المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفات عباد الرحمن


الواثقة بالله
03-18-2015, 10:57 PM
- المجلس الأوَّل :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذا تفسير موجز للآيات الكريمة من سورة الفرقان، وهي المتعلقة بصفات عباد الرحمن بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً. وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً. إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً. وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً. وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً. خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً.﴾ (الفرقان:63-77)
بيّنت هذه الآيات الكريمة صفات عباد الرحمن وأخلاقهم، وتعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع الناس، وبينت عقيدتهم وتصرفهم في أموالهم، وتلقيهم لآيات الله حين يُذَكَّرون بها .
انظر كيف وصف الله هيأتهم في مشيتهم، فقال :{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} يمدحهم الله بهذه الهيئة النابعة عن التواضع لله ربّ العالمين، وذلك التواضع من الآداب العالية في جميع الملل .
وانظر إلى لقمان كيف أوصى ولده بهذا الأدب، قال تعالى : {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} والله عز وجل قال :{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }(الإسراء:37 ) فهذه إهانة من الله تبارك وتعالى للمَرِحين المستكبرين؛ يقول له: من أنت حتى تتطاول على الناس ؟! فلن تبلغ الجبال طولا؛ يعني هذه إهانة له حتى يتواضع .
فهؤلاء العباد؛ عباد الرحمن يمشون هونا متواضعين لله رب العالمين، يمشون بسكينة ووقار غير مُتَصَنَّع وإنما تواضعاً لله وخفضاً للجناح للمؤمنين وغيرهم، يتواضعون لله عز وجل. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}
لكمال أخلاقهم وشرف نفوسهم لا يجارون السفهاء في الكلام القبيح وفي الكلام السفيه والوقح، وإنما يربؤون بأنفسهم ويشرِّفونها من الانحدار مع السفهاء الجهلاء إلى قول الجهل والفحش.
وإنما يقولون: (سلاما)؛ سلاما يَسلَمون فيه من الإثم وخرم المروءات والشرف؛ لأن التنازل مع السفهاء قد يخدش في كرامة النبلاء، فيتنـزهون عن البذاءة والفحش في الكلام ولو فُحِشَ عليهم، ولو أُسِيء إليهم ولو سُبُّوا فإنهم يقابلون ذلك بالأخلاق العالية من الصبر والحلم والكلام الطيب، حتى إنّ بعض الناس يسبّه بعض الناس فيقول: السلام عليكم:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }(القصص:55) .
وَلَقد أمُرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني *** فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ : لا يَعْنِيني
ما كانوا يسمعون، فلا تكن لئيما مع اللئام، بل اثبت واحلم واصبر وردّ السيئة بالحسنة قال تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.}(فصلت :34 -35 ) .
فهذا درس أخلاقيّ يربينا الله عليه سبحانه وتعالى، ويبين لنا صفات أوليائه وأصفيائه، يعلمنا أخلاقهم، فكما نتلقى منهم الدين والعقيدة كذلك نتلقى منهم الأخلاق، ونسير على منوالهم ونترسّم خطاهم .
ونحن لا نقرأ القرآن للبركة، بل نقرأ القرآن لنعمل به ونقرأ السنة لنعمل بها ونتعلم العلم لنعمل.
فالإسلام دين تطبيق وعمل وليس دين نظريات : { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.} وكم من الآيات يحثّ فيها الله تعالى على العمل الجادّ .
{قالوا سلاما}
إما يقول: ( السلام عليك)، أو يقول كلاما طيبا ليّنا حكيما يسلم فيه من الوقوع في الإثم والطيش والفحش .

يتبع إن شاء الله
المصدر :http://www.rabee.net/show_book.aspx?...&pid=5&bid=214 (http://www.rabee.net/show_book.aspx?id=994&pid=5&bid=214)

الواثقة بالله
03-18-2015, 10:59 PM
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }
الآية الأولى في التعامل مع الله ومع عباده وهذه في التعامل مع ربّ العالمين؛ يحبون الله ويعظِّمونه ويرجون رحمته ويخشون عذابه سبحانه وتعالى.
فيعبدون الله تبارك وتعالى؛ يقومون الليل، لكن ليس الليل كله كما علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإن شريعتنا دين الوسط ليس فيها رهبانية وليس فيها الجفاء وإنما هو دين الوسط، ولهذا لما تشدّد بعض الصحابة وقال بعضهم : أقوم ولا أنام وقال بعضهم :أصوم ولا أفطر وقال بعضهم : لا أتزوج النساء غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال : (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ([1]) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الليل ولا يزيد على إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وقد ينقص عليه الصلاة والسلام .
وكان عبد الله بن عمرو ممن يصوم النهار ويقوم الليل فبلغ ذلك رسول الله فأنكر عليه صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار ) ؟ فقلت : نعم فقال: ( فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين ونفهت النفس صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر أو كصوم الدهر ) . قلت : إني أجد بي - قال مسعر يعني قوة – قال: ( فصم صوم داود عليه السلام وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى )([2]).
وعلّمه أن يصلي صلاة داود؛ ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما . وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه )([3]) .
فأرشد عبد الله بن عمرو إلى أن يقوم قيام داود ويصوم صيامه؛ لأنه لا أفضل من قيامه ولا من صيامه، وكان لا يفر إذا لاقى؛ كان مجاهدا وكان من صفاته الشجاعة؛ كان يجمع بين العبادة وبين الشجاعة عليه الصلاة والسلام .
فنقوم الليل ولكن على النهج الذي شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الدين لا يشادّه أحد إلا غلبه.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال ( ما هذا الحبل ؟) . قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا، حُلُّوه ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد )([4]).
وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقدن حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه)([5])؛ لأن النوم يؤدي إلى خلل في عقل الإنسان قد يفقد وعيه فيقول مالا يريد.
فدين الله وسط؛ هذه الشريعة وسط ليس فيها شدة وليس فيها يهودية وليس فيها نصرانية، وإنما هي دين الوسط.
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } يصلون صلاة الخاشعين وسجود الخاشعين وركوع الخاشعين المخبتين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } سجود الخاشعين وركوعهم، وأثنى الله عليهم في آيات: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً }( الفتح:29) وصفهم الله تبارك وتعالى بهذه الصفات بأنهم أشدّاء على الكفار رحماء بينهم، {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } (المجادلة:22) .
وأخشى على كثير من الذين يعيشون في بلاد الكفار أن تكون هناك موادّة بينهم وبين الكفار ! أخاف على كثير وكثير منهم - والعياذ بالله-؛ لأن هذا الولاء كفر :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } (المائدة:51) .
والتولّي هو الودّ والمحبة والنصرة؛ فإذا توليته ونصرته على الدين الإسلامي وأحببته وودته هذا كفر لا غبار عليه، وقد تحصل موالاة بدون هذا؛ لأجل الدنيا فقط فيقع في الإثم الكبير.
فالأولى بالمسلم أن لا يعيش إلا في بلاد المسلمين وأن لا يجالس إلا الأخيار؛خيار المسلمين حتى في بلاد الإسلام تجتنب جلساء السوء .
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } هذا الشرح الذي ذكرناه لكم؛ يعني ليس كل الليل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وكان يقوم وينام ويصوم ويفطر عليه الصلاة والسلام. وبينت عائشة أنه ما كان يزيد على إحدى عشر ركعة لكنه يطيلهن([6])-عليه الصلاة والسلام - ليس مثل صلاة الناس الآن.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ }
يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالحنة وبالنار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث عن الجنة والنار فكأنما هي رأي العين أمامهم لقوة إيمانهم .
فعلى الإنسان أن يقوِّي إيمانه بتلاوة القرآن وتدبّره والإكثار من دراسة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ليزداد إيمانه ويقوى، ويقوي يقينه فكأنما يرى النار، وإذا عبد الله فكأنما يراه، فإن لم يكن يراه فليعتقد أن الله يراه.
فعباد الرحمن يؤمنون بهذه النار ويعرفون شدتها وفضاعتها وخزي أهلها فيستعيذون بالله منها ويلجأون إليه مستجيرين مستغيثين، ضارعين خائفين وجلين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } عذاب الكفار غرام ملازم لهم أبد الآبدين، لو يريدون أن يستريحوا منه لحظة لا يجدون ذلك، ولا يموتون فيها ولا يحييون فيلازمهم العذاب بسبب كفرهم بالله وشركهم به وارتكابهم معاصيه .
فهؤلاء يعملون الأعمال الصالحات ويجتنبون القبائح والسيئات وعلى رأسها الكفر ولا يكتفون بذلك بل يضرعون إلى الله أن ينجّيهم من النار؛ لأن المرء لا يضمن لنفسه الجنة، فيلجأ إلى الله تبارك وتعالى أن يقيه عذاب النار.
ولهذا علّمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل صلاة نصليها فريضة أو نافلة أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع؛ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال) ([7]) .
فلا يغترّون بإيمانهم وأعمالهم الصالحة وعبادتهم وقيام الليل ويقولون : نحن قمنا بهذه الأشياء فلنا الجنة ! كما يتصور بعض السفهاء وأهل البدع والضلال !!
كان الصحابة- رضوان الله عليهم - ؛قال ابن أبي مليكة : " أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه "([8]).
وقال الحسن : " ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق "(1).
فمن شدة حذرهم والبعد عن الغرور والإعجاب بالنّفس وبالعمل كانوا يخافون على أنفسهم النفاق، فهل نحن كذلك يا أخوة ؟! هل نجد هذه الروح وهذا الإحساس وهذه المشاعر ؟! أننا نخاف على أنفسنا : {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
( الأعراف:99) فلا تأمنوا، وقولوا : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } (آل عمران:8) وادعوا الله كثير بهذا الدعاء :( يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).
فيجب على المؤمن أن يكون خائفًا وجلاً؛ يخاف أن ينتكس، يخاف أن يزيغ قلبه، يخاف أن يقع في النفاق؛ النفاق العملي، والنفاق العملي إذا تمادى الإنسان فيه قد يقع في النفاق الإعتقادي -والعياذ بالله - .
فهم لا يركنون إلى أعمالهم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول : (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قالوا: ولا أنت يا رَسُولَ اللَّهِ ؟! قال : لا، ولا أنا إلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ )([9])ما قال : أنا أدخل الجنة بعملي ! ولكن اطلب من الله أن ينجّيك وأن يغفر لك وأن يبعدك عن النار واطمع في الله ولا تيأس، ارج الله، لكن لا يتغلَّب جانب الرجاء على جانب الخوف، فالمؤمن يجمع بين الخوف والرجاء؛ لا ييأس من روح الله ولا يأمن من مكر الله؛ فإن المؤمن متَّزِن؛ دائما يراقب نفسه ويخاف، فيخاف أن ينحرف وأن ينكص على عقبيه، بل يخاف على نفسه النِّفاق ويخاف على نفسه الرِدَّة .
فندعوا الله كثيرا (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك)،{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } ، { رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً }.
تدعو الله، تُخلص له، تؤدي الواجبات، تجتنب المحرّمات، تحرص على التطوعات وأنواع البرّ، ومع ذلك تلجأ إلى الله تبارك وتعالى أن يقيك عذاب النار.
بعض الناس يعتقد في نفسه أنه وليّ لله فلا يخاف على نفسه من الانحراف -والعياذ بالله- !
ويعتبرون الولاية وراثة ! هذا البيت الولاية فيه ! وهذا البلد أهله كلهم أولياء وينبتون في البلد الفلاني كما ينبت الزرع ! الشيطان يضحك عليهم ويلقِّنهم هذه الترهات ! وهذا حال المؤمنين أنهم بين الخوف والرجاء، فهذا عمر رضي الله عنه يقول عند موته : (والله لو أَنَّ لي طِلَاعَ الأرض ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ من عَذَابِ اللَّهِ عز وجل قبل أَنْ أَرَاهُ)([10])
شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومع ذلك كان يخاف خوفا شديدا على نفسه، وفتح الدنيا وكان يقول لأبي موسى : (يا أَبَا مُوسَى هل يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِجْرَتُنَا معه وَجِهَادُنَا معه وَعَمَلُنَا كُلُّهُ معه بَرَدَ لنا وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا منه كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ .
فقال أبو موسى: لا والله؛ قد جَاهَدْنَا بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا وَأَسْلَمَ على أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ وَإِنَّا لَنَرْجُو ذلك .
فقال عمر: لَكِنِّي أنا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بيده لَوَدِدْتُ أَنَّ ذلك بَرَدَ لنا وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا منه كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ)([11])يعني الأعمال التي عملها بعد الرسول عليه السلام يريد السلامة منها ويريد الكفاف لا له ولا عليه .
كل هذا الجهاد وهذا العدل الذي ملأ به الدنيا و ..و إلى آخره وهو خائف؛ يريد السلامة وعند موته يقول: (والله لو أَنَّ لي طِلَاعَ الأرض ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ من عَذَابِ اللَّهِ عز وجل قبل أَنْ أَرَاهُ ) من هول الموقف .
فهذا حال المؤمنين .

{إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }
بئس المقرّ وبئس المقام، قبُحت وشنعت فإنها بئس المقر؛ حال أهلها لا تستطيع وصفهم من البلاء الذي ينزل بهم والهلاك والشرور والدمار، فهذا بئس المستقر وبئس المقام .
(ساء) هنا معناها بئس ،بئس المقام؛ لأنه مقام الكافرين ومقام العذاب الأليم الذي لا نستطيع أن نتصوره : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(التحريم:6 ) .
{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } نار الدنيا ليست كذلك، نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم . قالوا : والله إن كانت لكافية يا رسول الله ! قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها )([12]) .
( وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)([13]) .
فيها برودة مهلكة وفيها حرارة شديدة لا يستطيع الإنسان أن يتصورها : {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ. كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ }(المرسلات:32-33) وهي نار عميقة الغور وهي دركات -والعياذ بالله- دركات ودركات والمنافقون في الدرك الاسفل من النار لخبثهم لأنهم أخبث من الكفار الواضحين.
والنفاق يوجد في هذه الأمة، وُجِد في عهد الرسول ومستمِّر الوجود في كل الأعصار والأجيال، وما نَشَر البدع؛ بدع الرفض وبدع الصوفية إلا الزنادقة المنافقون !! حلول وحدة الوجود، الشرك بالله، الرفض، تكفير الصحابة، الطعن فيهم، ما نشره إلا الزنادقة المنافقون، وينخدع بهؤلاء أناس عندهم إسلام ولكنهم على غاية من السفاهة والجهل والضلال، لا يميزون بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال، فينخدعون بهؤلاء المنافقين فيقعون في حبائلهم -والعياذ بالله- !!