الواثقة بالله
03-18-2015, 10:57 PM
- المجلس الأوَّل :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذا تفسير موجز للآيات الكريمة من سورة الفرقان، وهي المتعلقة بصفات عباد الرحمن بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً. وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً. إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً. وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً.﴾ (الفرقان:63-77)
بيّنت هذه الآيات الكريمة صفات عباد الرحمن وأخلاقهم، وتعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع الناس، وبينت عقيدتهم وتصرفهم في أموالهم، وتلقيهم لآيات الله حين يُذَكَّرون بها .
انظر كيف وصف الله هيأتهم في مشيتهم، فقال :{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} يمدحهم الله بهذه الهيئة النابعة عن التواضع لله ربّ العالمين، وذلك التواضع من الآداب العالية في جميع الملل .
وانظر إلى لقمان كيف أوصى ولده بهذا الأدب، قال تعالى : {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} والله عز وجل قال :{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }(الإسراء:37 ) فهذه إهانة من الله تبارك وتعالى للمَرِحين المستكبرين؛ يقول له: من أنت حتى تتطاول على الناس ؟! فلن تبلغ الجبال طولا؛ يعني هذه إهانة له حتى يتواضع .
فهؤلاء العباد؛ عباد الرحمن يمشون هونا متواضعين لله رب العالمين، يمشون بسكينة ووقار غير مُتَصَنَّع وإنما تواضعاً لله وخفضاً للجناح للمؤمنين وغيرهم، يتواضعون لله عز وجل. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}
لكمال أخلاقهم وشرف نفوسهم لا يجارون السفهاء في الكلام القبيح وفي الكلام السفيه والوقح، وإنما يربؤون بأنفسهم ويشرِّفونها من الانحدار مع السفهاء الجهلاء إلى قول الجهل والفحش.
وإنما يقولون: (سلاما)؛ سلاما يَسلَمون فيه من الإثم وخرم المروءات والشرف؛ لأن التنازل مع السفهاء قد يخدش في كرامة النبلاء، فيتنـزهون عن البذاءة والفحش في الكلام ولو فُحِشَ عليهم، ولو أُسِيء إليهم ولو سُبُّوا فإنهم يقابلون ذلك بالأخلاق العالية من الصبر والحلم والكلام الطيب، حتى إنّ بعض الناس يسبّه بعض الناس فيقول: السلام عليكم:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }(القصص:55) .
وَلَقد أمُرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني *** فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ : لا يَعْنِيني
ما كانوا يسمعون، فلا تكن لئيما مع اللئام، بل اثبت واحلم واصبر وردّ السيئة بالحسنة قال تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.}(فصلت :34 -35 ) .
فهذا درس أخلاقيّ يربينا الله عليه سبحانه وتعالى، ويبين لنا صفات أوليائه وأصفيائه، يعلمنا أخلاقهم، فكما نتلقى منهم الدين والعقيدة كذلك نتلقى منهم الأخلاق، ونسير على منوالهم ونترسّم خطاهم .
ونحن لا نقرأ القرآن للبركة، بل نقرأ القرآن لنعمل به ونقرأ السنة لنعمل بها ونتعلم العلم لنعمل.
فالإسلام دين تطبيق وعمل وليس دين نظريات : { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.} وكم من الآيات يحثّ فيها الله تعالى على العمل الجادّ .
{قالوا سلاما}
إما يقول: ( السلام عليك)، أو يقول كلاما طيبا ليّنا حكيما يسلم فيه من الوقوع في الإثم والطيش والفحش .
يتبع إن شاء الله
المصدر :http://www.rabee.net/show_book.aspx?...&pid=5&bid=214 (http://www.rabee.net/show_book.aspx?id=994&pid=5&bid=214)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذا تفسير موجز للآيات الكريمة من سورة الفرقان، وهي المتعلقة بصفات عباد الرحمن بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً. وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً. إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً. وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً.﴾ (الفرقان:63-77)
بيّنت هذه الآيات الكريمة صفات عباد الرحمن وأخلاقهم، وتعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع الناس، وبينت عقيدتهم وتصرفهم في أموالهم، وتلقيهم لآيات الله حين يُذَكَّرون بها .
انظر كيف وصف الله هيأتهم في مشيتهم، فقال :{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} يمدحهم الله بهذه الهيئة النابعة عن التواضع لله ربّ العالمين، وذلك التواضع من الآداب العالية في جميع الملل .
وانظر إلى لقمان كيف أوصى ولده بهذا الأدب، قال تعالى : {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} والله عز وجل قال :{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }(الإسراء:37 ) فهذه إهانة من الله تبارك وتعالى للمَرِحين المستكبرين؛ يقول له: من أنت حتى تتطاول على الناس ؟! فلن تبلغ الجبال طولا؛ يعني هذه إهانة له حتى يتواضع .
فهؤلاء العباد؛ عباد الرحمن يمشون هونا متواضعين لله رب العالمين، يمشون بسكينة ووقار غير مُتَصَنَّع وإنما تواضعاً لله وخفضاً للجناح للمؤمنين وغيرهم، يتواضعون لله عز وجل. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}
لكمال أخلاقهم وشرف نفوسهم لا يجارون السفهاء في الكلام القبيح وفي الكلام السفيه والوقح، وإنما يربؤون بأنفسهم ويشرِّفونها من الانحدار مع السفهاء الجهلاء إلى قول الجهل والفحش.
وإنما يقولون: (سلاما)؛ سلاما يَسلَمون فيه من الإثم وخرم المروءات والشرف؛ لأن التنازل مع السفهاء قد يخدش في كرامة النبلاء، فيتنـزهون عن البذاءة والفحش في الكلام ولو فُحِشَ عليهم، ولو أُسِيء إليهم ولو سُبُّوا فإنهم يقابلون ذلك بالأخلاق العالية من الصبر والحلم والكلام الطيب، حتى إنّ بعض الناس يسبّه بعض الناس فيقول: السلام عليكم:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }(القصص:55) .
وَلَقد أمُرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني *** فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ : لا يَعْنِيني
ما كانوا يسمعون، فلا تكن لئيما مع اللئام، بل اثبت واحلم واصبر وردّ السيئة بالحسنة قال تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.}(فصلت :34 -35 ) .
فهذا درس أخلاقيّ يربينا الله عليه سبحانه وتعالى، ويبين لنا صفات أوليائه وأصفيائه، يعلمنا أخلاقهم، فكما نتلقى منهم الدين والعقيدة كذلك نتلقى منهم الأخلاق، ونسير على منوالهم ونترسّم خطاهم .
ونحن لا نقرأ القرآن للبركة، بل نقرأ القرآن لنعمل به ونقرأ السنة لنعمل بها ونتعلم العلم لنعمل.
فالإسلام دين تطبيق وعمل وليس دين نظريات : { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.} وكم من الآيات يحثّ فيها الله تعالى على العمل الجادّ .
{قالوا سلاما}
إما يقول: ( السلام عليك)، أو يقول كلاما طيبا ليّنا حكيما يسلم فيه من الوقوع في الإثم والطيش والفحش .
يتبع إن شاء الله
المصدر :http://www.rabee.net/show_book.aspx?...&pid=5&bid=214 (http://www.rabee.net/show_book.aspx?id=994&pid=5&bid=214)