المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح كتاب الصيام- لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي - حفظه الله -


طالب العلم
06-24-2015, 01:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


كتاب الصيام

لناظمه الشيخ العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي - رحمه الله -
وشارحه الشيخ العلامة زيد بن محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله -

باب فرضيته وفضله
للصوم معنيان :
معنى في اللغة : وهو الإمساك ، تقول العرب : صام الفرس عن الجري ، وصام الرجل عن الكلام ، أي : أمسك عنه ؛ ومنه (( إني نذرت للرحمن صوما )) [ سورة مريم : 26 ] . أي : سكوتا عن الكلام .
ومعنى في الشرع : وهو إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص عن أشياء مخصوصة مع النية .
أما الزمن المخصوص : فمن طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .
وأما الشخص المخصوص : فهو المسلم العاقل غير المرأة الحائض والنفساء (1) . وأما الأشياء المخصوصة : فهي مبطلات الصوم ومكروهاته ، وقد فُرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان ، فصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات(2)كما هو معروف من تاريخ حياته المباركة الطاهرة العامرة بكل طاعة وخير ومعروف .
(1) : قال ابن هبيرة في الإفصاح : " اتفقوا على أنه يتحتم فرض صوم شهر رمضان على كل مسلم ومسلمة بشرط البلوغ والعقل والطهارة والقدرة ، والإقامة ."
قلت : والمراد بالطهارة من الحيض والنفاس .
(2) : وقبل فرض رمضان المبارك كان المفروض صوم يوم عاشوراء حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صامه ، وأمر الناس بصيامه ، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ، كما روى مالك والشيخان وغيرهما عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : " كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ، فلماقدم رسول الله المدينة صامه ، وأمر الناس بصيامه ، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة ، وترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه " . انظر شرح السنة ( ج 6 ص 212 ) .

ن : صيام شهر رمضان حتما ***** بالآي والحديث فرضا علما
وهو على من تجــب الصـــلاة ***** عليه إذ جاءت بذا الآيــــات
واستثن من ذا من يكن معذورا ***** شرعا ويأتي حكمهم مذكورا
وهو لــهذا الــدين ركـــن رابع *****................................

ش : قوله :

صيام شهر رمضان حتما ***** بالآي والحديث فرضا علما
أي: أن صيام شهر رمضان قد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب : فقول الله عز وجل http://bamhrez.com/vb/( ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) [ البقرة 183 ] .
وقوله سبحانه : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه )) [ البقرة 185 ] .
وأما السنة : فقد ثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " .
وأما الإجماع : فقد أجمعت الأمة المسلمة على وجوبه ، ولم يخالف في ذلك مخالف ، ولم يشك أو يتردد في ذلك أحد ، بل إن فرضيته معلومة لأمة الإسلام من الدين بالضرورة ، ومن أنكر فرضيته بعد قيام تلك الأدلة القوية عليها فهو كافر مرتد عن الإسلام ، يستتاب ويدعى إلى الإقرار بوجوبه وفرضيته ، فإن لم يؤمن بذلك فإنه يقتل مرتدّا عن الإسلام ، والعياذ بالله .

قوله :
وهو على من تجب الصلاة *****عليه إذ جاءت بذا الآيات
أي : أن الصوم يجب على من تجب عليه الصلوات المفروضة ، وذلك بأن تتوفر فيه الشروط التالية :
ا - الإسلام : فلا يصح من كافر ؛ لأنه لم يأت بالأصل الذي تقبل معه التكاليف ، وإن كان الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها على الصحيح .
ب - العقل : فلا يصح من مجنون ونحوه ، ولا يجب عليه ما دام غير عاقل لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .
ج - البلوغ : فلا يجب على صبي لم يبلغ الحنث ؛ لأن القلم مرفوع عنه كما في حديث عائشة السابق .
د - القدرة على الصوم : فلا يجب على المريض ، ولا على مسافر ، ولا على شيخ طاعن في السن ، ولا على حامل ولا مرضع تلحقهما أو ولديهما مشقة بسبب الصوم كما قال تعالى http://bamhrez.com/vb/( وعلى الذين يطيقونه - يتكلفونه بمشقة - فدية طعام مسكين )) [ سورة البقرة 184 ] وكما قال سبحانه : (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) [ البقرة : 185 ] .

وقوله ........................... ***** .......... إذ جاءت بذا الآيات
أي : أن وجوب الصوم يتعلق بمن وجبت عليه الصلاة ، وحيث إن الصلاة وجبت بنصوص قرآنية كما في قوله : (( وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة )) [ سورة البقرة 43 ] .
وقوله : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)) [ سورة النساء 103 ] .
فكذلك جاءت بفرضية الصوم آيات قرآنية كما في قوله تعالى : (( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) [ سورة البقرة 183 ] .
وكما في قوله عز وجل : (( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )) [ سورة البقرة 185 ] .
وكلاهما ركن من أركان الإسلام .

قوله :
واستثن من ذا من يكن معذورا ***** شرعا ويأتي حكمهم مذكورا
أي : أنه يستثنى ممن يجب عليهم الصوم من كان معذورا بنص شرعي وذلك كالمريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير والحائض والنفساء ، فهؤلاء معذرون شرعا كما ستأتي أحكامهم مفصلة في بابها .

وقوله :
وهو لهذا الدين ركن رابع ***** ............................
أي : وصوم شهر رمضان هو الركن الرابع من الأركان التي بني عليها الإسلام كما في حديث جبريل المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب وفيه : أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا .
ومثله في الدلالة على هذا المعنى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : بني الإسلام على خمس " وقد تقدم قريبا .
ولهذه النصوص وجب الإيمان بفرضيته ، والعمل به إيمانا واحتسابا ، ومن أنكر فرضيته فقد ارتد عن الإسلام إن كان قبل ذلك مسلما .
ن : ............................. ***** وكم له قد صح فضل ساطع
تفتح أبواب الجنان إن دخــــل ***** شهر الصيام والشياطين تغل
شهر به تفتح أبواب الســــما ***** وتغلق الأبواب من جهنمـــــا
شهر بصومه الذنـــــوب تغفــر***** وتعتق الرقــاب نصا يؤثـــــر
خلوف في الصائم دون شـــك ***** تــفضل عند الله ريح المسـك
وإن فــي الـجــنة للصـــــــوّام ***** بابا له الرّيّان اسم ســـــامي
وقد روى نبيــــنا عــن ربــه ***** لي الصيام وأنا أجــزي بــــه
وصح للصــــــائم فرحــــتان ***** مع فطره ومع لقــا الرحــــمن
وغير هذا من فضــــائل تعد ***** وكم بتــــركه وعــيد قـــد ورد
ش : في هذه الأبيات شرح مفصل لما لشهر الصيام والقيام من الفضل الكبير والخير الكثير الذي جاءت بذكره النصوص الصريحة ذات المعاني الصحيحة والأنوار المضيئة وإن من فضائله :
ا - أن أبواب الجنان تفتح لدخوله ، وتغلق أبواب النيران ، وتصفد مردة الشياطين ، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " .
ب - ومنها : أن أبواب السماء تفتح وأبواب جهنم تغلق ، فلا يفتح منها باب والشياطين تسلسل كما في الرواية الأخرى لأبي هريرة رضي الله عنه حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين : .
وإلى هذه الفضائل التي جاء تبيانها في هذين النصين أشار الناظم بقوله :
تفتح أبواب الجنان إن دخل ***** شهر الصيام والشياطين تغل
شهر به تفتح أبواب الســـما ***** وتغلق الأبواب من جهنمــــا
ج - ومنها : أن الذنوب تغفر لمن صامه إيمانا واحتسابا ، وتعتق الرقاب كذلك ، وتكثر فيه النداءات بالحث على فعل الخير والإكثار منه ، وترك الشر بحذافيره ، وتلك النداءات تصدر ممن نسمع ونرى ، وممن لا نسمع ولا نرى ، وقد جاء بيان هذه الفضائل في حديثين ثابتين :
أحدهما : في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه : .
ثانيهما : رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة " .
د - ومنها : أن خلوف فم الصائم فيه أطيب عند الله من ريح المسك كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الصيام جُنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم .
وقال : والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به ، كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " .
هـ - ومنها : ما أعده الله عز وجل للصائمين في الجنة حيث خصهم بباب يقال له الريان ، يدخلون منه ، فيشربون فلا يظمئون أبدا ، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " .
أشار الناظم بقوله :
خلوف في الصائم دون شك ***** تفضل عند الله ريح المسك
وإن في الجنة للصـــــــوّام ***** بابا له الرّيّان اسم ســـــامي
و - ومنها جلالة قدر عبادة الصوم ، وأن ثوابه لا يعد ولا يحصى ؛ لكونه سرا عظيما بين العبد وبين ربه ، وتربية للنفس يختلف عن غيره من العبادات .
ز - ومنها : الفرح والسرور الذي يتمتع به الصائم عند فطره ويوم لقاء ربه، ومنها أنه وقاية للإنسان من الوقوع في المعاصي لما له من التأثير على قوة الشهوة وكذلك هو جُنة للعبد يوم القيامة من النار ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله سبحانه وتعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشهوته من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم فيه أطيب عند الله من ريح المسك ، الصوم جُنة ، الصوم جُنة " .
وإلى هذه الفضائل أشار الناظم بقوله :
وقد روى نبينا عن ربه ***** لي الصيام وأنا أجزي به
وصح للصائم فرحتــان ***** مع فطره ومع لقا الرحــمن
هذا وكم للصوم من فضائل ينالها الصائمون في دنياهم وأخراهم ، وبجانب ذلك فكم من وعيد شديد ترتب على ترك الصيام أو الخيانة فيه ، والتحايل لإسقاطه .
من ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض ؛ لم يقضه صوم الدهر وإن صامه " هذا لفظ الترمذي .
أما أبو داود فليس فيه ذكر :" المرض " ، ولا : " كله وإن صامه " .
وقال البخاري : " باب إذا جامع في رمضان "
ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه :" من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه " وبه قال ابن مسعود .
قلت : ورواية البخاري المعلقة تشهد لما رواه أبو داود والترمذي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي .
وإلى الإشارة بكثرة فضائل الصوم والتحذير من تركه عمدا بأي وسيلة من وسائل المكر والحيل أشار الناظم بقوله :
وغيرهذا من فضائل تعد ***** وكم بتركه وعيد قد ورد .

باب ما يثبت به الصيام والإفطار

ن : ثبـــوته برؤية الهـــــــلال ***** وحيث إغماء فبالإكمـــــال
عدة شعبـــــان ثلاثين وفـــــي ***** خروجه الأمركذاك فاعرف
والخلف في شهادة الهــــــــلال ***** على ثلاثــة من الأقــــــوال
فـــقيل لابـــد مـــن العــــدلين ***** في الصوم والفطركلا الحالين
وقيل في دخوله عـــــــدل وفي ***** خروجه عدلان شرطان تفــي
وقيل يكفي العدل في الفـطر كما ***** في رؤية الصوم لما قدعلما
من كونه قد صح في الدين العمل ***** بخبر الواحد من غير جدل
ش : قوله :
ثبوته برؤية الهــــــلال ***** وحيث إغماء فبالإكمال
عدة شعبان ثلاثين ......***** ..........................
أي : يثبت صوم رمضان برؤية هلاله ، فإذا لم ير الهلال ليلة الثلاثين من شعبان لغيم ونحوه فإنه يثبت الصوم بأمر آخر ؛ وهو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما .

وقوله :
....................وفي ***** خروجه الأمر كذاك فاعرف
أي : ويثبت الفطر برؤية هلال شوال فإن لم ير هلال شوال ليلة الثلاثين لغيم ونحوه ، فقد وجب إكمال عدة رمضان ثلاثين يوما لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له " .
وفي حديث أبي هريرة :" صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما " .
وأما نصاب الشهادة على رؤية هلال رمضان ، وكذا على رؤية هلال شوال ، فقد اختلف العلماء فيها على عدة أقوال :
الأول منها : وهو الراجح الإكتفاء بشهادة رجل مسلم على دخول رمضان لما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني رأيت الهلال - يعني : رمضان - فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا " .
ورواه أبو داود أيضا من حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عكرمة مرسلا بمعناه ، وقال :" فأمر بلالا فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا " .
فإن في هاتين الروايتين دليلا على وجوب قبول شهادة مسلم واحد برؤية هلال رمضان ، ومن ثم وجوب الصوم بها ، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه ، وبه قال ابن المبارك وقال النووي : وهو الأصح ، وأما عند الخروج فيشترط شهادة عدلين ، وذلك عند الجمهور من الفقهاء والمحدثين إلا أبا ثور وأبا بكر بن المنذر فإنهما لم يفرقا بين هلال شوال وهلال رمضان وقالا : يقبل في الدخول والخروج شهادة الواحد ، وقد نصر رأيهما الإمام الشوكاني حيث قال : " وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الإثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة فالظاهر أنه يكفي فيه قياسا على الإكتفاء به في الصوم ، وأيضا التعبد بقول خبر الواحد على قبوله في كل موضع إلا ما ورد الدليل بتخصيصه بعدم التعبد فيه بخبر الواحد ، كالشهادة على الأموال ونحوها فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور " .
الثاني : لابد من شهادة عدلين على دخول رمضان وعلى خروجه بدون فرق بين نصاب الشهادة في الدخول والخروج ، وبذلك قال بعض الفقهاء كمالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه والهادوية ، واستدلوا بالحديثين التاليين :
1 - ما رواه النسائي في سننه عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال : ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم ، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما ، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " . حديث صحيح .
2 - وما رواه أبو داود والدارقطني عن أمير مكة الحارث بن حاطب قال : " عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية ، فإن لم نره ، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتيهما " .
وقال الدارقطني : هذاإسناد متصل صحيح ، ووجه الدلالة من النصين هو اشتراط العدد حيث قال في الحديث الأول :" فإن شهد شاهدان مسلمان " . وقال في الثاني :" وشهد شاهدا عدل " . ولم يقتصر على واحد في حال من الحالين غير أن الجمهور الذين يرون ثبوت الصوم بشهادة عدل واحد قالوا : إن التصريح بالإثنين غاية ما فيه المنع من قبول واحد بالمفهوم ، وحديث عكرمة وحديث ابن عمر يدلان على قبول شهادة الواحد برؤية هلال رمضان بالمنطوق ، ودلالته أرجح ، كما هو معلوم من قواعد الأصول .
الثالث : وقيل : إنه يكفي في ثبوت الرؤية ومن ثم الصوم والفطر شهادة عدل واحد وهذا القول منسوب إلى أبي ثور وقد اعتمد فيه على أنه يعمل بخبر الواحد في كثير من الأحكام كرؤية هلال رمضان :" وكقصة الرجل الذي صلى صلاة العصر مع الني صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة ، ثم خرج فمر عل أهل مسجد وهم راكعون متجهين إلى بيت المقدس ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة ، فداروا كما هم قبل البيت " .
وغير ذلك من الأحكام التي تثبت بشهادة الواحد ، والعمل بخبر الواحد لا ينكره أحد ، ولا يجادل فيه ، إلا أن أبا ثور في هذه المسألة خالف كافة العلماء وترك أدلتهم الصريحة في اشتراط عدلين يشهدان برؤية هلال شوال ، كما رأيت .
وإلى هذا الخلاف أشار الناظم بقوله :
والخلف فــي شهادة الهـــــلال ***** على ثلاثــــة مـــن الأقــــــوال
فـــقيل لابـــــد من العـــــدليــن ***** في الصوم والفطر كلا الحالين
وقيل في دخوله عــــدل وفـــي ***** خروجه عدلان شرطان تفــي
وقيل يكفي العدل في الفطر كما ***** في رؤية الصوم لما قد علمـا
من كونه قد صح في الدين العمل***** بخبر الواحد من غير جــــدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
ن : وإن رؤي في بلد هل يلزم ***** بقية البلدان خلف لهم
بعد اتفــــــــــاقهم على لــــــزوم ***** وفاق أهله على العموم
ش : تضمن هذان البيتان مسألتين من مسائل كتاب الصوم :
الأولى منهما : اتفاق العلماء على أنه متى ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد فقد لزم جميع أهل ذلك البلد الصيام .
وقد أشار الناظم إلى هذه المسألة بقوله :
بعد اتفاقهم على لزوم ***** وفاق أهله على العموم
المسألة الثانية : إذا رؤي الهلال في بلد فهل يلزم بقية بلدان العالم الصيام برؤية أهل ذلك البلد أم لا ؟
والجواب : أن هذه المسألة محل خلاف بين العلماء وحاصله :
1 - ذهب الفقهاء كالقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وإسحاق إلى أن لأهل كل بلد رؤيتهم ، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه ، واستدل هؤلاء بما رواه أحمد ومسلم والترمذي عن كريب رضي الله عنه : " أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال : قدمت الشام فقضيت حاجتها ، واستهل عليّ رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نره . فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
2 - وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا رؤي هلال رمضان في بلد لزم أهل البلاد كلها أن يصوموا ؛ لأن الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم :" صوموا لرؤيته " الحديث ، عام لجميع المسلمين ؛ ولأن رمضان ثبت دخوله ، فثبتت أحكامه ؛ فوجب صيامه على عموم المسلمين برؤية عدل منهم في أي مكان كان .
3 - وفصل بعض الفقهاء كالشافعي في المشهور عنه فقال : إن اختلفت المطالع فلكل قوم مطلعهم ، وإن اتفقت المطالع فحكم الجميع واحد في الصوم والإفطار ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو كما ترى اختيار وجيه لاختلاف زمن المطالع والمغارب ، لاسيما بالنسبة لأهل الشرق الأقصى والمغرب كذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب تبييت النية وحكم الفوات لغرة أو عذر

ن : وواجـــب تبييــته بالليــل ***** نية صوم الفرض دون النفل
وحيث بان الصوم بعد أن مضى***** بعض النهارصامه ثم قضى
ومن يـــكن شرط قبـــول فقــدا ***** أو صحــة ثم به قــد وجــدا
ككافــــر أثــــناءه قـــد أسلمــــا ***** ومثله الصغير حيث احتلمــا
كذاك ذو الإغمـــــاء قل إن يفـــق***** أوجب عليهمو صيام ما بقي
ش : قوله :
وواجب تبييته بالليل ***** نية صوم الفرض دون النفل
1 - أي أنه يجب تبييت نية الصيام في الفرض ، وإيقاعها في أي جزء من أجزاء الليل ، إذ لا يصح الصوم إلا بتبييتها ، وقد قال بذلك بعض العلماء والأئمة كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في أحد قوليه ، والهادي والقاسم واستدلوا بحديث : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى " الحديث ، وبما رواه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني عن حفصة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " .
2 - أما الإمام مالك والليث وابن أبي ذئب وقبلهم ابن عمر وجابر بن زيد فإنهم قالوا بوجوب تبييت النية في الفرض والنفل مطلقا .
3 - وروي عن ابن مسعود أن التبييت لا يجب إلا في صوم القضاء والنذر المطلق والكفارات .
والذي يترجح : وجوب تبييت النية فيما كان فرضا ، أما التطوع فصاحبه أمير نفسه فسواء بيت النية من الليل أو قبل الزوال أو بعده فالصوم صحيح ومنعقد ، وإن أحب أن يفطر أثناء النهار فله ذلك ولا إثم عليه ولا قضاء عند الجمهور ، وهو الصحيح لأنه لم يجب بذمته شيء حتى يعاقب على تركه ، والدليل عليه ما روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم من شيء ؟ فقلنا : لا . فقال : فإني إذن صائم . ثم أتانا يوما آخر فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس . فقال : أرينه فلقد أصبحت صائما ، فأكل " رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي .
وزاد النسائي : ثم قال :" إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يُخرج من ماله الصدقة ، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها ."
وفي لفظ له أيضا قال :" يا عائشة إنما منزلة من صام في غير رمضان ، أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه ، وبخل منها بما شاء فأمسكه ".
قال البخاري : وقالت أم الدرداء : كان أبو الدرداء يقول : عندكم طعام ؟ فإن قلنا : لا .قال : فإني صائم يومي هذا .قال وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم .
قوله :
وحيث بان الصوم بعد أن مضى ***** بعض النهار صامه ثم قضى
أي : من تبين له أثناء النهار أن ذلك اليوم من رمضان وجب عليه صيام الباقي من يومه ، ووجب عليه القضاء بدليل ما جاء في البخاري ومسلم والنسائي عن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه :" أن رسول صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس إذ فرض يوم عاشوراء : ألا من أكل فليمسك ومن لم يأكل فليصم " وكان ذلك في النهار .

قوله :
ومن يكــن شرط قبول فقــــــدا ***** أو صحة ثم بــه قد وجــــدا
ككافــــــــــر أثــــناءه قد أسلما ***** ومثله الصغير حيث احتـلما
كذاك ذو الإغمــاء قل إن يفـــق ***** أوجب عليهمو صيام ما بقي

في هذه الأبيات الثلاثة بيان أن من كان فاقدا شرطا من شروط قبول الصوم أو شرطا من شروط صحته التي تقدم ذكرها ، ثم وجد ذلك الشرط في أثناء نهار رمضان ، فإنه يجب على من كان ذلك شأنه أن يصوم ما بقي من يومه ، وأن يقضي يوما مكانه ، وذلك كالكافر إذا أسلم أثناء النهار ، والصغير إذا بلغ ، وصاحب الإغماء إذا أفاق فإنهم يلزمهم صوم ما بقي من يومهم ثم القضاء ، والقول بوجوبه أحوط ويلحق بهؤلاء كل من الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار ، وجب عليهما الإمساك والقضاء وكذا المسافر إذا قدم أثناء النهار والمريض إذا برىء من مرضه كذلك ، وذلك لزوال المانع والعذر المبيح ، فقد روى أبو داود عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه :" أن أسلم أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا . قال : فأتموا بقية يومكم واقضوه " .
وهو صريح في وجوب الإمساك على من أسلم في نهار رمضان ، ووجوب قضاء ذلك اليوم ، ويلحق كل من ذكر من صغير بلغ ، أو مجنون ، أو صاحب إغماء أفاق ، ومن زال عذره المانع من الصوم كما رأيت قريبا ، والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب فضل السحور و تأخيره و تعجيل الفطر

ن : والفطر والسحور فيهما أتى ***** فضل عن الرسول نصا ثبتا
قــــولا وفــــعلا آمـــــرا مرغــبا ***** فلا تكن عما ارتضاه راغـبا
ثـــم الســحور صح ما الليل بقي ***** وفات بانشقاق فجر صـادق
وبالغــــروب الفـــطر حل فاعــلم ***** ولا تؤخر لظهــور الأنجـــم
وســن فـي الإفطــار أن يعجـــّلا ***** وأخر السحـور نصّا انجــلا

ش : هذه الأبيات تتعلق بمشروعية السحور والإفطار ، وبيان الآداب التي ينبغي أن يلتزمها المسلم حيال سحوره وإفطاره ففي قوله :

والفطر والسحور فيهما أتى ***** فضل عن الرسول نصّا ثبتا
قــولا وفــعلا آمـــــرا مرغبا ***** فلا تكن عما ارتضاه راغبا

أي : أنه قد ورد في نصوص السنة الصحيحة القولية والفعلية فضل عظيم في أكلة السحور والإفطار وبأساليب متنوعة ، ترغيبا وترهيبا ، ترغيبا في الفعل وترهيبا من التساهل والترك فمن تلك النصوص :
1 - ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تسحروا فإن في السحور بركة " .
ففي هذا الحديث الترغيب في التماس هذه البركة التي يمكن أن تحصل من جهات متعددة ، بل وتكون حسية ومعنوية :
ا - فمنها : اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإحياؤها وكفى بذلك بركة وفضلا .
ب - ومنها : التقوي بأكلة السحور على القيام بوظائف النهار بارتياح ونشاط .
ج - ومنها : مدافعة ما يسببه الجوع من سوء الأخلاق أثناء التعامل مع الناس في معترك الحياة .
د - ومنها : مخالفة أهل الكتاب ، فإنهم لا يتسحرون كما شرع للمسلمين ومخالفتهم قربة من القربات .
ه - ومنها : ذكر الله وقت السحر من قراءة أو استغفار أو صلاة وكل ذلك خير وبركة .
و - ومنها : أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين كما جاء في المسند عن أبي سعيد مرفوعا :" السحور أكله بركة ، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " .
2 - ومن النصوص الدالة على عظيم فضل السحور ما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " .
وهذا أعظم ترغيب وأبلغ حث على ملازمة هذه السنة النافعة المفيدة التي جعلت علامة فارقة بين صوم أهل الحق ، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وبين صوم عباد الهوى والشيطان من أهل الكتاب الذين ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
قوله :
ثم السحور صح ما الليل بقي ***** وفات بانشقاق فجر صادق
أي : أن ليلة الصيام ظرف يحل فيه الأكل والشرب والجماع ، ولا يحرم على الصائم شيء من ذلك ما بقي جزء من الليل ، فإذا ذهب الليل وانشق الفجر الصادق الذي تحل فيه الصلاة حرم عليه ذلك كله إلى الليل بدليل قول الله عز وجل http://bamhrez.com/vb/( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى اليل )) [ سورة البقرة : 187 ] الآية .
ولهذه الآية سبب نزول ذكره ابن كثير وغيره من المفسرين وهو : أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها وأن صرمة بن قيس الأنصاري كان صائما وكان يومه ذلك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام ، وجاءته امرأته فلما رأته نائما قالت : خيبة لك أنمت ؟ فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )) الآية .
وقال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيرها : " هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلةفوجد في ذلك مشقة كبيرة .
قوله :
وبالغروب الفطر حل فاعلم ***** ولا تؤخر لظهور الأنجم
وسن في الإفطار أن يعجلا ***** وأخر السحور نصا انجلا

ش : أي أنه بمجرد غروب الشمس يحل الفطر للصائم نصا صريحا يجب أن يعلم ويعمل به ، بل إن من حق الصائم أن يبادر باإفطار فور غروب الشمس ولا يجوز له تأخير الإفطار حتى يظهر له النجم كما صنع اليهود والنصارى الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، لأن اليهود والنصارى يؤخرونه " .
وعند الحاكم وابن حبان عن سهل بن سعد :" لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم ."
ومثل اليهود في المبالغة في تأخير الإفطار الرافضة ، فإنهم يؤخرونه حتى تظهر النجوم ، وما ذلك إلا لقلة حظهم من الدين ، ورغبتهم عن سنة خير المرسلين وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليهم أجمعين - .
وأما السحور : فالسنة فيه التأخير لنصوص كثيرة وردت في الإرشاد والترغيب في تعجيل الإفطار وتأخير السحور :
ا - منها : ما رواه أحمد بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :" لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر " .
ب - ومنها : ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال :" تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة ، قال أنس ثم قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية " .
ج - ومنها : ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم ، فإنه ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " .
د - وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال :" الفجر فجران : فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا ، ولكن الفجر الذي يستنير على رءوس الجبال هو الذي يحرم الشراب ."
فهذه النصوص تدل على مشروعية تعجيل الإفطار عند غروب الشمس بدون تردد ولا شكوك كما تدل على مشروعية تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل لما في ذلك من المصالح المتعددة ، ولو لم يكن فيها إلا إحياء السنة ومخالفة الغلاة من أهل الكتاب والرافضة ؛ لكفى بذلك مصلحة وخيرا .

ن : وسن فطره على التمر إذا ***** كان وإلا الما طهور فخذا
وسن في الفطر الدعا بما ورد ***** إذ دعوة الصائم فيه لا ترد

ش : في هذين البيتين بيان سنتين من سنن الصوم النافعة :
الأولى منهما : الفطر على التمر إن وجد ، فإن لم يوجد فعلى حسوات من ماء فإنه طهور ، لما روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس بن مالك قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم يكن تميرات حسا حسوات من ماء " .
ففي هذا النص دليل صريح على استحباب الفطر على الرطب إن وجد ، لأنه أفضل من اليابس ، فإن لم يوجد رطب فعلى التمر ، فإن لم يوجد رطب ولا تمر فيستحب للصائم أن يفطر على حسوات من ماء ، ومثل حديث أنس في الدلالة ما رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن سلمان بن عامر الضبّي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من وجد التمر فليفطر عليه ، ومن لم يجد التمر فليفطر على ماء فإن الماء طهور " .
وقد ذكر الإمام الشوكاني - رحمه الله - علة مشروعية الإفطار على التمر فقال :" وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو ، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم ، وهذا أحسن ما قيل في بيان وجه الحكمة ."
قلت : ولعل قائلا يقول : إذا كانت العلة هي الحلاوة وهي توجد في التمر وغيره ، بل ربّما يكون وجودها في غيره أبلغ ، فهل من اختار لفطره نوعا من أنواع الحلويات يكون مصيبا للسنة أم لا ؟
الجواب : أنه لم يكن مصيبا للسنة ، وإنما السنة في التقيد بفعل ما أرشدنا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أرشدنا إلى الرطب فالتمر ، وعند عدمهما إلى الماء فإنه طهور .
وتعليل مشروعية الإفطار على الرطب والتمر بأنه حلو سبيله الإجتهاد ، وليس من العلل المنصوص عليها من الشارع صلى الله عليه وسلم فليعلم ذلك .
وقد أشار الناظم إلى هذه السنة بقوله :

وسن فطره على التمر إذا ***** كان وإلا الما طهور فخذا

والسنة الثانية : مشروعية الدعاء للصائم على العموم ، وعند فطره على وجه الخصوص ، فقد روى الترمذي في جامعه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه حديثا طويلا وفيه :" ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم فوق الغمام وتفتح لها أبواب السموات ، ويقول الرب : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين .
وأما الدعاء عند الإفطار فقد جاء فيه أحاديث بعضها ضعيف وبعضها حسن كحديث مروان بن المقفع قال : رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقبض على لحيته ، فيقطع ما زاد على الكف قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود والدارقطني وحسنه ، والحاكم وصححه .
وإلى هذا أشار الناظم بقوله :
وسن في الفطر الدعا بما ورد ***** إذ دعوة الصائم فيه لا ترد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
ن : وقد نهى النبي عن الوصال ***** أي صوم الأيام مع الليالي
مع فعله لــــــــه لا لــــــــلحرمة ***** ذا النهي لكن رحمة بالأمة

ش : في هذين البيتين بيان مسألة واحدة من مسائل الصوم ، وهي مسألة الوصال في الصوم ، وهو ترك ما يفطر بالنهار عمدا في ليالي الصيام ، وقد عرفه الناظم بقوله : " ........ ***** ......صوم الأيام مع الليالي " .
وقد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق ، ورجحه ابن القيم وشهد له أنه أعدل الأقوال وهو التفصيل ، فقالوا : إنه جائز إلى السحر مع أن الأولى تركه تحقيقا لتعجيل الإفطار ، ومكروه بأكثر من يوم وليلة لما روى البخاري من حديث أبي سعيد :" لا تواصلوا ، وأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ".
القول الثاني : الجواز مع القدرة عليه ، واختاره جمع من السلف كعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي نعم وإبراهيم بن زيد التميمي ، وأبي الجوزاء وقد استدل هؤلاء بمواصلة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ".
القول الثالث : التحريم مطلقا ، وقد ذهب إليه الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي ، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال . قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنك تواصل ، قال : إني لست كهيئتكم ، إني أطعم وأسقى " متفق عليه .
ووجه الإستدلال عند هؤلاء أن النهي يقتضي التحريم ، واعتذروا عن مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقالوا : إنه لم يقصد به التقرير ، وإنما قصد به التنكيل كما هو معلوم من ألفاظ الحديث ، فحين نهاهم فلم ينتهوا ، بل ألحوا في الطلب واصل بهم لتأكيد النهي والزجر وبيان الحكمة من نهيهم وظهور المفسدة التي نهاهم لأجلها ، فبعد بيان هذا يحصل منهم الإقلاع عنه وهو المطلوب .
قلت : وهو اعتذار وجيه وتعليل مقبول ، فدل على وجاهته وقبوله ألفاظ الأحاديث المضيئة فليتأمل .
أما بالنسبة لوصال النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمر مشروع ؛ لأنه من خصائصه لوجود القدرة منه عليه ، والإعانة الخاصة من الله لنبيه ، حيث يبيت يطعمه ويسقيه بما يجد من لذة مناجاة ربه وسرور نفسه بذلك اللقاء الذي يحصل بين الله وبين خليله محمد صلى الله عليه وسلم .
وحيث ثبت أن الوصال من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا سبيل إلى التأسي به فيه ، وإنما التأسي به فيما عدا الخصائص ، وسر نهينا عن الوصال إنما هو رحمة بنا ، لئلا يفرض على الأمة ما يشق عليها فلا تطيقه ، بل تعجز عن القيام به ، فتتعرض للعقوبات التي تترتب على ترك الفرائض والواجبات ، فالحمد لله الذي رحمنا وعافانا ، ولم يكلفنا من الأعمال ما يعنتنا .



باب ما يبطل الصوم وما يجوز فيه وما يكره

ن : يبطله أكل وشرب فاعلم ***** والقيء والجماع نصّا قد نمي
وكل ذي بحيث عمــدا فعـــلا ***** لا غير عـــامد فلـــيس مبطلا

ش : في هذين البيتين بيان لأشياء إذا فعلها الصائم أو فعل واحدا منها عامدا فقد بطل صومه وارتكب إثما عظيما وخسر خسرانا مبينا .
الأول والثاني : الأكل والشرب عمدا بخلاف من أكل أو شرب ناسيا أو مخطئا أو مكرها ، فإنه لا قضاء عليه ولا إثم ولا كفارة ؛ إذ لا اختيار له في ذلك ، وذلك لثلاثة أدلة :
الدليل الأول : ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب ، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " .
الدليل الثاني : ما أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ".
قال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح .
الدليل الثالث : ما رواه ابن ماجه والطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
فهذه النصوص تدل على أن الأكل والشرب لا يبطل بهما أو بأحدهما الصوم ، إلا إذا كان على سبيل العمد والإختيار ، بخلاف النسيان والخطأ والإكراه ، فإن الصوم لا يبطل عن طريقهما .
الشيء الثالث : من المفطرات القيء ، فمن غلبه القيء وهو صائم في أي وقت من نهاره فيجب عليه أن يستمر في صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة ،لأنه لا اختيار له في ذلك بخلاف من استقاء عامدا ، فإن عليه الإثم والقضاء إذا كان لغير حاجة ، وعليه القضاء فقط إذا فعله لحاجة ، وذلك لما روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدا فليقض " .
الشيء الرابع :الجماع وفعله مبطل للصوم في نهار رمضان لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله هلكت . قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال : هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا . قال : اجلس . فجلس فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق - المكتل الضخم - قال : فتصدق به ، قال : ما بين لابتيها أحد أفقرمنا ، قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه قال : خذه فأطعمه أهلك " .
وإلى هذه الأشياء الأربعة أشار الناظم بقوله :

يبطله أكل وشرب فاعلم ***** والقيء والجماع نصّا قد نمي
وكل ذي بحيث عمدا فعلا ***** لا غير عــامد فليس مــبطلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ن : وفي الجماع عامدا قد وجبا ***** كفـــارة مثل الظهار رتـبا
عـــتق فصـــــومه لشهرين ولا ***** إطعامه ستين مسكينا تلا

ش : في هذين البيتين بيان لحكم واحد وهو وجوب القضاء والكفارة على من جامع في نهار رمضان عامدا ، لا ناسيا ولا مخطئا ولا مكرها وهي مثل كفارة الظهار مرتبة ، أي : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد من الطعام ، والدليل على الترتيب حديث أبي هريرة المتقدم ، وكذا آية الظهار ، وهي قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم )) [ سورة المجادلة 3-4 ].
فالكفارة مرتبة في هاتين الآيتين ومثلها كفارة الجماع في نهار رمضان سواء بسواء على القول الراجح المأخوذ من ألفاظ حديث أبي هريرة المتقدم ، ومعنى الترتيب ظاهر وهو ألا يعدل عن الأول إلى الثاني إلا عند عدم القدرة على الأول ، وكذا لا ينتقل من الثاني إلى الثالث إلا بعد العجز عن الأول والثاني ، فإن عجز عن الإطعام بقي بذمته متى وجد أدّاه ، أما إذا لم يجد فلا إثم عليه ، أما الإمام مالك فإنه يرى أنها على التخيير ، فيخير المجامع بين العتق والصوم والإطعام ، ولا دليل له مستقيم فيما نعلم . أما بالنسبة للمرأة فإذا كانت مطاوعة لزوجها في الجماع عالمة بالتحريم فإن عليها الكفارة مع القضاء قياسا عليه ، لأنهما في التكليف سواء ، قال بذلك كثير من أهل العلم منهم الحنفية والمالكية ، أما الشافعي فإنه يرى عدم الكفارة عليها بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرها في حديث أبي هريرة والذي يظهر لي وجوب القضاء عليها والكفارة من مالها لاستواء الرجل والمرأة في هذه العبادة واحترام زمانها ، والله أعلم .
وهناك أشياء تأخذ حكم هذه الأربعة في إبطال الصوم وهي :
1- نزول الحيض بالمرأة أو النفاس ونحوه أثناء النهار ، ولو كان قبل غروب الشمس بلحظة من نهار ؛ فإنه يبطل الصوم ، ويجب القضاء بإجماع أهل العلم على ذلك فيما أعلم .
2 - الإستمناء باليد ، أو بتقبيل المرأة ، أو بأي وسيلة من الوسائل التي يستخرج بها المني عمدا ، فإنه يبطل الصوم ، ويوجب المقت من الله ، فليحذر المسلم ذلك .
3 - استعمال الإبرة الغذائية سواء كانت حقنا في الدم ، أو شربا بالفم ، أم بأي طريق يتم إيصالها إلى الجوف ، وكذا بلع الحبوب سواء للغذاء أو للدواء فإن ذلك في معنى الأكل والشرب ، فيبطل به الصوم ، ويجب القضاء بلا تردد .
4 - إذا أكل أو شرب ظانا غروب الشمس ، أو عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك فعليه القضاء عند جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة ، وهو الراجح لأنه اتضح للصائم يقينا أن أكله وشربه كان في النهار ، وذلك مبطل للصوم بينما ذكر عن بعض العلماء القول بصحة الصوم كإسحاق وعطاء والحسن البصري ومجاهد ، واستدلوا بقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )) [ سورة الأحزاب : 5 ] وبحديث :" إن الله وضع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ".
5 - إذا جامع ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك ؛ فقد اتفق الفقهاء على وجوب القضاء ، واختلفوا في وجوب الكفارة ، فذهب الأئمة الثلاثة : أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي إلى عدم وجوب الكفارة ، لكون ذلك خطأ لا عمدا ، وذهب الإمام أحمد إلى وجوبها ، لكون الجماع قد وقع في نهار رمضان ، وما ذهب إليه الثلاثة متفق مع يسر الشريعة وسهولة الدين ، والله الموفق .

ن : وفي الحجامة اختلاف والأصح ***** جوازها إلا لذي ضعف وضح
إذ صــــح أن آخــــر الأمـــــــرين ***** ترخيصه فــيها بـــدون مــــيْن

ش : في هذين البيتين إيضاح للخلاف الحاصل بين العلماء في حكم الحجامة للصائم والناظر في نصوص الموضوع يظهر له أن أشهر الأقوال إثنان :
القول الأول : تحريمها واعتبارها من مبطلات الصوم ، وقد استدل أصحاب هذا القول بما رواه الشافعي والدارمي وأبو داود وغيرهم من حديث شداد بن أوس قال :" كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح، فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان قال وهو آخذ بيدي : أفطر الحاجم والمحجوم " . وإسناده صحيح .
ب - القول الثاني : جواز الحجامة للصائم مع أن الأولى تركها خوفا من الضعف الذي قد تسببه ، واستدل أصحاب هذا القول بما رواه عبد الرزاق في مصنفه وأبو داود في سننه من طريق عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال :" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرمها إبقاءً على أصحابه " وإسناده صحيح وجهالة الصحابي لا تضر .
فهذا الحديث يدل على الجواز ، ونسخ التحريم المفهوم من حديث :" أفطر الحاجم والمحجوم " وهذا القول هو الراجح وهو اختيار الناظم - رحمه الله - .

ن: ونص منع الكحل مع إعلاله ***** فليس بالصـريح في إبطالــه
مــع كونــه معارضـــا بمــــثله ***** ممّا روي عن النبي من فعله

ش : في هذين البيتين بيان قضية واحدة تتعلق بالصوم وهي الكحل للصائم منعا وإباحة ، وقد أشار الناظم في البيت الأول إلى أن النص الذي يقتضي التحريم لم يسلم عنده من علة قادحة ، وإذا كان الأمر كذلك فلا يثبت به حكم ، ونص الحديث رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال : ليتقه الصائم " وهو حديث منكر لا تقوم به حجة عل تحريم شيء الأصل فيه الإباحة كما أفاد الناظم في البيت الثاني أن المعارض لهذا الحديث - أي : الذي يدل على الجواز - مصاب بعلة قادحة في سنده لا تقل عن علة حديث أبي داود ، وذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملوءتان من الإثمد ، وذلك في رمضان وهو صائم . وقد ورد بألفاظ أخرى وأسانيد كذلك وكلها ضعيفة لا يثبت بها حكم ، ولكن كما قال الإمام الشوكاني :" والظاهر ما ذهب إليه الجمهور - وهو أن الكحل لا يفسد الصوم - لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل .
ورحم الله ابن تيمية حيث قال :" فإن الكحل لا يغذي ألبتة ولا يُدخل أحد كحلا في جوفه لا من أنفه ولا من فمه ."
وقال تلميذه ابن القيم عقب كل حديث من الحديثين المتعارضين في مسألة الكحل:" ولا يصح " والأمر كذلك ، كما رأيت من علل الحديثين ، والله أعلم .

ن : وجاز تقبيل على القول الأصح ***** إن أمن الشهوة نصّا اتضح
كـــذا يجـــوز الغســـل للتــــــــبرد ***** كـــذا تمضمض ولا يــزدرد
وليغتســل مــن جنبا قــد أصـــبحا ***** ثم ليصم بذا الحديث أفصحا

ش : قوله :
وجاز تقبيل على القول الأصح ***** إن أمن الشهوة .............
أي : أنه يجوز للصائم أن يقبل امرأته بشرط أمن فتنة الشهوة ، أما إذا لم يأمن على نفسه هيجانها فيحرم عليه التقبيل ؛ لأنه وسيلة إلى محرم كالإنزال أو الجماع فعلا ، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يرتع فيه .
وقوله :" .......... نصّا اتضح " :
أي : أنه ثبت جواز التقبيل عند أمن الشهوة بالنص الصريح الواضح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسوة أمته ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه " وليس في قولها :" ولكنه كان أملككم لإربه " ما يفيد الخصوصية ، بل كل من كان من أمته يستطيع التحكم في نفسه فيملك إربه فله أن يقبل ويباشر وهو صائم كما كان نبيه يفعل ، ومن لا يأمن ثوران شهوته فيحرم عليه لئلا يقع فيما لا تُرتض نتائجه ولا تحمد عقباه وهذا التفصيل هو أحد الأقوال في المسألة واختاره الناظم كما رأيت وهو الراجح - إن شاء الله - .
وهناك أقوال أخر سأذكر أشهرها :
1 - القول بالإباحة مطلقا بدون تفصيل نقل ذلك عن بعض السلف كأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما وآخرين ، واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه :"سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيقبل الصائم ؟ فقال له : سل هذا - لأم سلمة - فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقال : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخرفقال : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له " .

ووجه الدلالة منه على هذا القول أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنكر على السائل دعوى الخصوصية ، ولم يفرق بين أفراد الناس ، فثبت الجواز مطلقا .
2 - القول بالإباحة للشيخ والمنع للشاب وقد نسب هذا القول إلى ابن عباس وسعيد بن منصور وآخرين ، ودليلهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود : " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له ، وأتاه آخر فنهاه عنها ، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب " .
وهذا القول قريب من الأول ؛ لأن الغالب أن الشاب لا يأمن على نفسه فتنة الشهوة بخلاف الشيخ الكبير فإنه قد فات أوان هيجانها لديه .
3 - القول بالتحريم مطلقا وعلى أي حال نقل ذلك ابن المنذر عن جماعة من العلماء .
4 - القول بكراهة القبلة والمباشرة للصائم مع صحة صومه ، روي ذلك عن ابن عمر وهو المشهور من مذهب المالكية .
قوله :
كذا يجوز الغسل للتبرد ***** كذا تمضمض ولا يزدرد
اي : كما جاز في الشرع تقبيل الصائم امرأته عند أمن اشهوة فإنه كذلك يجوز الإغتسال للتبرد وطلب النظافة بدون كراهة ، ولو شعر بلذة في ذلك فإنه لا يؤثر على صومه من قريب ولا بعيد بدليل ما رواه أبو بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر " رواه أحمد ومالك وأبو داود بإسناد صحيح . كما يجوز له أيضا أن يتمضمض لا سيما عند الوضوء ولكن يجب عليه أن يكون في ذلك كله على حذر من وصول الماء إلى جوفه من المنافذ المعتبرة كالفم والأنف والأذن ونحوها لأنه إذا وصل شيء إلى الجوف من تلك المنافذ فقد فسد الصوم ووجب القضاء ولو كان غير عامد .

قوله : وليغتسل من جنبا قد أصبحا ***** ثم ليصم بذا الحديث أفصحا

هذا البيت فيه بيان قضية تتعلق بالصوم وهي قضية من أصبح جنبا وهو صائم ، أي : أدركه الفجر ولما يغتسل ، وللعلماء في هذه المسألة أقوال :
القول الأول : الجزم بصحة صوم من أصبح جنبا سواء عن جماع أو احتلام وهو قول الجمهور واختاره الناظم ، وبه اطمأنت النفس وإليه جنحت ، وقد جزم الإمام النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك ، وقال ابن دقيق العيد : إنه صار ذلك إجماعا أو كالإجماع ، وقد استدل أصحاب هذا القول بثلاثة أحاديث :
1 - ما رواه أحمد ومسلم وأبوداود عن عائشة رضي الله عنها :" أن رجلا قال : يا رسول الله ، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ، فقال : لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتقي " .
2 - ما رواه الشيخان عن عائشة ولأم سلمة رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان " .
3 - وفي مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضي " .
ففي هذه النصوص الثلاثة أعظم دلالة على صحة صوم من أصبح جنبا بل هي صريحة في ذلك لا تحتمل تأويلا غيره كما ترى .
كما استدلوا أيضا بالآية الكريمة http://bamhrez.com/vb/(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر )) [ سورة البقرة 187 ] .
ووجه الدلالة فيها على صحة صوم من أصبح جنبا أن قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )) يقتضي إباحة الجماع في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ، ولا يفسد صومه وإنه لدليل قوي إلى تلك الأدلة الصريحة نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء .
القول الثاني : عدم صحة صوم من أصبح جنبا وهو قول عروة بن الزبير وطاوس بن كيسان وقد استدلا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يثبت من طرق متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أدركه الصبح جنبا فلا صوم له " .
وفي رواية في المسند :" من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصومن يومئذ".
وإسنادهما صحيح ، وقد خرج ذلك الجمهور على أحد وجهين :
الوجه الأول : القول بالنسخ غير أن دعوى النسخ تحتاج إلى معرفة التاريخ للمتقدم والمتأخر إذ بدون ذلك لا يحكم بالنسخ .
الوجه الثاني : الترجيح وهو أن الأحاديث الواردة في صحة صوم من أصبح جنبا بعضها في الصحيحين بالإضافة إلى مدلول الآية الكريمة التي سبق ذكرها بينما حديث أبي هريرة وإن كان صحيحا إلا أنه لا يصل إلى درجة تلك النصوص لأنه لم يرد في الصحيحين مرفوعا مسندا ، كما يُروى أن أبا هريرة لما بلغه حديث عائشة وأم سلمة رجع عن الفتوى بمقتضى حديثه .
القول الثالث : فرق قائله بين المفترض والمتنفل حيث قال : من أصبح جنبا في صوم فرض فقد فسد صومه ووجب عليه القضاء وكأن مستنده حديث أبي هريرة المتقدم ، ومن أصبح جنبا في صوم نفل فلا شيء عليه ، ذلك لأن المتنفل أمير نفسه فلو أصبح أفطر اختيارا أثناء النهار فلا إثم عليه ولا قضاء عليه إذ ليس في ذمته شيء ، وهذا القول مروي عن ابراهيم النخعي .
القول الرابع : لبعض السلف كسالم بن عبد الله بن عمر والحسن البصري أن من أصبح جنبا وهو صائم وجب عليه أن يتم صومه ويقضي يوما مكانه ، ولم أقف لهما على دليل على المضي في الصيام وعلى القضاء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الأفنان الندية شرح منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية لناظمه الشيخ حافظ بن أحمد بن علي الحكمي - رحمه الله -
تأليف : الشيخ زيد بن محمد المدخلي - حفظه الله -
تقديم : الشيخ أحمد بن يحي النجمي - حفظه الله -
والشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي - حفظه الله



يتبع إن شاء الله .
سحاب السلفية

طالب العلم
06-24-2015, 11:13 PM
باب من رخص الشارع له في الإفطار

ن : ورخصة الشارع في الإفطار*****في الســفر اقبــلها بــلا إنكـــار
والخلف في الأفضل والنص يـدل ***** أن الــذي يقــرب لليسر فضــل
إن تســــــاويا بتيســـــــيرفــــــلا *****تفضــيل بــل أيهمــا شــا فعــلا

ش : هذه الأبيات الثلاثة تتعلق بصنف من الأصناف الذين رخص الشارع لهم في الفطر ، وهم المسافرون سفر طاعة وقد جرى الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة كما سيأتي :
فقوله : ورخصة الشارع في الإفطار *****في السفر اقبلها بلا إنكار
معناه : أن الإفطار في السفر في نهار رمضان رخصة من الله لعباده ينبغي للمسلمين أن يأخذوا بها مغتبطين وشاكرين ربهم على نعمته ورحمته ، ولا يجوز لهم أن يقابلوها بالرد لها والإعتراض عليها ؛ لأن فيها تيسيرا ورحمة ونفيا للحرج والمشقة وما كان كذلك فهو حري بالمحبة والقبول .
ففي البيت الثاني والثالث توضيح للخلاف الحاصل بين العلماء ، وهذه المسألة من حيث وجوب الفطر أو استحبابه أو أفضلية الصوم أو عكسه أو استواء الأمرين تحتاج إلى تحرير سأختصره فيما يلي :
1 : ذهب الجمهور من أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى جواز الصوم والفطر في السفر ، واستدلوا على ذلك بأدلة صريحة أذكر منها مايلي :
ا - قوله تعالى : (( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) .
ب : ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها : " أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " .
ج - وفي الموطأ والصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :" سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " .
د - ما أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال :" كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " .
فهذه النصوص تدل على جواز الأمرين على حد سواء وهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة ، وإنما اختلفوا في الأفضل منهما ، فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أفضلية الصوم لمن لا يلحقه مشقة لئلا يبقى دينا على صاحبه ، وذهب الإمام أحمد وسعيد بن المسيب والأوزاعي وإسحاق إلى أن الفطر أفضل ولو لم يلحق الصائم مشقة وكلفة ، ومن أمعن النظر في نصوص الباب ترجح لديه ما ذهب إليه هؤلاء الأربعة وذلك للأدلة الآتية :
ا - حديث :" إن الله يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه ."
ب - حديث :" عليكم برخصة الله التي أرخص الله لكم فاقبلوها " رواه الطبراني بإسناد حسن .
ج - ما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم ، فقال : ليس من البر الصوم في السفر ."
ففي هذه النصوص ترغيب في الأخذ بالرخصة على أي حال سواء حصلت مشقة أم لم تحصل لأن الرخصة أمر محبوب إلى الله فينبغي للمؤمن أن يحب ويتفاعل مع ما يحبه الله ويرضاه .
2 - وذهب جماعة من السلف مذهب التشديد البعيد عن الصواب كالزهري والنخعي ومن وافقهما : فقالوا : ولو صام المسافر في سفره فإنه لا يجزئه بل لابد من القضاء وقت الإقامة واستدلوا بالآية الكريمة http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) وهذا مذهب الظاهرية .
3 - وذهب جماعة من العلماء منهم عمر بن عبد العزيز أن أفضلهما أيسرهما فمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل .
4 - وذهب آخرون إلى التخيير مطلقا عملا بحديث :" فمنا الصائم ومنا المفطر " .
هذه أشهر الآراء في هذه المسألة ، وقد علمت الراجح منها بدليله كما ظهر لنا ، ومن ظهر له رأي آخر بدليله واقتنع به فليقل به ولا تثريب عليه يغفر الله لنا وله وهو أرحم الراحمين وخير الغافرين .
هذا التفصيل الذي رأيت في غير وقت ملاقاة العدو أو خشية الضعف الذي يلحق بسببه ضرر ، أما إذا كان المسلم في معركة مع العدو أو قرب وقت خوضها أو يخاف ضعفا يؤثر على قوته فإنه والحالة هذه يتحتم عليه الفطر ولا خيرة له في الأمر كي يكون قويا ونشيطا في وجه العدو ، وإلى هذه العزيمة أشار الناظم بقوله :
وقد روى عزيمة الفطر إذا *****حان اللقاء خشية الضعف خذا
وقد اعتمد الناظم في ذلك على ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال :" سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال : فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر فقال : إنكم مصّبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ، فكانت عزمةفأفطرنا ، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ."
أما مقدار السفر الذي يباح فيه الفطر : فهو السفر الذي تقصر فيه الصلاة ،وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في تحديده ، والخلاصة أن الشارع أطلق السفر ونحن نتأس به فنطلقه ، فما عُدّ سفرا أبيح فيه الرخص السفرية ، وقد بحثت التحديدات والإستدلالات لها ووقت الإقامة في كتاب الصلاة .

ن : وهكذا المريض قد رخص له *****ومثله من لم يطق تحملــه
لضـــــعفه كحـــامل ومرضــــــع *****وهكـذا الكبير فاحفظـــه وع
وحـــائض والنفســا قــد قدمــــا *****في الباب أنه عليهما حرما

ش : في هذه الأبيات الثلاثة ذكر بقية الأصناف الذين يجوز لهم الفطر في نهار رمضان كما جاز للمسافر سفر طاعة أن يفطر كذلك ، وهم كمايلي : 1 - المرضى من ذكر وأنثى فقد رخص الله لهم في قوله الحق http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) أي : فأفطر فعليه قضاء الأيام التي أفطرها في نهار رمضان سواء بسبب مرضه أو بسبب سفره .
2 - الحامل والمرضع لهما الرخصة في الفطر وعليهما القضاء لما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أنس بن مالك :" أن رجلا من بني عبد الله بن كعب قال : أغارت علينا خيل رسول صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عله وسلم فوجدته يتغذى فقال : ادن فكل ، فقلت : إني صائم ، فقال : ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله - تبارك وتعالى - وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام . والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أوأحدهما فيا لهف نفسي ألّ أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم " . قال الترمذي هذا حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما تفطران وتقضيان ، وقد اختلف الفقهاء مع القضاء كفارة أم لا ؟
ا - فذهب جماعة إلى القول بوجوب الإطعام مع القضاء ومقداره عن كل يوم مد لمسكين ، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وهو قول الشافعي وأحمد .
ب - وذهب آخرون إلى القول بوجوب القضاء بدون إطعام إذ لا نص يوجبه وهما بمنزلة المريض وهذا قول الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي .
ج - وفصل بعضهم فقال : إن خافتا على ولديهما قضتا وأطعمتا ، وإن خافتا على نفسيهما قضتا فقط ، لأنهما في حكم المريض سواء بسواء .
د - وأبعد النجعة إسحاق بن راهوية فقال : إن شاءتا أطعمتا ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما .
والذي أستحسنه هو الأخذ بالقول الأول خروجا من الخلاف واحتياطا في العبادة ، وهذا معنى قول الناظم :
وهكذا المريض قد رخص له *****ومثله من لم يطق تحمله
لضـــعفه كحـــامل ومرضـــع *****................................
فقوله :
.............................*****وهكذا الكبير فاحفظه وع

3 - الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذان لا يطيقان الصوم ومثلهما المريض الذي لا يرجى برؤه فهؤلاء يطعم عن كل واحد عن كل يوم مسكينا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) أنها ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا ، وإلى هذا الحكم أشار الناظم بقوله :

..................*****وهكذا الكبير فاحفظه وع

أي : ومثل ما تقدم ذكرهم ممن رخص لهم في الإفطار في نهار رمضان الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ويقاس عليهما المريض الذي لا يرجى برؤه ، فاحفظ الأحكام وعها تكن فقيها فيها .
4 - الحائض والنفساء لهما الرخصة الشرعية في الفطر بل فطرهما واجب ؛ إذ لا يصح الصوم منهما في حال الحيض والنفاس ولا يجزىء عنهما كما مر معنا في أول الباب عند قول الناظم :
واستثن من ذا من يكن معذورا*****شرعا ويأتي حكمهم مذكورا
وقال هنا :

وحائض والنفسا قد قدما *****في الباب أنه عليهما حرما

باب ما يلزم كل واحد ممن ذكر

ن : ومفطر في مرض أو للسفر ***** علـــيه عدة مــن أيام أخــر
تصـــح بالســــرد وبالتــــــفريق *****والسرد قد أوجب عن فريق
كـــــذاك ذات الحيــض والنـــفاس *****حـــتم قضاؤها بـــلا التـباس
وعاجـــز عــن القضا بالصــوم *****يطعــــم مســــكينا لكــل يـوم
وحــامل ومرضــع هــل تطعــم *****أو تقض أو تجمع خلــف لهم

ش : في هذه الأبيات بيان لما يلزم من رُخَّص لهم في الفطر في نهار رمضان بالتفصيل ، فأما المسافر فإنه يلزمه قضاء الأيام التي أفطرها من الشهر امتثالا لقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ))
وقد اختلف العلماء في كيفية القضاء : هل يلزم فيه التتابع أو يجوز فيه التتابع والتفريق ، فذهب إلى الأول جماعة من السلف كعائشة رضي الله عنها وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وهو أحد قولي الشافعي ، واستدلوا بما رواه الدارقطني وقال : إسناده صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت : " فعدة من أيام أخر متتابعات " فسقطت متتابعات .
وذهب إلى الثاني الجمهور من السلف والفقهاء واستدل لهم بأن الآية الكريمه أطلقت أيام القضاء ولم تقيدها بالتتابع في القراءة المتواترة التي وقع عليها الإجماع ، وهو الحق الذي يتفق مع يسر الدين وسماحة الشريعة.
وقد أجابوا عن حديث عائشة بجوابين :
الأول : قولها عن كلمة " متتابعات " أنها سقطت .
والثاني : اختلاف العلماء في الإحتجاج بقراءة الآحاد كهذه القراءةالتي قال فيها الإمام مالك : أنها قراءة أبي بن كعب .
هذا مع اتفاق الجميع أن التتابع أفضل ؛ لأن فيه خروجا من الخلاف وتعجيلا بالوفاء بالدين ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله :

ومفطر في مرض أو للسفر *****عليه عدة من أيام أخر
تصح بالسرد وبالتفريق *****والسرد قد أوجب عن فريق

وأما ذات الحيض والنفاس فليس عليها إلا القضاء فقط لما روى الجماعة عن معاذة قالت : سألت عائشة رضي الله عنها فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت :" كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " :
وإلى هذا المعنى أشار الناظم بقوله :
كذاك ذات الحيض والنفاس *****حتم قضاؤها بلا التباس

وأما العاجز عن الصيام : سواء بكبر أو مرض لا يرجى برؤه وسواء كان الصيام أداء أم قضاء فعليه أن يطعم أو يُطعم عنه غيره عن كل يوم مسكينا ولا قضاء إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
وأما الحامل والمرضع : فقد تقدم تفصيل القول فيما يجب عليهما ، وذكر الخلاف فيه في الباب الذي قبل هذا .
وإلى هذين الصنفين وما يجب عليهما أشار الناظم بقوله :

وعاجز عن القضا بالصوم *****يطعم مسكينا لكل يوم
وحامل ومرضع هل تطعم *****أو تقض أو تجمع خلف لهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

ن : وجاء في من للقضا يؤخر *****حتى أتاه رمضان الآخر
عن فرقة من الصحابةالقضا ***** مع فدية الإطعام عنهم حفظا

ش :في هذين البيتين بيان حكم من أخر قضاء ما فاته من شهر رمضان من غير عذر حتى دخل عليه شهر رمضان من قابل ، فإن عليه أن يصوم الشهر الذي حدث ، فإذا انتهى منه فعليه أن يشرع في قضاء ما فاته من شهر رمضان الماضي ، وعليه عند الجمهور كفارة إطعام مسكين مع كل يوم .
أثر ذلك عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، والقاسم بن محمد ، وبه قال الزهري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال جماعة آخرون : عليه القضاء فقط بدون فدية ، إذ لا دليل على وجوبها أو مشروعيتها من كتاب ولا سنة .
أثر هذا القول عن الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والبخاري ، وأصحاب الرأي .
والقول الأول هو الراجح لما يؤيده من آثار عن السلف.

ن : ومفطر يوما بدون عذر *****لم يقضه عنه صيام الدهر

ش : في هذا البيت بيان للخطر العظيم الذي يقع فيه من يتعمد الفطر في نهار رمضان وأنه مهما صام ليقضى ما فاته عمدا فلن يتسنى له التمام والوفاء كمن أفطر معذورا وقضى من أيام أخر .
قال البخاري - رحمه الله - :باب إذا جامع في رمضان ، ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه :" من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه " . وبه قال ابن مسعود ، ورواية البخاري هذه وإن كانت معلقة إلا أنها تشهد لما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه " . غير أن العلماء مجمعون على أنه يقضي يوما مكانه وكذا حديث :" انظروا هل لعبدي من تطوع " الحديث يبشر بخير وقد تقدم

باب صوم التطوع

ن: يشرع صوم الست من شوال *****وعشر ذي الحجة باستكمال
لا سيــــما تـــاسعها تـــأكــــــــدا *****لغــــير أهـل الحج نصّا وردا
وتـــاسع وعــــــاشر المحـــــرم *****بل كله بل صوم كل الحـــرم
كـــــذا ثلاثـــــة بـــــكل شـــــــهر***** وفعلها في البيض خير فادر
كــــذاك كل اثــنين أو خمـــيس قد *****سن صيامه بـــنص لا يــرد

ش : في هذه الأبيات الخمسة بيان لأيام معلومات وأشهر كريمة رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامها احتسابا لوجه الله ، ففي الشطر الأول من البيت الأول ترغيب في صيام ستة أيام من شهر شوال فقد جاء بيان فضلها والترغيب في صومها في حديثين ثابتين :
الأول : ما رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر " . ورواه أحمد من حديث جابر بن عبد الله .
الثاني : ما رواه ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة ، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " .
ففي هذين الحديثين دليل قائم على مشروعية صيام ستة أيام من شهر شوال سواء متواليات أو متفرقات وبيان ما يترتب عليها من الأجر العظيم ويكفي أنها تعدل صيام الدهر ووجه ذلك أن الحسنة كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى بعشر أمثالها ، فرمضان بعشرة أشهر وستة أيام بشهرين وذلك تمام السنة ، وقد قال بالاستحباب الجمهور من أهل العلم سلفا وخلفا ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله - حيث كرها صيامها ظنا منهما أن صيامها يسبب التباسا على الأمة فيظنوا أنها من رمضان ، وهي نظرة منهما من زاوية بعيدة عن الصواب كيف لا وهو رأي منهما في مقابلة السنة الصحيحة ، وكل رأي يتعارض مع النصوص الصريحة فإنه يجب أن يطرح ، والعمل بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم هو المتعين ، وبه كلّفت البشرية وعنه تُسأل .

وفي قوله :
.............................. *****وعشر ذي الحجــة باستكمــال
لا سيــــما تـــاسعها تـأكـدا ***** لغير أهل الحج نصّا وردا

أي : من الأيام الفاضلةالتي يستحب أن يكثر فيها المسلم من أعمال الخير ومن جملتها الصوم تطوعا : عشر ذي الحجة ؛ فقد أتى الترغيب في العمل الصالح فيها عموما وفي صيام يوم التاسع منها لمن لم يكن بعرفة وما في ذلك من الأجر والثواب .

فقد روى الجماعة إلا مسلما والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني : أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع بشيء من ذلك ."
قلت : ومن جملة الأعمال الصالحة الصوم ، كما روي أيضا في مشروعية استكمالها صياما ما رواه أحمد والنسائي من حديث حفصة قالت : " أربع لم يكن يدعها رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء ، والعشر ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة " وفيه ضعف .
وثبت الترغيب في صيام يوم عرفة خاصة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ولكن لغير الحاج فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " .
وأما الحاج فينبغي له أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوته فإنه كان مفطرا يوم عرفة وفعله تشريع لأمته ، والتأسي به في ترك صوم عرفة لمن هو بها أولى ، فقد روت أم الفضل :" أن الناس شكّوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة " متفق عليه .
وقد روى أحمد وغيره حديثا في النهي الصريح عن صوم يوم عرفة من كان بها ، ولفظه :عن أبي هريرة رضي الله عنه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة " إلا أنه معلول ؛ لأن في إسناده مهدي بن حرب الهجري وهو مجهول ،و رواه العقيلي في الضعفاء من طريقه وقال : لا يتابع عليه ، أما ابن خزيمة والحاكم فقد صححاه، وإلى ما تقدم في هذا الباب أشار الناظم بقوله :

يشرع صوم الست من شوال *****وعشر ذي الحجة باستكمال
لاسيـــما تــاسعها تــأكــــــدا ***** لغـير أهل الحج نصّــا وردا

قوله :" وتاسع وعاشر المحرم :
أي : أنه يستحب للمسلم أن يحافظ عل صيام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وكذا اليوم التاسع ، فإن لم يتيسر صوم التاسع صام يوما بعد العاشر مباشرة .
وقد وردت نصوص على استحباب صيام يوم عاشوراء ويوما قبله أو يوما بعده فمن ذلك : ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال : ما هذا ؟ قالوا : يوم صالح نجّى الله فيه موسى ، وبني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى ، فقال : أنا أحق بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصيامه ."
ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس :" فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع إن شاء الله ، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : ما جاء عن ابن عباس موقوفا بسند صحيح :" صوموا اليوم التاسع والعاشر وخالفوا اليهود " ، رواه عبد الرزاق ( 7839 )ومن طريقه البيهقي ( ج 4 ص 287 ) .
وقوله :
.............................. *****بل كله بل صوم كل الحرم

أي : أنه يستحب الإكثار من الصوم تطوعا في شهر الله الحرام ، بل إنه ليستحب للمسلم إن وجدت لديه القوة أن يصوم معظم الأشهر الحرم ؛ وذلك لما لها من الفضل ، ولما في الصيام فيها من عظيم الأجر ، والدليل عل استحباب الصوم في شهر الله المحرم ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " .
وأما الدليل على استحباب الإكثار من نافلة الصوم في الأشهر الحرم فما رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيدهم عن رجل من باهلة قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول ، قال : فما لي أرى جسمك ناحلا ؟ قال : يا رسول الله ، ما أكلت طعاما بالنهار ، ما أكلته إلا بالليل ، قال : من أمرك أن تعذب نفسك ؟ قلت : يا رسول الله ، إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر ويوما بعده، قلت : إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر ويومين بعده ، قلت : إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم ."
ففي هذين الحديثين ترغيب في أداء فريضة صوم رمضان والتقرب إلى الله بعد ذلك بنوافل الصوم في الأشهر الحرم التي هي : رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم، غير أنه لا ينبغي أن يصوم المتطوع الشهر كاملا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصوم شهرا كاملا إلا رمضان الذي فرضه الله على أمة الإسلام ، فيجب التأسي به فيكون معنى الأمر بصيام الأشهر الحرم صيام معظمها كما في رواية أبي داود التي فيها :" صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ."
وقوله :
كذا ثلاثة بكل شهر *****وفعلها في البيض خير فادر
أي : ويستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإن ذلك يعدل صيام الدهر ، كم جاء مصرحا به في حديث أبي ذر الذي رواه الترمذي وابن ماجه بلفظ :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ، فأنزل تصديق ذلك في كتابه http://bamhrez.com/vb/( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )) [ سورة الأنعام 160 ] .
اليوم بعشرة ، وكون هذه الثلاثة الأيام أيام البيض أفضل دلّ عليه حديث أبي ذر أيضا عند أحمد والنسائي بلفظ :" من كان منكم صائما من الشهر ثلاثة أيام فليصم الثلاث البيض " غير أنه إذا صامها متقدمة أو متأخرة فقد جاء بالسنة التي يترتب عليها الثواب المنصوص عليه في حديث أبي ذر المتقدم ، بدليل ما رواه مسلم والترمذي من حديث معاذة قالت :" قلت لعائشة رضي الله عنها : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم ، فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم ."
وما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أوصاني خليلي بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام " .
وللعلماء في تعيين هذه الثلاثة الأيام من كل شهر أقوال ولكل صاحب قول تعليله ، كما لهم في تعيين البيض عشرة أقوال ذكر ذلك كله بالتفصيل الحافظ ابن حجر في الفتح فليراجعه من شاء .
أما هنا فحسبك أن تعرف أنك متى صمتها من الشهر فقد نفّذت الوصية التي في حديث أبي هريرة واستحققت المثوبة الكريمة وهي صيام الدهر ، فإذا كانت هي أيام الليالي البيض فهي أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر كما في حديث أبي ذر بلفظ :" يا أبا ذر ، إذا صمت من الشهر ثلاثة ، فصم : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ". رواه أحمد والترمذي والنسائي .
وقد بوب البخاري - رحمه الله - لذلك فقال :" باب صيام البيض : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " ، وصنيعه هذا يدل على تعيينها وأفضليتها لا كمن كرهها أو عيّنها بغير ذلك .
قوله :
كـــــذا ثلاثة بـــــكل شــــهر ***** وفعلها في البيض خير فادر
كذاك كل اثنين أو خميس قد ***** سن صـــيامه بنص لا يـــــرد

أي : أن مما يستحب صومه تطوعا من أيام الأسبوع يوم الإثنين ويوم الخميس لما روى الإمام أحمد بسنده عن أسامة بن زيد قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم ، إلا في يومين من الجمعة إن كانت في صيامه وإلا صامهما ، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان ، فقلت : يا رسول الله ، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ، قال : أي يومين ؟ قال : قلت : يوم الإثنين ويوم الخميس ، قال : ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ، قال : قلت : ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم "وهذا إسناد حسن رجاله ثقات .
وقد جاء هذا الحديث عند الترمذي من رواية أبي هريرة ، وعند أبي داود من حديث أسامة بن زيد ولكن بألفاظ أخرى وأسانيد أخرى في بعضها ضعف وطريق أحمد أصحها كما رأيت .
قلت : وهذا الحديث بجملته يدل على أمور أهمها مايلي :
ا - بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الكمال في العبادة فرائض ونوافل ، ليكون عبدا شكورا ، ثم ليكون قدوة صالحة رشيدة لأمته تتأسى به في أقواله وأفعاله بحسب همم أفرادها وجماعاتها ذكورا وإناثا .
ب - الإيمان الثابت الذي لا تردد فيه أن الله حكيم في كل شيء كما سمّى نفسه الحكيم ، ومن جملة ذلك حكمته البالغة فيما شرع لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما يكفّر به خطيئاتهم ويرفع درجاتهم من أقوال وأفعال وأعمال ظاهرة وباطنة من واجبات ومستحبات .
ج - الحث على مراقبة الله بحيث يتفقد العبد نفسه وما هي عليه من خير أو شر ، وذلك في كل لحظة من لحظات العمر ، وفي كل عمل من أعمالها اليومية ؛ لأنه عندما يستشعر دائما أن أعماله تُعرض على خالقه وبارئه في أسبوعه مرتين وكان من العقلاء فإنه سيكثر من صالح العمل ويجتنب طرائق الخطأ والغفلة والزلل ؛ طمعا في نيل السعادة والرضا واستحياء من الله رب السموات العلا .
د - التحذير من الغفلة والإستعداد ليوم النقلة ، وما أدراك ما يومها ، إنه اليوم الذي يودّع فيه الإنسان دار العمل ويرتحل إلى دار الجزاء على العمل ، فيمكث رهينا في حياته البرزخية حتى يحين مجيء حياته الأخروية ؛ فينكشف الغطاء وتبلى السرائر وتجزى كل نفس ما كسبت ، وتبصر آنذاك ما قدمت وما أخرت ، وما أسرت وما أعلنت ، فطوبى لنفس رضيت برسالة ربّها وشرعة نبيها وتمسكت بعُراها ، وطوبى لنفس ترفعت عن فعل القبيح فلم يضرها شيطانها وهواها ، وطوبى لنفس استشعرت دائما مراقبة ربّها فقلّ ضحكها وكثر حزنها واشتد بكاها ، وطوبى لها غدا إن نجت من عذاب الله ، فرضي عنها ربها وأرضاها .
ن : وصح في الحديث خير الصوم *****صيامه يومــا وفطر يــوم
وصـــح من فعــــــل النـــبي كانـــا *****أكثر ما يصوم في شعبانا
وصـــوم يــــوم فــي سبيـــل اللــه *****بعد عن النار بفضل اللــه
ش : قوله :
وصح في الحديث خير الصوم *****صيامه يوما وفطر يوم
أي : أن أفضل صوم التطوع لمن عنده قدرة على الصوم ورغبة في نافلته أن يصوم يوما ويفطر يوما فإنه خير الصيام ، كما شهد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صم في كل شهر ثلاثة أيام ، قلت : إني أقوى من ذلك ، فلم يزل يدفعني حتى قال : صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود عليه السلام " متفق عليه .
فقد دل الحديث على أن صوم يوم وفطر يوم هو أعلى حد فيما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأن ما زاد عل ذلك فهو مفضول كما هو مقتضى اللفظ .
قوله :
وصح من فعل النبي كانا *****أكثر ما يصوم في شعبانا
أي : أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الصوم في شهر شعبان ؛ لأنه شهر يغفل فيه الناس عن الصيام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا تصيبه الغفلة وهو المشرّع لأمته ، وقد دل على إفراد النبي صلى الله عليه وسلم له ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان " .
ولفضل الصوم فيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصله برمضان كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول :" كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شهر شعبان ثم يصله برمضان " .
قوله :
وصوم يوم في سبيل الله *****بعد عن النار بفضل الله
في هذا البيت حث وترغيب في التطوع المطلق بعبادة الصوم الفاضلة لما في ذلك من جزيل الأجر والثواب وما فيه من النجاة من عذاب الله ، وقد جاء الترغيب فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصوم عبد مسلم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " .
حقا إن في هذا الحديث لخير حافز للمسلم على الإكثار من صوم التطوع وإن مما لا شك فيه اختيار المسلم لصوم التطوع وتركه لمألوفاتالنفس من مأكل ومشرب ونحوهما بدون تكليف رباني لدليل صادق وبرهان قاطع على حبه لله وخوفه منه وتعظيمه له وإحيائه سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
نعم ، إنه لعلامة من علامات السعادة ، وقربة من أعظم القرب التي ثوابها عند الله يوم يشتد بالأمة العطش لدُنو الشمس من رءوسهم وبروز النار أمام أعينهم وهول المطلع الذي يواجههم ويتحقق أمامهم ما كانوا قد سمعوه وقرءوه في الحياة الدنيا من كلام الله وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام - فهنيئا ثم هنيئا لمن تقرب إلى الله بأداء فرائضه ، وأتبع ذلك بفعل النوافل التي تكمل الفرائض ، ليكون الكل سببا في تخفيف ما سينزل بالخلائق في يومها المشهود الذي أخبرنا الله عنه بقوله http://bamhrez.com/vb/( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. وما نؤخره إلا لأجل معدود . يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد . فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيه زفير وشهيق .خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك ، إن ربك فعال لما يريد . وأما الذين سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك ، عطآء غير مجذوذ )) [ سورة هود 103-108 ] .

باب ما نُهي عن صومه


ن : وجمعة والسبت كل قد نُهي *****عن صومه منفردا عن غيره
كـــذاك ينهى عن صــــيام الدهر *****سردا بدون فصـــــله بفطـــر

ش: قوله :

وجمعة والسبت كل قد نُهي *****عن صومه منفردا عن غيره
أي : أنه يُنهى شرعا عن تخصيص أحد هذين اليومين بصوم على انفراده ، غير أنه يجوز صيامهما فيما يأتي :
ا - إذا صيم قبلهما أو بعدهما
ب -إذا وافق أحدهما يوم عرفة أويوم عاشوراء فإنه لا كراهة حينئذ في صوم جمعة أو سبت ، وقد اعتمد الناظم في تصريحه بالنهي عن صيام هذين اليومين منفردين على الأدلة التالية :
1 - ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " .
2 - ما رواه البخاري بسنده عن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي صائمة في يوم الجمعة فقال لها :" أصمت أمس ؟ فقالت : لا . قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : فأفطري إذن ."
3 - وما رواه الشيخان عن محمد بن عباد قال سألت جابرا رضي الله عنه :" أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة قال : نعم - زاد غير أبي عاصم - : أن ينفرد بصوم ."
وفي لفظ لمسلم :" ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " .
فهذه النصوص تدل على كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم أو ليلتها بإحياء ووجه الكراهة - والله أعلم - لأن يوم الجمعة عيد المسلمين وله فضل عظيم ، ويُخشى أيضا أن يُعظم فوق المشروع فقد نهى عن إفراد يومه بالصوم وليلته بالقيام .
وأما يوم السبت : فقد جاء في كراهة إفراده بالصوم ما رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، ومعنى كراهته في هذا : أن يخص يوم السبت بصيام ؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت فإذا صام قبله أو بعده زالت العلة فزالت الكراهة .

قوله :

كذاك يُنهى عن صيام الدهر *****سردا بدون فصله بفطر
أي : أنه قد جاء النهي في السنة الصريحة عن تعذيب النفس بصيام أيام الدهر سردا متوالية ، ففي المسند والصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا صام من صام الأبد " .
ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ : " لا صام ولا أفطر " وهذا الأسلوب أبلغ في الزجر عن سرد صيام الدهر لما فيه من التشديد على النفس وعدم الرفق بها وتضييع وظائف أخرى ، منها ما يتعلق بحق الله ، ومنها ما يتعلق بحقوق النفس ، ومنها ما يتعلق بحقوق ذوي الحقوق من الآدميين .
ثم إن صام الدهر يقع في محظورات أخرى ، فهو قطعا يصوم الأيام المنهي عن صيامها كيومي العيد وأيام التشريق ، وسيأتي الكلام عليها قريبا .
أما إذا صام وأكثر وهو قوي وفصل بفطر فهو في حل وأفضل الصيام ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :" صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داودعليه السلام .
ومن أراد أن يحرز فضل صيام الدهر في رضا وسنة فعليه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد روي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله .
وهذه غنيمة باردة فيها أجر صيام الدهر مع راحة النفس والجسد والقيام بسائر الوظائف الليلية والنهارية والحقوق المتعلقة بما يجب لله ، وما يجب لعباد الله ، فخذها يا بن آدم .

ن : كذا عن استقبال شهر الصوم *****بصومه يومين أو بيوم
إلا إذا وافـــــق يومــــــا كانـــــــا *****يعتاد صــومه فلا نكرانا
ش : في هذين البيتين بيان للنهي عن التعجيل بصيام يوم أو يومين قبل دخول رمضان على سبيل الإحتياط على أساس أن ذلك ربّما يكون من رمضان ، وقد استثنى الناظم من كان له صوم يعتاده فوافق آخر يوم أو يومين من شعبان فإنه محظر في ذلك الصيام ، وقد استند الناظم في تقرير هذا التفصيل في الحكم على ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تقدّموا صوم رمضان بيوم ولا بيومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم " .
وقد قال الترمذي عقب إيراد هذا الحديث : " والعمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ."
وقال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد :" وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محقة أو بشهادة شاهد واحد ، كما صام بشهادة ابن عمر ، وصام مرة بشهادة أعرابي ، واعتمد على خبرهما ، ولم يكلفهما لفظ الشهادة ، فإن كان ذلك إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد ، وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما " انتهى .
قلت : فقد اتفق قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله على تحريم صوم الشك ، فلا يليق بمسلم بعد ذلك أن يصومه بحكم الإحتياط ، والأمر محلول بالحل الشرعي وهو الرؤية الثابتة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما : وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ".

ن : والصوم للعيدين عنه قد أتى *****نهي كذا التشريق نصّا ثبتا
إلا لفـــــــــاقد دم التمـــــــــــــتع *****فصومها رخّص فديـــة فـع

ش : في هذين البيتين إيضاح مسألتين :
المسألة الأولى : النهي الصريح عن صوم يومي العيدين : الفطر والأضحى ، سواء كان الصوم قضاء أو نذرا أو تطوعا ، لما روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه :" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين ، أما يوم الفطر : ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى : فكلوا من نسككم " رواه البخاري ومسلم والترمذي .
ففي هذين النصين دليل صريح على تحريم الصوم في يومي العيدين وإنما ينبغي فيهما التوسعة على النفس والعيال في حدودها الشرعية، وهذه من سماحة دين الإسلام الذي جعله الله رحمة واسعة لمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا .
المسألة الثانية : النهي الصريح أيضا عن صيام أيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى ، وقد استند الناظم في النهي عن صيامها إلا لمن كان عليه دم تمتع ولم يتمكن من صيام الثلاثة الأيام قبل الحج إلى ثلاثة أحاديث :
الأول : رواه أحمد ومسلم عن كعب بن مالك :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منّى أيام أكل وشرب .
الحديث الثاني : رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : " أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منّى : إنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها - يعني : أيام التشريق - "
الحديث الثالث : ما أخرجه أبو داود والترمذي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " . قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح .
فهذه النصوص الثلاثة دلت على تحريم الصوم في أيام التشريق باتفاق أهل العلم ، ولم يختلفوا إلا في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة أيام قبل الحج .
فذهب بعضهم إلى عدم الجواز : كعلي بن أبي طالب ، والحسن البصري ، وعطاء ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وظاهر مذهب الشافعي .
وذهب إلى الجواز كثير من السلف والأئمة : كعائشة ، وعروة بن الزبير ، وابن عمر ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وهو الراجح - إن شاء الله - .



ذهاب لأعلى (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=85235#ipboard_body)


#3 http://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/icon_share.png (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=85235#entry378990)كمال زيادي

كمال زيادي
مستخدم

http://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/profile/default_large.png
Members
http://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.pnghttp://www.sahab.net/forums/public/style_images/imgsahabstyle/bullet_black.png
5169 المشاركات






تاريخ المشاركة : PM 04:55 | 2007 Sep 21
باب الإعتكاف


ن : يشرع الإعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مســـجد
إلا إذا أدخـــل فــــيها الجمعــــــة ***** فالجامع اشترطه كيلا يدعه

ش : معنى الاعتكاف في اللغة : لزوم الشيء ، وحبس النفس عليه ، سواء كان خيرا أم شرا .
وفي الشرع : هو لزوم المسلم العاقل - ولو مميزا - مسجدا لطاعة الله على صفة مخصوصة .
وهو على قسمين : واجب ، ومسنون .
فالواجب : ما عينه المسلم وألزم به نفسه كالنذر مطلقا ومعلقا ، فإنه يجب الوفاء به على الوجه الذي عينه عملا بقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا )) [ سورة الإنسان : 7 ] .
وبما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ، وبما روى أحمد وأبو داود عن بريدة رضي الله عنه أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال : أوفي بنذرك " . فهذه النصوص فيه دليل على وجوب الوفاء بما ألزم المسلم به نفسه من عبادة شرعية ، سواء كانت اعتكافا ، أو غيره من المشروعات ، أو عمل شيء من المباحات .
وأما المسنون : فللمسلم فعله متى شاء من ليل أو نهار سواء كان زمنا قليلا أو كثيرا ، وله قطعه كذلك متى شاء إذ إن المتطوع أمير نفسه في كثير من أبواب النوافل والفضائل .
أعود إلى قول الناظم :
يشرع الاعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مسجد

أي : أن الاعتكاف من السنن المشروعة ، ومحله المساجد ؛ لأنها بنيت لذكر الله والصلاة سواء كانت الحرمين والأقصى أو غيرها من المساجد في سائر البقاع الأخرى ، وسواء تصلى فيها الجمعة أو الجماعة فقط ، خلافا للشافعية الذين لا يرون انعقاد الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
والحق أن هذا الشرط لا يؤخذ على إطلاقه ، غير أن العلماء قد اختلفوا في خروج المعتكف لشهود جنازة أو عيادة مريض أو صلاة جمعة أيبطل اعتكافه أم لا : فذهب إلى القول بالبطلان علي بن أبي طالب والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وذهب إلى القول بعدم البطلان جماعة آخرون كالشافعي والثوري وإسحاق بشرط أن يكون المعتكف قد شرط ذلك في ابتداء اعتكافه .
ولأجل هذا الخلاف وخروجا منه فقد رأى الناظم أن من كان يوم الجمعة من جملة أيام اعتكافه فعليه أن يجعل اعتكافه في مسجد جامع ، لئلا يقع في الخلاف الذي رأيت عند خروجه من محل اعتكافه ، ولئلا يقع في المأثم الذي يترتب على التخلف عن صلاة الجمعة مع القدرة على الحضور إليها .
لهذا وذاك قال الناظم :

إلا إذا أدخل فيها الجمعة *****فالجامع اشترطه كيلا يدعه

أي : إذا كان يوم الجمعة داخلا في جملة أيام المعتكف فألزمه بأن يكون اعتكافه في مسجد جامع ؛ لئلا يضطر يوم الجمعه إلى الذهاب إلى الجامع الذي تقام فيه ويدع اعتكافه ؛ فيكون ذلك سببا في بطلانه عند جماعة من الفقهاء ، وسيأتي الكلام قريبا على ما يجوز للمعتكف أن يخرج لقضائه وما لا يجوز .

ن : وليس فيه الصوم شرطا بل ورد *****بالليل والــنهار نص معـــتمد
لكـــــــــنه فـــــي رمضـــــان آكـــــدا *****لا سيما العشر الأواخر اجهـدا
فيها بجــــد واجـــــتهاد فــــــي العمل *****لكـــي بــــذا تـــنال غاية الأمل

ش : في هذه الأبيات الثلاثة بحث مسألة واحدة وهي :
هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف ، أم من شاء أن يعتكف صائما فحسن ، ومن شاء أن يعتكف مفطرا فلا حرج ؟
والجواب هو :أن الاعتكاف لا يخلو إما أن يكون في نهار رمضان أو في غير رمضان ، فإذا كان في نهار رمضان فإن المعتكف يلزمه الصوم بحكم الفرض الذي عليه ولا خيرة له فيه ما دام قادرا ، أما إذا كان الاعتكاف في غير رمضان فقد اختلف العلماء في اشتراط الصوم فيه وعدمه على رأيين :
الرأي الأول : أنه لا اعتكاف إلا بصوم ، روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وبه قالت الحنفية ومالك والأوزاعي ، غير أنه لا دليل لديهم يصلح الإستناد إليه فيما علمت .
الرأي الثاني : أن المعتكف إذا اعتكف بالنهار وصام فحسن ، ونور على نور ، وإن لم يصم فاعتكافه صحيح ، وليس الصوم شرطا فيه ، وهذا اختيار الناظم ، وهو المؤيد بالدليل الذي رواه البخاري ومسلم وغيره ، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : أوف بنذرك " .
فهو دليل صريح على جواز الاعتكاف بدون صوم .
ثم إن الاعتكاف في شهر رمضان أكثر في الاستحباب وأبلغ في الأجر ، ولذا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحبابه والحث عليه من قوله وفعله وتقريره ، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ، قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ، ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر .
فمطرت السماء في تلك الليلة ، فوكف المسجد ، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " .
ثم استمر فعله وفعل أزواجه من بعده على إحياء العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف والجد والاجتهاد ؛ لينالوا غاية ما يتمنون وما يؤملون من رضا ربهم ودخول جنته ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم :" كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده " إحياء لسنته ، ورغبة في ثواب الله الذي وعد به على شكره وحسن عبادته .
وإلى هذه المعاني أشار الناظم بقوله :

لكنـــــــه فـــــــي رمضان آكدا *****لاسيما العشر الأواخر اجهدا
فـــيها بجد واجـــتهاد في العمل *****لكـــي بذا تنال غاية الأمـــل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ن : وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر لـــيس بــد مــنه
وسُنّ من بـعد صلاة الفــجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

ش : قوله :

وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر ليس بد منه

أي : ليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا للحاجة التي لابد له منها وقد اتفق العلماء على جواز الخروج لما يسمى بحاجة الإنسان - أي : البول والغائط - ، واختلفوا في غيرهما من الحاجات الأخرى كالأكل والشرب والعلاج ، وشهود الجمعة ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، ومرافقة المرأة الزائرة حتى تصل المكان الذي تأمن فيه على نفسها ، وغير ذلك من الحاجات .
والذي يظهر لي في هذه الحاجات المختلف فيها : أن ما كان منها لا يمكن استغناء المعتكف عنه كالأكل والشرب والعلاج وشهود الجمعة وتشييع المرأة الزائرة إلى دارها فإنه لا يبطل به الاعتكاف لالتحاقه بالبول والغائط في الحاجة والضرورة ، وما أمكن الاستغناء عنه من سائر الحاجات كعيادة المريض وتشييع الجنازة إذا قام به غير المعتكف وزيارة قريب أو صديق للحديث معه فإن هذه الحاجات وما شابهها يبطل بها الاعتكاف ؛ لما جاء في الصحيحين عن عروة وعمرة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا ."
ولما روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج إلا لما لابد منه ".
قوله :

وسُنّ من بعد صلاة الفجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

أي :أنه يشرع لمن أراد أن يعتكف يوما أو أياما معلومات أن يدخل معتكفه عند طلوع الفجر من اليوم الذي يعزم فيه على الاعتكاف ، ويكون خروجه بعد غروب الشمس من آخر أيام اعتكافه التي سماها وأمضاها ، وذلك بأن ينوي اعتكاف يومي الخميس والجمعة مثلا ، فإنه يدخل معتكفه فجر يوم الخميس ، ويخرج من معتكفه بعد غروب يوم الجمعة ، وإذا أراد اعتكاف ليلة فقط دخل معتكفه عند غروب الشمس ، ويخرج عند طلوع الفجر من صبيحتها ، هذا الذي اختاره الناظم هو قول جماعة من الفقهاء مستدلين بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه ".
بينما يرى جماعة آخرون أنه يدخل معتكفه من أول الليل لما ثبت عند البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ". والعشر اسم لعدد الليالي، وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين .
والقول الأول هو الراجح ؛ لأن اليوم يصدق على ما بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ولهذا يقال لمن أمسك عن المفطرات بنية الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس : إنه صام يوما .
تنبيه : وفي نهاية هذا الباب أحب أن أنبه على أمور مهمة : الأول منها : أن للاعتكاف أركانا وشروطا ومبطلات .
فأما أركانه فاثنان :
أولهما : عقد النية كغيره من العبادات لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ".
وثانيهما : اللبث في المسجد إذ لا اعتكاف شرعا إلا في المسجد ؛ لقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) [ سورة البقرة 187 ] .
فإن الآية صريحة في أن الاعتكاف إنما يكون في المسجد ؛ لأن الله خص تحريم المباشرة بالاعتكاف فيه ولم يذكر غيره .
وأما شروطه : فإن الفقهاء اشترطوا في المعتكف أن يكون مسلما وذلك لأن الإسلام شرط في صحة كل عبادة من العبادات الشرعية ، ومن جملتها الاعتكاف .
ثانيا : أن يكون مميزا يفرق بين العادات والعبادات ، وبين العبادات بعضها عن بعض ، ولو لم يكن بالغا فليس البلوغ شرط صحة وقبول ، وإنما هو شرط تكليف .
ثالثا : أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر كالجنابة والمرأة من الحيض والنفاس ، فإن طرأ شيء من ذلك أثناء الاعتكاف وجب على المعتكف أن يخرج من معتكفه حتى يتطهر ثم يعود ، فيبني على اعتكافه : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) [ سورة الحج 78 ] .
وأما مبطلات الاعتكاف : فالجماع كما في قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) . والمراد بالمباشرة هنا : الجماع ، وقد أجمع أهل العلم أن الجماع عمدا مفسد للاعتكاف .
وثانيا : الخروج من المعتكف لغير حاجة يباح له الخروج إليها .
الأمر الثاني : اختلف العلماء في أقل مدة الاعتكاف وأكثرها إذا كان تطوعا على عدة أقوال ، أعدلها : أن أقله لحظة مع النية ، ولا حد لأكثره ، كما قال بذلك الإمام الشافعي وقريب منه ما قال به الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد بأن أقله ساعة ، ولا حد لأكثره .
الأمر الثالث : للمعتكف آداب ينبغي له مراعاتها ، وله مباحات لا حرج عليه في تعاطيها .
أما الآداب التي يستحسن له أن يراعيها فهي :
1 - كثرة الذكر على الوجه المشروع كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والتوبة والاستغفار .
2 - التوسع في دراسة العلوم الشرعية التي يزاد بها فقها في دينه وتقوى وورعا في تنسكه .
3 -الإكثار من نوافل الصلاة ، لاسيما قيام الليل الذي هو دأب الصالحين ، ومائدة المتقين ، وسجية المحسنين .
وأما ما يباح له فأمور منها :
أ - خروجه لتوديع أهله وقد أشرت إلى ذلك أثناء الشرح كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية ففي الصحيحين عنها رضي الله عنها أنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت ، فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . قالا : سبحان الله يا رسول الله . قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا - أو قال : - شرا " .
ب - ترجيل شعره ، وحلق رأسه ، وتقليم أظافره ، وتنظيف بدنه ، ولبس أحسن ثيابه ، فقد كانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغسله وهو في معتكفه .
ج - الخروج للحاجة التي لابد منها كالبول والغائط ، وما يلحق بهما من كل ما دعت الحاجة إليه ، ولم يمكن الاستغناءعن الخروج إليه .
د - الأكل في المسجد والشرب والنوم والحديث في أمور الحياة التي لابد منها ، والله أعلم .

طالب العلم
06-24-2015, 11:16 PM
باب الإعتكاف


ن : يشرع الإعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مســـجد
إلا إذا أدخـــل فــــيها الجمعــــــة ***** فالجامع اشترطه كيلا يدعه

ش : معنى الاعتكاف في اللغة : لزوم الشيء ، وحبس النفس عليه ، سواء كان خيرا أم شرا .
وفي الشرع : هو لزوم المسلم العاقل - ولو مميزا - مسجدا لطاعة الله على صفة مخصوصة .
وهو على قسمين : واجب ، ومسنون .
فالواجب : ما عينه المسلم وألزم به نفسه كالنذر مطلقا ومعلقا ، فإنه يجب الوفاء به على الوجه الذي عينه عملا بقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا )) [ سورة الإنسان : 7 ] .
وبما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ، وبما روى أحمد وأبو داود عن بريدة رضي الله عنه أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال : أوفي بنذرك " . فهذه النصوص فيه دليل على وجوب الوفاء بما ألزم المسلم به نفسه من عبادة شرعية ، سواء كانت اعتكافا ، أو غيره من المشروعات ، أو عمل شيء من المباحات .
وأما المسنون : فللمسلم فعله متى شاء من ليل أو نهار سواء كان زمنا قليلا أو كثيرا ، وله قطعه كذلك متى شاء إذ إن المتطوع أمير نفسه في كثير من أبواب النوافل والفضائل .
أعود إلى قول الناظم :
يشرع الاعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مسجد

أي : أن الاعتكاف من السنن المشروعة ، ومحله المساجد ؛ لأنها بنيت لذكر الله والصلاة سواء كانت الحرمين والأقصى أو غيرها من المساجد في سائر البقاع الأخرى ، وسواء تصلى فيها الجمعة أو الجماعة فقط ، خلافا للشافعية الذين لا يرون انعقاد الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
والحق أن هذا الشرط لا يؤخذ على إطلاقه ، غير أن العلماء قد اختلفوا في خروج المعتكف لشهود جنازة أو عيادة مريض أو صلاة جمعة أيبطل اعتكافه أم لا : فذهب إلى القول بالبطلان علي بن أبي طالب والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وذهب إلى القول بعدم البطلان جماعة آخرون كالشافعي والثوري وإسحاق بشرط أن يكون المعتكف قد شرط ذلك في ابتداء اعتكافه .
ولأجل هذا الخلاف وخروجا منه فقد رأى الناظم أن من كان يوم الجمعة من جملة أيام اعتكافه فعليه أن يجعل اعتكافه في مسجد جامع ، لئلا يقع في الخلاف الذي رأيت عند خروجه من محل اعتكافه ، ولئلا يقع في المأثم الذي يترتب على التخلف عن صلاة الجمعة مع القدرة على الحضور إليها .
لهذا وذاك قال الناظم :

إلا إذا أدخل فيها الجمعة *****فالجامع اشترطه كيلا يدعه

أي : إذا كان يوم الجمعة داخلا في جملة أيام المعتكف فألزمه بأن يكون اعتكافه في مسجد جامع ؛ لئلا يضطر يوم الجمعه إلى الذهاب إلى الجامع الذي تقام فيه ويدع اعتكافه ؛ فيكون ذلك سببا في بطلانه عند جماعة من الفقهاء ، وسيأتي الكلام قريبا على ما يجوز للمعتكف أن يخرج لقضائه وما لا يجوز .

ن : وليس فيه الصوم شرطا بل ورد *****بالليل والــنهار نص معـــتمد
لكـــــــــنه فـــــي رمضـــــان آكـــــدا *****لا سيما العشر الأواخر اجهـدا
فيها بجــــد واجـــــتهاد فــــــي العمل *****لكـــي بــــذا تـــنال غاية الأمل

ش : في هذه الأبيات الثلاثة بحث مسألة واحدة وهي :
هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف ، أم من شاء أن يعتكف صائما فحسن ، ومن شاء أن يعتكف مفطرا فلا حرج ؟
والجواب هو :أن الاعتكاف لا يخلو إما أن يكون في نهار رمضان أو في غير رمضان ، فإذا كان في نهار رمضان فإن المعتكف يلزمه الصوم بحكم الفرض الذي عليه ولا خيرة له فيه ما دام قادرا ، أما إذا كان الاعتكاف في غير رمضان فقد اختلف العلماء في اشتراط الصوم فيه وعدمه على رأيين :
الرأي الأول : أنه لا اعتكاف إلا بصوم ، روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وبه قالت الحنفية ومالك والأوزاعي ، غير أنه لا دليل لديهم يصلح الإستناد إليه فيما علمت .
الرأي الثاني : أن المعتكف إذا اعتكف بالنهار وصام فحسن ، ونور على نور ، وإن لم يصم فاعتكافه صحيح ، وليس الصوم شرطا فيه ، وهذا اختيار الناظم ، وهو المؤيد بالدليل الذي رواه البخاري ومسلم وغيره ، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : أوف بنذرك " .
فهو دليل صريح على جواز الاعتكاف بدون صوم .
ثم إن الاعتكاف في شهر رمضان أكثر في الاستحباب وأبلغ في الأجر ، ولذا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحبابه والحث عليه من قوله وفعله وتقريره ، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ، قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ، ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر .
فمطرت السماء في تلك الليلة ، فوكف المسجد ، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " .
ثم استمر فعله وفعل أزواجه من بعده على إحياء العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف والجد والاجتهاد ؛ لينالوا غاية ما يتمنون وما يؤملون من رضا ربهم ودخول جنته ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم :" كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده " إحياء لسنته ، ورغبة في ثواب الله الذي وعد به على شكره وحسن عبادته .
وإلى هذه المعاني أشار الناظم بقوله :

لكنـــــــه فـــــــي رمضان آكدا *****لاسيما العشر الأواخر اجهدا
فـــيها بجد واجـــتهاد في العمل *****لكـــي بذا تنال غاية الأمـــل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ن : وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر لـــيس بــد مــنه
وسُنّ من بـعد صلاة الفــجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

ش : قوله :

وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر ليس بد منه

أي : ليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا للحاجة التي لابد له منها وقد اتفق العلماء على جواز الخروج لما يسمى بحاجة الإنسان - أي : البول والغائط - ، واختلفوا في غيرهما من الحاجات الأخرى كالأكل والشرب والعلاج ، وشهود الجمعة ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، ومرافقة المرأة الزائرة حتى تصل المكان الذي تأمن فيه على نفسها ، وغير ذلك من الحاجات .
والذي يظهر لي في هذه الحاجات المختلف فيها : أن ما كان منها لا يمكن استغناء المعتكف عنه كالأكل والشرب والعلاج وشهود الجمعة وتشييع المرأة الزائرة إلى دارها فإنه لا يبطل به الاعتكاف لالتحاقه بالبول والغائط في الحاجة والضرورة ، وما أمكن الاستغناء عنه من سائر الحاجات كعيادة المريض وتشييع الجنازة إذا قام به غير المعتكف وزيارة قريب أو صديق للحديث معه فإن هذه الحاجات وما شابهها يبطل بها الاعتكاف ؛ لما جاء في الصحيحين عن عروة وعمرة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا ."
ولما روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج إلا لما لابد منه ".
قوله :

وسُنّ من بعد صلاة الفجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

أي :أنه يشرع لمن أراد أن يعتكف يوما أو أياما معلومات أن يدخل معتكفه عند طلوع الفجر من اليوم الذي يعزم فيه على الاعتكاف ، ويكون خروجه بعد غروب الشمس من آخر أيام اعتكافه التي سماها وأمضاها ، وذلك بأن ينوي اعتكاف يومي الخميس والجمعة مثلا ، فإنه يدخل معتكفه فجر يوم الخميس ، ويخرج من معتكفه بعد غروب يوم الجمعة ، وإذا أراد اعتكاف ليلة فقط دخل معتكفه عند غروب الشمس ، ويخرج عند طلوع الفجر من صبيحتها ، هذا الذي اختاره الناظم هو قول جماعة من الفقهاء مستدلين بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه ".
بينما يرى جماعة آخرون أنه يدخل معتكفه من أول الليل لما ثبت عند البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ". والعشر اسم لعدد الليالي، وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين .
والقول الأول هو الراجح ؛ لأن اليوم يصدق على ما بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ولهذا يقال لمن أمسك عن المفطرات بنية الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس : إنه صام يوما .
تنبيه : وفي نهاية هذا الباب أحب أن أنبه على أمور مهمة : الأول منها : أن للاعتكاف أركانا وشروطا ومبطلات .
فأما أركانه فاثنان :
أولهما : عقد النية كغيره من العبادات لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ".
وثانيهما : اللبث في المسجد إذ لا اعتكاف شرعا إلا في المسجد ؛ لقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) [ سورة البقرة 187 ] .
فإن الآية صريحة في أن الاعتكاف إنما يكون في المسجد ؛ لأن الله خص تحريم المباشرة بالاعتكاف فيه ولم يذكر غيره .
وأما شروطه : فإن الفقهاء اشترطوا في المعتكف أن يكون مسلما وذلك لأن الإسلام شرط في صحة كل عبادة من العبادات الشرعية ، ومن جملتها الاعتكاف .
ثانيا : أن يكون مميزا يفرق بين العادات والعبادات ، وبين العبادات بعضها عن بعض ، ولو لم يكن بالغا فليس البلوغ شرط صحة وقبول ، وإنما هو شرط تكليف .
ثالثا : أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر كالجنابة والمرأة من الحيض والنفاس ، فإن طرأ شيء من ذلك أثناء الاعتكاف وجب على المعتكف أن يخرج من معتكفه حتى يتطهر ثم يعود ، فيبني على اعتكافه : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) [ سورة الحج 78 ] .
وأما مبطلات الاعتكاف : فالجماع كما في قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) . والمراد بالمباشرة هنا : الجماع ، وقد أجمع أهل العلم أن الجماع عمدا مفسد للاعتكاف .
وثانيا : الخروج من المعتكف لغير حاجة يباح له الخروج إليها .
الأمر الثاني : اختلف العلماء في أقل مدة الاعتكاف وأكثرها إذا كان تطوعا على عدة أقوال ، أعدلها : أن أقله لحظة مع النية ، ولا حد لأكثره ، كما قال بذلك الإمام الشافعي وقريب منه ما قال به الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد بأن أقله ساعة ، ولا حد لأكثره .
الأمر الثالث : للمعتكف آداب ينبغي له مراعاتها ، وله مباحات لا حرج عليه في تعاطيها .
أما الآداب التي يستحسن له أن يراعيها فهي :
1 - كثرة الذكر على الوجه المشروع كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والتوبة والاستغفار .
2 - التوسع في دراسة العلوم الشرعية التي يزاد بها فقها في دينه وتقوى وورعا في تنسكه .
3 -الإكثار من نوافل الصلاة ، لاسيما قيام الليل الذي هو دأب الصالحين ، ومائدة المتقين ، وسجية المحسنين .
وأما ما يباح له فأمور منها :
أ - خروجه لتوديع أهله وقد أشرت إلى ذلك أثناء الشرح كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية ففي الصحيحين عنها رضي الله عنها أنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت ، فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . قالا : سبحان الله يا رسول الله . قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا - أو قال : - شرا " .
ب - ترجيل شعره ، وحلق رأسه ، وتقليم أظافره ، وتنظيف بدنه ، ولبس أحسن ثيابه ، فقد كانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغسله وهو في معتكفه .
ج - الخروج للحاجة التي لابد منها كالبول والغائط ، وما يلحق بهما من كل ما دعت الحاجة إليه ، ولم يمكن الاستغناءعن الخروج إليه .
د - الأكل في المسجد والشرب والنوم والحديث في أمور الحياة التي لابد منها ، والله أعلم .

طالب العلم
06-24-2015, 11:17 PM
باب من رخص الشارع له في الإفطار

ن : ورخصة الشارع في الإفطار*****في الســفر اقبــلها بــلا إنكـــار
والخلف في الأفضل والنص يـدل ***** أن الــذي يقــرب لليسر فضــل
إن تســــــاويا بتيســـــــيرفــــــلا *****تفضــيل بــل أيهمــا شــا فعــلا

ش : هذه الأبيات الثلاثة تتعلق بصنف من الأصناف الذين رخص الشارع لهم في الفطر ، وهم المسافرون سفر طاعة وقد جرى الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة كما سيأتي :
فقوله : ورخصة الشارع في الإفطار *****في السفر اقبلها بلا إنكار
معناه : أن الإفطار في السفر في نهار رمضان رخصة من الله لعباده ينبغي للمسلمين أن يأخذوا بها مغتبطين وشاكرين ربهم على نعمته ورحمته ، ولا يجوز لهم أن يقابلوها بالرد لها والإعتراض عليها ؛ لأن فيها تيسيرا ورحمة ونفيا للحرج والمشقة وما كان كذلك فهو حري بالمحبة والقبول .
ففي البيت الثاني والثالث توضيح للخلاف الحاصل بين العلماء ، وهذه المسألة من حيث وجوب الفطر أو استحبابه أو أفضلية الصوم أو عكسه أو استواء الأمرين تحتاج إلى تحرير سأختصره فيما يلي :
1 : ذهب الجمهور من أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى جواز الصوم والفطر في السفر ، واستدلوا على ذلك بأدلة صريحة أذكر منها مايلي :
ا - قوله تعالى : (( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) .
ب : ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها : " أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " .
ج - وفي الموطأ والصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :" سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " .
د - ما أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال :" كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " .
فهذه النصوص تدل على جواز الأمرين على حد سواء وهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة ، وإنما اختلفوا في الأفضل منهما ، فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أفضلية الصوم لمن لا يلحقه مشقة لئلا يبقى دينا على صاحبه ، وذهب الإمام أحمد وسعيد بن المسيب والأوزاعي وإسحاق إلى أن الفطر أفضل ولو لم يلحق الصائم مشقة وكلفة ، ومن أمعن النظر في نصوص الباب ترجح لديه ما ذهب إليه هؤلاء الأربعة وذلك للأدلة الآتية :
ا - حديث :" إن الله يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه ."
ب - حديث :" عليكم برخصة الله التي أرخص الله لكم فاقبلوها " رواه الطبراني بإسناد حسن .
ج - ما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم ، فقال : ليس من البر الصوم في السفر ."
ففي هذه النصوص ترغيب في الأخذ بالرخصة على أي حال سواء حصلت مشقة أم لم تحصل لأن الرخصة أمر محبوب إلى الله فينبغي للمؤمن أن يحب ويتفاعل مع ما يحبه الله ويرضاه .
2 - وذهب جماعة من السلف مذهب التشديد البعيد عن الصواب كالزهري والنخعي ومن وافقهما : فقالوا : ولو صام المسافر في سفره فإنه لا يجزئه بل لابد من القضاء وقت الإقامة واستدلوا بالآية الكريمة http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) وهذا مذهب الظاهرية .
3 - وذهب جماعة من العلماء منهم عمر بن عبد العزيز أن أفضلهما أيسرهما فمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل .
4 - وذهب آخرون إلى التخيير مطلقا عملا بحديث :" فمنا الصائم ومنا المفطر " .
هذه أشهر الآراء في هذه المسألة ، وقد علمت الراجح منها بدليله كما ظهر لنا ، ومن ظهر له رأي آخر بدليله واقتنع به فليقل به ولا تثريب عليه يغفر الله لنا وله وهو أرحم الراحمين وخير الغافرين .
هذا التفصيل الذي رأيت في غير وقت ملاقاة العدو أو خشية الضعف الذي يلحق بسببه ضرر ، أما إذا كان المسلم في معركة مع العدو أو قرب وقت خوضها أو يخاف ضعفا يؤثر على قوته فإنه والحالة هذه يتحتم عليه الفطر ولا خيرة له في الأمر كي يكون قويا ونشيطا في وجه العدو ، وإلى هذه العزيمة أشار الناظم بقوله :
وقد روى عزيمة الفطر إذا *****حان اللقاء خشية الضعف خذا
وقد اعتمد الناظم في ذلك على ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال :" سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال : فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر فقال : إنكم مصّبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ، فكانت عزمةفأفطرنا ، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ."
أما مقدار السفر الذي يباح فيه الفطر : فهو السفر الذي تقصر فيه الصلاة ،وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في تحديده ، والخلاصة أن الشارع أطلق السفر ونحن نتأس به فنطلقه ، فما عُدّ سفرا أبيح فيه الرخص السفرية ، وقد بحثت التحديدات والإستدلالات لها ووقت الإقامة في كتاب الصلاة .

ن : وهكذا المريض قد رخص له *****ومثله من لم يطق تحملــه
لضـــــعفه كحـــامل ومرضــــــع *****وهكـذا الكبير فاحفظـــه وع
وحـــائض والنفســا قــد قدمــــا *****في الباب أنه عليهما حرما

ش : في هذه الأبيات الثلاثة ذكر بقية الأصناف الذين يجوز لهم الفطر في نهار رمضان كما جاز للمسافر سفر طاعة أن يفطر كذلك ، وهم كمايلي : 1 - المرضى من ذكر وأنثى فقد رخص الله لهم في قوله الحق http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) أي : فأفطر فعليه قضاء الأيام التي أفطرها في نهار رمضان سواء بسبب مرضه أو بسبب سفره .
2 - الحامل والمرضع لهما الرخصة في الفطر وعليهما القضاء لما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أنس بن مالك :" أن رجلا من بني عبد الله بن كعب قال : أغارت علينا خيل رسول صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عله وسلم فوجدته يتغذى فقال : ادن فكل ، فقلت : إني صائم ، فقال : ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله - تبارك وتعالى - وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام . والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أوأحدهما فيا لهف نفسي ألّ أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم " . قال الترمذي هذا حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما تفطران وتقضيان ، وقد اختلف الفقهاء مع القضاء كفارة أم لا ؟
ا - فذهب جماعة إلى القول بوجوب الإطعام مع القضاء ومقداره عن كل يوم مد لمسكين ، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وهو قول الشافعي وأحمد .
ب - وذهب آخرون إلى القول بوجوب القضاء بدون إطعام إذ لا نص يوجبه وهما بمنزلة المريض وهذا قول الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي .
ج - وفصل بعضهم فقال : إن خافتا على ولديهما قضتا وأطعمتا ، وإن خافتا على نفسيهما قضتا فقط ، لأنهما في حكم المريض سواء بسواء .
د - وأبعد النجعة إسحاق بن راهوية فقال : إن شاءتا أطعمتا ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما .
والذي أستحسنه هو الأخذ بالقول الأول خروجا من الخلاف واحتياطا في العبادة ، وهذا معنى قول الناظم :
وهكذا المريض قد رخص له *****ومثله من لم يطق تحمله
لضـــعفه كحـــامل ومرضـــع *****................................
فقوله :
.............................*****وهكذا الكبير فاحفظه وع

3 - الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذان لا يطيقان الصوم ومثلهما المريض الذي لا يرجى برؤه فهؤلاء يطعم عن كل واحد عن كل يوم مسكينا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى http://bamhrez.com/vb/( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) أنها ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا ، وإلى هذا الحكم أشار الناظم بقوله :

..................*****وهكذا الكبير فاحفظه وع

أي : ومثل ما تقدم ذكرهم ممن رخص لهم في الإفطار في نهار رمضان الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ويقاس عليهما المريض الذي لا يرجى برؤه ، فاحفظ الأحكام وعها تكن فقيها فيها .
4 - الحائض والنفساء لهما الرخصة الشرعية في الفطر بل فطرهما واجب ؛ إذ لا يصح الصوم منهما في حال الحيض والنفاس ولا يجزىء عنهما كما مر معنا في أول الباب عند قول الناظم :
واستثن من ذا من يكن معذورا*****شرعا ويأتي حكمهم مذكورا
وقال هنا :

وحائض والنفسا قد قدما *****في الباب أنه عليهما حرما

باب ما يلزم كل واحد ممن ذكر

ن : ومفطر في مرض أو للسفر ***** علـــيه عدة مــن أيام أخــر
تصـــح بالســــرد وبالتــــــفريق *****والسرد قد أوجب عن فريق
كـــــذاك ذات الحيــض والنـــفاس *****حـــتم قضاؤها بـــلا التـباس
وعاجـــز عــن القضا بالصــوم *****يطعــــم مســــكينا لكــل يـوم
وحــامل ومرضــع هــل تطعــم *****أو تقض أو تجمع خلــف لهم

ش : في هذه الأبيات بيان لما يلزم من رُخَّص لهم في الفطر في نهار رمضان بالتفصيل ، فأما المسافر فإنه يلزمه قضاء الأيام التي أفطرها من الشهر امتثالا لقول الله تعالى http://bamhrez.com/vb/( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ))
وقد اختلف العلماء في كيفية القضاء : هل يلزم فيه التتابع أو يجوز فيه التتابع والتفريق ، فذهب إلى الأول جماعة من السلف كعائشة رضي الله عنها وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وهو أحد قولي الشافعي ، واستدلوا بما رواه الدارقطني وقال : إسناده صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت : " فعدة من أيام أخر متتابعات " فسقطت متتابعات .
وذهب إلى الثاني الجمهور من السلف والفقهاء واستدل لهم بأن الآية الكريمه أطلقت أيام القضاء ولم تقيدها بالتتابع في القراءة المتواترة التي وقع عليها الإجماع ، وهو الحق الذي يتفق مع يسر الدين وسماحة الشريعة.
وقد أجابوا عن حديث عائشة بجوابين :
الأول : قولها عن كلمة " متتابعات " أنها سقطت .
والثاني : اختلاف العلماء في الإحتجاج بقراءة الآحاد كهذه القراءةالتي قال فيها الإمام مالك : أنها قراءة أبي بن كعب .
هذا مع اتفاق الجميع أن التتابع أفضل ؛ لأن فيه خروجا من الخلاف وتعجيلا بالوفاء بالدين ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله :

ومفطر في مرض أو للسفر *****عليه عدة من أيام أخر
تصح بالسرد وبالتفريق *****والسرد قد أوجب عن فريق

وأما ذات الحيض والنفاس فليس عليها إلا القضاء فقط لما روى الجماعة عن معاذة قالت : سألت عائشة رضي الله عنها فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت :" كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " :
وإلى هذا المعنى أشار الناظم بقوله :
كذاك ذات الحيض والنفاس *****حتم قضاؤها بلا التباس

وأما العاجز عن الصيام : سواء بكبر أو مرض لا يرجى برؤه وسواء كان الصيام أداء أم قضاء فعليه أن يطعم أو يُطعم عنه غيره عن كل يوم مسكينا ولا قضاء إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
وأما الحامل والمرضع : فقد تقدم تفصيل القول فيما يجب عليهما ، وذكر الخلاف فيه في الباب الذي قبل هذا .
وإلى هذين الصنفين وما يجب عليهما أشار الناظم بقوله :

وعاجز عن القضا بالصوم *****يطعم مسكينا لكل يوم
وحامل ومرضع هل تطعم *****أو تقض أو تجمع خلف لهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

ن : وجاء في من للقضا يؤخر *****حتى أتاه رمضان الآخر
عن فرقة من الصحابةالقضا ***** مع فدية الإطعام عنهم حفظا

ش :في هذين البيتين بيان حكم من أخر قضاء ما فاته من شهر رمضان من غير عذر حتى دخل عليه شهر رمضان من قابل ، فإن عليه أن يصوم الشهر الذي حدث ، فإذا انتهى منه فعليه أن يشرع في قضاء ما فاته من شهر رمضان الماضي ، وعليه عند الجمهور كفارة إطعام مسكين مع كل يوم .
أثر ذلك عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، والقاسم بن محمد ، وبه قال الزهري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال جماعة آخرون : عليه القضاء فقط بدون فدية ، إذ لا دليل على وجوبها أو مشروعيتها من كتاب ولا سنة .
أثر هذا القول عن الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والبخاري ، وأصحاب الرأي .
والقول الأول هو الراجح لما يؤيده من آثار عن السلف.

ن : ومفطر يوما بدون عذر *****لم يقضه عنه صيام الدهر

ش : في هذا البيت بيان للخطر العظيم الذي يقع فيه من يتعمد الفطر في نهار رمضان وأنه مهما صام ليقضى ما فاته عمدا فلن يتسنى له التمام والوفاء كمن أفطر معذورا وقضى من أيام أخر .
قال البخاري - رحمه الله - :باب إذا جامع في رمضان ، ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه :" من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه " . وبه قال ابن مسعود ، ورواية البخاري هذه وإن كانت معلقة إلا أنها تشهد لما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه " . غير أن العلماء مجمعون على أنه يقضي يوما مكانه وكذا حديث :" انظروا هل لعبدي من تطوع " الحديث يبشر بخير وقد تقدم

باب صوم التطوع

ن: يشرع صوم الست من شوال *****وعشر ذي الحجة باستكمال
لا سيــــما تـــاسعها تـــأكــــــــدا *****لغــــير أهـل الحج نصّا وردا
وتـــاسع وعــــــاشر المحـــــرم *****بل كله بل صوم كل الحـــرم
كـــــذا ثلاثـــــة بـــــكل شـــــــهر***** وفعلها في البيض خير فادر
كــــذاك كل اثــنين أو خمـــيس قد *****سن صيامه بـــنص لا يــرد

ش : في هذه الأبيات الخمسة بيان لأيام معلومات وأشهر كريمة رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامها احتسابا لوجه الله ، ففي الشطر الأول من البيت الأول ترغيب في صيام ستة أيام من شهر شوال فقد جاء بيان فضلها والترغيب في صومها في حديثين ثابتين :
الأول : ما رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر " . ورواه أحمد من حديث جابر بن عبد الله .
الثاني : ما رواه ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة ، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " .
ففي هذين الحديثين دليل قائم على مشروعية صيام ستة أيام من شهر شوال سواء متواليات أو متفرقات وبيان ما يترتب عليها من الأجر العظيم ويكفي أنها تعدل صيام الدهر ووجه ذلك أن الحسنة كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى بعشر أمثالها ، فرمضان بعشرة أشهر وستة أيام بشهرين وذلك تمام السنة ، وقد قال بالاستحباب الجمهور من أهل العلم سلفا وخلفا ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله - حيث كرها صيامها ظنا منهما أن صيامها يسبب التباسا على الأمة فيظنوا أنها من رمضان ، وهي نظرة منهما من زاوية بعيدة عن الصواب كيف لا وهو رأي منهما في مقابلة السنة الصحيحة ، وكل رأي يتعارض مع النصوص الصريحة فإنه يجب أن يطرح ، والعمل بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم هو المتعين ، وبه كلّفت البشرية وعنه تُسأل .

وفي قوله :
.............................. *****وعشر ذي الحجــة باستكمــال
لا سيــــما تـــاسعها تـأكـدا ***** لغير أهل الحج نصّا وردا

أي : من الأيام الفاضلةالتي يستحب أن يكثر فيها المسلم من أعمال الخير ومن جملتها الصوم تطوعا : عشر ذي الحجة ؛ فقد أتى الترغيب في العمل الصالح فيها عموما وفي صيام يوم التاسع منها لمن لم يكن بعرفة وما في ذلك من الأجر والثواب .

فقد روى الجماعة إلا مسلما والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني : أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع بشيء من ذلك ."
قلت : ومن جملة الأعمال الصالحة الصوم ، كما روي أيضا في مشروعية استكمالها صياما ما رواه أحمد والنسائي من حديث حفصة قالت : " أربع لم يكن يدعها رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء ، والعشر ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة " وفيه ضعف .
وثبت الترغيب في صيام يوم عرفة خاصة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ولكن لغير الحاج فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " .
وأما الحاج فينبغي له أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوته فإنه كان مفطرا يوم عرفة وفعله تشريع لأمته ، والتأسي به في ترك صوم عرفة لمن هو بها أولى ، فقد روت أم الفضل :" أن الناس شكّوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة " متفق عليه .
وقد روى أحمد وغيره حديثا في النهي الصريح عن صوم يوم عرفة من كان بها ، ولفظه :عن أبي هريرة رضي الله عنه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة " إلا أنه معلول ؛ لأن في إسناده مهدي بن حرب الهجري وهو مجهول ،و رواه العقيلي في الضعفاء من طريقه وقال : لا يتابع عليه ، أما ابن خزيمة والحاكم فقد صححاه، وإلى ما تقدم في هذا الباب أشار الناظم بقوله :

يشرع صوم الست من شوال *****وعشر ذي الحجة باستكمال
لاسيـــما تــاسعها تــأكــــــدا ***** لغـير أهل الحج نصّــا وردا

قوله :" وتاسع وعاشر المحرم :
أي : أنه يستحب للمسلم أن يحافظ عل صيام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وكذا اليوم التاسع ، فإن لم يتيسر صوم التاسع صام يوما بعد العاشر مباشرة .
وقد وردت نصوص على استحباب صيام يوم عاشوراء ويوما قبله أو يوما بعده فمن ذلك : ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال : ما هذا ؟ قالوا : يوم صالح نجّى الله فيه موسى ، وبني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى ، فقال : أنا أحق بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصيامه ."
ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس :" فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع إن شاء الله ، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : ما جاء عن ابن عباس موقوفا بسند صحيح :" صوموا اليوم التاسع والعاشر وخالفوا اليهود " ، رواه عبد الرزاق ( 7839 )ومن طريقه البيهقي ( ج 4 ص 287 ) .
وقوله :
.............................. *****بل كله بل صوم كل الحرم

أي : أنه يستحب الإكثار من الصوم تطوعا في شهر الله الحرام ، بل إنه ليستحب للمسلم إن وجدت لديه القوة أن يصوم معظم الأشهر الحرم ؛ وذلك لما لها من الفضل ، ولما في الصيام فيها من عظيم الأجر ، والدليل عل استحباب الصوم في شهر الله المحرم ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " .
وأما الدليل على استحباب الإكثار من نافلة الصوم في الأشهر الحرم فما رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيدهم عن رجل من باهلة قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول ، قال : فما لي أرى جسمك ناحلا ؟ قال : يا رسول الله ، ما أكلت طعاما بالنهار ، ما أكلته إلا بالليل ، قال : من أمرك أن تعذب نفسك ؟ قلت : يا رسول الله ، إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر ويوما بعده، قلت : إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر ويومين بعده ، قلت : إني أقوى ، قال : صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم ."
ففي هذين الحديثين ترغيب في أداء فريضة صوم رمضان والتقرب إلى الله بعد ذلك بنوافل الصوم في الأشهر الحرم التي هي : رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم، غير أنه لا ينبغي أن يصوم المتطوع الشهر كاملا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصوم شهرا كاملا إلا رمضان الذي فرضه الله على أمة الإسلام ، فيجب التأسي به فيكون معنى الأمر بصيام الأشهر الحرم صيام معظمها كما في رواية أبي داود التي فيها :" صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ."
وقوله :
كذا ثلاثة بكل شهر *****وفعلها في البيض خير فادر
أي : ويستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإن ذلك يعدل صيام الدهر ، كم جاء مصرحا به في حديث أبي ذر الذي رواه الترمذي وابن ماجه بلفظ :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ، فأنزل تصديق ذلك في كتابه http://bamhrez.com/vb/( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )) [ سورة الأنعام 160 ] .
اليوم بعشرة ، وكون هذه الثلاثة الأيام أيام البيض أفضل دلّ عليه حديث أبي ذر أيضا عند أحمد والنسائي بلفظ :" من كان منكم صائما من الشهر ثلاثة أيام فليصم الثلاث البيض " غير أنه إذا صامها متقدمة أو متأخرة فقد جاء بالسنة التي يترتب عليها الثواب المنصوص عليه في حديث أبي ذر المتقدم ، بدليل ما رواه مسلم والترمذي من حديث معاذة قالت :" قلت لعائشة رضي الله عنها : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم ، فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم ."
وما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أوصاني خليلي بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام " .
وللعلماء في تعيين هذه الثلاثة الأيام من كل شهر أقوال ولكل صاحب قول تعليله ، كما لهم في تعيين البيض عشرة أقوال ذكر ذلك كله بالتفصيل الحافظ ابن حجر في الفتح فليراجعه من شاء .
أما هنا فحسبك أن تعرف أنك متى صمتها من الشهر فقد نفّذت الوصية التي في حديث أبي هريرة واستحققت المثوبة الكريمة وهي صيام الدهر ، فإذا كانت هي أيام الليالي البيض فهي أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر كما في حديث أبي ذر بلفظ :" يا أبا ذر ، إذا صمت من الشهر ثلاثة ، فصم : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ". رواه أحمد والترمذي والنسائي .
وقد بوب البخاري - رحمه الله - لذلك فقال :" باب صيام البيض : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " ، وصنيعه هذا يدل على تعيينها وأفضليتها لا كمن كرهها أو عيّنها بغير ذلك .
قوله :
كـــــذا ثلاثة بـــــكل شــــهر ***** وفعلها في البيض خير فادر
كذاك كل اثنين أو خميس قد ***** سن صـــيامه بنص لا يـــــرد

أي : أن مما يستحب صومه تطوعا من أيام الأسبوع يوم الإثنين ويوم الخميس لما روى الإمام أحمد بسنده عن أسامة بن زيد قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم ، إلا في يومين من الجمعة إن كانت في صيامه وإلا صامهما ، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان ، فقلت : يا رسول الله ، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ، قال : أي يومين ؟ قال : قلت : يوم الإثنين ويوم الخميس ، قال : ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ، قال : قلت : ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم "وهذا إسناد حسن رجاله ثقات .
وقد جاء هذا الحديث عند الترمذي من رواية أبي هريرة ، وعند أبي داود من حديث أسامة بن زيد ولكن بألفاظ أخرى وأسانيد أخرى في بعضها ضعف وطريق أحمد أصحها كما رأيت .
قلت : وهذا الحديث بجملته يدل على أمور أهمها مايلي :
ا - بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الكمال في العبادة فرائض ونوافل ، ليكون عبدا شكورا ، ثم ليكون قدوة صالحة رشيدة لأمته تتأسى به في أقواله وأفعاله بحسب همم أفرادها وجماعاتها ذكورا وإناثا .
ب - الإيمان الثابت الذي لا تردد فيه أن الله حكيم في كل شيء كما سمّى نفسه الحكيم ، ومن جملة ذلك حكمته البالغة فيما شرع لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما يكفّر به خطيئاتهم ويرفع درجاتهم من أقوال وأفعال وأعمال ظاهرة وباطنة من واجبات ومستحبات .
ج - الحث على مراقبة الله بحيث يتفقد العبد نفسه وما هي عليه من خير أو شر ، وذلك في كل لحظة من لحظات العمر ، وفي كل عمل من أعمالها اليومية ؛ لأنه عندما يستشعر دائما أن أعماله تُعرض على خالقه وبارئه في أسبوعه مرتين وكان من العقلاء فإنه سيكثر من صالح العمل ويجتنب طرائق الخطأ والغفلة والزلل ؛ طمعا في نيل السعادة والرضا واستحياء من الله رب السموات العلا .
د - التحذير من الغفلة والإستعداد ليوم النقلة ، وما أدراك ما يومها ، إنه اليوم الذي يودّع فيه الإنسان دار العمل ويرتحل إلى دار الجزاء على العمل ، فيمكث رهينا في حياته البرزخية حتى يحين مجيء حياته الأخروية ؛ فينكشف الغطاء وتبلى السرائر وتجزى كل نفس ما كسبت ، وتبصر آنذاك ما قدمت وما أخرت ، وما أسرت وما أعلنت ، فطوبى لنفس رضيت برسالة ربّها وشرعة نبيها وتمسكت بعُراها ، وطوبى لنفس ترفعت عن فعل القبيح فلم يضرها شيطانها وهواها ، وطوبى لنفس استشعرت دائما مراقبة ربّها فقلّ ضحكها وكثر حزنها واشتد بكاها ، وطوبى لها غدا إن نجت من عذاب الله ، فرضي عنها ربها وأرضاها .
ن : وصح في الحديث خير الصوم *****صيامه يومــا وفطر يــوم
وصـــح من فعــــــل النـــبي كانـــا *****أكثر ما يصوم في شعبانا
وصـــوم يــــوم فــي سبيـــل اللــه *****بعد عن النار بفضل اللــه
ش : قوله :
وصح في الحديث خير الصوم *****صيامه يوما وفطر يوم
أي : أن أفضل صوم التطوع لمن عنده قدرة على الصوم ورغبة في نافلته أن يصوم يوما ويفطر يوما فإنه خير الصيام ، كما شهد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صم في كل شهر ثلاثة أيام ، قلت : إني أقوى من ذلك ، فلم يزل يدفعني حتى قال : صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود عليه السلام " متفق عليه .
فقد دل الحديث على أن صوم يوم وفطر يوم هو أعلى حد فيما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأن ما زاد عل ذلك فهو مفضول كما هو مقتضى اللفظ .
قوله :
وصح من فعل النبي كانا *****أكثر ما يصوم في شعبانا
أي : أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الصوم في شهر شعبان ؛ لأنه شهر يغفل فيه الناس عن الصيام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا تصيبه الغفلة وهو المشرّع لأمته ، وقد دل على إفراد النبي صلى الله عليه وسلم له ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان " .
ولفضل الصوم فيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصله برمضان كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول :" كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شهر شعبان ثم يصله برمضان " .
قوله :
وصوم يوم في سبيل الله *****بعد عن النار بفضل الله
في هذا البيت حث وترغيب في التطوع المطلق بعبادة الصوم الفاضلة لما في ذلك من جزيل الأجر والثواب وما فيه من النجاة من عذاب الله ، وقد جاء الترغيب فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصوم عبد مسلم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " .
حقا إن في هذا الحديث لخير حافز للمسلم على الإكثار من صوم التطوع وإن مما لا شك فيه اختيار المسلم لصوم التطوع وتركه لمألوفاتالنفس من مأكل ومشرب ونحوهما بدون تكليف رباني لدليل صادق وبرهان قاطع على حبه لله وخوفه منه وتعظيمه له وإحيائه سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
نعم ، إنه لعلامة من علامات السعادة ، وقربة من أعظم القرب التي ثوابها عند الله يوم يشتد بالأمة العطش لدُنو الشمس من رءوسهم وبروز النار أمام أعينهم وهول المطلع الذي يواجههم ويتحقق أمامهم ما كانوا قد سمعوه وقرءوه في الحياة الدنيا من كلام الله وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام - فهنيئا ثم هنيئا لمن تقرب إلى الله بأداء فرائضه ، وأتبع ذلك بفعل النوافل التي تكمل الفرائض ، ليكون الكل سببا في تخفيف ما سينزل بالخلائق في يومها المشهود الذي أخبرنا الله عنه بقوله http://bamhrez.com/vb/( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. وما نؤخره إلا لأجل معدود . يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد . فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيه زفير وشهيق .خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك ، إن ربك فعال لما يريد . وأما الذين سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك ، عطآء غير مجذوذ )) [ سورة هود 103-108 ] .

باب ما نُهي عن صومه


ن : وجمعة والسبت كل قد نُهي *****عن صومه منفردا عن غيره
كـــذاك ينهى عن صــــيام الدهر *****سردا بدون فصـــــله بفطـــر

ش: قوله :

وجمعة والسبت كل قد نُهي *****عن صومه منفردا عن غيره
أي : أنه يُنهى شرعا عن تخصيص أحد هذين اليومين بصوم على انفراده ، غير أنه يجوز صيامهما فيما يأتي :
ا - إذا صيم قبلهما أو بعدهما
ب -إذا وافق أحدهما يوم عرفة أويوم عاشوراء فإنه لا كراهة حينئذ في صوم جمعة أو سبت ، وقد اعتمد الناظم في تصريحه بالنهي عن صيام هذين اليومين منفردين على الأدلة التالية :
1 - ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " .
2 - ما رواه البخاري بسنده عن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي صائمة في يوم الجمعة فقال لها :" أصمت أمس ؟ فقالت : لا . قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : فأفطري إذن ."
3 - وما رواه الشيخان عن محمد بن عباد قال سألت جابرا رضي الله عنه :" أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة قال : نعم - زاد غير أبي عاصم - : أن ينفرد بصوم ."
وفي لفظ لمسلم :" ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " .
فهذه النصوص تدل على كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم أو ليلتها بإحياء ووجه الكراهة - والله أعلم - لأن يوم الجمعة عيد المسلمين وله فضل عظيم ، ويُخشى أيضا أن يُعظم فوق المشروع فقد نهى عن إفراد يومه بالصوم وليلته بالقيام .
وأما يوم السبت : فقد جاء في كراهة إفراده بالصوم ما رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، ومعنى كراهته في هذا : أن يخص يوم السبت بصيام ؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت فإذا صام قبله أو بعده زالت العلة فزالت الكراهة .

قوله :

كذاك يُنهى عن صيام الدهر *****سردا بدون فصله بفطر
أي : أنه قد جاء النهي في السنة الصريحة عن تعذيب النفس بصيام أيام الدهر سردا متوالية ، ففي المسند والصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا صام من صام الأبد " .
ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ : " لا صام ولا أفطر " وهذا الأسلوب أبلغ في الزجر عن سرد صيام الدهر لما فيه من التشديد على النفس وعدم الرفق بها وتضييع وظائف أخرى ، منها ما يتعلق بحق الله ، ومنها ما يتعلق بحقوق النفس ، ومنها ما يتعلق بحقوق ذوي الحقوق من الآدميين .
ثم إن صام الدهر يقع في محظورات أخرى ، فهو قطعا يصوم الأيام المنهي عن صيامها كيومي العيد وأيام التشريق ، وسيأتي الكلام عليها قريبا .
أما إذا صام وأكثر وهو قوي وفصل بفطر فهو في حل وأفضل الصيام ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :" صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داودعليه السلام .
ومن أراد أن يحرز فضل صيام الدهر في رضا وسنة فعليه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد روي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله .
وهذه غنيمة باردة فيها أجر صيام الدهر مع راحة النفس والجسد والقيام بسائر الوظائف الليلية والنهارية والحقوق المتعلقة بما يجب لله ، وما يجب لعباد الله ، فخذها يا بن آدم .

ن : كذا عن استقبال شهر الصوم *****بصومه يومين أو بيوم
إلا إذا وافـــــق يومــــــا كانـــــــا *****يعتاد صــومه فلا نكرانا
ش : في هذين البيتين بيان للنهي عن التعجيل بصيام يوم أو يومين قبل دخول رمضان على سبيل الإحتياط على أساس أن ذلك ربّما يكون من رمضان ، وقد استثنى الناظم من كان له صوم يعتاده فوافق آخر يوم أو يومين من شعبان فإنه محظر في ذلك الصيام ، وقد استند الناظم في تقرير هذا التفصيل في الحكم على ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تقدّموا صوم رمضان بيوم ولا بيومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم " .
وقد قال الترمذي عقب إيراد هذا الحديث : " والعمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ."
وقال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد :" وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محقة أو بشهادة شاهد واحد ، كما صام بشهادة ابن عمر ، وصام مرة بشهادة أعرابي ، واعتمد على خبرهما ، ولم يكلفهما لفظ الشهادة ، فإن كان ذلك إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد ، وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما " انتهى .
قلت : فقد اتفق قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله على تحريم صوم الشك ، فلا يليق بمسلم بعد ذلك أن يصومه بحكم الإحتياط ، والأمر محلول بالحل الشرعي وهو الرؤية الثابتة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما : وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ".

ن : والصوم للعيدين عنه قد أتى *****نهي كذا التشريق نصّا ثبتا
إلا لفـــــــــاقد دم التمـــــــــــــتع *****فصومها رخّص فديـــة فـع

ش : في هذين البيتين إيضاح مسألتين :
المسألة الأولى : النهي الصريح عن صوم يومي العيدين : الفطر والأضحى ، سواء كان الصوم قضاء أو نذرا أو تطوعا ، لما روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه :" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين ، أما يوم الفطر : ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى : فكلوا من نسككم " رواه البخاري ومسلم والترمذي .
ففي هذين النصين دليل صريح على تحريم الصوم في يومي العيدين وإنما ينبغي فيهما التوسعة على النفس والعيال في حدودها الشرعية، وهذه من سماحة دين الإسلام الذي جعله الله رحمة واسعة لمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا .
المسألة الثانية : النهي الصريح أيضا عن صيام أيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى ، وقد استند الناظم في النهي عن صيامها إلا لمن كان عليه دم تمتع ولم يتمكن من صيام الثلاثة الأيام قبل الحج إلى ثلاثة أحاديث :
الأول : رواه أحمد ومسلم عن كعب بن مالك :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منّى أيام أكل وشرب .
الحديث الثاني : رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : " أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منّى : إنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها - يعني : أيام التشريق - "
الحديث الثالث : ما أخرجه أبو داود والترمذي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " . قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح .
فهذه النصوص الثلاثة دلت على تحريم الصوم في أيام التشريق باتفاق أهل العلم ، ولم يختلفوا إلا في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة أيام قبل الحج .
فذهب بعضهم إلى عدم الجواز : كعلي بن أبي طالب ، والحسن البصري ، وعطاء ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وظاهر مذهب الشافعي .
وذهب إلى الجواز كثير من السلف والأئمة : كعائشة ، وعروة بن الزبير ، وابن عمر ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وهو الراجح - إن شاء الله - .