الواثقة بالله
11-20-2017, 05:28 PM
بــِسْــــــمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ...
فلا يخفى على كُلِّ لبيب ”أنَّ هذا الدِّين المتين قام على أسسٍ قويمةٍ متينةٍ، ومن هذه الأسس العظيمة التي أوجبت الترابط بين أهله، والتآخي والتلاحم بينهم بعد التوحيد والقيام بأركان الإسلام: الأخلاق الفاضلة الحسنة؛ فإنَّ الأخلاق تُؤَلِّفُ بين الناس وتُباعد بينهم، فالأخلاقُ الحميدةُ والأفعالُ الرشيدةُ تُحَبب الناسَ بعضهم لبعض، والأفعالُ السيئةُ والأخلاقُ الذميمةُ تُكَرِّهُ الناسَ بعضهم في بعض، ولقد كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْرِبَ المثل في ذلك، وكفانا مدح رَبَّه له بقوله جَلَّ وَعَلَا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم.“[1]
ولقد كثرت المصنفات والتوجيهات لبيان أهمية الأخلاق الحسنة في ديننا؛ فلذا نرى الحاذق الحازم يحرص على اكتسابها والتطبع بها ومعاملة الناس بها، وهنا تظهر مسألة مهمة اختلف الناسُ فيها، ونحتاج لمعرفة أقوال أهل العلم فيها، وهي:
[هل يمكن اكتساب الأخلاق أم لا يمكن اكتسابها؟!]
وفي هَذَا نَقَلَ العلامةُ شيخُ الإسلامِ الثاني ابنُ قيم الجوزية رحمه الله تعالى قولين لطائفتين، فهلم بنا نقرأ ما نقله رحمه الله تعالى في كتابه القيم (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)[2]:
”مسألة اختلف النَّاسُ فيها هل يمكن اكتساب الأخلاق أم لا يمكن اكتسابها؟
فقالت طائفةٌ: الخُلقُ كالخَلْقِ الظاهر لا يمكن اكتساب واحد منهما والتخلُّق لا يصير خُلُقًا أبـــدًا؛ كما قال الشاعر:
يُرادُ مِنَ القلبِ نسيانُكُمْ وَتأبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ[3]
وَقَالَ الآخرُ:
يَا أيُّهَا المُتَحَلِّي غيرَ شِيمَتِهِ إنَّ التَّخَلُّقَ يأتي دونهُ الخُلُق[4]
وَقَالَ الآخرُ:
فَضَحَ التَّطَبُّعُ شِيْمَةَ المَطْبُوْعُ[5]
قالوا: وقد فرغ اللهُ سبحانه من الخَلْق، والخُلُق، والرزق، والأجل.
وقالتْ طائفةٌ أُخرى: بل يمكن اكتساب الخُلُق كما يُكتسب العقل والحلم والجود والسخاء والشجاعة. والوجود شاهد بذلك.
قالــوا: والمُزاولات تُعطي الملَكات.
ومعنى هَذَا: أنَّ مَن زاول شيئًا واعتاده وتمرن عليه صار ملَكة له وسجية وطبيعة.
قالــوا: والعوائدُ تنقلُ الطَّبائعَ؛ فلا يزال العبد يتكلف التصبُّر حتى يصير الصبر له سجية، كما أنَّه لا يزال يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقًا بمنزلة الطبائع.
قالـــوا: وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم والتهيؤ للكمال، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أنَّ هَذَا الانتقالَ قد يكون ضعيفًا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قويًا ولكن لم ينتقل الطبع انتقالًا تامًا، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبُه طبعًا ثانيًا، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه“.
انتهى النقل والمقصود، والحمد لله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات.
منقول من أم سلمة المالكية في شبكة سحاب السلفية
يوم الجمعة 23-1-1439 للهجرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
[1] من خطبة (الأخلاق الحميدة) للشيخ الفاضل محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى، بتصرف يسير، ولمن أراد الاستفادة من سماع وقراءة هَذِهِ الخطبة القيمة فليراجع الرابط الآتي:
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=12521
[2] ينظر: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن قيم الجوزية: 31-33، ط. المجمع، دار عالم الفوائد، ط. (3)، 1438هـ، وما سيأتي لاحقًا من هوامش فهي منقولة من الكتاب، فلينتبه لذلك.
[3] البيت للمتنبي. انظر ديوان المتنبي" مع الشرح المنسوب إلى العكبري، ص22.
[4] البيت هكذا بشطريه في النوادر 489 لأبي زيد. و"الكامل" للمبرد (1/16). منسوبًا إلى سالم بن وابصة، ونُسِبَ للعرجي مُركبًا من بيتين هكذا:
يــا أيُّــها المتحلي غيــر شيمتــه ومن شمائله التبديل والمَلقُ
ارجع إلى خُلقك المعروف ديْدَنُهُ إنَّ التخلق يأتي دونه الخُلُقُ
انظر: "البيان والتبيين" للجاحظ (1/233)، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/319)، و "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص387.
[5] عجز بيت للشريف الرضي وصدره:
هيهات لا تتكلفن لي الهوى
وهو في "ديوانه" (1/652).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ...
فلا يخفى على كُلِّ لبيب ”أنَّ هذا الدِّين المتين قام على أسسٍ قويمةٍ متينةٍ، ومن هذه الأسس العظيمة التي أوجبت الترابط بين أهله، والتآخي والتلاحم بينهم بعد التوحيد والقيام بأركان الإسلام: الأخلاق الفاضلة الحسنة؛ فإنَّ الأخلاق تُؤَلِّفُ بين الناس وتُباعد بينهم، فالأخلاقُ الحميدةُ والأفعالُ الرشيدةُ تُحَبب الناسَ بعضهم لبعض، والأفعالُ السيئةُ والأخلاقُ الذميمةُ تُكَرِّهُ الناسَ بعضهم في بعض، ولقد كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْرِبَ المثل في ذلك، وكفانا مدح رَبَّه له بقوله جَلَّ وَعَلَا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم.“[1]
ولقد كثرت المصنفات والتوجيهات لبيان أهمية الأخلاق الحسنة في ديننا؛ فلذا نرى الحاذق الحازم يحرص على اكتسابها والتطبع بها ومعاملة الناس بها، وهنا تظهر مسألة مهمة اختلف الناسُ فيها، ونحتاج لمعرفة أقوال أهل العلم فيها، وهي:
[هل يمكن اكتساب الأخلاق أم لا يمكن اكتسابها؟!]
وفي هَذَا نَقَلَ العلامةُ شيخُ الإسلامِ الثاني ابنُ قيم الجوزية رحمه الله تعالى قولين لطائفتين، فهلم بنا نقرأ ما نقله رحمه الله تعالى في كتابه القيم (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)[2]:
”مسألة اختلف النَّاسُ فيها هل يمكن اكتساب الأخلاق أم لا يمكن اكتسابها؟
فقالت طائفةٌ: الخُلقُ كالخَلْقِ الظاهر لا يمكن اكتساب واحد منهما والتخلُّق لا يصير خُلُقًا أبـــدًا؛ كما قال الشاعر:
يُرادُ مِنَ القلبِ نسيانُكُمْ وَتأبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ[3]
وَقَالَ الآخرُ:
يَا أيُّهَا المُتَحَلِّي غيرَ شِيمَتِهِ إنَّ التَّخَلُّقَ يأتي دونهُ الخُلُق[4]
وَقَالَ الآخرُ:
فَضَحَ التَّطَبُّعُ شِيْمَةَ المَطْبُوْعُ[5]
قالوا: وقد فرغ اللهُ سبحانه من الخَلْق، والخُلُق، والرزق، والأجل.
وقالتْ طائفةٌ أُخرى: بل يمكن اكتساب الخُلُق كما يُكتسب العقل والحلم والجود والسخاء والشجاعة. والوجود شاهد بذلك.
قالــوا: والمُزاولات تُعطي الملَكات.
ومعنى هَذَا: أنَّ مَن زاول شيئًا واعتاده وتمرن عليه صار ملَكة له وسجية وطبيعة.
قالــوا: والعوائدُ تنقلُ الطَّبائعَ؛ فلا يزال العبد يتكلف التصبُّر حتى يصير الصبر له سجية، كما أنَّه لا يزال يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقًا بمنزلة الطبائع.
قالـــوا: وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم والتهيؤ للكمال، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أنَّ هَذَا الانتقالَ قد يكون ضعيفًا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قويًا ولكن لم ينتقل الطبع انتقالًا تامًا، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبُه طبعًا ثانيًا، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه“.
انتهى النقل والمقصود، والحمد لله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات.
منقول من أم سلمة المالكية في شبكة سحاب السلفية
يوم الجمعة 23-1-1439 للهجرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
[1] من خطبة (الأخلاق الحميدة) للشيخ الفاضل محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى، بتصرف يسير، ولمن أراد الاستفادة من سماع وقراءة هَذِهِ الخطبة القيمة فليراجع الرابط الآتي:
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=12521
[2] ينظر: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن قيم الجوزية: 31-33، ط. المجمع، دار عالم الفوائد، ط. (3)، 1438هـ، وما سيأتي لاحقًا من هوامش فهي منقولة من الكتاب، فلينتبه لذلك.
[3] البيت للمتنبي. انظر ديوان المتنبي" مع الشرح المنسوب إلى العكبري، ص22.
[4] البيت هكذا بشطريه في النوادر 489 لأبي زيد. و"الكامل" للمبرد (1/16). منسوبًا إلى سالم بن وابصة، ونُسِبَ للعرجي مُركبًا من بيتين هكذا:
يــا أيُّــها المتحلي غيــر شيمتــه ومن شمائله التبديل والمَلقُ
ارجع إلى خُلقك المعروف ديْدَنُهُ إنَّ التخلق يأتي دونه الخُلُقُ
انظر: "البيان والتبيين" للجاحظ (1/233)، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/319)، و "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص387.
[5] عجز بيت للشريف الرضي وصدره:
هيهات لا تتكلفن لي الهوى
وهو في "ديوانه" (1/652).