حفيد الصالحين
07-10-2011, 03:04 PM
http://www.ferkous.com/image/gif/C0.gif
-الجزء السابع عشر-
[ في ترجيح الخبر المتفق على رفعه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 333]:
«وَالخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الخَبَرَيْنِ مُتَّفَقًا عَلىَ رَفْعِهِ إِلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَيُقَدَّمُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الخَطَأِ وَالسَّهْوِ».
[م] ويدخل هذا النوع في الترجيح باعتبار قوّة السند في مجموعه، وقد مثَّل له المصنِّف بحديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ العَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»(1)، الذي يدلُّ على أنَّه لا يعتق نصيب شريكه إلاَّ مع يسار المعتق وذلك بدفع القيمة لا مع إعساره وهو مذهب الجمهور وهو المشهور من مذهب مالك(2)، ويعارضه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا(3) لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»(4)، الذي يدلُّ على أنَّه يعتق العبد جميعه وإن لم يكن للمعتق مال فإنه يستسعى العبد في حصَّة الشريك، وهو مذهب أبي حنيفة وسائر الكوفيِّين(5)، وعند الجمهور أنَّ زيادة «اسْتُسْعِيَ العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» مختلف في رفعها ووقفها فيقدَّم حديث ابن عمر رضي الله عنهما بدون تلك الزيادة؛ لأنَّه خبر متفق على رفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم(6).
هذا والمسألة خلافية(7)، ومثاله -أيضًا- في حكم الأضحية ما استدلَّ به الجمهور بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»(8)، الذي ليس فيه دلالة على وجوب الأضحية بل غاية ما يدلُّ عليه استحبابها، ويعارضه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا»(9)، وقد استدلَّ به الأحنافُ وبعضُ المالكية على أنَّ الأضحيةَ واجبةٌ على الموسِرِ(10)، وقد رجَّح الجمهورُ بحديث أُمِّ سلمةَ رضي الله عنها؛ لأنَّه متَّفقٌ على رفعِهِ، بينما حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مُختلَفٌ في رفعه ووقفه، قال ابن حجر: «صحَّحه الحاكم، ورجَّح الأئمَّةُ غيرهُ وقفَه»(11)، وقال -أيضًا-: «رجالُه ثقاتٌ، لكن اختُلِفَ في رفعه ووَقْفِهِ، والموقوفُ أَشْبَهُ بالصواب»(12)(13).
[ في ترجيح خبر من لم تختلف الرواية عنه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 334]:
«وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الخَبَرَيْنِ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ رَاوِيهِ فَيُرْوَى عَنْهُ إِثْبَاتُ الحُكْمِ وَنفْيُهُ، وَرَاوِي الخَبَرِ الآخَرِ لاَ تَخْتَلِفُ الرُّوَاةُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْهُ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ».
[م] وهذا النوعُ معدودٌ من الترجيح باعتبار حال الراوي، فالرواية التي لا تختلف عن راوي الخبر مُقدَّمةٌ عند الجمهور عن رواية مَن يختلف الرواة عنه(14)، لسلامته من الاضطراب، ولعناية الرُّواة بحفظ ما رواه فكان أَوْلَى بالتقديم، وعند بعض الشافعية وجهان: الأَوَّل: تتعارض الروايتان وتسقطان، وتبقى روايةُ من لم يختلف عنه الرواية. وقريبًا من هذا قولُ ابنِ عقيلٍ(15) من الحنابلة، والثاني: يرجّح إحدى الروايتين عمَّن اختلف عنه الرواية الأخرى بمعاضدة رواية من لم تختلف عنه الرواية(16).
هذا، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول» بما روى عمر رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتىَّ تَغْرُبَ الشَّمْسُ»(17)، الذي يدلُّ على أنَّه لاَ نافلةَ بعد العصر، ويعارضُه ابنُ حزم بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «مَا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»(18)، وقد روى عنها رضي الله عنها ما يوافق الروايةَ الأُولى في النهي عن الصلاة حتى تغرب الشمس، أي: أنَّه رُوِيَ عنها النفيُ والإثباتُ بخلافِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه فلم يُرْوَ عنه إلاَّ النفي فقط، فكان الأخذ به أَولى؛ لأنَّه أبعد من الاضطراب(19)(20).
ومثاله -أيضًا- ترجيح حديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ(21)، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ(22)»(23)، على حديث عمرو بن حزم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتُؤْنِفَتِ الفَرِيضَةُ»(24)، فإنه يروى عن عمرو بن حزم رضي الله عنه مثل رواية ابن عمر رضي الله عنهما(25).
[ في ترجيح خبر صاحب القصة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 334]:
«وَالسَّابعُ: أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الخَبَرَيَنِ هُوَ صَاحِبُ القِصَّةِ، وَالمُتَلَبِّسُ بهَا، وَرَاوِي الخَبَرِ الآخَرِ أَجْنَبيًّا فَيُقَدَّمُ خَبَرُ صَاحِبِ القِصَّةِ؛ لأَنَّهُ أَعْلَمُ بظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَأَشَدُّ إِتْقَانًا بحِفْظِ حُكْمِهَا».
[م] فهذا يندرج في الترجيح باعتبار حال الراوي، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول»(26) بحديث ميمونة رضي الله عنها: «أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ»(27)، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»(28)، وقد رجَّح جمهور العلماء حديث ميمونة رضي الله عنها؛ لأنَّها صاحبة القصَّة والمباشرة لها، فقد حدَّثت بنفسها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوَّجها وهو حلال، وصاحب الواقعة أعلم بشأنه وأدرى بحاله من غيره(29)، وأيَّد الجمهورُ ذلك بحديث عثمان رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَنْكِحُ المحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ»(30)، وهو قولٌ يُرجَّح على الفعل لتعدِّي القول إلى الغير(31)، وخالف في ذلك الأحناف، وقدَّموا حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنَّه أقوى سَنَدًا من معارضه، وأوَّلوا حديث عثمان رضي الله عنه بأنَّ المراد بالنكاح الوطء لا العقد(32). والأظهر في هذه المسألة مذهب الجمهور؛ لأنَّ رواية «تزوَّجها وهو حلال» رواها أكثر الصحابة رضي الله عنهم ولم يَرْوِ أنَّها تزوجها وهو مُحْرِمٌ إلاَّ ابن عباس وحده وقد كان صغيرًا غير مباشر للقصة(33)، ومع ذلك يمكن تأويله «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» أي: في الحرم أو في الشهر الحرام وهذا شائع في اللغة والعرف(34)، وأمَّا تأويل الحنفية النكاح بالوطء لا بالعقد فقد تقدَّم بيانه في أقسام الحقيقة من باب بيان الأسماء العرفية(35)، ومع ذلك يمكن حمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه من خصائص النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فيكون فِعلُه مخصِّصًا له من عموم التحريم(36).
[ في الترجيح بموافقة عمل أهل المدينة لأحد الخبرين ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 335]:
«وَالثَّامِنُ: إِطْبَاقُ أَهْلِ المَدِينَةِ عَلَى العَمَلِ بمُوجبِ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ، فَيَكُونُ أَوْلىَ مِنْ خَبَرِ مَنْ يُخَالِفُ عَمَلَ أَهْلِ المَدِينَةِ، لأَنَّهَا مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَمُجْتَمَعُ الصَّحَابَةِ فَلاَ يَتَّصِلُ العَمَلُ فيهَا إِلاَّ بأَصَحِّ الرِّوَايَاتِ».
[م] هذا الوجه من الترجيح بدليلٍ خارجيٍّ لا يتعلَّق بالسند ولا بالمتن وإنَّما هو خارج عنهما، وله أثر في ترجيح أحد الخبرين عند تعارضهما، ويتمثَّل الدليل الخارجي في هذا الوجه بترجيح ما عمل به أهل المدينة، وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليِّين من ترجيح أحدِ الدليلين بموافقة عمل أهل المدينة وإن لم يكن حُجَّة، معلِّلين ذلك بأنَّ المدينة دار الحديث، وموطن الأثر، ومستقرّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وقد أتيح لأهلها ما لم يتح لغيرهم، وقد خالف في ذلك ابن حزم وأبو يعلى وابن عقيل والمجد بن تيمية والطوفي وبعض الحنفية بالنظر إلى أنَّ المدينة بلد فلا يرجّح بأهله كسائر البلدان، وقد أجيب بأنَّه لا يتصل العمل فيها إلاَّ بأصحِّ الروايات بالنسبة إلى خصوصيات المدينة المتقدِّمة(37)، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول» بصفة الأذان، فقد روى مسلم عن أبي محذورة رضي الله عنه تثنية الأذان(38)، كما روى أصحاب السنن عنه تربيعه(39)، فرجَّحت رواية التثنية لإجماع أهل المدينة على العمل عليها(40)، وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى ترجيح رواية تربيع التكبير التي أخذ بها الشافعي(41) وغيره(42)؛ لأنَّها زيادة مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها ولموافقتها لرواية «عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً…»(43)، وأظهر القولين الجمع والتوفيق بين الأخبار بحملها على التنوُّع وهو أولى من الترجيح، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والصواب في هذا كُلِّه أنَّ كُلَّ ما جاءت به السُّنَّة فلا كراهة لشيء منه، بل هو جائز»(44).
مثال آخر لترجيح ما عمل به أهل المدينة: في مسألة القضاء باليمين والشاهد، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهمْ، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلىَ المُدَّعَى عَلَيْهِ»(45)، فإنَّه يدلُّ على عدم جواز الحكم بيمين غير المدعى عليه عملاً بمفهوم المخالفة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ»(46)، الذي يفيد بإطلاقه جواز الحكم بيمين المدعي ومعها شاهد كما هو مصرّح بمنطوقه، وقد ذهب الجمهور إلى ترجيح حديث ابن عباس رضي الله عنهما الخاصّ بجواز القضاء بالشاهد واليمين؛ لأنَّه عمل به أهل المدينة(47)، وأنَّه منطوقٌ مقدَّم على المفهوم عند التعارض؛ ولأنَّه رواه أكثر من عشرين صحابيًّا(48)، خلافًا للأحناف الذين يمنعون العمل بالقضاء بشاهد ويمين؛ لأنَّه زيادة على النَّص القرآني في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة: 282]، والزيادة على النصِّ نسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز(49)، ومذهب الجمهور أقوى لما تقدَّم من وجوه الترجيح؛ ولأنَّ الناسخ والمنسوخ يلزم وروردهما على محلٍّ واحد وهذا غير متحقِّق في الزِّيادة على النَّصِّ إذا سُلِّم جَدَلاً أنَّ الزيادة على النَّصِّ نسخٌ، وقد تقدَّمت المسألة في حكم نسخ ما يتوقّف عليه صِحة العبادة(50)، وكذا نسخ القرآن والخبر المتواتر بخبر الآحاد(51).
[ في ترجيح الخبر بحسن النسق ودقة التقصي ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 336]:
«وَالتَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَشَدَّ تَقَصِّيًا لِلْحَدِيثِ وَأَحْسَنَ نَسَقًا لَهُ مِنَ الآخَرِ، فَيُقَدَّمُ حَدِيثُهُ عَلَيْهِ لأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اهْتِبَالِهِ بحُكْمِهِ وَبحِفْظِ جَمِيعِ أَمْرِهِ»..."يتبع".
1- أخرجه البخاري في «العتق» (5/151) باب إذا عتق عبدًا بين اثنين، أو أَمَة بين الشركاء، ومسلم في «العتق» (10/135)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2- انظر: «المعلم» للمازري (2/220)، «شرح مسلم» للنووي (10/138)، «فتح الباري» لابن حجر (5/159)، «سبل السلام» للصنعاني (4/271)، «نيل الأوطار» للشوكاني (7/240).
3- الشِّقْصُ والشَّقيصُ: النصيب في العين المشتركة من كلِّ شيء. [«النهاية» لابن الأثير (2/490)].
4- أخرجه البخاري في «العتق» (5/156) باب إذا عتق نصيبًا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة، ومسلم في «العتق» (10/137)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال ابن حجر في «الفتح» (5/158): «والذي يظهر أنَّ الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقًا لعمل صاحبي الصحيح، قال ابن دقيق العيد: حسبك بما اتفق عليه الشيخان، فإنَّه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعلّلوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليها مثل هذه التعليلات». [بتصرف].
5- انظر: «رؤوس المسائل الخلافية» للعكبري (6/1074)، والمصادر الحديثية السابقة.
6- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (333).
7- وقد ذهب بعضُ أهل التحقيق إلى الجمع بين الروايتين على وجهين:
الأول: أنَّ المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرِّق، ثمَّ يستسعي العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء لشريك سيده، ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وبه جزم البخاري. [«فتح الباري» لابن حجر (5/156)، «سبل السلام» للصنعاني (4/273)، «نيل الأوطار» للشوكاني (7/239-240)].
الثاني: أنَّ العبد يستمر في خدمة سيِّده الذي لم يعتق رقيقًا بقدر ماله من الرِّق، ومعنى غير مشقوق عليه أن لا يكلِّفه سيده من الخدمة فوق ما يطيقه ولا فوق حصته من الرق. [«سبل السلام» للصنعاني (4/273)].
ويصار إلى هذا الجمع لأنَّ العتق حصل بإعتاق السيد شقصه وليس فيه تعرّض لنفي الاستسعاء وعتق الباقي، والحديث صريح في الاستسعاء. [«العدة» للصنعاني (4/486)].
8- أخرجه مسلم في «الأضاحي» (13/138)، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة -وهو مريد التضحية- أن يأخذ من شعره، وأبو داود في «الأضاحي» (3/228) باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي، والترمذي في «الأضاحي» (4/102)، باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، والنسائي في أول كتاب «الأضاحي» (7/211)، من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها.
9- أخرجه ابن ماجه في «الأضاحي» (2/1044)، باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟ وأحمد في «المسند» (2/321)، والدارقطني في «الأشربة» وغيرها (4/189)، والبيهقي في «الضحايا» (9/260)، والحاكم في «الضحايا» (4/232) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والحديث حسَّنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (3/82) وفي «تخريج مشكلة الفقر» (102)، وفي «التعليق الرغيب» (2/103). [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (4/207)].
10- انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (1/429)، «المحلى» لابن حزم (7/355)، «المغني» لابن قدامة (8/617)، «المجموع» للنووي (8/385)، «فتح الباري» لابن حجر (10/463)، «شرح فتح القدير» لقاضي زادة (9/519)، «سبل السلام» للصنعاني (4/178).
11- «بلوغ المرام» لابن حجر (4/178) ومعه «سبل السلام».
12- «فتح الباري» لابن حجر (10/3).
13- ولعلَّ أظهر القولين مذهب القائلين بوجوب الأضحية على الموسر الذي يقدر عليها فاضلاً عن حوائجه الأصلية عملاً بحديث أبي هريرة رضي الله عنه ويؤيِّده ما رواه مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعرفة: «يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً». [أخرجه أبو داود في «الضحايا» (3/226)، والترمذي في «الأضاحي» (4/99) باب العتيرة، والنسائي في «الفرع والعتيرة» (7/167)، مقدّمة الفرع والعتيرة، وابن ماجه في «الأضاحي» (2/1045) باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟ من حديث مِخنف بن سليم رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «صحيح أبي داود» (2287)، وفي المشكاة (1478) التحقيق الثاني]. وقد نسخت العتيرة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» [أخرجه البخاري في «العقيقة» (9/596) باب الفرع والعتيرة، ومسلم في «الأضاحي» (13/135) باب الفرع والعتيرة، وأبو داود في «الأضاحي» (3/256) باب في العتيرة، والترمذي في «الأضاحي» (4/95) باب الفرع والعتيرة، والنسائي في «الفرع والعتيرة» (7/167)، وابن ماجه في «الذبائح» (2/1058) باب الفرع والعتيرة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
ولا يلزم من نسخ العتيرة نسخ الأضحية إذ لا تلازم بين الحكمين حتى يلزم من رفع أحد الحكمين رفع للآخر، وممَّا يرجِّح هذا القول ما رواه جُندَبُ بنُ سفيان البَجَلي قال: شهدت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ». [أخرجه البخاري في «الذبائح والصيد» (9/630) باب قول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»، ومسلم في «الأضاحي» (13/109) باب وقتها، والنسائي في «الضحايا» (7/224) باب الضحية قبل الإمام، وابن ماجه في «الأضاحي» (2/53)، باب النهي عن الأضحية قبل الصلاة من حديث جُندب البَجَليِّ رضي الله عنه]. وهو ظاهر الوجوب، لاسيما مع الأمر بالإعادة. [«السيل الجرار» للشوكاني (4/74)].
قال ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» [23/162-163]: «وأمَّا الأضحية فالأظهر وجوبها، فإنَّها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، وقد قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، فأمر بالنَّحر كما أمر بالصلاة… ثمَّ قال: ونفاة الوجوب ليس معهم نصّ، فإنَّ عمدتهم قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ»، قالوا: والواجب لا يُعلَّق بالإرادة، وهذا كلام مجمل، فإنَّ الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد، فيقال: إن شئت فافعله، بل يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام كقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ [آية: 6 من سورة المائدة]، وقد قدَّروا فيه: إذا أردتم القيام، وقدَّروا: إذا أردت القراءة فاستعذ، والطهارة واجبة، والقراءة في الصلاة واجبة، وقد قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ، لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: 27-28]، ومشيئة الاستقامة واجبة».
قلت: وأمَّا الاستدلال بالآثار المروية عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود رضي الله عنهم. [فقد أخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (4/293) برقم (8170)، والبيهقي (9/269) عن أبي سُرَيْحَةَ قال: «رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان»، كما أخرج عبد الرزاق (4/295) برقم (8180) والبيهقي (9/265) عن أبي وائل قال: قال أبو مسعود الأنصاري: «إنِّي لأدع الأضحى وإنِّي لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عليَّ»]، في سقوط وجوب الأضحية فإنَّه -فضلاً عن اختلاف الصحابة في حكمها- إلاَّ أنَّها معارضة للنصوص المرفوعة المتقدّمة وهي تشهد للقائلين بالوجوب على الموسر.
14- انظر: «العدة» لأبي يعلى (3/1031)، «المعونة في الجدل» للشيرازي (275)، «إحكام الفصول» (741)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226)، «شرح الفصول» للقرافي (423)، «المسودة» لآل تيمية (306)، «تقريب الوصول» لابن جزي (165)، «مفتاح الوصول» للتلمساني (633).
15- هو أبو الوفا علي بن عقيل بن محمَّد بن عقيل البغدادي، الفقيه الأصولي الواعظ، شيخ الحنابلة ببغداد في وقته، قال ابن رجب: «كان رحمه الله بارعًا في الفقه وأصوله، وله في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة، وكانت له يد طولى في الوعظ والمعارف»، له تصانيف مفيدة، منها: «كتاب الفنون»، و«الواضح في أصول الفقه»، و«الفصول في فقه الحنابلة»، و«الجدل على طريقة الفقهاء»، توفي سنة (513ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/259)، «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (526)، و«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/142)، «لسان الميزان» لابن حجر (4/243)، «المنهج الأحمد» للعليمي (2/215)، «شذرات الذهب» لابن العماد (4/35).
16- انظر: «المعونة في الجدل» للشيرازي (275)، «المسودة» لآل تيمية (306).
17- أخرجه البخاري في «الصلاة» (2/58)، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، ومسلم في «صلاة المسافرين» باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (6/111)، وأبو داود في «الصلاة» (2/56)، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، وابن ماجه في «إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها» (1/396)، باب النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر من حديث عمر رضي الله عنه.
18- أخرجه البخاري في «الصلاة» (2/64)، باب ما يصلِّي بعد العصر، ومسلم في «صلاة المسافرين» (6/122)، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وأبو داود في «الصلاة» (2/58)، باب من رخّص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة من حديث عائشة رضي الله عنها.
19- «إحكام الفصول» (741)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
20- هذا من حيث التمثيل، وإلاَّ فبالإمكان الجمع بين الروايتين بحمل عموم النهي الوارد في حديث عمر رضي الله عنه على خصوص زمن بداية اصفرار الشمس دون ما قبله الذي تصحُّ الصلاة فيه «لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ». [أخرجه أبو داود في «الصلاة» (2/55) باب من رخَّص فيهما إذا كانت الشمسُ مرتفعةً، والنسائي في «المواقيت» (1/280)، باب الرخصة في الصلاة بعد العصر، والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/458)، وأحمد (1/129، 141) من حديث علي رضي الله عنه، والحديث صحَّحه ابن حزم في «المحلى» (3/31)، والألباني في «الصحيحة» (1/1/181 (200)]، ويؤيِّده حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تُصَلُّوا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ عَلَى قَرْنِ شَيْطَانٍ وَصَلُّوا بَيْنَ ذَلِكَ مَا شِئْتُمْ». [رواه أبو يعلى في «مسنده» (2/200)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/2/16)]، وقد روى ابن حزم عن بلال مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاَةِ إِلاَّ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ». [أخرجه ابن حزم في «المحلى» (3/4)، وصحَّح إسناده الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/1/184)].
21- بنت لبون: ولد الناقة ما أتى عليه سنتان واستكملها ودخل في الثالثة. [«النهاية» لابن الأثير (4/228)].
22- الحِقَّة: ولد الناقة الداخلة في السنة الرابعة إلى آخرها، وسمي بذلك لأنَّه استحق الركوب والتحميل. [«النهاية» لابن الأثير (7/415)].
23- هو قطعة من حديث طويل: أخرجه أبو داود (2/224)، والترمذي (3/17)، وابن ماجه (1/573)، وأحمد (2/14، 15)، والدارمي (1/381)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (3/121)، والدارقطني في «سننه» (2/112)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/88) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الحاكم في «المستدرك» (1/393)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/431 (1568). [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (2/338)، «الدراية» لابن حجر (1/250)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (2/151)].
24- أخرجه أبو داود في «المراسيل» (111)، والنسائي (8/59)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/35)، والحاكم في «المستدرك» (1/395)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/89)، والحديث صحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (1/158، 7/268)، والمشكاة (465/ التحقيق الثاني)، وفي «صحيح الموارد» (1/349) (793).
25- «مفتاح الوصول» للتلمساني (633).
26- «إحكام الفصول» (742)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
27- أخرجه مسلم (9/196)، وأبو داود (2/422)، والترمذي (3/201)، وابن ماجه (1/632)، وأحمد (6/333)، والدارمي في «سننه» (2/38)، والدارقطني في «سننه» (3/261)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (5/66) من حديث ميمونة رضي الله عنها.
28- أخرجه البخاري (4/51، 7/509، 9/165)، ومسلم (9/196)، وأبو داود (2/423)، والترمذي (3/201)، والنسائي (5/191)، وابن ماجه (1/632)، والدارقطني في «سننه» (3/263) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
29- هذا ما عليه جمهور العلماء، وخالف في ذلك الجرجاني من أصحاب أبي حنيفة، انظر المصادر المثبتة على هامش «الإشارة» (334-335).
30- سبق تخريجه، انظر: (ص 67).
31- «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/96).
32- «فتح القدير» لابن همام (3/223)، «المغني» لابن قدامة (3/332).
33- «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «المغني» لابن قدامة (3/332).
34- المصدر السابق، «المجموع» للنووي (7/289)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/95).
35- انظر: (ص 184)، و«المجموع» للنووي (7/288).
36- «المغني» لابن قدامة (3/333)، «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/96).
37- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (335).
38- رواية أبي محذورة في سبع عشرة جملة بتثنية التكبير في أوله، أخرجها مسلم في «الصلاة» (4/80) في صفة الأذان، وأبو داود في «الصلاة» (1/341) باب كيف الأذان، والترمذي في «الصلاة» (1/366) باب ما جاء في الترجيع في الأذان، والنسائي في «الأذان» (2/3) باب خفض الصوت في الترجيع في الأذان من حديث أبي محذورة رضي الله عنه.
39- رواية أبي محذورة في تسع عشرة جملة بتربيع الأذان في أوله وزيادة الترجيع في الشهادتين أخرجها أبو داود في «الصلاة» (1/340) باب كيف الأذان، والترمذي في «الصلاة» مختصرًا (1/367) باب ما جاء في الترجيع في الأذان، والنسائي في «الأذان» (2/4) باب كم الأذان من كلمة، وابن ماجه في «الأذان» (1/335) باب الترجيع في الأذان من حديث أبي محذورة رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/201)، وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/148) رقم (500).
40- «إحكام الفصول» (742)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
41- «الأم» للشافعي (1/85).
42- انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (1/220)، «المغني» لابن قدامة (1/404)، «شرح مسلم» للنووي (4/81)، «نيل الأوطار» للشوكاني (2/101).
43- تقدم تخريجه في تربيع الأذان (ص 471).
44- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (22/337).
45- سبق تخريجه في (ص 426)، هامش رقم (2).
46- أخرجه مسلم في «الأقضية» (12/4)، باب القضاء باليمين والشاهد، وأبو داود في «الأقضية» (4/32) باب القضاء باليمين والشاهد، وابن ماجه في «الأحكام» (2/793)، باب القضاء باليمين والشاهد، وأحمد في «المسند» (1/323) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
47- «الكافي» لابن عبد البر (471).
48- «فتح الباري» لابن حجر (5/282)، «بدائع الصنائع» للكاساني (6/344)، «سبل السلام» للصنعاني (4/252)، «نيل الأوطار» للشوكاني (10/282).
هذا، والجمهور الذين ذهبوا إلى جواز الحكم بشاهد ويمين خصُّوا ذلك بالأموال لقول ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المتقدِّم: «نعم في الأموال»، قال الخطابي في «معالم السنن» (4/33): «وهذا خاصٌّ في الأموال دون غيرها؛ لأنَّ الراوي وقفه عليها، والخاصُّ لا يتعدَّى به محله، ولا يقاس عليه غيره واقتضاء العموم منه غير جائز؛ لأنه حكاية فعل، والفعل لا عموم له، فوجب صرفه إلى أمر خاصٍّ، فلمَّا قال الراوي: «هو في الأموال» كان مقصورًا عليه». قال الصنعاني في «سبل السلام» (4/253) معقِّبًا على الخطابي: «والحقُّ أنه لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلاَّ الحدّ والقصاص للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك».
49- انظر: «فتح الباري» لابن حجر (5/281)، «نيل الأوطار» للشوكاني (10/282).
50- انظر هذه المسألة مع مصادرها الأصولية في (ص 240).
51- انظر هذه المسألة مع مصادرها الأصولية في (ص 272).
-الجزء السابع عشر-
[ في ترجيح الخبر المتفق على رفعه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 333]:
«وَالخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الخَبَرَيْنِ مُتَّفَقًا عَلىَ رَفْعِهِ إِلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَيُقَدَّمُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الخَطَأِ وَالسَّهْوِ».
[م] ويدخل هذا النوع في الترجيح باعتبار قوّة السند في مجموعه، وقد مثَّل له المصنِّف بحديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ العَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»(1)، الذي يدلُّ على أنَّه لا يعتق نصيب شريكه إلاَّ مع يسار المعتق وذلك بدفع القيمة لا مع إعساره وهو مذهب الجمهور وهو المشهور من مذهب مالك(2)، ويعارضه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا(3) لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»(4)، الذي يدلُّ على أنَّه يعتق العبد جميعه وإن لم يكن للمعتق مال فإنه يستسعى العبد في حصَّة الشريك، وهو مذهب أبي حنيفة وسائر الكوفيِّين(5)، وعند الجمهور أنَّ زيادة «اسْتُسْعِيَ العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» مختلف في رفعها ووقفها فيقدَّم حديث ابن عمر رضي الله عنهما بدون تلك الزيادة؛ لأنَّه خبر متفق على رفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم(6).
هذا والمسألة خلافية(7)، ومثاله -أيضًا- في حكم الأضحية ما استدلَّ به الجمهور بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»(8)، الذي ليس فيه دلالة على وجوب الأضحية بل غاية ما يدلُّ عليه استحبابها، ويعارضه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا»(9)، وقد استدلَّ به الأحنافُ وبعضُ المالكية على أنَّ الأضحيةَ واجبةٌ على الموسِرِ(10)، وقد رجَّح الجمهورُ بحديث أُمِّ سلمةَ رضي الله عنها؛ لأنَّه متَّفقٌ على رفعِهِ، بينما حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مُختلَفٌ في رفعه ووقفه، قال ابن حجر: «صحَّحه الحاكم، ورجَّح الأئمَّةُ غيرهُ وقفَه»(11)، وقال -أيضًا-: «رجالُه ثقاتٌ، لكن اختُلِفَ في رفعه ووَقْفِهِ، والموقوفُ أَشْبَهُ بالصواب»(12)(13).
[ في ترجيح خبر من لم تختلف الرواية عنه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 334]:
«وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الخَبَرَيْنِ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ رَاوِيهِ فَيُرْوَى عَنْهُ إِثْبَاتُ الحُكْمِ وَنفْيُهُ، وَرَاوِي الخَبَرِ الآخَرِ لاَ تَخْتَلِفُ الرُّوَاةُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْهُ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ».
[م] وهذا النوعُ معدودٌ من الترجيح باعتبار حال الراوي، فالرواية التي لا تختلف عن راوي الخبر مُقدَّمةٌ عند الجمهور عن رواية مَن يختلف الرواة عنه(14)، لسلامته من الاضطراب، ولعناية الرُّواة بحفظ ما رواه فكان أَوْلَى بالتقديم، وعند بعض الشافعية وجهان: الأَوَّل: تتعارض الروايتان وتسقطان، وتبقى روايةُ من لم يختلف عنه الرواية. وقريبًا من هذا قولُ ابنِ عقيلٍ(15) من الحنابلة، والثاني: يرجّح إحدى الروايتين عمَّن اختلف عنه الرواية الأخرى بمعاضدة رواية من لم تختلف عنه الرواية(16).
هذا، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول» بما روى عمر رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتىَّ تَغْرُبَ الشَّمْسُ»(17)، الذي يدلُّ على أنَّه لاَ نافلةَ بعد العصر، ويعارضُه ابنُ حزم بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «مَا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»(18)، وقد روى عنها رضي الله عنها ما يوافق الروايةَ الأُولى في النهي عن الصلاة حتى تغرب الشمس، أي: أنَّه رُوِيَ عنها النفيُ والإثباتُ بخلافِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه فلم يُرْوَ عنه إلاَّ النفي فقط، فكان الأخذ به أَولى؛ لأنَّه أبعد من الاضطراب(19)(20).
ومثاله -أيضًا- ترجيح حديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ(21)، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ(22)»(23)، على حديث عمرو بن حزم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتُؤْنِفَتِ الفَرِيضَةُ»(24)، فإنه يروى عن عمرو بن حزم رضي الله عنه مثل رواية ابن عمر رضي الله عنهما(25).
[ في ترجيح خبر صاحب القصة ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 334]:
«وَالسَّابعُ: أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الخَبَرَيَنِ هُوَ صَاحِبُ القِصَّةِ، وَالمُتَلَبِّسُ بهَا، وَرَاوِي الخَبَرِ الآخَرِ أَجْنَبيًّا فَيُقَدَّمُ خَبَرُ صَاحِبِ القِصَّةِ؛ لأَنَّهُ أَعْلَمُ بظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَأَشَدُّ إِتْقَانًا بحِفْظِ حُكْمِهَا».
[م] فهذا يندرج في الترجيح باعتبار حال الراوي، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول»(26) بحديث ميمونة رضي الله عنها: «أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ»(27)، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»(28)، وقد رجَّح جمهور العلماء حديث ميمونة رضي الله عنها؛ لأنَّها صاحبة القصَّة والمباشرة لها، فقد حدَّثت بنفسها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوَّجها وهو حلال، وصاحب الواقعة أعلم بشأنه وأدرى بحاله من غيره(29)، وأيَّد الجمهورُ ذلك بحديث عثمان رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَنْكِحُ المحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ»(30)، وهو قولٌ يُرجَّح على الفعل لتعدِّي القول إلى الغير(31)، وخالف في ذلك الأحناف، وقدَّموا حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنَّه أقوى سَنَدًا من معارضه، وأوَّلوا حديث عثمان رضي الله عنه بأنَّ المراد بالنكاح الوطء لا العقد(32). والأظهر في هذه المسألة مذهب الجمهور؛ لأنَّ رواية «تزوَّجها وهو حلال» رواها أكثر الصحابة رضي الله عنهم ولم يَرْوِ أنَّها تزوجها وهو مُحْرِمٌ إلاَّ ابن عباس وحده وقد كان صغيرًا غير مباشر للقصة(33)، ومع ذلك يمكن تأويله «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» أي: في الحرم أو في الشهر الحرام وهذا شائع في اللغة والعرف(34)، وأمَّا تأويل الحنفية النكاح بالوطء لا بالعقد فقد تقدَّم بيانه في أقسام الحقيقة من باب بيان الأسماء العرفية(35)، ومع ذلك يمكن حمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه من خصائص النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فيكون فِعلُه مخصِّصًا له من عموم التحريم(36).
[ في الترجيح بموافقة عمل أهل المدينة لأحد الخبرين ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 335]:
«وَالثَّامِنُ: إِطْبَاقُ أَهْلِ المَدِينَةِ عَلَى العَمَلِ بمُوجبِ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ، فَيَكُونُ أَوْلىَ مِنْ خَبَرِ مَنْ يُخَالِفُ عَمَلَ أَهْلِ المَدِينَةِ، لأَنَّهَا مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَمُجْتَمَعُ الصَّحَابَةِ فَلاَ يَتَّصِلُ العَمَلُ فيهَا إِلاَّ بأَصَحِّ الرِّوَايَاتِ».
[م] هذا الوجه من الترجيح بدليلٍ خارجيٍّ لا يتعلَّق بالسند ولا بالمتن وإنَّما هو خارج عنهما، وله أثر في ترجيح أحد الخبرين عند تعارضهما، ويتمثَّل الدليل الخارجي في هذا الوجه بترجيح ما عمل به أهل المدينة، وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليِّين من ترجيح أحدِ الدليلين بموافقة عمل أهل المدينة وإن لم يكن حُجَّة، معلِّلين ذلك بأنَّ المدينة دار الحديث، وموطن الأثر، ومستقرّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وقد أتيح لأهلها ما لم يتح لغيرهم، وقد خالف في ذلك ابن حزم وأبو يعلى وابن عقيل والمجد بن تيمية والطوفي وبعض الحنفية بالنظر إلى أنَّ المدينة بلد فلا يرجّح بأهله كسائر البلدان، وقد أجيب بأنَّه لا يتصل العمل فيها إلاَّ بأصحِّ الروايات بالنسبة إلى خصوصيات المدينة المتقدِّمة(37)، وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول» بصفة الأذان، فقد روى مسلم عن أبي محذورة رضي الله عنه تثنية الأذان(38)، كما روى أصحاب السنن عنه تربيعه(39)، فرجَّحت رواية التثنية لإجماع أهل المدينة على العمل عليها(40)، وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى ترجيح رواية تربيع التكبير التي أخذ بها الشافعي(41) وغيره(42)؛ لأنَّها زيادة مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها ولموافقتها لرواية «عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً…»(43)، وأظهر القولين الجمع والتوفيق بين الأخبار بحملها على التنوُّع وهو أولى من الترجيح، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والصواب في هذا كُلِّه أنَّ كُلَّ ما جاءت به السُّنَّة فلا كراهة لشيء منه، بل هو جائز»(44).
مثال آخر لترجيح ما عمل به أهل المدينة: في مسألة القضاء باليمين والشاهد، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهمْ، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلىَ المُدَّعَى عَلَيْهِ»(45)، فإنَّه يدلُّ على عدم جواز الحكم بيمين غير المدعى عليه عملاً بمفهوم المخالفة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ»(46)، الذي يفيد بإطلاقه جواز الحكم بيمين المدعي ومعها شاهد كما هو مصرّح بمنطوقه، وقد ذهب الجمهور إلى ترجيح حديث ابن عباس رضي الله عنهما الخاصّ بجواز القضاء بالشاهد واليمين؛ لأنَّه عمل به أهل المدينة(47)، وأنَّه منطوقٌ مقدَّم على المفهوم عند التعارض؛ ولأنَّه رواه أكثر من عشرين صحابيًّا(48)، خلافًا للأحناف الذين يمنعون العمل بالقضاء بشاهد ويمين؛ لأنَّه زيادة على النَّص القرآني في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة: 282]، والزيادة على النصِّ نسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز(49)، ومذهب الجمهور أقوى لما تقدَّم من وجوه الترجيح؛ ولأنَّ الناسخ والمنسوخ يلزم وروردهما على محلٍّ واحد وهذا غير متحقِّق في الزِّيادة على النَّصِّ إذا سُلِّم جَدَلاً أنَّ الزيادة على النَّصِّ نسخٌ، وقد تقدَّمت المسألة في حكم نسخ ما يتوقّف عليه صِحة العبادة(50)، وكذا نسخ القرآن والخبر المتواتر بخبر الآحاد(51).
[ في ترجيح الخبر بحسن النسق ودقة التقصي ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 336]:
«وَالتَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَشَدَّ تَقَصِّيًا لِلْحَدِيثِ وَأَحْسَنَ نَسَقًا لَهُ مِنَ الآخَرِ، فَيُقَدَّمُ حَدِيثُهُ عَلَيْهِ لأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اهْتِبَالِهِ بحُكْمِهِ وَبحِفْظِ جَمِيعِ أَمْرِهِ»..."يتبع".
1- أخرجه البخاري في «العتق» (5/151) باب إذا عتق عبدًا بين اثنين، أو أَمَة بين الشركاء، ومسلم في «العتق» (10/135)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2- انظر: «المعلم» للمازري (2/220)، «شرح مسلم» للنووي (10/138)، «فتح الباري» لابن حجر (5/159)، «سبل السلام» للصنعاني (4/271)، «نيل الأوطار» للشوكاني (7/240).
3- الشِّقْصُ والشَّقيصُ: النصيب في العين المشتركة من كلِّ شيء. [«النهاية» لابن الأثير (2/490)].
4- أخرجه البخاري في «العتق» (5/156) باب إذا عتق نصيبًا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة، ومسلم في «العتق» (10/137)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال ابن حجر في «الفتح» (5/158): «والذي يظهر أنَّ الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقًا لعمل صاحبي الصحيح، قال ابن دقيق العيد: حسبك بما اتفق عليه الشيخان، فإنَّه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعلّلوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليها مثل هذه التعليلات». [بتصرف].
5- انظر: «رؤوس المسائل الخلافية» للعكبري (6/1074)، والمصادر الحديثية السابقة.
6- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (333).
7- وقد ذهب بعضُ أهل التحقيق إلى الجمع بين الروايتين على وجهين:
الأول: أنَّ المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرِّق، ثمَّ يستسعي العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء لشريك سيده، ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وبه جزم البخاري. [«فتح الباري» لابن حجر (5/156)، «سبل السلام» للصنعاني (4/273)، «نيل الأوطار» للشوكاني (7/239-240)].
الثاني: أنَّ العبد يستمر في خدمة سيِّده الذي لم يعتق رقيقًا بقدر ماله من الرِّق، ومعنى غير مشقوق عليه أن لا يكلِّفه سيده من الخدمة فوق ما يطيقه ولا فوق حصته من الرق. [«سبل السلام» للصنعاني (4/273)].
ويصار إلى هذا الجمع لأنَّ العتق حصل بإعتاق السيد شقصه وليس فيه تعرّض لنفي الاستسعاء وعتق الباقي، والحديث صريح في الاستسعاء. [«العدة» للصنعاني (4/486)].
8- أخرجه مسلم في «الأضاحي» (13/138)، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة -وهو مريد التضحية- أن يأخذ من شعره، وأبو داود في «الأضاحي» (3/228) باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي، والترمذي في «الأضاحي» (4/102)، باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، والنسائي في أول كتاب «الأضاحي» (7/211)، من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها.
9- أخرجه ابن ماجه في «الأضاحي» (2/1044)، باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟ وأحمد في «المسند» (2/321)، والدارقطني في «الأشربة» وغيرها (4/189)، والبيهقي في «الضحايا» (9/260)، والحاكم في «الضحايا» (4/232) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والحديث حسَّنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (3/82) وفي «تخريج مشكلة الفقر» (102)، وفي «التعليق الرغيب» (2/103). [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (4/207)].
10- انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (1/429)، «المحلى» لابن حزم (7/355)، «المغني» لابن قدامة (8/617)، «المجموع» للنووي (8/385)، «فتح الباري» لابن حجر (10/463)، «شرح فتح القدير» لقاضي زادة (9/519)، «سبل السلام» للصنعاني (4/178).
11- «بلوغ المرام» لابن حجر (4/178) ومعه «سبل السلام».
12- «فتح الباري» لابن حجر (10/3).
13- ولعلَّ أظهر القولين مذهب القائلين بوجوب الأضحية على الموسر الذي يقدر عليها فاضلاً عن حوائجه الأصلية عملاً بحديث أبي هريرة رضي الله عنه ويؤيِّده ما رواه مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعرفة: «يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً». [أخرجه أبو داود في «الضحايا» (3/226)، والترمذي في «الأضاحي» (4/99) باب العتيرة، والنسائي في «الفرع والعتيرة» (7/167)، مقدّمة الفرع والعتيرة، وابن ماجه في «الأضاحي» (2/1045) باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟ من حديث مِخنف بن سليم رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «صحيح أبي داود» (2287)، وفي المشكاة (1478) التحقيق الثاني]. وقد نسخت العتيرة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» [أخرجه البخاري في «العقيقة» (9/596) باب الفرع والعتيرة، ومسلم في «الأضاحي» (13/135) باب الفرع والعتيرة، وأبو داود في «الأضاحي» (3/256) باب في العتيرة، والترمذي في «الأضاحي» (4/95) باب الفرع والعتيرة، والنسائي في «الفرع والعتيرة» (7/167)، وابن ماجه في «الذبائح» (2/1058) باب الفرع والعتيرة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
ولا يلزم من نسخ العتيرة نسخ الأضحية إذ لا تلازم بين الحكمين حتى يلزم من رفع أحد الحكمين رفع للآخر، وممَّا يرجِّح هذا القول ما رواه جُندَبُ بنُ سفيان البَجَلي قال: شهدت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ». [أخرجه البخاري في «الذبائح والصيد» (9/630) باب قول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»، ومسلم في «الأضاحي» (13/109) باب وقتها، والنسائي في «الضحايا» (7/224) باب الضحية قبل الإمام، وابن ماجه في «الأضاحي» (2/53)، باب النهي عن الأضحية قبل الصلاة من حديث جُندب البَجَليِّ رضي الله عنه]. وهو ظاهر الوجوب، لاسيما مع الأمر بالإعادة. [«السيل الجرار» للشوكاني (4/74)].
قال ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» [23/162-163]: «وأمَّا الأضحية فالأظهر وجوبها، فإنَّها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، وقد قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، فأمر بالنَّحر كما أمر بالصلاة… ثمَّ قال: ونفاة الوجوب ليس معهم نصّ، فإنَّ عمدتهم قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ»، قالوا: والواجب لا يُعلَّق بالإرادة، وهذا كلام مجمل، فإنَّ الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد، فيقال: إن شئت فافعله، بل يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام كقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ [آية: 6 من سورة المائدة]، وقد قدَّروا فيه: إذا أردتم القيام، وقدَّروا: إذا أردت القراءة فاستعذ، والطهارة واجبة، والقراءة في الصلاة واجبة، وقد قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ، لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: 27-28]، ومشيئة الاستقامة واجبة».
قلت: وأمَّا الاستدلال بالآثار المروية عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود رضي الله عنهم. [فقد أخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (4/293) برقم (8170)، والبيهقي (9/269) عن أبي سُرَيْحَةَ قال: «رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان»، كما أخرج عبد الرزاق (4/295) برقم (8180) والبيهقي (9/265) عن أبي وائل قال: قال أبو مسعود الأنصاري: «إنِّي لأدع الأضحى وإنِّي لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عليَّ»]، في سقوط وجوب الأضحية فإنَّه -فضلاً عن اختلاف الصحابة في حكمها- إلاَّ أنَّها معارضة للنصوص المرفوعة المتقدّمة وهي تشهد للقائلين بالوجوب على الموسر.
14- انظر: «العدة» لأبي يعلى (3/1031)، «المعونة في الجدل» للشيرازي (275)، «إحكام الفصول» (741)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226)، «شرح الفصول» للقرافي (423)، «المسودة» لآل تيمية (306)، «تقريب الوصول» لابن جزي (165)، «مفتاح الوصول» للتلمساني (633).
15- هو أبو الوفا علي بن عقيل بن محمَّد بن عقيل البغدادي، الفقيه الأصولي الواعظ، شيخ الحنابلة ببغداد في وقته، قال ابن رجب: «كان رحمه الله بارعًا في الفقه وأصوله، وله في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة، وكانت له يد طولى في الوعظ والمعارف»، له تصانيف مفيدة، منها: «كتاب الفنون»، و«الواضح في أصول الفقه»، و«الفصول في فقه الحنابلة»، و«الجدل على طريقة الفقهاء»، توفي سنة (513ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/259)، «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (526)، و«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/142)، «لسان الميزان» لابن حجر (4/243)، «المنهج الأحمد» للعليمي (2/215)، «شذرات الذهب» لابن العماد (4/35).
16- انظر: «المعونة في الجدل» للشيرازي (275)، «المسودة» لآل تيمية (306).
17- أخرجه البخاري في «الصلاة» (2/58)، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، ومسلم في «صلاة المسافرين» باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (6/111)، وأبو داود في «الصلاة» (2/56)، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، وابن ماجه في «إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها» (1/396)، باب النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر من حديث عمر رضي الله عنه.
18- أخرجه البخاري في «الصلاة» (2/64)، باب ما يصلِّي بعد العصر، ومسلم في «صلاة المسافرين» (6/122)، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وأبو داود في «الصلاة» (2/58)، باب من رخّص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة من حديث عائشة رضي الله عنها.
19- «إحكام الفصول» (741)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
20- هذا من حيث التمثيل، وإلاَّ فبالإمكان الجمع بين الروايتين بحمل عموم النهي الوارد في حديث عمر رضي الله عنه على خصوص زمن بداية اصفرار الشمس دون ما قبله الذي تصحُّ الصلاة فيه «لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ». [أخرجه أبو داود في «الصلاة» (2/55) باب من رخَّص فيهما إذا كانت الشمسُ مرتفعةً، والنسائي في «المواقيت» (1/280)، باب الرخصة في الصلاة بعد العصر، والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/458)، وأحمد (1/129، 141) من حديث علي رضي الله عنه، والحديث صحَّحه ابن حزم في «المحلى» (3/31)، والألباني في «الصحيحة» (1/1/181 (200)]، ويؤيِّده حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تُصَلُّوا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ عَلَى قَرْنِ شَيْطَانٍ وَصَلُّوا بَيْنَ ذَلِكَ مَا شِئْتُمْ». [رواه أبو يعلى في «مسنده» (2/200)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/2/16)]، وقد روى ابن حزم عن بلال مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاَةِ إِلاَّ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ». [أخرجه ابن حزم في «المحلى» (3/4)، وصحَّح إسناده الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/1/184)].
21- بنت لبون: ولد الناقة ما أتى عليه سنتان واستكملها ودخل في الثالثة. [«النهاية» لابن الأثير (4/228)].
22- الحِقَّة: ولد الناقة الداخلة في السنة الرابعة إلى آخرها، وسمي بذلك لأنَّه استحق الركوب والتحميل. [«النهاية» لابن الأثير (7/415)].
23- هو قطعة من حديث طويل: أخرجه أبو داود (2/224)، والترمذي (3/17)، وابن ماجه (1/573)، وأحمد (2/14، 15)، والدارمي (1/381)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (3/121)، والدارقطني في «سننه» (2/112)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/88) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الحاكم في «المستدرك» (1/393)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/431 (1568). [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (2/338)، «الدراية» لابن حجر (1/250)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (2/151)].
24- أخرجه أبو داود في «المراسيل» (111)، والنسائي (8/59)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/35)، والحاكم في «المستدرك» (1/395)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/89)، والحديث صحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (1/158، 7/268)، والمشكاة (465/ التحقيق الثاني)، وفي «صحيح الموارد» (1/349) (793).
25- «مفتاح الوصول» للتلمساني (633).
26- «إحكام الفصول» (742)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
27- أخرجه مسلم (9/196)، وأبو داود (2/422)، والترمذي (3/201)، وابن ماجه (1/632)، وأحمد (6/333)، والدارمي في «سننه» (2/38)، والدارقطني في «سننه» (3/261)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (5/66) من حديث ميمونة رضي الله عنها.
28- أخرجه البخاري (4/51، 7/509، 9/165)، ومسلم (9/196)، وأبو داود (2/423)، والترمذي (3/201)، والنسائي (5/191)، وابن ماجه (1/632)، والدارقطني في «سننه» (3/263) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
29- هذا ما عليه جمهور العلماء، وخالف في ذلك الجرجاني من أصحاب أبي حنيفة، انظر المصادر المثبتة على هامش «الإشارة» (334-335).
30- سبق تخريجه، انظر: (ص 67).
31- «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/96).
32- «فتح القدير» لابن همام (3/223)، «المغني» لابن قدامة (3/332).
33- «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «المغني» لابن قدامة (3/332).
34- المصدر السابق، «المجموع» للنووي (7/289)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/95).
35- انظر: (ص 184)، و«المجموع» للنووي (7/288).
36- «المغني» لابن قدامة (3/333)، «شرح مسلم» للنووي (9/194)، «نيل الأوطار» للشوكاني (6/96).
37- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (335).
38- رواية أبي محذورة في سبع عشرة جملة بتثنية التكبير في أوله، أخرجها مسلم في «الصلاة» (4/80) في صفة الأذان، وأبو داود في «الصلاة» (1/341) باب كيف الأذان، والترمذي في «الصلاة» (1/366) باب ما جاء في الترجيع في الأذان، والنسائي في «الأذان» (2/3) باب خفض الصوت في الترجيع في الأذان من حديث أبي محذورة رضي الله عنه.
39- رواية أبي محذورة في تسع عشرة جملة بتربيع الأذان في أوله وزيادة الترجيع في الشهادتين أخرجها أبو داود في «الصلاة» (1/340) باب كيف الأذان، والترمذي في «الصلاة» مختصرًا (1/367) باب ما جاء في الترجيع في الأذان، والنسائي في «الأذان» (2/4) باب كم الأذان من كلمة، وابن ماجه في «الأذان» (1/335) باب الترجيع في الأذان من حديث أبي محذورة رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/201)، وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/148) رقم (500).
40- «إحكام الفصول» (742)، «المنهاج» كلاهما للباجي (226).
41- «الأم» للشافعي (1/85).
42- انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (1/220)، «المغني» لابن قدامة (1/404)، «شرح مسلم» للنووي (4/81)، «نيل الأوطار» للشوكاني (2/101).
43- تقدم تخريجه في تربيع الأذان (ص 471).
44- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (22/337).
45- سبق تخريجه في (ص 426)، هامش رقم (2).
46- أخرجه مسلم في «الأقضية» (12/4)، باب القضاء باليمين والشاهد، وأبو داود في «الأقضية» (4/32) باب القضاء باليمين والشاهد، وابن ماجه في «الأحكام» (2/793)، باب القضاء باليمين والشاهد، وأحمد في «المسند» (1/323) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
47- «الكافي» لابن عبد البر (471).
48- «فتح الباري» لابن حجر (5/282)، «بدائع الصنائع» للكاساني (6/344)، «سبل السلام» للصنعاني (4/252)، «نيل الأوطار» للشوكاني (10/282).
هذا، والجمهور الذين ذهبوا إلى جواز الحكم بشاهد ويمين خصُّوا ذلك بالأموال لقول ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المتقدِّم: «نعم في الأموال»، قال الخطابي في «معالم السنن» (4/33): «وهذا خاصٌّ في الأموال دون غيرها؛ لأنَّ الراوي وقفه عليها، والخاصُّ لا يتعدَّى به محله، ولا يقاس عليه غيره واقتضاء العموم منه غير جائز؛ لأنه حكاية فعل، والفعل لا عموم له، فوجب صرفه إلى أمر خاصٍّ، فلمَّا قال الراوي: «هو في الأموال» كان مقصورًا عليه». قال الصنعاني في «سبل السلام» (4/253) معقِّبًا على الخطابي: «والحقُّ أنه لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلاَّ الحدّ والقصاص للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك».
49- انظر: «فتح الباري» لابن حجر (5/281)، «نيل الأوطار» للشوكاني (10/282).
50- انظر هذه المسألة مع مصادرها الأصولية في (ص 240).
51- انظر هذه المسألة مع مصادرها الأصولية في (ص 272).