طالب العلم
06-27-2015, 11:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كيلا يَضيعَ مِنا رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد ،،،
فَقَد أظَلَّنا شهر كريم وموسم من مواسم الخير عظيم ، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة : 185.
شهر الصبر والقيام وتهذيب النفوس ، شهر الجهاد والاجتهاد في التقرب إلى العزيز القدوس.
شهر أُنزل فيه أعظم كتاب بواسطة أعظم ملاك ، على أعظم بَشَر في أعظم ليلة وهي ليلة القدر.
شهر قال فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ ، و أُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزِلَ الزبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ ، وأُنزلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرينَ خلتْ من رمضانَ ) صحيح الجامع.
شهر إذا حَلَّ بَشَّرَ رسولنا الكريم عز وجل صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنه بقوله : ( أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك ، فرَضَ اللَّهُ عز وجل عليكُم صيامَه ، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ ) صحيح سنن النسائي.
شهر قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دَخَل شهرُ رمضانَ فُتِّحَتْ أبوابُ السماءِ ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهنمَ ، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ ) رواه البخاري .
شهر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : ( مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ) متفق عليه.
شهر لله فيه في كل ليلة عتقاء وللمسلم فيه دعوة مستجابة، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ مَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ، فلم يُفْتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجِنانِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ، ونادَى مُنادٍ يا باغِيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ من النارِ ) صحيح ابن خزيمة ، و قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً ) صحيح الترغيب والترهيب.
فيا عباد الله
شهر هذه بعض فضائله وخصائصه فَبِأيِّ شيءٍ نستغل ليله ونهاره ؟ أَ باللهو وطول السهر والنوم ؟ أَمْ بِمتابعة الحرام كَمُباريات كأس العالم والمسلسلات ؟ أم بالتَّسَكُّعِ في الطرقات والنوادي ؟
أَمْ نستغله بقراءة القرآن ، وإطعام الطعام ، ومساعدة المحتاجين ، وصيانة الجوارح عن رؤية وسماع المحرمات ، وبالإكثار من الاستغفار وأداء الصلوات المفروضة وصلاة التراويح والتهجد ؟
فلتعلموا -بورك فيكم- أنَّ عدم استغلال شهر رمضان لِنَيْلِ مغفرة الله عز وجل من الذنوب العظيمة ، فَقَد دعا جبريل عليه السلام على مَن أدْرَكه فلم يستغله ليُغْفَرَ له، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال : ( صعدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبرَ فلمَّا رقيَ عتبةً قال : آمينَ ! ثمَّ رَقِيَ أُخرَى فقال : آمينَ ! ثمَّ رقيَ عتبةً ثالثةً فقال : آمينَ ! .. ثمَّ قال : أتاني جبريلُ فقال : يا محمَّدُ مَن أدركَ رمضانَ فلَم يُغْفَرْ لهُ ؛ فأَبْعَدَهُ اللهُ ! فقلتُ : آمينَ. قال : ومَن أدركَ والدَيْهِ أو أحدَهُما فَدخلَ النَّارَ ؛ فَأَبْعَدَهُ اللهُ ! فقلتُ : آمينَ. قال : ومَن ذُكِرْتَ عندَهُ فلَم يُصَلِّ عليكَ ؛ فَأَبْعَدَهُ اللهُ !قلْ : آمينِ. فقلتُ : آمينَ ) صحيح الترغيب والترهيب ، وفي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم : ( لمَّا رقيتُ الدَّرجةَ الأُولَى جاءَني جبريلُ فقال : شقِيَ عبدٌ أدركَ رمضانَ فانسلخَ منهُ ولَم يُغْفَرْ لهُ ! فقلتُ : آمينَ ...) صحيح الأدب المفرد ، وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( رغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له ! فقلتُ ، آمِينَ) .
فَمَنِ العاقل الذي يرضى أنْ يُصيبه حَظٌّ من دعاء جبريل عليه السلام الذي أَمَّنَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
لذلك ينبغي على مَن أراد النجاة ونَيْل المغفرة في هذا الشهر الكريم أن يَسْتَحْضِر هذا الوعيد الشديد لِمَن فَرَّطَ في رمضان.
وعليه أيضاً أن يتذكر الموت فَقَد لا يُدْرك رمضان أصلاً ، وقد يُدرك بعضه ، بل إن أدركه كله فَقَدْ لا يُدْرِكه في العام القادم!
أخي ما بالُ قَلْبِكَ ليس يَنْقى *** كأنَّك لا تَظُنُّ الموتَ حَقا
أَلا يا ابْنَ الذين مَضَوْا وبادوا *** أَما واللهِ ما ذَهَبوا لِتَبْقى
فعلينا أيها الأحبة أن نستحضر الموت دائماً ونستعد لِلقاء ربنا عز ، فإن السفر طويل والزاد قليل والحساب شديد ، قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسُ محمدٍ بيدِه ، لو تعلمون ما أعلمُ ، لَبَكَيْتُم كثيرًا ولَضَحِكْتُم قليلًا ) رواه البخاري ، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جِنازةٍ ، فَجَلَسَ على شَفيرِ القبرِ، فبَكَى حتَّى بلَّ الثَّرى ، ثمَّ قالَ : ( يا إِخواني لِمِثْلِ هذا فأعِدُّوا ) صحيح ابن ماجة.
وَلَدَتْكَ أُمَّكَ يا ابن آدم باكيــا *** والناسُ حولك يَضْحكون سُرورا
فاجْهَدْ لنفسك أن تكون إذا بَكَوْا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا
مَعاشِرَ الإخوان
أنتم والله في نعمة عظيمة لا تُقَدَّر بثمن ، وهي إدراكُكم لشهر رمضان وتمكُّنكم من الصيام والقيام ، فَعَنْ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا ، فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ ، فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ.
قال طلحةُ : فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما ، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما !! ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ! ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال : (ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ).
فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ ، فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ، فقال : (من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ)؟ فَقَالوا : يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ ؟!
فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَلَيْسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً) ؟ قالوا : بلى . قال : (وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ)؟ قالوا : بلى. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (فَما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ ) صحيح ابن ماجة.
قلتُ : الله أكبر ، يا له من فضل عظيم من رب كريم رحيم.
فيا عباد الله : الله الله في استغلال شهر رمضان على أكمل وجه ، وإياكم من التفريط فيه ، فقد علمتم جزاء المُتهاوِن.
واجتهدوا في الإكثار من الطاعات فإننا في زمان الفتن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال فتنـاً كقطع الليل المظلم، يُصْبِحُ الرجلُ مؤمنـاً ويُمْسي كافراُ ، أو يُمسي مؤمناً ويُصْبِحُ كافراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ من الدنيا) رواه مسلم.
فقوله صلى الله عليه وسلم : (بادروا الأعمال فتنـاً كقطع الليل المظلم) أي سارعوا وأَكْثِروا من الأعمال الصالحة التي تُقَرِّبُكم إلى ربكم عز وجل قَبْلَ حُلولِ الفتن العظيمة التي تجعل المسلم في حيرة من أمره فلا يعرف الحق وأهله ، ولا يَدري أين الـمَخْرَج !
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يُصْبِحُ الرجلُ مؤمنـاً ويُمْسي كافراُ ، أو يُمسي مؤمناً ويُصْبِحُ كافراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ من الدنيا ) فيه بيانُ خطورةِ هذه الفتن ، وأن مِن شدتها أنها تَفْتِن المسلم في سُوَيْعات من الصباح أو المساء وتُصيِّره مُرتَدًّا !
فيا لله العجب ، ما أسرع هلكة الإنسان !
وما نعايشه في هذه الأيام مِن أصداء خبر ارتداد [1] البعض عن دين الله عز وجل ، لديل باهر على صدق رسولنا العظيم صلوات ربه وسلامه عليه في الحديث آنف الذِّكْر.
حاصِلُ القولِ :
علينا معشر المسلمين بالاجتهاد والمثابرة والتنافس في فعل الخيرات والقربات في شهر رمضان المبارك كي نحظى بالدخول من باب الريان –وهو باب من أبواب الجنة خُصِّصَ للصائمين-وبالعِتْقِ من النيران.
قال ربنا عز وجل : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران : 133 ، وقال رسول صلى الله عليه وسلم : ( اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ : حياتك قَبْلَ موتك ، وصِحَّتَم قَبْلَ سَقَمِك ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وشبابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وغِناك قَبْلَ فَقْرِك ) صحيح الجامع.
أسأل الله جلَّ في علاه أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح والخاتمة الحسنة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لربنا أولاً وآخِراً.
أَعَدَّه
أَبُو عِمْرانٍ الأَثَرِيّ
عامَلَهُ الله بِلُطْفِه الْخَفِيّ
__________________
[1] قلتُ : الردة نِتاج حرب ضروس مدعومة بالمال والإعلام ، تقوم على الترويج للشبهات والتشكيك في دين الإسلام مِن قِبَلِ الكفارِ -كالنصارى والشيوعيين والعلمانيين... - والمنافقين ، وصدق الله عز وجل حين قال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ) البقرة : 109 ، وقال عز وجل : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة : 217 ، وقال عز وجل : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) النساء : 89.
وقد أبى ربنا الله عز وجل إلا أن ينصر الإسلام ، فَوَعَدَ بالإتيان بأقوام موَحِّدين مؤمنين -أضعاف الذين ارتدوا- لينصروا دينه ، فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة : 54 ، وما نقول لأؤلئك الكفار والمنافقين إلا كما قال الشاعر :
وَكَمْ مِن طالِبٍ يَسْعى لِأَمْرٍ *** وفيه هَلاكُه لو كان يَدْري
وأجمل منه قول ربنا سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة : 32-33.
الملفات المرفقه
http://www.sahab.net/forums/public/style_extra/mime_types/unknown.gif (http://www.sahab.net/forums/index.php?app=core&module=attach§ion=attach&attach_id=2031)كيلا يَضيعَ مِنا رمضان.rar (http://www.sahab.net/forums/index.php?app=core&module=attach§ion=attach&attach_id=2031)
سحاب السلفية
كيلا يَضيعَ مِنا رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد ،،،
فَقَد أظَلَّنا شهر كريم وموسم من مواسم الخير عظيم ، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة : 185.
شهر الصبر والقيام وتهذيب النفوس ، شهر الجهاد والاجتهاد في التقرب إلى العزيز القدوس.
شهر أُنزل فيه أعظم كتاب بواسطة أعظم ملاك ، على أعظم بَشَر في أعظم ليلة وهي ليلة القدر.
شهر قال فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ ، و أُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ ، و أُنزِلَ الزبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ ، وأُنزلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرينَ خلتْ من رمضانَ ) صحيح الجامع.
شهر إذا حَلَّ بَشَّرَ رسولنا الكريم عز وجل صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنه بقوله : ( أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك ، فرَضَ اللَّهُ عز وجل عليكُم صيامَه ، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ ) صحيح سنن النسائي.
شهر قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دَخَل شهرُ رمضانَ فُتِّحَتْ أبوابُ السماءِ ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهنمَ ، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ ) رواه البخاري .
شهر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : ( مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ) متفق عليه.
شهر لله فيه في كل ليلة عتقاء وللمسلم فيه دعوة مستجابة، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ مَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ، فلم يُفْتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجِنانِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ، ونادَى مُنادٍ يا باغِيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ من النارِ ) صحيح ابن خزيمة ، و قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً ) صحيح الترغيب والترهيب.
فيا عباد الله
شهر هذه بعض فضائله وخصائصه فَبِأيِّ شيءٍ نستغل ليله ونهاره ؟ أَ باللهو وطول السهر والنوم ؟ أَمْ بِمتابعة الحرام كَمُباريات كأس العالم والمسلسلات ؟ أم بالتَّسَكُّعِ في الطرقات والنوادي ؟
أَمْ نستغله بقراءة القرآن ، وإطعام الطعام ، ومساعدة المحتاجين ، وصيانة الجوارح عن رؤية وسماع المحرمات ، وبالإكثار من الاستغفار وأداء الصلوات المفروضة وصلاة التراويح والتهجد ؟
فلتعلموا -بورك فيكم- أنَّ عدم استغلال شهر رمضان لِنَيْلِ مغفرة الله عز وجل من الذنوب العظيمة ، فَقَد دعا جبريل عليه السلام على مَن أدْرَكه فلم يستغله ليُغْفَرَ له، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال : ( صعدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبرَ فلمَّا رقيَ عتبةً قال : آمينَ ! ثمَّ رَقِيَ أُخرَى فقال : آمينَ ! ثمَّ رقيَ عتبةً ثالثةً فقال : آمينَ ! .. ثمَّ قال : أتاني جبريلُ فقال : يا محمَّدُ مَن أدركَ رمضانَ فلَم يُغْفَرْ لهُ ؛ فأَبْعَدَهُ اللهُ ! فقلتُ : آمينَ. قال : ومَن أدركَ والدَيْهِ أو أحدَهُما فَدخلَ النَّارَ ؛ فَأَبْعَدَهُ اللهُ ! فقلتُ : آمينَ. قال : ومَن ذُكِرْتَ عندَهُ فلَم يُصَلِّ عليكَ ؛ فَأَبْعَدَهُ اللهُ !قلْ : آمينِ. فقلتُ : آمينَ ) صحيح الترغيب والترهيب ، وفي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم : ( لمَّا رقيتُ الدَّرجةَ الأُولَى جاءَني جبريلُ فقال : شقِيَ عبدٌ أدركَ رمضانَ فانسلخَ منهُ ولَم يُغْفَرْ لهُ ! فقلتُ : آمينَ ...) صحيح الأدب المفرد ، وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( رغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له ! فقلتُ ، آمِينَ) .
فَمَنِ العاقل الذي يرضى أنْ يُصيبه حَظٌّ من دعاء جبريل عليه السلام الذي أَمَّنَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
لذلك ينبغي على مَن أراد النجاة ونَيْل المغفرة في هذا الشهر الكريم أن يَسْتَحْضِر هذا الوعيد الشديد لِمَن فَرَّطَ في رمضان.
وعليه أيضاً أن يتذكر الموت فَقَد لا يُدْرك رمضان أصلاً ، وقد يُدرك بعضه ، بل إن أدركه كله فَقَدْ لا يُدْرِكه في العام القادم!
أخي ما بالُ قَلْبِكَ ليس يَنْقى *** كأنَّك لا تَظُنُّ الموتَ حَقا
أَلا يا ابْنَ الذين مَضَوْا وبادوا *** أَما واللهِ ما ذَهَبوا لِتَبْقى
فعلينا أيها الأحبة أن نستحضر الموت دائماً ونستعد لِلقاء ربنا عز ، فإن السفر طويل والزاد قليل والحساب شديد ، قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسُ محمدٍ بيدِه ، لو تعلمون ما أعلمُ ، لَبَكَيْتُم كثيرًا ولَضَحِكْتُم قليلًا ) رواه البخاري ، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جِنازةٍ ، فَجَلَسَ على شَفيرِ القبرِ، فبَكَى حتَّى بلَّ الثَّرى ، ثمَّ قالَ : ( يا إِخواني لِمِثْلِ هذا فأعِدُّوا ) صحيح ابن ماجة.
وَلَدَتْكَ أُمَّكَ يا ابن آدم باكيــا *** والناسُ حولك يَضْحكون سُرورا
فاجْهَدْ لنفسك أن تكون إذا بَكَوْا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا
مَعاشِرَ الإخوان
أنتم والله في نعمة عظيمة لا تُقَدَّر بثمن ، وهي إدراكُكم لشهر رمضان وتمكُّنكم من الصيام والقيام ، فَعَنْ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا ، فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ ، فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ.
قال طلحةُ : فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما ، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما !! ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ! ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال : (ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ).
فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ ، فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ، فقال : (من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ)؟ فَقَالوا : يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ ؟!
فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَلَيْسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً) ؟ قالوا : بلى . قال : (وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ)؟ قالوا : بلى. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (فَما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ ) صحيح ابن ماجة.
قلتُ : الله أكبر ، يا له من فضل عظيم من رب كريم رحيم.
فيا عباد الله : الله الله في استغلال شهر رمضان على أكمل وجه ، وإياكم من التفريط فيه ، فقد علمتم جزاء المُتهاوِن.
واجتهدوا في الإكثار من الطاعات فإننا في زمان الفتن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال فتنـاً كقطع الليل المظلم، يُصْبِحُ الرجلُ مؤمنـاً ويُمْسي كافراُ ، أو يُمسي مؤمناً ويُصْبِحُ كافراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ من الدنيا) رواه مسلم.
فقوله صلى الله عليه وسلم : (بادروا الأعمال فتنـاً كقطع الليل المظلم) أي سارعوا وأَكْثِروا من الأعمال الصالحة التي تُقَرِّبُكم إلى ربكم عز وجل قَبْلَ حُلولِ الفتن العظيمة التي تجعل المسلم في حيرة من أمره فلا يعرف الحق وأهله ، ولا يَدري أين الـمَخْرَج !
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يُصْبِحُ الرجلُ مؤمنـاً ويُمْسي كافراُ ، أو يُمسي مؤمناً ويُصْبِحُ كافراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ من الدنيا ) فيه بيانُ خطورةِ هذه الفتن ، وأن مِن شدتها أنها تَفْتِن المسلم في سُوَيْعات من الصباح أو المساء وتُصيِّره مُرتَدًّا !
فيا لله العجب ، ما أسرع هلكة الإنسان !
وما نعايشه في هذه الأيام مِن أصداء خبر ارتداد [1] البعض عن دين الله عز وجل ، لديل باهر على صدق رسولنا العظيم صلوات ربه وسلامه عليه في الحديث آنف الذِّكْر.
حاصِلُ القولِ :
علينا معشر المسلمين بالاجتهاد والمثابرة والتنافس في فعل الخيرات والقربات في شهر رمضان المبارك كي نحظى بالدخول من باب الريان –وهو باب من أبواب الجنة خُصِّصَ للصائمين-وبالعِتْقِ من النيران.
قال ربنا عز وجل : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران : 133 ، وقال رسول صلى الله عليه وسلم : ( اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ : حياتك قَبْلَ موتك ، وصِحَّتَم قَبْلَ سَقَمِك ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وشبابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وغِناك قَبْلَ فَقْرِك ) صحيح الجامع.
أسأل الله جلَّ في علاه أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح والخاتمة الحسنة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لربنا أولاً وآخِراً.
أَعَدَّه
أَبُو عِمْرانٍ الأَثَرِيّ
عامَلَهُ الله بِلُطْفِه الْخَفِيّ
__________________
[1] قلتُ : الردة نِتاج حرب ضروس مدعومة بالمال والإعلام ، تقوم على الترويج للشبهات والتشكيك في دين الإسلام مِن قِبَلِ الكفارِ -كالنصارى والشيوعيين والعلمانيين... - والمنافقين ، وصدق الله عز وجل حين قال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ) البقرة : 109 ، وقال عز وجل : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة : 217 ، وقال عز وجل : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) النساء : 89.
وقد أبى ربنا الله عز وجل إلا أن ينصر الإسلام ، فَوَعَدَ بالإتيان بأقوام موَحِّدين مؤمنين -أضعاف الذين ارتدوا- لينصروا دينه ، فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة : 54 ، وما نقول لأؤلئك الكفار والمنافقين إلا كما قال الشاعر :
وَكَمْ مِن طالِبٍ يَسْعى لِأَمْرٍ *** وفيه هَلاكُه لو كان يَدْري
وأجمل منه قول ربنا سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة : 32-33.
الملفات المرفقه
http://www.sahab.net/forums/public/style_extra/mime_types/unknown.gif (http://www.sahab.net/forums/index.php?app=core&module=attach§ion=attach&attach_id=2031)كيلا يَضيعَ مِنا رمضان.rar (http://www.sahab.net/forums/index.php?app=core&module=attach§ion=attach&attach_id=2031)
سحاب السلفية