الجوهرة
07-22-2018, 01:58 AM
حكم إهداء ثواب الأعمال للميت
اتفق أهل السنة والجماعة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين :
أحدهما : ما تسبب فيه الميت في حياته .
الثاني : أعمال البر الصالحة من الأحياء إذا علمت تقرب بها إلى الله وأهدي ثوابها للميت فإنها تصله إن شاء الله على خلاف بينهم في بعض العبادات (1) .
القول الأول :
أن كل قربة فعلها الإنسان وجعل ثوابها لمسلم ميت جاز ونفعه ثوابه .
وهو قول الإمام أحمد وأبي حنيفة وجماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم رحمهم الله (2) .
قالوا : الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه (3) .
القول الثاني :
أنه لا يصل للميت إلا ما نص الدليل على مشروعية إهدائه للميت وهي الدعاء والصدقة والحج والعمرة .
أما ما عداها فإنها لا تصل ولا يشرع عملها بنية الإهداء وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك رحمهما الله (4) .
أدلة الفرق الأول :
استدل الفريق الأول على وصول ثواب الدعاء والصدقة بقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به من بعده )(5) .
الدليل الثاني :
حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله : إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال : (نعم ) (6) .
الدليل الثالث :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرأن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟
قال حجي عنها أريت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) (7) .
الدليل الرابع :
حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )(8) .
وقد استثنى الأحناف من هذه العبادات الصيام وقالوا يطعم عن الميت ولا يصوم عنه وحجتهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة ) (9) .
قالوا : وقد أجمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت ولو كان من أجنبي ومن غير تركته وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة حيث ضمن الدينارين عن الميت فلما قضاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الآن بردت جلدته ) (10) .
وكل ذلك جار على قواعد الشرع وهو محض القياس فإن الثواب حق العامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية .
يوضحه أن الصوم كف النفس عن المفطرات بنية وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية (11) .
أدلة القول الثاني :
استدل أصحاب القول الثاني على وصول ثواب الدعاء والصدقة والحج بنفس أدلة الفريق الأول المتدمة .
قال الشافعي – رحمه الله –
ويلحق الميت من فعل غيره وعلمه ثلاث
حج يؤدى عنه
ومال يتصدق به عنه أو يقضى .
ودعاء ، فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت وإنما قلنا بهذا استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا وذلك الواجب دون التطوع ولا يحج أحد عن أحد تطوعا لأنه عمل على البدن فأما المال :
فإن الرجل يجب عليه فيما لله الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي غيره بأمره .
لأنه إنما أريد بالغرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن وإذا عمل بأمري على ما فرض الله في مالي فقد أدي الفرض عني .
وأما الدعاء : فإن الله ندب العباد إليه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم به فإذا أجاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله بركة ذلك مع أن الله واسع لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع ) (12) .
وقد فرق أصحاب هذا القول بين العبادات التي تصح فيها النيابة وهي العبادات المالية . وبين العبادات التي لا تصلح فيها النيابة وهي الأعمال البدنية فأجازوا الأعمال المالية لجواز النيابة فيها كذلك أجازوا العبادات التي ورد فيها النص ومنعوا ما سواها .
الراجح :
الراجح – والله أعلم – القول الثاني وهو قول الإمام الشافعي والإمام مالك ومن وافقهما ، وهو التوقف على ما ورد به النص ومنع ما عداها .
وسبب الترجيح :
أن الأصل في العبادات التوقف حتى يدل الدليل على مشروعيتها وقد دل الدليل على مشروعية البعض فوجب ترك ما سواه .
الثاني : أنه لم يسمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه أن قرأ أحد القرآن ثم أهدى ثوابه للميت ولو كان خيرا لسبقونا إليه وهم أعلم الناس بدين الله ورسوله .
الثالث : أن القياس على ما دل عليه الدليل من العبادات يفتح الباب أمام المبتدعة ليدخلوا في الله ما شاءوا .
الرابع : أن المبتدعة في هذا الزمان ابتدعوا بعض الأمور الباطلة كاستئجار المقرئين بقراءة القرآن ونحو ذلك من البدع التي تعمل عند الجنائز وبعد الموت بأوقات معلومة وقفل هذا الباب يفوت الفرصة على هؤلاء وأمثالهم .
الخامس : أن الناس في هذا الزمان إلا من رحمه الله نسوا العبادات المشروعة التي ورد في جواز إهدائها للميت دليل صحيح وتمسكوا بما لم يرد به الدليل فالنهي عن هذه الأمور يعيد الناس إلى السنة الثابته والله أعلم .
من كتاب (منهج الإمام الشافعي رحمه الله تعالى – في إثبات العقيدة )
للشيخ / محمد بن عبد الوهاب العقيل – حفظه الله تعالى .
المراجع
_______________
1-شرح العقيدة الطحاوية 452 .
2-المغني 2/567 والمجموع للنووي 15/521.
3-مجموع الفتاوي (24/309-325) .
4-شرح العقيدة الطحاوية 452. ، المجموع للنووي 15/521.
5-رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 3/1255.
6-رواه البخاري ومسلم .
7-صحيح البخاري .
8-رواه البخاري ومسلم .
9-راوه الطحاوي في مشكل الآثار عن بن عباس وإسناده صحيح . انظر: شرح الطحاوية 453.
10-رواه الحاكم في مستدركه (2/58) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وانظر أحكام الجنائز للألباني (16).
11-الطحاوية 455،454.المغني 2/567، الإنصاف 2/558.
اتفق أهل السنة والجماعة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين :
أحدهما : ما تسبب فيه الميت في حياته .
الثاني : أعمال البر الصالحة من الأحياء إذا علمت تقرب بها إلى الله وأهدي ثوابها للميت فإنها تصله إن شاء الله على خلاف بينهم في بعض العبادات (1) .
القول الأول :
أن كل قربة فعلها الإنسان وجعل ثوابها لمسلم ميت جاز ونفعه ثوابه .
وهو قول الإمام أحمد وأبي حنيفة وجماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم رحمهم الله (2) .
قالوا : الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه (3) .
القول الثاني :
أنه لا يصل للميت إلا ما نص الدليل على مشروعية إهدائه للميت وهي الدعاء والصدقة والحج والعمرة .
أما ما عداها فإنها لا تصل ولا يشرع عملها بنية الإهداء وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك رحمهما الله (4) .
أدلة الفرق الأول :
استدل الفريق الأول على وصول ثواب الدعاء والصدقة بقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به من بعده )(5) .
الدليل الثاني :
حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله : إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال : (نعم ) (6) .
الدليل الثالث :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرأن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟
قال حجي عنها أريت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) (7) .
الدليل الرابع :
حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )(8) .
وقد استثنى الأحناف من هذه العبادات الصيام وقالوا يطعم عن الميت ولا يصوم عنه وحجتهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة ) (9) .
قالوا : وقد أجمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت ولو كان من أجنبي ومن غير تركته وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة حيث ضمن الدينارين عن الميت فلما قضاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الآن بردت جلدته ) (10) .
وكل ذلك جار على قواعد الشرع وهو محض القياس فإن الثواب حق العامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية .
يوضحه أن الصوم كف النفس عن المفطرات بنية وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية (11) .
أدلة القول الثاني :
استدل أصحاب القول الثاني على وصول ثواب الدعاء والصدقة والحج بنفس أدلة الفريق الأول المتدمة .
قال الشافعي – رحمه الله –
ويلحق الميت من فعل غيره وعلمه ثلاث
حج يؤدى عنه
ومال يتصدق به عنه أو يقضى .
ودعاء ، فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت وإنما قلنا بهذا استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا وذلك الواجب دون التطوع ولا يحج أحد عن أحد تطوعا لأنه عمل على البدن فأما المال :
فإن الرجل يجب عليه فيما لله الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي غيره بأمره .
لأنه إنما أريد بالغرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن وإذا عمل بأمري على ما فرض الله في مالي فقد أدي الفرض عني .
وأما الدعاء : فإن الله ندب العباد إليه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم به فإذا أجاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله بركة ذلك مع أن الله واسع لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع ) (12) .
وقد فرق أصحاب هذا القول بين العبادات التي تصح فيها النيابة وهي العبادات المالية . وبين العبادات التي لا تصلح فيها النيابة وهي الأعمال البدنية فأجازوا الأعمال المالية لجواز النيابة فيها كذلك أجازوا العبادات التي ورد فيها النص ومنعوا ما سواها .
الراجح :
الراجح – والله أعلم – القول الثاني وهو قول الإمام الشافعي والإمام مالك ومن وافقهما ، وهو التوقف على ما ورد به النص ومنع ما عداها .
وسبب الترجيح :
أن الأصل في العبادات التوقف حتى يدل الدليل على مشروعيتها وقد دل الدليل على مشروعية البعض فوجب ترك ما سواه .
الثاني : أنه لم يسمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه أن قرأ أحد القرآن ثم أهدى ثوابه للميت ولو كان خيرا لسبقونا إليه وهم أعلم الناس بدين الله ورسوله .
الثالث : أن القياس على ما دل عليه الدليل من العبادات يفتح الباب أمام المبتدعة ليدخلوا في الله ما شاءوا .
الرابع : أن المبتدعة في هذا الزمان ابتدعوا بعض الأمور الباطلة كاستئجار المقرئين بقراءة القرآن ونحو ذلك من البدع التي تعمل عند الجنائز وبعد الموت بأوقات معلومة وقفل هذا الباب يفوت الفرصة على هؤلاء وأمثالهم .
الخامس : أن الناس في هذا الزمان إلا من رحمه الله نسوا العبادات المشروعة التي ورد في جواز إهدائها للميت دليل صحيح وتمسكوا بما لم يرد به الدليل فالنهي عن هذه الأمور يعيد الناس إلى السنة الثابته والله أعلم .
من كتاب (منهج الإمام الشافعي رحمه الله تعالى – في إثبات العقيدة )
للشيخ / محمد بن عبد الوهاب العقيل – حفظه الله تعالى .
المراجع
_______________
1-شرح العقيدة الطحاوية 452 .
2-المغني 2/567 والمجموع للنووي 15/521.
3-مجموع الفتاوي (24/309-325) .
4-شرح العقيدة الطحاوية 452. ، المجموع للنووي 15/521.
5-رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 3/1255.
6-رواه البخاري ومسلم .
7-صحيح البخاري .
8-رواه البخاري ومسلم .
9-راوه الطحاوي في مشكل الآثار عن بن عباس وإسناده صحيح . انظر: شرح الطحاوية 453.
10-رواه الحاكم في مستدركه (2/58) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وانظر أحكام الجنائز للألباني (16).
11-الطحاوية 455،454.المغني 2/567، الإنصاف 2/558.