الواثقة بالله
10-09-2018, 01:09 AM
التوفيق لتحكيم شريعة الله من رحمة الله ونعمته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله -نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله- وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أشكر الله على ما منّ به علينا من هذا اللقاء لإخوة في الله، وهم أصحاب الفضيلة/ رؤساء المحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية، أسأل الله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركًا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يوفقنا جميعًا لما يرضيه، وأن يعيذنا جميعًا من أسباب غضبه وأليم عقابه، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته.
ثم أشكر الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور/ عبدالله بن محمد آل الشيخ، على جمع إخوانه ودعوتهم لهذه الندوة رؤساء المحاكم، وأسأل الله أن يجعله مباركًا، وأن يعينه على كل خير، وأن يغفر لوالده وأن يجعلنا وإياه في دار الكرامة.
أيها العلماء: إن من أعظم نعم الله على هذه الدولة وعلى هذه البلاد، أن وفق حكامها لتحكيم الشريعة من أول ما قامت الدعوة الإسلامية على يد الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وعلى يد الإمام/ محمد بن سعود رحمة الله عليه.
وإن من نعم الله العظيمة، أن وفق الله هذين الإمامين لتحكيم شريعة الله، والدعوة إلى سبيله، والعناية بتوجيه الناس لتوحيد الله، وبالإخلاص له، ومحاربة الشرك ووسائله وذرائعه، وتحكيم شريعة الله بين الناس في مدن هذه المملكة وقراها.. هذا من أعظم نعم الله العظيمة أن جمع الإمامان وأتباعهما وأنصارهما بين الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم، وتحذيرهم مما حرم الله عليهم من الشرك ووسائله وذرائعه، مع الحكم بينهم بما أنزل الله فيما يتنازعون فيه، وفيما يقع بينهم من المسائل التي تشتبه عليهم، وهذه من نعم الله العظيمة سابقًا ولاحقًا.
ثم تتابع ملوك هذه الدولة وحكامها على هذا الأمر العظيم، والسبيل القويم في تحكيم شريعة الله والدعوة إلى سبيل الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله وطاعته وتحذيرهم من الشرك بالله ومعصيته، والحكم بينهم بشرع الله، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ [المائدة:49]، وقال جل وعلا: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [النساء:58]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، وقال سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، ويقول جل وعلا: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].
فالحكم بما أنزل الله أهم الفرائض، ومن أعظم الواجب، ولا سبيل إلى استقامة العباد على طاعة الله وتوحيده، ولا سبيل إلى توحيدهم لله وقيامهم بحقه، ولا سبيل إلى إنصاف مظلومهم وظالمهم إلا بالله، ثم بحكم الشرع؛ بتحكيم القرآن والسنة على الصغير والكبير، وعلى الخاص والعام، وفي جميع الأمور.
ومن رحمة الله وإحسانه، أن وفق حكام هذه البلاد من عهد الإمام محمد إلى يومنا هذا إلى حكم خادم الحرمين الشريفين/ فهد بن عبدالعزيز إلى تحكيم شريعة الله، وإلزام الناس بذلك، وافتتاح المحاكم الشرعية، وتعيين القضاة والرؤساء، كل هذا من نعم الله العظيمة.
ونسأل الله أن يديم هذه النعمة، وأن يوفق المسئولين جميعًا لما يرضيه، وأن يعين رؤساء المحاكم والقضاة جميعًا، نسأل الله أن يعينهم على تحكيم شريعة الله والحكم بها، وأن يوفقهم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياهم هداة مهتدين، وصالحين ومصلحين حاكمين بشرع الله، متواصين بذلك، متعاونين عليه.
أيها الإخوة في الله: لا يخفى على الجميع شدة الضرورة إلى الحكم بشريعة الله، وأن هذا من أهم الواجبات على الدولة وعلى جميع المسلمين، وعلى العلماء بوجه أخص؛ لأن الضرورة ماسة إلى ذلك، والواجب يقضي بذلك، فالواجب على رؤساء المحاكم وعلى القضاة جميعًا أن يتقوا الله، وأن يستعينوا بالله في حل مشاكل المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله، والتواصي بهذا، والتعاون في هذا.
والواجب على القاضي وعلى رئيس المحكمة أن يتقي الله في كل شيء، وأن يجتهد لمعرفة الحكم بدليله، وينصح في ذلك، وأن يغار أينما كان، وأن يجتهد في إيصال الحكم والحق إلى أهله على ضوء الدليل، كما قال الله جل وعلا: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:49]، وقال جل وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى:10]. ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى عناية وجهاد، وبذل جهود كبيرة في معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، وفي إنصاف المظلوم من الظالم، وفي العناية بالخصمين والحكم بينهما بالعدل، والعناية بمعرفة ما لدى المدعي والمدعى عليه على وجه الطمأنينة والإنصاف، وتحري الحق، وانشراح الصدر حتى يسمع الحاكم ما لدى هذا وما لدى هذا، وحتى يحكم على بينة وعلى بصيرة؛ بينة شرعية، أو باليمين المطلوب من المدعي ومن المدعى عليه، أو بالدلائل الأخرى التي تعين على معرفة الحق والحكم به بين الناس عند فقد البينة.
المقصود أن الواجب على الحكام رؤساء وقضاة، الواجب عليهم العناية بهذا الأمر والحرص على إنصاف المظلوم من الظالم، والحرص على معرفة الأدلة الشرعية والحكم بها بين الناس، والحرص على قمع المفسدين والقضاء على أسباب الفساد، في كل وسيلة يرضاها الله ويبينها رسوله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الناس في أشد الحاجة إلى قمع المبطل ونصر الحق، ونصر المظلوم، والقضاء على الظالم، ولاسيما في هذا العصر، الذي اشتدت فيه غربة الإسلام وكثر فيه دعاة الباطل، وانتشرت فيه أنواع الإفساد في غالب المعمورة، واختلط الحابل بالنابل والظالم بالمظلوم، والمفسد بالمصلح والجاهل بالعالم.
فإن هذا العصر شديد الغربة شديد الاختلاط، شديد البلاء، إلا من عصم الله ووفقه، وإلا فإن الخطر عظيم، فالواجب على الدعاة إلى الله وعلى القضاة، وعلى الرؤساء ورؤساء المحاكم العناية العظيمة لمعرفة الحق بدليله، وإيصال الحق إلى أهله وردع الظالم عن ظلمه وإعانة كل صاحب حق على الحصول على حقه حسب طاقته والإمكان؛ يرجو ما عند الله ويخاف عقابه ، والواجب على المسئولين في الدولة العناية بتنفيذ الأحكام الشرعية، والتعاون مع القضاة في كل ما ينفع الناس ويصلحهم، وينفذ فيهم أحكام الله، وأن ذلك هو الطريق إلى أمن البلاد وإلى إنصاف المظلومين وإلى السلامة من كل شر، وهو أيضًا السبيل إلى نصر الله لعباده وتأييده لهم ورعايته لهم من شر الأعداء وخصوم الإسلام، فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم جميعًا وجميع الدعاة إليه وجميع العلماء في كل مكان، نسأل الله أن يوفق الجميع لمعرفة الحق واتباعه، كما أسأله سبحانه أن يمنحنا جميعًا الفقه في ديننا والثبات عليه، وأن يجعلنا جميعًا من أنصار دينه والدعاة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان في الخير والحق والهدى، وأن يمنحنا الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، نسأل الله أن يوفقهم جميعًا لما يرضيه وأن يعينهم على كل خير، وأن ينصر بهم الحق وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، كما أسأله أن يوفق جميع قضاتنا وجميع قضاة المسلمين وجميع رؤساء المحاكم.
نسأل الله أن يوفق الجميع إلى الحق واتباعه، والحكم بين الناس والصبر على ذلك والمصابرة، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه[1].
كلمة لسماحته في ندوة رؤساء المحاكم بالمملكة، ونشرت في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 7/ 11/ 1417هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 23/ 187).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله -نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله- وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أشكر الله على ما منّ به علينا من هذا اللقاء لإخوة في الله، وهم أصحاب الفضيلة/ رؤساء المحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية، أسأل الله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركًا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يوفقنا جميعًا لما يرضيه، وأن يعيذنا جميعًا من أسباب غضبه وأليم عقابه، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته.
ثم أشكر الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور/ عبدالله بن محمد آل الشيخ، على جمع إخوانه ودعوتهم لهذه الندوة رؤساء المحاكم، وأسأل الله أن يجعله مباركًا، وأن يعينه على كل خير، وأن يغفر لوالده وأن يجعلنا وإياه في دار الكرامة.
أيها العلماء: إن من أعظم نعم الله على هذه الدولة وعلى هذه البلاد، أن وفق حكامها لتحكيم الشريعة من أول ما قامت الدعوة الإسلامية على يد الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وعلى يد الإمام/ محمد بن سعود رحمة الله عليه.
وإن من نعم الله العظيمة، أن وفق الله هذين الإمامين لتحكيم شريعة الله، والدعوة إلى سبيله، والعناية بتوجيه الناس لتوحيد الله، وبالإخلاص له، ومحاربة الشرك ووسائله وذرائعه، وتحكيم شريعة الله بين الناس في مدن هذه المملكة وقراها.. هذا من أعظم نعم الله العظيمة أن جمع الإمامان وأتباعهما وأنصارهما بين الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم، وتحذيرهم مما حرم الله عليهم من الشرك ووسائله وذرائعه، مع الحكم بينهم بما أنزل الله فيما يتنازعون فيه، وفيما يقع بينهم من المسائل التي تشتبه عليهم، وهذه من نعم الله العظيمة سابقًا ولاحقًا.
ثم تتابع ملوك هذه الدولة وحكامها على هذا الأمر العظيم، والسبيل القويم في تحكيم شريعة الله والدعوة إلى سبيل الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله وطاعته وتحذيرهم من الشرك بالله ومعصيته، والحكم بينهم بشرع الله، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ [المائدة:49]، وقال جل وعلا: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [النساء:58]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، وقال سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، ويقول جل وعلا: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].
فالحكم بما أنزل الله أهم الفرائض، ومن أعظم الواجب، ولا سبيل إلى استقامة العباد على طاعة الله وتوحيده، ولا سبيل إلى توحيدهم لله وقيامهم بحقه، ولا سبيل إلى إنصاف مظلومهم وظالمهم إلا بالله، ثم بحكم الشرع؛ بتحكيم القرآن والسنة على الصغير والكبير، وعلى الخاص والعام، وفي جميع الأمور.
ومن رحمة الله وإحسانه، أن وفق حكام هذه البلاد من عهد الإمام محمد إلى يومنا هذا إلى حكم خادم الحرمين الشريفين/ فهد بن عبدالعزيز إلى تحكيم شريعة الله، وإلزام الناس بذلك، وافتتاح المحاكم الشرعية، وتعيين القضاة والرؤساء، كل هذا من نعم الله العظيمة.
ونسأل الله أن يديم هذه النعمة، وأن يوفق المسئولين جميعًا لما يرضيه، وأن يعين رؤساء المحاكم والقضاة جميعًا، نسأل الله أن يعينهم على تحكيم شريعة الله والحكم بها، وأن يوفقهم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياهم هداة مهتدين، وصالحين ومصلحين حاكمين بشرع الله، متواصين بذلك، متعاونين عليه.
أيها الإخوة في الله: لا يخفى على الجميع شدة الضرورة إلى الحكم بشريعة الله، وأن هذا من أهم الواجبات على الدولة وعلى جميع المسلمين، وعلى العلماء بوجه أخص؛ لأن الضرورة ماسة إلى ذلك، والواجب يقضي بذلك، فالواجب على رؤساء المحاكم وعلى القضاة جميعًا أن يتقوا الله، وأن يستعينوا بالله في حل مشاكل المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله، والتواصي بهذا، والتعاون في هذا.
والواجب على القاضي وعلى رئيس المحكمة أن يتقي الله في كل شيء، وأن يجتهد لمعرفة الحكم بدليله، وينصح في ذلك، وأن يغار أينما كان، وأن يجتهد في إيصال الحكم والحق إلى أهله على ضوء الدليل، كما قال الله جل وعلا: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:49]، وقال جل وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى:10]. ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى عناية وجهاد، وبذل جهود كبيرة في معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، وفي إنصاف المظلوم من الظالم، وفي العناية بالخصمين والحكم بينهما بالعدل، والعناية بمعرفة ما لدى المدعي والمدعى عليه على وجه الطمأنينة والإنصاف، وتحري الحق، وانشراح الصدر حتى يسمع الحاكم ما لدى هذا وما لدى هذا، وحتى يحكم على بينة وعلى بصيرة؛ بينة شرعية، أو باليمين المطلوب من المدعي ومن المدعى عليه، أو بالدلائل الأخرى التي تعين على معرفة الحق والحكم به بين الناس عند فقد البينة.
المقصود أن الواجب على الحكام رؤساء وقضاة، الواجب عليهم العناية بهذا الأمر والحرص على إنصاف المظلوم من الظالم، والحرص على معرفة الأدلة الشرعية والحكم بها بين الناس، والحرص على قمع المفسدين والقضاء على أسباب الفساد، في كل وسيلة يرضاها الله ويبينها رسوله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الناس في أشد الحاجة إلى قمع المبطل ونصر الحق، ونصر المظلوم، والقضاء على الظالم، ولاسيما في هذا العصر، الذي اشتدت فيه غربة الإسلام وكثر فيه دعاة الباطل، وانتشرت فيه أنواع الإفساد في غالب المعمورة، واختلط الحابل بالنابل والظالم بالمظلوم، والمفسد بالمصلح والجاهل بالعالم.
فإن هذا العصر شديد الغربة شديد الاختلاط، شديد البلاء، إلا من عصم الله ووفقه، وإلا فإن الخطر عظيم، فالواجب على الدعاة إلى الله وعلى القضاة، وعلى الرؤساء ورؤساء المحاكم العناية العظيمة لمعرفة الحق بدليله، وإيصال الحق إلى أهله وردع الظالم عن ظلمه وإعانة كل صاحب حق على الحصول على حقه حسب طاقته والإمكان؛ يرجو ما عند الله ويخاف عقابه ، والواجب على المسئولين في الدولة العناية بتنفيذ الأحكام الشرعية، والتعاون مع القضاة في كل ما ينفع الناس ويصلحهم، وينفذ فيهم أحكام الله، وأن ذلك هو الطريق إلى أمن البلاد وإلى إنصاف المظلومين وإلى السلامة من كل شر، وهو أيضًا السبيل إلى نصر الله لعباده وتأييده لهم ورعايته لهم من شر الأعداء وخصوم الإسلام، فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم جميعًا وجميع الدعاة إليه وجميع العلماء في كل مكان، نسأل الله أن يوفق الجميع لمعرفة الحق واتباعه، كما أسأله سبحانه أن يمنحنا جميعًا الفقه في ديننا والثبات عليه، وأن يجعلنا جميعًا من أنصار دينه والدعاة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان في الخير والحق والهدى، وأن يمنحنا الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، نسأل الله أن يوفقهم جميعًا لما يرضيه وأن يعينهم على كل خير، وأن ينصر بهم الحق وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، كما أسأله أن يوفق جميع قضاتنا وجميع قضاة المسلمين وجميع رؤساء المحاكم.
نسأل الله أن يوفق الجميع إلى الحق واتباعه، والحكم بين الناس والصبر على ذلك والمصابرة، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه[1].
كلمة لسماحته في ندوة رؤساء المحاكم بالمملكة، ونشرت في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 7/ 11/ 1417هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 23/ 187).