المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اذكروا نعمة الله تعالى عليكم بدين الإسلام الذي هداكم له-الحث على التمسك بالإسلام ظاهرًا وباطنًا


سعيد
12-07-2011, 02:36 PM
الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين وقدوة للعاملين وحجّة على مَن أرسله إليهم أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتّقوا الله تعالى واذكروا نعمته عليكم بدين الإسلام الذي هداكم له وأَضَلَّ عنه كثيرًا من الناس، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: 116] .
إن نعمة الله علينا بالإسلام لا تماثلها نعمة: لا في البدن، ولا في العقل، ولا في المال، ولا في الترف، ولا في الأمن، ولا في غيرها من النّعم .
إن نعمة الله علينا بالإسلام نعمةٌ مستمرة في الدنيا والآخرة، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] .
أيها المسلمون، إن البصير إذا نظرَ إلى حال العالَم قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاسيما العرب وجدهم في حال مزرية: ديانات باطلة سوى بقايا من أهل الكتاب، مجتمعات متفككة، قبائل متناحرة يعبدون اللات والعزة ومناة ويستقسمون بالأزلام ويئدون البنات ويقتلون الأولاد خوفًا من الفقر، يُحكِّمون الكهّان ويتّخذون أربابًا من الأحبار والرهبان، يتفاخرون بالأنساب ويدْعون بدعوى الجاهلية، يُشعلون الحروب لأدنى سبب ويقطعون الطرق بالقتل والنهب والسلب، يشربون الخمور ويتعاملون بالربا والميسر وقول الزور، ﴿إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44] .
نظر الله تعالى إليهم فمقتهم - أي: أبغضهم أشد البغض - مقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فلمَّا اشتدت الحاجة بل الضرورة إلى نور الرسالة بعث الله تعالى خاتم النبيين محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إلى الناس كافة: عربهم وعجمهم، فأخرج الناس به من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد .
أمَرهم بعبادة الله وحده الذي خلقَ السماوات والأرض وخلقَهم ولَم يخلقوا أنفسهم، أمَرهم بعبادة هذا الواحد الأحد الصمد ونبذ الشرك وأوجبَ عليهم التحاكم إلى الله ورسولِه وأمرهم بالتآلف والمحبّة والاجتماع على الحق والإصلاح وأنْزَل عليه فيما أنزل ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: 123-127] .
أيها المسلمون المؤمنون بالله ورسوله، لقد ذكَّركم الله عزَّ وجل، ذكَّركم نعمته عليكم بهذا النبي الكريم في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، فاجتمع الناس على دينهم بعد الفرقة وتآلفوا بعد العداوة وتحابوا بعد البغضاء وفي ذلك يقول الله - عزَّ وجل - لنبيِّهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 62-63]، ويقول الله تعالى للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 102-103] .
أيها المسلمون، إن مَن تدبَّر حال الأمة الإسلامية في صدر الإسلام العظيم حين كانت ذاكرةً لهذه النعمة، ماشية على أمر الله، مُحكّمة لكتاب الله وسنّة رسوله، كانت أمة عظيمة واحدة مهيبة بين الأمم وكان لها الحظ الأوفر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نُصرت بالرعب مسيرة شهر»(1)، فكان أعداؤها - أي: أعداء الأمة الإسلامية - في رعبٍ منها وذعر، ملكت القلوب قبل البلاد واندكَّت عروش الجبابرة منها قبل الميعاد، فلمّا نسيت هذه الأمة نعمة الله عليها بهذا الدين وتقهقر الكثير عن أمر الله وحكَّموا عقول البشر وتركوا الكتاب والسنة سُلطت عليهم الأمم من كل جانب وتفرّقوا شيعًا في الدين والمنهاج، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 32]، فطمِعَ فيهم الطامعون فجاءت فتنة التتار وسقطت الخلافة الإسلامية فتمزّقت الأمة واحتُلَّ جانب كبير من البلاد الإسلامية من قبل التتار ثم جاءت فتنة النصارى ثم جاءت فتنة اليهود ثم جاءت فتنة الشيوعيين وأدهى من ذلك وأمَرّ: أنْ سُلطت الأمة الإسلامية بعضها على بعض وجُعل بأسها بينها حتى صارت الأمة الإسلامية على كثرتها وسعَةِ مساحتها غثاءً كغثاء السيل عاجزة عن انتشال نفسها عمّا هي عليه وستبقى كذلك ذليلة مهينة مادامت على وضعها المشين؛ لأن هذه سنّة الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغيّر، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ [الفتح: 23]، سنّة الله منوطة بحكمتها وسببها: متى وُجد السبب وجِد المسبب ومتى تخلَّف السبب تخلّف المسبب؛ لأن ربط المسببات بأسبابها من تمام حكمة الله عزَّ وجل، وكما أن هذا الذل مادام المسلمون على ما هم عليه من الوضع كما أن هذا الذل مقتضى حكم الله القدري فهو كذلك مقتضى نصوص كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عزَّ وجل: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، وقال عزَّ وجل: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، وقال الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18-19] .
تركوا الله فلم يقوموا بأمره ولم يتَّحدوا عليه فأنساهم أنفسهم فضاعت عليهم الأمور وكان أمرهم فرطًا فهؤلاء هم الفاسقون، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقَضَ قوم عهد الله وعهد رسوله إلا سُلِّط عليهم عدوٌّ من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيدهم وما لَم تحكم أئمتهم بكاتب الله إلا جعل بأسهم بينهم»(2) .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر أَدْخل الله عليهم ذلاً لا ينزعه حتى يتوبوا ويرجعوا إلى دينهم»(3)، ومعنى قوله: «ضن الناس بالدينار والدرهم» أي: بَخلوا بها ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم فيها، وأما قوله: «وتبايعوا بالعِينة» فالعينة: نوع من أنواع التحيُّل على الربا، وأما قوله: «واتبعوا أذناب البقر» فمعناه: أنهم اشتغلوا بالحرث عمّا أوجبَ الله عليهم .
أيها المسلمون، إن هذه النصوص من كتاب الله ومن سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَهيَ مقتضى سنّة الله - عزَّ وجل - الكونية في الأمم السابقة وتدل على أن هذه الأمة ستبقى على ما هي عليه من الذل والهوان والتفرّق وتسلّط الأعداء عليها حتى ترجع إلى دينها رجوعًا حقيقيًّا عن إيمان واقتناع .
أقول: حتى ترجع إلى دينها رجوعًا حقيقيًّا عن إيمان واقتناع يصدّقه الفعل والسياسة والعمل، أما أن تنتصر الأمة وهي أحزاب شتّى ليست تحت حزب الله عزَّ وجل، المحكم لكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه سلم، المؤمن بما للصحابة - رضي الله عنهم - ولسلف هذه الأمة من أعمال جليلة .
أما أن تنتصر والحكم بين الناس في كثير منها بغير ما أَنْزل الله بل بقوانين الطواغيت المستوردة .
أما أن تنتصر والكثير من شعوبها منهمكٌ في طلب الدنيا مُعرضٌ عن طلب الآخرة أكبر همّه أن يشبع بطنه وأن يدرك شهوة فرجه وأن يكون آمنًا في سربه لا يهتم بما وراء ذلك .
أما أن تنتصر الأمة الإسلامية والصالح من شعوبها في الغالب لا يسعى في إصلاح غيره.
أما أن تنتصر الأمة الإسلامية وفي بعض بلادها مَن يقمع القائمين بأمر الله ويودعهم السجون .
أما أن تنتصر الأمة الإسلامية وفيها مَن يسخر بدين الله ويرى أنه طريق رجعيَّة يؤدي مَن تمسّك به الرجوع إلى الوراء .
أما تنتصر الأمة الإسلامية وليس لديها من أسباب النصر ما يوجب النصر فهذا بعيد فيما نراه من سنّة الله الكونيّة والشرعيّة .
أيها المسلمون، إن الخطباء الذين تسمعونهم والوعاظ الذين تسمعون مواعظهم ليس المراد من هذه الخطب ولا المراد من هذه المواعظ أن تخرجوا من المكان وأنتم تقولون: ما أحسن الخطبة ! ما أحسن الموعظة !
إن هذه المواعظ وهذه الخطب لهيَ إلقاء بين أيديكم بِما تقتضيه الشريعة فأنتم تحملونها سلاحًا فإما أن تكون لكم وإما أن تكون عليكم: إن قمتم بِما تقتضيه هذه المواعظ من الاستقامة كانت سلاحًا لكم وإلا كانت سلاحًا عليكم .
أيها المسلمون، إنه ليسوؤنا ما سمعناه من رئيس وزراء اليهود - قاتلهم الله - من كونه يجمع اليهود اليوم من كل مكان وكونه سوف يُقيم على زعمه دولة إسرائيل الكبرى، إن هذا ليؤسفنا أسفًا شديدًا؛ لأنه يدل على استهتاره بالأمة الإسلامية؛ وذلك لأن الأمة لم تقابله بدين ولكنها قابلته بقوميّة والقوميّة لا يمكن أن تنتصر، لا يمكن أن يُنصر العرب ولا غير العرب إلا بدين الله - عزَّ وجل - لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41] .
أيها المسلمون، إن الواجب علينا ألا نرقد هكذا، ألا يكون همُّنا أمننا وأكلنا وشربنا ونكاحنا؛ إن الواجب علينا أن ننظر في ديننا في إصلاح أمرنا وإصلاح أمتنا وإصلاح مَن وراءهم، علينا أن نسعى سعيًا حقيقيًّا في الصلاح والإصلاح وأن نستمدّ النصر والعون من الله عزَّ وجل ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]، ولا يضيع ﴿أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170] .
اللهم إنا نسألك ونحن في انتظار فريضة من فرائضك، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى أن تنصرنا على أنفسنا وعلى أعدائنا، اللهم انصر مَن جاهد في سبيلك في كل مكان، اللهم هيئ لهذه الأمة الإسلامية قادة مصلحين يقودونها بكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم وفِّقنا لِما يرضيك واجعل مستقبل أمرنا خيرًا من ماضيه، اللهم هَبْ ﴿لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] .
والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن بهداهم اهتدى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المسلمون، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، قوموا بما أوجب الله عليكم من حقوقه وحقوق عباده؛ لتحققوا بذلك عبودية الله - عزَّ وجل - التي قال الله عنها: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] .
إن الله لم يخلقكم لتعمروا هذه الدنيا ولكنه خلقكم لعبادته ولتستعينوا بما يعطيكم من الدنيا عليها؛ أي: على عبادته؛ لأنها هي المقصود وهي الغرض وهي التي سوف تكون السعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية، فأما إن كان الإنسان من المؤمنين بالله المتَّقين لمحارمه فإن له السعادة في الدنيا والآخرة، وأما إن كان بالعكس فإنه ستفوته الدنيا والآخرة، ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر: 15] .
أيها المسلمون، اشْكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم وإن من شكر نعمة الله: أن تتمسّكوا به ظاهرًا وباطنًا في القلوب، والأفكار، والعقول، والأقوال، والأعمال تمسّكًا حقيقيًّا تبتغون بذلك رضى الله والوصول إلى دار كرامته .
إن عليكم أن تتأملوا في حال المجتمعات غير الإسلامية كيف إنها كانت في حيرة وفي ضلال وفي شقاء عذاب؛ ليست في شقاء وعذاب بدني بل قد يكون الله - عزَّ وجل - قد استدرجهم وأغدق عليهم النعم البدنية ولكن قلوبهم من الداخل تفور وتغلي؛ لأنها ليست على نور من الله، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: 22] .
أيها المسلمون، إن عليكم أن تعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين وأن تتعاونوا فيه مُخلصين لله مبتغين لإصلاح عباد الله حتى تكون لكم العقبى في الدنيا والآخرة، و «اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم»(4)، فما هدي أهدى من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما من هدي يكون مساويًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل شيء فيه خير فإنه مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - «خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة»(5) «فعليكم بالجماعة؛ وهي: أن تجتمعوا على دين الله ومن ذلك: أن تجتمعوا على الصلوات الخمس في المساجد؛ فإن يد الله على الجماعة ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(6) .
وأكْثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - لاسيما في يوم الجمعة؛ «فإن مَن صلى عليه مرّة واحدة في أي وقت كان صلى الله عليه بها عشرًا»(7).
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا مِمَّن اتبعوهم بإحسان يا رب العالمين .
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين .
اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم وأصْلح للولاة بطانتهم يا رب العالمين، اللهم مَن كان من بطانة ولاة أمور المسلمين غير مستقيم على دينك ولا ناصح لهم ولا لشعوبهم اللهم ألقِ في قلوبهم بغضه حتى يبعدوه عنهم وأبدلهم بخير منهم يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم استجب دعاءنا، اللهم استجب دعاءنا، اللهم استجب دعاءنا يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
-------------
(1) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [التيمم]، رقم [323]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [المساجد ومواضع الصلاة]، رقم [810]، من حديث جابر بن عبد الله تعالى عنهما، ت ط ع .
(2) أخرجه ابن ماجة في سننه في كتاب [الفتن] باب: [العقوبات]، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [4009]، ت ط ع .
(3) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [4593]، ت ط ع .
(4) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الجمعة] باب: تخفيف الصلاة والصلاة والخطبة، من حديث جابر بن عبد الله تعالى عنهما، رقم [1435]، ت ط ع .
(5) سبق تخريجه في حديث [4] .
(6) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [الفتن] باب: ما جاء في لزوم الجماعة، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [2023] ت ط ع .
(7) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصلاة] باب: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد، رقم [616] ت ط ع .

الواثقة بالله
12-07-2011, 09:33 PM
جزاك الله خيرا

الجوهرة
12-08-2011, 08:17 PM
جعله الله في موازيين حسناتك