المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كم تعدل هذه السّور من القرآن ؟ و ما الحكمة في ذلك ؟


الواثقة بالله
05-25-2016, 11:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن القيّم -http://www.tasfiatarbia.org/vb/images/smilies/GifModified_12.gif- في "زاد المعاد"(308.307/ فصول في هديه ﷺ في العبادات: فصل في هديه ﷺ في السنن الرواتب) :

سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ : سُنَّةُ الْفَجْرِ تَجْرِي مَجْرَى بِدَايَةِ الْعَمَلِ ، وَالْوِتْرُ خَاتَمَتُهُ . وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ بِسُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ وَهُمَا الْجَامِعَتَانِ لِتَوْحِيدِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، وَتَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِرَادَةِ ، وَتَوْحِيدِ الِاعْتِقَادِ وَالْقَصْدِ ، انْتَهَى .

فَسُورَةُ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) : مُتَضَمِّنَةٌ لِتَوْحِيدِ الِاعْتِقَادِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَمَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ لِلرَّبِّ تَعَالَى مِنَ الْأَحَدِيَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِمُطْلَقِ الْمُشَارَكَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَالصَّمَدِيَّةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ جَمِيعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يَلْحَقُهَا نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الصَّمَدِيَّةِ ، وَغِنَاهُ وَأَحَدِيَّتِهِ ، وَنَفْيِ الْكُفْءِ الْمُتَضَمِّنِ لِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّنْظِيرِ ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالٍ لَهُ ، وَنَفْيَ كُلِّ نَقْصٍ عَنْهُ ، وَنَفْيَ إِثْبَاتِ شَبِيهٍ أَوْ مَثِيلٍ لَهُ فِي كَمَالِهِ ، وَنَفْيَ مُطْلَقِ الشَّرِيكِ عَنْهُ ، وَهَذِهِ الْأُصُولُ هِيَ مَجَامِعُ التَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ الَّذِي يُبَايِنُ صَاحِبُهُ جَمِيعَ فِرَقِ الضَّلَالِ وَالشِّرْكِ ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَدَارُهُ عَلَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ، وَالْإِنْشَاءُ ثَلَاثَةٌ : أَمْرٌ ، وَنَهْيٌ ، وَإِبَاحَةٌ .

وَالْخَبَرُ نَوْعَانِ : خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَخَبَرٌ عَنْ خَلْقِهِ . فَأَخْلَصَتْ سُورَةُ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) الْخَبَرَ عَنْهُ ، وَعَنْ أَسْمَائِهِ ، وَصِفَاتِهِ ، فَعَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، وَخَلَّصَتْ قَارِئَهَا الْمُؤْمِنَ بِهَا مِنَ الشِّرْكِ الْعِلْمِيِّ ، كَمَا خَلَّصَتْ سُورَةُ ( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) مِنَ الشِّرْكِ الْعَمَلِيِّ الْإِرَادِيِّ الْقَصْدِيِّ . وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَهُوَ إِمَامُهُ وَقَائِدُهُ وَسَائِقُهُ ، وَالْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَمُنْزِلُهُ مَنَازِلَهُ ، كَانَتْ سُورَةُ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ تَكَادُ تَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ ، وَ ( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي الترمذي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَرْفَعُهُ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ وَ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، وَ ( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ " . رَوَاهُ الحاكم فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .

وَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ الْعَمَلِيُّ الْإِرَادِيُّ أَغْلَبَ عَلَى النُّفُوسِ لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهَا هَوَاهَا ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا تَرْتَكِبُهُ مَعَ عِلْمِهَا بِمَضَرَّتِهِ وَبُطْلَانِهِ ، لِمَا لَهَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ الْأَغْرَاضِ ، وَإِزَالَتُهُ وَقَلْعُهُ مِنْهَا أَصْعَبُ ، وَأَشَدُّ مِنْ قَلْعِ الشِّرْكِ الْعِلْمِيِّ وَإِزَالَتِهِ ، لِأَنَّ هَذَا يَزُولُ بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ صَاحِبُهُ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ شِرْكِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَرْتَكِبُ مَا يَدُلُّهُ الْعِلْمُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَضَرَرِهِ لِأَجْلِ غَلَبَةِ هَوَاهُ ، وَاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَجَاءَ مِنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارِ فِي سُورَةِ ( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) الْمُتَضَمِّنَةِ لِإِزَالَةِ الشِّرْكِ الْعَمَلِيِّ ، مَا لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي سُورَةِ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ، وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ شَطْرَيْنِ : شَطْرًا فِي الدُّنْيَا وَأَحْكَامِهَا ، وَمُتَعَلَّقَاتِهَا ، وَالْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِهَا ، وَشَطْرًا فِي الْآخِرَةِ وَمَا يَقَعُ فِيهَا ، وَكَانَتْ سُورَةُ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) قَدْ أُخْلِصَتْ مِنْ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا لِهَذَا الشَّطْرِ ، فَلَمْ يُذْكُرْ فِيهَا إِلَّا الْآخِرَةُ وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْضِ وَسُكَّانِهَا ، كَانَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ ، فَأَحْرَى بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَلِهَذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَلِأَنَّهُمَا سُورَتَا الْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ ، كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِمَا عَمَلَ النَّهَارِ ، وَيَخْتِمُهُ بِهِمَا ، وَيَقْرَأُ بِهِمَا فِي الْحَجِّ الَّذِي هُوَ شِعَارُ التَّوْحِيدِ .