الجوهرة
11-19-2016, 10:17 PM
في وجوب صلاة الجماعة ـ أدلّة ومناقشة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)
بسم الله، والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أمّا بعد :
فهذا نقل من كتاب (بدائع الفوائد) متعلّق بوجوب صلاة الجماعة، و فيه دليلان من النّظر على هذا الوجوب، و الاعتراض عليهما، مع الّرد ّ و المناقشة .
وقد رأيت نقله للفائدة،فأسأل الله تعالى أن ينفع به .
قال العلاّمة ابن القيّم ـ نفع الله تعالى بعلمه ـ :
"استدل على وجوب الجماعة بأن الجمع بين الصلاتين شرع في المطر لأجل تحصيل الجماعة، مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت .
والوقت واجب، فلو لم تكن الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.
اعترض على ذلك بأن الواجب قد يسقط لغير الواجب، بل لغير المستحب، فإن شطر الصلاة يسقط لسفر الفرجة والتجارة، ويسقط غسل الرجلين لأجل لبس الخف، وغايته أن يكون مباحا.
وهذا الاعتراض فاسد، فإن فرض المسافر ركعتين قلم يسقط الواجب لغير الواجب .
وأيضا فإنه لا محذور في سقوط الواجب لأجل المباح، وليس الكلام في ذلك، وإنما المستحيل أن يراعى في العبادة أمر مستحب يتضمن فوات الواجب، فهذا هو الذي لا عهد لنا في الشريعة بمثله البتة، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخف.
واستدل على وجوبها بأن الله تعالى أمر بها في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف التي هي محل التخفيف، وسقوط ما لا يسقط في غيرها واحتمال ما لا يحتمل في غيرها، فما الظن بصلاة الآمن المقيم.
فاعترض على ذلك بأن المقصود الاجتماع في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف، فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار دينهم، ولا سيما حيث كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان المقصود أن يظهروا للعدو طاعة المسلمين له وتعظيمهم لشأنه، حتى أنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتبعونه ولا يتفرقون عنه ولا يفارقونه بحال، وهذا كما جرى لهم في عمرة القضاء معه حتى قال عروة بن مسعود: "لقد وفدت على الملوك، كسرى وقيصر، فلم أر ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه"
والذي يدل على هذا أنا رأينا الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)تسقط عند المطر الذي يبل النعال، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : "ألا صلوا في رحالكم" (1)
والجمعة تسقط بخشية فوات الخبز الذي في التنور مع كون الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)شرطا فيها،
وتسقط خشية مصادفة غريم يؤذيه،
ومعلوم أن عذر الحرب ومواقفة الكفار أعظم من هذا كله، ومع هذا فأقيم شعارها في تلك الحال .
فدل على أن المقصود ما ذكرنا.
قلت : ونحن لا ننكر أن هذا مقصود أيضا مضموم إلى مقصود الجماعة، فلا منافاة بينه وبين وجوب (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الجماعة، بل إذا كان هذا أمرا مطلوبا فهو من أدل الدلائل على وجوب (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)في تلك الحال، ومع أن هذا مقصود أيضا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراء إمامهم، وأسباب العبادات التي شرعت لأجلها، لا يشترط دوامها في ثبوت تلك العبادات، بل تلك العبادات تستقر وتدوم وإن زالت أسباب مشروعيتها، وهذا كالرمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة.
ونظير هذا اعتراضهم على أحاديث الأمر بفسخ الحج إلى العمرة، بأن المقصود بها الإعلام بجواز العمرة في أشهر الحج مخالفة للكفار .
فقيل لهم : وهذا من أدل الدلائل على استحبابه ودوام مشروعيته، فإن ما شرع من المناسك قصدا لمخالفة الكفار فإنه دائم المشروعية إلى يوم القيامة، كالوقوف بعرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ووقف بها، وكانوا يقفون بمزدلفة، فقال : " خالف هدينا هدي المشركين . " (2)
وكالدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، فإنهم كانوا لا يدفعون منها حتى تشرق الشمس، فقصد مخالفتهم وصارت سنة إلى يوم القيامة .
وهذه قاعدة من قواعد الشرع أن الأحكام المشروعة لهذه الأسباب في الأصل لا يشترط في ثبوتها قيام تلك الأسباب، فلو كان ما ذكرتم من الأسباب في كون الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)مأمورا بها في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف هو الواقع لم يلزم منه سقوط الأمر بها عند زوال تلك الأسباب، وفتح هذا الباب يفضي إلى إسقاط كثير من السنن، وذلك باطل. " (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أخرجه البخاري في صحيحه، 2 / 112، كتاب الأذان، باب : الأذان للمسافرين، برقم (632) .
و مسلم في صحيحه، 1 / 484، كتاب المسافرين، باب :الصلاة في الرحال في المطر، برقم (697) .
و الرحال البيوت و المساجد .
عن ابن عمر قال : " إن النبي صلى الله عليه و سلم كان المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد و مطر، يقول : ألا صلوا في الرحال . "
2 ـ أخرجه البخاري في صحيحه، 8 / 139، في تفسير سورة البقرة، باب قوله تعالى : (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "، و في الحج، باب : الوقوف في عرفة .
و مسلم في صحيحه، في الحج، باب : في الوقوف ، برقم (1219) .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كانت قريش و من دان بدينها، يقضون بالمزدلفة، كانوا يسمون الحمس، و كان سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله عز و جل : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " [ البقرة / 199 ].
ـ هكذا قالا في الهامش رقم 1، و رقم 2، و نقلته بلفظه . ـ
3 ـ بدائع الفوائد
ص : 450، 451
تحقيق : د . محمد الإسكندراني / عدنان درويش
د . ع . ط ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت
السنة : 1424 هـ / 2004 م
منقول
بسم الله، والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أمّا بعد :
فهذا نقل من كتاب (بدائع الفوائد) متعلّق بوجوب صلاة الجماعة، و فيه دليلان من النّظر على هذا الوجوب، و الاعتراض عليهما، مع الّرد ّ و المناقشة .
وقد رأيت نقله للفائدة،فأسأل الله تعالى أن ينفع به .
قال العلاّمة ابن القيّم ـ نفع الله تعالى بعلمه ـ :
"استدل على وجوب الجماعة بأن الجمع بين الصلاتين شرع في المطر لأجل تحصيل الجماعة، مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت .
والوقت واجب، فلو لم تكن الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.
اعترض على ذلك بأن الواجب قد يسقط لغير الواجب، بل لغير المستحب، فإن شطر الصلاة يسقط لسفر الفرجة والتجارة، ويسقط غسل الرجلين لأجل لبس الخف، وغايته أن يكون مباحا.
وهذا الاعتراض فاسد، فإن فرض المسافر ركعتين قلم يسقط الواجب لغير الواجب .
وأيضا فإنه لا محذور في سقوط الواجب لأجل المباح، وليس الكلام في ذلك، وإنما المستحيل أن يراعى في العبادة أمر مستحب يتضمن فوات الواجب، فهذا هو الذي لا عهد لنا في الشريعة بمثله البتة، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخف.
واستدل على وجوبها بأن الله تعالى أمر بها في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف التي هي محل التخفيف، وسقوط ما لا يسقط في غيرها واحتمال ما لا يحتمل في غيرها، فما الظن بصلاة الآمن المقيم.
فاعترض على ذلك بأن المقصود الاجتماع في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف، فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار دينهم، ولا سيما حيث كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان المقصود أن يظهروا للعدو طاعة المسلمين له وتعظيمهم لشأنه، حتى أنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتبعونه ولا يتفرقون عنه ولا يفارقونه بحال، وهذا كما جرى لهم في عمرة القضاء معه حتى قال عروة بن مسعود: "لقد وفدت على الملوك، كسرى وقيصر، فلم أر ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه"
والذي يدل على هذا أنا رأينا الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)تسقط عند المطر الذي يبل النعال، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : "ألا صلوا في رحالكم" (1)
والجمعة تسقط بخشية فوات الخبز الذي في التنور مع كون الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)شرطا فيها،
وتسقط خشية مصادفة غريم يؤذيه،
ومعلوم أن عذر الحرب ومواقفة الكفار أعظم من هذا كله، ومع هذا فأقيم شعارها في تلك الحال .
فدل على أن المقصود ما ذكرنا.
قلت : ونحن لا ننكر أن هذا مقصود أيضا مضموم إلى مقصود الجماعة، فلا منافاة بينه وبين وجوب (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الجماعة، بل إذا كان هذا أمرا مطلوبا فهو من أدل الدلائل على وجوب (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)في تلك الحال، ومع أن هذا مقصود أيضا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراء إمامهم، وأسباب العبادات التي شرعت لأجلها، لا يشترط دوامها في ثبوت تلك العبادات، بل تلك العبادات تستقر وتدوم وإن زالت أسباب مشروعيتها، وهذا كالرمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة.
ونظير هذا اعتراضهم على أحاديث الأمر بفسخ الحج إلى العمرة، بأن المقصود بها الإعلام بجواز العمرة في أشهر الحج مخالفة للكفار .
فقيل لهم : وهذا من أدل الدلائل على استحبابه ودوام مشروعيته، فإن ما شرع من المناسك قصدا لمخالفة الكفار فإنه دائم المشروعية إلى يوم القيامة، كالوقوف بعرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ووقف بها، وكانوا يقفون بمزدلفة، فقال : " خالف هدينا هدي المشركين . " (2)
وكالدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، فإنهم كانوا لا يدفعون منها حتى تشرق الشمس، فقصد مخالفتهم وصارت سنة إلى يوم القيامة .
وهذه قاعدة من قواعد الشرع أن الأحكام المشروعة لهذه الأسباب في الأصل لا يشترط في ثبوتها قيام تلك الأسباب، فلو كان ما ذكرتم من الأسباب في كون الجماعة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)مأمورا بها في صلاة (http://vb.noor-alyaqeen.com/t32764/)الخوف هو الواقع لم يلزم منه سقوط الأمر بها عند زوال تلك الأسباب، وفتح هذا الباب يفضي إلى إسقاط كثير من السنن، وذلك باطل. " (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أخرجه البخاري في صحيحه، 2 / 112، كتاب الأذان، باب : الأذان للمسافرين، برقم (632) .
و مسلم في صحيحه، 1 / 484، كتاب المسافرين، باب :الصلاة في الرحال في المطر، برقم (697) .
و الرحال البيوت و المساجد .
عن ابن عمر قال : " إن النبي صلى الله عليه و سلم كان المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد و مطر، يقول : ألا صلوا في الرحال . "
2 ـ أخرجه البخاري في صحيحه، 8 / 139، في تفسير سورة البقرة، باب قوله تعالى : (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "، و في الحج، باب : الوقوف في عرفة .
و مسلم في صحيحه، في الحج، باب : في الوقوف ، برقم (1219) .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كانت قريش و من دان بدينها، يقضون بالمزدلفة، كانوا يسمون الحمس، و كان سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله عز و جل : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " [ البقرة / 199 ].
ـ هكذا قالا في الهامش رقم 1، و رقم 2، و نقلته بلفظه . ـ
3 ـ بدائع الفوائد
ص : 450، 451
تحقيق : د . محمد الإسكندراني / عدنان درويش
د . ع . ط ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت
السنة : 1424 هـ / 2004 م
منقول