أبوالحسن السلفي
08-04-2011, 11:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ......... أما بعد ،،،
فإن السلفية منهج وحزب وطائفة وفرقة كما قال تعالى (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وأخرج الشيخان عن المغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنها - :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "
وثبت عند أحمد وأبي داود عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهى الجماعة "
لكنها ليست حزباً تتحزب على أشخاص مهما عظموا لا باسم التقليد ولا غيره، وإنما تتحزب على منهج وطريقة، فإنه لا رأس لهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال أبو المظفر السمعاني ونقله ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص500) فقال : إنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها – ثم قال – وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة .ا.هـ
فبهذا يعلم الفرق الكبير بين الدعوة السلفية والدعوات البدعية الأخرى ، فإن لهذه الدعوات رؤوساً أحدثوا طرقاً جديدة حتى خالفوا السلفية دعوة الإسلام الصافي كما ترى هذا في الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والإخوان المسلمين وجماعة التبليغ ، وفي هذا المقال سيكون الكلام – إن شاء الله – عن السلفية في مهمات :
المهمة الأولى/ أن السلفية تعني اتباع الكتاب العزيز والسنة الصحيحة بفهم سلف الأمة قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1 / 344): وإنما المتبع في إثبات أحكام الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبيل السابقين أو الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة، نصًا واستنباطًا بحال. ا.هـ
إذا كان كذلك فهو منهج معصوم؛ لأنه منهج إلهي رباني قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4 / 149): لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق . فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا ا.هـ
وهذا الأصل الثالث وهو فهم الكتاب والسنة بفهم السلف هو الذي ميز السلفيين عن غيرهم .
المهمة الثانية / السلفية تعني الإسلام الصافي؛ لأنها الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، وتارك السلفية من المسلمين واقع في الإسلام المشوة الذي ألحق به ما ليس منه.
كما قال صلى الله عليه وسلم :" ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " هذه الفرق مسلمة كما قرره الشاطبي في الاعتصام ، لكنهم في الإسلام المشوة الذي ألحق به ما ليس منه، فأصحابه مسلمون، لكنهم مبتدعة فليس معنى ترك السلفية الكفر والخروج عن الإسلام، لكن معناه ترك الإسلام الصافي إلى إسلام مشوب بالبدع .
المهمة الثالثة/ يردد كثير ممن لا يدري حقيقة أمر السلفية: أن التسمي بالإسلام كاف لأن الله سمانا به كما قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) وهذا غير صحيح ألبته لما يلي:
أولاً/ أصحاب الثنتين والسبعين فرقة يسمون مسلمين وإن كانوا أهل بدع ، فلذا التسمي بالإسلام يشملهم فالتسمي بالإسلام لا يميز أهل الحق من أهل الباطل ، والتميز عن أهل البدع أمر مطلوب شرعاً كما قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
ثانياً/ إن سلفنا الكرام تمايزوا عن أهل البدع باسم أصحاب الحديث وأصحاب الأثر مقابل أصحاب الرأي ، وأهل السنة مقابل أهل البدعة فلم يكتفوا باسم الإسلام والمسلمين ، وكل خير في اتباع من سلف .
ثالثاً/ الذين يدعون إلى الاكتفاء باسم الإسلام متناقضون؛ لأنهم لم يكتفوا باسم الإسلام ، بل تسموا بأهل السنة . فإن قيل: لماذا لا يكتفى بالتسمي بأهل السنة دون السلفية ، فيقال: لأن كثيراً من أهل البدع أدخلوا أنفسهم في لقب أهل السنة كالأشاعرة وغيرهم ، فلذا لابد من اسم يميز أهل الحق عن غيرهم . فإن قيل: إنه بإمكان أهل البدع أن يتسموا باسم السلفية . فيقال: إن هذا لا يمكن بل هو أسرع طريق لفضحهم؛ لأن معنى السلفية اتباع السلف ، فمن ادعى أنه سلفي يُحاجُّ بطريقة السلف -وسيأتي إن شاء الله إيضاح هذا- بخلاف السنة فهي واسعة فقد يتمسك بعموماتها ومجملاتها .
المهمة الرابعة/ يشكك بعض أهل البدع في نسبة بعض الأفعال والاعتقادات إلى السلف بحجج واهية من تلك الحجج : وما يدريك أن السلف على هذا، وهل قول الواحد أو الاثنين أو العشرة من السلف قول للسلف كلهم .
ولازم هذا التشكيك أننا لا نستطيع أن نعرف سبيل المؤمنين الذي أمرنا الله بالتمسك به، ولا معرفة اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان الذين أثنى الله عليهم ، وهذا محال فكيف يجعل الله طريقاً سبيلاً للنجاة ويعميه عنا ؛ لذا سبيل المؤمنين وسبيل المهاجرين والأنصار يعرف بطرق :
الطريق الأولى / أن يذكر أحد أهل العلم والإيمان من ذوي الاستقراء والمعرفة على أن هذا سبيل السابقين أو طريق السلف، أو هذا مما أجمعوا عليه وهكذا ، وهذا يعرف بما دوّنه أئمة السنة في كتب الاعتقاد كالإبانة الكبرى والصغرى لابن بطة والشريعة للآجري وأصول اعتقاد السنة للإمام أحمد وهكذا ..
الطريق الثانية/ الآثار المروية بين أيدينا في كتب السنة، فمحال أن يجعل الله سبيل السابقين حجة وينقل لنا عنهم القول المرجوح دون الراجح ، بل محال أن يجعلنا خير أمة بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينقل لنا القول المرجوح دون أن ينقل من ينكر عليه ، قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 131): فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر، إذ الصواب معروف بلا شك والخطأ منكر من بعض الوجوه ا.هـ
وما أحسن ما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة الفتوى الحموية حول هذا الموضوع فليراجعه من لا يزال في قلبه شك وريب .
ومن العجب مكابرة بعضهم واشتراطه أن ينطق كل واحد من السلف ، وقد رد هذا ابن قدامة في روضة الناظر في مسألة مشابهة (1 / 153) فقال : ومن وجه آخر أنه لو لم يكن هذا إجماعًا لتعذر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا في مسألة قول كل علماء العصر مصرحًا به ا.هـ. وغاية الأمر أن ينطق ولو واحد ويشتهر ولا ينكره آخرون .
المهمة الخامسة/ إن منهج السلف منهج محكم لا يستطيع أحد أن يدخل فيه ما ليس منه، ولا أن يخرج منه ما هو منه، فإن كل من فعل ذلك يحاج بطريقة السلف المدونة قال السجزي في رسالته إلى أهل زبيد (ص100): وإذا كان الأمر كذلك فكل مُدَّعٍ للسنة يَجب أن يُطالب بالنقل الصحيح بِما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه وقُبل قوله، وإن لَمْ يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلم أنه مُحدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغى إليه أو يُناظر فِي قوله ا.هـ وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4 / 156): أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع : فهذا باطل قطعًا . فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم ا.هـ
وفي كلام الإمام ابن تيمية إشارة إلى أمر دقيق وهو أنه لا يمكن أن ينسب للسلف ما ليس منه إلا عند غلبة الجهل ، فلا يعرف الناس ما عليه السلف، فكل من يدعي أنه سلفي وليس كذلك يُحاجّ بطريقة السلف فهو ما بين أن يرجع عن طريقته الخلفية، فيكون سلفياً، أو يستمر على طريقته الخلفية فلا يكون سلفياً . وهذا التأصيل نافع جداً في تعرية كل من يدعي أنه سلفي وليس كذلك كالسرورية والجهاديين مثلاً .
المهمة السادسة/ إن التسمي بالسلفية لأجل التميز – كما تقدم – وليس لأجل التزكية كما يحاول طائفة أن ينفروا منها بهذه الطريقة وهي تماماً كالتسمي بالإسلام والسنة، فليست تزكية وإنما من باب التمييز ليتميز أهل الحق من أهل الباطل ، سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاواه (9 / 238)
هل صحيح أن الحنابلة هم السلفيون فقط؟ وما حقيقة السلفية , هل هي قرينة التشدد والتزمت كما يروج البعض؟
ج : ليس هذا القول بصحيح . وإنما السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة , في باب التوحيد , وباب الأسماء والصفات , وفي جميع أمور الدين ا.هـ
قال الألباني في تمام المنة 255: فأنا - والحمد لله - معروف بين الناس جميعا أنني سلفي أدعو إلى اتباع السلف الصالح لساناً وقلماً ا.هـ
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان كما في المنتقى من فتاوى الفوزان (26 / 1): يزعم بعض الناس أنّ السّلفيّة تعتبر جماعة من الجماعات العاملة على السّاحة، وحكمها حكم باقي الجماعات؛ فما هو تفنيدُكم لهذا الزّعم ؟
ج: ذكرنا أن الجماعة السلفية هي الجماعة الأصيلة، التي على الحقِّ، وهي التي يجب الانتماء إليها والعمل معها والانتساب إليها، وما عداها من الجماعات يجب ألا تُعتبرَ من جماعات الدَّعوة؛ لأنها مخالفة، وكيف نتَّبِعُ فرقة مخالفة لجماعة أهل السُّنَّة وهدي السّلف الصّالح ؟ !
فالقول : إن الجماعة السلفية واحدة من الجماعات الإسلامية ! هذا غلط، فالجماعة السلفية هي الجماعة الوحيدة التي يجب اتباعها والسير على منهجها والانضمام إليها والجهاد معها، وما عداها؛ فإنه لا يجوز للمسلم الانضمام إليه؛ لأنه من الفرق الضالة، وهل يرضى الإنسان أن ينضمَّ إلى الفرق الضالة ؟ ! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي " ا.هـ
ولأنها طريقة حق فهي مما يزكى الرجل بها لا أنه يزكي نفسه بها،
وفي السير قال الذهبي عن الدارقطني: وكان سلفياً ا.هـ
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (31 / 142) قال عن ابن عبدالبر : وكان سلفي الاعتقاد متين الديانة. ا.هـ
المهمة السابعة/ السلفية براء من الغلو في الجهاد والتكفير ومن التفجير ونقض الأمان والعهد مع الكفار فضلاً عن أهل الإسلام، ومن سفك دماء الكفار غير الحربيين فضلاً عن قتال المسلمين .
وقد نقلت عدة نقولات عن أئمة العصر الثلاثة ؛ الإمام عبدالعزيز بن باز والإمام محمد ناصر الدين الألباني والإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله – ومن بعض المعاصرين ، مثل الشيخ صالح الفوزان ما يبرئ السلفيين من هذه التهم في درس مسجل بعنوان : تبرئة السلفيين الأخيار من الأدعياء المخالفين والثوار
http://islamancient.com/lectures,item,939.html
وحرصت أن تكون أكثر النقولات عن المعاصرين الذين ماتوا أو بعض الأحياء قبل الهجمة الضروس الإعلامية الحالية ، ليعلم أن الكلام المنقول عنهم ليس ردة فعل وإنما تأصيل وتقرير يعتقدوه السلفييون وعلماؤهم ويدعون إليه .
المهمة الثامنة / ذكر بعض المسائل التي يراد نسبتها إلى المنهج السلفي والمنهج السلفي منها براء :
المسألة الأولى : التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً أو فيما يسمى بالتشريع العام؛ فقد ذكر الآجري وابن عبد البر وغيرهما أن منهج السلف عدم التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله وأنه كفر أصغر، بل وذكر طائفة من أهل العلم أن الخوارج هم الذين كفروا بالحكم بغير ما أنزل الله وقال الآجري في الشريعة (ص27): ومما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله عز وجل: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ويقرءون: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) فإذا رأوا الإمام الحاكم يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر ، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون ، فيخرجون فيفعلون ما رأيت ؛ لأنهم يتأولون هذه الآية ا.هـ .قال ابن عبد البر في التمهيد (17/16) : وقد ضلَّت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بآيات من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ا . هـ.
وقال الجصاص في أحكام القرآن ( 2/534): وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود . ا هـ
وقال أبو حيان في البحر المحيط ( 3/493 ): واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافرٌ، وقالوا هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ا.هـ
فإن قيل: إن هذه الإجماعات ليست في التشريع العام، لأنه لم يكن معروفاً فيمن سلف . فيقال: إنه وإن لم يكن معروفاً في حق من سلف لكنه من الحكم بغير ما أنزل الله ، والأدلة على التكفير به أدلة تكفير من حكم بغير ما أنزل الله كقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
لذا هو صورة من صور الحكم بغير ما أنزل ، مثله مثل فعل الزنى، وشرب الخمر، فهو ليس كفراً مهما استحدثت فيه طرق وعمم ما لم يحتف به اعتقادي كفري كالإباء أو الإعراض أو الاستحلال أو غير ذلك .
فإن قيل: أليس المصر على ترك واجب يعد جاحداً فيكفر بالجحود الذي كفر به العلماء .
فيقال: إن حقيقة هذا القول قول الخوارج المكفرين بالمعاصي ، لكن أخرج السروريون في ثوب جديد ليروج ويغتر به . وصدق الله القائل يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)
إن كتب الاعتقاد لأهل السنة تقرر أنه لا يكفر أحد بذنب ولم تذكر أن الإصرار كفر، بل ثبت عن ابن عباس كما خرجه ابن جرير في تفسيره أنه لا صغيرة مع الإصرار أي أنها مع الاصرار تكون كبيرة، فلم يجعل الاصرار كفراً ، فكيف يقرر هذا ويزعم أنه منهج سلفي والسلف لم يذكروه في كتبهم ، بل تأصيلاتهم وتقريراتهم أن الخوارج هم الذين يكفرون بالذنوب، وهذا من جملة الذنوب إذ لا نقل أثري عن السلف يخرجه من الذنوب إلى المكفرات ، وما ظنوا من يكفر ابن تيمية لعدم الالتزام دليلاً لهم ، هذا من الجهل أو العناد لأن مراده بعدم الالتزام ترك الطاعة لدافع عقدي كفري كالإباء والتكفير والإعراض كما بينه – رحمه الله - في مواضع وفصلت هذا ووثقته في كتابي : تطهير الأرجاء من مخالفات سفر الحوالي في كتابه ظاهرة الإرجاء .
http://islamancient.com/books,item,42.html
فليراجعه من شاء
وذكر الشيخ الألباني أنه كفر أصغر ووافقه الشيخ عبد العزيز ابن باز بل وصرح أن هذا سبيل المؤمنين فقال في تعليقه على فتوى الشيخ الألباني :" اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –وفقه الله- المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيها الحق ، وسلك فيها سبيل المؤمنين ، وأوضح –وفقه الله- أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه ، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس –رضي الله عنهما – وغيره من سلف الأمة . ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) هو الصواب ، وقد أوضح –وفقه الله – أن الكفر كفران أكبر وأصغر ،كما أن الظلم ظلمان ، وهكذا الفسق فسقان أكبر وأصغر ، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر ، وهكذا فسقه ." (جريدة الشرق الأوسط العدد 6156 تاريخ 12/5/1416هـ وهي موجودة في مجموع فتاواه (9/124)
بل وذكر الشيخ عبد العزيز ابن باز أن التكفير به قول الخوارج كما في شريط الدمعة البازية وذكر عن شيخه الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم أن قوله كقول بقية أهل السنة لا يكفر إلا المستحل فقال في مجموع فتاواه ومقالاته (28/271) لما سئل هل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟
الجواب :
يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه يكون بذلك كافراً.
هذه أقوال أهل العلم جميعاً: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله، يكون كفراً دون كفر ا.هـ
فإن قيل : أليس من علماء السنة المعاصرين من قرر أنه كفر أكبر فيقال : بلى ولكنه مخالف لما أجمع عليه أهل السنة السابقون فهذه زلة عالم لا يتابع عليها ، وفي المقابل يحفظ له قدره لكن لا تكون سبيلاً لأن يدخل في منهج السلف ما ليس منه .
وقرر هذا التأصيل ابن عبدالبر في قصة نقلها عن ابن المبارك في كتابه جامع بيان العلم وفضله، وشيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ، وابن القيم في أعلام الموقعين .
ومن التناقض الشنيع عند من يسمون بسلفية الاسكندريه: أنهم كانوا يَسْتَخْفون ويخدعون من يتابعهم بجهل بأنهم يقولون لا نكفر الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله ولا نعتقد له بيعة!! .
ووجه التناقض أنهم ما بين يرونه مسلماً وله بيعة أو غير مسلم ولا بيعة له، فلما لم يستطيعوا التكفير حتى لا يظهر غلوهم استخفوا بمثل هذا .
المسألة الثانية/ عدم السمع والطاعة للحاكم المسلم الفاسق، فقد تواترت النصوص النبوية في هذا ، فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها ) . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال ( أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم )
وأخرج مسلم عن عوف بن مالك أن رسول الله عليه وسلم قال:" ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "
وهذا الأصل يقرره أهل السنة في كتب الاعتقاد قال الإمام أحمد في أصول اعتقاد أهل السنة : والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة ا.هـ، ولما خالف في هذا الأصل الحسن بن صالح ضلله سفيان الثوري والإمام أحمد وغيرهما .
وللفائدة يخطئ من ينسب لأحمد بن نصر الخزاعي أنه قتل لأجل الخروج بل لأجل ثباته على القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق – رحمة الله رحمة واسعة - .
المسألة الثالثة/ عدم البراءة من البدعة وأهلها
ومما تقرره كتب الاعتقاد البراءة من أهل البدع، ففي أصول اعتقاد أهل السنة قال الفضيل بن عياض: أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع. قال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص113): ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم – ثم قال - واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم ، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم ، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم . وأنا بفضل الله عز وجل ومنّه متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم ، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا عن منارهم ، ولا يتبعوا غير أقوالهم ، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين ، والمناكير من المسائل التي ظهرت وانتشرت ، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه ، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه ، ولا يغرّن إخواني – حفظهم الله – كثرة أهل البدع ووفور عددهم ، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب اليوم الحق ، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة ، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:" إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل " والعلم هو السنة ، والجهل هو البدعة ا.هـ
وأصل هذا التحذير والعداء لأهل البدع مأخوذ مما أخرج الشيخان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم "
لذا الأصل هجرهم ولا ينتقل عن هذا إلا لمصلحة بخلاف مسألة أهل السنة فالأصل ألا يهجروا إلا لمصلحة راجحة .
المسألة الرابعة / التنظيمات والتحزبات :
إن هناك فرقاً بين أن يتفق جماعة على عمل دعوي ويجعلوا لهم مسؤولاً ويكون العمل مشروعاً فهذا تنظيم وترتيب كأن يتفق جماعة على ترتيب الدروس والمواعظ في أحد الأحياء أو تتفق جماعة على ترتيب وتنظيم توزيع بعض المسجلات الصوتية أو الكتب والمطويات وهكذا ، فهذا محمود شرعاً وداخل في عموم قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فرق بين هذا وبين أن يجعلوا تنظيماً يتحزبون عليه ويوالون ويعادون على هذا التحزب ، والمسؤول لا تجوز مخالفته وبعضهم يصرح بأخذ البيعة باسمها أو باسم العهود والمواثيق أو بغيرها من الأسماء، فكم لبس أهل الباطل بين هذين التنظيمين .
وخلاصة الفرق بين التنظيم لإنجاز عمل مشروع وبين التنظيم للتحزب البدعي ما يلي:
1- أن التنظيم البدعي يجعل الولاء والبراء والحب والبغض على الحزب بخلاف التنظيم الدعوي فليس كذلك .
2- أن لأفراد التنظيم الدعوي ألا يعملوا بما لا يقتنعون به شرعاً بخلاف التنظيم التحزبي فهو مأمور بالسمع والطاعة للمسؤول سواء اقتنع أو لم يقتنع .
3- أن التنظيم الحزبي يجعل ولي أمره تصريحاً أو تطبيقاً رئيس الحزب فإذا تعارض قول رئيس الحزب مع الحاكم ولي الأمر قدموا قوله على قول ولي الأمر بخلاف التنظيم الدعوي فهم يسمعون للمسؤول في التنظيم في حدود العمل مع اعتقادهم أن الجميع تحت ولاية ولي أمره العام .
4- أنه لما كان التنظيم الحزبي تنظيمًا مشاقًا لولي الأمر فكثير من أعماله سرية بخلاف التنظيم الدعوي فليس كذلك .
5- أن السمع والطاعة لرئيس الحزب البدعي واجبة ، وقد يوردون أحاديث السمع والطاعة لولي الأمر بخلاف السمع والطاعة للمسؤول في التنظيم الدعوي فهو ليس واجباً لأن له أن يترك العمل معهم ، بل وله ألا يفعل ما لا يقتنع به شرعاً وتبقى المحبة والألفة .
وبعد هذا فإن التنظيم الحزبي محرم شرعاً لأسباب :
السبب الأول/ أنه بدعة وضلالة وطريقة لم يسلكها السلف الصالح حتى في مثل عهد المعتصم ، ولو كان خيراً لسبقوا إليه .
والضابط للبدع في الوسائل أن الوسيلة التي لم يفعله السلف ، والإخبار مع وجود المقتضي وانتفاء المانع فإن فعلها من البدع المحرمة لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه ، وانظر مقالاً كتبته بعنوان : معاذ بن جبل ووسائل الدعوة
http://islamancient.com/mod_stand,item,20.html
السبب الثاني/ أن كل ولاء وبراء ديني على خلاف ما جاءت به الشريعة بدعة تضلل بها الطائفة وتخرج من الفرقة الناجية وهذا هو حقيقة التنظيم البدعي ، وانظر شرح ابن تيمية لحديث الافتراق في مجموع الفتاوى .
السبب الثالث/ أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة :" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". فقال حذيفة: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:" فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " أخرجه البخاري ومسلم
المسألة الخامسة/ السلفية والسياسة :
إن السياسة التي هي بمعنى تتبع أخبار الدول أو أخبار دولة لأهداف منها: معرفة ما يجري ويحاك، ومنها التأثير والإصلاح ، ومن ذلك السعي للوصول إلى منصة الحكم للإصلاح أو تخفيف الشر وهكذا ..
إنه ينظر إلى هذه السياسة من جهات :
الجهة الأولى: أن مصادر السياسة لا سيما فيما يتعلق بالدول غير موثقة لعامة الناس بخلاف أهل الحل والعقد؛ لأنها ما بين نقل غير مصدق والله يقول: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، أو تحليلات عقلية لا تعد أن تكون ظنوناً وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " فأقل أحواله تنزلاً بالنسبة إلى عامة الناس من العلم الذي لا ينفع ، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تقديم المفضول على الفاضل وهو من مداخل الشيطان كما قرره ابن القيم في إغاثة اللهفان . ثم أخيراً ليس في أيدي عامة الناس اتخاذ قرار .
الجهة الثانية: إن السياسة فيما يتعلق بالدول مناطة بولي الأمر فإن بيده القرار ويستطيع الوصول إلى أكبر مصداقية ممكنة من الأخبار السياسية .
الجهة الثالثة: دخول الذين يريدون الإصلاح في مقارعة الأحزاب السياسية في دولة ما للوصول إلى منصة الحكم أو منصة التأثير في الدولة كمجلس الأمة أو مجلس الشعب أو غير ذلك عن طريق الانتخابات وكسب صوت الأكثر ، هذا ما لا تقره الدعوة السلفية لأمور:
الأمر الأول/ إن طريق الإصلاح في الدعوة السلفية يبدأ من الشعوب وعامة الناس لا من الرؤوس والقمم ، والحكام صورة من صور الناس صلاحاً وفسادًا قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) والنجاشي كان مسلماً حاكمًا على دولة نصرانية عظيمة وما استطاع أن يفعل شيئاً ، وكفار قريش يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك في مكة فيعرض عنهم ويشتغل بإصلاح الشعوب ، وانظر مقالاً كتبته بعنوان : تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين
http://islamancient.com/mod_stand,item,40.html
الأمر الثاني/ أن طريقة مناقشة السياسيين للوصول إلى منصة الحكم أومنصة التأثير تحتاج إلى تنازلات شرعية كثيرة في نتائج مظنونة ، ولا يجوز أن ترتكب المحرمات لمصالح مظنونة متوهمة ، ثم إن تحقق بعضها فهي أقل من المفاسد العظيمة التي ارتكبت من الإقرار بالديمقراطية والتي حقيقتها تحكيم الشعوب دون رب الشعوب وكتابه القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن منكرات كثيرة تصحب هذا المنكر مما جعل كثيراً من الذين دخلوا - إن لم يكن كلهم - تغيروا في تدينهم وأحوالهم ، والواقع خير شاهد .
الأمر الثالث/ إن هذه الطريقة تستلزم مؤاخاة الأحزاب الأخرى الضالة وعدم معاداتها سواء كانت بدعية أو رافضية أو ليبرالية بحسب ما تقتضيه المصلحة الحزبية السياسية ، وقد رأيت صور أعضاء جمعيات كانت تنتسب إلى السلفية يجالسون الرافضة ويجتمعون بهم اجتماع أخوة وألفة وتعاون كما حصل من بعض أفراد جمعية التراث الإسلامية الكويتية، وحدثني بعض الأخوة أن عادلاً المعاودة وهو رأس من رؤوس جمعية التربية الإسلامية بالبحرين كان يستقبل الرافضة عصر الجمعة بمنزله ولم يكن قبل على هذه الطريقة لكن هذا مثال من أمثلة ضحايا السياسة الكذابة .
وأقرب مثال ما يقوم به محمد حسان هذه الأيام من ثناء على جماعة الإخوان المسلمين وعلى أناس كان يعاديهم مثل عمرو خالد بعد أن كان معادياً له وكل هذا بسبب الانخراط في التنظيمات السياسية باسم المصلحة المزعومة والتي حقيقتها عند كثير من هؤلاء اتباع شهوة الترأس وإرادة العلو في الأرض .
الأمر الرابع/ إن هذه الطريقة تستلزم عدم إنكار المنكرات المألوفة عند العامة ولو كانت الشرك الأكبر من التقرب إلى الأموات والاعتقاد في الصالحين لأن قوة هذه الأحزاب السياسية في كسب صوت الجماهير ؛ لذا يضطر للتنازل عن ذلك ، فبهذا يترك الوظيفة الكبرى للمصلحين والتي هي طريقة الرسل وهي إخراج الناس من هواهم إلى ما يريده مولاهم، وأعظم ذلك إخراجهم من الشرك الأكبر إلى التوحيد ثم من البدعة إلى السنة ، ومن سلك جادة الرسل فلابد أن يعارضه أكثر الناس لأنه يخالف أهواءهم ، لذا أعقب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر على الأذى قال تعالى: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )
يا سبحان الله كيف تجتمع هذه الدعوات السياسية التي هدفها الوصول إلى منصة الحكم أو منصة التأثير بكسب صوت الأكثر مع تبليغ شريعة رب العالمين التي تخالف أهواء أكثر العالمين .
إن السعي إلى الوصول إلى المناصب بحجة الإصلاح في دولة ديمقراطية تحكم أصوات الجماهير فساد لدين المرء وفتنة للعامة فهل من يعقل ؟
وقد حاول أقوام مسلَمة التحزبات السياسية مستدلين بقول يوسف عليه السلام لما قيل له : ( إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ . قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرض ) وهذا استدلال باطل من أوجه:
الوجه الأول: أن يوسف ما قال هذا إلا لما عرض عليه الحاكم بقوله: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ) فهو لم يسلك طرقاً غير شرعية للوصول إلى هذه المنصة فضلاً عن أن يسلك طرقاً مخالفة للشريعة لمصالح مظنونة .
الوجه الثاني: أن يوسف عليه السلام ليس محتاجاً إلى إرضاء الشعوب والتنازل عن الشريعة لأجلهم لأنه ممكن من الحاكم؛ لذا استطاع أن يخفف المنكرات بأن يقيم العدل بخلاف واقع هذه الأحزاب السياسية .
الوجه الثالث: أنه لو قدر – معاذ الله - أن طريقة يوسف تدل على ارتكاب الطرق المخالفة للشريعة لمصالح مظنونة فهي مخالفة للشريعة وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إذا خالف شرعنا إجماعاً .
وبعد هذا كله يعلم أن السلفية بريئة من هذه التحزبات السياسية ، وصدق المجدد الألباني لما قال : من السياسة ترك السياسة . وليس معنى هذا مشابهة الليبراليين العلمانيين - التي حقيقتها فصل الدين عن الدولة – كما يقوله الباغضون لهذا المجدد من الإسلاميين غلاة السياسة .
فإن الدين حكم على السياسة، وسياسة بلا دين سياسة باطلة شرعاً ، وإنما المراد أنه لما لم يتمكن من الوصول إلى هذه السياسة إلا بهذه الطرق المحرمة والمصادمة لدعوة الرسل ، ثم بعد ذلك لا يتمكن من تحقيق المطلوب صار دخولها محرماً حماية للدين، أما الحاكم الشرعي فهو مطالب شرعاً ألا يصادم سياسة للشريعة الإسلامية وهو وسياسته محكومون بالشريعة الإسلامية شريعة رب البرية .
وفي الختام ... يدرك مما تقدم سوء طريقة من يسمون بسلفية اسكندرية بمصر أو سلفية مصر ، والمراد بهم محمد حسان ومحمد عبدالمقصود وياسر برهامي ومحمد إسماعيل مقدم وأنصارهم وإخوانهم ، وهم إلى السرورية أقرب منهم إلى السلفية ، وليس معنى هذا ذم السلفية الصادقة عقيدة ومنهجاً والتي يقوم عليها جماعة من السلفيين الأفاضل بمصر، وإنما المراد بيان انحراف من يسمون بسلفية مصر في الإعلام ومثلهم من يسمون بحزب الأمة في الكويت كحاكم المطيري حامد العلي الجاهل المغرور وعبدالرحمن عبدالخالق الذي سعى في الأرض فسادًا ينشر السرورية باسم السلفية .
وسيأتي – إن شاء الله - إفرادهم بتسجيل صوتي أو مكتوب عن من تيسر من هؤلاء .
أسأل الله الإعانة والرشاد لتحقيق مراضيه. وأسأله أن يستعملنا في تنقية دينه مما أدخل فيه باسم الدين إنه الرحمن الرحيم ذو المن والفضل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور عبدالعزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com/
15 / 7 / 1432هـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ......... أما بعد ،،،
فإن السلفية منهج وحزب وطائفة وفرقة كما قال تعالى (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وأخرج الشيخان عن المغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنها - :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "
وثبت عند أحمد وأبي داود عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهى الجماعة "
لكنها ليست حزباً تتحزب على أشخاص مهما عظموا لا باسم التقليد ولا غيره، وإنما تتحزب على منهج وطريقة، فإنه لا رأس لهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال أبو المظفر السمعاني ونقله ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص500) فقال : إنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها – ثم قال – وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة .ا.هـ
فبهذا يعلم الفرق الكبير بين الدعوة السلفية والدعوات البدعية الأخرى ، فإن لهذه الدعوات رؤوساً أحدثوا طرقاً جديدة حتى خالفوا السلفية دعوة الإسلام الصافي كما ترى هذا في الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والإخوان المسلمين وجماعة التبليغ ، وفي هذا المقال سيكون الكلام – إن شاء الله – عن السلفية في مهمات :
المهمة الأولى/ أن السلفية تعني اتباع الكتاب العزيز والسنة الصحيحة بفهم سلف الأمة قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1 / 344): وإنما المتبع في إثبات أحكام الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبيل السابقين أو الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة، نصًا واستنباطًا بحال. ا.هـ
إذا كان كذلك فهو منهج معصوم؛ لأنه منهج إلهي رباني قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4 / 149): لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق . فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا ا.هـ
وهذا الأصل الثالث وهو فهم الكتاب والسنة بفهم السلف هو الذي ميز السلفيين عن غيرهم .
المهمة الثانية / السلفية تعني الإسلام الصافي؛ لأنها الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، وتارك السلفية من المسلمين واقع في الإسلام المشوة الذي ألحق به ما ليس منه.
كما قال صلى الله عليه وسلم :" ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " هذه الفرق مسلمة كما قرره الشاطبي في الاعتصام ، لكنهم في الإسلام المشوة الذي ألحق به ما ليس منه، فأصحابه مسلمون، لكنهم مبتدعة فليس معنى ترك السلفية الكفر والخروج عن الإسلام، لكن معناه ترك الإسلام الصافي إلى إسلام مشوب بالبدع .
المهمة الثالثة/ يردد كثير ممن لا يدري حقيقة أمر السلفية: أن التسمي بالإسلام كاف لأن الله سمانا به كما قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) وهذا غير صحيح ألبته لما يلي:
أولاً/ أصحاب الثنتين والسبعين فرقة يسمون مسلمين وإن كانوا أهل بدع ، فلذا التسمي بالإسلام يشملهم فالتسمي بالإسلام لا يميز أهل الحق من أهل الباطل ، والتميز عن أهل البدع أمر مطلوب شرعاً كما قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
ثانياً/ إن سلفنا الكرام تمايزوا عن أهل البدع باسم أصحاب الحديث وأصحاب الأثر مقابل أصحاب الرأي ، وأهل السنة مقابل أهل البدعة فلم يكتفوا باسم الإسلام والمسلمين ، وكل خير في اتباع من سلف .
ثالثاً/ الذين يدعون إلى الاكتفاء باسم الإسلام متناقضون؛ لأنهم لم يكتفوا باسم الإسلام ، بل تسموا بأهل السنة . فإن قيل: لماذا لا يكتفى بالتسمي بأهل السنة دون السلفية ، فيقال: لأن كثيراً من أهل البدع أدخلوا أنفسهم في لقب أهل السنة كالأشاعرة وغيرهم ، فلذا لابد من اسم يميز أهل الحق عن غيرهم . فإن قيل: إنه بإمكان أهل البدع أن يتسموا باسم السلفية . فيقال: إن هذا لا يمكن بل هو أسرع طريق لفضحهم؛ لأن معنى السلفية اتباع السلف ، فمن ادعى أنه سلفي يُحاجُّ بطريقة السلف -وسيأتي إن شاء الله إيضاح هذا- بخلاف السنة فهي واسعة فقد يتمسك بعموماتها ومجملاتها .
المهمة الرابعة/ يشكك بعض أهل البدع في نسبة بعض الأفعال والاعتقادات إلى السلف بحجج واهية من تلك الحجج : وما يدريك أن السلف على هذا، وهل قول الواحد أو الاثنين أو العشرة من السلف قول للسلف كلهم .
ولازم هذا التشكيك أننا لا نستطيع أن نعرف سبيل المؤمنين الذي أمرنا الله بالتمسك به، ولا معرفة اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان الذين أثنى الله عليهم ، وهذا محال فكيف يجعل الله طريقاً سبيلاً للنجاة ويعميه عنا ؛ لذا سبيل المؤمنين وسبيل المهاجرين والأنصار يعرف بطرق :
الطريق الأولى / أن يذكر أحد أهل العلم والإيمان من ذوي الاستقراء والمعرفة على أن هذا سبيل السابقين أو طريق السلف، أو هذا مما أجمعوا عليه وهكذا ، وهذا يعرف بما دوّنه أئمة السنة في كتب الاعتقاد كالإبانة الكبرى والصغرى لابن بطة والشريعة للآجري وأصول اعتقاد السنة للإمام أحمد وهكذا ..
الطريق الثانية/ الآثار المروية بين أيدينا في كتب السنة، فمحال أن يجعل الله سبيل السابقين حجة وينقل لنا عنهم القول المرجوح دون الراجح ، بل محال أن يجعلنا خير أمة بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينقل لنا القول المرجوح دون أن ينقل من ينكر عليه ، قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 131): فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر، إذ الصواب معروف بلا شك والخطأ منكر من بعض الوجوه ا.هـ
وما أحسن ما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة الفتوى الحموية حول هذا الموضوع فليراجعه من لا يزال في قلبه شك وريب .
ومن العجب مكابرة بعضهم واشتراطه أن ينطق كل واحد من السلف ، وقد رد هذا ابن قدامة في روضة الناظر في مسألة مشابهة (1 / 153) فقال : ومن وجه آخر أنه لو لم يكن هذا إجماعًا لتعذر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا في مسألة قول كل علماء العصر مصرحًا به ا.هـ. وغاية الأمر أن ينطق ولو واحد ويشتهر ولا ينكره آخرون .
المهمة الخامسة/ إن منهج السلف منهج محكم لا يستطيع أحد أن يدخل فيه ما ليس منه، ولا أن يخرج منه ما هو منه، فإن كل من فعل ذلك يحاج بطريقة السلف المدونة قال السجزي في رسالته إلى أهل زبيد (ص100): وإذا كان الأمر كذلك فكل مُدَّعٍ للسنة يَجب أن يُطالب بالنقل الصحيح بِما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه وقُبل قوله، وإن لَمْ يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلم أنه مُحدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغى إليه أو يُناظر فِي قوله ا.هـ وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4 / 156): أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع : فهذا باطل قطعًا . فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم ا.هـ
وفي كلام الإمام ابن تيمية إشارة إلى أمر دقيق وهو أنه لا يمكن أن ينسب للسلف ما ليس منه إلا عند غلبة الجهل ، فلا يعرف الناس ما عليه السلف، فكل من يدعي أنه سلفي وليس كذلك يُحاجّ بطريقة السلف فهو ما بين أن يرجع عن طريقته الخلفية، فيكون سلفياً، أو يستمر على طريقته الخلفية فلا يكون سلفياً . وهذا التأصيل نافع جداً في تعرية كل من يدعي أنه سلفي وليس كذلك كالسرورية والجهاديين مثلاً .
المهمة السادسة/ إن التسمي بالسلفية لأجل التميز – كما تقدم – وليس لأجل التزكية كما يحاول طائفة أن ينفروا منها بهذه الطريقة وهي تماماً كالتسمي بالإسلام والسنة، فليست تزكية وإنما من باب التمييز ليتميز أهل الحق من أهل الباطل ، سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاواه (9 / 238)
هل صحيح أن الحنابلة هم السلفيون فقط؟ وما حقيقة السلفية , هل هي قرينة التشدد والتزمت كما يروج البعض؟
ج : ليس هذا القول بصحيح . وإنما السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة , في باب التوحيد , وباب الأسماء والصفات , وفي جميع أمور الدين ا.هـ
قال الألباني في تمام المنة 255: فأنا - والحمد لله - معروف بين الناس جميعا أنني سلفي أدعو إلى اتباع السلف الصالح لساناً وقلماً ا.هـ
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان كما في المنتقى من فتاوى الفوزان (26 / 1): يزعم بعض الناس أنّ السّلفيّة تعتبر جماعة من الجماعات العاملة على السّاحة، وحكمها حكم باقي الجماعات؛ فما هو تفنيدُكم لهذا الزّعم ؟
ج: ذكرنا أن الجماعة السلفية هي الجماعة الأصيلة، التي على الحقِّ، وهي التي يجب الانتماء إليها والعمل معها والانتساب إليها، وما عداها من الجماعات يجب ألا تُعتبرَ من جماعات الدَّعوة؛ لأنها مخالفة، وكيف نتَّبِعُ فرقة مخالفة لجماعة أهل السُّنَّة وهدي السّلف الصّالح ؟ !
فالقول : إن الجماعة السلفية واحدة من الجماعات الإسلامية ! هذا غلط، فالجماعة السلفية هي الجماعة الوحيدة التي يجب اتباعها والسير على منهجها والانضمام إليها والجهاد معها، وما عداها؛ فإنه لا يجوز للمسلم الانضمام إليه؛ لأنه من الفرق الضالة، وهل يرضى الإنسان أن ينضمَّ إلى الفرق الضالة ؟ ! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي " ا.هـ
ولأنها طريقة حق فهي مما يزكى الرجل بها لا أنه يزكي نفسه بها،
وفي السير قال الذهبي عن الدارقطني: وكان سلفياً ا.هـ
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (31 / 142) قال عن ابن عبدالبر : وكان سلفي الاعتقاد متين الديانة. ا.هـ
المهمة السابعة/ السلفية براء من الغلو في الجهاد والتكفير ومن التفجير ونقض الأمان والعهد مع الكفار فضلاً عن أهل الإسلام، ومن سفك دماء الكفار غير الحربيين فضلاً عن قتال المسلمين .
وقد نقلت عدة نقولات عن أئمة العصر الثلاثة ؛ الإمام عبدالعزيز بن باز والإمام محمد ناصر الدين الألباني والإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله – ومن بعض المعاصرين ، مثل الشيخ صالح الفوزان ما يبرئ السلفيين من هذه التهم في درس مسجل بعنوان : تبرئة السلفيين الأخيار من الأدعياء المخالفين والثوار
http://islamancient.com/lectures,item,939.html
وحرصت أن تكون أكثر النقولات عن المعاصرين الذين ماتوا أو بعض الأحياء قبل الهجمة الضروس الإعلامية الحالية ، ليعلم أن الكلام المنقول عنهم ليس ردة فعل وإنما تأصيل وتقرير يعتقدوه السلفييون وعلماؤهم ويدعون إليه .
المهمة الثامنة / ذكر بعض المسائل التي يراد نسبتها إلى المنهج السلفي والمنهج السلفي منها براء :
المسألة الأولى : التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً أو فيما يسمى بالتشريع العام؛ فقد ذكر الآجري وابن عبد البر وغيرهما أن منهج السلف عدم التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله وأنه كفر أصغر، بل وذكر طائفة من أهل العلم أن الخوارج هم الذين كفروا بالحكم بغير ما أنزل الله وقال الآجري في الشريعة (ص27): ومما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله عز وجل: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ويقرءون: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) فإذا رأوا الإمام الحاكم يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر ، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون ، فيخرجون فيفعلون ما رأيت ؛ لأنهم يتأولون هذه الآية ا.هـ .قال ابن عبد البر في التمهيد (17/16) : وقد ضلَّت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بآيات من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ا . هـ.
وقال الجصاص في أحكام القرآن ( 2/534): وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود . ا هـ
وقال أبو حيان في البحر المحيط ( 3/493 ): واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافرٌ، وقالوا هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ا.هـ
فإن قيل: إن هذه الإجماعات ليست في التشريع العام، لأنه لم يكن معروفاً فيمن سلف . فيقال: إنه وإن لم يكن معروفاً في حق من سلف لكنه من الحكم بغير ما أنزل الله ، والأدلة على التكفير به أدلة تكفير من حكم بغير ما أنزل الله كقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
لذا هو صورة من صور الحكم بغير ما أنزل ، مثله مثل فعل الزنى، وشرب الخمر، فهو ليس كفراً مهما استحدثت فيه طرق وعمم ما لم يحتف به اعتقادي كفري كالإباء أو الإعراض أو الاستحلال أو غير ذلك .
فإن قيل: أليس المصر على ترك واجب يعد جاحداً فيكفر بالجحود الذي كفر به العلماء .
فيقال: إن حقيقة هذا القول قول الخوارج المكفرين بالمعاصي ، لكن أخرج السروريون في ثوب جديد ليروج ويغتر به . وصدق الله القائل يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)
إن كتب الاعتقاد لأهل السنة تقرر أنه لا يكفر أحد بذنب ولم تذكر أن الإصرار كفر، بل ثبت عن ابن عباس كما خرجه ابن جرير في تفسيره أنه لا صغيرة مع الإصرار أي أنها مع الاصرار تكون كبيرة، فلم يجعل الاصرار كفراً ، فكيف يقرر هذا ويزعم أنه منهج سلفي والسلف لم يذكروه في كتبهم ، بل تأصيلاتهم وتقريراتهم أن الخوارج هم الذين يكفرون بالذنوب، وهذا من جملة الذنوب إذ لا نقل أثري عن السلف يخرجه من الذنوب إلى المكفرات ، وما ظنوا من يكفر ابن تيمية لعدم الالتزام دليلاً لهم ، هذا من الجهل أو العناد لأن مراده بعدم الالتزام ترك الطاعة لدافع عقدي كفري كالإباء والتكفير والإعراض كما بينه – رحمه الله - في مواضع وفصلت هذا ووثقته في كتابي : تطهير الأرجاء من مخالفات سفر الحوالي في كتابه ظاهرة الإرجاء .
http://islamancient.com/books,item,42.html
فليراجعه من شاء
وذكر الشيخ الألباني أنه كفر أصغر ووافقه الشيخ عبد العزيز ابن باز بل وصرح أن هذا سبيل المؤمنين فقال في تعليقه على فتوى الشيخ الألباني :" اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –وفقه الله- المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيها الحق ، وسلك فيها سبيل المؤمنين ، وأوضح –وفقه الله- أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه ، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس –رضي الله عنهما – وغيره من سلف الأمة . ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) هو الصواب ، وقد أوضح –وفقه الله – أن الكفر كفران أكبر وأصغر ،كما أن الظلم ظلمان ، وهكذا الفسق فسقان أكبر وأصغر ، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر ، وهكذا فسقه ." (جريدة الشرق الأوسط العدد 6156 تاريخ 12/5/1416هـ وهي موجودة في مجموع فتاواه (9/124)
بل وذكر الشيخ عبد العزيز ابن باز أن التكفير به قول الخوارج كما في شريط الدمعة البازية وذكر عن شيخه الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم أن قوله كقول بقية أهل السنة لا يكفر إلا المستحل فقال في مجموع فتاواه ومقالاته (28/271) لما سئل هل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟
الجواب :
يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه يكون بذلك كافراً.
هذه أقوال أهل العلم جميعاً: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله، يكون كفراً دون كفر ا.هـ
فإن قيل : أليس من علماء السنة المعاصرين من قرر أنه كفر أكبر فيقال : بلى ولكنه مخالف لما أجمع عليه أهل السنة السابقون فهذه زلة عالم لا يتابع عليها ، وفي المقابل يحفظ له قدره لكن لا تكون سبيلاً لأن يدخل في منهج السلف ما ليس منه .
وقرر هذا التأصيل ابن عبدالبر في قصة نقلها عن ابن المبارك في كتابه جامع بيان العلم وفضله، وشيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ، وابن القيم في أعلام الموقعين .
ومن التناقض الشنيع عند من يسمون بسلفية الاسكندريه: أنهم كانوا يَسْتَخْفون ويخدعون من يتابعهم بجهل بأنهم يقولون لا نكفر الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله ولا نعتقد له بيعة!! .
ووجه التناقض أنهم ما بين يرونه مسلماً وله بيعة أو غير مسلم ولا بيعة له، فلما لم يستطيعوا التكفير حتى لا يظهر غلوهم استخفوا بمثل هذا .
المسألة الثانية/ عدم السمع والطاعة للحاكم المسلم الفاسق، فقد تواترت النصوص النبوية في هذا ، فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها ) . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال ( أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم )
وأخرج مسلم عن عوف بن مالك أن رسول الله عليه وسلم قال:" ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "
وهذا الأصل يقرره أهل السنة في كتب الاعتقاد قال الإمام أحمد في أصول اعتقاد أهل السنة : والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة ا.هـ، ولما خالف في هذا الأصل الحسن بن صالح ضلله سفيان الثوري والإمام أحمد وغيرهما .
وللفائدة يخطئ من ينسب لأحمد بن نصر الخزاعي أنه قتل لأجل الخروج بل لأجل ثباته على القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق – رحمة الله رحمة واسعة - .
المسألة الثالثة/ عدم البراءة من البدعة وأهلها
ومما تقرره كتب الاعتقاد البراءة من أهل البدع، ففي أصول اعتقاد أهل السنة قال الفضيل بن عياض: أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع. قال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص113): ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم – ثم قال - واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم ، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم ، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم . وأنا بفضل الله عز وجل ومنّه متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم ، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا عن منارهم ، ولا يتبعوا غير أقوالهم ، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين ، والمناكير من المسائل التي ظهرت وانتشرت ، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه ، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه ، ولا يغرّن إخواني – حفظهم الله – كثرة أهل البدع ووفور عددهم ، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب اليوم الحق ، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة ، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:" إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل " والعلم هو السنة ، والجهل هو البدعة ا.هـ
وأصل هذا التحذير والعداء لأهل البدع مأخوذ مما أخرج الشيخان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم "
لذا الأصل هجرهم ولا ينتقل عن هذا إلا لمصلحة بخلاف مسألة أهل السنة فالأصل ألا يهجروا إلا لمصلحة راجحة .
المسألة الرابعة / التنظيمات والتحزبات :
إن هناك فرقاً بين أن يتفق جماعة على عمل دعوي ويجعلوا لهم مسؤولاً ويكون العمل مشروعاً فهذا تنظيم وترتيب كأن يتفق جماعة على ترتيب الدروس والمواعظ في أحد الأحياء أو تتفق جماعة على ترتيب وتنظيم توزيع بعض المسجلات الصوتية أو الكتب والمطويات وهكذا ، فهذا محمود شرعاً وداخل في عموم قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فرق بين هذا وبين أن يجعلوا تنظيماً يتحزبون عليه ويوالون ويعادون على هذا التحزب ، والمسؤول لا تجوز مخالفته وبعضهم يصرح بأخذ البيعة باسمها أو باسم العهود والمواثيق أو بغيرها من الأسماء، فكم لبس أهل الباطل بين هذين التنظيمين .
وخلاصة الفرق بين التنظيم لإنجاز عمل مشروع وبين التنظيم للتحزب البدعي ما يلي:
1- أن التنظيم البدعي يجعل الولاء والبراء والحب والبغض على الحزب بخلاف التنظيم الدعوي فليس كذلك .
2- أن لأفراد التنظيم الدعوي ألا يعملوا بما لا يقتنعون به شرعاً بخلاف التنظيم التحزبي فهو مأمور بالسمع والطاعة للمسؤول سواء اقتنع أو لم يقتنع .
3- أن التنظيم الحزبي يجعل ولي أمره تصريحاً أو تطبيقاً رئيس الحزب فإذا تعارض قول رئيس الحزب مع الحاكم ولي الأمر قدموا قوله على قول ولي الأمر بخلاف التنظيم الدعوي فهم يسمعون للمسؤول في التنظيم في حدود العمل مع اعتقادهم أن الجميع تحت ولاية ولي أمره العام .
4- أنه لما كان التنظيم الحزبي تنظيمًا مشاقًا لولي الأمر فكثير من أعماله سرية بخلاف التنظيم الدعوي فليس كذلك .
5- أن السمع والطاعة لرئيس الحزب البدعي واجبة ، وقد يوردون أحاديث السمع والطاعة لولي الأمر بخلاف السمع والطاعة للمسؤول في التنظيم الدعوي فهو ليس واجباً لأن له أن يترك العمل معهم ، بل وله ألا يفعل ما لا يقتنع به شرعاً وتبقى المحبة والألفة .
وبعد هذا فإن التنظيم الحزبي محرم شرعاً لأسباب :
السبب الأول/ أنه بدعة وضلالة وطريقة لم يسلكها السلف الصالح حتى في مثل عهد المعتصم ، ولو كان خيراً لسبقوا إليه .
والضابط للبدع في الوسائل أن الوسيلة التي لم يفعله السلف ، والإخبار مع وجود المقتضي وانتفاء المانع فإن فعلها من البدع المحرمة لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه ، وانظر مقالاً كتبته بعنوان : معاذ بن جبل ووسائل الدعوة
http://islamancient.com/mod_stand,item,20.html
السبب الثاني/ أن كل ولاء وبراء ديني على خلاف ما جاءت به الشريعة بدعة تضلل بها الطائفة وتخرج من الفرقة الناجية وهذا هو حقيقة التنظيم البدعي ، وانظر شرح ابن تيمية لحديث الافتراق في مجموع الفتاوى .
السبب الثالث/ أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة :" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". فقال حذيفة: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:" فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " أخرجه البخاري ومسلم
المسألة الخامسة/ السلفية والسياسة :
إن السياسة التي هي بمعنى تتبع أخبار الدول أو أخبار دولة لأهداف منها: معرفة ما يجري ويحاك، ومنها التأثير والإصلاح ، ومن ذلك السعي للوصول إلى منصة الحكم للإصلاح أو تخفيف الشر وهكذا ..
إنه ينظر إلى هذه السياسة من جهات :
الجهة الأولى: أن مصادر السياسة لا سيما فيما يتعلق بالدول غير موثقة لعامة الناس بخلاف أهل الحل والعقد؛ لأنها ما بين نقل غير مصدق والله يقول: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، أو تحليلات عقلية لا تعد أن تكون ظنوناً وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " فأقل أحواله تنزلاً بالنسبة إلى عامة الناس من العلم الذي لا ينفع ، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تقديم المفضول على الفاضل وهو من مداخل الشيطان كما قرره ابن القيم في إغاثة اللهفان . ثم أخيراً ليس في أيدي عامة الناس اتخاذ قرار .
الجهة الثانية: إن السياسة فيما يتعلق بالدول مناطة بولي الأمر فإن بيده القرار ويستطيع الوصول إلى أكبر مصداقية ممكنة من الأخبار السياسية .
الجهة الثالثة: دخول الذين يريدون الإصلاح في مقارعة الأحزاب السياسية في دولة ما للوصول إلى منصة الحكم أو منصة التأثير في الدولة كمجلس الأمة أو مجلس الشعب أو غير ذلك عن طريق الانتخابات وكسب صوت الأكثر ، هذا ما لا تقره الدعوة السلفية لأمور:
الأمر الأول/ إن طريق الإصلاح في الدعوة السلفية يبدأ من الشعوب وعامة الناس لا من الرؤوس والقمم ، والحكام صورة من صور الناس صلاحاً وفسادًا قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) والنجاشي كان مسلماً حاكمًا على دولة نصرانية عظيمة وما استطاع أن يفعل شيئاً ، وكفار قريش يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك في مكة فيعرض عنهم ويشتغل بإصلاح الشعوب ، وانظر مقالاً كتبته بعنوان : تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين
http://islamancient.com/mod_stand,item,40.html
الأمر الثاني/ أن طريقة مناقشة السياسيين للوصول إلى منصة الحكم أومنصة التأثير تحتاج إلى تنازلات شرعية كثيرة في نتائج مظنونة ، ولا يجوز أن ترتكب المحرمات لمصالح مظنونة متوهمة ، ثم إن تحقق بعضها فهي أقل من المفاسد العظيمة التي ارتكبت من الإقرار بالديمقراطية والتي حقيقتها تحكيم الشعوب دون رب الشعوب وكتابه القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن منكرات كثيرة تصحب هذا المنكر مما جعل كثيراً من الذين دخلوا - إن لم يكن كلهم - تغيروا في تدينهم وأحوالهم ، والواقع خير شاهد .
الأمر الثالث/ إن هذه الطريقة تستلزم مؤاخاة الأحزاب الأخرى الضالة وعدم معاداتها سواء كانت بدعية أو رافضية أو ليبرالية بحسب ما تقتضيه المصلحة الحزبية السياسية ، وقد رأيت صور أعضاء جمعيات كانت تنتسب إلى السلفية يجالسون الرافضة ويجتمعون بهم اجتماع أخوة وألفة وتعاون كما حصل من بعض أفراد جمعية التراث الإسلامية الكويتية، وحدثني بعض الأخوة أن عادلاً المعاودة وهو رأس من رؤوس جمعية التربية الإسلامية بالبحرين كان يستقبل الرافضة عصر الجمعة بمنزله ولم يكن قبل على هذه الطريقة لكن هذا مثال من أمثلة ضحايا السياسة الكذابة .
وأقرب مثال ما يقوم به محمد حسان هذه الأيام من ثناء على جماعة الإخوان المسلمين وعلى أناس كان يعاديهم مثل عمرو خالد بعد أن كان معادياً له وكل هذا بسبب الانخراط في التنظيمات السياسية باسم المصلحة المزعومة والتي حقيقتها عند كثير من هؤلاء اتباع شهوة الترأس وإرادة العلو في الأرض .
الأمر الرابع/ إن هذه الطريقة تستلزم عدم إنكار المنكرات المألوفة عند العامة ولو كانت الشرك الأكبر من التقرب إلى الأموات والاعتقاد في الصالحين لأن قوة هذه الأحزاب السياسية في كسب صوت الجماهير ؛ لذا يضطر للتنازل عن ذلك ، فبهذا يترك الوظيفة الكبرى للمصلحين والتي هي طريقة الرسل وهي إخراج الناس من هواهم إلى ما يريده مولاهم، وأعظم ذلك إخراجهم من الشرك الأكبر إلى التوحيد ثم من البدعة إلى السنة ، ومن سلك جادة الرسل فلابد أن يعارضه أكثر الناس لأنه يخالف أهواءهم ، لذا أعقب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر على الأذى قال تعالى: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )
يا سبحان الله كيف تجتمع هذه الدعوات السياسية التي هدفها الوصول إلى منصة الحكم أو منصة التأثير بكسب صوت الأكثر مع تبليغ شريعة رب العالمين التي تخالف أهواء أكثر العالمين .
إن السعي إلى الوصول إلى المناصب بحجة الإصلاح في دولة ديمقراطية تحكم أصوات الجماهير فساد لدين المرء وفتنة للعامة فهل من يعقل ؟
وقد حاول أقوام مسلَمة التحزبات السياسية مستدلين بقول يوسف عليه السلام لما قيل له : ( إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ . قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرض ) وهذا استدلال باطل من أوجه:
الوجه الأول: أن يوسف ما قال هذا إلا لما عرض عليه الحاكم بقوله: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ) فهو لم يسلك طرقاً غير شرعية للوصول إلى هذه المنصة فضلاً عن أن يسلك طرقاً مخالفة للشريعة لمصالح مظنونة .
الوجه الثاني: أن يوسف عليه السلام ليس محتاجاً إلى إرضاء الشعوب والتنازل عن الشريعة لأجلهم لأنه ممكن من الحاكم؛ لذا استطاع أن يخفف المنكرات بأن يقيم العدل بخلاف واقع هذه الأحزاب السياسية .
الوجه الثالث: أنه لو قدر – معاذ الله - أن طريقة يوسف تدل على ارتكاب الطرق المخالفة للشريعة لمصالح مظنونة فهي مخالفة للشريعة وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إذا خالف شرعنا إجماعاً .
وبعد هذا كله يعلم أن السلفية بريئة من هذه التحزبات السياسية ، وصدق المجدد الألباني لما قال : من السياسة ترك السياسة . وليس معنى هذا مشابهة الليبراليين العلمانيين - التي حقيقتها فصل الدين عن الدولة – كما يقوله الباغضون لهذا المجدد من الإسلاميين غلاة السياسة .
فإن الدين حكم على السياسة، وسياسة بلا دين سياسة باطلة شرعاً ، وإنما المراد أنه لما لم يتمكن من الوصول إلى هذه السياسة إلا بهذه الطرق المحرمة والمصادمة لدعوة الرسل ، ثم بعد ذلك لا يتمكن من تحقيق المطلوب صار دخولها محرماً حماية للدين، أما الحاكم الشرعي فهو مطالب شرعاً ألا يصادم سياسة للشريعة الإسلامية وهو وسياسته محكومون بالشريعة الإسلامية شريعة رب البرية .
وفي الختام ... يدرك مما تقدم سوء طريقة من يسمون بسلفية اسكندرية بمصر أو سلفية مصر ، والمراد بهم محمد حسان ومحمد عبدالمقصود وياسر برهامي ومحمد إسماعيل مقدم وأنصارهم وإخوانهم ، وهم إلى السرورية أقرب منهم إلى السلفية ، وليس معنى هذا ذم السلفية الصادقة عقيدة ومنهجاً والتي يقوم عليها جماعة من السلفيين الأفاضل بمصر، وإنما المراد بيان انحراف من يسمون بسلفية مصر في الإعلام ومثلهم من يسمون بحزب الأمة في الكويت كحاكم المطيري حامد العلي الجاهل المغرور وعبدالرحمن عبدالخالق الذي سعى في الأرض فسادًا ينشر السرورية باسم السلفية .
وسيأتي – إن شاء الله - إفرادهم بتسجيل صوتي أو مكتوب عن من تيسر من هؤلاء .
أسأل الله الإعانة والرشاد لتحقيق مراضيه. وأسأله أن يستعملنا في تنقية دينه مما أدخل فيه باسم الدين إنه الرحمن الرحيم ذو المن والفضل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور عبدالعزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com/
15 / 7 / 1432هـ