المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحذير من البخل والشح والحث على أداء الزكاة - الحث على الإنفاق والتحذير من الربا


محمد الفاريابي
10-01-2011, 02:56 AM
العلامة الفاضل محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله الذي أنعم علينا بالأموال، وأباحَ لنا التكسّب بها عن طريقٍ حلال، وشرَعَ لنا تصريفها فيما يرضي الكبير المتعال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الإنعام والإفضال، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أزهد الناس في الدنيا وأكرمهم في بذلها على الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة المال الذي حباكم الله به وخوَّلكم إياه، وأدُّوا ما أوجب الله عليكم فيها؛ فإن الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا ولا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًّا، ثم يسَّر لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسبانكم، فقوموا - أيها المسلمون - بشكره وأدّوا ما أوجب عليكم لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم، واحذروا الشح والبخل بِما أوجب الله عليكم؛ فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم .
أَلا وإن من أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35] .
إن الكنز هو: المال الذي لا تؤدّى زكاته ولو كان على رأس جبل، وإن المال الذي تؤدّى زكاته ليس بكنز ولو كان في جوف الأرض؛ ولهذا قالت أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت تلبس أوضاحًا من ذهب تتزيَّن بها للرسول صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله، أَكَنْزٌ هو ؟ قال: «إذا أدّيتِ زكاته فليس بكنز»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الآية الأولى آية آل عمران: «مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّلَ له شجاعًا أقرع» وهو الحيَّة الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمِّها «مُثِّلَ له شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة يأخذ بلهزمَّتيه - يعني: شدقيه - يقول: أنا مالك، أنا كنزك»، وقال صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية الثانية آية براءة: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صفَّحت له صفائح من نار فأُحمي عليها في نار جهنم فيكْوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلّما بردت أُعيدت في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد» .
أيها المسلمون، إنه واللهِ لا يُحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا إنما يُحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلّها فضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا .
أيها المسلمون، إنه لا يُحمى على الذهب والفضة وهي من ذهب وفضة ولكنها تكون قطعًا من النار فتُحمى في النار فتزداد بذلك حرارة إلى حرارتها .
أيها المسلمون، إنه إذا أُحمي عليها لا يكوى بها طرف من الجسم متطرّف وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية: الجِبَاهُ من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف .
أيها المسلمون، إنه إذا كُوِيَ بها الجسم لا تُترك حتى تبرد وتزول حرارتها ولكنها كلّما بردت أُعيدت فأُحميت .
أيها المسلمون، إن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة ولكنه في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة .
فيا عباد الله، يا مَن آمنوا بالله ورسوله، يا مَن صدّقوا بالقرآن وصدّقوا بالسنَّة، ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها وما فائدتها ؟
إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم؛ إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا فكيف تصبرون على نار جهنم ؟
فاتّقوا الله - عباد الله - وأدّوا الزكاة طيِّبة بها نفوسكم، واعلموا أنكم إذا أدَّيتموها سلمتم من إثمها وربحتم في غُنْمها، قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال» .
أيها المسلمون، إن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت سواء كانت جنيهات وريالات، أم قطعًا من الذهب والفضة، أم حليًّا من الذهب والفضة للبس، أو للبيع أو للتأجير، فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنَّة بوجوب الزكاة فيهما عمومًا بدون تفصيل، وجاءت نصوص من السنَّة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي، منهما: عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - «أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسَكَتان غليظتان من ذهب - يعني: سِوارين - فقال: أتُعطين زكاة هذا ؟ قالت: لا، قال: أَيَسُرُّكِ أن يسوِّرك الله بهما يوم القيامة سِوارين من نار ؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت: هما لله ورسوله» .
قال الحافظ بن حجر - رحمه الله - شارح البخاري، قال في «بلوغ المرام»: رواه الثلاثة وإسناده قوي، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز وفَّقه الله: إن إسناد هذا الحديث صحيح .
لكن لا تجب الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغا نصابًا، فنصاب الذهب خمسة وثمانون جرامًا وما دون ذلك لا زكاة فيه إلا أن يكون للتجارة، ونصاب الفضة وزن ستة وخمسون ريالاً سعوديًّا فما دون ذلك لا زكاة فيه، أما مقدار الزكاة في الذهب والفضة وكذلك في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً سعوديًّا، زكاة هذه الثلاثة ربع العشر وذلك بأن تَقسم ما عندك من المال على أربعين فالحاصل بالقسمة هي الزكاة، فإذا كان عندك أربعون ألف مثلاً اقسمها على الأربعين يكن الحاصل ألفًا، هذه هي الزكاة .
وإذا كان عندك ثمانون ألفًا اقسمها على أربعين يخرج ألفين هذه هي الزكاة؛ وعلى هذا فقِسْ، فاقسموا كل ما عندكم على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة .
وتجب الزكاة في الديون التي للإنسان وهي: الأطلابُ التي له على الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية وبلغت نصابًا بنفسها أو بضمِّها إلى ما عنده من جنسها سواء كانت حالَّة أو مؤجّلة فيزكِّيها كل سنة إن كانت على غنيٍّ لكن إن شاء أدَّى زكاتها قبل قبضها مع ماله وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيُزكِّيها لكل ما مضى، أما إن كانت على فقير فلا زكاة على مَن هي له حتى يقبضها ويزكيها سنة واحدة عمَّا مضى؛ لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم .
وتجب الزكاة أيضًا في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا بنفسها أو بضمِّها إلى ما عنده من الدراهم، وعروض التجارة هي: كُلُّ مال أعدَّه مالكه للبيع تكسُّبًا وانتظارًا للربح من عقار، وأثاث، ومواشٍ، وسيارات، ومكائن، وأطعمة، وأقمشة وغيرها، فتجب عليه الزكاة فيها وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تَمَّ الحوْلُ وجب عليه أن يقوِّم ما عنده من العروض - أي: يُثمِّنها - ويُخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت القيمة مثل الثمن أم أقل أم أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً وكانت تساوي عند وجوب الزكاة ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تساوي إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة، وإذا كان لا يعلم هل تزيد قيمتها على ثمنها أم تنقص - يعنى: لا يعلم هل تربّح أو تخسّر - فإنه يزكِّي رأس المال؛ لأنه متيقّن والربح والخسران مشكوكٌ فيه .
ولا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، فلو تلف المال قبل تمام الحول أو نقص عن النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول فلا زكاة عليه ولا على الورثة، فلو ورث الشخص مالاً فلا زكاة فيه عليه حتى يحول عليه الحول، ويُستثنى من ذلك ربح التجارة ففيه الزكاة إذا تَمَّ حول رأس المال وإن لم يتم الحول على الربح، ويُستثنى من ذلك عروض التجارة؛ فإن حولها حول عوضها إذا كان نقدًا أو عروضًا، فإذا كان عند الإنسان دراهم يتمُّ حولها في رمضان فاشترى بها في شعبان مثلاً شيئًا للتكسُّب والتجارة فإنه يزكِّيه في رمضان وإن كان لم يمضِ عليه إلا شهرٌ واحدٌ، ولا يجوز أن يؤجِّل زكاته إلى شعبان من السنة الثانية ويُستثنى أيضًا من ذلك الأجرة؛ فإن زكاتها تجب وقت قبضها إذا كان قد مضى على عقد الإيجار حَوْل .
وإذا كان الشخص يملك المال شيئًا فشيئًا كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه ملاحظة ذلك لكونه يجمع هذا جميعًا فإنه يزكِّي الجميع في شهر واحد من السنة كل عام، فما تَمَّ حوْلُه فقد زكِّى في وقته وما لم يتم حوله فقد عجّلت زكاته، ولا يضر تعجيل الزكاة وهذه الطريقة أريح وأسْلم من الاضطراب .
وإذا كان للإنسان عقارٌ يسكنه أو سيارة يركبها أو مكينةٌ لفلاحته فلا زكاة عليه في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة»، وإذا كان له عقارٌ يؤجره أو سيارة يكدّها في أجرة أو معدات يؤجّرها فلا زكاة عليه فيها وإنما الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة .
وإذا كان للإنسان أرضٌ يريد أن يبني عليها مسكنًا له أو يبني عليها بناءً للأجرة فلا زكاة عليه فيها، وكذلك إذا أبقاها للحاجة يقول: إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة عليه فيها، وكذلك مَن حصل على أرض من الدولة وهو في غنًى عنها وأراد أن يبيعها فإنه لا زكاة عليه فيها .
أيها المسلمون، إن الزكاة لا تنفع ولا تبرأ منها الذمة حتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه، مثل: ذوي الحاجة من الفقراء، والمساكين، والغارمين وهم: الذين عليهم أطلاب لا يستطيعون وفاءها، فلا تحِلّ الزكاة لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسب، وإذا أعطيتها شخصًا يغلب على ظنك أنه مستحق فتبيَّن فيما بعد أنه غير مستحق أجزأت عنك والإثم عليه؛ حيث أخذ ما لا يستحق، وإذا كان الشخص مطلوبًا وليس عنده ما يوفي به وخِفْت إن أعطيته شيئًا يوفي به أن يفسّده فإنك تذهب إلى الذي يطلبه وتعطيه أنت بنفسك وتبرأ بذلك ذمتك، ويجوز بل يُستحب أن تدفع الزكاة إلى أقاربك الذين لا نفقة لهم عليك إذا كانوا مستحقِّين لها، ويجوز أن تدفعها لشخص محتاج للزواج إذا لم يكن عنده ما يتزوّج به، ولا يُقضى بالزكاة دَيْن على ميت، ولا يُسقط بها دَيْن على مُعسر، ولا تُصرف عن واجب سواها، هذه ثلاثة ضوابط:
أما الأول: فإذا مات شخص فقير وعليه دَيْن فإنه لا يجوز أن يُقضى دينه من الزكاة.
وأما الثانية: فإذا كنت تطلب إنسانًا فقيرًا مالاً وأردت أن تسقطه عنه وتحسبه من الزكاة فإن ذلك لا يجزئ عنك .
وأما الثالث: فلا تصرف عن واجب سواها، فمعناه: أنه إذا وجبت عليك نفقة شخص فقير فلا يجوز أن تدفع الزكاة في هذه النفقة .
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم علْمًا نافعًا وعملاً صالِحًا، وأن يوفّقنا جميعًا لأداء ما يجب علينا من مال وعمل على الوجه الذي يرضاه عنَّا، ونسأله تعالى أن يزيدنا من فضله ما نزداد منه قربةً إليه؛ إنه جوادٌ كريم .
والحمدُ لله رب العالمين، وأصلي وأسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله الغفور الرحيم، شديد العقاب لِمَن عصاه بالعذاب الأليم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الجواد الكريم، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله الذي دعا إلى ربه على صراط مستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، فإن الله تعالى يذكر الإنفاق في سبيله ثم يذكر أحيانًا بعده آيات الربا؛ ليُعرف الفرق بين المحسنين والمسيئين، بين الذين يريدون الخير والذين يريدون الشر لأنفسهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 277-278]، وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: 39] .
فذكر الله الربا وذكر الزكاة، المزكي مُحسنٌ متصدق مبرئ لذمته سالِم من تبعات ماله، والمرابي ظالم جائر خاسر في الدنيا والآخرة عليه لعنة الله والعياذ بالله،«لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا ومُوكِله وشاهديه وكاتبه وقال: هم سواء»؛ أي: سواء في اللعنة وهي: الطرد والإبعاد عن رحمة الله .
وإنْ تعجب فعجبٌ لبعض الناس في هذا الشهر المبارك شهر الخير والبركات، شهر الصدقات والزكوات، شهر الإحسان والجود، عجبٌ لهم يرابون بل يأكلون الربا أضعافًا مضاعفة .
حُدِّثت عن رجل ديِّن - كما يقولون - رجلاً آخر ستة آلاف ولكن الآخر كان معسرًا، فماذا يصنع به هذا الجشع الجاهل الظالِم ؟
كان - والعياذ بالله - إذا تَمَّت السنة أضاف إلى ما عنده ما يسمّونه بالمعاسرة حتى تراكمت الديون على هذا الفقير .
وإني أقول لهذا الرجل: تبًّا لك يا هذا الرجل، وقد حاربت الله - عزَّ وجل - وحاربت رسوله؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 278-279]، تبًّا لك أيها الخاسر؛ فإن ما آتيت من ربا فإنه لا يربو عند الله، لا يزيد ولا يتضاعف وإنما هو خسران عليك في الدنيا والآخرة، تُبتلى بمرض الجشع والطمع، وهذا هو الواقع لأولئك المرابين، لا يشبعون أبدًا ولو ملأت بطونهم من كثبان الرمل والعياذ بالله .
تبًّا لك أيها الخاسر، أيها المرابي، لقد استحققت بهذا الربا لعنة الله؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه .
تبًّا لك أيها الخاسر، لقد عدلت بنفسك عن صراط الله المستقيم إلى صراط أصحاب الجحيم، إلى صراط اليهود الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿إِنَّهُمْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: 42]، وقال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: 155]، إلى أن قال: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 161] .
إنك - أيها المرابي - نزلت بنفسك أن تكون من أصحاب اليمين إلى أن تكون مع اليهود والعياذ بالله .
أيها المرابي، اتقِ الله عزَّ وجل، إن هذا المال الذي تكدِّسه ربما تنتقل عنه في لحظة من اللحظات، ربما تُصبح ولا تمسي أو تمسي ولا تصبح فيبقى لغيرك غُنْمه وعليك غرمه، اتقِ الله في نفسك، استحِ من الله - عزَّ وجل - واستحِ من خلقه؛ إن هذا العمل الذي عملته ورابيت إني أقول لك من على هذا المنبر إن كنت تسمع وإلا فأرجو أن يبلغك ما أقول: إنه لا يحل لك شيء من هذا الربا، وإنك إن كنت صادقًا في التوبة إلى الله فإنه لا يحل لك إلا رأس مالك ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 279] .
إنني أرجو من الله - عزَّ وجل - أن يكون في إخواننا المسلمين مَن يتّعظون بما يسمعون؛ حتى لا تقوم عليهم الحجة؛ فإن القرآن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حجة لك أو عليك» .
اتّقوا الله - أيها المسلمون - وتناصحوا فيما بينكم، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وإذا رأيتم مَن يفعل ذلك فانصحوه وخوِّفوه اللهَ عزَّ وجل، ولا تشهدوا له بشيء من ذلك؛ فإنكم إن شهدتم على الربا دخلتم في لعنة الله .
اللهم إني أسألك أن تُنقذ إخواننا المسلمين مِمّا تورطوا فيه من هذا الربا، اللهم إني أسألك أن تجنب بلادنا الربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنب ذلك بلادنا وبلاد جميع المسلمين يا رب العالمين .
واعلموا - أيها المسلمون - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56] .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عنَّا معهم بِمنِّك وكرمك يا رب العالمين .
عباد الله، إن بعض الناس الذين يصلّون التراويح إذا قاموا إلى ثالثة سهوًا ثم ذُكِّروا لا يرجعون، وقد قال أهل العلم: إن الإنسان إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر فإن لم يرجع بطلت صلاته، وقالوا: إن الإنسان إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل ومنها التراويح فإنها تبطل صلاته؛ كما لو قام إلى ثالثة في الفجر، فالذي يجب إذا قام الإنسان في صلاة التراويح إلى ركعة ثالثة ثم نَبَّهَهُ الجماعة أن يرجع ويقرأ التشهد ثم يسلّم ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلّم ولا يكمّلها أربعًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى» .
أما الوتر فإنه لا بأس أن يصلي الإنسان وترًا إذا أوتر بثلاث، لا بأس أن يصليها فردًا بتشهّد واحد وتسليم واحد، كما أنه لا بأس أن يصلّيها بتشهّدَين وتسليمتين .
وبهذه المناسبة أودُّ أن أُنَبِّهَ إلى أن ما اشتهر عند الناس من قولهم الشفع والوتر لا يراد به أن الشفع صلاة غير الوتر، بل إن الشفع هي من الوتر؛ ولذلك إذا قمتم إلى الصلاة التي تسمّى الشفع انووا أنها وترًا؛ لأنها جزء من الوتر بثلاث .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .

محب الدعوة
10-01-2011, 09:53 AM
جزاك الله خيرا