الواثقة بالله
03-17-2015, 10:10 PM
الريح والرياح : رائعة من روائع ابن القيم قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الماتع " مفتاح دار السعادة ":"
ومن آياته الباهرة هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والأرض
يُدرك بحس اللمس عند هبوبه يدرك جسمه ولا يرى شخصه، فهو يجرى بين السماء والأرض
والطير مختلفة فيه سابحة بأجنحتها في أمواجه ،كما تسبح حيوانات البحر في الماء ،
وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هيجانه كما تضطرب أمواج البحر
، فإذا شاء سبحانه وتعالى حرّكه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحاً للسحاب يلقحه بحمل الماء كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل ، وتسمى رياح الرحمة المبشرات والنشر والذاريات والمرسلات والرخاء واللواقع ، ورياح العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر
وإن شاء حرَّكه بحركة العذاب فجعله عقيماً وأودعه عذاباً أليماً ، وجعله نقمة على من يشاء من عباده
، فيجعله صرصراً ونحساً وعاتياً ومفسداً لما يمرُّ عليه، وهي مختلفة في مهابها : فمنها صبا ودبور وجنوب وشمال ، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف : فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ، وأخرى تجففه ، وأخرى تهلكه وتعطبه ، وأخرى تشده وتصلبه، وأخرى توهنه وتضعفه
ولهذا يخبر سبحانه عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف منافعها وما يحدث منها : فريح تثير السحاب ، وريح تلقحه ، وريح تحمله على متونها، وريح تغذي النبات
ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها جعل لكل ريح ريحاً مقابلتها تكسر سورتها وحدتها ويبقى لينها ورحمتها: فرياح الرحمة متعددة
وأما ريح العذاب ؛ فإنه ريح واحدة ترسل من وجه واحد لإهلاك ما ترسل بإهلاكه فلا تقوم لها ريح أخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها ،بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء يدمر كلَّ ما أتى عليه
وتأمل حكمة القرآن وجلالته وفصاحته كيف طرد هذا في البر ، وأما في البحر فجاءت ريح الرحمة فيه بلفظ الواحد :كقوله تعالى :{هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان} فإن السفن إنما تسير بالريح الواحدة التي تأتي من وجه واحد ، فإذا اختلفت الرياح على السفن وتقابلت لم يتم سيرها ، فالمقصود منها في البحر خلاف المقصود منها في البر؛ إذ المقصود في البحر أن تكون واحدة طيبة لا يعارضها شيء، فأفردت هنا ، وجمعت في البر ".
ومن آياته الباهرة هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والأرض
يُدرك بحس اللمس عند هبوبه يدرك جسمه ولا يرى شخصه، فهو يجرى بين السماء والأرض
والطير مختلفة فيه سابحة بأجنحتها في أمواجه ،كما تسبح حيوانات البحر في الماء ،
وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هيجانه كما تضطرب أمواج البحر
، فإذا شاء سبحانه وتعالى حرّكه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحاً للسحاب يلقحه بحمل الماء كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل ، وتسمى رياح الرحمة المبشرات والنشر والذاريات والمرسلات والرخاء واللواقع ، ورياح العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر
وإن شاء حرَّكه بحركة العذاب فجعله عقيماً وأودعه عذاباً أليماً ، وجعله نقمة على من يشاء من عباده
، فيجعله صرصراً ونحساً وعاتياً ومفسداً لما يمرُّ عليه، وهي مختلفة في مهابها : فمنها صبا ودبور وجنوب وشمال ، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف : فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ، وأخرى تجففه ، وأخرى تهلكه وتعطبه ، وأخرى تشده وتصلبه، وأخرى توهنه وتضعفه
ولهذا يخبر سبحانه عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف منافعها وما يحدث منها : فريح تثير السحاب ، وريح تلقحه ، وريح تحمله على متونها، وريح تغذي النبات
ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها جعل لكل ريح ريحاً مقابلتها تكسر سورتها وحدتها ويبقى لينها ورحمتها: فرياح الرحمة متعددة
وأما ريح العذاب ؛ فإنه ريح واحدة ترسل من وجه واحد لإهلاك ما ترسل بإهلاكه فلا تقوم لها ريح أخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها ،بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء يدمر كلَّ ما أتى عليه
وتأمل حكمة القرآن وجلالته وفصاحته كيف طرد هذا في البر ، وأما في البحر فجاءت ريح الرحمة فيه بلفظ الواحد :كقوله تعالى :{هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان} فإن السفن إنما تسير بالريح الواحدة التي تأتي من وجه واحد ، فإذا اختلفت الرياح على السفن وتقابلت لم يتم سيرها ، فالمقصود منها في البحر خلاف المقصود منها في البر؛ إذ المقصود في البحر أن تكون واحدة طيبة لا يعارضها شيء، فأفردت هنا ، وجمعت في البر ".