المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان ما جاء في غزوة الأحزاب من آيات للنبي صلى الله عليه وسلم - الحث على التصدي لأعداء الإسلام


محمد الفاريابي
09-21-2011, 01:58 AM
الشيخ محمد صالح العثيمين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والحمد لله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحْيه، جاهَدَ في الله حق جهاده حتى أيّده الله تعالى بنصره، وجعل الذل والصغار على مَن خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه، وسلّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
أيها المسلمون، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب ليبيّن للناس ما نزل إليهم، فجاهد في الله حق جهاده في مكة وفي المدينة بعد الهجرة، وقاتل في سبيل الله، وقُتل من أصحابه مَن قتل في سبيل الله، فلم يظهر هذا الدين إلا بمشقة ولكنها مشقة غايتها حميدة، ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 168-171].
ومن جملة الغزوات الكبيرة التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حدث في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة وهي غزوة الأحزاب التي تحزّب فيها أعداء الإسلام من كفار العرب ومَن ناصرهم من اليهود؛ ليقضوا على دين الإسلام؛ ليقضوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى سلفكم الصالح؛ ليمحوا الدين من البسيطة؛ ليجعلوا كلمتهم هي العليا، فأثار بعضهم بعضًا، فتجهّزت قريش وتجهّزت غطفان وتجهّز بنو مرّة وتجهّز بنو أشجع وتجهّز بنو سليم وتجهّز بنو أسد حتى بلغ ما اجتمع من هؤلاء القبائل عشرة آلاف مقاتل، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنهم أقبلوا على المدينة، استشار أصحابه أَيَخْرجُ إليهم أم يبقى في المدينة ؟ وهكذا كان دأبه صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه امتثالاً لأمر ربه عزَّ وجل؛ حيث قال: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خنّدق حول المدينة فقَبِل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر أصحابه بحفره شمالي المدينة: ما بين الحرّتين الشرقية والغربية، وجعل لكل عشرة منهم أربعين ذراعًا، فكانوا يحفرون وينقلون التراب على متونهم والنبي - صلى الله عليه وسلم - معهم، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل من تراب الخندق حتى غطّى التراب جلدة بطنه، وكان صلى الله عليه وسلم كثير الشَّعر، قال: وسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة وهو ينقل التراب، يقول صلى الله عليه وآله وسلم:
اللهم لولا أنت ما اهتديـنا * ولا تصـدّقنا ولا صـلّينا

فأنزلَـنْ سكيـنة عليـنا * وثبّت الأقـدام إن لاقيـنا
إن الأُلى قد بغـوا عليـنا* وإن أرادوا فتنـة أبيـنا



هكذا كان صلى الله عليه وآله سلم يرتجز بهذا الشعر وبهذه الكلمات التي قالها عبد الله بن رواحة، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان لا يقول الشِّعر لقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: 69]، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: وكان يمدّ صوته بآخر هذه الأرجوزة»(1).
أما الصحابة - رضي الله عنهم - فكانوا يرتجزون أيضًا؛ لأن الرجز يُعين الإنسان على العمل، كانوا يقولون:
«نحن الذيـن بايعـوا محمـدا علـى الجهـاد ما بقيـنا أبـدا

فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارِك في الأنصار والمهاجرة»(2).
ولقد كان المسلمون في هذه الغزوة على شدة من النصب والتعب وقلّة العيش، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، هذه كدية عرضت في الخندق ؟ فقال: أنا نازل، فقام صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوب بحجر - يعني: من الجوع - ولبثنا ثلاث ليالٍ لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المعْوَل فضرب في الكدية فعادت كثيبًا أهيل»(3)، وذلك من آيات الله عزَّ وجل؛ حيث كانت هذه الكدية التي عجز عنها الصحابة انهالت كثيبًا بضربة واحدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند أحمد والنسائي بإسناد حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أخذ المعول فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح الشام، واللهِ إني لأبصرُ قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح فارس، واللهِ إني لأبصرُ قصر المدائن أبيضَ، ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر ! أُعطيت مفاتيح اليمن، واللهِ إني لأبصرُ أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة»(4)وهذا لا يعارض ما سبق من حديث جابر رضي الله عنه؛ لأن الإطلاق لا يمنع التعدد .
قال جابر رضي الله عنه: «فقلت: يا رسول، ائذن لي إلى البيت، فدخل جابر إلى بيته وقال لامرأته: رأيت في النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما كان في ذلك صبر، فهل عندكِ من شيء ؟ قالت: عندي شعير وعناق - والعناق هي: البهمة الصغيرة من الغنم - فذبحتُ العناق وطحنت الشعير وقطعت اللحمة في البرمة - يعني: في القدر - ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بُهيمة لنا وطحنَّا صاعًا من شعير كان عندنا فقم أنت ورجل أو رجلان معك - استمعوا أيها الإخوة - يقول جابر: قم أنت ورجل أو رجلان معك؛ لأنه ليس عند جابر سوى صاعٍ من الشعير وعناق من اللحم، فصاح النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بأهل الخندق جميعًا، فقام المهاجرون والأنصار حتى وصلوا بيت جابر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادخلوا ولا تضاغطوا - أي: لا تتزاحموا - فجعل يكسّر الخبز ويجعل عليه اللحم ويغطّي البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه، فأكلوا جميعًا حتى شبعوا وهم ألف رجل، قال جابر رضي الله عنه: فأُقسم بالله، لقد أكلوا حتى تركوه وإن برمتنا لتغطّ كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو»(5)، وكانت حال المؤمنين مع أعدائهم حين نزلوا حول الخندق، كانت كما قال الله عزَّ وجل: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا﴾[الأحزاب: 10-11] .
أيها الإخوة المسلمون، ماذا قال المسلمون حين رأوا هؤلاء الأحزاب ؟ قال الله عزّ وجل: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22] .
أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فرأوا في ذلك فرصة لإظهار ما تكنّه صدورهم من الشك والريب والتكذيب، فقالوا: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا﴾[الأحزاب: 12]، وفي أثناء ذلك، في أثناء هذه الضيقة العظيمة «بلغ المسلمين أن يهود بني قريظة نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو ثلاثمائة رجلٍ إلى المدينة لحراستها خوفًا على النساء والذريّة، وأرسل الزبير بن العوام إلى اليهود لينظر خبرهم فوجد على وجوههم علائم الشر والغدر وأسمعوه سبّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، فرجع الزبير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره واشتّد الأمر على المؤمنين وبقوا في الحصار قريبًا من الشهر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشرهم ويعدهم بالنصر ويدعو ربه ويستنصره، وكان من دعائه: اللهم منزّل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم»(6)، فأجاب الله - عزَّ وجل - دعوته فزلزل قلوبهم بالرعب والفزع وزلزل أبدانهم بالريح الشديدة الباردة، أرسل الله عليهم ريحًا شديدة باردة فجعلت تَكفَؤ قدورهم وتطرح آنيتهم وتقضّ خيامهم فتفرقوا خائبين ولله الحمد، ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: 25]، وحينئذٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا»(7)، قالت عائشة رضي الله عنها: «فلما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخندق ووضع السلاح واغتسل، آتاه جبريل فقال: وضعت السلاح ؟ واللهِ ما وضعناه، فاخرج إليهم وأشار إلى بني قريظة آخر قبائل اليهود في المدينة الذين نقضوا العهد، فخرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم نحو عشرين ليلة حتى نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فحكم فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد حلفائهم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان سعد - رضي الله عنه - قد أُصيب بأكحَلِهِ في غزوة الأحزاب فضرب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبّة في المسجد النبوي ليعوده من قريب؛ لأنه رضي الله كان سيّدًا سيّداً حقيقة، لـمَّا مات أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عرش الله - جلّ جلاله - اهتزّ لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، فأرسل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى سعد فجاء حتى حكم فيه حكمًا عجيبًا، حكم في بني قريظة اليهود أن يُقتل المقاتلون منهم وأن تُسبى النساء والذريّة وأن تقسم أموالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قضيت فيهم بحكم الله، فقُتل المقاتلون وكانوا نحو سبعمائة رجل، وسُبيت النساء والذرية وقُسمت الأموال بين المسلمون»(8)، وفي ذلك يقول الله عزَّ وجل: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾[الأحزاب: 26-27] .
أيها المسلمون، إنني أدعوكم أن تقرؤوا تاريخ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتعرفوا ما وقع على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأزمات، وليزداد بذلك إيمانكم؛ فإن العلم بمثل هذه الغزوات والحوادث يزيد المؤمن إيمانًا ويظهر به فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - في الجهاد والدفاع عن هذا الدين، ويتبيّن به أن العاقبة والنصر للمؤمنين مهما طال الوقت ماداموا على إيمانهم ناصرين لله مجاهدين في سبيله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد: 7-8] .
فاتَّقوا الله - عباد الله - وخذوا من هذا عبرًا واعرفوا كيد أعداء المسلمين وتحصّنوا من هذا الكيد وكونوا من أولياء الله لعلكم تفلحون.
اللهم اجعلنا من أوليائك المتّقين وحزبك المفلحين وجندك الغالبين، اللهم وفّقنا لِمَا تحب وترضى؛ إنك جواد كريم .
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة يوم ألاقيه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها المسلمون، فإنكم سمعتم تكالب أعداء الله تعالى على عباد الله المتقين وأنهم يتكالبون عليهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم .
وفي هذا العهد القريب نرى أن اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من أعداء الإسلام، نرى أنهم يتكالبون على الإسلام بالسلاح الفكري الخلقي وبالسلاح المهلك القاتل، ففي بقاع الأرض في البوسنة والهرسك وفي بعض الجمهوريات التي كانت تحت نير الاستعمار السفييتي، كل ذلك نجد مذابح ونجد هتك أعراض ونجد إجلاء الناس عن ديارهم حتى يحتل أولئك الكفار، وكذلك نجد في الغرب في أفريقيا وكذلك نجد من بعض حكام العرب مضايقة لدعاة الحق الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا وإن كنا لا نوافق بعض هؤلاء الدعاة في طريقهم لمعالجة الأمور؛ لأن هؤلاء يأتون البيوت تسوّرًا لا يأتونها من أبوابها ولكن مع ذلك نيتهم وعملهم خير من هؤلاء الحكام الذين يصدونهم عن الدعوة إلى الله، فنسأل الله تعالى أن يُريح المسلمين من كل وليٍّ عليهم لا يرد الحق، نسأله تعالى أن يريح المسلمين منه وأن يبدلهم بخير منه، إنه جواد كريم .
أما إخوانكم المسلمون الذين هم يجاهدون وتنتهك أعراضهم في مشارق الأرض أو في مغاربها فإن عليكم حقًّا لهم أن تدعوا الله لهم بالنصر والتأييد وأن تحثّوهم على الصبر والاحتساب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا»(9) .
وإننا نتفاءل والله - عزَّ وجل - أكرم من عباده، نتفاءل أن يكون هذا الضيق على المسلمين، أن يكون فاتحة فرج لهم إن شاء الله تعالى، فنسأل الله تعالى أن يفرّج عن المسلمين كرباتهم، وأن يوفقهم للصبر والاحتساب، وأن يعينهم على أعدائهم؛ إنه جواد كريم .
ومَن أراد أن يتبرع للبوسنة أو للهرسك؛ فإن بعض الشباب الذين في مكتب الإغاثة هنا في عنيزة مستعدون لإيصال ذلك إليهم بأنفسهم، مَن أراد أن يتبرع فلْيوصل تبرّعه إلى هؤلاء؛ فإني واثقٌ بهم إن شاء الله تعالى .
أيها الإخوة المسلمون، أَكثروا بالدعاء لإخوانكم بأن ينصرهم الله على أعدائهم .
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وسريع الحساب اهزم أعداء المسلمين في كل مكان، اللهم اهزم أعداء المسلمين في كل مكان، اللهم اهزم أعداء المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم فرّق جمعهم وشتِّت شملهم وأفسد أمرهم، اللهم امنح للمسلمين رقابهم وأورثهم ديارهم وأموالهم ونساءهم وذرياتهم يا أرحم الراحمين .
اللهم إن ذلك لا يعجزك وأنت على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك بقدرتك ورحمتك أن تنزل بهؤلاء المجرمين الذين اعتدوا على المسلمين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعلهم عبرة لغيرهم يا رب العالمين، اللهم اخذل كل عدو للمسلمين من اليهود، والنصارى، والشيوعيين، والملحدين، والمنافقين يا رب العالمين .
اللهم خلّص شعوب المسلمين من أعدائهم الظاهرين والباطنين يا رب العالمين، اللهم تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد .
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 70-71] .
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بِما فيه من الآيات والذكْر الحكيم .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
-----------------------
(1)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [المغازي] باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة [4] [3797]، أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: غزوة الأحزاب وهو الخندق [3365]، وانظر إلى هذه الغزوة المباركة ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه [البداية والنهاية] في الجزء [4] الصفحة [96]، وذكرها كذلك في سيرة ابن كثير الجزء [3] الصفحة [181]، قال ابن إسحاق: ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس، ت ط ع .
فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة ومَن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظي والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبى بكر وغيرهم من علمائنا . وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض .
قالوا: إنه كان من حديث الخندق: أن نفرًا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيى بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله .
فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه .
فهم الذين أنزل الله فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾[النساء: 51]، الآيات.
فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له .
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبروهم أنهم يكونون معهم عليه، وأن قريشًا قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه .
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع .
فلما سمع بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة .
قال ابن هشام: يقال إن الذي أشار به سلمان .
قال الطبري والسهيلي: أول مَن حفر الخنادق: منوشهر بن أيرج بن أفريدون وكان في زمن موسى عليه السلام .
قال ابن إسحاق: فعمل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترغيبًا للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون، وتخلّف طائفة من المنافقين يعتذرون بالضعف، ومنهم مَن ينسل خفية بغير إذنه ولا علمه عليه الصلاة والسلام .
وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 62-64] .
قال ابن إسحاق: فعمل المسلمون فيه حتى أحكموه، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرًا، فقالوا فيما يقولون:
سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يومًا ظهرا

وكانوا إذا قالوا: عمرا، قال معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا قال لهم: ظهرا .
وقد قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن حميد، سمعت أنسًا قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة» فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا

وفي الصحيحين من حديث شعبة، عن معاوية بن قرة عن أنس . نحوه .
وقد رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت وحميد عن أنس، بنحوه .
وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ويقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الإسلام ما بقينا أبدا

قال: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مجيبًا لهم: «اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة» .
قال: يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن! وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخندق وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار» . ورواه مسلم عن القعنبي، عن عبد العزيز به .
وقال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه، أو أغبر بطنه يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكيـنة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلى قد بغوا علينا* وإن أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته: أبينا، أبينا .
ورواه مسلم من حديث شعبة به .
ثم قال البخاري: حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثني إبراهيم ابن يوسف، حدثني أبي، عن أبي إسحاق، عن البراء يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عنى التراب جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبدا لله بن رواحة وهو ينقل من التراب يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا* ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكيـنة علينا* وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلى قد بغوا علينا* وإن أرادوا فتنة أبينا


ثم يمد صوته بآخرها .
وقال البيهقي في الدلائل: أخبرنا على بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا إسماعيل بن الفضل البجلي، حدثنا إبراهيم بن يوسف البلخي، حدثنا المسيب بن شريك، عن زياد بن أبي زياد، عن أبي عثمان، عن سلمان، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب في الخندق وقال: «باسم الله وبه هدينا ولو عبدنا غيره شقينا يا حبذا ربا وحب دينا»، وهذا حديث غريب من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وهم يحفرون الخندق: «اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة» .
وأخرجاه في الصحيحين من حديث غندر، عن شعبة .
(2)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجهاد والسير] في باب: حفر الخندق [2622]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: غزوة الأحزاب وهو الخندق [3365] ت ط ع .
(3)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [المغازي] باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة [4] [3792]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الأشربة] في باب: جواز استتباعه غيره إلى دار مَن يثق برضاه بذلك بتحققه تحقيقًا تامًّا واستحباب الاجتماع على الطعام [3800] ت ط ع .
(4)أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده، من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه [17946] واللفظ له، وأخرجه النسائي في سننه، من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد] [3125] ت ط ع .
(5)تكملة حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وقد سبق تخريجه .
(6)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث عبد بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجهاد والسير] باب: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يقاتل أول النهار آخر النهار إلى أن تزول الشمس [2744]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن أوفى -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجهاد والسير] باب: كراهة تمني لقاء الصدور الأمر بالصبر عند اللقاء [3276] ت ط ع .
(7)أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده، من حديث سلمان بن الضرد رضي الله تعالى عنه [17589] ت ط ع .
(8)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الصلاة] باب: الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم [443]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: جواز قتال مَن نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهلاً للحكم [3314-3315]، أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده، من حديث عائشة -رضي الله عنها- في باقي مسند الأنصار في قصة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه [23945] ت ط ع .
(9)أخرجه إمام أهل السنّة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما [2666] ت ط ع .