الواثقة بالله
08-12-2018, 02:28 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
قال الشيخ الفاضل د. علي بن يحيى الحدادي حفظه الله تعالى:
(إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن) الحديث. ومن مات على الكفر فالجنة عليه حرام كما قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).
ومن مات على الكفر فلا تناله رحمة الله كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)؛ فرحمة الله الخاصة التي تنال بها مغفرة الذنوب وتكفير السيئات ودخول الجنة والنجاة من النار وشفاعة الشافعين لمن دخلها إنما تختص بمن مات على التوحيد وعدم الإشراك به كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ).
فكل من مات كافرًا أو مشركًا أو ملحدًا من باب أولى؛ فقد حَرَّم عليهم خالقهم وخالق الجنة دخولها، وأوجب عليهم خالقهم وخالق النار دخلوها أبد الآباد كما أخبر عباده بذلك في كتابه الذي أنزله إلى العباد مبشرًا أهل التوحيد بالجنة ومنذرًا أهل الكفر والشرك بالنار.
ولو قدر أن الكافر كان من أقرب الناس قرابة إلى أولياء الله وأخلائه وأحبائه ما نفعتهم القرابة فوالد الخليل إبراهيم عليه السلام مات مشركًا فحرّم الله على ابنه إبراهيم أن يستغفر لأبيه المشرك قال تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، وقال صلى الله عليه وسلم: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ ـــــــ من رحمة اللهـــــــ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ ...)" الحديث رواه البخاري.
وهكذا القرابة لا تنفع أبوي محمد صلى الله عليه وسلم لكونها ماتا على دين قومهما من الشرك بالله تعالى فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» رواه مسلم. و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي» رواه مسلم.
فلو كانت القرابة نافعة أحدًا من المشركين لنفعت والدي النبي صلى الله عليه وسلم ووالد إبراهيم وهما خليلا الرحمن عليهما الصلاة والسلام.
ولو كان المشرك الكافر في هذه الدنيا من أهل البر والصلة للأرحام والجود والإحسان إلى المساكين والفقراء أو كان ممن يتقرب إلى الله ببعض العبادات فتلك الأعمال لا تنفعه عنده الله يوم القيامة بل يجعلها الله هباء منثورًا بسبب كفرهم وشركهم قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).
وهكذا ما يقدمه بعض الكفار للبشرية من المخترعات التي تنفع الناس في أمور دنياهم هذا كله لا وزن له ولا قيمة له عند الله في الآخرة لأنه إن كان عمله الذي يريد به وجه الله لا ينفعه فكيف بالعمل الذي لا يريد به القربة إلى الله أصلاً وكيف بالملحد الذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً ولا يؤمن ببعث ولا نشور ولا جنة ولا نار لا أشك أنه أسوء حالاً من المشرك.
وإذا كان العمل الذي فيه نصرة لدين الله وحماية لدعاته من شرور أعدائه لا ينفع الكافر فكيف بالعمل الدنيوي البحت؟! فهذا أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم: رعى النبي صلى الله عليه وسلم، وكفله، وحاطه، وأحسن إليه من صغره وبعد النبوة، منع عنه أذى قريش، وتحمل في سبيل ذلك ما تحمل، وكان يقر بلسانه: بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والشهادة لدينه أنه خير الأديان، وأنه لولا المسبة لدخل فيه، ومع ذلك لما مات كافرًا؛ كان من أهل النار خالدًا مخلدًا فيها، لا يستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصلي عليه، وشفع له عند الله أن يخفف عنه من العذاب؛ فقبل الله شفاعته بالتخفيف لا بالإخراج منها؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» رواه مسلم وعن أبيه العباس رضي الله عنه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» متفق عليه.
فعلى المسلم أن يحذر من الصلاة على جنائز الكفار أو الترحم عليهم أو الاستغفار لهم متى تبين له كفرهم امتثالًا لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 84] وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
ولنتذكر أن أحكام الدين مبناها على الأدلة الشرعية وليس على العواطف والأهواء والمجاملات.
نسأل الله أن يحيينا أن يميتنا على التوحيد وأن يجعل إلى الجنة مصيرنا ومنقلبنا إنه هو الولي الحميد. أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبــــــــــــــة الثانيـــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا: أن بعضَ علماءِ السوء وأهلِ الأهواء وبعضَ الجهال يشيعون في الناس إباحة الاستغفار والترحم على من يموت على الكفر من يهود أو نصارى أو وثنيين أو حتى ملاحدة. بدعوى أن رحمة الله عامة، وبدعوى أننا لا نملك الجنة والنار، وبدعوى أنهم قدموا للإنسانية من الخدمات والمخترعات والمنجزات ونحو ذلك ما يستحقون به الرحمة، ومنهم من يزعم جواز الترحم عليهم دون الاستغفار بدعوى أن المنهي هو الاستغفار فقط.
وهذا كله من التلبيس، فقد تقدمت جملة من الأدلة تبين بطلان هذه الدعاوى، وأما التفريق بين الرحمة والاستغفار فهو تفريق لا عبرة به؛ لأن الرحمة العامة التي تكون في الدنيا ليست هي محل الدعاء بالرحمة بعد الموت؛ فالمراد بالرحمة بعد الموت الرحمة الخاصة التي تحصل بها مغفرة الذنوب والنجاة من العذاب وحصول النعيم وهذا قد أخبر الله أنه لا نصيب ولاحظ فيها لكافر كما تقدم في قوله تعالى: (فأولئك يئسوا من رحمتي) فكيف تدعو بما لا يكون؟! وكيف تطلب الرحمة التي المقصود منها المغفرة والتجاوز وأنت قد نهيت عن طلب المغفرة لهم في الآيات الصريحة الناهية عن الاستغفار لهم؟! وكيف تترحم عليهم بعد الموت ونبيك صلى الله عليه وسلم كان لا يدعو لهم بالرحمة في الحياة إنما يدعو لهم بالهداية والصلاح كما قال صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوسًا وائت بهم) متفق عليه وقال: (اللهم اهد ثقيفًا) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
وكان اليهود يتعاطسون عنده يرجون أن يقول يرحمكم الله فكان لا يترحم عليهم ولكن يقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم) أخرجه الترمذي وغيره.
وبتحريم الترحم على من ماتوا على الكفر والشرك وعبادة الأضرحة والأولياء أفتى أئمة أهل العلم في عصرنا منهم: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم من علماء المسلمين سلفًا وخلفًا قديمًا وحديثًا؛ فليحذر المسلمون والكُتاب في وسائل التواصل من إشاعة الترحم والاستغفار على الموتى من الكفار والمشركين والملاحدة.
ولا يظنن ظان أن هذا من الرحمة والإحسان وإظهار محاسن الإسلام، بل الرحمة والإحسان والاعتدال والترغيب في الإسلام إنما يكون بما دليل الدليل الشرعي أنه من الدين، والحُسْن الحقيقي للدين هو إظهاره بما هو عليه من الكمال والجمال سواء وافق هوى المخطابين أو خالفه.
فلنعتز بديننا ولتعظم ثقتنا به وأنه الحق الذي لا باطل فيه ولا دين أحسن منه بل لا دين مثله؛ فالحمد لله الذي فضلنا بالإسلام وهدانا إليه ونسأله الثبات عليه إلى يوم نلقاه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا اللهم كن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.) ا.هـ.
المصـــــــــــــــــدر من موقع الشيخ الرسمي حفظه الله تعالى
قال الشيخ الفاضل د. علي بن يحيى الحدادي حفظه الله تعالى:
(إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن) الحديث. ومن مات على الكفر فالجنة عليه حرام كما قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).
ومن مات على الكفر فلا تناله رحمة الله كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)؛ فرحمة الله الخاصة التي تنال بها مغفرة الذنوب وتكفير السيئات ودخول الجنة والنجاة من النار وشفاعة الشافعين لمن دخلها إنما تختص بمن مات على التوحيد وعدم الإشراك به كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ).
فكل من مات كافرًا أو مشركًا أو ملحدًا من باب أولى؛ فقد حَرَّم عليهم خالقهم وخالق الجنة دخولها، وأوجب عليهم خالقهم وخالق النار دخلوها أبد الآباد كما أخبر عباده بذلك في كتابه الذي أنزله إلى العباد مبشرًا أهل التوحيد بالجنة ومنذرًا أهل الكفر والشرك بالنار.
ولو قدر أن الكافر كان من أقرب الناس قرابة إلى أولياء الله وأخلائه وأحبائه ما نفعتهم القرابة فوالد الخليل إبراهيم عليه السلام مات مشركًا فحرّم الله على ابنه إبراهيم أن يستغفر لأبيه المشرك قال تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، وقال صلى الله عليه وسلم: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ ـــــــ من رحمة اللهـــــــ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ ...)" الحديث رواه البخاري.
وهكذا القرابة لا تنفع أبوي محمد صلى الله عليه وسلم لكونها ماتا على دين قومهما من الشرك بالله تعالى فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» رواه مسلم. و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي» رواه مسلم.
فلو كانت القرابة نافعة أحدًا من المشركين لنفعت والدي النبي صلى الله عليه وسلم ووالد إبراهيم وهما خليلا الرحمن عليهما الصلاة والسلام.
ولو كان المشرك الكافر في هذه الدنيا من أهل البر والصلة للأرحام والجود والإحسان إلى المساكين والفقراء أو كان ممن يتقرب إلى الله ببعض العبادات فتلك الأعمال لا تنفعه عنده الله يوم القيامة بل يجعلها الله هباء منثورًا بسبب كفرهم وشركهم قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).
وهكذا ما يقدمه بعض الكفار للبشرية من المخترعات التي تنفع الناس في أمور دنياهم هذا كله لا وزن له ولا قيمة له عند الله في الآخرة لأنه إن كان عمله الذي يريد به وجه الله لا ينفعه فكيف بالعمل الذي لا يريد به القربة إلى الله أصلاً وكيف بالملحد الذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً ولا يؤمن ببعث ولا نشور ولا جنة ولا نار لا أشك أنه أسوء حالاً من المشرك.
وإذا كان العمل الذي فيه نصرة لدين الله وحماية لدعاته من شرور أعدائه لا ينفع الكافر فكيف بالعمل الدنيوي البحت؟! فهذا أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم: رعى النبي صلى الله عليه وسلم، وكفله، وحاطه، وأحسن إليه من صغره وبعد النبوة، منع عنه أذى قريش، وتحمل في سبيل ذلك ما تحمل، وكان يقر بلسانه: بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والشهادة لدينه أنه خير الأديان، وأنه لولا المسبة لدخل فيه، ومع ذلك لما مات كافرًا؛ كان من أهل النار خالدًا مخلدًا فيها، لا يستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصلي عليه، وشفع له عند الله أن يخفف عنه من العذاب؛ فقبل الله شفاعته بالتخفيف لا بالإخراج منها؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» رواه مسلم وعن أبيه العباس رضي الله عنه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» متفق عليه.
فعلى المسلم أن يحذر من الصلاة على جنائز الكفار أو الترحم عليهم أو الاستغفار لهم متى تبين له كفرهم امتثالًا لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 84] وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
ولنتذكر أن أحكام الدين مبناها على الأدلة الشرعية وليس على العواطف والأهواء والمجاملات.
نسأل الله أن يحيينا أن يميتنا على التوحيد وأن يجعل إلى الجنة مصيرنا ومنقلبنا إنه هو الولي الحميد. أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبــــــــــــــة الثانيـــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا: أن بعضَ علماءِ السوء وأهلِ الأهواء وبعضَ الجهال يشيعون في الناس إباحة الاستغفار والترحم على من يموت على الكفر من يهود أو نصارى أو وثنيين أو حتى ملاحدة. بدعوى أن رحمة الله عامة، وبدعوى أننا لا نملك الجنة والنار، وبدعوى أنهم قدموا للإنسانية من الخدمات والمخترعات والمنجزات ونحو ذلك ما يستحقون به الرحمة، ومنهم من يزعم جواز الترحم عليهم دون الاستغفار بدعوى أن المنهي هو الاستغفار فقط.
وهذا كله من التلبيس، فقد تقدمت جملة من الأدلة تبين بطلان هذه الدعاوى، وأما التفريق بين الرحمة والاستغفار فهو تفريق لا عبرة به؛ لأن الرحمة العامة التي تكون في الدنيا ليست هي محل الدعاء بالرحمة بعد الموت؛ فالمراد بالرحمة بعد الموت الرحمة الخاصة التي تحصل بها مغفرة الذنوب والنجاة من العذاب وحصول النعيم وهذا قد أخبر الله أنه لا نصيب ولاحظ فيها لكافر كما تقدم في قوله تعالى: (فأولئك يئسوا من رحمتي) فكيف تدعو بما لا يكون؟! وكيف تطلب الرحمة التي المقصود منها المغفرة والتجاوز وأنت قد نهيت عن طلب المغفرة لهم في الآيات الصريحة الناهية عن الاستغفار لهم؟! وكيف تترحم عليهم بعد الموت ونبيك صلى الله عليه وسلم كان لا يدعو لهم بالرحمة في الحياة إنما يدعو لهم بالهداية والصلاح كما قال صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوسًا وائت بهم) متفق عليه وقال: (اللهم اهد ثقيفًا) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
وكان اليهود يتعاطسون عنده يرجون أن يقول يرحمكم الله فكان لا يترحم عليهم ولكن يقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم) أخرجه الترمذي وغيره.
وبتحريم الترحم على من ماتوا على الكفر والشرك وعبادة الأضرحة والأولياء أفتى أئمة أهل العلم في عصرنا منهم: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم من علماء المسلمين سلفًا وخلفًا قديمًا وحديثًا؛ فليحذر المسلمون والكُتاب في وسائل التواصل من إشاعة الترحم والاستغفار على الموتى من الكفار والمشركين والملاحدة.
ولا يظنن ظان أن هذا من الرحمة والإحسان وإظهار محاسن الإسلام، بل الرحمة والإحسان والاعتدال والترغيب في الإسلام إنما يكون بما دليل الدليل الشرعي أنه من الدين، والحُسْن الحقيقي للدين هو إظهاره بما هو عليه من الكمال والجمال سواء وافق هوى المخطابين أو خالفه.
فلنعتز بديننا ولتعظم ثقتنا به وأنه الحق الذي لا باطل فيه ولا دين أحسن منه بل لا دين مثله؛ فالحمد لله الذي فضلنا بالإسلام وهدانا إليه ونسأله الثبات عليه إلى يوم نلقاه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا اللهم كن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.) ا.هـ.
المصـــــــــــــــــدر من موقع الشيخ الرسمي حفظه الله تعالى