أ/أحمد
01-09-2012, 11:03 PM
فصل
النوع الثامن والعشرون: من التشبه بأعداء الله تعالى اللعب بالكرة على الوجه المعمول به عند السفهاء في هذه الأزمان وذلك لأن اللعب بها على الوجه مأخوذ عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى.
وقد رأيت عمل الأمريكان في أخشاب الكرة ومواضع اللعب بها ورأيت عمل سفهاء المسلمين في ذلك فرأيته مطابقا لعمل الأمريكان أتم المطابقة.
وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
وتقدم أيضًا حديث عبد الله بن عمرو رضي عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا".
إذا علم هذا فاللعب بالكرة على الوجه الذي أشرنا إليه من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره. وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: ما فيه من التشبه بالإفرنج وأضرابهم من أعداء الله تعالى.
وأقل الأحوال في حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أنهما يقتضيان تحريم التشبه بأعداء الله تعالى في كل شيء من زيهم وأفعالهم ففيها دليل على المنع من اللعب بالكرة.
ويدل على المنع من اللعب بها أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ويدل على المنع منه أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك" رواه الشافعي مرسلاً والحاكم موصولاً من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما.
الوجه الثاني: ما في اللعب بها من الصد عند ذكر الله وعن الصلاة وهذا أمر معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم. وربما أوقعت الحقد بين اللاعبين حتى يئول بهم ذلك إلى العداوة والبغضاء.وتعاطي ما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وما يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين حرام وقد قال الله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
واللعب بالكرة نوع من الميسر لأنه يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة وقد روى ابن جرير في تفسيره من طريق عبيد الله بن عمر أنه سمع عمر ابن عبيد الله يقول للقاسم بن محمد: "النرد: ميسر". أرأيت الشطرنج ميسر
هو؟ فقال القاسم: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. وإذا كان اللعب بالكرة على عوض فهو من الميسر بلا شك.
قال الشيخ أبو محمد المقدسي في "المغني": كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته انتهى.
وقد روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: الميسر القمار. وروي أيضًا عن مجاهد وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء والحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي ومكحول وعطاء بن ميسرة نحو ذلك.
وفي رواية له عن مجاهد وسعيد بن جبير أنهما قالا: الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يعلب به الصبيان. وفي رواية له عن طاوس وعطاء قالا: كل قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز.
وذكر ابن كثير في تفسيره عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب أنهما قالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان.
وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: الميسر محرم بالنص والإجماع.
إذا علم هذا فمن استحل العوض على اللعب بالكرة فقد استحل ما هو محرم بالنص والإجماع من الميسر وأكل المال بالباطل وقد قال الله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } .
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله أبى على أن يدخل الجنة
لحمًا نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي المستدرك أيضًا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا كعب بن عجرة أنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به".
وفي المستدرك أيضًا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به" وفي المستدرك أيضًا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به"، وروى أبو نعيم في "الحلية" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به".
الوجه الثالث: أن في اللعب بالكرة ضررا على اللاعبين فربما سقط أحدهم فتخلعت أعضاؤه وربما انكسرت رجل أحدهم أو يده أو بعض أضلاعه وربما حصل فيه شجاج في وجهه أو رأسه وربما سقط أحدهم فغشي عليه ساعة أو أكثر أو أقل بل ربما آل الأمر ببعضهم إلى الهلاك كما قد ذكر لنا عن غير واحد من اللاعبين بها وما كان هذا شأنه فاللعب به لا يجوز.
الوجه الرابع: أن اللعب بالكرة من الأشر والمرح ومقابلة نعم الله تعالى بضد الشكر وقد قال الله تعالى: { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } . واللعب بالكرة نوع من المرح.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأشرة شر" قال أبو معاوية أحد رواته: الأشر العبث واللعب بالكرة نوع من العبث فلا يجوز.
الوجه الخامس: ما في اللعب بها من اعتياد وقاحة الوجوه وبذاءة الألسن وهذا معروف عن اللاعبين بها وقد ألجأني الطريق مرة إلى المرور من عند اللاعبين بها فسمعت منهم ما تستك منه الأسماع من كثرة الصخب والتخاطب بالفحش ورديء الكلام وسمعت بعضهم يقذف بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا وما أدى إلى هذا أو بعضه فهو حرام بلا ريب.
الوجه السادس: ما في اللعب بها أيضًا من كشف الأفخاذ ونظر بعضهم إلى فخذ بعض ونظر الحاضرين إلى أفخاذ اللاعبين وهذا لا يجوز لأن الفخذ من العورة وستر العورة و(3) إلا من الزوجات والسراري لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" رواه الإمام أحمد وأهل السنن والحاكم في مستدركه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه وقال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
والدليل على أن الفخذ من العورة ما رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن جرهد الأسلمي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غط فخذك فإنها من العورة" قال الترمذي: هذا حديث حسن وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الفخذ عورة" هذا لفظ الترمذي. ولفظ الحاكم مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل فرأى فخذه مكشوفة فقال: "غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وروى أبو داود وابن ماجه وعبد الله ابن الإمام أحمد والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" وفي رواية للدارقطني: "لا تكشف عن فخذك فإن الفخذ من العورة".
وروى الإمام أحمد والبخاري في "التاريخ الكبير" والحاكم في مستدركه عن محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: "يا معمر غط عليك فخذك فإن الفخذين عورة".
وروى الدارقطني في سننه عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة".
وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تحت السرة إلى الركبة من العورة".
إذا علم هذا فالنظر إلى عورة الغير حرام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث علي رضي الله عنه: "ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الوجه السابع: أن اللعب بالكرة من اللهو الباطل قطعًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق".
وفي رواية "وتعليم السباحة" رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
فدل هذا الحديث الصحيح على أن اللعب بالكرة من الضلال لقول الله تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ } .
قال الخطابي: في هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة وإنما استثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الخلال من جملة ما حرم منها لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسلاح والشد على الأقدام ونحوهما مما يرتاض به الإنسان فيتوقح بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو فأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو كالنرد والشطرنج والمزاجلة بالحمام وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق ولا يستجم به لدرك واجب فمحظور كله انتهى.
وقوله: فيتوقح بذلك بدنه، معناه يصلب بدنه قال الجوهري: حافر وقاح أي صلب وتوقيح الحافر تصليبه بالشحم المذاب.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى سائر ما
يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق شرعي كله حرام.
قلت: ومن هذا الباب اللعب بالكرة لأنه مجرد لهو ولعب ومرح وعبث وأعظم من ذلك أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء بين اللاعبين وليس هو مما يستعان به في حق شرعي ولا يستجم به لدرك واجب فهو من اللعب المحظور بلا شك والله أعلم.
ثم ذكر الخطابي أن من لعب بالشطرنج وقامر به فهو فاسق ومن لعب به على غير قمار وحمله الولوع بذلك على تأخير الصلاة عن وقتها أو جرى على لسانه الخنا والفحش إذا عالج شيئًا منه فهو ساقط المروءة مردود الشهادة انتهى.
وما قاله في اللاعبين بالشطرنج يقال مثله في اللاعبين بالكرة ويزيد أهل الكرة على أهل الشطرنج بالمرح والأشر والتعرض لأنواع الضرر فاللعب بها شر من اللعب بالشطرنج وأعظم منه ضررًا.
ومن التعجب أن هذا اللعب الباطل قد جعل في زماننا من الفنون التي تدرس في المدارس ويعتنى بتعلمه وتعليمه أعظم مما يعتنى بتعلم القرآن والعلم النافع وتعليمهما.
وهذا دليل على اشتداد غربة الإسلام في هذا الزمان ونقص العلم فيه وظهور الجهل بما بعث الله به رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حتى عاد المعروف عند الأكثرين منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة وهذا من مصداق الحديث المتفق على صحته عن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل" الحديث.
واللعب بالكرة والاعتناء بتعلمه وتعليمه في المدارس وغيرها من ظهور الجهل بلا شك عند من عقل عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.وما أشبه المفتونين باللعب بالكرة بالذين قال الله فيهم: { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } .
وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن العلوم المفضولة إذا زاحمت العلوم الفاضلة وأضعفتها فإنها تحرم انتهى.
وإذا كان الأمر هكذا في العلوم المفضولة مع العلوم الفاضلة فكيف باللعب بالكرة إذا زاحم العلوم الفاضلة وأضعفها كما هو الواقع في زماننا؟ مع أن اللعب بالكرة ليس بعلم وإنما هو لهو ومرح وأشر وبطر فيجب المنع منه لما ذكرنا فيه من التشبه بأعداء الله تعالى كما تقدم بيانه والله أعلم.
إذا علم هذا فمن أهدى لبعض اللاعبين بالكرة شيئًا من أجل حذقه في اللعب بها فقد أعان على الباطل. وكذلك من صنع لهم مأكولا أو مشروبا أو أحضره لهم فهو معين لهم على الباطل وقد قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
فصل
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على
الكر والفر والدخول والخروج ونحوه في الجهاد وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو حسن وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه انتهى.
وهذا اللعب الذي تكلم فيه شيخ الإسلام وفصل القول فيه هو ما كان معروفًا في زمانه وقبله بأزمان وبعده كذلك إلى قريب من زماننا وهو اللعب بالكرة على الخيل يضربها الراكب ثم يسوق فرسه خلفها لتعتاد على الكر والفر والدخول والخروج وهذا اللعب بحسب نية صاحبه فإن كان قصده حسنًا وهو أن يتعلم الفروسية ويرتاض على أمور الجهاد في سبيل الله عز وجل فاللعب بها من هذا الوجه حسن لما يترتب عليه من الفوائد الشرعية.
وإن كان قصد اللاعب بها اللهو واللعب لا غير فهذا ينهى عنه. وكذلك إذا كان فيه مضرة على الخيل والرجال فإنه ينهى عنه من أجل المضرة. وهذا اللعب نوع واللعب المأخوذ عن الإفرنج وأشباههم نوع آخر.
وهذا النوع الأخير وهو المأخوذ عن الإفرنج وأضرابهم ليس فيه منفعة للجهاد ولا إعانة على حق شرعي بوجه من الوجوه بل كله شر وضرر محض فالواجب على ولاة أمور المسلمين المنع منه بالكلية.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن اللعب بالسيف والرمح فأجاز ذلك بشرطين:
أحدهما: أن يكون السيف والرمح من خشب لا من حديد، والثاني
أن يريد به غيظ العدو ولا يريد به التظرف. ذكر ذلك عنه أبو داود رحمه الله تعالى.
ويتخرج على هذه الرواية المنع من اللعب بالكرة على الوجه المعمول به في زماننا لأنه إنما يراد به التظرف لا غير. وهذا مع قطع النظر عما في اللعب بها من الأمور المحرمة التي تقدم ذكرها.
فلو انتفت تلك الأمور عن اللعب بها لتوجه المنع منه على هذه الرواية ودليلها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه الذي تقدم ذكره قريبا والله أعلم.
فصل
فإن ادعى المتشبهون بأعداء الله تعالى أنهم إنما يريدون باللعب بالكرة رياضة الأبدان لتعتاد على النشاط والصلابة.
فالجواب أن يقال: إن الله تعالى قد جعل للمسلمين في الرياضات الشرعية غنية ومندوحة عن الرياضات الإفرنجية.
فمن ذلك المسابقة على الخيل وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينها وفعل ذلك أصحابه والمسلمون بعدهم.
وفي الصحيحين والموطأ ومسند الإمام أحمد والسنن الأربع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان فيمن سابق بها.
وفي رواية لأحمد والدارقطني قال عبد الله: فكنت فارسًا يومئذ فسبقت الناس طفف بي الفرس مسجد بني زريق. ورواه مسلم بنحوه.
قال ابن الأثير: طفف بي الفرس مسجد بني زريق أي: وثب بي حتى كاد يساوي المسجد يقال: طففت بفلان موضع كذا أي رفعته إليه وحاذيته به. وقال النووي: طفف بي الفرس المسجد، أي: علا ووثب إلى المسجد وكان جداره قصيرًا.
قلت:وقد جاء ذلك في رواية للدارقطني ولفظه قال عبد الله: فجئت سابقًا فطفف بي الفرس حائط المسجد وكان قصيرًا. وفي رواية له قال فوثب بي الجدار.
قال ابن حجر في "الفتح": في الحديث مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك انتهى.
وروى الإمام أحمد أيضًا والدارمي والدارقطني والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أنه قيل له: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس له يقال له: سبحة فجاءت سابقة فبهش لذلك وأعجبه.
وروى البيهقي أيضُا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة.
قال ابن منظور في لسان العرب: المراهنة والرهان المسابقة على
الخيل وغير ذلك. وكذا قال صاحب القاموس: المراهنة والرهان المخاطرة والمسابقة على الخيل. وقوله: فبهش لذلك معناه فرح به وارتاح له.
وفي سنن الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس" فخرج علي رضي الله عنه فدعا سراقة بن مالك فقال: يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في عنقي من هذه السبقة فإذا أتيت الميطان-قال أبو عبد الرحمن والميطان: مرسلها من الغاية-فصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل، فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثًا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه فكان علي رضي الله عنه يقعد عند منتهى الغاية ويخط خطًا يقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفه بين إبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فاجعلوا السبقة له فإن شككتما فاجعلا سبقهما نصفين فإذا قرنتم ثنتين فاجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولا شغار في الإسلام.
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عياض الأشعري قال: قال أبو عبيدة رضي الله عنه: من يراهنني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب قال فسبقه فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عربي.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا المسابقة على الإبل وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم.
وفي صحيح البخاري والمسند وسنن أبي داود والنسائي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى
العضباء لا تسبق أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه".
وفي رواية للنسائي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فسبقه فكأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدوا في أنفسهم من ذلك فقيل له في ذلك فقال: "حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله" وكذا رواه الدارقطني في سننه من طريق النسائي.
وفي رواية لأبي داود عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيء إلا وضعه" ورواه البخاري تعليقًا.
وفي سنن الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصوى لا تدفع في سباق إلا سبقت قال سعيد بن المسيب فجاء رجل فسابقها فسبقها فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغ ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الناس لم يرفعوا شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه الله عز وجل".
وفي رواية له عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت القصوى لا تسبق، جاء أعرابي على بكر فسابقه فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله سبقت العضباء وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه حق على الله أن لا يرفع شيء من الأرض إلا وضعه".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: تأمل قوله: "ألا يرفع شيء" وفي اللفظ الثاني: "ألا يرتفع شيء من الدنيا إلى وضعه" فجعل الوضع لما رفع أو ارتفع لا لما رفعه سبحانه إذا رفع عبده بطاعته وأعزه بها لا يضعه بها انتهى.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا المسابقة على الأقدام وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم.
وروى الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك السبقة".
وفي رواية أنهم كانوا في سفر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "تقدموا" فتقدموا ثم قال لعائشة: "سابقيني" فسابقها فسبقته ثم سابقني وسبقني فقال: "هذه بتلك".
وفي المسند وصحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه الطويل في غزوة ذي قرد قال: ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة قال: فبينما نحن نسير قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا قال فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال: "إن شئت"، قال قلت: أذهب إليه
وثنيت رجلي فطفرت فعدوت قال:فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ثم عدوت في أثره فربطت عليه شرفا أو شرفين ثم إني رفعت حتى ألحقه قال فأصكه بين كتفيه قال قلت: قد سبقت والله قال: أنا أظن قال: فسبقته إلى المدينة.
قال النووي قوله: شدًا يعني عدوًا على الرجلين وقوله: فطفرت أي وثبت وقفزت، وقوله فربطت عليه شرفا أو شرفين استبقي نفسي معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: استبقي نفسي بفتح الفاء أي لئلا يقطعني البهر.
وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام وهو جائز بلا خلاف إذا تسابقا بلا عوض فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف الأصح عند أصحابنا لا تصح.
قلت وهو مذهب مالك وأحمد.
ومن الرياضات الشرعية أيضا المصارعة. وقد روى أبو داود والترمذي والبخاري في التاريخ من حديث أبي جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الترمذي: هذا حديث غريب وإسناده ليس بقائم.
قال ابن حجر العسقلاني في "الإصابة": وقصة الصراع مشهورة لركانة لكن جاء من وجه آخر أنه يزيد بن ركانة فأخرج الخطيب في المؤتلف من طريق أحمد بن عتاب العسكري حدثنا حفص بن عمر حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء يزيد بن ركانة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثلاثمائة
من الغنم فقال: يا محمد هل لك أن تصارعني؟ قال: "وما تجعل إن صرعتك" قال: مائة من الغنم فصارعه فصرعه، ثم قال هل لك في العود فقال: "ما تجعل لي قال؟": مائة أخرى فصارعه فصرعه وذكر الثالثة فقال: يا محمد ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك وما كان أحد أبغض إلي منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقام عنه ورد عليه غنمه.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يزيد بن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل مرة على مائة من الغنم وذكر بقية القصة بمثل ما في رواية الخطيب.
وذكر ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض غلمان الأنصار فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة بن جندب رضي الله عنه فرده فقال لقد أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته قال: فدونكه فصارعه فصرعه سمرة فأجازه. ورواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" بنحوه.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا الرمي ونحوه مما فيه إعانة على الجهاد في سبيل الله عز وجل.
وقد روى الإمام أحمد والبخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان" قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لكم لا ترمون" قالوا: كيف نرمي وأنت معهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا وأنا معكم كلكم".
قال الجوهري: ناضله أي: راماه يقال: ناضلت فلانا فنضلته إذا غلبته
وانتضل القوم وتناضلوا أي: رموا للسبق وفلان يناضل عن فلان إذا تكلم عنه بعذره ودافع.
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفر يرمون فقال: "رميًا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا".
ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى والحاكم في مستدركه من طريق إسحاق بن إبراهيم الصنعاني وأحمد بن حنبل كلهم عن عبد الرزاق به وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوم من أسلم يرمون فقال: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك القوم قسيهم فقالوا: يا رسول الله من كنت معه غلب قال: "ارموا وأنا معكم كلكم" قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضًا عن محمد بن إياس بن سلمة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على ناس ينتضلون فقال: "حسن هذا اللهم -مرتين أو ثلاثا- ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك القوم بأيديهم فقالوا: لا والله لا نرمي معه وأنت معه يا رسول الله إذا ينضلنا فقال: "ارموا وأنا معكم جميعًا" قال فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم
تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضًا. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله - وقال- ارموا واركبوا وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا - وقال- كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق"، قال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وعند الحاكم في أوله قصة ولفظه عن خالد بن زيد الجهني قال: كنت راميًا أرامي عقبة بن عامر رضي الله عنه فمر بي ذات يوم فقال: يا خالد اخرج بنا نرمي فأبطأت عليه فقال: يا خالد تعال أحدثك ما حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقول لك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي احتسب في صنعته الخير ومتنبله والرامي. ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته زوجته ورميه بنبله عن قوسه ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها"، وقد رواه سعيد بن منصور والنسائي بنحو هذا اللفظ.
وفي رواية أبي داود "ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها - أو قال - كفرها".
ورواه أبو داود الطيالسي والدارمي في مسنديهما بنحو ما تقدم وعندهما في آخره وقال: "من ترك الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي علمه".
وفي صحيح مسلم عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة أن فقيمًا اللخمي قال لعقبة بن عامر رضي الله عنه: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك قال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أعانه قال الحارث: فقلت: لابن شماسة وما ذاك قال: إنه قال: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى".
وفي المسند وصحيح مسلم وجامع الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه".
وفي المسند أيضًا عن أبي أمامة بن سهل قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: "أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي" فكانوا يختلفون إلى الأغراض. الحديث. قال أهل اللغة العوم السباحة.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" وأبو نعيم في "الحلية" عن بلال بن سعد رحمه الله قال: أدركتهم يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهبانًا.
وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي في "المغني" عن مجاهد قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يشتد بين الهدفين إذا أصاب خصلة قال أنا بها أنا بها. وعن حذيفة رضي الله عنه مثله.
وذكر الطبراني عن مصعب بن سعد قال: كان سعد رضي الله عنه يقول: أي بني تعلموا الرماية فإنها خير لعبكم.
وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي أيضًا عن مجاهد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والنضال" قال الأزهري النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما.
وذكر الشيخ أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يربعون حجرًا يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم.
قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب انتهى..
فهذا ما تيسر ذكره من رياضات المسلمين ولهوهم المباح وفيها كفاية لكل مسلم، ومن لم يكتف بالرياضات الشرعية ولم يسعه ما وسع السلف الصالح فلا كفاه الله ولا وسع عليه في الدنيا والآخرة. ومن آثر الرياضات الإفرنجية على الرياضات الشرعية فذلك عنوان على زيغ قلبه.
عياذًا بالله من موجبات غضبه.
من كتاب الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين بقلم:حمود بن عبد الله بن حمود التويجري
النوع الثامن والعشرون: من التشبه بأعداء الله تعالى اللعب بالكرة على الوجه المعمول به عند السفهاء في هذه الأزمان وذلك لأن اللعب بها على الوجه مأخوذ عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى.
وقد رأيت عمل الأمريكان في أخشاب الكرة ومواضع اللعب بها ورأيت عمل سفهاء المسلمين في ذلك فرأيته مطابقا لعمل الأمريكان أتم المطابقة.
وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
وتقدم أيضًا حديث عبد الله بن عمرو رضي عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا".
إذا علم هذا فاللعب بالكرة على الوجه الذي أشرنا إليه من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره. وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: ما فيه من التشبه بالإفرنج وأضرابهم من أعداء الله تعالى.
وأقل الأحوال في حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أنهما يقتضيان تحريم التشبه بأعداء الله تعالى في كل شيء من زيهم وأفعالهم ففيها دليل على المنع من اللعب بالكرة.
ويدل على المنع من اللعب بها أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ويدل على المنع منه أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك" رواه الشافعي مرسلاً والحاكم موصولاً من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما.
الوجه الثاني: ما في اللعب بها من الصد عند ذكر الله وعن الصلاة وهذا أمر معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم. وربما أوقعت الحقد بين اللاعبين حتى يئول بهم ذلك إلى العداوة والبغضاء.وتعاطي ما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وما يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين حرام وقد قال الله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
واللعب بالكرة نوع من الميسر لأنه يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة وقد روى ابن جرير في تفسيره من طريق عبيد الله بن عمر أنه سمع عمر ابن عبيد الله يقول للقاسم بن محمد: "النرد: ميسر". أرأيت الشطرنج ميسر
هو؟ فقال القاسم: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. وإذا كان اللعب بالكرة على عوض فهو من الميسر بلا شك.
قال الشيخ أبو محمد المقدسي في "المغني": كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته انتهى.
وقد روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: الميسر القمار. وروي أيضًا عن مجاهد وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء والحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي ومكحول وعطاء بن ميسرة نحو ذلك.
وفي رواية له عن مجاهد وسعيد بن جبير أنهما قالا: الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يعلب به الصبيان. وفي رواية له عن طاوس وعطاء قالا: كل قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز.
وذكر ابن كثير في تفسيره عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب أنهما قالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان.
وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: الميسر محرم بالنص والإجماع.
إذا علم هذا فمن استحل العوض على اللعب بالكرة فقد استحل ما هو محرم بالنص والإجماع من الميسر وأكل المال بالباطل وقد قال الله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } .
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله أبى على أن يدخل الجنة
لحمًا نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي المستدرك أيضًا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا كعب بن عجرة أنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به".
وفي المستدرك أيضًا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به" وفي المستدرك أيضًا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به"، وروى أبو نعيم في "الحلية" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به".
الوجه الثالث: أن في اللعب بالكرة ضررا على اللاعبين فربما سقط أحدهم فتخلعت أعضاؤه وربما انكسرت رجل أحدهم أو يده أو بعض أضلاعه وربما حصل فيه شجاج في وجهه أو رأسه وربما سقط أحدهم فغشي عليه ساعة أو أكثر أو أقل بل ربما آل الأمر ببعضهم إلى الهلاك كما قد ذكر لنا عن غير واحد من اللاعبين بها وما كان هذا شأنه فاللعب به لا يجوز.
الوجه الرابع: أن اللعب بالكرة من الأشر والمرح ومقابلة نعم الله تعالى بضد الشكر وقد قال الله تعالى: { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } . واللعب بالكرة نوع من المرح.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأشرة شر" قال أبو معاوية أحد رواته: الأشر العبث واللعب بالكرة نوع من العبث فلا يجوز.
الوجه الخامس: ما في اللعب بها من اعتياد وقاحة الوجوه وبذاءة الألسن وهذا معروف عن اللاعبين بها وقد ألجأني الطريق مرة إلى المرور من عند اللاعبين بها فسمعت منهم ما تستك منه الأسماع من كثرة الصخب والتخاطب بالفحش ورديء الكلام وسمعت بعضهم يقذف بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا وما أدى إلى هذا أو بعضه فهو حرام بلا ريب.
الوجه السادس: ما في اللعب بها أيضًا من كشف الأفخاذ ونظر بعضهم إلى فخذ بعض ونظر الحاضرين إلى أفخاذ اللاعبين وهذا لا يجوز لأن الفخذ من العورة وستر العورة و(3) إلا من الزوجات والسراري لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" رواه الإمام أحمد وأهل السنن والحاكم في مستدركه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه وقال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
والدليل على أن الفخذ من العورة ما رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن جرهد الأسلمي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غط فخذك فإنها من العورة" قال الترمذي: هذا حديث حسن وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الفخذ عورة" هذا لفظ الترمذي. ولفظ الحاكم مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل فرأى فخذه مكشوفة فقال: "غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وروى أبو داود وابن ماجه وعبد الله ابن الإمام أحمد والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" وفي رواية للدارقطني: "لا تكشف عن فخذك فإن الفخذ من العورة".
وروى الإمام أحمد والبخاري في "التاريخ الكبير" والحاكم في مستدركه عن محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: "يا معمر غط عليك فخذك فإن الفخذين عورة".
وروى الدارقطني في سننه عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة".
وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تحت السرة إلى الركبة من العورة".
إذا علم هذا فالنظر إلى عورة الغير حرام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث علي رضي الله عنه: "ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الوجه السابع: أن اللعب بالكرة من اللهو الباطل قطعًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق".
وفي رواية "وتعليم السباحة" رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
فدل هذا الحديث الصحيح على أن اللعب بالكرة من الضلال لقول الله تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ } .
قال الخطابي: في هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة وإنما استثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الخلال من جملة ما حرم منها لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسلاح والشد على الأقدام ونحوهما مما يرتاض به الإنسان فيتوقح بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو فأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو كالنرد والشطرنج والمزاجلة بالحمام وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق ولا يستجم به لدرك واجب فمحظور كله انتهى.
وقوله: فيتوقح بذلك بدنه، معناه يصلب بدنه قال الجوهري: حافر وقاح أي صلب وتوقيح الحافر تصليبه بالشحم المذاب.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى سائر ما
يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق شرعي كله حرام.
قلت: ومن هذا الباب اللعب بالكرة لأنه مجرد لهو ولعب ومرح وعبث وأعظم من ذلك أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء بين اللاعبين وليس هو مما يستعان به في حق شرعي ولا يستجم به لدرك واجب فهو من اللعب المحظور بلا شك والله أعلم.
ثم ذكر الخطابي أن من لعب بالشطرنج وقامر به فهو فاسق ومن لعب به على غير قمار وحمله الولوع بذلك على تأخير الصلاة عن وقتها أو جرى على لسانه الخنا والفحش إذا عالج شيئًا منه فهو ساقط المروءة مردود الشهادة انتهى.
وما قاله في اللاعبين بالشطرنج يقال مثله في اللاعبين بالكرة ويزيد أهل الكرة على أهل الشطرنج بالمرح والأشر والتعرض لأنواع الضرر فاللعب بها شر من اللعب بالشطرنج وأعظم منه ضررًا.
ومن التعجب أن هذا اللعب الباطل قد جعل في زماننا من الفنون التي تدرس في المدارس ويعتنى بتعلمه وتعليمه أعظم مما يعتنى بتعلم القرآن والعلم النافع وتعليمهما.
وهذا دليل على اشتداد غربة الإسلام في هذا الزمان ونقص العلم فيه وظهور الجهل بما بعث الله به رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حتى عاد المعروف عند الأكثرين منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة وهذا من مصداق الحديث المتفق على صحته عن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل" الحديث.
واللعب بالكرة والاعتناء بتعلمه وتعليمه في المدارس وغيرها من ظهور الجهل بلا شك عند من عقل عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.وما أشبه المفتونين باللعب بالكرة بالذين قال الله فيهم: { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } .
وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن العلوم المفضولة إذا زاحمت العلوم الفاضلة وأضعفتها فإنها تحرم انتهى.
وإذا كان الأمر هكذا في العلوم المفضولة مع العلوم الفاضلة فكيف باللعب بالكرة إذا زاحم العلوم الفاضلة وأضعفها كما هو الواقع في زماننا؟ مع أن اللعب بالكرة ليس بعلم وإنما هو لهو ومرح وأشر وبطر فيجب المنع منه لما ذكرنا فيه من التشبه بأعداء الله تعالى كما تقدم بيانه والله أعلم.
إذا علم هذا فمن أهدى لبعض اللاعبين بالكرة شيئًا من أجل حذقه في اللعب بها فقد أعان على الباطل. وكذلك من صنع لهم مأكولا أو مشروبا أو أحضره لهم فهو معين لهم على الباطل وقد قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
فصل
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على
الكر والفر والدخول والخروج ونحوه في الجهاد وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو حسن وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه انتهى.
وهذا اللعب الذي تكلم فيه شيخ الإسلام وفصل القول فيه هو ما كان معروفًا في زمانه وقبله بأزمان وبعده كذلك إلى قريب من زماننا وهو اللعب بالكرة على الخيل يضربها الراكب ثم يسوق فرسه خلفها لتعتاد على الكر والفر والدخول والخروج وهذا اللعب بحسب نية صاحبه فإن كان قصده حسنًا وهو أن يتعلم الفروسية ويرتاض على أمور الجهاد في سبيل الله عز وجل فاللعب بها من هذا الوجه حسن لما يترتب عليه من الفوائد الشرعية.
وإن كان قصد اللاعب بها اللهو واللعب لا غير فهذا ينهى عنه. وكذلك إذا كان فيه مضرة على الخيل والرجال فإنه ينهى عنه من أجل المضرة. وهذا اللعب نوع واللعب المأخوذ عن الإفرنج وأشباههم نوع آخر.
وهذا النوع الأخير وهو المأخوذ عن الإفرنج وأضرابهم ليس فيه منفعة للجهاد ولا إعانة على حق شرعي بوجه من الوجوه بل كله شر وضرر محض فالواجب على ولاة أمور المسلمين المنع منه بالكلية.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن اللعب بالسيف والرمح فأجاز ذلك بشرطين:
أحدهما: أن يكون السيف والرمح من خشب لا من حديد، والثاني
أن يريد به غيظ العدو ولا يريد به التظرف. ذكر ذلك عنه أبو داود رحمه الله تعالى.
ويتخرج على هذه الرواية المنع من اللعب بالكرة على الوجه المعمول به في زماننا لأنه إنما يراد به التظرف لا غير. وهذا مع قطع النظر عما في اللعب بها من الأمور المحرمة التي تقدم ذكرها.
فلو انتفت تلك الأمور عن اللعب بها لتوجه المنع منه على هذه الرواية ودليلها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه الذي تقدم ذكره قريبا والله أعلم.
فصل
فإن ادعى المتشبهون بأعداء الله تعالى أنهم إنما يريدون باللعب بالكرة رياضة الأبدان لتعتاد على النشاط والصلابة.
فالجواب أن يقال: إن الله تعالى قد جعل للمسلمين في الرياضات الشرعية غنية ومندوحة عن الرياضات الإفرنجية.
فمن ذلك المسابقة على الخيل وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينها وفعل ذلك أصحابه والمسلمون بعدهم.
وفي الصحيحين والموطأ ومسند الإمام أحمد والسنن الأربع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان فيمن سابق بها.
وفي رواية لأحمد والدارقطني قال عبد الله: فكنت فارسًا يومئذ فسبقت الناس طفف بي الفرس مسجد بني زريق. ورواه مسلم بنحوه.
قال ابن الأثير: طفف بي الفرس مسجد بني زريق أي: وثب بي حتى كاد يساوي المسجد يقال: طففت بفلان موضع كذا أي رفعته إليه وحاذيته به. وقال النووي: طفف بي الفرس المسجد، أي: علا ووثب إلى المسجد وكان جداره قصيرًا.
قلت:وقد جاء ذلك في رواية للدارقطني ولفظه قال عبد الله: فجئت سابقًا فطفف بي الفرس حائط المسجد وكان قصيرًا. وفي رواية له قال فوثب بي الجدار.
قال ابن حجر في "الفتح": في الحديث مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك انتهى.
وروى الإمام أحمد أيضًا والدارمي والدارقطني والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أنه قيل له: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس له يقال له: سبحة فجاءت سابقة فبهش لذلك وأعجبه.
وروى البيهقي أيضُا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة.
قال ابن منظور في لسان العرب: المراهنة والرهان المسابقة على
الخيل وغير ذلك. وكذا قال صاحب القاموس: المراهنة والرهان المخاطرة والمسابقة على الخيل. وقوله: فبهش لذلك معناه فرح به وارتاح له.
وفي سنن الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس" فخرج علي رضي الله عنه فدعا سراقة بن مالك فقال: يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في عنقي من هذه السبقة فإذا أتيت الميطان-قال أبو عبد الرحمن والميطان: مرسلها من الغاية-فصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل، فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثًا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه فكان علي رضي الله عنه يقعد عند منتهى الغاية ويخط خطًا يقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفه بين إبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فاجعلوا السبقة له فإن شككتما فاجعلا سبقهما نصفين فإذا قرنتم ثنتين فاجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولا شغار في الإسلام.
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عياض الأشعري قال: قال أبو عبيدة رضي الله عنه: من يراهنني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب قال فسبقه فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عربي.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا المسابقة على الإبل وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم.
وفي صحيح البخاري والمسند وسنن أبي داود والنسائي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى
العضباء لا تسبق أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه".
وفي رواية للنسائي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فسبقه فكأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدوا في أنفسهم من ذلك فقيل له في ذلك فقال: "حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله" وكذا رواه الدارقطني في سننه من طريق النسائي.
وفي رواية لأبي داود عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيء إلا وضعه" ورواه البخاري تعليقًا.
وفي سنن الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصوى لا تدفع في سباق إلا سبقت قال سعيد بن المسيب فجاء رجل فسابقها فسبقها فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغ ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الناس لم يرفعوا شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه الله عز وجل".
وفي رواية له عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت القصوى لا تسبق، جاء أعرابي على بكر فسابقه فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله سبقت العضباء وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه حق على الله أن لا يرفع شيء من الأرض إلا وضعه".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: تأمل قوله: "ألا يرفع شيء" وفي اللفظ الثاني: "ألا يرتفع شيء من الدنيا إلى وضعه" فجعل الوضع لما رفع أو ارتفع لا لما رفعه سبحانه إذا رفع عبده بطاعته وأعزه بها لا يضعه بها انتهى.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا المسابقة على الأقدام وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله أصحابه والمسلمون بعدهم.
وروى الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك السبقة".
وفي رواية أنهم كانوا في سفر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "تقدموا" فتقدموا ثم قال لعائشة: "سابقيني" فسابقها فسبقته ثم سابقني وسبقني فقال: "هذه بتلك".
وفي المسند وصحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه الطويل في غزوة ذي قرد قال: ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة قال: فبينما نحن نسير قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا قال فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال: "إن شئت"، قال قلت: أذهب إليه
وثنيت رجلي فطفرت فعدوت قال:فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ثم عدوت في أثره فربطت عليه شرفا أو شرفين ثم إني رفعت حتى ألحقه قال فأصكه بين كتفيه قال قلت: قد سبقت والله قال: أنا أظن قال: فسبقته إلى المدينة.
قال النووي قوله: شدًا يعني عدوًا على الرجلين وقوله: فطفرت أي وثبت وقفزت، وقوله فربطت عليه شرفا أو شرفين استبقي نفسي معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: استبقي نفسي بفتح الفاء أي لئلا يقطعني البهر.
وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام وهو جائز بلا خلاف إذا تسابقا بلا عوض فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف الأصح عند أصحابنا لا تصح.
قلت وهو مذهب مالك وأحمد.
ومن الرياضات الشرعية أيضا المصارعة. وقد روى أبو داود والترمذي والبخاري في التاريخ من حديث أبي جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الترمذي: هذا حديث غريب وإسناده ليس بقائم.
قال ابن حجر العسقلاني في "الإصابة": وقصة الصراع مشهورة لركانة لكن جاء من وجه آخر أنه يزيد بن ركانة فأخرج الخطيب في المؤتلف من طريق أحمد بن عتاب العسكري حدثنا حفص بن عمر حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء يزيد بن ركانة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثلاثمائة
من الغنم فقال: يا محمد هل لك أن تصارعني؟ قال: "وما تجعل إن صرعتك" قال: مائة من الغنم فصارعه فصرعه، ثم قال هل لك في العود فقال: "ما تجعل لي قال؟": مائة أخرى فصارعه فصرعه وذكر الثالثة فقال: يا محمد ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك وما كان أحد أبغض إلي منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقام عنه ورد عليه غنمه.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يزيد بن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل مرة على مائة من الغنم وذكر بقية القصة بمثل ما في رواية الخطيب.
وذكر ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض غلمان الأنصار فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة بن جندب رضي الله عنه فرده فقال لقد أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته قال: فدونكه فصارعه فصرعه سمرة فأجازه. ورواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" بنحوه.
ومن الرياضات الشرعية أيضًا الرمي ونحوه مما فيه إعانة على الجهاد في سبيل الله عز وجل.
وقد روى الإمام أحمد والبخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان" قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لكم لا ترمون" قالوا: كيف نرمي وأنت معهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا وأنا معكم كلكم".
قال الجوهري: ناضله أي: راماه يقال: ناضلت فلانا فنضلته إذا غلبته
وانتضل القوم وتناضلوا أي: رموا للسبق وفلان يناضل عن فلان إذا تكلم عنه بعذره ودافع.
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفر يرمون فقال: "رميًا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا".
ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى والحاكم في مستدركه من طريق إسحاق بن إبراهيم الصنعاني وأحمد بن حنبل كلهم عن عبد الرزاق به وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوم من أسلم يرمون فقال: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك القوم قسيهم فقالوا: يا رسول الله من كنت معه غلب قال: "ارموا وأنا معكم كلكم" قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضًا عن محمد بن إياس بن سلمة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على ناس ينتضلون فقال: "حسن هذا اللهم -مرتين أو ثلاثا- ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك القوم بأيديهم فقالوا: لا والله لا نرمي معه وأنت معه يا رسول الله إذا ينضلنا فقال: "ارموا وأنا معكم جميعًا" قال فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم
تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضًا. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله - وقال- ارموا واركبوا وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا - وقال- كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق"، قال الترمذي: هذا حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وعند الحاكم في أوله قصة ولفظه عن خالد بن زيد الجهني قال: كنت راميًا أرامي عقبة بن عامر رضي الله عنه فمر بي ذات يوم فقال: يا خالد اخرج بنا نرمي فأبطأت عليه فقال: يا خالد تعال أحدثك ما حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقول لك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي احتسب في صنعته الخير ومتنبله والرامي. ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته زوجته ورميه بنبله عن قوسه ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها"، وقد رواه سعيد بن منصور والنسائي بنحو هذا اللفظ.
وفي رواية أبي داود "ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها - أو قال - كفرها".
ورواه أبو داود الطيالسي والدارمي في مسنديهما بنحو ما تقدم وعندهما في آخره وقال: "من ترك الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي علمه".
وفي صحيح مسلم عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة أن فقيمًا اللخمي قال لعقبة بن عامر رضي الله عنه: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك قال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أعانه قال الحارث: فقلت: لابن شماسة وما ذاك قال: إنه قال: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى".
وفي المسند وصحيح مسلم وجامع الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه".
وفي المسند أيضًا عن أبي أمامة بن سهل قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: "أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي" فكانوا يختلفون إلى الأغراض. الحديث. قال أهل اللغة العوم السباحة.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" وأبو نعيم في "الحلية" عن بلال بن سعد رحمه الله قال: أدركتهم يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهبانًا.
وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي في "المغني" عن مجاهد قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يشتد بين الهدفين إذا أصاب خصلة قال أنا بها أنا بها. وعن حذيفة رضي الله عنه مثله.
وذكر الطبراني عن مصعب بن سعد قال: كان سعد رضي الله عنه يقول: أي بني تعلموا الرماية فإنها خير لعبكم.
وذكر الشيخ أبو محمد المقدسي أيضًا عن مجاهد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والنضال" قال الأزهري النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما.
وذكر الشيخ أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يربعون حجرًا يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم.
قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب انتهى..
فهذا ما تيسر ذكره من رياضات المسلمين ولهوهم المباح وفيها كفاية لكل مسلم، ومن لم يكتف بالرياضات الشرعية ولم يسعه ما وسع السلف الصالح فلا كفاه الله ولا وسع عليه في الدنيا والآخرة. ومن آثر الرياضات الإفرنجية على الرياضات الشرعية فذلك عنوان على زيغ قلبه.
عياذًا بالله من موجبات غضبه.
من كتاب الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين بقلم:حمود بن عبد الله بن حمود التويجري