المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محظورات الحج والعمرة - وجوب طاعة أمر ولي الأمر في غير معصية الله عزَّ وجل


محمد الفاريابي
09-22-2011, 12:00 AM
الشيخ محمد صالح العثيمين
الخطبة الأولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله - تعالى - على حين فترة من الرسل وانقطاع من السبل، فَبَصَّرَ الله به العباد، وهدى به مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله بحكمته ورحمته جعل للعبادات شروطاً لصحتها وموانع لصحتها تقضي فسادها أحياناً، ففرض الله عليكم أن تقوموا بواجبات هذه العبادات الواجبات؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله، وحرم عليكم أن تتعرضوا لما يفسدها أو ينقصها؛ لأن ذلك ينقص إيمانكم، ولا شك أن كل إنسان يحب أن يزداد إيمانه ليزداد قربة إلى الله - عزَّ وجل - ورفعة في الدرجات يوم القيامة .
أيها المسلمون، إن من العبادات التي جعل الله لها فرائض وجعل لها شرائط وجعل لها محظورات: مناسك الحج والعمرة، وقد سبق في الجمعة الماضية بيان مَنْ يجب عليه الحج ومَنْ لا يجب، وفي هذه الجمعة نود أن نذكر شيئاً من محظورات الإحرام التي إذا تَلَبَّسَ الإنسان بالإحرام حرمت عليه؛ حتى تعظموا شعائر الله؛ فإن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب .
أيها المسلمون، إن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هل على النساء جهاد ؟ قال:«عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»(1) فعظموا أيها المسلون، عظموا مناسك الحج والعمرة بالقيام بما أوجب الله عليكم والبعد عما حرم الله عليكم، واستمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، عظموا هذه المناسك: مناسك الحج والعمرة بالإخلاص لله، لا تحجوا رياءً ولا سمعةً، لا تحجوا ليقول الناس: يا حاج، ولكن حجوا إخلاصاً لله وابتغاءً لثواب الله، عظموا هذه المناسك باتباع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ما استطعتم فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(2)، فقوموا - أيها المسلمون - بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة جماعة في أوقاتها والنصح للمسلمين وعدم العدوان عليهم، واجتنبوا ما حرم الله عليكم من المحرمات العامة من الفسوق بجميع أنواعه، اجتنبوا الكذب، اجتنبوا الخيانة، اجتنبوا الغيبة، اجتنبوا النميمة، اجتنبوا الاستهزاء من المسلمين والسخرية منهم، اجتنبوا الاستماع إلى المعازف وإلى الأغاني المحرمة، اجتنبوا التدخين وهو: شرب الدخان، لا تدخنوا وأنتم محرمون فإن ذلك ينقص إحرامكم؛ لأن الدخان حرام، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ﴾ [البقرة: 197]، والإصرار على شرب الدخان مع تحريمه هو من الفسوق، وإنما كان التدخين حراماً لما فيه من الإضرار بالبدن وضياع المال وغير ذلك من المفاسد التي ذكرها الذين كتبوا في هذا الباب، واجتنبوا ما حرم الله عليكم تحريماً خاصاً بسبب الإحرام وهي ما يدعوه العلماء بمحظورات الإحرام، فاجتنبوا الرفث وهو: الجماع ومقدماته من اللمس والتقبيل والنظر بشهوة وتلذذ، فالجماع أعظم محظورات الإحرام، وأشدها تأثيراً مَنْ جامع في الحج قبل التحلل الأول ترتَّب على جماعه خمسة أمور، الأول: الإثم في ذلك، والثاني: فساد نسكه، والثالث: لزوم الاستمرار فيه حتى ينتهي، والرابع: قضاؤه من العام المقبل، والخامس: بدنة فدية بدنة ينحرها ويتصدق بها على الفقراء في مكة أو منى، وبهذا عُرف عظم الجماع في الإحرام، أما مقدماته فإنها داخلة في قول الله تعالى: ( فلا رفث )، واجتنبوا الأخذ من شعر الرأس فإن الله - تعالى - يقول: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه ﴾ [البقرة: 196]، واجتنبوا الغلو في ذلك، فإن من الناس من لا يحك رأسه وهو محرم، تجده إذا حكَّ رأسه ينقره بأطراف أصابعه دون أن يحكه وهذا من الغلو في الدين، وقد قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:«لو لم أستطع أن أحكه بيدي لحككته برجلي»(3) .
إذاً: فحكُّ الرأس في الإحرام لا بأس به حتى لو سقطت شعرة أو شعرتان فإن ذلك لا يضر؛ لأن ذلك بغير قصد، وأَلْحَقَ العلماء -رحمهم الله - شعر بقية البدن بشعر الرأس وقاسوا على ذلك - أيضاً - إزالة الأظفار وقالوا: لا يجوز للمحرم أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره إلا أن ينكسر ظفره فيؤذيه فله أخذ ما يؤذيه فقط، واجتنبوا أيها المسلمون، اجتنبوا قتل الصيد فإن الله - تعالى - يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: 95] سواء كان الصيد طائراً كالحمام أم سائراً كالظباء والأرانب، فمن قتل صيداً متعمداً فهو آثم وعليه الجزاء وهو: إما ذبح ما يماثله من الإبل أو البقر أو الغنم يتصدق به على المساكين في مكة أو منى، وإما تقويمه بدراهم يتصدق بما يساويها من الطعام، وإما أن يصوم عن كل طعام مسكين يوماً، ولكن لو كنت سائراً في سيارتك ولطمها حمامة فماتت فإنه لا شيء عليك؛ لأنك غير متعمد، والله - عزَّ وجل - إنما أوجب الجزاء على المتعمد قال الله تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مَّتَعَمِدًا فَجَزَاء مِّثل مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: 95]، وأما قطع الشجر فلا بأس به ولا حرج على المحرم فيه إلا أن يكون داخل الحرم أي: داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز أن يقطع الشجر سواء كان الإنسان محرماً أم غير محرم؛ وعلى هذا فالشجر في عرفة لا بأس بقطعه للمحرم وغيره، والشجر في مزدلفة ومنى لا يجوز قطعة للمحرم ولا لغيره، ولكن إذا وضع الإنسان البساط على الأرض وتحته شيء من الحشيش أو الشجر الصغير دون أن يقصد بذلك إتلافه فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأن هذا أمر لا يمكن التحرز منه، واجتنبوا أيها المسلمون، اجتنبوا عقد النكاح وخطبة النساء؛ فإنه قد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال:«لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب»(4)، فلا يجوز للمحرم أن يتزوج سواء كان رجلاً أم امرأة ولا أن يزوج غيره ولا أن يخطب امرأة، واجتنبوا الطيب بجميع أنواعه دهناً كان أم بخوراً، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لا تلبسوا ثوباً مسَّه الزعفران»(5)، وقال في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: «اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة مُلبياً»(6)، والحنوط هو: الطيب الذي يجعل في قطن على بدن الميت بعد تغسيله، قصة هذا الرجل أنه كان واقفاً بعرفة فوقصته ناقته فمات فجاؤوا يسألون النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو واقف بعرفة ماذا يفعلون بهذا الميت، فقال: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين أي: في ثوبي إحرامه؛ وعلى هذا فإذا مات الرجل وهو لابس ثياب الإحرام وهو محرم فإنه لا يؤتى له بِخِرْق جديدة يكفن بها ولكنه يكفَّن في إزاره ورداءه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تخمروا رأسه بل ابقوه مكشوفاً ولا تحنطوه أي: لا تجعلوا فيه طيباً؛ لأنه يوم القيامة يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، فلا يجوز للمحرم أن يتدهن بالطيب أو يتبخر به أو يضعه في أكله أو شربه أو يتنظف بصابون تظهر فيه رائحة الطيب وله أن يزيل ما لوثه من وسخ، وأما التطيب عند عقد الإحرام فهو سنه ولا يضر بقاؤه بعد عقد الإحرام، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم وقالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك أي: بريقه في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم»(7)، واجتنبوا تغطية الرأس بما يغطى به عادة أو ويلاصقه كالعمامة والغترة والطاقية، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي مات: «لا تخمروا رأسه»(8) أي: لا تغطوه، فأما ما لم تجرِ العادة بكونه غطاء كالعفش يحمله المحرم على رأسه فلا بأس به ولو غطى رأسه، وكذلك ما لا يلاصق الرأس كالشمسية ونحوها فإنه لا بأس به؛ لأن المنهي عنه تغطيه الرأس لا تظليل الرأس، وعن أم الحصين - رضي الله عنها - قالت: «حججت مع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة»(9)، وتغطية الرأس خاص بالرجل، أما المرأة فيجوز لها أن تغطي رأسها، وأما تغطية وجهها فالمشروع لها أن تكشفه إلا أن يراها الرجال غير المحارم فيجب عليها أن تستره، ولا يجوز للمحرمة أن تلبس النقاب ولا البرقع ولا القفازين، واجتنبوا من اللباس ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عما يلبس المحرم فقال: «لا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف وقال: مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومَنْ لم يجد إزاراً فليلبس السراويل»(10) وهذا اللباس خاص بالرجال، فلا يجوز للرجل إذا أحرم أن يلبس القميص كثيابنا هذه ولا ما كان بمعناه كالفنيله والصدرية والكوت، ولا يلبس العمامة ولا ما كان بمعناها كالغترة والطاقية، ولا يلبس البرنس وهو: ثوب يوصل بغطاء للرأس ولا ما كان بمعناه كالمشلح ولا يلبس السراويل سواء كانت ضافية نازلة عن الركبتين أم فوق الركبتين، ولا يلبس الخفين ولا ما كان بمعناهما كالجوارب وهذا كله خاص بالرجال، أما النساء فلا يحرم عليهن ذلك، ويجوز للرجل أن يلبس الساعة والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يعقد الإزار وأن يشبك الرداء إن احتاج إليه وإلا فالأولى ألا يشبكه، ولا يشبكه بمشابك متواصلة؛ لأن ذلك يجعله كالقميص، ويجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب المباحة لها قبل الإحرام غير متبرجة بزينة؛ لأن النساء ليس لهن ثياب خاصة بالإحرام، ويحل للرجل وللمرأة - أيضاً - تغيير ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى يجوز لبسها سواء غيرَّها لوسخ أو لنجاسة أو لغير ذلك، فاتقوا الله أيها المسلمون، واعرفوا حدود ما أنزل الله على رسوله، اعرفوا الواجبات والمحرمات؛ حتى تقوموا بالواجبات وتجتنبوا المحرمات، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن علم الحق واتبعه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا من الهداة المهتدين ومن الصالحين المصلحين، اللهم يسِّرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، اللهم احفظ علينا ديننا واحفظنا به يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يرجو بها قائلها النجاة من عذاب الله يوم يلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن خطبتنا هذه تتناول شيئين، الشيء الأول: ما أمر به ولي الأمر من القنوت وهو: الدعاء لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك الذين اعتدى عليهم الصرب النصارى الطغاة الظالمون، هذا القنوت الذي أمر به ولي الأمر ووَجِّهَ إلى أئمة المساجد في بلادنا هذه البلاد (السعودية) يتأكد على الأئمة أن يقوموا به؛ لأن الأئمة أُمَناء؛ ولأن الأئمة يدينون لله - عزَّ وجل - بالطاعة ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالإتباع ولولاة الأمور بالطاعة فيما لا يحرم، وإذا كان ولي الأمر قد أمر بذلك وإذا كان إخواننا المسلمون في البوسنة والهرسك على أشد ما يكون من البأس جوعاً وخوفاً وعرياً وانتهاكاً للحرمات وقتلاً وتشريداً فإن الواجب علينا أن نشعر بآلامهم؛ لأننا إخوانهم؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال:«مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»(11)، إنك - يا أخي المسلم - إذا لم تشعر بآلام إخوانك هناك وفي غيرها من البلاد الإسلامية فإنك واللهِ ناقص الإيمان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(12) و واللهِ إنا لا نملك إلا الدعاء وإلا بذل ما يمكن بذله ممن مَنَّ الله عليهم بالبذل .
إذاً: فأنتم - أيها الأئمة - مسؤولون عن هذه الأمانة، أطيعوا الله، أطيعوا الرسول، أطيعوا ولاة أموركم فيما ليس حرام عليكم، اقنتوا لإخوانكم، ادعوا لهم بالنصر المبين، وادعوا على هؤلاء الطغاة النصارى الظالمين المعتدين بالخذلان والخزي العظيم، اقنتوا في الفجر، اقنتوا في المغرب كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اقنتوا في العشاء، اقنتوا في الظهر، اقنتوا في العصر، كل ذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعضه في الصحيحين وبعضه في السنن، وإذا كان ولي الأمر قد أمر بذلك فإن قنوتنا يتضمن ثلاث مصالح ،الأولى: طاعة الله تعالى، حيث أمرنا أن نطيع ولاة الأمور في غير المعصية، الثاني: طاعة ولاة الأمور التي ندين لله - تعالى - بها والتي نرجو الله - تعالى - الثواب عليها؛ لأن اتباعنا لنظام ولاة الأمور إذا لم يكن حراماً، لأن اتباعنا بذلك طاعة نرجو بها ثواب الله عزَّ وجل، الأمر الثالث: اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه صحَّ عنه القنوت لقوم وعلى قوم، ونحن في قنوتنا هذا نقنت لقوم وهم المسلمون ونقنت على قوم وهم النصارى الظالمون، هناك شيء رابع وهو: شعور الإنسان بآلام إخوانه المسلمين في كل مكان .
أيها الأئمة، أيها الأئمة، أيها الأئمة، لا تتكاسلوا، لا تتركوا ما أمرتم به، لماذا لا تقنتون ؟ فإننا سمعنا أن كثيراً من المساجد لم يقنت، وهنا ننبه إلى شيء آخر مهم وهو: أن بعض الذين يقنتون يدعون بدعاء قنوت الوتر يقولون: اللهم اهدنا فيمن هديت وهذا لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قنوت النوازل، قنوت النوازل يدعى بما يناسب تلك النازلة، إن كان ضيقاً على المسلمين فيدعى بتفريج الله عنهم، وإن كان عدواناً من الظالمين فيدعى بأن الله ينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وليس القنوت بهذا الدعاء الذي هو قنوت الوتر: اللهم اهدنا فيمن هديت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يقنت به في النوازل، ادعُ الله - تعالى - بما تعرف من أن ينصر الله المسلمين على هؤلاء الطغاة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو بالدعاء المناسب، فمثلاً تقول: اللهم عليك بالصرب النصارى الظالمون، مثلاً تقول: اللهم أنْجِ إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم فرِّج كرباتهم وما أشبه ذلك، هنا يكون الدعاء مناسباً لهذه النوازل التي نزلت بالمسلمين، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تنصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم إلى النصر العزيز والفتح المبين يا رب العالمين، اللهم اغفر لموتاهم وكن لأيتامهم وأراملهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بالصرب الظالمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم عليك بالنصارى الصرب، اللهم عليك بهم، اللهم عليك بهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اجعلهم عبرة لغيرهم إلى يوم القيامة يا رب العالمين، اللهم زَلْزِلْ أقدامهم، اللهم فرِّق جموعهم، اللهم اهزم جنودهم، اللهم شتِّت شملهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم .
أما الأمر الثاني الذي أريد أن أضمنه خطبتي هذه فهو: أن بعض الناس يأخذ نيابة عن الآخرين في الحج عنهم، ولكن بعض الناس يجعل هذا من باب التجارة يتجر به ويكتسب به؛ ولهذا تجده يجادل ويماكس ويكاسر من يريد أن يعطيه النيابة، ولا شك أن العبادة لا يجوز أن تكون وسيلة للدنيا، أما الدنيا فيجوز أن تكون وسيلة للعبادة؛ لأن المال إنما خُلِقَ لنا لننتفع به في أمور الدين والدنيا، أما العبادة فإنها أعزُ وأشرفُ وأجلُّ من أن تكون وسيلة للدنيا؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: مَنْ حجَّ ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق، وأما مَنْ أخذ ليحج أي: ليستعين به على الحج فإن ذلك لا بأس به وحينئذٍ ننصح إخواننا الذين يأخذون الإنابة ننصحهم أن يخلصوا لله عزَّ وجل، وأن ينووا بذلك الحصول على ما لا يحصل لهم لو بقوا في ديارهم من زيارة المشاعر المقدسة والدعاء هناك، وأن ينووا بذلك - أيضاً - الإحسان إلى إخوانهم وقضاء حاجتهم بقبول النيابة عنهم، ولكن كيف يقول الإنسان إذا كان يحج عن غيره ؟ نقول: يقول عند الإحرام بقلبه إنه نوى أنها لفلان يقول بالقلب لا باللسان، أما باللسان فيقول: لبيك عن فلان، فإن كان نسيه فيقول: لبيك عمن أنا نائب عنه في هذه العمرة أو عمن أنا نائب عنه في هذا الحج، وإذا أعطي الإنسان مالاً ليحج به مع الإطلاق فإن العمرة تابعة للحج ينوي العمرة والحج لمن أعطاه النيابة، أما إذا اشترط أن العمرة له والحج لمن أخذ النيابة عنه فلا حرج إذا قَبِلَ صاحبه بذلك وحينئذٍ تكون العمرة لشخص والحج لشخص آخر وهذا لا يسقط دم التمتع؛ لأن العلماء قالوا: لا يشترط في التمتع أن تكون العمرة والحج لشخص واحد بل يمكن أن تكون العمرة لشخص والحج لآخر، ومع ذلك يجب هدي التمتع إذا تمت شروطه، فأخلصوا أيها الإخوة، أخلصوا النية لله - عزَّ وجل - بالإحسان إلى إخوانكم بقضاء حاجتهم بالنيابة عنهم، أما في الدعاء فادعوا لأنفسكم وادعوا لمن له الحج أو العمرة؛ حتى تكونوا محسنين إليه بالقول وبالفعل .
أيها الإخوة، أكثروا من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإن الصلاة والسلام عليه يستفيد بهما الإنسان ثلاث فوائد، الفائدة الأول: امتثال أمر رب العالمين جلَّ وعلا، فإن الله - تعالى - قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]، الفائدة الثانية: الأجر الوافر من الله عزَّ وجل، فإن «مَنْ صلَّى على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً»(13)، الأمر الثالث: قضاء بعض الواجب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا، فإن واجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا أوجب من حق الوالدين بل من حق النفوس؛ ولهذا يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، أسأل الله - تعالى - أن يوفقني وإياكم لمحبة الله ورسوله، وأن يجعل ذلك أحب شيءٍ إلينا إنه على كل شيء قدير، وادعوا بالرضى عن خلفائه الراشدين، فاللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا كما رضيت عنهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم ألِّف بين شبابنا، اللهم ألِّف بين كهولنا، اللهم ألِّف بين شيوخنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا جميعاً يا رب العالمين رعية ورعاة إنك على كل شيء قدير، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

----------------------------
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (24158) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه ابن ماجة في كتاب المناسك (2892) من حديث عائشة رضي الله عنها، ت ط ع .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (23975) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية (3243) من حديث عائشة رضي الله عنها .
(3) أخرجه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الموطأ رواية محمد بن الحسن ( باب 21 المحرم يحك جلده ) الجزء الثاني ص 285(434) ت م ش، وأخرجه البيهقي -رحمه الله تعالى- في السنن الكبرى في الجزء 5/ 64 (8923) ت م ش، وأخرجه مالك في الموطأ 1/ 358 وعن طريق البيهقي 5/64 .
(4) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في كتاب النكاح (2522) من حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الحج (1442) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم في كتاب الحج (2012) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
(6) أخرجه البخاري في كتاب الحج (1719) (1186) في كتاب الجنائز من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم في كتاب الحج (2092) (2093) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ت ط ع .
(7) أخرجه مسلم في كتاب الحج (2054) من حديث عائشة رضي الله عنها، ت ط ع .
(8) سبق تخريجه في الحديث رقم (6) .
(9) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (25998) من حديث أم الحصين رضي الله عنها، وأخرجه مسلم في كتاب الحج (2288) من حديث أم الحصين رضي الله عنها، وأخرجه أبو داود في كتاب المناسك (1563) من حديث أم الحصين رضي الله عنها .
(10) أخرجه البخاري في كتاب العلم (131) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم في كتاب الحج (2041) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ت ط ع .
(11) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (5552) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصله والأداب (4685) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
(12) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (12) من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان (64) من حديث أنس رضي الله عنه، ت ط ع .
(13) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (577) من حديث ابن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ت ط ع.