الواثقة بالله
03-26-2019, 01:20 AM
الفتوى رقم: ١١٩٠
الصنف: فتاوى القرآن وعلومه
في الأفضل في القراءة بين الجهر والإسرار
السؤال:
هل الأفضل ـ في قراءة القرآن أو غيرِه ـ الجهرُ بالقراءة أم الإخفاء؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالظاهر مِنْ أقوال أهل العلم هو التفريقُ بينهما في حالتين:
الأولى: أنَّ إسرار القراءة للقرآن وإخفاءَها أفضلُ في حقِّ مَنْ يخشى أَنْ يشوِّش على غيره بها؛ لحديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ؛ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»(١)؛ أو مَنْ يخاف على نفسه الرِّياءَ والعُجْب؛ إذ يأمن المُسِرُّ بالقراءة مِنَ الوقوع فيهما بخلاف المُعْلِن؛ فالقراءةُ في حالِ الإسرار ـ بهذا المعنى ـ أَشْبَهُ بصدقة السرِّ، وهي أفضلُ مِنْ صدقة العلانِيَة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ»(٢).
الثانية: أنَّ الجهر بالقراءة أفضلُ مِنَ الإسرار في حقِّ مَنْ لا يخاف الوقوعَ في المحظورات السابقة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ»(٣)، وغيرها مِنَ الأحاديث والآثار.
وبهذا الجمعِ قال القرطبيُّ المالكيُّ وبعضُ الشافعية(٤)، و«الجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيجِ»؛ لِمَا فيه مِنْ إعمالٍ لكُلِّ الأدلَّة، و«الإِعْمَالُ أَوْلَى مِنَ الإِهْمَالِ».
وحريٌّ بالتنبيه أنَّ المرأةَ شقيقةُ الرجل في الحكم كما ثَبَت ذلك في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»(٥)، غير أنه يمتنع عليها رفعُ صوتها بالتلاوة بحضرة الرجالِ الأجانب كما تمَّ بيانُه في فتوى سابقةٍ(٦).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٦ مِنَ المحرَّم ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ سـبتـمـبر ٢٠١٧م
(١) أخرجه أبو داود في «قيام الليل» بابٌ في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٣٢) مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٦٣٩).
(٢) أخرجه أبو داود في «قيام الليل» بابٌ في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٣٣)، والترمذيُّ في «فضائل القرآن» (٢٩١٩)، والنسائيُّ في «قيام الليل وتطوُّعِ النهار» بابُ فضلِ السرِّ على الجهر (١٦٦٣)، مِنْ حديثِ عقبة بنِ عامرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٠٥).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «التوحيد» بابُ قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ ٢٣﴾ [سبأ]، ولم يقل: ماذا خَلَق ربُّكم؟ (٧٤٨٢)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٩٢)، مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) انظر: «التذكار في أفضل الأذكار» للقرطبي (١٣٩)، «التبيان في آدابِ حَمَلة القرآن» للنووي (١٠٥)، «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (١/ ٢٨٧).
(٥) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في الرجل يجد البِلَّةَ في منامه (٢٣٦)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ فيمَنْ يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا (١١٣)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٩٨٣، ٢٣٣٣).
(٦) انظر الفتوى رقم: (٥٦٠) الموسومة ﺑ: «في تلاوة المرأة للقرآن على مدرِّسٍ أجنبيٍّ» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1190
الصنف: فتاوى القرآن وعلومه
في الأفضل في القراءة بين الجهر والإسرار
السؤال:
هل الأفضل ـ في قراءة القرآن أو غيرِه ـ الجهرُ بالقراءة أم الإخفاء؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالظاهر مِنْ أقوال أهل العلم هو التفريقُ بينهما في حالتين:
الأولى: أنَّ إسرار القراءة للقرآن وإخفاءَها أفضلُ في حقِّ مَنْ يخشى أَنْ يشوِّش على غيره بها؛ لحديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ؛ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»(١)؛ أو مَنْ يخاف على نفسه الرِّياءَ والعُجْب؛ إذ يأمن المُسِرُّ بالقراءة مِنَ الوقوع فيهما بخلاف المُعْلِن؛ فالقراءةُ في حالِ الإسرار ـ بهذا المعنى ـ أَشْبَهُ بصدقة السرِّ، وهي أفضلُ مِنْ صدقة العلانِيَة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ»(٢).
الثانية: أنَّ الجهر بالقراءة أفضلُ مِنَ الإسرار في حقِّ مَنْ لا يخاف الوقوعَ في المحظورات السابقة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ»(٣)، وغيرها مِنَ الأحاديث والآثار.
وبهذا الجمعِ قال القرطبيُّ المالكيُّ وبعضُ الشافعية(٤)، و«الجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيجِ»؛ لِمَا فيه مِنْ إعمالٍ لكُلِّ الأدلَّة، و«الإِعْمَالُ أَوْلَى مِنَ الإِهْمَالِ».
وحريٌّ بالتنبيه أنَّ المرأةَ شقيقةُ الرجل في الحكم كما ثَبَت ذلك في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»(٥)، غير أنه يمتنع عليها رفعُ صوتها بالتلاوة بحضرة الرجالِ الأجانب كما تمَّ بيانُه في فتوى سابقةٍ(٦).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٦ مِنَ المحرَّم ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ سـبتـمـبر ٢٠١٧م
(١) أخرجه أبو داود في «قيام الليل» بابٌ في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٣٢) مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٦٣٩).
(٢) أخرجه أبو داود في «قيام الليل» بابٌ في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٣٣)، والترمذيُّ في «فضائل القرآن» (٢٩١٩)، والنسائيُّ في «قيام الليل وتطوُّعِ النهار» بابُ فضلِ السرِّ على الجهر (١٦٦٣)، مِنْ حديثِ عقبة بنِ عامرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٠٥).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «التوحيد» بابُ قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ ٢٣﴾ [سبأ]، ولم يقل: ماذا خَلَق ربُّكم؟ (٧٤٨٢)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٩٢)، مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) انظر: «التذكار في أفضل الأذكار» للقرطبي (١٣٩)، «التبيان في آدابِ حَمَلة القرآن» للنووي (١٠٥)، «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (١/ ٢٨٧).
(٥) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في الرجل يجد البِلَّةَ في منامه (٢٣٦)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ فيمَنْ يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا (١١٣)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٩٨٣، ٢٣٣٣).
(٦) انظر الفتوى رقم: (٥٦٠) الموسومة ﺑ: «في تلاوة المرأة للقرآن على مدرِّسٍ أجنبيٍّ» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1190