الواثقة بالله
10-26-2017, 01:18 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
((حكم الاستغفار للمشرك الحي))
اعلم ان هذا الحكم قد يستغربه البعض ولكن أرجو النظر في الأدلة والحكم بعدها:
أولاً: من القرآن الكريم:
((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم))
هذا دليل في منع الاستغفار للمشرك بعد موته ومحل الشاهد في الآية قوله تعالى: "من بعد ما تبين" فقد صح عن ابن عباس والمسيب وقتادة ومجاهد أن المقصود "بعد ما يموت".
وقال الطبري مرجحاً له: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدوٌّ، يبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدوٌّ، وهو به مشرك، وهو حالُ موته على شركه)).
ويقول ابن كثير: ((كان إبراهيم، عليه السلام، يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك، رجع عن الاستغفار له، وتبرأ منه)).
وهذا لا يخالف العقل فلا يتبين أن الإنسان من أصحاب الجحيم إلا بموته على الكفر أو بالنص عليه كأبي لهب مثلاً وما عدا هذا فلا يستطيع أي شخص الحكم على شخص آخر بأنه من أصحاب الجحيم فربما يسلم الكافر قبل موته ويرتد المسلم قبل موته!! اللهم ثبتنا على دينك ولا تفتنا!!
ثانياً: من السنة النبوية:
1 - قوله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد بعد كسر رباعيته: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"
وهذا الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود على سبيل الحكاية عن نبي من الأنبياء السابقين.
وصح من حديث سهل بن سعد أنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة.
ولا تعارض!!
2 -استغفاره لصناديد قريش عند فتح مكة: والحديث نصه كما في الأموال لابن زنجويه برقم 196 والنسائي في الكبرى (6/ 382) بسند صحيح:
عن أبي هريرة: (( ......... وهزم الله المشركين، فدخل الحرم، وعمد صناديد قريش، فدخلوا الكعبة، فغص بهم البيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت وركع ركعتين خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فقال: «يا قريش، ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول ونظن أنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «وما تقولون وما تظنون؟» قالوا: نقول إنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول: أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «أقول كما قال أخي يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)». قال: فخرجوا فبايعوه على الإسلام ............ ))
ولفظ الطحاوي في شرح معاني الآثار -برقم 5044 - بسند صحيح أيضاً أنهم بعد قوله لهم هذا: ((قال -أي أبو هريرة- فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام))
ثالثاً: فتوى سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:
1 - روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح قال:
حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس فقال ما كان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حيا ثم تلا * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه) * الآية.
2 - وأخرجه أيضاً بسند صحيح فقال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني وله بن مسلم فلم يتبعه فقال بن عباس كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه ويستغفر له في حياته.
3 - وأخرجه عبد الرزاق أيضاً في مصنفه بسند صحيح فقال: أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: توفى أبو رجل، وكان يهوديا، فلم يتبعه ابنه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال ابن عباس: وما عليه لو غسله، واتبعه، واستغفر له ما كان حيا - يقول: دعا له ماكان الاب حيا - قال: ثم قرأ ابن عباس * (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * يقول: لما مات على كفره.
رابعاً: أقوال العلماء:
1 - هذا قول الإمام الطبرى فى تفسيره تعليقاً على بعض آثار ابن عباس السابقة:
((وقد تأول قوم قول الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} ... الآية، أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره، وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم)).
2 - وفي المعتصر من مشكل الآثار للطحاوي:
((ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيا قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))
3 - قال الإمام ابن حبان في صحيحه تعليقاً على حديث سهل بن سعد عند قوله -صلى الله عليه وسلم- "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون":
((معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا)).
4 - وقال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن:
((المسألة الثالثة: منع الله رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين؛ لأنه قد قدر ألا تكون؛ وأخبر عن ذلك، وسؤال ما قدر أنه لا يفعله، وأخبر عنه هنا.
فإن قيل: فقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم حين كسروا رباعيته، وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} فسأل المغفرة لهم.
قلنا: عنه أربعة أجوبة:
الأول: يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، وجاء النهي بعده.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون ذلك سؤالا في إسقاط حقه عندهم، لا لسؤال إسقاط حقوق الله، وللمرء أن يسقط حقه عند المسلم والكافر.
الثالث: أنه يحتمل أن يطلب المغفرة لهم؛ لأنهم أحياء، مرجو إيمانهم، يمكن تألفهم بالقول الجميل، وترغيبهم في الدين بالعفو عنهم.
فأما من مات فقد انقطع منه الرجاء.
الرابع: أنه يحتمل أن يطلب لهم المغفرة في الدنيا برفع العقوبة عنهم حتى إلى الآخرة، كما قال الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون})).
5 - قال الإمام القرطبي في تفسيره (4/ 586) لقوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) وفي جوابه على تعارض هذا مع دعاء النبي لقومه بالمغفرة في الحديث السابق:
((جواب ثالث: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعي له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا)).
6 - ويقول الإمام الشاطبي في الموافقات:
((وقال في ابن أبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنك حتى نزل استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ونزل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآية وإن كان قد نهي عنه فلم ينه عن الاستغفار لمن كان حيا منهم وقال عليه الصلاة والسلام اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وعلى الجملة فالدعاء للغير مما علم من دين الأمة ضرورة))
7 - ويقول الحافظ ابن حجر في الفتح: ((المراد بالمغفرة في قوله في الحديث الآخر " اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها لأن ذنب الكفر لا يمحى، أو المراد بقوله " اغفر لهم " اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا، والله أعلم)).
8 - ويقول الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز:
((وقوله {من بعد ما تبين} يريد من بعد الموت على الكفر فحينئذ تبين أنهم أصحاب الجحيم أي سكانها وعمرتها، والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه))
9 - ويقول ابن حيان في البحر المحيط:
((قالوا: والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه، ومن هذا قول أبي هريرة: رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له: ولأبيه؟ قال: لا لأن أبي مات كافرا، فإن ورد نص من الله على أحد إنه من أهل النار وهو حي كأبي لهب امتنع الاستغفار له، فتبين كينونة المشرك أنه من أصحاب الجحيم تمويه على الشرك وبنص الله عليه وهي حي، أنه من أهل النار. ويدخل على جواز الاستغفار للكفار إذا كانوا أحياء، لأنه يرجى إسلامهم ما " حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن نبي قبله شجه قومه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ")).
10 - يقول البيضاوي (ت:685هـ) في تفسيره:
(من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) بأن ماتوا على الكفر وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر.
11 - يقول أبو السعود (ت:951هـ) في إرشاد العقل السليم:
سأستغفر لك ربي أي أستدعيه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة ويهديك إلى الإيمان كما يلوح به تعليل قوله تعالى واغفر لأبي بقوله تعالى إنه كان من الضالين والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبين أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه وإنما المحظور استدعاء المغفرة له مع بقائه على الكفر فإنه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا وأما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا تاباه قضية العقل وإنما الذي يمنعه السمع.
12 - يقول الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني:
((والتحقيق في هذه المسألة أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة بمعنى طلب هدايته للايمان مما لا محذور فيه عقلا ونقلا وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طبع على قلبه وأخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلا مما لا مساغ له عقلا ونقلا)).
13 - ويقول إسماعيل حقي (ت:1137هـ) في روح البيان:
{سأستغفر لك ربى} ....... اى استدعيه ان يغفر لك بان يوفقك والاستغفار بهذا المعنى للكافر قل تبين انه يموت على الكفر مما لا ريب فى جوازه وانما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فانه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا واما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وانما الذى يمنعه السمع.
14 - ويقول الشيخ عطية صقر في فتوى له مطولة:
((الاستغفار للأحياء جائز؛ لأن إيمانهم مرجُوٌّ، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعَى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسَكوا عن الاستغفار، ولم ينْهُهم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا)).
15) قال ابن القيم – رحمه الله - :
( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولم يقل " فإنك عزيز حكيم " لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء ، أي : إن تغفر لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث ( اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
" مدارج السالكين " ( 1 / 36 ، 37 ) .
16) قال بدر الدين العيني – رحمه الله – في شرح حديث (اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي ) - :
معناه : اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة ؛ لأن ذنب الكفر لا يُغفر ، أو يكون المعنى : اغفر لهم إن أسلموا .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 23 / 19 ) .
_________________
((وفي حال الحياة: هل يجوز الاستغفار للمشرك والدعاء له بالرحمة والهداية؟ الدعاء له بالهداية والرحمة جائز بلا خلاف أعلمه، إلا الدعاء له بالمغفرة، ففيه حلاف والذي يظهر أنه جائز، لأن الآية يدل مفهومها على أنه إذا كان حياً فيجوز للنبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن يستغفروا له، يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اهده، هذا كله جائز إذا كان حياً، وأما بعد الوفاة فلا يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، كما سبق))
منقول
((حكم الاستغفار للمشرك الحي))
اعلم ان هذا الحكم قد يستغربه البعض ولكن أرجو النظر في الأدلة والحكم بعدها:
أولاً: من القرآن الكريم:
((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم))
هذا دليل في منع الاستغفار للمشرك بعد موته ومحل الشاهد في الآية قوله تعالى: "من بعد ما تبين" فقد صح عن ابن عباس والمسيب وقتادة ومجاهد أن المقصود "بعد ما يموت".
وقال الطبري مرجحاً له: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدوٌّ، يبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدوٌّ، وهو به مشرك، وهو حالُ موته على شركه)).
ويقول ابن كثير: ((كان إبراهيم، عليه السلام، يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك، رجع عن الاستغفار له، وتبرأ منه)).
وهذا لا يخالف العقل فلا يتبين أن الإنسان من أصحاب الجحيم إلا بموته على الكفر أو بالنص عليه كأبي لهب مثلاً وما عدا هذا فلا يستطيع أي شخص الحكم على شخص آخر بأنه من أصحاب الجحيم فربما يسلم الكافر قبل موته ويرتد المسلم قبل موته!! اللهم ثبتنا على دينك ولا تفتنا!!
ثانياً: من السنة النبوية:
1 - قوله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد بعد كسر رباعيته: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"
وهذا الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود على سبيل الحكاية عن نبي من الأنبياء السابقين.
وصح من حديث سهل بن سعد أنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة.
ولا تعارض!!
2 -استغفاره لصناديد قريش عند فتح مكة: والحديث نصه كما في الأموال لابن زنجويه برقم 196 والنسائي في الكبرى (6/ 382) بسند صحيح:
عن أبي هريرة: (( ......... وهزم الله المشركين، فدخل الحرم، وعمد صناديد قريش، فدخلوا الكعبة، فغص بهم البيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت وركع ركعتين خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فقال: «يا قريش، ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول ونظن أنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «وما تقولون وما تظنون؟» قالوا: نقول إنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول: أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «أقول كما قال أخي يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)». قال: فخرجوا فبايعوه على الإسلام ............ ))
ولفظ الطحاوي في شرح معاني الآثار -برقم 5044 - بسند صحيح أيضاً أنهم بعد قوله لهم هذا: ((قال -أي أبو هريرة- فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام))
ثالثاً: فتوى سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:
1 - روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح قال:
حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس فقال ما كان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حيا ثم تلا * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه) * الآية.
2 - وأخرجه أيضاً بسند صحيح فقال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني وله بن مسلم فلم يتبعه فقال بن عباس كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه ويستغفر له في حياته.
3 - وأخرجه عبد الرزاق أيضاً في مصنفه بسند صحيح فقال: أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: توفى أبو رجل، وكان يهوديا، فلم يتبعه ابنه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال ابن عباس: وما عليه لو غسله، واتبعه، واستغفر له ما كان حيا - يقول: دعا له ماكان الاب حيا - قال: ثم قرأ ابن عباس * (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * يقول: لما مات على كفره.
رابعاً: أقوال العلماء:
1 - هذا قول الإمام الطبرى فى تفسيره تعليقاً على بعض آثار ابن عباس السابقة:
((وقد تأول قوم قول الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} ... الآية، أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره، وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم)).
2 - وفي المعتصر من مشكل الآثار للطحاوي:
((ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيا قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))
3 - قال الإمام ابن حبان في صحيحه تعليقاً على حديث سهل بن سعد عند قوله -صلى الله عليه وسلم- "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون":
((معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا)).
4 - وقال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن:
((المسألة الثالثة: منع الله رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين؛ لأنه قد قدر ألا تكون؛ وأخبر عن ذلك، وسؤال ما قدر أنه لا يفعله، وأخبر عنه هنا.
فإن قيل: فقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم حين كسروا رباعيته، وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} فسأل المغفرة لهم.
قلنا: عنه أربعة أجوبة:
الأول: يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، وجاء النهي بعده.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون ذلك سؤالا في إسقاط حقه عندهم، لا لسؤال إسقاط حقوق الله، وللمرء أن يسقط حقه عند المسلم والكافر.
الثالث: أنه يحتمل أن يطلب المغفرة لهم؛ لأنهم أحياء، مرجو إيمانهم، يمكن تألفهم بالقول الجميل، وترغيبهم في الدين بالعفو عنهم.
فأما من مات فقد انقطع منه الرجاء.
الرابع: أنه يحتمل أن يطلب لهم المغفرة في الدنيا برفع العقوبة عنهم حتى إلى الآخرة، كما قال الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون})).
5 - قال الإمام القرطبي في تفسيره (4/ 586) لقوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) وفي جوابه على تعارض هذا مع دعاء النبي لقومه بالمغفرة في الحديث السابق:
((جواب ثالث: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعي له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا)).
6 - ويقول الإمام الشاطبي في الموافقات:
((وقال في ابن أبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنك حتى نزل استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ونزل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآية وإن كان قد نهي عنه فلم ينه عن الاستغفار لمن كان حيا منهم وقال عليه الصلاة والسلام اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وعلى الجملة فالدعاء للغير مما علم من دين الأمة ضرورة))
7 - ويقول الحافظ ابن حجر في الفتح: ((المراد بالمغفرة في قوله في الحديث الآخر " اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها لأن ذنب الكفر لا يمحى، أو المراد بقوله " اغفر لهم " اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا، والله أعلم)).
8 - ويقول الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز:
((وقوله {من بعد ما تبين} يريد من بعد الموت على الكفر فحينئذ تبين أنهم أصحاب الجحيم أي سكانها وعمرتها، والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه))
9 - ويقول ابن حيان في البحر المحيط:
((قالوا: والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه، ومن هذا قول أبي هريرة: رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له: ولأبيه؟ قال: لا لأن أبي مات كافرا، فإن ورد نص من الله على أحد إنه من أهل النار وهو حي كأبي لهب امتنع الاستغفار له، فتبين كينونة المشرك أنه من أصحاب الجحيم تمويه على الشرك وبنص الله عليه وهي حي، أنه من أهل النار. ويدخل على جواز الاستغفار للكفار إذا كانوا أحياء، لأنه يرجى إسلامهم ما " حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن نبي قبله شجه قومه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ")).
10 - يقول البيضاوي (ت:685هـ) في تفسيره:
(من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) بأن ماتوا على الكفر وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر.
11 - يقول أبو السعود (ت:951هـ) في إرشاد العقل السليم:
سأستغفر لك ربي أي أستدعيه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة ويهديك إلى الإيمان كما يلوح به تعليل قوله تعالى واغفر لأبي بقوله تعالى إنه كان من الضالين والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبين أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه وإنما المحظور استدعاء المغفرة له مع بقائه على الكفر فإنه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا وأما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا تاباه قضية العقل وإنما الذي يمنعه السمع.
12 - يقول الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني:
((والتحقيق في هذه المسألة أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة بمعنى طلب هدايته للايمان مما لا محذور فيه عقلا ونقلا وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طبع على قلبه وأخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلا مما لا مساغ له عقلا ونقلا)).
13 - ويقول إسماعيل حقي (ت:1137هـ) في روح البيان:
{سأستغفر لك ربى} ....... اى استدعيه ان يغفر لك بان يوفقك والاستغفار بهذا المعنى للكافر قل تبين انه يموت على الكفر مما لا ريب فى جوازه وانما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فانه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا واما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وانما الذى يمنعه السمع.
14 - ويقول الشيخ عطية صقر في فتوى له مطولة:
((الاستغفار للأحياء جائز؛ لأن إيمانهم مرجُوٌّ، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعَى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسَكوا عن الاستغفار، ولم ينْهُهم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا)).
15) قال ابن القيم – رحمه الله - :
( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولم يقل " فإنك عزيز حكيم " لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء ، أي : إن تغفر لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث ( اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
" مدارج السالكين " ( 1 / 36 ، 37 ) .
16) قال بدر الدين العيني – رحمه الله – في شرح حديث (اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي ) - :
معناه : اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة ؛ لأن ذنب الكفر لا يُغفر ، أو يكون المعنى : اغفر لهم إن أسلموا .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 23 / 19 ) .
_________________
((وفي حال الحياة: هل يجوز الاستغفار للمشرك والدعاء له بالرحمة والهداية؟ الدعاء له بالهداية والرحمة جائز بلا خلاف أعلمه، إلا الدعاء له بالمغفرة، ففيه حلاف والذي يظهر أنه جائز، لأن الآية يدل مفهومها على أنه إذا كان حياً فيجوز للنبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن يستغفروا له، يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اهده، هذا كله جائز إذا كان حياً، وأما بعد الوفاة فلا يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، كما سبق))
منقول