المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإحتجاج بالقدر على فعل المعاصي شرح مفصل للشيخ العثيمين رحمه الله


الواثقة بالله
11-11-2011, 10:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

وقد احتجّ المشركون بالقدر على شركهم،كما قال الله عنهم: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام:148].
و: قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) [الأنعام:148] فلم تقبل منهم هذه الحجة، لأن الله تعالى جعل ذلك تكذيباً وجعل له عقوبة: (حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) .
فإن قال قائل: إن لدينا حديثاً أقرّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج
بالقدر،وهو أن آدم وموسى تحاجا -أي تخاصما- فقال موسى لآدم: أنت أبونا
خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة -لأن خروج آدم من الجنة من أجل أنه أكل من
الشجرة التي نُهِيَ عن الأكل منها -فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه
الله عليَّ قبل أ ن يخلقني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: حَجَّ آدَمُ
مُوْسَى مرتين أو ثلاثاً وفي لفظ:فَحَجَّهُ آدَمُ [44] يعني غلبه في الحجة.
هذا يتمسّك به من يحتجّ بالقدر على فعل المعاصي.

ولكن كيف المخرج من هذا والحديث في الصحيحين؟
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بجواب، وأجاب تلميذه ابن القيم - رحمه الله - بجواب آخر.

شيخ الإسلام قال: إن آدم عليه
الصلاة والسلام فعل الذنب، وصار ذنبه سبباً لخروجه من الجنة، لكنه تاب من
الذنب، وبعد توبته اجتباه الله وتاب عليه وهداه، والتائب من الذنب كمن
لاذنب له،ومن المحال أن موسى عليه الصلاة والسلام -وهو أحد أولي العزم من
الرسل- يلوم أباه على شيء تاب منه ثم اجتباه الله بعده وتاب عليه
وهداه،وإنما اللوم على المصيبة التي حصلت بفعله،وهي إخراج الناس ونفسه من
الجنة، فإن سبب هذا الإخراج هو معصية آدم، على أن آدم عليه الصلاة والسلام
لاشك أنه لم يفعل هذا ليخرج من الجنة حتى يلام، فكيف يلومه موسى؟
وهذا وجه ظاهر في أن موسى عليه السلام لم يرد لوم آدم على فعل المعصية،
إنما على المصيبة التي هي من قدر الله وحينئذ يتبين أنه لاحجة في الحديث
لمن يستدل على فعل المعاصي.
إذاً احتج على المصيبة وهي الإخراج من الجنة،ولهذا قال:أخرجتنا ونفسك من
الجنة ولم يقل: عصيت ربك، فهنا كلام موسى مع أبيه آدم على المصيبة التي
حصلت، وهي الإخراج من الجنة،وإن كان السبب هو فعل آدم. وقال رحمه الله:
اللوم على المصائب وعلى المعائب إن استمر الإنسان فيها.
أما تلميذه ابن القيم - رحمه الله - فأجاب
بجواب آخر قال: إن اللوم على فعل المعصية بعد التوبة منها غلط، وإن احتجاج
الإنسان بالقدر بعد التوبة من المعصية صحيح. فلو أن إنساناً شرب الخمر،
فجعلت تلومه وهو قد تاب توبة صحيحة وقال: هذا أمر مقدر عليَّ وإلا لست من
أهل شرب الخمر،وتجد عنده من الحزن والندم على المعصية، فهذا يقول ابن
القيم: لابأس به.
وأما الاحتجاج بالقدر الممنوع فهو: أن يحتج
بالقدر ليستمر على معصيته،كما فعل المشركون، أما إنسان يحتج بالقدر لدفع
اللوم عنه مع أن اللوم قد اندفع بتوبته فهذا لابأس به.
وهذا جواب واضح يتصوره الإنسان بقرب، وإن كان كلام شيخ الإسلام -
رحمه الله - أسد وأصوب، لكن لامانع بأن يُجاب بما أجاب به العلامة ابن
القيم .
وقال ابن القيم:نظير هذا أن النبي صلى
الله عليه وسلم حين طرق ابنته فاطمة وابن عمه عليَّاً رضي الله عنهما
ليلاً فوجدهما نائمين، فقال:أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟ فكأنه عاب عليهما، أي
لماذا لم تقوما لصلاة التهجّد فقال علي رضي الله عنه : يَا رَسُوْلَ اللهِ
إِنَّ أَنْفُسَنَا بِيَدِ اللهِ عزّ وجل فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا؛
بَعَثَنَا، فَخَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْرِبُ عَلَى
فَخِذِهِ وَيَقُوْلُ: وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلاً[45] لأن
عليّاً رضي الله عنه دافع عن نفسه بأمرٍ انتهى وانقضى.
ولو أن إنساناً فعل معصية وأردنا أن نقيم عليه العقوبة حدّاً أو تعزيراً
وقال: أنا مكتوب عليَّ هذا. ولنفرض أنه زنا وقلنا: اجلدوه مائة جلدة وغربوه
عاماً عن البلد، فقال: مهلاً، هذا شيء مكتوب عليَّ، أتنكرون هذا؟ فسنقول:
لاننكره، فيقول: لالوم عليّ، فنقول: ونحن سنجلدك ونقول هذا مكتوب علينا.
وذكر أن سارقاً رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر
بقطع يده، فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله،
وهذا جواب صحيح، فقال عمر: ونحن لا نقطعك إلا بقدر الله، فغلبه عمر رضي
الله عنه، بل نقول: إننا نقطع يده بقدر الله وشرع الله، فالسارق سرق بقدر
الله، لكن لم يسرق بشرع الله،ونحن نقطع يده بقدر الله وشرع الله، ولكن عمر
رضي الله عنه سكت عن مسألة الشرع من أجل أن يقابل هذا المحتج بمثل حجته.
فتبين الآن أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي باطل، والاحتجاج بالقدر على فوات المطلوب باطل أيضاً

شرح الشيخ العثيمين رحمه الله للأربعين النووية الحديث الثاني :

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ
جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ
طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ
الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا
أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ
رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ وَ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة،
وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ
اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ
يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ:
أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ
الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ:
فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ
تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا
بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها،
قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ
العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ
انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ
السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ
جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ)

كتبته اختنا ام امة الله في موقع سحاب الخير

بلقيس
11-15-2011, 07:35 PM
شكرا