المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمع لبحوث في التورق و ربا العينة لثلة من المشايخ


الجوهرة
03-19-2018, 05:44 PM
بحث متجدد في التورق و ربا العينة لثلة من المشايخ
اضغط على الصورة لعرض أكبر.

الإسم: ma_deeban1.jpg
مشاهدات: 71
الحجم: 42.0 كيلوبايت
الهوية: 36217


المقدمة لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخُ الإمامُ العالمُ العلامةُ شيخُ الإسلامِ بقيةُ السلفِ الكرامِ زينُ الدين أبو الفرجِ عبدُ الرحمن ابن الشيخ الإمام العالمُ العلامة شِهابِ الدين أحمد ابنِ الشيخ الإمام ابن رجب البغدادي الحنبلي - رحمه الله تعالى:
الحمدُ للّه ربّ العالمين ، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبهِ أجمعين ، وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين .
خرّج الإمامُ أحمدُ والنسائي والترمذي وابنُ حبانَ في )صحيحه( من حديث كعب بنِ مالكِ الأنصاريّ
- رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" ما ذِئْبانِ جَائِعَانِ أُرسِلاَ في غَنمٍ بِأفسدَ لَها مِنْ حِرْصِ المرءِ عَلْى المالِ والشَّرفِ لديِنِه "
قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح
ورُوِيّ من وجهِ آخر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمرَ ، وابنِ عباسِ ، وأبو هريرةَ ، وأسامة بن زيدٍ ، وجابر ، وأبي سعيد الخدريِّ ، وعاصم بنِ عدي الأنصاريِّ - رضى الله تعالى عنهم أجمعين -
وقد ذكرتها كلها مع الكلام عليها في )كتاب شرح الترمذي (
ولفظُ حديث جابر - رضى الله عنه -: " ما ذئبان جائعان ضاريين باتا في غنمٍ بات رعاؤها بأفسد للناس من حب الشرف والمال لدين المؤمن "
وفي حديثِ ابنِ عَباس: " حب المال والشرف " بدل ) الحرص (
فهذا مثلٌ عظيمٌ جدًا ضربهُ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - لفساد دين المسلم بالحرص على المال ، والشرف في الدنيا ، وأن فساد الدين بذلك ليسَ بدونِ فسادِ الغنمِ بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم، وقد غاب عنها رعاؤها ليلًا ، فهما يأكلان في الغنم ويفترسانِ فيها.
]الشرح [
الحمد لله ربِ العالمين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً أرجو بها النجاة
يوم الدين يوم يقوم الناسُ لرب العالمين ، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الناصح
الأمين الذي ما ترك خيرًا إلا وبينه لأمته وحثهم عليه ، ولا شرًا إلا بينه وحذرهم منه
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد:
فهذا الحديث حديثٌ عظيمٌ وسيأتى معنا بيانه وتفصيل الكلام فيه في هذه الرسالة النافعة
الماتعة ونحنُ اخترنا هذه الرسالة لا عبث ، وإنما اخترنَاها عن قصد لنتذكر جميعًا هذا الأمر
الخطير ألا وهو فساد الدين ، وفساد الدين له أسبابٌ إذا واقعها الإنسان فسد دينه وإذا هو
اجتنبها وحذر منها فإن دينه يسلم له بأمر الله - تبارك وتعالى -.
وفسادُ دين المسلم بسبب حرصه وحبه لهذين الأمرين ليس بأقل من فسادِ غنمٍ نام عنها
رعاؤها وأرسل فيها ذئبانِ ضاريانِ جائعانِ ، فبالله عليكم ماذا تصورون أن تكون الحال ،
ذئبان مفترسان جُوِِّعا، أصابهم الجوع ثم وجدت أغنام لا راعي لها أرسل فيها هذان الذئبان
هما بطبعهما مفترسان ثم أنهم جائعان ثم وجدا هذه الغنيمة فكم سيسلم من هذا الغنم ،
فهكذا حال الإنسان مع حبه للشرف والترأس والجاه بين الناس ، وهكذا حال الإنسان مع
حبه للمال بين الناس ، فحبه للجاه والسؤددِ والشرف والقيادة ونحو ذلك بمنزلة ذئب ينهُش
في دينه ، والذئبُ الآخر حبه للمال فهذا يأكل وهذا يأكل وغياب الراعي هو غفلةُ ذلك
ومعلومٌ أنهُ لا ينجو من الغنم من إِفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليلٌ ، فأخبر
النبى - صلى الله عليه وسلم - أن حرص المرءِ على المالِ والشرفِ: إفساده لدينه ليس
بأقلِ من إفسادِ الذئبين لهذه الغنمِ ، بل إما أن يكون مساويًا وإما أكثر ، يشير إلا أنه لا
يسلمُ من دين المسلم مع حرصه على المال والشَّرفِ في الدنيا إلا القليل.
كما أنه لا يسلمُ من الغنمِ مع إفسادِ الذئبين المذكوريين فيها إلا القليل.
فهذا المثل العظيم يتضمنُ غاية التحذير من شرِ الحرصِ على المالِ والشرفِ في الدنيا.
العبد ، غيابُ الراعي هو غفلةُ ذلك الإنسان المسلم ، غفلته عن دينه أوتغافله في قبيل حصول
التسود والترأس والجاه وفي سبيل حصول المال ، فيحصل بسبب ذلك الفساد العريض وسيأتي
إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك يقول – عليه الصلاة والسلام- ))مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ – وفي الزيادة في حديث جابر - ضَارِيَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ ، لِدِينِ الْمُؤْمِنِ (( فحينئذٍ أوجب هذا الحذر من التغافل في هذين البابين:
باب السعي في طلب المال.
وباب السعي في طلب الرئاسة والجاه.
فعلى العبد أن يحاسب نفسه في هذين البابين أشد المحاسبة، حتى يسلم له دينه.
وبقدر غفلته يصاب من دينه، كما هو الحال بالنسبة لراعي الغنم إذا غفل عنها، وأرسل فيها
هذان الذئبان الجائعان الضاريان.
ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان باستطاعته أن يقول: إن حب المال والجاه مفسدٍ
لدين المسلم ، ولكنه - عليه الصلاة والسلام- عدل إلى ضرب المثل. والأمثال تزيد في تثبيت
المعاني، وتزيد في إيضاحها، وفهمها، وأيضًا تزيد في حفظها. فإن المرء إذا ضَرَبَ المثل حُفِظ
حتى لا يكاد يُنسى ، فالأمثال تُحفظ؛ فلهذا عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى
ضرب المثل هنا.
وقد جاءت الأمثال عنه - عليه الصلاة والسلام- متعددة، حتى عُرف هذا النوع عند علماء
الحديث بأمثال الحديث.
وكتب فيه علماء الحديث - رحمهم الله- كتبًا مستقلة ، ذكروا فيها الأحاديث التي ضرب
فيها الأمثال - عليه الصلاة والسلام-، مثل حديث النخلة وتشبيه المؤمن بها: ))مَثَلُ الْمُؤْمِنِ
كَمَثَلِ النَّخْلَةِ(( و))مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ(( و))مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ
الْهُدَى وَالْعِلْمِ ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ(( و))مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ
اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا(( وهكذا بقية الأحاديث.
فهذا النوع صنَّف فيه العلماء، علماء السنة، كتبًا عرفت بكتب أمثال الحديث، ومن أشهرها
بين أيدينا كتابان مطبوعان:
الكتاب الأول: أمثال الحديث للحافظ أبي الشيخ الأصبهاني -رحمه الله-.
والكتاب الثاني: أمثال الحديث للقاضي الرَّامَهُرْمُزِي وكلاهما مطبوعان موجودان بين
أيدينا، اعتنيا بهذا النوع من الحديث.
فهذا الحديث من جملة هذه الأحاديث، شبه فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حرص
المسلم على المال والشرف في الدنيا، وإفسادهما لدينه، بذئبين جائعين ضاريين، أرسلا في غنم
نام عنها رعاؤها ، أو غاب عنها رعاؤها.
وهذا كل من سمعه يحفظه، ويفهمه فهمًا لا لبس فيه، والمقصود منه التحذير من شر الحرص
على المال.
فإن الحرص على المال يجعل العبد لا يبالي عن وجوه تحصيله منه، ربما حصَّله من حرام وتأوَّل،
فيفسد دينه وهو يتأوّل لأجل تحصيل المال، يقع في الغش وهو يتأوّل، ويبرر عمله لأجل
تحصيل هذا المال، يقع في الخيانة وهو يتأول لتحصيل هذا المال، يخون الأمانة ويتأول، يقع في
البيوع المحرمة ويحتال ويتأوّل، ويظن أن الله - جل وعلا- ينطلي عليه ذلك، كما قال ابن
سيرين -رحمه الله تعالى- أو أيوب السختياني -نسيت الآن- حينما سئل عن بيع العِينَة:
فقال: )دراهم بدراهم، بينهما حريرة، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، أما إنهم لو أتوا الأمر على بابه، لكان أهون(. يعني يجعل حريرة يبيعها بعشرة دراهم، فيشتريها الإنسان
بعشرة، ثم يبيعها بثمانية، فتعود على الأول، فصورتها الظاهرة بيع، وهي في الحقيقة ربا، باع
العشرة بثمانية، باع العشرة المؤجلة بثمانية حَالَّة، والواسطة بينها قطعة الحرير، وعُرفت هذه
المسألة -مسألة بيع العينة- عند السلف ببيع الحَرِيرَة، فتجد كتب السلف التي تنقل الآثار
المسندة عن التابعين وأتباعهم، يسمونها بيع الحريرة، فيقول دراهم بدراهم ، عشرة بثمانية ،
بينهما حريرة ، يعني هل تظن أنك إذا وسطت هذه الحريرة والحقيقة هي الأولى تظن أن الأمر
يمشي وينطلي على رب العالمين ، فلهذا يقول: " لو أتوا الأمر على بابه، لكان أهون" يعني
وقع في الربا بيع العينة ، جرم واحد ، أما أنه يقع في هذا الجُرم ويحتال ويظن أن الحيلة تنطلي
حتى على رب العباد فهذا جُرمٌ آخر وهو أشد وأعظم من الأول ، يخادعون الله – سبحانه
وتعالى وهم في الحقيقة ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ، عياذًا بالله من ذلك.
وهكذا ، حبُ الإنسانِ للشرف الجاه الترؤس التسود على غيره يوقِعَهُ في فساد الدين وسيأتي
إن شاء الله الكلام على ذلك كله في كلام الشارح ، والمقصود من هذا معشر الإخوة أن
يحاسب المرء نفسه في هذين البابين ، وأن يحذر من الحرص على الدنيا على المال ، وأن يحذر
من الحرصِ علي السيادة والشرف فلا يبعُ دينه لأجلِهِما وعليه أن يحفظ دينه ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا
قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِِّإِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ))تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، تعِسَ عبدُ الخميلة إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ(( فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه ويراقب ربه فلا يفسد عليه دينه في سبيل تحصيل شيءٍ من أمور الدنيا.
الشيخ:
ما ذئبانِ ضاريانِ ظلا في غنمٍ ، من ظل يظلُ إذا بقيَ.
فأما الحرصُ على المال فهو نوعين:
أحدهما: شدةُ محبةِ المالِ مع شدة طلبهِ من وجوهه المباحة ، والمبالغة في طلبه والجدِّ في تحصيلهِ واكتسابهِ من وجوهه مع الجهدِ والمشقةِ.
وقد وردَ أن سبب الحديث كان وقوع بعض أفرادِ هذا النوع ، كما خرجه الطبرانيُ من
حديث عاصم بن عديِّ ، قال ))"اشتريتُ" مائةَ سهم من سِهامِ خيبر ، فبلغ ذلك النبي -
صلى الله عليه وسلم – فقال: مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ ظَلَّا في غنمٍ أَضَاعَهَا رَبُّهَابِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِ الْمَالَ وَالشَّرَفَ لِدِينِهِ(( ولو لم يكن في الحرصِ على المالِ إلا تضييعُ العمرِ الشريفِ الذي لا قيمة له.
الشيخ:
ولكن فقرُ الدين ، نعم لأن هذا الذي ذكره هنا في الحقيقة هو بيت كامل لكنه ناقص ، أقرأ
بالمطبوعة في الدورة نسخة الدورة
من ينفق الأيام في جمع ماله مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقرُ
هذا هو الصحيح أما هذا فمقصور.
ولو لم يكن في الحرصِ على المالِ إلا تضييعُ العمرِ الشريفِ الذي لا قيمة له ، وقد كان يمكنُ لصاحبه اكتساب الدرجات العلى والنعيم المقيم ، فضيعهُ بحرصِه في طلبِ رزقٍ مضمون ، مقسوم لا يأتيه إلا ما قُدِر وقسم ، ثم لا ينتفع به ، بل يتركه لغيره ويرتحل عنه ، ويبقى حسابُه عليه ونفعه لغيره فيجمعُ لمن لا يحمده ، ويقدمُ على من لا يعذرُه ، لكفي بذلك ذمًا للحرصِ. فالحريص يضيع زمانه الشريف ، ويخاطرُ بنفسه التى لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار ، لجمع مالٍ ينفع به غيره.
كما قيل:
من ينفق ولا يخشى الفقر فقد أمن الغنى ... ولكن فقرُ الدين من أعظم الفقرِ
]الشرح [
هذا الجزء من كلام المؤلف – رحمه الله تعالى - في الكلام على الحرص ، وهذا الوجه الأول
أو النوع الأول من نوعي الحرص أو من وجهي الحرص ، وهو محبته لتحصيل المال ، وهذا
غريزة في ابن آدم حبُ المال غريزة في ابن آدم ، وشدةُ طلبِهِ له من الوجوه المباحة هذا ما
قيل لبعض الحكماء: إن فلانًا جمع مالًا.
فقال: فهل جمع أيامًا ينفقه فيها؟
قيل لا قال: ما جمع شيئًا.
وفي بعض الآثار الإسرائيلية: الرزقُ مقسوم والحريصُ محروم ،ابن آدم ، إذا أفنيتَ عمرَك
في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة.
إذا كنت في الدنيا عنِ الخيرِ عاجزًا فما أنتَ في يومِ القيامةِ صانعُ
قال بن مسعود - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله
ولا تحسد أحدًا على رزق الله ، ولا تلوم أحدًا على ما لم يؤتِكَ الله ، فإن رزق الله لا
يسوقه حرصُ حريص ولا يرده كراهةُ كاره ، فإن الله بقسطهِ وعلمهِ جعل الروحَ والفرحَ
في اليقين والرضى ، وجعل الهمَّ والحزن في الشكِ والسخط.
وقال بعض السلف:
إذاكان القدرُ حقًا فالحرصُ باطل ، وإذا كان الغدرُ في الناسِ طباعًا فالثقة بكل أحدٍ عجزٌ
، وإذا كان الموتُ لكل أحد راصدًا فالطمأنينةُ إلى الدنيا حمق.
كان عبد الواحد بن زيدٍ يحلفُ بالله: لحرصُ المرءِ على الدنيا أخوف عليه عندي من
أعدى أعدائِه.
وكان يقول: يا أخوتاه ، لا تغبطوا حريصًا على ثروة ولا سعة في مكسب ولا مالٍ
وانظروا إليه بعين المقتِ له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدًا في المعادِ ثم يبكي.
دخل فيما، ما دخل في الوجوه المحرمة وإنما طلبه من الوجوه المباحة ، لكن الذم في شدة حرصه على طلب المال ، وإذهاب الأوقات الشريفة في تحصيل هذا المال فهذا هو وجه الذم ، لو لم يكن في هذا الباب أو هذا النوع الذي هو المباح لو لم يكن فيه إلا إضاعة العمر الشريف بأيامه ولياليه وساعاته في اكتساب الفاني والغفلة عن اكتساب الباقي من الأعمال الصالحات التي يرتفع بها عند الله الدرجات ، فيتعب نفسه في هذا الباب لكفى بذلك ذمًا ، لو لم يكن إلا تضيع العمر هو مباح لكن لو لم يكن في هذا المباح إلا تضيع الأعمار لكفى بذلك ذمًا ، فكيف به إذا حصّله وخرج من الدنيا ولم ينتفع منه بشيء لا أوقف منه وقفا ، ولا تصدق منه بصدقةٍ ولا بنى منه مسجدا ، ولا وصل فيه رحما ، ولا أعطى منه فقيرا ، ولا أغاث ملهوفا ، ثم حصله وانطلق منه خالي اليدين وتركه لغيره ، وربما جاء غيره ولم يحمده ، ولم يدعُ له ، ولم يبره منه بشيء هذا كله في وجهٍ حلال ، فحينئذٍ يعلم الإنسان العاقل أن هذا الشخص قد ضيع من العمر في اكتساب هذا المال ما ضيع بدون مقابل ، فهل مثل هذ يحمد ولّا يذم؟ أنا أسألكم يحمد ولّا يذم؟ يذم ، أنت مثلًا تطلبت مالًا لتبني بيتًا تستر به عورتك وعورة بنيك وبناتك وأزواجك لكن لما جاء المليون قلت لا ، أضارب به يزيد ، يزيد
يزيد لا نبني بيت إن شاء الله أوسع من هذا أكبر من هذا ، الآن ننمي المال وخرجت من
الدنيا ولم تملك شيئا فأي قيمة لهذا المال؟ ما زدت على أنك ما انتتفعت به في دنياك ثم تركته لورثةٍ من بعدك ربما لا يحمدُونك فيه ولا يبرونك فيه ولو كان الأمر هكذا لكن أهون أيضًا ، بل ربما استعان به هؤلاء ، إذا كانوا غير صالحين على معصية الله - تبارك وتعالى – فتكون أنت السبب في ذلك ، فحينئذٍ هذا الوجه وجهٌ مباح لكن ألا هو ، تحصيل المال ، حب المال غريزة الحرص على تحصيله هذا من حيث هو مباح لكن لو ما كان في هذا المباح إلا تضيع الساعات ، ساعات العمر والعمر شريف تضيعه وهو الذي لا يعدله شيء ، تضيعه في هذا الفاني لكفى بذلك ذما لك إذ أنت كلفت نفسك بالرزق المضمون لك عند الله – تبارك وتعالى - وتركت غير المضمون فالله - جل وعلا - كما جاء في حديث الصادق المصدوق قد تكفل للعبد برزقه ، حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق (( إن أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً (( الحديث وفيه قال ثم يرسل إليه الْمَلَك بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، ومن هذه الكلمات كتابة رزقه ، فالله - جل وعلا – قد كتب لك الرزق وضمنه.
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ﴾ فالله قد كتب لك الرزق وضمنه ، فأنت أتعبت نفسك في المضمون ولم تتعبها في تأمينها في ما لم يُضمن لك وهو اكتساب الخير الذي تنال به الدرجات العلى عند الله - تبارك وتعالى - من يضمن لك الجنة؟ لا أحد ، لكن الرزق قد ضمنه الله - جل وعلا- لك ، فأنت بهذا الوجه ضيعت عمرك في اكتساب شيءٍ قد ضُمن ، والحرص لا يأتي لك بشيء أكثر مما كُتب ، فعليك أن ترضى وألا تجهد نفسك بكثرة الأسفار وتضيع الليالي والنهار وركوب الأخطار ، والمخاطرة في الازدياد من هذا المال مع الغفلة عن اكتساب الطاعات التي ترتفع بها في الدرجات عند الله -تبارك وتعالى - فتترك هذا المال خلفك وما بنيت لك منه شيئًا أمامك ، لا شك أن العاقل لا يرضى بهذا لأن الله - سبحانه وتعالى - أوجدنا في هذه الدنيا وجعلها مزرعةً للآخرة ، فمن خرج منها ولم يزرع فيها شيئًا يحصده في الآخرة فهذا ليس بعاقل ، العاقل من زرع فيها ما يحصده يوم القيامة ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ والذي ألهاه المال والحرص على تحصيله على هذا النحو وإن كان تحصيله له مباحَ إلا أنه يذم على تضييع أوقات عمره من هذا النحو. قال - رحمه الله -:
ويقول الحرص حرصان : فحرصٌ فاجع ، وحرصٌ نافعٌ
فأما النافع: فحرص المرء على طاعة الله.
وأما الفاجع: فحرص المرء على الدنيا مشغولٌ معذبٌ لا يسر ولا يلتذ بجمعه لشغله ، ولا
يفرغُ من محبته للدنيا لآخرته ، كذلك لغفلته عما يدوم ويبقى.
ولبعضهم في المعنى:
لا تغبطن أخا حرصٍ على سعةٍ ... وانظر اليه بعين الماقتِ القالي
إن الحريص لمشغولٌ بشقوته ... عن السرور بما يحوي من المال
الشيخ:
إن الحريصُ لمشغولٌ بثروته ، يعني بهذا عن السرورِ ، ))عندكم بثروته ، لا، الصحيح هذا
مشغولٌ بشقوته ، (( هذا المال شقاء
إن الحريص لمشغولٌ بشقوته عن السرور بما يحوي من المال.
]الشرح [
هذا صحيح الحرصُ حرصان: حرصٌ فاجعٌ ، وحرصٌ نافع
فالنافع هو الذي كما ذكر المصنف حرصُ المرءُ على طاعة الله ، وذلك باغتنام الأوقات
والساعات في الباقيات والأعمال الصالحات.
والفاجع هو الذي يفجع الإنسان به نفسه وهو حرصه على الدنيا فهو معذبٌ بها مشغولٌ بها
لا تجد لديه وقتًا لراحته ، ولا وقتًا لعملٍ لآخرته ، يزدادُ من المال ولا يزدادُ من صالح الأعمال
وأنشد آخر في المعنى
يا جامعًا مانعًا والدهرُ يرمقهُ ... مفكرًا أيُ بابٍ منه يغلقُه
جمعت مالًا ففكر هل جمعتَ له ... يا جامعَ المالِ أياما تفرقه
المالُ عندك مخزونٌ لوارثهِ ... ما المالُ مالك إلا يومَ تنفقُه
إن القناعةَ من يَحلْل بساحتِها ... لم ) ينل( في ظلِّها همّا يؤرقُه
وكتب بعض الحكماءِ إلى أخٍ له كان حريصًا على الدنيا: أما بعد ؛ فإنك أصبحت حريصًا
على الدنيا ، تخدمُها وهي تزجرك عن نفسها بالأعراضِ والأمراضِ والآفاتِ والعلل ،
كأنك لم تر حريصًا محرومًا ، ولا زاهدًا مرزوقًا ، ولا ميتًا عن كثيرٍ ، ولا متبلغًا من الدنيا
باليسيرِ.
عاتب أعرابيّ أخاه على الحرصِ ، فقال له: يا أخي ، أنت طالبٌ ومطلوبٌ ، يطلبك من لا
تفوتُه وتطلبُ أنت من قد كُفِيتَه ، كأنك يا أخي ألم ترَ حريصًا محرومًا ولا زاهدًا مرزوقًا.
، إذا سَلّم الإمام من العشاء في رمضان حرِصَ على أن لا يفوته زبون وترك التراويح وهي
نصف ساعة ، وذهب وفتح متجره لتجارة الدنيا وربما ما جاءه في هذه النصف ساعة أحد ،
ولكن فوت الخير العظيم الذي إذا وضع في قبره يتمنى ركعةً وسجدةً سجدها لله - تبارك
وتعالى - فهذا الذي محبته للدنيا شغلته عن آخرته ، وغفلته عن الآخرة ضيعت عليه الاستفادة
من حياته.
ولهذا لا تغبط أصحاب الأموال ، فإنك أنت في راحة لا يجدونها هم ، فهو مشغولٌ بتحصيل
هذا المال وتكثيره والمحافظة على ما بين يديه مسرورٌ بذلك في وقت ، ومغمومٌ به في أوقات ،
مسرورٌ به في وقت حصول الازدياد ، ومغمومٌ به إذا فكر في ذهابه عنه ، فتجده لا يلتذ به
ولا يرتاح بتحصيله ، فهذا في الحقيقة ما حصّل راحته ، بل حصل شقوته في دنياه وفي أخراه
فالمال قد استعبده عياذًا بالله من ذلك والعاقل إذا نظر إلي هؤلاء ينظر إليهم بعين الرحمة
والعطف وعين الشفقة ، وفي الحقيقة من اشتغل بطاعة الله - تبارك وتعالى - وأنفق أوقاته
فيها ، يعلم علم اليقين أنه لا يساويه أحدٌ في اللذة التي يحس بها ولا شك لو لم يأتي من ذلك
إلا:
راحة النفس أولًا.
______________اجتماع الفكر ثانيًا.
عدم الخوف ثالثًا.
أداء الطاعات رابعًا.
عدم غفلته عن الآخرة خامسًا.
لو ما كان في هذا إلا هذه الأمور لكفى ذلك شرفا ، فصاحب الكفاف والقناعة هذه الأمور
كلها عنده ، وصاحب الغنى هذه الأمور كلها مفقودة ، الغالب على أهل الغنى أن هذه
الأمور كلها مفقودة عنده:
راحة النفس لا تكاد تجدها عنده.
راحة الفكر والذهن لا تكاد تجدها عنده.
التفكير في الآخرة قليلًا ما تجده عند هؤلاء.
وهكذا بقية ما ذكرنا ، لكن صاحب القناعة تجد هذه الأمور الخمسة كلها موجودة عنده ،
يفكر في آخرته أكثر من دنياه فلهذا دينه دائمًا في سلامة يتعهده دائمًا الدرهم يدخل عليه
يسأل من أين دخل ، وكيف دخل وبأى وجهٍ دخل ، بل وقبل أن يدخل عليه ، تجده يسأل
هل هذا الوجه مما يجوز أن يكتسب منه أو مما لا يجوز ، وهكذا ، فتجد عنده القناعة حملته
على هذا الخير على سلامة دينه ، وليعلم علم اليقين أن هذه الدنيا بفواجِعها ومصايبها وفتنها
تحذره من أن يميل إليها ، ولكن المسكين لا يتعظ بذلك ، ولهذا أمير المؤمنين علي - رضي الله
عنه - لما سُئِل أن يعِظ في الدنيا ، يعِظ أصحابه في الدنيا في أمر الدنيا ، قال لهم - رضي الله
عنه - أتجوز أم أتسمح ، قالوا تجوز يعني اختصر " فقال: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت
الآخرة مقبلة ، ولكلٍ منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا"
والعجب كل العجب أن تطلب من تركك وراء ظهره وهي الدنيا ، وتغفُل عمّن فتح لك
ذراعيه أقبِل إلي وهي الآخرة ، هذا يدل على الحمق وسخف العقل وقلة البصيرة نسأل الله
العافية والسلامة ، فإن الآخرة تطلبك ترحب بك والدنيا تزجرك قد ولت عنك مدبرة وأنت
تتبع المدبر الذي لا يريدك وتترك الذي يريدك ويدعوك هذا أمرٌ عجيب ، وهذا من فعله يدل
على ضعف عقله ومن رأى ما في الدنيا من النكبات والبلايا حريٌ به أن يتعظ عنها ولا يركن
إليها.
فَيا طَالِبَ الدُنْيَا الدَّنِيَّةَ جَاهِدًا ... أَلا اطْلبْ سِوَاهَا إنَّهَا لاَ وَفَا لَها
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِن حَرِيْصٍ ومُشْفِقٍ ... عَلَيْهَا فَلمْ يَظْفُر بِهَا أَنْ يَنَالَهَا
لِيَلْهُوْا وَيَغْتَرُّوْا بَهَا مَا بَدَا لَهُمْ ... مَتَى تَبْلُغُ الحُلْقُوْمَ تَصْرِمْ جِبَالهَا
ولا شك أنه إذا ما بلغ فيها الإنسان إلى مرحلةٍ يُسر بها ويرى أنه لا أحد مثله في الراحة نزل
به الأجل ، أو إن كان دون ذلك نزل به المرض المفند المقعد الذي يفسد عليه لذته في هذه
الحياة الدنيا فهي مياسرها عسر وسرورها حزن وكمالها نقص وربحها خسارة نسأل الله
العافية والسلامة.
فالمحروم من ركض خلفها والموفق من عرفها على حقيقتها وأخذ منها بلغته.
ولا شك أن نصيحة الأعرابي في عتابه لأخيه موجزة وجميلة قال له: "ياأخي أنت طالب
ومطلوب يطلبك من لا تفوته الذي هو الموت ما يفوته أحد يطلبك من لا تفوته يعني الموت
لا يفوته أحد ، وتطلب أنت من قد كفيته يعني تطلب الدنيا والرزق والازدياد منها ثم ضرب
له مثلا قال: كأنك لم تر حريصًا محرومًا يجري الليل والنهار ولا تجده إلا مدين يفوت
الطاعات يفوت أوقات الخيرات ومجالس الخير ومجالس الذكر التي تنفعه في دينه ودنياه ويجري
في هذه الدنيا ولا تراه إلا محروما مدين يساهم في هذه الشركة ويساهم في تلك الشركة
ويخرج مع هذه التجارة ويدخل مع هذه التجارة ولا يحصل منها شيئًا لا تجده إلا محروما
ولكن تجد آخر لا شأن له بشيء من ذلك قانع برزقه والكفاف الذي رزقه الله - جل وعلا
- وتجده كافيًا نفسه حافظًا نفسه رزقه ماشٍ وحياته من أحسن الحياة ، فهذا الزاهد في الدنيا
والراغب مرزوق ، وهذا الحريص محروم ، فهذا تذكير بكلمة عظيمة جدًا كأنك لم تر
حريصًا محرومًا ، فلان يجري طول عمره وما حصل شيء هذا معناه لم تر حريصًا ، كأنك لم
تر حريصًا على الدنيا محروم منها وكأنك لم تر زاهدًا فيها مرزوق منها اعتبر بهذا واتعظ بهذا
فلا تتعب نفسك فيما قد ضمن لك وتضيع ما لم يُضمن لك.
الشيخ وطالب:
هكذا قد نعم
كم من حريص طامع ... والحرص صيره ذليلا
قال رحمه الله:
وقال بعض الحكماء: أطول الناس غمًا الحسود ، وأهنؤهم عيشًا القنوعُ ، واصبرهم على
الأذى الحريص ، وأخفضهم عيشًا أرفضهم للدنيا ، وأعظمهم ندامة العالم المفرط.
ولبعضهم في هذا المعنى:
الْحِرْصُ دَاءٌ قَدْ أَضَرَّ ... بِمَنْ تَرَى إِلا قَلِيلا
كَمْ مِنْ عَزِيزٍ قَدْ ... صَيَّرَهُ الْحِرْصَ ذَلِيلا
الْحِرْصُ دَاءٌ قَدْ أَضَرَّ ... بِمَنْ تَرَى إِلا قَلِيلا
الْحِرْصُ دَاءٌ قَدْ أَضَرَّ ... بِمَنْ تَرَى إِلا قَلِيلا
وهذا ساقط من هذه النسخة ، الحرص داء قد أضر.
طالب:
في كتاب الشيخ
ونازح الدار لا ينفك مغتربا ... عن الأحبة لا يدرون بالحال
بمشرق الأرض طورًا ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرص على بال
ولغيره:
كم أنتَ للحرص ... والأماني عَبدُ
ليس يجدي الحرص ... والسعي إذا لم يكن جدُّ
ليس لما قدره الله ... من الأمر بُدُّ
ولأبي العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناقَ الرجالِ
ومن كلام المأمون: الحرص مفسدة الدين والمروءة.
وأنشد شعرًا:
حرص الحريص جنون ... والصبر حصن حصين
إن قدر الله شيئًا ... فإنه سيكون
ولغيره:
حتى متى أنت في حل وترحال ... وطول سعي وإدبار وإقبال
ونازح الدار لا ينفك مغتربا ... عن الأحبة لا يدرون ما حال
بمشرق الأرض طورًا ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرص على بال
ولو قنعت أتاك الرزق في دعة ... إن القنوع الغَنِىُّ لا كثرة المالِ
الشيخ:
)لذلك يصحح بالحال ، بالحال بدل ما الحال(
]الشرح [
وهذا لا شك من تأمل كلام المصنف - رحمه الله - وجده واقعًا أطول الناس غمًا الحسود ،
الحسود هو الذي يتمنى زوال الخير عن غيره نعوذ بالله من ذلك ، يتمنى زوال الخير عن الغير
زوال النعمة عن المحسود فإذا لم تزل يبقى مغمومًا إذ يبقى الخير في يد الغير فنعوذ بالله من
ذلك ، هذا يدل على خبث هذه النفوس ، لأنه لا يهنؤ إلا بزوال الخير عن غيره هذا هو
الحسود أما المسلم فهو يغبط غيره يتمنى أن يحصل له من الخير مثل ما لغيره ،الحسود يتمنى
زوال الخير عن الغير ، وأهنؤهم عيشًا القنوع قانع بما كتب الله - سبحانه وتعالى - له "نحن
في راحة لو يعلمها الملوك وأبناء الملوك يقول عبدالله بن المبارك لجالدونا عليها بالسيوف" وهو
القناعة أمر القناعة القناعة كنز عظيم إذا قنع العبد قنعه الله - جل وعلا - بما آتاه عاش عيشة
هنية وحيا حياة رضية وأصبرهم على الأذى الحريص وهذا صحيح الحريص على الشيء هو
الذي يتحمل الأذى وربما تحمل المهانة والمذلة في سبيل تحصيله ما يريد وأخفضهم عيشًا
أرفضهم للدنيا ، يعني أقلهم حظًا في المعيشة والسعة من كان رافضًا للدنيا يعني معرضًا عنها ،
تجده يكتفي بما يسد رمقه وحاجته في هذه الحياة الدنيا وهذا إذا كان قائما بحق الله - تبارك
وتعالى - رافضًا لهذه الحياة الدنيا لئلا تشغله ويأخذ منها بلغة المسافر فهذا هو في الحقيقة
الموفق ، وأعظمهم ندامة العالم المفرط لأنه يعلم ما عند الله - جل وعلا - ويقرأ ذلك في
كتاب الله - جل وعز - ويقف عليه في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنه فرط
ولغيره:
أيها المتعب جهدًا نفسه ... يطلب الدنيا حريصًا جاهدا
لا لك الدنيا ولا أنت لها ... فاجعل الهمين هما واحدا
، فحينئذ يكون أعظم الناس ندامة لأنه ترك عن علم ، وفرط عن علم ، فحينئذ تشتد ندامته ،
ما أوتي من جهل أوتي من علم وتغافل فتشتد ندامته بسبب أنه كان عالما لكنه ترك الأخذ
بالحزم وحينئذ هذا الذي يكون أشد ندامة.
فالعالم علمه يدله على الله تبارك وتعالى ويحثه على الاغتنام والمسارعة والمسابقة إلى الخيرات
فإذا لم يكن كذلك كان علمه وبالًا عليه عياذًا بالله من ذلك اللهم إنا نعوذ بك من علم لا
ينفع لأن الله - جل وعلا - قد مدح أهل العلم بقوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
] وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾]الزمر : 9
وذكر قبل ذلك صفات هؤلاء في قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ
الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا
] الْأَلْبَابِ﴾]الزمر : 9
فدل ذلك على أن العلم يحملُ أهله علي العملُ الصالح وعلى المسارعة إلى الخيرات والمسابقة
إلى الطاعات ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ يخاف من أن ينزل به
الأجل وهو لم يزدد من صالح العمل ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِِّه﴾ عظيم الأمل في الله - جل وعلا -
محسنًا الظن بربه - تبارك وتعالى - ثم قال - جلّ وعلا - ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ﴾ فالذين يعلمون هم الذين يعملون ، الواجب أن
يكون العمل عندهم أكثر لأن علمهم يوجب عليهم العمل يدلهم على الله - تبارك وتعالى-
فإن قصروا فحينئذٍ يكونون أعظم الناس ندامةً لأنهم تركوا وما عملوا وقد علموا ما في هذه
الدار التى أعدها الله – جل وعلا - لأوليائه وما في هذه الدار من الصغب والتعب والنصب ،
وأنهم منتقلون عنها ومع ذلك خلدوا إليها، فلا شك أنهم أكثر الناس ندامةً نسأل الله على أن
يحمينا وإياكم بفضله.
]الشرح [
وهذا هو النوع الثاني إذا كان هذا الذي سمعناه كله في النوعِ الأول في المباح الذي يؤدي به
إلى هذا النحو ، فاسمع إلى النوع الثاني المحرم ، نعوذ بالله من ذلك.
قال - رحمه الله تعالى –: النوع الثاني من الحرصِ على المال.
أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول ،حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة.
حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة ويمنع حقوقه الواجبة ، فهذا من الشح المذموم .
قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
وفي سننِ أبى داود عن عبد الله بن عمر عن النبى - صلى الله عليه وسلم – قال: ))اتَّقُوا
الشُّحَّ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ ، فَبَخِلُوا
وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ ، فَفَجَرُوا((
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال ))اتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ
الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ((
قال طائفة من العلماء: "الشح هو الحرصُ الشديد الذي يحملُ صاحبه على أن يأخذ الأشياء
من غير حلها ويمنعها من حقوقها "
وحقيقته أن تشهدَ النفسُ إلى ما حرم الله ومنع منه ، وألا يقنع الإنسان بما أحل الله له من
مالٍ أوفرجٍ أوغيرهما ، فإن الله تعالى أحل لنا الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس
والمناكح وحرم تناول هذه الأشياء من غير وجوه حلها ، وأباح لنا دماء الكفار والمحاربين
وأموالهم ، وحرم علينا ما عدا ذلك من الخبائث من المطاعم والمشارب ، والملابس والمناكح
، وحرم علينا أخذ الأموال وسفك الدماء بغير حلها.
فمن اقتصر على ما أبيح له فهو مؤمن ، ومن تعدى ذلك إلى ما مُنع منه فهو الشحُ المذموم
، وهو منافٍ للإيمان .
ولهذا أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - أن الشح يأمر بالقطيعة والفجور والبخل والبخلُ
هو: إمساك الإنسان ما في يده.
والشحُ: تناولُ ما ليس له ظلمًا وعدوانا من مالٍ أو غيره ، حنى قيل إن المعاصي كلها إثم .
وبهذا فسر ابن مسعود وغيره من السلف الشح والبخل.
ومن هنا يعلمُ معنى حديث أبي هريرة - رضى الله عنه وأرضاه - عن النبى - صلى الله عليه
وسلم – أنه قال )) لا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ ، وَالإِيمَانُ فِي مُؤْمِنٍ((
والحديث الآخر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ))أفضل الإِيمَانِ الصَّبْرُ
وَالسَّمَاحَةُ((
]الشرح [
هذا الكلام الذي ذكره الشارح - رحمه الله - فيه تنبيهات عظيمة كلُ واحدةٍ منها حريةٌ بأن
يُصغي لها المسلم لُبهُ.
فالنوع الثاني من الحرص هو من وصف بمثل ما تقدم في الأول وزاد عليه ، أن يكون حريصًا
مجتهدًا منفقًا أيامه ولياليه وساعات عمره في طلب المال حتى يصل إلى مرحلة أنه لا يبالي من
أين حصّل هذا المال أمِن الوجوه المحرمة أوغير المحرمة ، ثم يزيدُ به الأمر مع هذا فيمنع حق الله
تعالى فيه ، ويمنع الحقوق الأخرى الواجبة فيه فلا ينفق على من أوجب الله عليه النفقة عليه ،
ولا يصل من أمر الله بوصله ، ولا يؤدي الزكاة ونحو ذلك ، فهذا الحرص على المال أوقع هذا
الإنسان في المحرمات:
أولًا: وقوعه في المحرمات في كسبه حيث اكتسبه من بعض الوجوه المحرمة.
ثانيًا: وقوعه في المحرمات بمنعه أداء حقه فلم يؤدِ زكاةً ولا نفقةً واجبةً ولا نحو ذلك فهذا هو
الشح المذموم قال - جل وعلا - ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
والشح أعم من البخل وأوسع من البخل كما فسره العلماء وذكره الشارح - رحمه
الله تعالى - لأجل ذلك حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حذر الله منه قال -
جلا وعلا - ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والنبي - صلى الله عليه وسلم
- يقول ))اتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ
وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ(( ولا شك أن البخل يكون بالمال أما الشح فهو أوسع منه كما في هذا
الحديث.
فهو الحرص الشديد على أخذ الأشياء من غير حلها سواء كانت مالًا أو غير مال ولذلك
فسره الشارح بقوله - رحمه الله -: "أن تشره النفس إلى ما حرم الله ومنع منه، وأن لا يقنع
الإنسان بما أحل الله له من مال أو فرج أو غيرهما".
وبهذا يعلم الإنسان أن الشح أعم من البخل، البخل يكون في المال، والشح يكون في المال وفي
غيره.
فالشح يحمل على سفك الدماء، وارتكاب المحارم عياذًا بالله من ذلك ، ثم إن البخل كما قلنا
في تفسيره مقتصر على أن تُمسك ما في يدك ، أما الشح فهو أوسع من ذلك بأن تمسك ما في
يدك وتحاول أن تأخذ ما ليس لك ظلمًا وعدوانًا ، فتشح على الناس بما رزقهم الله - تبارك
وتعالى - من خير، ولذلك الشح لا يمكن أن يكون عند المؤمن ما يجتمع مع الإيمان ، ما
يجتمع الشح والإيمان كما في حديث أبي هريرة: ))لا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ ، وَالإِيمَانُ فِي مُؤْمِنٍ((.
لِم؟ لأن الشح على هذا النحو على هذا التفسير ما يمكن يحملك على أن تستحل محارم الله -
تبارك وتعالى - يحملك على أن تسفك دماء الناس ))اتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ(( ثم أخبر أنه حملهم على أنهم يستحلون إيش؟ ماحرم الله - تبارك وتعالى - الدماء
والأموال، فأخذك لمال غيرك حرام وسفكك لدم غيرك حرام، فالشح هو هذا أن ترى الخير
معه فتريد أن تنتزعه منه، فهو أعم من البخل أعم من البخل نسأل الله العافية والسلامة ، أما
البخل فهو أن يضن الإنسان بما في يديه.
فالعبد إذا حصّل المال وحرص على تحصيله ولم يبالِ من أين حصَّله من حلال أو حرام ثم منع
منه الحقوق الواجبة، فهذا نسأل العافية والسلامة قد أوبق نفسه مرتين أهلك نفسه مرتين
أفسد دينه مرتين:
المرة الأولى: بطلبه لهذا المال من غير حله اكتسبه بالربا اكتسبه بالطرق المحرمة المكاسب المحرمة
من بيع خمر أو مخدرات ونحو ذلك من الأمور المحرمة فالكسب المال من وجه حرام.
الأمر الثاني: أنه منع حقوقه الواجبة فوقع فيما حرم الله عليه فأوبق نفسه وأفسد دينه من بابين
كلها في المال وإلا لأ؟ كلها في المال فأفسد الدين بماله أليس كذلك، أفسد دينه بماله حين
طلبه من الأوجه المحرمة، أفسد دينه بماله حينما منع منه الحقوق الواجبة، فوقع في ما حرم الله
عليه تبارك وتعالى، منع الزكاة منع النفقة الواجبة ونحو ذلك، فحينها إذًا هذا المال أصبح
مفسد لدينه، فهو كالذئب الذي يفسد هذه الأغنام فحرصه على هذا المال أفسد دينهم عياذًا
بالله من ذلك، من هذين البابين باب الاستجلاب للمال وباب الإنفاق للمال عياذًا بالله من
ذلك.
ولعلنا نقف هنا ولنا عودٌ إلى ما بقي والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
السؤال:
هذا يقول أنا موظف في إحدى الشركات وأعمل نصف يومي في هذه الشركة وأصبر على
ذلك في كثير من الأحيان وأحس أن وقتي جله قد ذهب فهل يعد ذلك من الحرص على المال
أرشدوني وفقكم الله؟
الجواب:
ما دمت تعمل نصف النهار فالحمد لله بقي عندك النصف الآخر وهذا العمل مادام لا يؤدي
إلى تضييع الواجبات والطاعات فالحمد لله على ذلك ، أنت تُحصل منه ما يقوم بحياتك ولا
شيء عليك في ذلك.
السؤال:
يقول هل يؤجر من تاجر بمصالح الناس الدينية يعني في مصالح الناس مثل الكتب السلفية بنية
نشر دين الله مع ربح المال؟
الجواب:
نعم إذا كان مقصده أن ينشر الكتب السلفية في بلده وفي قطره أو في العالم ، بحسب
استطاعته ، ما مقصوده إلا أن يخرج هذه الكتب ولو أخرج منها مال فإن هذا المال هو الذي
تطبع به هذه الكتب لا يمكن أن تطبع هذه الكتب إلا بالمال ، ولو حصل منها ربحًا يسيرًا فلا
شك أنه يؤجر بإذن الله - تبارك وتعالى - لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ))إِنَّمَا
الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ(( ، بل هو داعٍ إلى الله بعمله هذا ، بنشره للكتب السلفية التي تدل الناس
على الاعتقاد الصحيح وعلى المنهج الصحيح والطريق الصحيح إن شاء الله داعٍ إلى الله -
تبارك وتعالى - بتجارته هذه ، وهذه التجارة هي النافعه إن شاء الله.
السؤال:
يقول ماهو الفقر عند السلف ؟
الجواب:
المراد بالفقر عند السلف قلة ذات اليد قلة ذات اليد ، الفقير والمسكين عرفهما أهل العلم قال
- جل وعلا -:﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿ 51 ﴾أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ فالمسكين هو الذي لا يجد شيئًا
، والفقير هو الذي عنده شيء لكن ربما لايقوم بحاجته يكفي حاجته ، وأما الغني العالي فهذا
الذي عنده ما يكفي وأهله وزياده والغني السافل يعني الأسفل منه هذا الذي عنده مايسد
حاجته هذا غني ليس الغنى عن كثرة العرض الغنى الصحيح غنى النفس ، لكن الغني هو الذي
عنده مايسد حاجته ولا يجعله محتاجًا إلى الآخرين.
السؤال:
وهذا يسأل يقول مالمقصود بسنده ، بقولهم سنده ثابت؟
الجواب:
إذا قال سنده ثابت يعني صحيح لكن حمله على العدول عن هذه العبارة ، عبارة صحيح معنى
آخر ، قد يرد مطلق الثبوت يعني قد يكون حسنًا لذاته أولغيره ، أو يكون صحيحًا لغيره ،
فهو ما أراد أن يدخل في التفاصيل قال هذا الحديث ثابت ، يعني صحيح ثبت عن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - أراد المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.
السؤال:
هذه سائلة تقول ماهي أقصى مدة للحمل التى إذا أُسقط الحمل فيها لا تعتبر المرأة نُفساء؟
الجواب:
هذا السؤال في صياغته شيء ، أما أقصى مدة للحمل أربع سنين هذا بناء على ظاهر السؤال
، ولكن الظاهر أن الأخت السائلة أو البنت السائلة تسأل عن المدة التي يجوز فيها الإسقاط ،
إذا أُسقط الحمل لا تُعتبر نُفساء ، المرأة إذا أسْقطت فالسّقط لا يُطلق إلا على من تخلّق ، يقال
فيه سِقط من تخلّق هذا يُقال عنه سِقط ولذلك يُصلّى عليه يُغسل هذا السّقط ويُصلّى عليه،
لأنه يكون أربعة أشهر فما فوق، أربعون وأربعون وأربعون هذه كم؟ مئة وعشرين كم
تكون؟ أربعة أشهر، فهذا بعدها يُؤمر الملك كما سُبق معنا في حديث الصادق المصدوق
فينفخ فيه الروح ويُؤمر بكتابة الكلمات الأربع التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه

وسلم- فهذا إذا كان كذلك فإنه سِقط ، له الأحكام التي تجري للميت يُغسل ويُصلّى عليه،
أما إذا كان دون ذلك فهذا إملاص إذا كان قطعة، علقة، مُضغة هذا لا يُعدُّ سِقطًا، وإنما هو
إملاص ، والمرأة تعتبر معه نفساء ما كان الدم جاريًا، وأكثر مدة النفاس أربعين، إذا كانت
تسأل الأخت السائلة عن هذا مدة النفاس أربعين.
أكثره أربعون نصٌّ أثري أما أقلّهُ فلمْ يُقدرِ .
السؤال:
هذا يقول : يسأل عن كيفية التعامل مع أهل البدع كالإخوان والتبليغ ؟
الجواب:
التعامل معهم بالنصيحة لهم، وبيان الحق لهم، وبيان أنّ ما هم عليه طريقٌ خاطئ، لا طريقة
الإخوان ولا طريقة التبليغ، فطريقة الإخوان طريقة الخوارج، وطريقة التبليغ طريقة المتصوفة،
فلا طريقة هؤلاء ولا طريقة هؤلاء صحيحة، فعليك أن تبيّن لهم إن كان عندك من العلم ما
يكفي أن تبين لهم البدع التي عندهم وهي موجودة في كتبهم ولله الحمد، وقد كفانا العلماء
قد كتبوا في الرد عليهم وبيان ما عندهم من المخالفات فاقرأ هذه الكتب وانصح لهم .
السؤال:
تبقى لهم الحقوق السّتة من السّلام واتباع الجنائز، فهل هذا صحيح؟
الجواب:
أقول: السّلام حق للمسلم على المسلم، وإذا سلّم عليك أصبح واجبًا الرد، إلا في حال إذا
أردت بيان حاله للناس حتى يحذروا ما هو عليه، إذا كان لك تأثير في الناس إذا رأوْك صنعت
ما صنعت فانزجروا فنعم، فحينئذٍ لا تُسلّم عليهم لأن في ذلك مصلحة شرعية عظيمة جدًا ألا
وهي زجر الناس عن ارتكاب البدعة التي ارتكبوها، وهجر أهل الأهواء والبدع على التأبيد
حتى يتوبوا، قد نقل على هذا الإجماع علماء السنة - رحمهم الله تعالى-، كالبغوي وابن عبد
البر وغيرهم، أما إذا كانت بدعتهم غليظة مكفرة كالجهمية فلا يرد عليهم السلام، بل ولا
يُجابوا إن سلموا مثلهم الروافض فما قال أحمد -رحمه الله- حينما سُئل عن من كان له جار
رافضي يسلم عليه، قال لا ولا ترد عليه إن سلمَ، والرد أوجب من الابتداء، فإن الابتداء سنة
والرد واجب، فمن كانت بدعتهم كهؤلاء فلا يرد عليهم، نعم .
السؤال:
وهذا يقول فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته.
هل يبيع أصحاب معارض السيارات بشراء سيارة بثمنٍ مؤجل، ثم شراء المعرض السيارة من
صاحبها بأقل من ذلك، هل هذا البيع من العينة؟
الجواب:
إن بعتها على صاحب المعرض، فنعم .
كأن يبيعها عليك بستين ألفا ويشتريها منك بخمس وخمسين ألفا، ويدفع لك خمس وخمسين
ألفا، وأنت تسدده كم ستين ألفا، فهذه الخمسة آلاف فارق ربا، فهي دراهم بدراهم بينها
سيارة، سيارة في الظاهر، وإلا في الحقيقة أقرضك دراهم بدراهم أقرضك ستين وأعطاك
خمس وخمسين وأنت تعيدها بعد ذلك ستين، نعم .
السؤال:
هذا يقول :
يقول بعض طلبة العلم، أننا حين نتكلم عن الجماعات المنحرفة فإنا نتكلم عن أصولها
وانحرافها ولا نتكلم أو نقصد الأفراد، فإن أفرادها متفاوتون منهم الجاهل ومنهم المتأوِّل
ومنهم الخبيث والمقصود هو الجماعات .
الجواب:
لاشك، الكلام هذا صحيح حينما نتكلم بالحكم العام نتكلم على الجماعة، وأما أصحابها
المنتمون إليها عمومًا يحكم عليهم بالبدعة، لكن عند التفصيل، وجود هذه الأصناف لابد أن
تبين للإنسان هذه الجماعة وما هي عليه هل أنت تعلمها، هي على كذا وعلى كذا وعلى
كذا، فإن بقيَّ على ذلك، فإنه ما المانع حينئذٍ من تبديعه، وقد علم البدع التي عندهم،
وأعلمته بها، وأوقفته عليها ونقلتها له من كتبهم وبقي بعد ذلك لا شك أنه منهم نعم ، وإذا
دافع عنهم فهذا أكثر وأكثر منهم، وإذا اعتذر لهم فهو منهم، لاشك ولا ريب .
السؤال:
هذا يقول :
هل يجوز لامرأة كبيرة في السن هي من القواعد أن تذهب مع السائق لقضاء بعض الحوائج
وتسافر معه؟
الجواب:
لا يجوز، أن تخلو بهِ، السائق ما هو محرم وكانت كبيرة في السن فإن الكبيرة في السن الله -
جل وعلا- أباح لها وضع شيءٍ من اللباس عنها والستر، ألا وهو تغطية الوجه، قال - جل
وعلا-: ﴿والْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ
غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾
فسرها ابن عباس - رضي الله عنهما- بتغطية الوجه ونحو ذلك، فمثل هذا عُفيَّ عنها لأنها لا
رغبة لها في النكاح ولا يرغبها الخُطاب حينئذٍ نعم لا بأس ، أما أن تسافر تذهب معه هذا لا
يجوز بحال من الأحوال لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: ))لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ((
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، جزاكم الله خيرا ، ما حكم الصلاة في مسجد يكون
داخل سور المسجد قبرًا ليس داخل المسجد ، سؤالي ما حكم الصلاة في مسجدٍ يأتيه الكفار
للتصوير؟
الجواب:
أمّا السّؤال الاوّل: وهو الصّلاة في مسجد يكون فيه قبرٌ لا يجوز أمّا إذا فُصل هذا الجزء منه
ويكون مستقلا لا علاقة له به فنعم يجوز ، أما إذا كان هذا القبر داخل سور المسجد فلا شك
أنّه لا تصِحّ الصّلاة فيه ، لأنّ وقت الحاجة وقت الزِّحام سيصلّي النّاس أين؟ سيصلّي النّاس
داخل السور في فنائه فحينئذ فهو مسجد والحكم واحد سواء بُني عليه مثل هذا البناء أو بقي
مُسَورًا خارج البناء المظلل ، لكن نقول إن كان المسجد أولا فيجب أن يُخرج هذا القبر منه ،
وإن كان القبر أولًا فيجب أن يُهدم هذا المسجد وينظر إلى مكان آخرٌ ويبنى فيه المسجد
والصّلاة فيه غير صحيحة والنبي - صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن ذلك لقوله: ))فَلا
تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ(( ومطلع الحديث ))لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ألا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ
ذَلِكَ(( فلا يجوز أن يُصَلّى في هذا المسجد الذي على هذا النحو وإذ صُلي فالصلاة غير
صحيحة.
وأمّا الصلاة في مسجد يأتيه الكفار للتّصوير ما دام ما في هذا المسجد مانع من قبر ونحوه فإنّه
لا بأس من الصّلاة فيه لكن يُمنع الكفّار من أن يدخلوه للتصوير،هذه المساجد إنّما بُنيت كما
قال النبي - صلى الله عليه وسلم –))للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن(( لا يصلح فيها شيءٌ
من الأذى ، والتّصوير أذى حرّمه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولعن أهله ، وأنا
أسأل هؤلاء الذين يقولون هذا ما هو تصوير ، أنتم أنفسكم تقولون عن هذا الذي يأتي )
مُصورٌ( إذًا فالعملية ما هي تصوير أَخرِجُوهاَ لنا من مادّة صَوَّرَ فتخرج خارج السُّور فنبحث
فيها فالمادَّة صَوّر يُصوِّرُ تَصوِيرا اسم الفاعل مُصَوِر وفعله تَصوير المصدر فأنتم إذا سألتم يقول
تَصوير، مُصوّر،إذًا إذَا كان هذا هو الاسم وهذا هو الفعل فكلام رسول الله - صلى اله عليه
وسلم - أوضَحُ ما يكونُ في هذا.
السؤال:
يقول ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه إغاثة اللّهفان من مصائد الشّيطان
الحِيَلُ في البيع ، فهل كل ما ذكره صحيح وضحوا لنا بارك الله فيكم؟
الجواب:
أنا ما أتذكّر ما الذي قاله لكنّ ضرب أمثلة كثيرة من التحايل في البيع ومنها التحايل على
الربا – رحمه الله تعالى - ذكر ذلك وكلامه صحيح أما بالتفصيل أنا لا أتذكره الآن ، لكن
إن رأيت أن تقرأه علينا لا بأس.
السؤال:
يقول امرأة اشتَرَت مصحفًا يُسمى مصحف القيام وتريد تبيع المصحف ؟
الجواب:
ما أعرف إيش مصحف القيام هذا ما هو؟ تعرفونه؟ على كل حال يجوز لها أن تبيع هذا
وهي إنّما تبيع الطبع وتَكلُفَة الطّباعةِ وتَكلفَة التَجليدِ وأمّا كلام الله - تبارك وتعالى هذا
معروف لا يباع.
السؤال:
يقول تعلمون الوضع في سوريا بارك الله فيكم وقد فوجئنا ببعض الشّباب الذين ينتمون إلى
المنهج السَّلفي أنّهم أيدوا المظاهرات ووضعوا لها بعض الحجج والشّبه عندما أنكرنا عليهم
وقلنا لهم أنّنا تكلّمنا مع الشّيخ صالح السّحيمي والرّجل فنَّد هذه الشّبهات ومنع المظاهرات
وقد قمنا بالتكلم معه؟
الجواب:
على كلّ حال الكلام طويل.
السؤال:
يقول هل يجوز لنا أن نطَلَبُ فَتوَى موقّعة من الشّيخ؟
الجواب:
يجوز لكم إذا كان يقتنع لو طلبتم له فتوى موقّعة من الشّيوخ يجوز ما المانع من طلب ذلك.
لكن الذي نُنبِّه عليه هو هذا الكلام في أوّل السّؤال وهو أنّ العلماء تكلّموا على المظاهرات
أيّها الأخ السّائل وبيّنوا ما فيها من الشّر ومن الضرر الذي يلحق بالمسلمين بسببها والحكّامُ
على صنفين:
الصنف الأول: حاكم لم يخرج من الإسلام فهذا لا يجوز الخروج عليه مهمَا عصى مهمَا ظَلَم
، مهمَا فسق هو في نفسه ، ما دام في دائرة الإسلام فلا يجوز الخروج عليه وعصيانه وفجوره
وظلمه عليه ، ونحن نستفيد من التفَافِ النّاس عليه تماسك المسلمين ووحدة صفّهم وصلاح
حياتهم وأمور معيشتهم ، وقيام أمور دينهم هذا كله يأتي بسبب وجود هؤلاء الحكّام ، أمن
السّبُل ، حماية الأعراض حماية الدّمَاء حماية الأموال قيام العبادات قيام الشّعائر ، هذا يحصل
بسَبب وجود الحكام وإن جاروا وظلموا فلا يجوز الخروج عليهم وإن جاروا وظلموا.
الصنف الثاني: وأما من كان كافرا فهذا يجوز الخروج عليه بشرط القدرة وبشرط عدم الضرر
الذي يترتّب على إزالته ، إذا ترتّب على إزالته ضرر أكبر فهذا لا يجوز لأنّ في هذا تحصل
الفِتَن تراق الدماء تُسفك الدّماء ، تُقطع الطّرق ، يَخاف النّاس تُنتهك الأعراض
تُنتهك الحُرمات كما هو حال المسلمين اليوم ، كما قلنا هذا مرارا فمِثل هذا السّؤال الذي
يذكره الأخ السّائل إنّما منع العلماء منه لأجل هذا ولا يشك أحد في كفر النُصيرية أبدًا
وهكذا صاحب ليبيا حينما تكلّمنا وقلنا وتكلّم غيرنا إنّما الكلام عليه من باب دفع الشّرور
التي نزلت ببلدان المسلمين ونراها لا تزال إلى الآن.
فمِثل هذا إن ترتّب على إزالته ضرر عظيم ، والواجب عليهم أن يصبروا حتى يفتح الله -
تبارك وتعالى - وهو خير الفاتحين، ما هو يأتِيَ آتٍ يقول هؤلاء يُدافعون عن الكفّار
ويُدافعون عن الفجّار ويُدافعون عن الظّلمة هذا الكلام غير صحيح ، والكلام العاطفي غير
صحيح ما يقبل، لكن كلام أهل العلم المبنيُّ على الأدلّةِ هو الذي يقبل فالنّبيّ - صلّى الله عليه
وسلّم - نهانا عن الخروج على الحكّامِ المسلمين ما داموا مسلمين وإن جاروا وظلموا وإن
ضربوا الظهر وأخذوا المال ، وأما من ليس مسلما فالعلماء قد بيّنوا أنّ الخروج عليه يجوز
يشرط القدرة وعدم وجود ضرر أكثر ممّا هو موجود بوُجُودهِ.
والله أعلم وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.__

الرابط http://ar.miraath.net/search/node/%D...B9%D8%A7%D9%86

الجوهرة
03-19-2018, 05:45 PM
لمزيد من الفائدة في هذا الموضوع يرجى الاطلاع على موقع الامام الاجري رحمه الله


http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=36225&p=108776#post108776