دلالتهما في التحمُّل لا في الأداء، إذ ليس فيهما ما يشعر بالمنع من الإرسال، ويجاب أنَّ محتوى الحديثين يدلاَّن على طريقة وصول الحديث فلا يمنع من دلالتهما على الرواية، وللمانعين أدلة عقلية وللمفصلين ‑أيضًا‑، والمقام لا يسمح لبسطها وقد تكفَّل الحافظ العلائي في «جامعه» تحصيل أحكام المراسيل(21)، وما عليه أهل التحقيق قَبول الحديث المرسل إذا كان المرسِل من العلماء العدول الماهرين بمعرفة شرائط القَبول الذين يُعرف من حالهم أنهم لا يرسلون إلاَّ عمَّن يُقبل حديثُه وهو أعدل الأقوال، وقد ذكره ابن تيمية ‑رحمه الله‑ بقوله: «والمراسيل قد تنازع الناس في قَبولها وردِّها، وأصحُّ الأقوال: أنَّ منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن عُلم من حاله أنَّه لا يرسل إلاَّ من ثقة قُبل مُرسَلُه، ومن عُرف أنَّه يرسل عن ثقةٍ وغيرِ ثقة، كان إرساله رواية عمَّن لا يُعرف حاله، فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا»(22).
والأَوْلى حمل كلام المانعين في عدم الاحتجاج بالمرسل على احتمال الريبة والشكّ في المرسل أو غلبتهما، والخلاف ‑من هذه الحيثية‑ يكون لفظيًّا في قَبول المرسل من عدمه، فمن قبله فلأنّه غلب على ظنّه صدق المرسِل ومن ردَّه فلأنه شكَّ في الراوي المرسِل، أو لأنّ عمل الصحابة لم يوافقه أو عارضه المسند أو ما إلى ذلك، أمَّا من حيثية تقرير حكمه وبناء الفروع الفقهية عليه فمعنوي.
وجدير بالتنبيه أنَّ المرسَلَ إذا عارضه المسنَد فإنّ المسنَدَ يُقدَّمُ عليه؛ لأنَّه متَّفقٌ على قَبوله والاحتجاج به، بخلاف المرسَل فمختلف فيه، وعليه فإنَّه يُقدَّم المتفق عليه على المختلف فيه عند التعارض.
[ في تقرير الإجماع على قبول المرسل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في معرض الاستدلال على مذهبه في [ص 242]: «وَالدَلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الأَوَّلِ عَلَى نَقْلِ المُرْسَلِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الحَدِيثَ لَمَا حَلَّ الإِرْسَالُ».
[م] ذكر الآمديُّ انعقادَ الإجماع على قَبول مراسيل العدول بما نصّه: «فإنَّ الصحابةَ والتابعين أجمعوا على قَبول المراسيل من العدل: أمَّا الصحابة فإنَّهم قَبلوا أخبارَ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع كثرة روايته، وقد قيل إنَّه لم يسمع من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم سوى أربعة أحاديث لصغر سِنِّه… وأمَّا التابعون فقد كان من عاداتهم إرسال الأخبار… ولم يزل ذلك مشهورًا فيما بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من غير نكيرٍ فكان إجماعًا»(23)، وذكر السيوطي عن ابن جرير الطبري أنَّه قال: «أجمع التابعون بأسرهم على قَبول المرسَل ولم يأت عنهم إنكاره، ولا عن أحد من الأئمَّة بعدهم إلى رأس المائتين»(24).
أمَّا مُرسَل الصحابيِّ فقد تقدَّم حكاية الخلاف فيه، والصحيح قَبوله مُطلقًا، أمَّا دعوى إجماع التابعين فمردودة بما هو منقول عن بعض التابعين كسعيد بن المسيِّب(25)، وابن سيرين والزهري(26) وغيرهم القول بعدم الاحتجاج به. قال الحافظ السخاوي: «وبسعيد بن المسيب يرد على ابن جرير الطبري من المتقدِّمين، وابن الحاجب من المتأخِّرين، ادعاؤهما إجماع التابعين على قبوله ‑أي المرسل‑ إذ هو من كبارهم ولم يتفرَّد مرَّة بينهم بذلك، بل قال به منهم ابن سيرين والزهري»(27).
وقال الشوكاني: «ويجاب عن قول الطبري أنَّه لم ينكره أحد إلى رأس المائتين بما رواه مسلم(28) في مقدِّمة صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه لم يقبل مرسل بعض التابعين مع كون ذلك التابعي ثقة محتجًّا به في الصحيحين»(29).
[ في التعليل بقبول المرسل ]
• وقال الباجي -رحمه الله- في [ص 244]:
«وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ المُرْسِلُ ثِقَةً مُتَحَرِّزًا».
[م] وتعليله أنَّ الراوي الثقة لا يستجيز القطع بالحديث إلاَّ أن يكون عالما بصحَّته غلب على ظنِّه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك، إذ أنَّ عدالة الراوي تمنعه من أن يشهد على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو غير ثقة ولا حجَّة، وعليه فلا فرقَ بين كبار التابعين أو غيرهم، فضلاً عن أنَّه يلزم من ردِّ المرسل القدح في الراوي، وهذا مردود لاتفاق الأمَّة على قَبول جم غفير من الرواة مع كثرة ما أرسلوه.
وقد أجيب عن هذه الحُجَّة العقلية بأنَّها غير مسلَّمة؛ لأنَّ غاية ما فعله الراوي أنَّه سكت وليس معنى السكوت عن الجرح تعديلاً للمروي، إذ يلزم أن يكون السكوت عن التعديل جرحًا، وعلى هذا فالإرسال في شاهد الفرع على شهادة الأصل لا يكون تعديلاً لشهادة الأصل مع عدم تعيينه(30).
فـصل
[ في رواية الراوي الخبر وترك العمل به ]
يجدر التنبيه في هذا الفصل إلى تعلّق المسألة بمخالفة الصحابيِّ للحديث بالكلية الذي قطعنا بعلمه به مع جهلنا مأخذه ودليل الراوي على مخالفة الحديث الذي رواه.
أمَّا إذا كانت مخالفة الصحابي للحديث كلية وقطعنا بعلمه مع وضوح المخالفة إمَّا بسبب دليلٍ أو بسبب عدم إحاطته بمعناه، أو بسبب التورَّع والحرج، أو بسبب النسيان؛ فإنَّه لا تقبل تلك المخالفة ويبقى الحديث حُجَّة يعمل به، باستثناء ما إذا اعتمد على دليل فينظر في الدليل، ويترك الحديث إذا ما قبل الدليل لقُوَّته لا من أجل مخالفة الصحابي له وإلاَّ لم يصلح الدليل معارضًا له.
أمَّا إذا خالف الصحابي عموم الحديث لا كُليته، فالصحيح أنَّ العموم أقوى ولا يخصّص به إلاَّ ما كان له حكم الرفع وذلك فيما لا مجال للرأي فيه؛ لأنَّ المعروف من واقع الصحابة رضي الله عنهم تقديم المرفوع على كلامهم، أمَّا على قول من أجاز التخصيصَ بمذهب الصحابيِّ وهو مذهب الحنفيةِ والحنابلةِ فيتمثَّل دليلُهم في أنَّ قول الصحابي حُجَّةٌ مقدَّمٌ على القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائز فيلزم تخصيصه بمذهب الصحابي من باب أولى، فجوابه: أنَّ مذهب الصحابي تحتمل حُجِّيته إذا لم يعارض نصًّا من كتابٍ أو سُنَّة، أمّا إذا عارض ذلك فلا حُجَّة فيه، وقياس قول الصحابي على القياس الشرعي ظاهر البطلان للفرق بينهما؛ ذلك لأنَّ القياس ثبت بناءً على أصل ثابت من كتاب أو سُنَّة فجاز التخصيص به للعلم بالدليل الذي اعتمد عليه القياس، في حين أنَّ الصحابي يُجهل مستنده فافترقا، لذلك وجب العمل بالمعلوم وهو العموم.
أمَّا إذا حمل مذهب الصحابي على إحدى محامل الحديث فلا يُعدُّ ذلك مخالفًا.
[ في عمل الراواي بخلاف روايته ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 246] بعد تقرير مذهبه وهو وجوب العمل بالخبر وإن ترك الراوي العمل به:
«وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ أَبي حَنِيفَةَ: "إِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ وُجُوبَ العَمَلِ بهِ"».
[م] في مسألة عمل الراوي بخلاف روايته أقوال، والظاهر من مذهب الشافعي أنَّ تأويل الراوي بخلاف الحديث يقدّم ظاهر الحديث عليه، وإن كان هو أحد محتملات الظاهر رجّح تأويله، وبه قال جمهور المالكية، وإليه ذهب أبو الحسن الكرخي(31) وأكثر الفقهاء خلافًا للأحناف وبعض المالكية(32)، وهو الراجح؛ لأنَّ الحُجَّةَ فيما رواه لا فيما رآه؛ ولأنَّ عملَ الراوي بخلاف ما روى يتطرَّق إليه جملة من الاحتمالات منها:
‑ قد ينسى الراوي الحديث.
‑ وقد يحمل الحديث على غير وجه الصِّحَّة.
‑ وقد يظنّ الحديث منسوخًا وهو ليس كذلك.
ويحتمل أن يصير إلى دليل أقوى في ظنِّه وليس هو أقوى في حقيقة الأمر، وعليه فلا يترك الحديث الثابت بشيء ممَّا يدخل فيه الشكُّ والاحتمال.
والخلاف في هذه المسألة له أثره في بعض المسائل الفقهية منها:
6 أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مِنْكَبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»(33)، وهذا الحديث رواه ابن عمر رضي الله عنهما ولم يعمل به، بل خالفه وكان رضي الله عنهما لا يرفع يديه إلاَّ عند افتتاح الصلاة، فمن قَدَّم روايتَهُ عمل بمقتضى الحديث، ومن عمل بما رآه ترك العمل به. والصحيح المذهب الأَوَّل لعِدَّة اعتبارات منها:
‑ الحُجَّة فيما رواه لا فيما رآه.
‑ أنَّ الحديث عمل بمقتضاه أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم.
‑ أنَّ عدم الرفعِ من ابن عمر رضي الله عنهما مرويٌّ عن مجاهد، وهو معارض بما رواه طاووس أنَّه كان يفعله وهو موافق للرواية.
6 حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»(34)، وقد خالفت عائشة رضي الله عنها مقتضى الحديث ولم تعمل به، حيث زوَّجت بنتَ أخيها: حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه شقيق عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها أسماء رضي الله عنها: وهو المنذر بن الزبير، وكان أخوها عبد الرحمن غائبًا في الشام. فمن عمل بمقتضى الحديث اشترط الولي في الزواج، ومن عمل بمخالفة الراوي لروايته لم يشترط الولي.
والصحيح أنَّ الحُجَّةَ فيما روته لا فيما رأته؛ لأنَّ الصحابة رضي الله عنهم عملوا بمقتضى الحديث، ويحتمل أنَّها زوَّجتها بإذن أخيها أو أوصاها بذلك ولم تعلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ»(35).
فـصل
[ في رواية الراوي الخبر وإنكاره المُرْوَى عنه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 249]:
«فَأَمَّا إِنْ شَكَّ المُرْوَى عَنْهُ فِيهِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ أَبي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَافِعيِّ إِلَى وُجُوبُ العَمَلِ بهِ».
[م] والمراد بهذا الضرب: إنكار الشيخ العدل الحديث الذي رواه الفرع عنه إنكارًا غير صريح، كأن يتوقَّف ويقول: «لست أذكر ذلك الحديث» أو نحو ذلك، فما عليه جمهور أهل العلم وقول مالك والشافعي وأحمد في أصحّ الروايتين عنه أنَّ ذلك لا يقدح في الخبر بل يقبل ويعمل به، وبه قال أهل الحديث، ونسب القول إلى محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة(36)، وقد استدلَّ له المصنَّف بإلحاق فرع النسيان على الموت إلحاقًا قياسيًّا، فإنَّه إذا كان موته لا يسقط العمل به فكذلك نسيانه، ومن الأدلة التي استند إليها الجمهور ما ثبت في سنن أبي داود عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»، فذكر ذلك لسهيل فقال: «أخبرني ربيعة ‑وهو ثقة عندي‑ أني حدَّثته إيَّاه ولا أحفظه»(37)، ولم ينكره أحد من التابعين فكان ذلك إجماعًا على قَبول الحديث والعمل به. ومن المعقول أنَّ الفرع موصوف بالعدالة والثقة، وقطع بهذه الرواية على الشيخ، والشيخ نسي ‑والنسيان غالب على الإنسان‑ ولم يكذبه، ولم ينكر حديثه، فالأصل أنّ الحافظ الصادق يقبل حديثه ويعمل به.
[ في الاحتجاج بترك العمل بما أنكره الأصل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في الصفحة نفسها:
«وَذَهَبَ الكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ العَمَلُ بهِ».
[م] وهو مذهب أكثر الأحناف، وغاية ما استدلُّوا به قياس الرواية على الشهادة في أنَّه لو شهد شاهدان على شهادة شاهدين فإذا نسي شاهدا الأصل الشهادة ولم يحفظوها فلا يجوز للحاكم القضاء بشهادة شاهدي الفرع فكذلك الرواية، ولا يخفى أنَّ هذا القياس فاسد للفرق بين الشهادة والرواية، فباب الشهادة أضيق من باب الرواية وأغلظ حُكمًا، حيث إنَّه اعتُبِر في الشهادة من الاحتياط والتأكُّد ما لم يُعتَبر مثله في الرواية.
[ في إنكار العدل رواية الفرع عنه صراحة ]
• وذكر الباجي -رحمه الله- في [ص 250] القسم الثاني من الضرب الثاني: فيما إذا قطع أنَّه لم يحدث به بقوله: «وَأَمَّا إِذَا قَالَ: «لَمْ أَرْوِهِ قَطُّ» فَهَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بهِ جُمْلَةً».
[م] والمراد بهذا الضرب: إنكار الشيخ العدل الخبر الذي رواه عنه الفرع إنكارًا صريحًا وهو على قسمين:
‑ إمَّا أن يصرِّح بأنَّ الخبر من مروياته إلاَّ أنَّه نفى نفيًا صريحًا بعدم تحديث الراوي به، فهذا لا يمنع من الاحتجاج لصحَّة الخبر من جهة المروي عنه لا من جهة الراوي؛ لأنّ روايته من جهة الراوي تبطل.
‑ وإمَّا أن ينكر الشيخ روايةَ الفرع عنه إنكار تكذيب وجحودٍ صراحةً كأن يقول: «لَمْ أَرْوِهِ لَهُ قَطُّ» أو يقول: «كَذَبَ عَلَيَّ»، فقد حكى الآمدي وابن الحاجب وغيرهما الإجماع على عدم الاحتجاج به، والصحيح أنَّ هذه المسألة موضع اجتهاد واختلاف رأي، فمذهب الأكثرين عدم العمل به خلافًا لتاج الدِّين السبكي وأبي المُظفَّر السمعاني وأبي الحسن القطان وابن الوزير وغيرهم(38)، ومذهب الجمهور أقوى لأنَّ كلا منهما مكذِّب للآخر فيما يدَّعيه، وهذا موجب للقدح في الحديث، لكنَّه لا يوجب جرح واحد منهما على التعيين لقيام الشكِّ في كذبه، ولمّا كانت العدالة متيقّنة ـ وهي الأصل ـ فلا يجوز أن يترك اليقين إلاَّ بيقين مثله لا بالشكِّ.
والخلاف له آثاره من الناحية العملية من جهة أنَّ من احتجَّ بحديثه عمل بمقتضى الحديث، ومن لم يحتجّ به امتنع عن العمل بمقتضى الخبر.
فـصل
[ في قبول الزيادة في رواية العدل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 251]:
«وَرِوَايَةُ العَدْلِ الثَبْتِ المَشْهُورِ بالحِفْظِ والإِتْقَانِ الزِيَادَةَ فِي الخَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مَعْمُولٌ بهَا خِلاَفًا لِبَعْضِ أَهْلِ الحَدِيثِ».
[م] في تحرير محلّ النِّزاع يفرّق بين ما إذا كانت الزيادة مخالفة للمزيد عليه بحيث لا يسع الجمع ولا الترجيح بين المتعارضين فيصار إلى المرجِّح الخارجي، وبين ما إذا كانت الزيادة موافقة للمزيد عليه، وفي هذه الحالة إذا علم تعدّد المجلس قبلت الزيادة اتفاقًا لجواز أن يذكر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة في مجلس ويتركها في آخر، أمَّا إذا لم يعلم تعدّده فإنه تقبل الزيادة من العدل الثقة الذي يترجّح صدقه تقديمًا للمثبت على النافي، أمَّا إذا علم اتحاد المجلس فيختلف الأمر بين من نقل الزيادة الذي يكون واحدًا وبين من نقل الخبر بدون تلك الزيادة الذي يكون الناقل فيه جماعة، والخبر أضبط في الجماعة من الواحد لذلك لا تقبل الزيادة لانفراد رواية الثقة بزيادة يخالف فيها ما رواه الثقات فهو مردود لشذوذه.
أمَّا إذا كان ناقل الزيادة واحدًا وناقل الخبر بدون زيادة كذلك، فإنَّه في حال مساواتهما عددًا ينظر في ناقل الزيادة إن كان مشتهرًا بالعدالة والضبط والحفظ قبلت زيادته لتلك الصفات العالقة به، وإن كان ناقل الخبر بدون زيادة هو المشتهر بالحفظ والضبط والثقة والعدالة فلا تقبل تلك الزيادة.
أمَّا إذا استوى ناقل الزيادة أو ناقل الخبر المجرَّد عنها في الضبط والعدالة والحفظ فهذا موضع الخلاف، والصحيح ما رجَّحه المصنِّف من أنَّ الزيادة معمول بها(39) سواء كانت الزيادة لفظية كرواية: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»(40) بزيادة «الواو»، أو معنوية كدخول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة وأنَّه صَلَّى بين العمودين اليمانيين(41)؛ لأنَّ الثقة لو انفرد بنقل الحديث قُبل وعمل به فكذلك لو انفرد بزيادة ولا فرق بينهما.
والخلاف معنويٌّ فمن اعتبر الزيادة عمل بمقتضاها المثبت، ومن منعها عمل بمقتضى الخبر المجرّد عنها وأهمل الزيادة.
فـصل
[ في حكم العمل بالإجازة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 252]:
«يَجِبُ العَمَلُ بمَا نَُقَِلَ عَلَى وَجْهِ الإِجَازَةِ، وَبهِ قَالَ عَامَّةُ العُلَمَاءِ».
[م] الإجازة أن يَأْذَنَ الشيخُ لغيره بأن يرويَ عنه مروياته أو مؤلَّفاته، وكأنها تتضمَّن إخباره بما أذن له بروايته عنه وهي على أنواع منها:
1- إجازة من معيِّن لمعَّين في معيَّن، بأن يقول الشيخ للراوي عنه: «أجزتك أن تروي عنِّي هذا الكتاب، أو هذه الكتب»، وهي المناولة فهي جائزة عند الجماهير حتى الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها؛ لأنّها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع(42)، والمناولة في حقيقة الأمر تُعدُّ قسمًا من أقسام الإجازة؛ لأنّ الشيخ لو اكتفى على مجرّد المناولة بالفعل دون اللفظ لم تجز الرواية مطلقًا كأن يعطيه الكتاب ولم يقل له: «إروه عني»، أمّا إذا اقتصر على اللفظ دون مناولة لجازت الرواية عند الجمهور.
2- إجازة لمعيِّن في غير معيَّن، مثل أن يقول الشيخ: «أجزت لك أن تروي عني ما أرويه»، أو «ما صحّ عندك من مسموعاتي ومصنَّفاتي» فهذا جائز عند الجمهور روايةً وعملاً.
3- إجازة معيِّن لغير معيَّن، [أو إجازة معيِّن لمعيَّن بوصف عامٍّ]: مثل أن يقول الشيخ: «أجزت للمسلمين»، أو «لمن قال: لا إله إلاَّ الله»، أو «لمن أدرك حياتي الكتاب الفلاني» وسُمِّي هذا النوع: «الإجازة العامَّة»، وقد اعتبرها طائفة من الحفَّاظ والعلماء، فمِمَّن جوَّزها الخطيب البغدادي(43) ونقلها عن شيخه أبي الطيب الطبري وجوزها محدِّثو المغاربة رحمهم الله، ومنعها آخرون وهو الصحيح(44).
4- إجازة لمعيَّن بمجهول من الكتب مثل أن يقول الشيخ: «أجزتك كتاب السنن» وهو يروي كُتُبًا في السنن، أو «أجزت لمحمِّد بن عليّ» وهم جماعة مشتركون في الاسم، فحكم هذا النوع البطلان لعدم اتضاح المراد منها(45).
5- الإجازة للمعدوم مثل أن يقول: «أجزت لمن يولد لفلان» فالصحيح أنَّها إجازة فاسدة؛ لأنَّ الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز، فكما لا يصحّ الإخبار بالمعدوم لا تصحُّ الإجازة له، أمَّا إجازة من يوجد مطلقًا فلا يجوز إجماعًا(46).
6- إجازة المُجاز مثل أن يقول الشيخ: «أجزتك ما أجيز لي روايته»، قال النووي(47): «والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وبه قطع الحفاظ»(48).
وفي هذا الموضع ذكر المصنِّف خلافًا في حكم الرواية بالإجازة غير أنَّه ادعى الإجماع على جواز الرواية بها في: «إحكام الفصول» بقوله: «ولا خلاف في ذلك بين سلف الأُمّة وخلفها»(49)، ونقضه ابن الصلاح بما رواه الشافعي: أنَّه منع الرواية بها، وقال: «وبذلك قطع الماوردي، وعزاه إلى مذهب الشافعي، وكذلك قطع بالمنع القاضي ابن محمّد المَرْوَرَّوذي صاحب التعليقة، وقالا جميعًا: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة»(50).
وقول المصنِّف بأنَّ وجوب العمل بالإجازة قال به عامَّة العلماء ليس كذلك؛ لأنَّ كثيرًا من العلماء المتقدِّمين أبطلوا العمل بها. قال بعضهم: «من قال لغيره: «أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع» فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب عليّ؛ لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع»(51).
[ مذهب أهل الظاهر في العمل بالإجازة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 252]:
«وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لاَ يَجُوزُ العَمَلُ بالإِجَازَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مُنَاوَلَةً وَأَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ المُجِيزُ...».
[م] مذهب ابن حزم الظاهري إبطال الإجازة مطلقًا وقد اعتبرها بدعة، قال -رحمه الله-: «وأمَّا الإجازة التي يستعملها الناس فباطل، ولا يجوز لأحد أن يجيز الكذب...»(52). أمَّا النوع الأول من أنواع الإجازة وهي المناولة فقد تقدَّم جوازها عند الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها، أي يجيزون من تحمل بالإجازة أن يَرْوِيَ ما تحمَّله ويُحدِّث به، ولكن لا يجوز له أن يعمل به؛ لأنَّه يجرى مجرى المرسل(53). قال ابن الصلاح: «وهذا باطل؛ لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في إيصال المنقول بها والثقة به»(54)، ولأنَّ الشيخ المجيز إذا قال للراوي: «هذا كتاب مسموعي فاروه عني»، فهو بمثابة الراوي إذا قرأ على الشيخ ‑وهو ساكت‑ بجامع أنَّ الشيخ لم يتكلَّم بما في داخل الكتاب ومسموعاته.
هذا، وغاية ما يستدلُّ به المانعون للرواية بالإجازة والمناولة قياسهما على الشهادة، حيث إنها لا تصحّ بالإجازة والمناولة فتلحق بها الأخبار، وجوابه: أنه قياس مع ظهور الفارق بين الشهادة والرواية، فالرواية تجوز مع وجود شيخه الذي أخبر به الخبر ولا تجوز في الشهادة، حيث إن شاهد الفرع لا يقبل مع وجود شاهد الأصل بخلاف الرواية فهي أعمَّ من الشهادة، والشهادة أخصّ وأدقّ وآكد من الرواية لذلك يتعذَّر القياس(55).
والذي رجَّحه العلماء أنها جائزة، يُروى بها ويُعمل، وأنَّ السماع أقوى منها، قال ابن الصلاح -رحمه الله-: «إِنَّ الذي استقرَّ عليه العمل، و قال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث و غيرهم القول بتجويز الإجازة و إباحة الرواية بها»(56).
واستحسن العلماءُ الإجازة من العالم لمن كان أهلاً للرواية ومشتغلاً بالعلم لا للجهال ونحوهم.
1- السُّمَنِيَّةُ: فرقة تنسب إلى (سومنا) بلد في الهند، وكانوا يعبدون صنمًا اسمه (سومنات) كسره السلطان محمود بن سُبُكتكين، ولهم معتقدات غريبة وفاسدة كالقول بتناسخ الأرواح، وقدم العالم، وإنكار النظر وغيرها. [انظر: «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (170)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (2/113)].
2- البراهمة فرقة ضالة ظهرت في الهند تنسب إلى رجل يقال له: (برهام) كان يقول بنفي النبوات ووقوعها مستحيل في حكم العقل، ولها ضلالات أخرى، وانقسمت إلى فرق. [انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني: (3/342)].
3- هو أبو الحسن علي بن محمَّد بن عبد الله الحميري الكتاني الفاسي الحافظ ابن القطان قاضي الجماعة، كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأشدُّهم عناية بالرواية وأسماء الرجال صنف «الوهم والإيهام على الأحكام الكبرى لعبد الحقّ الإشبيلي»، توفي -رحمه الله- سنة (628ه).
[انظر: ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (22/306)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/128)، «شجرة النور الزكية» لمخلوف (179)].
4- انظر هذه المسألة في المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (234).
5- «قواعد أصول الحديث» د. أحمد عمر هاشم (143).
6- هو أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، المشهور بابن عُلَيَّة وهي أمه، حافظ فقيه ثقة، توفي سنة (193ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي: (6/229)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (9/107)، «شذرات الذهب» لابن العماد (1/333).
7- انظر: «إحكام الفصول» للباجي (331)، «التبصرة» للشيرازي (303)، «العدة» لأبي يعلى (3/859)، «تيسير التحرير» لبادشاه (3/82)، والمصادر المثبة على هامش «الإشارة» (235).
8- انظر: كتب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ورسله إلى الملوك وأمراءه في «زاد المعاد» لابن القيم (1/119-126).
9- وهو حديث طويـل أخرجه الشـافعي في «الأم» (4/ 174)، وأحمد في «مسنده» (1/ 190)، والبخاري مختصرًا (2/ 257)، وأبو داود (3/ 431)، والترمذي (4/ 146)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (9/ 189)، والبغوي في «شرح السُّنَّة» (11/168)، وأبو عبيد في «الأموال» (21)، والحديث صَحَّحَه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/ 260).
10- أخرجه مسلم (10/ 200)، في «البيوع»، باب: كراء الأرض، والنسائي في «سننه» (7/ 8)، وابن ماجه في «سننه» (2/ 819)، وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. انظر ألفاظه وطرقه في «إرواء الغليل» للألباني (5/ 297 ـ 301).
11- أخرجه أبو داود (4573) في «الديات» باب دية الجنين، و الحديث ضَعَّف إسنادَه الألبانيُّ في «ضعيف سنن أبي داود» (3/379)، وثبت عن المسور ابن مخرمة: «أَنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى فِيهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ فَأَتَاهُ بِمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةِ». (أخرجه البخاري في «الديات» (12/ 247) باب جنين المرأة، ومسلم في «القسامة» (11/ 179) باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ، وأبو داود في «الديات» (4570) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.).
12- أخرجه البخاري (4488) في «التفسير» باب: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا﴾ الآية، ومسلم (5/10) في «المساجد ومواضع الصلاة»، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
13- «إرشاد الفحول» للشوكاني (64).
14- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (77).
15- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (244).
16- انظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (49)، و«توضيح الأفكار» للصنعاني (1/317).
17- «تدريب الراوي» للسيوطي (1/171).
18- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبتة على هامش «الإشارة» (241).
19- أخرجه أبو داود (4/68)، و الحاكم في «المستدرك» (1/95). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (3/1).
20- أخرجه الترمذي (10/123) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (6/41).
21- «جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للحافظ العلائي (33) وما بعدها.
22- «منهاج السُّنَّة النبوية» لابن تيمية (4/117).
23- «الإحكام» للآمدي (1/229-300). انظر: «جامع التحصيل» للعلائي (67).
24- «تدريب الراوي» للسيوطي (1/163).
25- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (240).
26- هو أبو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، القرشي المدني نزيل الشام، أحد التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافظ زمانه، عالِمًا في الدِّين والسياسة، انتهت إليه رئاسة العلم في وقته، له روايات كثيرة، توفي سنة (124ه).
انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» للبخاري (1/220-221)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/71-72)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/177-179)، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/360)، «البداية والنهاية» لابن كثير (9/340-344)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/326-351)، «وفيات ابن قنفذ» (31)، «التبيين لأسماء المدلسين» للعجمي (50)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/445-451)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (49-50).
27- «فتح المغيث» للسخاوي (1/143).
28- هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، أحد الأئمة، من حفاظ الحديث، تقوم شهرته ومكانته على كتابه «الجامع الصحيح» الذي يفضله المغاربة على «صحيح البخاري» لما امتاز به من جمع الطرق وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ من غير تقطيع ولا رواية بالمعنى هذا، وقد كان مسلم من أوعية العلم، ثقة جليل القدر، له مؤلفات منها: «العلل»، و«الكنى»، و«الطبقات»، و«التاريخ»، توفي سنة (261ه).
انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/182)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (13/100)، «اللباب» لابن الأثير (3/38)، «الكامل» لابن الأثير (7/289)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (5/194)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/557)، «مرآة الجنان» لليافعي (2/174)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/33)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/126)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/144).
29- «إرشاد الفحول» للشوكاني (65). والقصة جاءت في «مقدمة الصحيح» بسند الإمام مسلم عن طاووس (1/80).
30- «الإحكام» للآمدي (1/301).
31- هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (173).
32- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (246).
33- أخرجه البخاري (2/219) في «صفة الصلاة» باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، ومسلم (390) في «الصلاة» باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، وأبو داود ( 721) (722) (741) (742) (743) في «الصلاة» باب افتتاح الصلاة، والترمذي (255) في «الصلاة» باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، والنسائي (2/121 و122) في «الافتتاح»، باب العمل في افتتاح الصلاة، وباب رفع اليدين قبل التكبير، وباب رفع اليدين حذو المنكبين، وباب رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
34- أخرجه الشافعي في «مسنده» (275)، وأحمد (6/47)، والحميدي في «مسنده» (1/112)، والدارمي في «سننه» (2/137)، وأبو داود (2/566)، والترمذي (3/407)، وابن ماجه (1/605)، والحديث حسّنه الترمذي، وصحَّحه أبو عوانة، وابن حبان، والحاكم .[نظر: «نصب الراية» للزيلعي (3/184)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (3/156)، «إرواء الغليل» للألباني (6/243)].
35- أخرجه ابن ماجه [(1/606) 1882]، والدارقطني [(3/159) 3495]، والبيهقي (7/110) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه و تمامه: «...ولا تزوَّج المرأة نفسها، فإنَّ الزانية هي التي تزوَّج نفسها»، و الحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (6/248(1841)، وفي «صحيح ابن ماجه» [(2/130) 1539] دون جملة الزانية.
36- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الإشارة» (249).
37- أخرجه أبو داود في «الأقضية» [(4/34) 3610]، باب القضاء باليمين والشاهد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/400).
38- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الاشارة» (250).
39- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الإشارة» (252).
40- أخرجه مسلم (771) (202) في «صلاة المسافرين» باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وأخرجه الترمذي (266) في «الصلاة» باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
41- أخرجه الترمذي (874)، وابن ماجه (3063) من حديث بلال رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح الترمذي» (1/450).
42- «اختصار العلوم» لابن كثير (119).
43- انظر ترجمته في الجانب الدراسي من كتاب «الإشارة» (78).
44- المصدر السابق (119)، «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (122).
45- «تدريب الراوي» للسيوطي (2/33).
46- المصدر السابق (2/36).
47- هو أبو زكريا يحي بن شرف بن مري الشافعي، الملقب بمحيي الدين النووي، ولد ب «نوا»، من قرى حوران في بلاد الشام سنة (631ه)، كان إمامًا حافظًا عالمًا بالفقه إلى جانب الزهد والورع، ولي مشيخة دار الحديث، ولم يأخذ من مرتبها شيئًا، ولم يتزوج، من مؤلفاته: «شرح صحيح مسلم»، «المجموع شرح المهذب»، «رياض الصالحين»، توفي سنة (676ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» لابن السبكي (5/165)، «تذكرة الحفاظ» للذهبي (4/1470)، «طبقات الشافعية» لابن هداية الله الحسيني (225)، «البداية والنهاية» (13/278)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/354)، «الأعلام» للزركلي (8/149)، «الفتح المبين» للمراغي (2/81)، «معجم المؤلفين» لكحالة (13/202)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/341).
48- «تقريب النووي» (2/39).
49- «إحكام الفصول» للباجي (382).
50- «مقدمة ابن الصلاح» (72).
51- المصدر السابق الصفحة نفسها. انظر: «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (121).
52- «الإحكام» لابن حزم (2/147-148)، «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (121).
53- انظر: «الكفاية» للخطيب البغدادي (348)، «مقدمة ابن الصلاح» (73)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (377)، «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (119)، «الإبهاج» للسبكي وابنه (2/335)، «تدريب الراوي» للسيوطي (2/29)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (2/501).
54- «مقدمة ابن الصلاح» (73).
55- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبتة على هامش «الإشارة» (254).
56- المصدر السابق: الصفحة نفسها. ذكر العلاَّمة أحمد محمَّد شاكر -رحمه الله- كلامًا متَّجهًا في هذه المسألة من «الباعث الحثيث» (122) هذا نصّه: «أقول: وفي نفسي من قَبول الرواية بالإجازة شيء، وقد كانت سببًا لتقاصر الهمم عن سماع الكتب سماعًا صحيحًا بالإسناد المتّصل بالقراءة إلى مؤلِّفيها، حتى صارت في الأعصر الأخيرة رسمًا يرسم، لا عِلمًا يُتلقَّى ويُؤخذ، و لو قلنا بصحَّة الإجازة إذا كانت بشيء معيّن من الكتب لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين لكان هذا أقرب إلى القَبول، ويمكن التوسُّع في الإجازة لشخص أو أشخاص معيّنين مع إبهام الشيء المجاز كأنه يقول له: «أجزت لك رواية مسموعاتي»، أو «أجزت رواية ما صحَّ و ما يصحُّ عندك أني أرويه»، أمّا الإجازات العامّة، كأن يقول: «أجزت لأهل عصري»، أو «أجزت لمن شاء»، أو «لمن شاء فلان»، أو للمعدوم ونحو ذلك، فإني لا أشكّ في عدم جوازها».
الجزء السادس (1)
بـاب
أحكام الأخبار
[ في تعريف الخبر ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 233]:
«الخَبَرُ هُوَ الوَصْفُ لِلمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ».
[م] هذا التعريف يُعَدُّ أحد تعريفات الخبر، والذي ينسجم مع تقسيم المصنِّف أن يعرفه بأنّه: «القَوْلُ الَّذِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ»، وأطلق بعضُ العلماء على الخبر بأنَّه: «المُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِلإِنْشَاءِ»، ويخرج الإنشاء؛ لأنَّه لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا كالأوامر والنواهي، وهو اصطلاح الأصوليِّين وأهلِ اللغة.
وقال بعضهم: إنَّ الخبرَ هو ما يُقابل المبتدأ، وهو إطلاق النحاة، أمَّا أهلُ المنطق فأطلقوا الخبر على القضية، وأطلقه المحدِّثون على ما هو أعمُّ من الإنشاء والطلب، كقولهم «أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم»، فهذه الأخبار محتوية على الأوامر والنواهي.
فـصل
[ في خبر التـواتر ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 233]:
«فَالتَّوَاتُرُ: مَا وَقَعَ العِلْمُ بمُخْبَرِهِ ضَرُورَةً مِنْ جِهَةِ الخَبَرِ».
[م] هذا الفصل وما بعده يتعلَّق بالخبر من حيث سندُه، ومعنى تعريف المصنِّف للتواتر: هو الخبرُ الذي رواه جمعٌ يحصل العلمُ بصِدقهم ضرورةً بأن لا يحتمل العقل تواطؤهم على الكذب، أو صدوره منهم اتفاقًا عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره، ويكون ممَّا يدرك عن طريق الحسّ لا العقل.
وقول المصنِّف: «ضرورةً» أي: من شرط الخبر المتواتر إفادته العلم اليقيني بالمخبر عنه، وهذا مذهب أهل الحقِّ خلافًا للسُّمَنية(1) والبراهمة(2) الذين يعتقدون أنَّ خبر التواتر يفيد الظنَّ، وقد مثل المصنف -رحمه الله- بحصول العلم ببعض البلدان ك «الصين» و«الهند» والأنبياء السابقين والعلماء والسلاطين والوقائع والغزوات ونحو ذلك.
ومفهوم قوله: «ضرورة»: أنَّ العلم الحاصلَ بالمتواتر يقينيٌّ وليس نظريًّا، وهو مذهب الجمهور وهو الصحيح، أي أنّ العلم الحاصل بالمتواتر علمناه بالضرورة من غير نظر ولا استدلال؛ لأنَّه لو كان المتواتر نظريًّا لم يقع إلاَّ لمن اكتسب درجةَ النظر والاستدلال، وللزم اختلاف العلماء فيه؛ ولأنّ كلَّ ذي لُبٍّ مضطر إلى التصديق بوجود «مكة» والبلاد الأخرى التي لم يرها ولم يدخلها، وهذا على خلاف مذهب ابن القطان(3) والدقاق وغيرِهما الذين يرون أنَّ المتواتر يحتاج إلى نظر لذلك قالوا: إنَّ العلم به نظري وليس بضروري، إذ لا يحصل العلم إلاَّ بمقدمتين:
الأولى: أنَّ المخبرين يستحيل تواطؤهم على الكذب.
والثانية: أنَّهم اتفقوا على الإخبار عن واقعة واحدة كوجود مكَّة مثلاً.
والصحيح أنَّ المقدّمتين حصلتَا في أوائل الفطرة، ولا تحتاج إلى كبير تأمّل وفكر، ومِثْل ذلك لا يُسمَّى نظريًّا؛ لأنّ النظري يتوقّف على أهلية النظر، وفي هذه المسألة أقوال أخرى كالوقف ذهب إليه الآمدي، وتردَّد بعضُهم بين النظري والضروريّ(4).
والخلافُ بين المذهبين السابقين خلافٌ لفظيٌّ لا ثمرةَ له لاتفاقهما على النتيجة، واختلافهم في الطريق إليها، لذلك يذهب بعضُ المحقِّقين إلى عدم اشتراط إفادته العلم اليقيني الضروري؛ لأنَّه يترتَّب على شروط المتواتر، فحيثما اجتمعت حصل العلم(5).
[ في خبر الآحاد وإفادته الظنّ عند الجمهور]
• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 234] في معرض ذكر خبر الآحاد:
«لاَ يَقَعُ بهِ العِلْمُ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ السَّامِعِ لَهُ صِحَّتُهُ لِثِقَةِ المُخْبرِ بهِ».
[م] ما قرَّره المصنِّف من إفادة خبر الواحد للظنِّ هو مذهب جمهور العلماء؛ لأنَّه لو كان يفيد العلم لحصل ذلك بخبر الأنبياء عن بعثهم وإرسالهم من غير ما حاجة إلى إظهار المعجزات الدالَّة على صدقهم؛ ولأنَّه لو كان مفيدًا للعلم لوجب على القاضي أن يصدق المدعي من غير بيِّنة؛ لأنَّ العلم يحصل بقوله، وإذا ثبت أنَّه لا يصدقه إلاَّ ببينة دلَّ ذلك على أنَّ خبر الواحد بمجرّده لا يكفي في إفادة العلم، ومن الأدلة العقلية ما ذكره المصنِّف: من أنَّ المخبر ـ وإن كان ثقةً ـ يجوز عليه الغلط والسهو كالشاهد.
[ في حجّة من قال بوقوع العلم بخبر الواحد ]
• قال الباجي -رحمه الله- في الصفحة نفسها عن محمَّد بن خُوَيْزَ مِنْدَادٍ أنَّه قال: «يَقَعُ العِلْمُ بخَبَرِ الوَاحِدِ».
[م] وهذا مذهب أهلِ الظاهر كداود وابن حزم، وبه قال الحسين الكرابيسي، والحارث المحاسبي، وهو رواية عن الإمام أحمد، وحُجَّتُهم أنَّ الله تعالى قال: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وقال تعالى: ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 169]، ثمَّ أمرنا بالعمل بخبر الواحد، وهذا يدلُّ على أنَّ خبر الواحد يفيد العلم.
وجوابه: أنَّه لا يلزم إفادته للعلم وإنَّما وجب العمل به لغلبة الظنّ، كما هو الأمر بالنسبة للقياس فإنَّه يجب العمل به مع إفادته للظنِّ، وكذلك يجب العمل بقول الشاهدين وبقول المفتي بالنسبة للمستفتي مع أنَّه لا يفيد العلم.
وفي هذه المسألة قول آخر يرى أصحابه: أنَّ خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تُؤيِّده كأن تتلقَّاه الأُمّة بالقَبول، أو لا يُنكره أحد ممَّن يعتقد بقوله أو ينقل الخبر من طرق متساوية لا تختلف، أو يروي خبر الواحد راوٍ متَّصف بالعدالة والثقة والإتقان، فإن توفرت هذه القرائن في خبر الواحد أفاد العلم بإجماع.
والتحقيق أنَّ خبر الواحد إذا احتف بقرائن خرج عن محلِّ النِّزاع؛ لأنَّ النزاع في خبر الواحد المجرَّد عن القرائن، وبناء عليه فمذهب الجمهور أقوى في الاعتبار والنظر.
والخلاف بين العلماء في هذه المسألة لفظيٌّ لاتفاقهم على وجوب العمل بخبر الواحد من حيث التطبيق الفرعي سواء أفاد العلم أو الظنّ. أمَّا من حيث الترجيح بالسند فقد يكون معنويًّا؛ لأنَّ الخبر المفيد للعلم يرجح على الخبر المفيد للظنِّ.
فـصل
[ في المسـند ووجوب العمل به]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 235] في معرض الاستدلال على وجوب العمل بالمسند:
«...أَنَّهُ لاَ يُمْتَنَعُ مِنْ جِهَةِ العَقْلِ أَنْ يَتَعَبَّدَنَا البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعَمَلِ بخَبَرِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا ثِقَتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَنَا العِلْمُ بصِدْقِهِ».
[م] ابتدأ المصنِّف بتقرير مذهبِ الجمهور في جواز التعبُّد بخبر الواحد عقلاً، خلافًا لمن رأى أنّ العقل أوجب علينا قَبول خبر الواحد والعمل به، وخلافًا للمعتزلة وابنِ عُلَيَّةَ(6) وطائفة من المتكلمين الذين يرون أنَّه لا يجوز التعبّد بخبر الواحد عقلاً(7).
واستدلَّ المصنِّفُ من جهة العقل بعدم امتناع أن يتعبَّدنا الله تعالى بالعمل بخبر من يغلب على ظنِّنا ثقتُه وإن لم يقع لنا العلم بصدقه على نحو ما يتعبّدنا بشهادة عدلين، وإن لم يحصل لنا العلم بصدقهما، ومن ذلك ما ثبت في السُّنَّة من الأحاديث الدالَّة على إرساله صلى الله عليه وآله وسلم الرسلَ للملوك، وللإمارة على البلدان والقضاء بها والسعي على الصدقات وغيرها، فمن ذلك تأميره لأبي بكر رضي الله عنه لموسم الحجّ، وإنفاذه سورة براءة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتوليته عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على الصدقات(8).
• ثمَّ قال المصنِّف في [ص 236]:
«وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَحَابَةِ عَلَى وُجُوبِ العَمَلِ بأَخْبَارِ الآحَادِ كَرُجُوعِ عُمَرَ بنِ الخَطََّابِ رضي الله عنه مِنْ شَرْعٍ بخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَخْذِهِ جزْيَةَ المَجُوسِ بخَبَرِهِ... وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُحْصَى كَثْرَةً».
[م] ردَّ المصنِّف على مَن لا يُجوِّز التعبُّد بخبر الواحد سمعًا، وهو منسوب لمحمَّد بن داود الظاهري، ومحمَّدِ بن إسحاق وبعضِ الرافضة، واستند على صحَّة مذهبه وهو مذهب الجمهور بإجماع الصحابة السكوتي على وجوب العمل بخبر الآحاد حيث ثبت في وقائع وحوادث كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم عملهم بخبر الواحد من غير نكير، وإن كان كلّ واقعة لم تتواتر لكن بمجموع تلك الحوادث حصل العلم بأنّهم اتفقوا على العمل به، فمن ذلك أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى حدَّثه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجوسِ هَجَرٍ(9)، فقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك، وبدأ يأخذ الجزية مع أنَّه خبر الواحد، ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ نَهَى عَنْهَا»(10)، وأنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في خبر حمل بن مالك في إسقاط الجنين: «لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ»(11)، وأنّه لَمَّا كان أهل قباء يصلون إذ جاءهم آت فقال: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ»(12).
وممَّا يستدل به الجمهور أيضًا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]. فوجه دلالة الآية أنّها تفيد وجوب التبيّن والتثبّت إذا كان المخبر فاسقًا، فظهر بمفهومه أنَّ العدل يُقبل خبرُه من غير تثبّت؛ لأنّ الفائدة من إيراد الفسق في الآية لا تكون إلاَّ لمعنى، إذ لا ينسب العبث إلى الشرع.
ومن القياس استدلُّوا بقياس الرواية على الشهادة، وقياس الرواية على الفتوى، فإنّه كما يجب العمل بشهادة العدلين، ويجب العمل بفتوى المفتي يجب العمل برواية العدل أو العدلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجامع بينهما أنّ كُلاَّ منهما يفيد الظنَّ لجواز الغلط على الشاهد والمفتي والراوي.
فــصل
[ في المـرسـل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في تعريف المرسل من [ص 239]: «وَأَمَّا المُرْسَلُ: فَهُوَ مَا انْقَطَعَ إِسْنَادُهُ فَأُخِلَّ فِيهِ بذِكْرِ بَعْضِ رُوَاتِهِ».
[م] هذا تعريف المرسَل على اصطلاح الأصوليِّين والفقهاء الشامل لسائر أنواع الانقطاع، أمَّا في اصطلاح جمهور أهل الحديث فإنَّ المُرْسَلَ هو: ما رفعه التابعي إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صغيرًا كان التابعي أو كبيرًا، بمعنى: أن يترك التابعيُّ الواسطةَ التي بينه وبين رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الشوكاني: «وإطلاق المرسَل على هذا، وإن كان اصطلاحًا ولا مشاحة فيه، لكن محلّ الخلاف هو المرسَل باصطلاح أهل الحديث»(13).
وأهل العلم يُفرِّقون في المرسَل من حيث قَبولُه بين مُرسَل الصحابي وغير الصحابي، والمقصود من مرسل الصحابي هو: أن يروي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يسمعه منه شفاهًا بل سمعه من صحابيٍّ آخر. وحكمه أن يقبل مُطلقًا سواء عرفنا أنَّه لا يروي إلاَّ عن صحابي أو لم نعرف ذلك، وسواء صرّح أو لم يصرِّح بذلك، وهو مذهب جمهور العلماء للإجماع الواقع من الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم كانوا يرسلون الأحاديث من غير نكير من أحد؛ ولأنَّ الأُمّة أجمعت على قَبول كلِّ مرويَّات عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو مع إكثاره للرواية لم يسمع أكثر الأحاديث التي يرويها عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً، حيث تُوفي النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وابنُ عباس رضي الله عنه لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، وإنَّما أخذها عن صحابة آخرين. ومن صغار الصحابة: عبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، والحسن والحسين ابنا عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وغيرهم، وقد قَبلت الأُمّة جميعَ مرويَّاتهم ولم ينكر أحدٌ شيئًا من ذلك، فثبت وجوب قَبول مرسل الصحابي مطلقًا، وقد حكى ابنُ عبد البر(14) الإجماعَ على ذلك، ونقل ابن جرير الطبري(15) إجماعَ التابعين، وخالف أبو إسحاق الاسفرائيني وأبو بكر الباقلاني لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين وليس من أجل الشكّ في عدالة الصحابة رضي الله عنهم(16)، قال السيوطي: «وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى ‑يعني من مراسيل الصحابة‑ لأنَّ أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلّهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بيَّنوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات، أو حكايات أو موقوفات»(17).
[ في حكم العمل برواية المُرسِل المتحرز ]
• فيما كان المُرسِل متحرِّزًا لا يرسل إلاَّ عن الثقات قال الباجي -رحمه الله- في [ص 241]: «فَإِنََّهُ يَجِبُ العَمَلُ بهِ عِنْدَ مَالِكٍ -رحمه الله- وَأَبي حَنِيفَةَ».
[م] وبوجوب العمل به قال جمهور أصحابهما، وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل، وإليه ذهبت جماعة من المحدثين، وأمَّا جمهور المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول ذهبوا إلى ردّه مُطلقًا، خلافًا لمن فصّل في رَدِّه فهؤلاء اختلفوا في وجوه التفصيل على آراء، وفي المسألة أقوال أخرى.
وأظهرها: أنَّ من علم من حاله أنَّه لا يرسل إلاَّ عن ثقةٍ قُبل مُرسَلُه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، أوجبت الآية التبيُّنَ في خبر الفاسق دون العدل الذي يجب قَبول خبره مُطلقًا مُسندًا كان أو مُرسلاً، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]، فالآية أوجبت على الطائفة الإنذار، ولم تفرِّق في الإنذار بين ما أرسلوه وما أسندوه، ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة: 159]، فالراوي الثقة إذا قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقد التزم ما دَلَّت عليه الآية من وجوب التبليغ وتحريم كتمان البيِّنات والهدى، وليس في الآية دلالة على التفريق بين المرسل والمسند.
وقد استدلَّ المصنِّف على مذهبه –أيضًا‑ بالإجماع والمعقول ‑كما سيأتي‑(18).
هذا، وقد تمسَّك المانعون من العمل بالحديث المرسل مُطلقًا بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ»(19)، وبما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»(20)، والحديثان يدلاَّن على كيفية وصول الحديث إلى الراوي، وبناء عليه يكون الاتصال شرطًا من شروط قَبول الخبر، وما دام الإرسال يفتقر إلى هذا الشرط فالرواية به غير مقبولة.
وقد أجيب عن دلالة أحاديث المانعين من قَبول الحديث المرسل بأن دلالتهما في التحمُّل لا في الأداء، إذ ليس فيهما ما يشعر بالمنع من الإرسال، ويجاب أنَّ محتوى الحديثين يدلاَّن على طريقة وصول الحديث فلا يمنع من دلالتهما على الرواية، وللمانعين أدلة عقلية وللمفصلين ‑أيضًا‑، والمقام لا يسمح لبسطها وقد تكفَّل الحافظ العلائي في «جامعه» تحصيل أحكام المراسيل(21)، وما عليه أهل التحقيق قَبول الحديث المرسل إذا كان المرسِل من العلماء العدول الماهرين بمعرفة شرائط القَبول الذين يُعرف من حالهم أنهم لا يرسلون إلاَّ عمَّن يُقبل حديثُه وهو أعدل الأقوال، وقد ذكره ابن تيمية ‑رحمه الله‑ بقوله: «والمراسيل قد تنازع الناس في قَبولها وردِّها، وأصحُّ الأقوال: أنَّ منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن عُلم من حاله أنَّه لا يرسل إلاَّ من ثقة قُبل مُرسَلُه، ومن عُرف أنَّه يرسل عن ثقةٍ وغيرِ ثقة، كان إرساله رواية عمَّن لا يُعرف حاله، فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا»(22).
والأَوْلى حمل كلام المانعين في عدم الاحتجاج بالمرسل على احتمال الريبة والشكّ في المرسل أو غلبتهما، والخلاف ‑من هذه الحيثية‑ يكون لفظيًّا في قَبول المرسل من عدمه، فمن قبله فلأنّه غلب على ظنّه صدق المرسِل ومن ردَّه فلأنه شكَّ في الراوي المرسِل، أو لأنّ عمل الصحابة لم يوافقه أو عارضه المسند أو ما إلى ذلك، أمَّا من حيثية تقرير حكمه وبناء الفروع الفقهية عليه فمعنوي.
وجدير بالتنبيه أنَّ المرسَلَ إذا عارضه المسنَد فإنّ المسنَدَ يُقدَّمُ عليه؛ لأنَّه متَّفقٌ على قَبوله والاحتجاج به، بخلاف المرسَل فمختلف فيه، وعليه فإنَّه يُقدَّم المتفق عليه على المختلف فيه عند التعارض.
[ في تقرير الإجماع على قبول المرسل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في معرض الاستدلال على مذهبه في [ص 242]: «وَالدَلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الأَوَّلِ عَلَى نَقْلِ المُرْسَلِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الحَدِيثَ لَمَا حَلَّ الإِرْسَالُ».
[م] ذكر الآمديُّ انعقادَ الإجماع على قَبول مراسيل العدول بما نصّه: «فإنَّ الصحابةَ والتابعين أجمعوا على قَبول المراسيل من العدل: أمَّا الصحابة فإنَّهم قَبلوا أخبارَ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع كثرة روايته، وقد قيل إنَّه لم يسمع من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم سوى أربعة أحاديث لصغر سِنِّه… وأمَّا التابعون فقد كان من عاداتهم إرسال الأخبار… ولم يزل ذلك مشهورًا فيما بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من غير نكيرٍ فكان إجماعًا»(23)، وذكر السيوطي عن ابن جرير الطبري أنَّه قال: «أجمع التابعون بأسرهم على قَبول المرسَل ولم يأت عنهم إنكاره، ولا عن أحد من الأئمَّة بعدهم إلى رأس المائتين»(24).
أمَّا مُرسَل الصحابيِّ فقد تقدَّم حكاية الخلاف فيه، والصحيح قَبوله مُطلقًا، أمَّا دعوى إجماع التابعين فمردودة بما هو منقول عن بعض التابعين كسعيد بن المسيِّب(25)، وابن سيرين والزهري(26) وغيرهم القول بعدم الاحتجاج به. قال الحافظ السخاوي: «وبسعيد بن المسيب يرد على ابن جرير الطبري من المتقدِّمين، وابن الحاجب من المتأخِّرين، ادعاؤهما إجماع التابعين على قبوله ‑أي المرسل‑ إذ هو من كبارهم ولم يتفرَّد مرَّة بينهم بذلك، بل قال به منهم ابن سيرين والزهري»(27).
وقال الشوكاني: «ويجاب عن قول الطبري أنَّه لم ينكره أحد إلى رأس المائتين بما رواه مسلم(28) في مقدِّمة صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه لم يقبل مرسل بعض التابعين مع كون ذلك التابعي ثقة محتجًّا به في الصحيحين»(29).
[ في التعليل بقبول المرسل ]
• وقال الباجي -رحمه الله- في [ص 244]:
«وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ المُرْسِلُ ثِقَةً مُتَحَرِّزًا».
[م] وتعليله أنَّ الراوي الثقة لا يستجيز القطع بالحديث إلاَّ أن يكون عالما بصحَّته غلب على ظنِّه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك، إذ أنَّ عدالة الراوي تمنعه من أن يشهد على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو غير ثقة ولا حجَّة، وعليه فلا فرقَ بين كبار التابعين أو غيرهم، فضلاً عن أنَّه يلزم من ردِّ المرسل القدح في الراوي، وهذا مردود لاتفاق الأمَّة على قَبول جم غفير من الرواة مع كثرة ما أرسلوه.
وقد أجيب عن هذه الحُجَّة العقلية بأنَّها غير مسلَّمة؛ لأنَّ غاية ما فعله الراوي أنَّه سكت وليس معنى السكوت عن الجرح تعديلاً للمروي، إذ يلزم أن يكون السكوت عن التعديل جرحًا، وعلى هذا فالإرسال في شاهد الفرع على شهادة الأصل لا يكون تعديلاً لشهادة الأصل مع عدم تعيينه(30).
فـصل
[ في رواية الراوي الخبر وترك العمل به ]
يجدر التنبيه في هذا الفصل إلى تعلّق المسألة بمخالفة الصحابيِّ للحديث بالكلية الذي قطعنا بعلمه به مع جهلنا مأخذه ودليل الراوي على مخالفة الحديث الذي رواه.
أمَّا إذا كانت مخالفة الصحابي للحديث كلية وقطعنا بعلمه مع وضوح المخالفة إمَّا بسبب دليلٍ أو بسبب عدم إحاطته بمعناه، أو بسبب التورَّع والحرج، أو بسبب النسيان؛ فإنَّه لا تقبل تلك المخالفة ويبقى الحديث حُجَّة يعمل به، باستثناء ما إذا اعتمد على دليل فينظر في الدليل، ويترك الحديث إذا ما قبل الدليل لقُوَّته لا من أجل مخالفة الصحابي له وإلاَّ لم يصلح الدليل معارضًا له.
أمَّا إذا خالف الصحابي عموم الحديث لا كُليته، فالصحيح أنَّ العموم أقوى ولا يخصّص به إلاَّ ما كان له حكم الرفع وذلك فيما لا مجال للرأي فيه؛ لأنَّ المعروف من واقع الصحابة رضي الله عنهم تقديم المرفوع على كلامهم، أمَّا على قول من أجاز التخصيصَ بمذهب الصحابيِّ وهو مذهب الحنفيةِ والحنابلةِ فيتمثَّل دليلُهم في أنَّ قول الصحابي حُجَّةٌ مقدَّمٌ على القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائز فيلزم تخصيصه بمذهب الصحابي من باب أولى، فجوابه: أنَّ مذهب الصحابي تحتمل حُجِّيته إذا لم يعارض نصًّا من كتابٍ أو سُنَّة، أمّا إذا عارض ذلك فلا حُجَّة فيه، وقياس قول الصحابي على القياس الشرعي ظاهر البطلان للفرق بينهما؛ ذلك لأنَّ القياس ثبت بناءً على أصل ثابت من كتاب أو سُنَّة فجاز التخصيص به للعلم بالدليل الذي اعتمد عليه القياس، في حين أنَّ الصحابي يُجهل مستنده فافترقا، لذلك وجب العمل بالمعلوم وهو العموم.
أمَّا إذا حمل مذهب الصحابي على إحدى محامل الحديث فلا يُعدُّ ذلك مخالفًا.
[ في عمل الراواي بخلاف روايته ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 246] بعد تقرير مذهبه وهو وجوب العمل بالخبر وإن ترك الراوي العمل به:
«وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ أَبي حَنِيفَةَ: "إِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ وُجُوبَ العَمَلِ بهِ"».
[م] في مسألة عمل الراوي بخلاف روايته أقوال، والظاهر من مذهب الشافعي أنَّ تأويل الراوي بخلاف الحديث يقدّم ظاهر الحديث عليه، وإن كان هو أحد محتملات الظاهر رجّح تأويله، وبه قال جمهور المالكية، وإليه ذهب أبو الحسن الكرخي(31) وأكثر الفقهاء خلافًا للأحناف وبعض المالكية(32)، وهو الراجح؛ لأنَّ الحُجَّةَ فيما رواه لا فيما رآه؛ ولأنَّ عملَ الراوي بخلاف ما روى يتطرَّق إليه جملة من الاحتمالات منها:
‑ قد ينسى الراوي الحديث.
‑ وقد يحمل الحديث على غير وجه الصِّحَّة.
‑ وقد يظنّ الحديث منسوخًا وهو ليس كذلك.
ويحتمل أن يصير إلى دليل أقوى في ظنِّه وليس هو أقوى في حقيقة الأمر، وعليه فلا يترك الحديث الثابت بشيء ممَّا يدخل فيه الشكُّ والاحتمال.
والخلاف في هذه المسألة له أثره في بعض المسائل الفقهية منها:
6 أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مِنْكَبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»(33)، وهذا الحديث رواه ابن عمر رضي الله عنهما ولم يعمل به، بل خالفه وكان رضي الله عنهما لا يرفع يديه إلاَّ عند افتتاح الصلاة، فمن قَدَّم روايتَهُ عمل بمقتضى الحديث، ومن عمل بما رآه ترك العمل به. والصحيح المذهب الأَوَّل لعِدَّة اعتبارات منها:
‑ الحُجَّة فيما رواه لا فيما رآه.
‑ أنَّ الحديث عمل بمقتضاه أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم.
‑ أنَّ عدم الرفعِ من ابن عمر رضي الله عنهما مرويٌّ عن مجاهد، وهو معارض بما رواه طاووس أنَّه كان يفعله وهو موافق للرواية.
6 حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»(34)، وقد خالفت عائشة رضي الله عنها مقتضى الحديث ولم تعمل به، حيث زوَّجت بنتَ أخيها: حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه شقيق عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها أسماء رضي الله عنها: وهو المنذر بن الزبير، وكان أخوها عبد الرحمن غائبًا في الشام. فمن عمل بمقتضى الحديث اشترط الولي في الزواج، ومن عمل بمخالفة الراوي لروايته لم يشترط الولي.
والصحيح أنَّ الحُجَّةَ فيما روته لا فيما رأته؛ لأنَّ الصحابة رضي الله عنهم عملوا بمقتضى الحديث، ويحتمل أنَّها زوَّجتها بإذن أخيها أو أوصاها بذلك ولم تعلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ»(35).
فـصل
[ في رواية الراوي الخبر وإنكاره المُرْوَى عنه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 249]:
«فَأَمَّا إِنْ شَكَّ المُرْوَى عَنْهُ فِيهِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ أَبي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَافِعيِّ إِلَى وُجُوبُ العَمَلِ بهِ».
[م] والمراد بهذا الضرب: إنكار الشيخ العدل الحديث الذي رواه الفرع عنه إنكارًا غير صريح، كأن يتوقَّف ويقول: «لست أذكر ذلك الحديث» أو نحو ذلك، فما عليه جمهور أهل العلم وقول مالك والشافعي وأحمد في أصحّ الروايتين عنه أنَّ ذلك لا يقدح في الخبر بل يقبل ويعمل به، وبه قال أهل الحديث، ونسب القول إلى محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة(36)، وقد استدلَّ له المصنَّف بإلحاق فرع النسيان على الموت إلحاقًا قياسيًّا، فإنَّه إذا كان موته لا يسقط العمل به فكذلك نسيانه، ومن الأدلة التي استند إليها الجمهور ما ثبت في سنن أبي داود عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»، فذكر ذلك لسهيل فقال: «أخبرني ربيعة ‑وهو ثقة عندي‑ أني حدَّثته إيَّاه ولا أحفظه»(37)، ولم ينكره أحد من التابعين فكان ذلك إجماعًا على قَبول الحديث والعمل به. ومن المعقول أنَّ الفرع موصوف بالعدالة والثقة، وقطع بهذه الرواية على الشيخ، والشيخ نسي ‑والنسيان غالب على الإنسان‑ ولم يكذبه، ولم ينكر حديثه، فالأصل أنّ الحافظ الصادق يقبل حديثه ويعمل به.
[ في الاحتجاج بترك العمل بما أنكره الأصل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في الصفحة نفسها:
«وَذَهَبَ الكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ العَمَلُ بهِ».
[م] وهو مذهب أكثر الأحناف، وغاية ما استدلُّوا به قياس الرواية على الشهادة في أنَّه لو شهد شاهدان على شهادة شاهدين فإذا نسي شاهدا الأصل الشهادة ولم يحفظوها فلا يجوز للحاكم القضاء بشهادة شاهدي الفرع فكذلك الرواية، ولا يخفى أنَّ هذا القياس فاسد للفرق بين الشهادة والرواية، فباب الشهادة أضيق من باب الرواية وأغلظ حُكمًا، حيث إنَّه اعتُبِر في الشهادة من الاحتياط والتأكُّد ما لم يُعتَبر مثله في الرواية.
[ في إنكار العدل رواية الفرع عنه صراحة ]
• وذكر الباجي -رحمه الله- في [ص 250] القسم الثاني من الضرب الثاني: فيما إذا قطع أنَّه لم يحدث به بقوله: «وَأَمَّا إِذَا قَالَ: «لَمْ أَرْوِهِ قَطُّ» فَهَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بهِ جُمْلَةً».
[م] والمراد بهذا الضرب: إنكار الشيخ العدل الخبر الذي رواه عنه الفرع إنكارًا صريحًا وهو على قسمين:
‑ إمَّا أن يصرِّح بأنَّ الخبر من مروياته إلاَّ أنَّه نفى نفيًا صريحًا بعدم تحديث الراوي به، فهذا لا يمنع من الاحتجاج لصحَّة الخبر من جهة المروي عنه لا من جهة الراوي؛ لأنّ روايته من جهة الراوي تبطل.
‑ وإمَّا أن ينكر الشيخ روايةَ الفرع عنه إنكار تكذيب وجحودٍ صراحةً كأن يقول: «لَمْ أَرْوِهِ لَهُ قَطُّ» أو يقول: «كَذَبَ عَلَيَّ»، فقد حكى الآمدي وابن الحاجب وغيرهما الإجماع على عدم الاحتجاج به، والصحيح أنَّ هذه المسألة موضع اجتهاد واختلاف رأي، فمذهب الأكثرين عدم العمل به خلافًا لتاج الدِّين السبكي وأبي المُظفَّر السمعاني وأبي الحسن القطان وابن الوزير وغيرهم(38)، ومذهب الجمهور أقوى لأنَّ كلا منهما مكذِّب للآخر فيما يدَّعيه، وهذا موجب للقدح في الحديث، لكنَّه لا يوجب جرح واحد منهما على التعيين لقيام الشكِّ في كذبه، ولمّا كانت العدالة متيقّنة ـ وهي الأصل ـ فلا يجوز أن يترك اليقين إلاَّ بيقين مثله لا بالشكِّ.
والخلاف له آثاره من الناحية العملية من جهة أنَّ من احتجَّ بحديثه عمل بمقتضى الحديث، ومن لم يحتجّ به امتنع عن العمل بمقتضى الخبر.
فـصل
[ في قبول الزيادة في رواية العدل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 251]:
«وَرِوَايَةُ العَدْلِ الثَبْتِ المَشْهُورِ بالحِفْظِ والإِتْقَانِ الزِيَادَةَ فِي الخَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مَعْمُولٌ بهَا خِلاَفًا لِبَعْضِ أَهْلِ الحَدِيثِ».
[م] في تحرير محلّ النِّزاع يفرّق بين ما إذا كانت الزيادة مخالفة للمزيد عليه بحيث لا يسع الجمع ولا الترجيح بين المتعارضين فيصار إلى المرجِّح الخارجي، وبين ما إذا كانت الزيادة موافقة للمزيد عليه، وفي هذه الحالة إذا علم تعدّد المجلس قبلت الزيادة اتفاقًا لجواز أن يذكر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة في مجلس ويتركها في آخر، أمَّا إذا لم يعلم تعدّده فإنه تقبل الزيادة من العدل الثقة الذي يترجّح صدقه تقديمًا للمثبت على النافي، أمَّا إذا علم اتحاد المجلس فيختلف الأمر بين من نقل الزيادة الذي يكون واحدًا وبين من نقل الخبر بدون تلك الزيادة الذي يكون الناقل فيه جماعة، والخبر أضبط في الجماعة من الواحد لذلك لا تقبل الزيادة لانفراد رواية الثقة بزيادة يخالف فيها ما رواه الثقات فهو مردود لشذوذه.
أمَّا إذا كان ناقل الزيادة واحدًا وناقل الخبر بدون زيادة كذلك، فإنَّه في حال مساواتهما عددًا ينظر في ناقل الزيادة إن كان مشتهرًا بالعدالة والضبط والحفظ قبلت زيادته لتلك الصفات العالقة به، وإن كان ناقل الخبر بدون زيادة هو المشتهر بالحفظ والضبط والثقة والعدالة فلا تقبل تلك الزيادة.
أمَّا إذا استوى ناقل الزيادة أو ناقل الخبر المجرَّد عنها في الضبط والعدالة والحفظ فهذا موضع الخلاف، والصحيح ما رجَّحه المصنِّف من أنَّ الزيادة معمول بها(39) سواء كانت الزيادة لفظية كرواية: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»(40) بزيادة «الواو»، أو معنوية كدخول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة وأنَّه صَلَّى بين العمودين اليمانيين(41)؛ لأنَّ الثقة لو انفرد بنقل الحديث قُبل وعمل به فكذلك لو انفرد بزيادة ولا فرق بينهما.
والخلاف معنويٌّ فمن اعتبر الزيادة عمل بمقتضاها المثبت، ومن منعها عمل بمقتضى الخبر المجرّد عنها وأهمل الزيادة.
فـصل
[ في حكم العمل بالإجازة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 252]:
«يَجِبُ العَمَلُ بمَا نَُقَِلَ عَلَى وَجْهِ الإِجَازَةِ، وَبهِ قَالَ عَامَّةُ العُلَمَاءِ».
[م] الإجازة أن يَأْذَنَ الشيخُ لغيره بأن يرويَ عنه مروياته أو مؤلَّفاته، وكأنها تتضمَّن إخباره بما أذن له بروايته عنه وهي على أنواع منها:
1- إجازة من معيِّن لمعَّين في معيَّن، بأن يقول الشيخ للراوي عنه: «أجزتك أن تروي عنِّي هذا الكتاب، أو هذه الكتب»، وهي المناولة فهي جائزة عند الجماهير حتى الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها؛ لأنّها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع(42)، والمناولة في حقيقة الأمر تُعدُّ قسمًا من أقسام الإجازة؛ لأنّ الشيخ لو اكتفى على مجرّد المناولة بالفعل دون اللفظ لم تجز الرواية مطلقًا كأن يعطيه الكتاب ولم يقل له: «إروه عني»، أمّا إذا اقتصر على اللفظ دون مناولة لجازت الرواية عند الجمهور.
2- إجازة لمعيِّن في غير معيَّن، مثل أن يقول الشيخ: «أجزت لك أن تروي عني ما أرويه»، أو «ما صحّ عندك من مسموعاتي ومصنَّفاتي» فهذا جائز عند الجمهور روايةً وعملاً.
3- إجازة معيِّن لغير معيَّن، [أو إجازة معيِّن لمعيَّن بوصف عامٍّ]: مثل أن يقول الشيخ: «أجزت للمسلمين»، أو «لمن قال: لا إله إلاَّ الله»، أو «لمن أدرك حياتي الكتاب الفلاني» وسُمِّي هذا النوع: «الإجازة العامَّة»، وقد اعتبرها طائفة من الحفَّاظ والعلماء، فمِمَّن جوَّزها الخطيب البغدادي(43) ونقلها عن شيخه أبي الطيب الطبري وجوزها محدِّثو المغاربة رحمهم الله، ومنعها آخرون وهو الصحيح(44).
4- إجازة لمعيَّن بمجهول من الكتب مثل أن يقول الشيخ: «أجزتك كتاب السنن» وهو يروي كُتُبًا في السنن، أو «أجزت لمحمِّد بن عليّ» وهم جماعة مشتركون في الاسم، فحكم هذا النوع البطلان لعدم اتضاح المراد منها(45).
5- الإجازة للمعدوم مثل أن يقول: «أجزت لمن يولد لفلان» فالصحيح أنَّها إجازة فاسدة؛ لأنَّ الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز، فكما لا يصحّ الإخبار بالمعدوم لا تصحُّ الإجازة له، أمَّا إجازة من يوجد مطلقًا فلا يجوز إجماعًا(46).
6- إجازة المُجاز مثل أن يقول الشيخ: «أجزتك ما أجيز لي روايته»، قال النووي(47): «والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وبه قطع الحفاظ»(48).
وفي هذا الموضع ذكر المصنِّف خلافًا في حكم الرواية بالإجازة غير أنَّه ادعى الإجماع على جواز الرواية بها في: «إحكام الفصول» بقوله: «ولا خلاف في ذلك بين سلف الأُمّة وخلفها»(49)، ونقضه ابن الصلاح بما رواه الشافعي: أنَّه منع الرواية بها، وقال: «وبذلك قطع الماوردي، وعزاه إلى مذهب الشافعي، وكذلك قطع بالمنع القاضي ابن محمّد المَرْوَرَّوذي صاحب التعليقة، وقالا جميعًا: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة»(50).
وقول المصنِّف بأنَّ وجوب العمل بالإجازة قال به عامَّة العلماء ليس كذلك؛ لأنَّ كثيرًا من العلماء المتقدِّمين أبطلوا العمل بها. قال بعضهم: «من قال لغيره: «أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع» فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب عليّ؛ لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع»(51).
[ مذهب أهل الظاهر في العمل بالإجازة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 252]:
«وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لاَ يَجُوزُ العَمَلُ بالإِجَازَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مُنَاوَلَةً وَأَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ المُجِيزُ...».
[م] مذهب ابن حزم الظاهري إبطال الإجازة مطلقًا وقد اعتبرها بدعة، قال -رحمه الله-: «وأمَّا الإجازة التي يستعملها الناس فباطل، ولا يجوز لأحد أن يجيز الكذب...»(52). أمَّا النوع الأول من أنواع الإجازة وهي المناولة فقد تقدَّم جوازها عند الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها، أي يجيزون من تحمل بالإجازة أن يَرْوِيَ ما تحمَّله ويُحدِّث به، ولكن لا يجوز له أن يعمل به؛ لأنَّه يجرى مجرى المرسل(53). قال ابن الصلاح: «وهذا باطل؛ لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في إيصال المنقول بها والثقة به»(54)، ولأنَّ الشيخ المجيز إذا قال للراوي: «هذا كتاب مسموعي فاروه عني»، فهو بمثابة الراوي إذا قرأ على الشيخ ‑وهو ساكت‑ بجامع أنَّ الشيخ لم يتكلَّم بما في داخل الكتاب ومسموعاته.
هذا، وغاية ما يستدلُّ به المانعون للرواية بالإجازة والمناولة قياسهما على الشهادة، حيث إنها لا تصحّ بالإجازة والمناولة فتلحق بها الأخبار، وجوابه: أنه قياس مع ظهور الفارق بين الشهادة والرواية، فالرواية تجوز مع وجود شيخه الذي أخبر به الخبر ولا تجوز في الشهادة، حيث إن شاهد الفرع لا يقبل مع وجود شاهد الأصل بخلاف الرواية فهي أعمَّ من الشهادة، والشهادة أخصّ وأدقّ وآكد من الرواية لذلك يتعذَّر القياس(55).
والذي رجَّحه العلماء أنها جائزة، يُروى بها ويُعمل، وأنَّ السماع أقوى منها، قال ابن الصلاح -رحمه الله-: «إِنَّ الذي استقرَّ عليه العمل، و قال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث و غيرهم القول بتجويز الإجازة و إباحة الرواية بها»(56).
واستحسن العلماءُ الإجازة من العالم لمن كان أهلاً للرواية ومشتغلاً بالعلم لا للجهال ونحوهم.
1- السُّمَنِيَّةُ: فرقة تنسب إلى (سومنا) بلد في الهند، وكانوا يعبدون صنمًا اسمه (سومنات) كسره السلطان محمود بن سُبُكتكين، ولهم معتقدات غريبة وفاسدة كالقول بتناسخ الأرواح، وقدم العالم، وإنكار النظر وغيرها. [انظر: «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (170)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (2/113)].
2- البراهمة فرقة ضالة ظهرت في الهند تنسب إلى رجل يقال له: (برهام) كان يقول بنفي النبوات ووقوعها مستحيل في حكم العقل، ولها ضلالات أخرى، وانقسمت إلى فرق. [انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني: (3/342)].
3- هو أبو الحسن علي بن محمَّد بن عبد الله الحميري الكتاني الفاسي الحافظ ابن القطان قاضي الجماعة، كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأشدُّهم عناية بالرواية وأسماء الرجال صنف «الوهم والإيهام على الأحكام الكبرى لعبد الحقّ الإشبيلي»، توفي -رحمه الله- سنة (628ه).
[انظر: ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (22/306)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/128)، «شجرة النور الزكية» لمخلوف (179)].
4- انظر هذه المسألة في المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (234).
5- «قواعد أصول الحديث» د. أحمد عمر هاشم (143).
6- هو أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، المشهور بابن عُلَيَّة وهي أمه، حافظ فقيه ثقة، توفي سنة (193ه).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي: (6/229)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (9/107)، «شذرات الذهب» لابن العماد (1/333).
7- انظر: «إحكام الفصول» للباجي (331)، «التبصرة» للشيرازي (303)، «العدة» لأبي يعلى (3/859)، «تيسير التحرير» لبادشاه (3/82)، والمصادر المثبة على هامش «الإشارة» (235).
8- انظر: كتب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ورسله إلى الملوك وأمراءه في «زاد المعاد» لابن القيم (1/119-126).
9- وهو حديث طويـل أخرجه الشـافعي في «الأم» (4/ 174)، وأحمد في «مسنده» (1/ 190)، والبخاري مختصرًا (2/ 257)، وأبو داود (3/ 431)، والترمذي (4/ 146)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (9/ 189)، والبغوي في «شرح السُّنَّة» (11/168)، وأبو عبيد في «الأموال» (21)، والحديث صَحَّحَه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/ 260).
10- أخرجه مسلم (10/ 200)، في «البيوع»، باب: كراء الأرض، والنسائي في «سننه» (7/ 8)، وابن ماجه في «سننه» (2/ 819)، وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. انظر ألفاظه وطرقه في «إرواء الغليل» للألباني (5/ 297 ـ 301).
11- أخرجه أبو داود (4573) في «الديات» باب دية الجنين، و الحديث ضَعَّف إسنادَه الألبانيُّ في «ضعيف سنن أبي داود» (3/379)، وثبت عن المسور ابن مخرمة: «أَنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى فِيهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ فَأَتَاهُ بِمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةِ». (أخرجه البخاري في «الديات» (12/ 247) باب جنين المرأة، ومسلم في «القسامة» (11/ 179) باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ، وأبو داود في «الديات» (4570) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.).
12- أخرجه البخاري (4488) في «التفسير» باب: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا﴾ الآية، ومسلم (5/10) في «المساجد ومواضع الصلاة»، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
13- «إرشاد الفحول» للشوكاني (64).
14- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (77).
15- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (244).
16- انظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (49)، و«توضيح الأفكار» للصنعاني (1/317).
17- «تدريب الراوي» للسيوطي (1/171).
18- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبتة على هامش «الإشارة» (241).
19- أخرجه أبو داود (4/68)، و الحاكم في «المستدرك» (1/95). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (3/1).
20- أخرجه الترمذي (10/123) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (6/41).
21- «جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للحافظ العلائي (33) وما بعدها.
22- «منهاج السُّنَّة النبوية» لابن تيمية (4/117).
23- «الإحكام» للآمدي (1/229-300). انظر: «جامع التحصيل» للعلائي (67).
24- «تدريب الراوي» للسيوطي (1/163).
25- انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (240).
26- هو أبو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، القرشي المدني نزيل الشام، أحد التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافظ زمانه، عالِمًا في الدِّين والسياسة، انتهت إليه رئاسة العلم في وقته، له روايات كثيرة، توفي سنة (124ه).
انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» للبخاري (1/220-221)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/71-72)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/177-179)، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/360)، «البداية والنهاية» لابن كثير (9/340-344)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/326-351)، «وفيات ابن قنفذ» (31)، «التبيين لأسماء المدلسين» للعجمي (50)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/445-451)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (49-50).
27- «فتح المغيث» للسخاوي (1/143).
28- هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، أحد الأئمة، من حفاظ الحديث، تقوم شهرته ومكانته على كتابه «الجامع الصحيح» الذي يفضله المغاربة على «صحيح البخاري» لما امتاز به من جمع الطرق وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ من غير تقطيع ولا رواية بالمعنى هذا، وقد كان مسلم من أوعية العلم، ثقة جليل القدر، له مؤلفات منها: «العلل»، و«الكنى»، و«الطبقات»، و«التاريخ»، توفي سنة (261ه).
انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/182)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (13/100)، «اللباب» لابن الأثير (3/38)، «الكامل» لابن الأثير (7/289)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (5/194)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/557)، «مرآة الجنان» لليافعي (2/174)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/33)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/126)، «شذرات الذهب» لابن العماد (2/144).
29- «إرشاد الفحول» للشوكاني (65). والقصة جاءت في «مقدمة الصحيح» بسند الإمام مسلم عن طاووس (1/80).
30- «الإحكام» للآمدي (1/301).
31- هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (173).
32- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (246).
33- أخرجه البخاري (2/219) في «صفة الصلاة» باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، ومسلم (390) في «الصلاة» باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، وأبو داود ( 721) (722) (741) (742) (743) في «الصلاة» باب افتتاح الصلاة، والترمذي (255) في «الصلاة» باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، والنسائي (2/121 و122) في «الافتتاح»، باب العمل في افتتاح الصلاة، وباب رفع اليدين قبل التكبير، وباب رفع اليدين حذو المنكبين، وباب رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
34- أخرجه الشافعي في «مسنده» (275)، وأحمد (6/47)، والحميدي في «مسنده» (1/112)، والدارمي في «سننه» (2/137)، وأبو داود (2/566)، والترمذي (3/407)، وابن ماجه (1/605)، والحديث حسّنه الترمذي، وصحَّحه أبو عوانة، وابن حبان، والحاكم .[نظر: «نصب الراية» للزيلعي (3/184)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (3/156)، «إرواء الغليل» للألباني (6/243)].
35- أخرجه ابن ماجه [(1/606) 1882]، والدارقطني [(3/159) 3495]، والبيهقي (7/110) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه و تمامه: «...ولا تزوَّج المرأة نفسها، فإنَّ الزانية هي التي تزوَّج نفسها»، و الحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (6/248(1841)، وفي «صحيح ابن ماجه» [(2/130) 1539] دون جملة الزانية.
36- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الإشارة» (249).
37- أخرجه أبو داود في «الأقضية» [(4/34) 3610]، باب القضاء باليمين والشاهد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/400).
38- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الاشارة» (250).
39- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبة على هامش «الإشارة» (252).
40- أخرجه مسلم (771) (202) في «صلاة المسافرين» باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وأخرجه الترمذي (266) في «الصلاة» باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
41- أخرجه الترمذي (874)، وابن ماجه (3063) من حديث بلال رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح الترمذي» (1/450).
42- «اختصار العلوم» لابن كثير (119).
43- انظر ترجمته في الجانب الدراسي من كتاب «الإشارة» (78).
44- المصدر السابق (119)، «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (122).
45- «تدريب الراوي» للسيوطي (2/33).
46- المصدر السابق (2/36).
47- هو أبو زكريا يحي بن شرف بن مري الشافعي، الملقب بمحيي الدين النووي، ولد ب «نوا»، من قرى حوران في بلاد الشام سنة (631ه)، كان إمامًا حافظًا عالمًا بالفقه إلى جانب الزهد والورع، ولي مشيخة دار الحديث، ولم يأخذ من مرتبها شيئًا، ولم يتزوج، من مؤلفاته: «شرح صحيح مسلم»، «المجموع شرح المهذب»، «رياض الصالحين»، توفي سنة (676ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» لابن السبكي (5/165)، «تذكرة الحفاظ» للذهبي (4/1470)، «طبقات الشافعية» لابن هداية الله الحسيني (225)، «البداية والنهاية» (13/278)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/354)، «الأعلام» للزركلي (8/149)، «الفتح المبين» للمراغي (2/81)، «معجم المؤلفين» لكحالة (13/202)، «الفكر السامي» للحجوي (2/4/341).
48- «تقريب النووي» (2/39).
49- «إحكام الفصول» للباجي (382).
50- «مقدمة ابن الصلاح» (72).
51- المصدر السابق الصفحة نفسها. انظر: «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (121).
52- «الإحكام» لابن حزم (2/147-148)، «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (121).
53- انظر: «الكفاية» للخطيب البغدادي (348)، «مقدمة ابن الصلاح» (73)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (377)، «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (119)، «الإبهاج» للسبكي وابنه (2/335)، «تدريب الراوي» للسيوطي (2/29)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (2/501).
54- «مقدمة ابن الصلاح» (73).
55- انظر المصادر الأصولية والحديثية المثبتة على هامش «الإشارة» (254).
56- المصدر السابق: الصفحة نفسها. ذكر العلاَّمة أحمد محمَّد شاكر -رحمه الله- كلامًا متَّجهًا في هذه المسألة من «الباعث الحثيث» (122) هذا نصّه: «أقول: وفي نفسي من قَبول الرواية بالإجازة شيء، وقد كانت سببًا لتقاصر الهمم عن سماع الكتب سماعًا صحيحًا بالإسناد المتّصل بالقراءة إلى مؤلِّفيها، حتى صارت في الأعصر الأخيرة رسمًا يرسم، لا عِلمًا يُتلقَّى ويُؤخذ، و لو قلنا بصحَّة الإجازة إذا كانت بشيء معيّن من الكتب لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين لكان هذا أقرب إلى القَبول، ويمكن التوسُّع في الإجازة لشخص أو أشخاص معيّنين مع إبهام الشيء المجاز كأنه يقول له: «أجزت لك رواية مسموعاتي»، أو «أجزت رواية ما صحَّ و ما يصحُّ عندك أني أرويه»، أمّا الإجازات العامّة، كأن يقول: «أجزت لأهل عصري»، أو «أجزت لمن شاء»، أو «لمن شاء فلان»، أو للمعدوم ونحو ذلك، فإني لا أشكّ في عدم جوازها».