أ/أحمد
02-16-2012, 05:59 AM
المهادنات بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين في القرن الأول الهجري/ القرن السابع الميلادي
الدكتور إبراهيم بن حمود المشيقح
رئيس قسم التاريخ - كلية العلوم العربية ولاجتماعية بالقصيم - جامعة الإمام - المملكة العربية السعودية
تتأتَّى أهمية هذا الموضوع ممَّا يتيحه من تناول لعدد من المصادر العربية والبيزنطية والسريانية والأرمينية التي تطرقت لهذه الهدنة، ووقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف والتوفيق بين هذه المصادر للوصول إلى معالجة دقيقة لهذه المصادر وتعرُّف للمهادنات بين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، والإمبراطور البيزنطي قنسطانز وقسطنطين الرابع، وتاريخ كل هدنة والظروف التي دعت لعقد هذه المهادنة بين الطرفين والمدة الزمنية التي اتفق عليها، وهل هي هدنة واحدة أو أنها تعددت في أوقات مختلفة.
الحرب والسلم لهما أثرهما في حياة الشعوب منذ القدم، ومثلما خاض المسلمون عددا من الحروب، مالوا أيضاً إِلى السلم حقناً للدماء. قال عز وجل : )وإِن جنحُوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله((1).
ومن يستقرئ التاريخ الإسلامي، يقف على الكثير من المهادنات والمعاهدات السلمية بين المسلمين وأعدائهم.
لذلك خصصنا هذا البحث للحديث عن المهادنات بين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وكل من الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني (21هـ-48هـ/641-668م) والإمبراطور قسطنطين الرابع (48-65هـ/668-685م).
كذلك خصصنا له، لأهمية هذا الموضوع الذي يتناول العلاقات السياسية بين المسلمين والبيزنطيين، وهو من الموضوعات التي تصدى لها المؤرخون القدامى والمعاصرون. إلا أن المهادنات بين معاوية رضي الله عنه ، والبيزنطيين من الموضوعات الشائكة التي اختلفت فيها روايات المؤرخين المسلمين والبيزنطيين والأرمن والسريان، ومن الأهمية بمكان دراسة روايات هذه المصادر.
وإذا أخذنا المصادر العربية بعين الاعتبار، لاحظنا أن الروايات التي أشارت إِلى هذه المهادنات يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات رئيسية :
* تتضمن المجموعة الأولى إِشارات عابرة إِلى كل من ابن سلام(2) والبلاذري(3) (وابن الطقطقي(4) والشيباني (5) تفيد "أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن الروم". ولم توضح هذه الروايات في أي عام كانت هذه المهادنة، ومن الذي بادر من الجانبين الإسلامي أو البيزنطي بطلب الهدنة، وما شروط المهادنة أو بنودها، وما مدتها، وكم عام استمرت هذه المهادنة.
ويمكن أن نضيف إلى هذه المجموعة رواية كل من المسعودي(6) والنويري(7) إِذ يشيران في رواية مختصرة إِلى أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن كلاًّ من الإِمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني( وابنه الإمبراطور قسطنطين الرابع(9).
وعلى هذا، يمكن القول إن رواية كلّ من المسعودي والنويري تتميز عن رواية كلّ من ابن سلام والبلاذري وابن الطقطقي والشيباني بأنها حددت أسماء الحاكمين البيزنطيين اللذين في عهدهما كانت المهادنة مع معاوية، ولكنهما في الوقت نفسه لم يحددا العام الذي كانت فيه المهادنة، خاصة إذا علمنا أن فترة حكم كلّ من قنسطانز الثاني وقسطنطين الرابع قد امتدت من عام 21هـ/641م حتى عام 65هـ/685م ؛ كما أنّهما لم يحددا هل كانت المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور قسطنطين الرابع امتدادا للمهادنة التي سبق أن عقدت بين معاوية ووالد الإمبراطور البيزنطي أو أن معاوية قد هادن كلاًّ من قنسطانز الثاني وقسطنطين الرابع، كلٍّ على حدة ؛ وبهذا تكون هناك مهادنتان مع الروم.
* أما المجموعة الثانية من المصادر العربية، فتشمل روايات كلّ من ابن قتيبة(10)والطبري(11) والدينوري(12)الذين أشاروا إِلى أن "قيصر الروم زحف بجنده لمقاتلة المسلمين" أثناء فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قدم النصيحة لمعاوية رضي الله عنه ، بضرورة مواعدة قيصر الروم في تلك الفترة بإعطائه المال والحلل، وإطلاق سراح الأسرى ؛ فاستجاب معاوية ابن أبي سفيان لنصيحة عمرو بن العاص رضي الله عنهما
ومن خلال روايات المجموعة الثانية من المصادر العربية يمكن أن نستنتج عدة ملاحظات، منها أن الإمبراطور البيزنطي وهو قنسطانز الثاني كان البادئ بمهاجمة المسلمين، وأنه استغل انشغال المسلمين بالفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - ليشن هجومه، وأن معاوية هو الذي بادر بطلب الهدنة من الإِمبراطور البيزنطي استجابة لنصيحة عمرو بن العاص، وأن معاوية بن أبي سفيان قدم للإِمبراطور البيزنطي المال والحلل، وأطلق له سراح بعض الأسرى البيزنطيين كي يوافق على هذه المهادنة.
ولكن وقفة تحليلية لهذه الرواية تبيِّن أنها رواية ينقصها التحديد الدقيق للعام الذي عقدت فيه هذه المهادنة ؛ إذ أنها اكتفت بالإِشارة إِلى أن المهادنة كانت في فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهي خمس سنوات (35-40هـ/656-661م) ؛ كما أنها لم تشر إِلى موافقة الإمبراطور البيزنطي على طلب معاوية للمهادنة، ولم تحدد مدة هذه الهدنة. ويلاحظ أن هذه المهادنة كانت في عهد الإمبراطور قنسطانز الثاني فقط، ولم تشر الرواية إلى استمرارها أو عقد مهادنة أخرى مع البيزنطيين في عهد الإمبراطور قسطنطين الرابع.
ويمكن أن نضيف رواية المؤرخ ابن كثير(13) إلى إِشارات المجموعة الثانية من المصادر العربية. إِذ يشير إِلى أن ملك الروم قد طمع في معاوية بعد أن كان يخشاه، فزحف بجيش كبير لمحاربة المسلمين. عندئذ أرسل إِليه معاوية كتابا يتوعده، فبعث يطلب المهادنة، ثم كان من أمر التحكيم ما كان.
وتعتبر رواية ابن كثير على جانب كبير من الأهمية ؛ إِذ تتفق مع رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية في أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين كانت في أثناء فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ولكنهما أكثر دقة في أنها حددت عقد المهادنة قبل الشروع في التحكيم بين علي ومعاوية. ولماكان التحكيم في صفر عام 37هـ/ يوليو عام 657م، فمعنى هذا أن هذه المهادنة قد تمت في الفترة ما بين عامي 35 و 37هـ/ 655 و 657م(14).
على أن هناك اختلافا بين رواية ابن كثير ورواية المجموعة الثانية من المصادر العربية يتمثل في أن المبادرة بطلب الهدنة جاءت من جانب الإمبراطور البيزنطي، وليس من جانب معاوية كما أشارت إِلى ذلك رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية. ويوضح ابن كثير السبب في ذلك بأن معاوية قد أرسل إِلى الإمبراطور البيزنطي كتابا يتوعده، لأنه استغل انشغاله بالنزاع مع علي بن أبي طالب وزحف بقواته لمقاتلة المسلمين. ثم يزيد ابن كثير الأمر وضوحا بقوله إِنه لما كان "ملك الروم" يخشى معاوية، بعث يطلب المهادنة.
ونخلص من إِشارة المجموعة الثانية من المصادر العربية إِلى أن هناك رأيين : الأول يرى أن معاوية قد استجاب لنصيحة عمرو بن العاص عندما هاجم الإِمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني الأراضي الإسلامية في أثناء فترة النزاع بين أبي طالب ومعاوية بطلب الهدنة مع البيزنطيين، وقدم لهم المال والحلل، وأطلق لهم سراح بعض الأسرى، والرأي الثاني يرى أن الإِمبراطور البيزنطي استغل انشغال معاوية بالنزاع مع علي بن أبي طالب، فأراد مهاجمة المسلمين، وتجرأ بذلك على معاوية بعد أن كان يخشاه. لكن معاوية بن أبي سفيان بعث إِليه كتابا يهدده ويتوعده ؛ فما كان من الإِمبراطور البيزنطي إِلا أن أسرع بطلب الهدنة.
* أما المجموعة الثالثة من المصادر العربية، فتضم رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي. إذ يشير الأول إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد "صالح الروم" في عام 41هـ/661م(15).أما اليعقوبي، فيزيد الأمر وضوحا ويشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد بلغه في عام 41هـ/661م أن "طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عما يحتاج إلى تدبير وأحكامه، فوجه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار(16)".
وأهم ما نلحظه في رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي أنها حددت المهادنة بين معاوية والبيزنطيين بعام 41هـ/661م. وهي بذلك تختلف عن رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية التي ترى أن المهادنة بين الجانبين كانت في فترة النزاع بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بينما تشير رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي إلى أن المهادنة كانت بعد انتهاء فترة النزاع واستقرار معاوية الحكم. ونلاحظ أيضا من رواية المجموعة الثالثة من المصادر العربية أن الإمبراطور البيزنطي هو الذي بادر بمهاجمة المسلمين، بالرغم من انتهاء النزاع بين علي ومعاوية واستقرار الأمور لمعاوية؛ ولكن معاوية - حسبما أشار إليه اليعقوبي- خاف أن تشغله هذه الحرب عن تدبير أمور دولته، وإحكام قبضته عليها. فأسرع بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي، وقدم له في مقابل عقد المهادنة مائة ألف دينار.
وفي ضوء العرض السابق لروايات المصادر العربية، يمكن القول إن هناك فريقا من المؤرخين المسلمين يضم ابن سلام والبلاذري والشيباني وابن الطقطقي اكتفى بالإشارة إلى أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد هادن البيزنطيين. ثم يزيد المسعودي هذا الأمر وضوحا ويشير إلىأن معاوية هادن كلا من الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني وابنه الإمبراطور قسطنطين الرابع.
وهناك فريق آخر يضم ابن قتيبة والطبري والدينوري، ويرى أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور قنسطانز الثاني كانت في أثناء الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما، وأن الأخير استجاب لنصيحة عمرو بن العاص، وأسرع بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي، وقد قدم له المال والحلل بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
وهناك فريق ثالث يضم كلا من خليفة بن خياط واليعقوبي، ويرى أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين كانت في عام 41هـ/661م بعد أن استقر معاوية في حكم المسلمين وشرع في تدبير أمور دولته، وأن معاوية هذا بادر بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي عندما شرع في مهاجمة المسلمين، وأنه قد قدم للبيزنطيين مائة ألف دينار.
أما المصادر البيزنطية، فتأتي روايات المؤرخ ثيوفانيس في مقدمتها؛ إذ يشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين. ويحدد ثيوفانيس - الذي اتبع النظام الحولي في كتابته - تاريخ المهادنة الأولى. ويشير إلى أنها كانت في العام الخامس من حكم ثالثالخلفاء الراشدين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (24-35/644-656م). ثم يوضح أنها كانت في الفترة الممتدة من أول سبتمبر عام 650م/28 ذي الحجة عام 29هـ حتى 31 أغسطس عام 651م/8 المحرم عام 31هـ، وذلك عندما كان معاوية واليا على الشام(17).
ويبين لنا ثيوفانيس أسباب هذه المهادنة، ويشير إلى أن معاوية أرسل القائد بشراً، فتوغل بقواته داخل الأراضي البيزنطية وعاد ومعه خمسمائة أسير. عندئذ، أرسل الإمبراطور البيزنطي قنسطانز مبعوثا يدعى بركوبيوش إِلى معاوية يعرض عليه رغبة الإِمبراطور في عقد اتفاقية للسلام بينهما. وأن معاوية قد احتجز بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق، ومن بينهم جريجوري ابن ثيودور شقيق الإمبراطور(1.
وإِذا ما تناولنا هذه الرواية بالتمحيص، وجدنا أنها لا تتفق مع إِشارات المصادر العربية. ولكن يمكن فقط أن تُعتبر إِشارة ابن كثير التي توضح أن الإمبراطور البيزنطي كان يخشى معاوية قبل النزاع مع علي بن أبي طالب تتوافق مع هذه الرواية. ثم إننا نلاحظ أن مبادرة طلب الهدنة - حسبما أشار غليه ثيوفانيس - جاءت من جانب الإمبراطور البيزنطي. ذلك بأن مقتل الخليفة عثمان بن عفان كان في يوم الجمعة 18 من ذي الحجة عام 35هـ/17 يونيو عام 656م(19)غير أن هذه الرواية تشير في الوقت نفسه إلى أن هذه المهادنة كانت في العام الذي توفي فيه البابا مارتن الأول الذي مات عام 36هـ/656م(20) وبهذا يكون هناك اختلاف كبير بين التاريخ الأول والثاني.
ونلاحظ كذلك أن هذه المهادنة - حسبما أشار إليه المؤرخ ثيوفانيس- كانت في فترة النزاع بين معاوية وعلي بن أبي طالب(21).وبهذا، فهي تتفق مع ما سبق أن أشارت إليه بعض المصادر العربية. ولكن إذا أخذنا بالتاريخ الأول الذي حدده المؤرخ ثيوفانيس، وجدنا أنه كان بعد عام من التحكيم بين علي ومعاوية(22)، وأن الأمور بدأت تستقر لصالح معاوية، ولم يكن بحاجة لمهادنة البيزنطيين. هذا، بينما يتفق التحديد الثاني، وهو عام 36هـ/656م، مع إشارة ابن كثير إلى أن المهادنة كانت قبل التحكيم. ولكن يواجهنا في هذا الأمر ما أشار إليه ثيوفانيس من أن المهادنة كانت بعد ثلاث سنوات من مقتل الخليفة عثمان بن عفان. ومما زاد الأمر تعقيدا أننا لم نعثر في المصادر البيزنطية الأخرى أو المصادر الأرمينية أو السريانية ما يحسم هذا الأمر. وعليه، فإننا لا نجد سوى أن نضع احتمالا، فنقول إنه يبدو أن المؤرخ ثيوفانيس قد أخطأ وأشار إلى أن المهادنة كانت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بثلاث سنوات، وإن الصواب هو أنها كانت بعد مقتل الخليفة بثلاثة شهور؛ وبذلك تكون المهادنة في شهر ربيع الأول عام36 هـ/سبتمبر عام 656م.
ومما هو جدير بالملاحظة أن المؤرخ ثيوفانيس لم يشر في روايته عن المهادنة الثانية إلى أن الإمبراطور البيزنطي قد هاجم الأراضي الإسلامية، مما دفع معاوية إلى طلب الهدنة كما ذكرت المصادر العربية. ولكن عدم إشارة ثيوفانيس إلى الهجوم البيزنطي لا ينفيه. ولهذا أميل إلى رأي المصادر العربية القائل بأن كل هذه التنازلات التي قدمها معاوية بن أبي سفيان للبيزنطيين كانت نتيجة شعوره بخطورة الهجوم البيزنطي في هذه الفترة.
أما المهادنة الثالثة، فيشير ثيوفانيس إلى أنها كانت فيما بين عامي 57 و58هـ/677 و678م. وفيها تعهد معاوية بدفع إتاوة سنوية للبيزنطيين هي عبارة عن ثلاثة آلاف نوميسماتا وخمسين حصانا أصيلا؛ كما تعهد بإطلاق سراح خمسين أسيرا من البيزنطيين. واتفق الجانبان على أن تكون مدة المهادنة ثلاثين عاما(23) ويذكر المؤرخ ثيوفانيس أسباب طلب معاوية لهذه المهادنة، فيرجعها إلى ما قام به المردة(24)من إثارة للفتن والاضطرابات في منطقة جبل لبنان؛ إذ انضم إليهم كثير من العبيد والأهالي، فزاد خطرهم مما تسبب في إزعاج معاوية بن أبي سفيان، فأرسل سفارة إلى الإمبراطور البيزنطي سفارة معاوية بن أبي سفيان وأكرم وفادتها. وعند عودتها إلى الشام، صحبها مبعوث من الإمبراطور يدعى حنا بتزيجورس الذي يصفه ثيوفانيس بالفطنة والحكمة، وأنه كان يعمل في الجهاز الإداري للإمبراطور. ونجح المبعوث البيزنطي بعد عدة لقاءات مع الجانب الإسلامي في عقد اتفاقية سلام بين الجانبين.
وبعد توقيع صيغة المهادنة، احتفظ كل جانب بنسخة منها. وعاد المبعوث الإمبراطور إلى موطنه محملا بكثير من الهدايا النفيسة(25).
وأهم ما نلحظه في هذه الرواية أن المصادر العربية لم تشر إليها. ولكن إذا نظرنا إلى أن أسبابها ترجع إلى القلاقل التي أثارها جماعة المردة في هذه الفترة، فإننا نجد في المصادر العربية ما يؤكد أن هذه الجماعة كانت تثير الفتن؛ إذ يشير ابن الأثير إلى أنهم أحدثوا الاضطرابات في منطقة جبل اللكام في لبنان عام 69هـ/688-689م(26).ويؤكد البلاذري رواية ابن الأثير، مشيرا إلى أن المردة أثاروا المتاعب عام 70هـ/689-690م، مما دفع عبد الملك بن مروان إلى موادعتهم ومنحهم ألف دينار كل أسبوع، إلى أن دبر لهم الحيلة ونجح في القضاء عليهم(27).
وهكذا يتضح لنا من خلال إشارات بعض المصادر العربية أن المردة كانوا في نظر الحكام المسلمين يمثلون خطورة كبيرة من جهة، ولهذا سعوا إلى شراء موادعتهم بتقديم بعض التنازلات المالية وغيرها، لكونهم يقطنون منطقة الثغور الإسلامية، ويدينون بالولاء الكامل للبيزنطيين؛إذ يشير المؤرخ ثيوفانيس إلى أن المردة كانوا موالين للبيزنطيين، وكانوا بمثابة السور النحاسي للإمبراطورية البيزنطية(2داخل الأراضي الإسلامية.
وإذا نظرنا إلى تاريخ عقد هذه المهادنة- حسبما أشار إليه المؤرخ ثيوفانيس-، تبينا أنه كان فيما بين عامي 57 و58هـ/677 و678م، أي أنها عقدت في عهد الإمبراطور قسطنطين الرابع. وعلى هذا يمكن القول إن إشارة كل من المسعودي والنويري إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن أيضا الإمبراطور قسطنطين الرابع(29)تتوافق مع رواية ثيوفانيس.
وفيما يخص المؤرخين البيزنطيين الآخرين، يشير المؤرخ موناخوس همرتولوس إلى رواية تتفق مع ما أشار إليه ثيوفانيس بشأن المهادنة الأولى التي كانت بين معاوية بن أبي سفيان و الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني في عام 31هـ/651، ويوضح أن هذه المهادنة قد انتهت نتيجة مهاجمة معاوية لجزيررودس عام 33هـ/653م(30).
كما تتفق رواية موناخوس مع رواية ثيوفانيس بشأن المهادنة الثالثة، ويرى أنها كانت في عام 58هـ/678م. ويحدد موناخوس ما أحدثه المردة من اضطرابات عام 57هـ/677م. والاختلاف الوحيد بين الروايتين ينحصر في أن موناخوس يشير إلى أن العرب تعهدوا بتقديم مائة من الخيول الأصيلة كل عام(31)، بينما يحددها ثيوفانيس بخمسين فقط.
كذلك تتطابق رواية كل من جوزيف جنزيوس (32) والبطريق نقفور(33)مع رواية ثيوفانيس بشأن المهادنة الثالثة، ويشير إلى أنها كانت في عام 58هـ/678م، ولكنهما لم يذكر أنها كانت بسبب المردة.
وتتفق أيضا رواية كل من جورج كدرينوس(34)وحنا زوناراس(35)وليو جرامتيكوس(36)مع رواية ثيوفانيس بشان المهادنة الثالثة، ويرون أيضا أنها كانت في عام 58هـ/678م، ولكنهم لم يحددوا بنود هذه المهادنة.
وهكذا يتضح أن المصادر البيزنطية تكاد تتفق جميعها على أن المهادنة الثالثة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع كانت في عام 58هـ/678م.
ومن المصادر الأرمينية يشير المؤرخ سبيوس (Sebios) إلى رواية تتفق مع رواية المصادر البيزنطية بشان المهادنة التي كانت بين معاوية بن أبي سفيان عندما كان واليا على الشام والإمبراطور قنسطانز الثاني. ويضيف سبيوس أن هذه المهادنة قد انتهت عام 33هـ/653م(37)وهذه الإشارة تتفق مع ما رواه المؤرخ موناخوس همرتولوس.
وفيما يتعلق بالمصادر السريانية، يشير المؤرخ ميخائيل السرياني إلى أن معاوية عقد الهدنة مع الإمبراطور قنسطانز أثناء نزاعه مع علي بن أبي طالب، كما عقد مهادنة مع الإمبراطور قسطنطين عام 58هـ/678م(3.
ومن المؤرخين النصارى الذين دونوا كتابتهم باللغة العربية، يشير أجابيوس بن قسطنطين المعروف بالمنبجي إلى أنه :
في العام الثالث من عهد الخليفة عثمان بن عفان (24-35هـ/644-656م) وجه ملك الروم قسطوس(39) رسلا على رأسهم رجل يدعى منويل إلى معاوية يسأله الصلح، فأجابه معاوية إلى ذلك، على يترك ملك الروم عند معاوية رهائن من أهل بيته(40).
وأهم ما نلحظه من رواية المنبجي أنها تتفق مع رواية المصادر البيزنطية، ولكن تختلف معها في تحديد تاريخ المهادنة، وفي تحديد اسم الرسول الذي أرسله الإمبراطور البيزنطي لعقد الصلح مع معاوية. ولكن بما أن المصادر البيزنطية والسريانية قد اتفقت على أن المهادنة كانت في عام 31هـ/651م، فإننا نرى أنه حدث خطأ عند نسخ كتابات المنبجي، وكتبت "العام الثالث" بدلا من "العام الثامن" من عهد الخليفة عثمان بن عفان.
وأما الاختلاف في اسم المبعوث البيزنطي، فهذا من وجهة نظرنا لا يمثل اختلافا كبيرا؛ لأن كلا من ثيوفانيس والمنبجي قد أشار إلى أن السفارة كانت تتكون من عدة رجال، وربما يكون كل من بركوبيوس ومنويل قد قاما بدور في المفاوضات التي انتهت بعقد المهادنة بين الجانبين الإسلامي والبيزنطي.
وهكذا يتضح من خلال عرض روايات المصادر العربية عن المهادنات بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين في خلال القرن الأول الهجري/القرن السابع الميلادي، أن المصادر العربية ترى أن معاوية عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين: الأولى أثناء الخلاف مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثانية في عام 41هـ/661م،والثالثة مع الإمبراطور قسطنطين الرابع.
أما المصادر غير العربية، فترى أن معاوية عقد أيضا ثلاث مهادنات مع البيزنطيين: الأولى علم 31هـ/651م عندما كان واليا على الشام، والثانية في قسطنطين الرابع في عام 58هـ/768م.
وهكذا ينحصر الخلاف بين روايات المصادر العربية وغير العربية في خلافين هما :
أولا : أن المصادر غير العربية ترى أن المهادنة الأولى بين معاوية والبيزنطيين كانت في عام 31هـ/651م، بينما لم تشر المصادر العربية إلى هذا التاريخ.
ولكن بما أن المصادر غير العربية قد ّأجمعت على هذه الرواية، وبما أن هناك إشارة أوردها المؤرخ ابن كثير تتفق مع ما جاء في رواية المصادر غير العربية، فإنه يمكن القول إن المهادنة الأولى بين معاوية والبيزنطيين كانت في عام 31هـ/651م، وإنها جاءت نتيجة للانتصارات التي حققتها قوات معاوية عندما كان وليا على الشام. ولهذا بادر الإمبراطور البيزنطي قنسطانز بطلب الهدنة، واستجاب لمطلب معاوية بترك بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق كي يتم إبرام هذه المهادنة.
ونرى أيضا أن هذه الهدنة قد استمرت عامين، وانتهت عام 33هـ/653م. ولكن نلحظ أن المصادر غير العربية لم تشر إلى بنود هذه المهادنة. ولا ريب في أنها كانت في صالح المسلمين في هذه الفترة.
أما الاختلاف الثاني بين روايات المصادر العربية وغير العربية، فيتضح في أن بعض المصادر العربية ترى أن هناك مهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين في عام 41هـ/661م. أو في العام الذي يليه، بينما لم تشر المصادر غير العربية إلى ذلك.
وإذا نظرنا إلى أحوال كل من الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية خلال هذه الفترة، لم نجد ما يؤيد رأي الرواية العربية؛ إذ أن الاضطرابات الداخلية التي واجهت معاوية بن أبي سفيان في بداية عهده كادت أن تنتهي بعد أن خمدت الفتنة(41) ؛ كما أن أحوال الإمبراطورية البيزنطية لم تكن تسمح للإمبراطور قنسطانز الثاني بشن هجوم(42) على الدولة الإسلامية وقتذاك. إذ يشير ثيوفانيس إلى قيام النزاع بين الإمبراطور قنسطانز والبابا مارتن الأول، الذي انتهى بموت البابا في منفاه عام36 هـ/656م، ثم النزاع بين الإمبراطور قنسطانز وأخيه ثيودور وانتهى بمقتل الأخير عام 40هـ/660م(43) كل هذه الأحداث جعلت الإمبراطور البيزنطي يواجه سخط رجال الدين، وكراهية سكان العاصمة القسطنطينية(44)هذا بالإضافة إلى تعرض أملاك الإمبراطورية البيزنطية في إيطاليا للهجمات اللومباردية(45) . ولكل هذه الأسباب، ترك الإمبراطور قنسطانز الثاني العاصمة القسطنطينة، واتجه إلى صقلية عام 41هـ/661م، وظل بها حتى تعرض لمؤامرة انتهت بقتله عام 48هـ/668م(46).
نخلص من العرض السابق إلى أن أحوال الدولة الإسلامية كانت مستقرة، بينما كانت الإمبراطورية البيزنطية تعاني من عدم الاستقرار؛ إذ اضطربت أحوالها في الداخل، وتعرضت أملاكها في الغرب الأوروبي لتهديد اللومبارديِّين. ولهذا لم تكن تمثل تهديدا على الجانب الإسلامي، مثلما أشار كل من اليعقوبي وخليفة بن خياط(47)، وبالتالي لم يكن هناك خطر يجير معاوية بن أبي سفيان على إغداق الأموال على البيزنطيين.
ومن جهة مناقضة، يشير اليعقوبي نفسه إلى أن الإمبراطور البيزنطي عندما شعر بسوء أحوال بلاده، أرسل إلى معاوية يطلب الصلح على أن يدفع لمعاوية أضعاف ما كان يتلقاه المسلمون من قبل، فلم يوافق معاوية على طلبه(4، كما يشير اليعقوبي أيضا إلى أن الأمور بدأت تستقيم لمعاوية، فأصدر أوامره لغزو الأراضي البيزنطية، فقام بسر بن وطأة بالتوغل في أرض الروم عام 43هـ/653م(49).
ويؤكد كل من المنبجي(50) وثيوفانيس(51) وابن العبري(52) هذا الأمر، مشيرين إلى أن الأرمن رفعوا راية العصيان أمام البيزنطيين، وأرسل حاكمهم سابور رسولا يدعى سرجي إلى معاوية بن أبي سفيان عام 46هـ/667م يطلب منه أن يقدم له العون والمساعدة ضد البيزنطيين. فلما علم قسطنطين(53) ابن الإمبراطور قنسطانز الثاني بأنباء هذه المفاوضات، أرسل إلى معاوية رسولا يدعى أندرو يطلب منه عدم تأييد الأرمن في موقفهم ضد البيزنطيين. وعندما استمع معاوية إلى مطالب الرسول البيزنطي، رد عليه قائلا: "إن أعطيتمونا كل خراج بلادكم، نبقى لكم اسم المملكة؛ وإلا أزحناكم عنها". فعاد الرسول البيزنطي دون تحقيق الهدف الذي جاء من أجله.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي، والتي تشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان عقد الصلح مع البيزنطيين عام 41هـ/651م أو العام التالي، ودفع لهم مائة ألف دينار، لا تستند إلى دليل قوي، وأن أحوال كل من الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وقتذاك تجعل الباحث يشك في صحة هذه الرواية، ولا يقبلها.
وهكذا، لما كان تحديد تاريخ هذه المهادنات على جانب كبير من الأهمية لتوضيح التسلسل التاريخي، وتقويض الأسس التي أدت إلى الأخطاء التاريخية، وبعد عقد المقارنة بين روايات المصادر العربية وغير العربية، يمكن القول إن معاوية بن أبي سفيان عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين في القرن الأول الهجري /القرن السابع الميلادي : الأولى كانت في عام 31 هـ/ 651م عندما كان معاوية واليا على الشام، وجاءت مبادرة طلب الهدنة من جانب الإمبراطور البنزنطي قنساطنز الثاني، الذي وافق على أن يحتجز معاوية بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق، وقد استمرت هذه الهدنة عامين وانتهت عام 33هـ/653م، بمهاجمة قوات معاوية لجزيرة رودس.
أما المهادنة الثانية، فكانت في أثناء النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وعقدت في عام 36هـ/656م، وجاءت مبادرة طلب الهدنة من جانب معاوية حتى يتجنب الخطر البيزنطي ف هذه الفترة، وكانت هذه المهادنة في مجملها لصالح البيزنطيين؛ إذ قدم معاوية لهم ألف نوميسماتا وحصانا، وأطلق سراح أسر بيزنطي كل يوم، وانتهت هذه الهدنة في عام 40هـ/660م بعد أن انتهت فترة النزاع واستقرت الأمور لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
أما الهدنة الثالثة، فكانت في عام 58هـ/678م، وكان معاوية هو الذي طلب من الإمبراطور قسطنطين الرابع عقدها ليتجنب خطر جماعة الجراجمة (المردة) في جب لبنان، وكانت ثلاثين عاما. ودفع معاوية مقابل هذه الهدنة ثلاثة آلاف نوميسماتا وخمسين حصانا أصيلا، وأطلق سراح خمسين أسيرا من الأسرى البيزنطيين.
قائمة المصادر والمراجع
أولا : المصادر العربية والمعربة :
ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، الكامل في التاريخ، 9ج، بيروت، 1979م.
ابن سلام (ت224هـ/838-839م) أبو عبيد القاسم، كتاب الأموال مصر، د.ت.
ابن الطقطقي (ت 709هـ/1313-1311م) محمد بن علي بن طباطبا، الفخري في الآداب السلطانية، مصر د.ت.
ابن العبري (ت 276هـ/1286م)، أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون الطيب، تاريخ مختصر الدول، بيروت، د.ب.
ابن قتيبة (ت 276هـ/886م) أبو محمد بن عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، 2ج، مصر، 1904م.
--، عيون الأخبار، 2ج، القاهرة، 1925م.
ابن كثير (ت 774هـ/1373م) عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية 13 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي بيروت، 1984م.
البلاذري (ت279هـ/892م) أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، أنساب الأشراف، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت، 1979م
--، فتوح البلدان، ليدن، 1866م.
خليفة بن خياط (ت 240هـ/854م)، أبو عمرو خليفة بن خياط بن أبي هبيرة، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، الرياض، 1985م.
الدينوري (ت 882هـ/1895م)، أبو حنيفة أحمد بن داود، كتاب الأخبار الطوال، بغداد، 1959م.
الشيباني (ت 490هـ/1096-1097م)، محمد بن الحسن الشيباني، شرح كتاب السير الكبير، تحقيق عبد العزيز أحمد، القاهرة، 1972م.
الطبري (ت 310هـ/922م)، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، 10 ج، بيروت، 1979م.
المسعودي (ت 346هـ/956م)، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، 4 ج، بيروت، 1983م.
المنبجي (عاش في القرن الرابع الهجري / القرن العاشر الميلادي)، أغابيوس بن قسطنطينن المنتخب من تاريخ المنبجي، انتخبه وحققه أ.د. عمر عبد السلام تدمري، بيروت، 1986م.
النويري (ت 732هـ/1332م)، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الأرب في فنون الأدب، 27 ج، القاهرة، 1975-1975م.
اليعقوبي (ت بعد عام 292هـ/ بعد عام 904م)، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر، تاريخ اليعقوبي، 3 أجزاء، النجف، 1358هـ.
ثانيا : المصادر غير العربية :
Cedrenus, G., Historicum Compendium, Ed. Migne Patrologia Greaca, T. CXXI-CXXII, Paris 1964.
Genesius, J., Historia de Rebus Constantinopolitanis, Ed. Migne, Patrologia Greaca, T. CIX, Paris, 1863.
Georgius Monachus Hamartolus, Chronicon, Ed. Migne Patrologia Greaca, T. CX, Paris, 1863.
Leo Granmmaticus, Chronographia, Ed. Corpus Scriptorum Historiae Byzantinae, Bonne, 1892.
Michel le Syrien, Chronique, Texte syriaque et trad. fr. R.P.G., XV, Letter Gomroon diry. par Chabot, 4 vols, Paris, 1899.
Nicephorus Patriarchae, Breviarum Historicum, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.C, Paris, 1860.
Paul the Deacon, History of the Lombards, Tr. by W.D. Faulkf, Philadelphia, 1907.
(1)سورة الأنفال، آية 61.
(2) ابن سلام، كتاب الأموال، مصر، د.ت.، ص. 162.
(3) البلاذري، فتوح البلدان، ليدن، 1866م، ص. 159.
(4) ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية، مصر، د.ت.، صص. 59-60.
(5) الشيباني، شرح كتاب السير الكبير، تحقيق عبد العزيز أحمد، القاهرة، 1972م، ص. 1753.
(6) المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، 4ج، بيروت، 1983م، ج1، ص. 329.
(7) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، 27 ج، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1975-1976م، ج 15، ص. 27.
( يطلق عليه المسعودي اسم "مورق بن مورق" والنويري اسم "فوق بن مورق".
(9) يطلق عليه المسعودي "قلفط بن مورق"، والنويري اسم "فوق بن مورق".
(10) ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 2 ج، مصر، 1904م، ص. 160.
(11) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 10ج، بيروت، 1979م، ج6، ص. 186.
(12) الدينوري، كتاب الأخبار الطوال، بغداد، 1959م، ص. 157.
(13) ابن كثير، البداية والنهاية، ط 3، بيروت، 1980م ج 8. 119
(14) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم ضياء العمري، الرياض 1985م، ص. 191.
(15) خليفة بن خياط، المصدر السابق، ص.205.
(16) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 3ج، النجف، 1358هـ، ج2، صص. 193-213.
(17) Theophnes, The Chronicle of Theophanes (A,D. 602-813°, Trans. by Harry Turledove, U.S.A, Pensylvania, 1982, p. 44.
(1 Theophones, op. cit., pp. 44-47.
(19) الطبري، المصدر السابق، ج4، صص. 411-412
(20) Theophanes, op. cit., pp. 21
(21) Ibid., p. 46
(22) انظر ما سبق
(23) Theophanes, op. cit., pp. 54
(24) المردة : هم جماعة الجراجمة الذين كانوا يسكنون منطقة الثغور الإسلامية، وأطلق عليهم المؤرخون المسلمون اسم المردة لكثرة عصيانهم. (لمزيد من التفاصيل، انظر : فتحي عثمان، المرجع السابق، ج11، ص.362؛ عبد المنعم ماجد، التاريخ السياسي للدولة العربية، 2ج، القاهرة، 1979، ج2، صص. 32-33.
(25) Theophanes, op. cit., pp. 53-54
(26) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 9ج، بيروت، 1979، ج4، ص.304.
(27) البلاذري، فتوح البلدان، ص. 160؛ وأيضا: أنساب الأشراف، تحقيق د. إحسان عباس، 5ج، بيروت، 1979م، ج5، صص. 199-200.
(2 Theophanes, op. cit., p.62
(29) انظر ما سبق
(30) Georgius Monachus Hamartolus, Chronicon, Ed. Migne, Patrologia Greaca, T
(31) Hamartolus, op. cit., col. 895
(32) J. Genesius, Historia de Rebus Constantinopolinis, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.CIX, Paris, 1863, col. 13
(33) Nicephonrus Patriarchae, Breviarum Historicum, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.C, Paris, 1860, clls. .930, 936
(34)G. cedrenus, Histiricum, Ed. Migne Patologia Greaca, T. CXXI-CXXII, Paris, 1864, T. CXXII, Paris, 1864, T.CXXI, col 843.
(35)J. Zonaras, Epitome Historicum, Ed. M. Pender, 3 vols., Bonne, 1841-1892, vol. II, p. 321.
(36)J. Zonaras, Epitome Historicum, Ed. M. Pender, 3 vols., Bonne, 1841-1892, vol. II, p. 321.
(37) Sebios, Histoire d’Herclius, Tr. Fr. Macler. Paris, 1904, p. 137
(3 Michel Le Zyrien, Chronique, Texte syriaque et trad. fr. par J. B. Chabot, 4 vols., Paris, 1899, vol. II, pp. 450-469.
(39) المقصود الإمبراطور قنسطانز الثاني.
(40) المنبجي، المنتخب من تاريخ المنبجي، انتخبه وحققه أ.د. عمر عبد السلام تدمري، لبنان، 1986م، ص. 57.
(41) عبد المنعم ماجد، المرجع السابق، ج1، ص.272.
(42) A.A. Vasiliev, History of the Byzantine Empire (324-1453), 2 vols, Madison, 1958-1960, Vol. I, p. 193.
(43) Theophanes, op. cit., p. 47
(44) G. Ostrogorsky, History of ghe byzantin State, Tr. J. Hussy, Oxford, 1956, pp. 106-109
(45) Paul the Deacon, History of byzanitin State, Tr. J. Hussey, Oxford, 1956, pp. 106-109
(46) Theophanes, op, cit., pp. 50-51
(47) انظر ما سبق
(4 اليعقوبي، المصدر السابق، ج2ن ص. 193.
(49) المصدر نفسه، ص. 213.
(50) المنبجي، المصدر السابق، ص. 58
(51) Theophanes, op. cit., p. 48
(52) ابن العبري، تاريخ مختصر الدول بيروت، 1958، ص.109.
(53) هو قسطنطين الرابع الذي كان يتوالى إدارة الحكم في القسطنطينية نيابة عن أبيه قنسكانز الثاني الذي كان وقتذاك مقيما في صقلية.
الدكتور إبراهيم بن حمود المشيقح
رئيس قسم التاريخ - كلية العلوم العربية ولاجتماعية بالقصيم - جامعة الإمام - المملكة العربية السعودية
تتأتَّى أهمية هذا الموضوع ممَّا يتيحه من تناول لعدد من المصادر العربية والبيزنطية والسريانية والأرمينية التي تطرقت لهذه الهدنة، ووقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف والتوفيق بين هذه المصادر للوصول إلى معالجة دقيقة لهذه المصادر وتعرُّف للمهادنات بين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، والإمبراطور البيزنطي قنسطانز وقسطنطين الرابع، وتاريخ كل هدنة والظروف التي دعت لعقد هذه المهادنة بين الطرفين والمدة الزمنية التي اتفق عليها، وهل هي هدنة واحدة أو أنها تعددت في أوقات مختلفة.
الحرب والسلم لهما أثرهما في حياة الشعوب منذ القدم، ومثلما خاض المسلمون عددا من الحروب، مالوا أيضاً إِلى السلم حقناً للدماء. قال عز وجل : )وإِن جنحُوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله((1).
ومن يستقرئ التاريخ الإسلامي، يقف على الكثير من المهادنات والمعاهدات السلمية بين المسلمين وأعدائهم.
لذلك خصصنا هذا البحث للحديث عن المهادنات بين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وكل من الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني (21هـ-48هـ/641-668م) والإمبراطور قسطنطين الرابع (48-65هـ/668-685م).
كذلك خصصنا له، لأهمية هذا الموضوع الذي يتناول العلاقات السياسية بين المسلمين والبيزنطيين، وهو من الموضوعات التي تصدى لها المؤرخون القدامى والمعاصرون. إلا أن المهادنات بين معاوية رضي الله عنه ، والبيزنطيين من الموضوعات الشائكة التي اختلفت فيها روايات المؤرخين المسلمين والبيزنطيين والأرمن والسريان، ومن الأهمية بمكان دراسة روايات هذه المصادر.
وإذا أخذنا المصادر العربية بعين الاعتبار، لاحظنا أن الروايات التي أشارت إِلى هذه المهادنات يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات رئيسية :
* تتضمن المجموعة الأولى إِشارات عابرة إِلى كل من ابن سلام(2) والبلاذري(3) (وابن الطقطقي(4) والشيباني (5) تفيد "أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن الروم". ولم توضح هذه الروايات في أي عام كانت هذه المهادنة، ومن الذي بادر من الجانبين الإسلامي أو البيزنطي بطلب الهدنة، وما شروط المهادنة أو بنودها، وما مدتها، وكم عام استمرت هذه المهادنة.
ويمكن أن نضيف إلى هذه المجموعة رواية كل من المسعودي(6) والنويري(7) إِذ يشيران في رواية مختصرة إِلى أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن كلاًّ من الإِمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني( وابنه الإمبراطور قسطنطين الرابع(9).
وعلى هذا، يمكن القول إن رواية كلّ من المسعودي والنويري تتميز عن رواية كلّ من ابن سلام والبلاذري وابن الطقطقي والشيباني بأنها حددت أسماء الحاكمين البيزنطيين اللذين في عهدهما كانت المهادنة مع معاوية، ولكنهما في الوقت نفسه لم يحددا العام الذي كانت فيه المهادنة، خاصة إذا علمنا أن فترة حكم كلّ من قنسطانز الثاني وقسطنطين الرابع قد امتدت من عام 21هـ/641م حتى عام 65هـ/685م ؛ كما أنّهما لم يحددا هل كانت المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور قسطنطين الرابع امتدادا للمهادنة التي سبق أن عقدت بين معاوية ووالد الإمبراطور البيزنطي أو أن معاوية قد هادن كلاًّ من قنسطانز الثاني وقسطنطين الرابع، كلٍّ على حدة ؛ وبهذا تكون هناك مهادنتان مع الروم.
* أما المجموعة الثانية من المصادر العربية، فتشمل روايات كلّ من ابن قتيبة(10)والطبري(11) والدينوري(12)الذين أشاروا إِلى أن "قيصر الروم زحف بجنده لمقاتلة المسلمين" أثناء فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قدم النصيحة لمعاوية رضي الله عنه ، بضرورة مواعدة قيصر الروم في تلك الفترة بإعطائه المال والحلل، وإطلاق سراح الأسرى ؛ فاستجاب معاوية ابن أبي سفيان لنصيحة عمرو بن العاص رضي الله عنهما
ومن خلال روايات المجموعة الثانية من المصادر العربية يمكن أن نستنتج عدة ملاحظات، منها أن الإمبراطور البيزنطي وهو قنسطانز الثاني كان البادئ بمهاجمة المسلمين، وأنه استغل انشغال المسلمين بالفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - ليشن هجومه، وأن معاوية هو الذي بادر بطلب الهدنة من الإِمبراطور البيزنطي استجابة لنصيحة عمرو بن العاص، وأن معاوية بن أبي سفيان قدم للإِمبراطور البيزنطي المال والحلل، وأطلق له سراح بعض الأسرى البيزنطيين كي يوافق على هذه المهادنة.
ولكن وقفة تحليلية لهذه الرواية تبيِّن أنها رواية ينقصها التحديد الدقيق للعام الذي عقدت فيه هذه المهادنة ؛ إذ أنها اكتفت بالإِشارة إِلى أن المهادنة كانت في فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهي خمس سنوات (35-40هـ/656-661م) ؛ كما أنها لم تشر إِلى موافقة الإمبراطور البيزنطي على طلب معاوية للمهادنة، ولم تحدد مدة هذه الهدنة. ويلاحظ أن هذه المهادنة كانت في عهد الإمبراطور قنسطانز الثاني فقط، ولم تشر الرواية إلى استمرارها أو عقد مهادنة أخرى مع البيزنطيين في عهد الإمبراطور قسطنطين الرابع.
ويمكن أن نضيف رواية المؤرخ ابن كثير(13) إلى إِشارات المجموعة الثانية من المصادر العربية. إِذ يشير إِلى أن ملك الروم قد طمع في معاوية بعد أن كان يخشاه، فزحف بجيش كبير لمحاربة المسلمين. عندئذ أرسل إِليه معاوية كتابا يتوعده، فبعث يطلب المهادنة، ثم كان من أمر التحكيم ما كان.
وتعتبر رواية ابن كثير على جانب كبير من الأهمية ؛ إِذ تتفق مع رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية في أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين كانت في أثناء فترة النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ولكنهما أكثر دقة في أنها حددت عقد المهادنة قبل الشروع في التحكيم بين علي ومعاوية. ولماكان التحكيم في صفر عام 37هـ/ يوليو عام 657م، فمعنى هذا أن هذه المهادنة قد تمت في الفترة ما بين عامي 35 و 37هـ/ 655 و 657م(14).
على أن هناك اختلافا بين رواية ابن كثير ورواية المجموعة الثانية من المصادر العربية يتمثل في أن المبادرة بطلب الهدنة جاءت من جانب الإمبراطور البيزنطي، وليس من جانب معاوية كما أشارت إِلى ذلك رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية. ويوضح ابن كثير السبب في ذلك بأن معاوية قد أرسل إِلى الإمبراطور البيزنطي كتابا يتوعده، لأنه استغل انشغاله بالنزاع مع علي بن أبي طالب وزحف بقواته لمقاتلة المسلمين. ثم يزيد ابن كثير الأمر وضوحا بقوله إِنه لما كان "ملك الروم" يخشى معاوية، بعث يطلب المهادنة.
ونخلص من إِشارة المجموعة الثانية من المصادر العربية إِلى أن هناك رأيين : الأول يرى أن معاوية قد استجاب لنصيحة عمرو بن العاص عندما هاجم الإِمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني الأراضي الإسلامية في أثناء فترة النزاع بين أبي طالب ومعاوية بطلب الهدنة مع البيزنطيين، وقدم لهم المال والحلل، وأطلق لهم سراح بعض الأسرى، والرأي الثاني يرى أن الإِمبراطور البيزنطي استغل انشغال معاوية بالنزاع مع علي بن أبي طالب، فأراد مهاجمة المسلمين، وتجرأ بذلك على معاوية بعد أن كان يخشاه. لكن معاوية بن أبي سفيان بعث إِليه كتابا يهدده ويتوعده ؛ فما كان من الإِمبراطور البيزنطي إِلا أن أسرع بطلب الهدنة.
* أما المجموعة الثالثة من المصادر العربية، فتضم رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي. إذ يشير الأول إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد "صالح الروم" في عام 41هـ/661م(15).أما اليعقوبي، فيزيد الأمر وضوحا ويشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد بلغه في عام 41هـ/661م أن "طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عما يحتاج إلى تدبير وأحكامه، فوجه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار(16)".
وأهم ما نلحظه في رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي أنها حددت المهادنة بين معاوية والبيزنطيين بعام 41هـ/661م. وهي بذلك تختلف عن رواية المجموعة الثانية من المصادر العربية التي ترى أن المهادنة بين الجانبين كانت في فترة النزاع بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بينما تشير رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي إلى أن المهادنة كانت بعد انتهاء فترة النزاع واستقرار معاوية الحكم. ونلاحظ أيضا من رواية المجموعة الثالثة من المصادر العربية أن الإمبراطور البيزنطي هو الذي بادر بمهاجمة المسلمين، بالرغم من انتهاء النزاع بين علي ومعاوية واستقرار الأمور لمعاوية؛ ولكن معاوية - حسبما أشار إليه اليعقوبي- خاف أن تشغله هذه الحرب عن تدبير أمور دولته، وإحكام قبضته عليها. فأسرع بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي، وقدم له في مقابل عقد المهادنة مائة ألف دينار.
وفي ضوء العرض السابق لروايات المصادر العربية، يمكن القول إن هناك فريقا من المؤرخين المسلمين يضم ابن سلام والبلاذري والشيباني وابن الطقطقي اكتفى بالإشارة إلى أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد هادن البيزنطيين. ثم يزيد المسعودي هذا الأمر وضوحا ويشير إلىأن معاوية هادن كلا من الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني وابنه الإمبراطور قسطنطين الرابع.
وهناك فريق آخر يضم ابن قتيبة والطبري والدينوري، ويرى أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور قنسطانز الثاني كانت في أثناء الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما، وأن الأخير استجاب لنصيحة عمرو بن العاص، وأسرع بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي، وقد قدم له المال والحلل بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
وهناك فريق ثالث يضم كلا من خليفة بن خياط واليعقوبي، ويرى أن المهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين كانت في عام 41هـ/661م بعد أن استقر معاوية في حكم المسلمين وشرع في تدبير أمور دولته، وأن معاوية هذا بادر بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي عندما شرع في مهاجمة المسلمين، وأنه قد قدم للبيزنطيين مائة ألف دينار.
أما المصادر البيزنطية، فتأتي روايات المؤرخ ثيوفانيس في مقدمتها؛ إذ يشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين. ويحدد ثيوفانيس - الذي اتبع النظام الحولي في كتابته - تاريخ المهادنة الأولى. ويشير إلى أنها كانت في العام الخامس من حكم ثالثالخلفاء الراشدين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (24-35/644-656م). ثم يوضح أنها كانت في الفترة الممتدة من أول سبتمبر عام 650م/28 ذي الحجة عام 29هـ حتى 31 أغسطس عام 651م/8 المحرم عام 31هـ، وذلك عندما كان معاوية واليا على الشام(17).
ويبين لنا ثيوفانيس أسباب هذه المهادنة، ويشير إلى أن معاوية أرسل القائد بشراً، فتوغل بقواته داخل الأراضي البيزنطية وعاد ومعه خمسمائة أسير. عندئذ، أرسل الإمبراطور البيزنطي قنسطانز مبعوثا يدعى بركوبيوش إِلى معاوية يعرض عليه رغبة الإِمبراطور في عقد اتفاقية للسلام بينهما. وأن معاوية قد احتجز بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق، ومن بينهم جريجوري ابن ثيودور شقيق الإمبراطور(1.
وإِذا ما تناولنا هذه الرواية بالتمحيص، وجدنا أنها لا تتفق مع إِشارات المصادر العربية. ولكن يمكن فقط أن تُعتبر إِشارة ابن كثير التي توضح أن الإمبراطور البيزنطي كان يخشى معاوية قبل النزاع مع علي بن أبي طالب تتوافق مع هذه الرواية. ثم إننا نلاحظ أن مبادرة طلب الهدنة - حسبما أشار غليه ثيوفانيس - جاءت من جانب الإمبراطور البيزنطي. ذلك بأن مقتل الخليفة عثمان بن عفان كان في يوم الجمعة 18 من ذي الحجة عام 35هـ/17 يونيو عام 656م(19)غير أن هذه الرواية تشير في الوقت نفسه إلى أن هذه المهادنة كانت في العام الذي توفي فيه البابا مارتن الأول الذي مات عام 36هـ/656م(20) وبهذا يكون هناك اختلاف كبير بين التاريخ الأول والثاني.
ونلاحظ كذلك أن هذه المهادنة - حسبما أشار إليه المؤرخ ثيوفانيس- كانت في فترة النزاع بين معاوية وعلي بن أبي طالب(21).وبهذا، فهي تتفق مع ما سبق أن أشارت إليه بعض المصادر العربية. ولكن إذا أخذنا بالتاريخ الأول الذي حدده المؤرخ ثيوفانيس، وجدنا أنه كان بعد عام من التحكيم بين علي ومعاوية(22)، وأن الأمور بدأت تستقر لصالح معاوية، ولم يكن بحاجة لمهادنة البيزنطيين. هذا، بينما يتفق التحديد الثاني، وهو عام 36هـ/656م، مع إشارة ابن كثير إلى أن المهادنة كانت قبل التحكيم. ولكن يواجهنا في هذا الأمر ما أشار إليه ثيوفانيس من أن المهادنة كانت بعد ثلاث سنوات من مقتل الخليفة عثمان بن عفان. ومما زاد الأمر تعقيدا أننا لم نعثر في المصادر البيزنطية الأخرى أو المصادر الأرمينية أو السريانية ما يحسم هذا الأمر. وعليه، فإننا لا نجد سوى أن نضع احتمالا، فنقول إنه يبدو أن المؤرخ ثيوفانيس قد أخطأ وأشار إلى أن المهادنة كانت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بثلاث سنوات، وإن الصواب هو أنها كانت بعد مقتل الخليفة بثلاثة شهور؛ وبذلك تكون المهادنة في شهر ربيع الأول عام36 هـ/سبتمبر عام 656م.
ومما هو جدير بالملاحظة أن المؤرخ ثيوفانيس لم يشر في روايته عن المهادنة الثانية إلى أن الإمبراطور البيزنطي قد هاجم الأراضي الإسلامية، مما دفع معاوية إلى طلب الهدنة كما ذكرت المصادر العربية. ولكن عدم إشارة ثيوفانيس إلى الهجوم البيزنطي لا ينفيه. ولهذا أميل إلى رأي المصادر العربية القائل بأن كل هذه التنازلات التي قدمها معاوية بن أبي سفيان للبيزنطيين كانت نتيجة شعوره بخطورة الهجوم البيزنطي في هذه الفترة.
أما المهادنة الثالثة، فيشير ثيوفانيس إلى أنها كانت فيما بين عامي 57 و58هـ/677 و678م. وفيها تعهد معاوية بدفع إتاوة سنوية للبيزنطيين هي عبارة عن ثلاثة آلاف نوميسماتا وخمسين حصانا أصيلا؛ كما تعهد بإطلاق سراح خمسين أسيرا من البيزنطيين. واتفق الجانبان على أن تكون مدة المهادنة ثلاثين عاما(23) ويذكر المؤرخ ثيوفانيس أسباب طلب معاوية لهذه المهادنة، فيرجعها إلى ما قام به المردة(24)من إثارة للفتن والاضطرابات في منطقة جبل لبنان؛ إذ انضم إليهم كثير من العبيد والأهالي، فزاد خطرهم مما تسبب في إزعاج معاوية بن أبي سفيان، فأرسل سفارة إلى الإمبراطور البيزنطي سفارة معاوية بن أبي سفيان وأكرم وفادتها. وعند عودتها إلى الشام، صحبها مبعوث من الإمبراطور يدعى حنا بتزيجورس الذي يصفه ثيوفانيس بالفطنة والحكمة، وأنه كان يعمل في الجهاز الإداري للإمبراطور. ونجح المبعوث البيزنطي بعد عدة لقاءات مع الجانب الإسلامي في عقد اتفاقية سلام بين الجانبين.
وبعد توقيع صيغة المهادنة، احتفظ كل جانب بنسخة منها. وعاد المبعوث الإمبراطور إلى موطنه محملا بكثير من الهدايا النفيسة(25).
وأهم ما نلحظه في هذه الرواية أن المصادر العربية لم تشر إليها. ولكن إذا نظرنا إلى أن أسبابها ترجع إلى القلاقل التي أثارها جماعة المردة في هذه الفترة، فإننا نجد في المصادر العربية ما يؤكد أن هذه الجماعة كانت تثير الفتن؛ إذ يشير ابن الأثير إلى أنهم أحدثوا الاضطرابات في منطقة جبل اللكام في لبنان عام 69هـ/688-689م(26).ويؤكد البلاذري رواية ابن الأثير، مشيرا إلى أن المردة أثاروا المتاعب عام 70هـ/689-690م، مما دفع عبد الملك بن مروان إلى موادعتهم ومنحهم ألف دينار كل أسبوع، إلى أن دبر لهم الحيلة ونجح في القضاء عليهم(27).
وهكذا يتضح لنا من خلال إشارات بعض المصادر العربية أن المردة كانوا في نظر الحكام المسلمين يمثلون خطورة كبيرة من جهة، ولهذا سعوا إلى شراء موادعتهم بتقديم بعض التنازلات المالية وغيرها، لكونهم يقطنون منطقة الثغور الإسلامية، ويدينون بالولاء الكامل للبيزنطيين؛إذ يشير المؤرخ ثيوفانيس إلى أن المردة كانوا موالين للبيزنطيين، وكانوا بمثابة السور النحاسي للإمبراطورية البيزنطية(2داخل الأراضي الإسلامية.
وإذا نظرنا إلى تاريخ عقد هذه المهادنة- حسبما أشار إليه المؤرخ ثيوفانيس-، تبينا أنه كان فيما بين عامي 57 و58هـ/677 و678م، أي أنها عقدت في عهد الإمبراطور قسطنطين الرابع. وعلى هذا يمكن القول إن إشارة كل من المسعودي والنويري إلى أن معاوية بن أبي سفيان قد هادن أيضا الإمبراطور قسطنطين الرابع(29)تتوافق مع رواية ثيوفانيس.
وفيما يخص المؤرخين البيزنطيين الآخرين، يشير المؤرخ موناخوس همرتولوس إلى رواية تتفق مع ما أشار إليه ثيوفانيس بشأن المهادنة الأولى التي كانت بين معاوية بن أبي سفيان و الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني في عام 31هـ/651، ويوضح أن هذه المهادنة قد انتهت نتيجة مهاجمة معاوية لجزيررودس عام 33هـ/653م(30).
كما تتفق رواية موناخوس مع رواية ثيوفانيس بشأن المهادنة الثالثة، ويرى أنها كانت في عام 58هـ/678م. ويحدد موناخوس ما أحدثه المردة من اضطرابات عام 57هـ/677م. والاختلاف الوحيد بين الروايتين ينحصر في أن موناخوس يشير إلى أن العرب تعهدوا بتقديم مائة من الخيول الأصيلة كل عام(31)، بينما يحددها ثيوفانيس بخمسين فقط.
كذلك تتطابق رواية كل من جوزيف جنزيوس (32) والبطريق نقفور(33)مع رواية ثيوفانيس بشأن المهادنة الثالثة، ويشير إلى أنها كانت في عام 58هـ/678م، ولكنهما لم يذكر أنها كانت بسبب المردة.
وتتفق أيضا رواية كل من جورج كدرينوس(34)وحنا زوناراس(35)وليو جرامتيكوس(36)مع رواية ثيوفانيس بشان المهادنة الثالثة، ويرون أيضا أنها كانت في عام 58هـ/678م، ولكنهم لم يحددوا بنود هذه المهادنة.
وهكذا يتضح أن المصادر البيزنطية تكاد تتفق جميعها على أن المهادنة الثالثة بين معاوية بن أبي سفيان والإمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع كانت في عام 58هـ/678م.
ومن المصادر الأرمينية يشير المؤرخ سبيوس (Sebios) إلى رواية تتفق مع رواية المصادر البيزنطية بشان المهادنة التي كانت بين معاوية بن أبي سفيان عندما كان واليا على الشام والإمبراطور قنسطانز الثاني. ويضيف سبيوس أن هذه المهادنة قد انتهت عام 33هـ/653م(37)وهذه الإشارة تتفق مع ما رواه المؤرخ موناخوس همرتولوس.
وفيما يتعلق بالمصادر السريانية، يشير المؤرخ ميخائيل السرياني إلى أن معاوية عقد الهدنة مع الإمبراطور قنسطانز أثناء نزاعه مع علي بن أبي طالب، كما عقد مهادنة مع الإمبراطور قسطنطين عام 58هـ/678م(3.
ومن المؤرخين النصارى الذين دونوا كتابتهم باللغة العربية، يشير أجابيوس بن قسطنطين المعروف بالمنبجي إلى أنه :
في العام الثالث من عهد الخليفة عثمان بن عفان (24-35هـ/644-656م) وجه ملك الروم قسطوس(39) رسلا على رأسهم رجل يدعى منويل إلى معاوية يسأله الصلح، فأجابه معاوية إلى ذلك، على يترك ملك الروم عند معاوية رهائن من أهل بيته(40).
وأهم ما نلحظه من رواية المنبجي أنها تتفق مع رواية المصادر البيزنطية، ولكن تختلف معها في تحديد تاريخ المهادنة، وفي تحديد اسم الرسول الذي أرسله الإمبراطور البيزنطي لعقد الصلح مع معاوية. ولكن بما أن المصادر البيزنطية والسريانية قد اتفقت على أن المهادنة كانت في عام 31هـ/651م، فإننا نرى أنه حدث خطأ عند نسخ كتابات المنبجي، وكتبت "العام الثالث" بدلا من "العام الثامن" من عهد الخليفة عثمان بن عفان.
وأما الاختلاف في اسم المبعوث البيزنطي، فهذا من وجهة نظرنا لا يمثل اختلافا كبيرا؛ لأن كلا من ثيوفانيس والمنبجي قد أشار إلى أن السفارة كانت تتكون من عدة رجال، وربما يكون كل من بركوبيوس ومنويل قد قاما بدور في المفاوضات التي انتهت بعقد المهادنة بين الجانبين الإسلامي والبيزنطي.
وهكذا يتضح من خلال عرض روايات المصادر العربية عن المهادنات بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين في خلال القرن الأول الهجري/القرن السابع الميلادي، أن المصادر العربية ترى أن معاوية عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين: الأولى أثناء الخلاف مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثانية في عام 41هـ/661م،والثالثة مع الإمبراطور قسطنطين الرابع.
أما المصادر غير العربية، فترى أن معاوية عقد أيضا ثلاث مهادنات مع البيزنطيين: الأولى علم 31هـ/651م عندما كان واليا على الشام، والثانية في قسطنطين الرابع في عام 58هـ/768م.
وهكذا ينحصر الخلاف بين روايات المصادر العربية وغير العربية في خلافين هما :
أولا : أن المصادر غير العربية ترى أن المهادنة الأولى بين معاوية والبيزنطيين كانت في عام 31هـ/651م، بينما لم تشر المصادر العربية إلى هذا التاريخ.
ولكن بما أن المصادر غير العربية قد ّأجمعت على هذه الرواية، وبما أن هناك إشارة أوردها المؤرخ ابن كثير تتفق مع ما جاء في رواية المصادر غير العربية، فإنه يمكن القول إن المهادنة الأولى بين معاوية والبيزنطيين كانت في عام 31هـ/651م، وإنها جاءت نتيجة للانتصارات التي حققتها قوات معاوية عندما كان وليا على الشام. ولهذا بادر الإمبراطور البيزنطي قنسطانز بطلب الهدنة، واستجاب لمطلب معاوية بترك بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق كي يتم إبرام هذه المهادنة.
ونرى أيضا أن هذه الهدنة قد استمرت عامين، وانتهت عام 33هـ/653م. ولكن نلحظ أن المصادر غير العربية لم تشر إلى بنود هذه المهادنة. ولا ريب في أنها كانت في صالح المسلمين في هذه الفترة.
أما الاختلاف الثاني بين روايات المصادر العربية وغير العربية، فيتضح في أن بعض المصادر العربية ترى أن هناك مهادنة بين معاوية بن أبي سفيان والبيزنطيين في عام 41هـ/661م. أو في العام الذي يليه، بينما لم تشر المصادر غير العربية إلى ذلك.
وإذا نظرنا إلى أحوال كل من الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية خلال هذه الفترة، لم نجد ما يؤيد رأي الرواية العربية؛ إذ أن الاضطرابات الداخلية التي واجهت معاوية بن أبي سفيان في بداية عهده كادت أن تنتهي بعد أن خمدت الفتنة(41) ؛ كما أن أحوال الإمبراطورية البيزنطية لم تكن تسمح للإمبراطور قنسطانز الثاني بشن هجوم(42) على الدولة الإسلامية وقتذاك. إذ يشير ثيوفانيس إلى قيام النزاع بين الإمبراطور قنسطانز والبابا مارتن الأول، الذي انتهى بموت البابا في منفاه عام36 هـ/656م، ثم النزاع بين الإمبراطور قنسطانز وأخيه ثيودور وانتهى بمقتل الأخير عام 40هـ/660م(43) كل هذه الأحداث جعلت الإمبراطور البيزنطي يواجه سخط رجال الدين، وكراهية سكان العاصمة القسطنطينية(44)هذا بالإضافة إلى تعرض أملاك الإمبراطورية البيزنطية في إيطاليا للهجمات اللومباردية(45) . ولكل هذه الأسباب، ترك الإمبراطور قنسطانز الثاني العاصمة القسطنطينة، واتجه إلى صقلية عام 41هـ/661م، وظل بها حتى تعرض لمؤامرة انتهت بقتله عام 48هـ/668م(46).
نخلص من العرض السابق إلى أن أحوال الدولة الإسلامية كانت مستقرة، بينما كانت الإمبراطورية البيزنطية تعاني من عدم الاستقرار؛ إذ اضطربت أحوالها في الداخل، وتعرضت أملاكها في الغرب الأوروبي لتهديد اللومبارديِّين. ولهذا لم تكن تمثل تهديدا على الجانب الإسلامي، مثلما أشار كل من اليعقوبي وخليفة بن خياط(47)، وبالتالي لم يكن هناك خطر يجير معاوية بن أبي سفيان على إغداق الأموال على البيزنطيين.
ومن جهة مناقضة، يشير اليعقوبي نفسه إلى أن الإمبراطور البيزنطي عندما شعر بسوء أحوال بلاده، أرسل إلى معاوية يطلب الصلح على أن يدفع لمعاوية أضعاف ما كان يتلقاه المسلمون من قبل، فلم يوافق معاوية على طلبه(4، كما يشير اليعقوبي أيضا إلى أن الأمور بدأت تستقيم لمعاوية، فأصدر أوامره لغزو الأراضي البيزنطية، فقام بسر بن وطأة بالتوغل في أرض الروم عام 43هـ/653م(49).
ويؤكد كل من المنبجي(50) وثيوفانيس(51) وابن العبري(52) هذا الأمر، مشيرين إلى أن الأرمن رفعوا راية العصيان أمام البيزنطيين، وأرسل حاكمهم سابور رسولا يدعى سرجي إلى معاوية بن أبي سفيان عام 46هـ/667م يطلب منه أن يقدم له العون والمساعدة ضد البيزنطيين. فلما علم قسطنطين(53) ابن الإمبراطور قنسطانز الثاني بأنباء هذه المفاوضات، أرسل إلى معاوية رسولا يدعى أندرو يطلب منه عدم تأييد الأرمن في موقفهم ضد البيزنطيين. وعندما استمع معاوية إلى مطالب الرسول البيزنطي، رد عليه قائلا: "إن أعطيتمونا كل خراج بلادكم، نبقى لكم اسم المملكة؛ وإلا أزحناكم عنها". فعاد الرسول البيزنطي دون تحقيق الهدف الذي جاء من أجله.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن رواية كل من خليفة بن خياط واليعقوبي، والتي تشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان عقد الصلح مع البيزنطيين عام 41هـ/651م أو العام التالي، ودفع لهم مائة ألف دينار، لا تستند إلى دليل قوي، وأن أحوال كل من الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وقتذاك تجعل الباحث يشك في صحة هذه الرواية، ولا يقبلها.
وهكذا، لما كان تحديد تاريخ هذه المهادنات على جانب كبير من الأهمية لتوضيح التسلسل التاريخي، وتقويض الأسس التي أدت إلى الأخطاء التاريخية، وبعد عقد المقارنة بين روايات المصادر العربية وغير العربية، يمكن القول إن معاوية بن أبي سفيان عقد ثلاث مهادنات مع البيزنطيين في القرن الأول الهجري /القرن السابع الميلادي : الأولى كانت في عام 31 هـ/ 651م عندما كان معاوية واليا على الشام، وجاءت مبادرة طلب الهدنة من جانب الإمبراطور البنزنطي قنساطنز الثاني، الذي وافق على أن يحتجز معاوية بعض الرهائن البيزنطيين في دمشق، وقد استمرت هذه الهدنة عامين وانتهت عام 33هـ/653م، بمهاجمة قوات معاوية لجزيرة رودس.
أما المهادنة الثانية، فكانت في أثناء النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وعقدت في عام 36هـ/656م، وجاءت مبادرة طلب الهدنة من جانب معاوية حتى يتجنب الخطر البيزنطي ف هذه الفترة، وكانت هذه المهادنة في مجملها لصالح البيزنطيين؛ إذ قدم معاوية لهم ألف نوميسماتا وحصانا، وأطلق سراح أسر بيزنطي كل يوم، وانتهت هذه الهدنة في عام 40هـ/660م بعد أن انتهت فترة النزاع واستقرت الأمور لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
أما الهدنة الثالثة، فكانت في عام 58هـ/678م، وكان معاوية هو الذي طلب من الإمبراطور قسطنطين الرابع عقدها ليتجنب خطر جماعة الجراجمة (المردة) في جب لبنان، وكانت ثلاثين عاما. ودفع معاوية مقابل هذه الهدنة ثلاثة آلاف نوميسماتا وخمسين حصانا أصيلا، وأطلق سراح خمسين أسيرا من الأسرى البيزنطيين.
قائمة المصادر والمراجع
أولا : المصادر العربية والمعربة :
ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، الكامل في التاريخ، 9ج، بيروت، 1979م.
ابن سلام (ت224هـ/838-839م) أبو عبيد القاسم، كتاب الأموال مصر، د.ت.
ابن الطقطقي (ت 709هـ/1313-1311م) محمد بن علي بن طباطبا، الفخري في الآداب السلطانية، مصر د.ت.
ابن العبري (ت 276هـ/1286م)، أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون الطيب، تاريخ مختصر الدول، بيروت، د.ب.
ابن قتيبة (ت 276هـ/886م) أبو محمد بن عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، 2ج، مصر، 1904م.
--، عيون الأخبار، 2ج، القاهرة، 1925م.
ابن كثير (ت 774هـ/1373م) عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية 13 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي بيروت، 1984م.
البلاذري (ت279هـ/892م) أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، أنساب الأشراف، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت، 1979م
--، فتوح البلدان، ليدن، 1866م.
خليفة بن خياط (ت 240هـ/854م)، أبو عمرو خليفة بن خياط بن أبي هبيرة، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، الرياض، 1985م.
الدينوري (ت 882هـ/1895م)، أبو حنيفة أحمد بن داود، كتاب الأخبار الطوال، بغداد، 1959م.
الشيباني (ت 490هـ/1096-1097م)، محمد بن الحسن الشيباني، شرح كتاب السير الكبير، تحقيق عبد العزيز أحمد، القاهرة، 1972م.
الطبري (ت 310هـ/922م)، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، 10 ج، بيروت، 1979م.
المسعودي (ت 346هـ/956م)، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، 4 ج، بيروت، 1983م.
المنبجي (عاش في القرن الرابع الهجري / القرن العاشر الميلادي)، أغابيوس بن قسطنطينن المنتخب من تاريخ المنبجي، انتخبه وحققه أ.د. عمر عبد السلام تدمري، بيروت، 1986م.
النويري (ت 732هـ/1332م)، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الأرب في فنون الأدب، 27 ج، القاهرة، 1975-1975م.
اليعقوبي (ت بعد عام 292هـ/ بعد عام 904م)، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر، تاريخ اليعقوبي، 3 أجزاء، النجف، 1358هـ.
ثانيا : المصادر غير العربية :
Cedrenus, G., Historicum Compendium, Ed. Migne Patrologia Greaca, T. CXXI-CXXII, Paris 1964.
Genesius, J., Historia de Rebus Constantinopolitanis, Ed. Migne, Patrologia Greaca, T. CIX, Paris, 1863.
Georgius Monachus Hamartolus, Chronicon, Ed. Migne Patrologia Greaca, T. CX, Paris, 1863.
Leo Granmmaticus, Chronographia, Ed. Corpus Scriptorum Historiae Byzantinae, Bonne, 1892.
Michel le Syrien, Chronique, Texte syriaque et trad. fr. R.P.G., XV, Letter Gomroon diry. par Chabot, 4 vols, Paris, 1899.
Nicephorus Patriarchae, Breviarum Historicum, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.C, Paris, 1860.
Paul the Deacon, History of the Lombards, Tr. by W.D. Faulkf, Philadelphia, 1907.
(1)سورة الأنفال، آية 61.
(2) ابن سلام، كتاب الأموال، مصر، د.ت.، ص. 162.
(3) البلاذري، فتوح البلدان، ليدن، 1866م، ص. 159.
(4) ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية، مصر، د.ت.، صص. 59-60.
(5) الشيباني، شرح كتاب السير الكبير، تحقيق عبد العزيز أحمد، القاهرة، 1972م، ص. 1753.
(6) المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، 4ج، بيروت، 1983م، ج1، ص. 329.
(7) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، 27 ج، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1975-1976م، ج 15، ص. 27.
( يطلق عليه المسعودي اسم "مورق بن مورق" والنويري اسم "فوق بن مورق".
(9) يطلق عليه المسعودي "قلفط بن مورق"، والنويري اسم "فوق بن مورق".
(10) ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 2 ج، مصر، 1904م، ص. 160.
(11) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 10ج، بيروت، 1979م، ج6، ص. 186.
(12) الدينوري، كتاب الأخبار الطوال، بغداد، 1959م، ص. 157.
(13) ابن كثير، البداية والنهاية، ط 3، بيروت، 1980م ج 8. 119
(14) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم ضياء العمري، الرياض 1985م، ص. 191.
(15) خليفة بن خياط، المصدر السابق، ص.205.
(16) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 3ج، النجف، 1358هـ، ج2، صص. 193-213.
(17) Theophnes, The Chronicle of Theophanes (A,D. 602-813°, Trans. by Harry Turledove, U.S.A, Pensylvania, 1982, p. 44.
(1 Theophones, op. cit., pp. 44-47.
(19) الطبري، المصدر السابق، ج4، صص. 411-412
(20) Theophanes, op. cit., pp. 21
(21) Ibid., p. 46
(22) انظر ما سبق
(23) Theophanes, op. cit., pp. 54
(24) المردة : هم جماعة الجراجمة الذين كانوا يسكنون منطقة الثغور الإسلامية، وأطلق عليهم المؤرخون المسلمون اسم المردة لكثرة عصيانهم. (لمزيد من التفاصيل، انظر : فتحي عثمان، المرجع السابق، ج11، ص.362؛ عبد المنعم ماجد، التاريخ السياسي للدولة العربية، 2ج، القاهرة، 1979، ج2، صص. 32-33.
(25) Theophanes, op. cit., pp. 53-54
(26) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 9ج، بيروت، 1979، ج4، ص.304.
(27) البلاذري، فتوح البلدان، ص. 160؛ وأيضا: أنساب الأشراف، تحقيق د. إحسان عباس، 5ج، بيروت، 1979م، ج5، صص. 199-200.
(2 Theophanes, op. cit., p.62
(29) انظر ما سبق
(30) Georgius Monachus Hamartolus, Chronicon, Ed. Migne, Patrologia Greaca, T
(31) Hamartolus, op. cit., col. 895
(32) J. Genesius, Historia de Rebus Constantinopolinis, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.CIX, Paris, 1863, col. 13
(33) Nicephonrus Patriarchae, Breviarum Historicum, Ed. Migne Patrologia Greaca, T.C, Paris, 1860, clls. .930, 936
(34)G. cedrenus, Histiricum, Ed. Migne Patologia Greaca, T. CXXI-CXXII, Paris, 1864, T. CXXII, Paris, 1864, T.CXXI, col 843.
(35)J. Zonaras, Epitome Historicum, Ed. M. Pender, 3 vols., Bonne, 1841-1892, vol. II, p. 321.
(36)J. Zonaras, Epitome Historicum, Ed. M. Pender, 3 vols., Bonne, 1841-1892, vol. II, p. 321.
(37) Sebios, Histoire d’Herclius, Tr. Fr. Macler. Paris, 1904, p. 137
(3 Michel Le Zyrien, Chronique, Texte syriaque et trad. fr. par J. B. Chabot, 4 vols., Paris, 1899, vol. II, pp. 450-469.
(39) المقصود الإمبراطور قنسطانز الثاني.
(40) المنبجي، المنتخب من تاريخ المنبجي، انتخبه وحققه أ.د. عمر عبد السلام تدمري، لبنان، 1986م، ص. 57.
(41) عبد المنعم ماجد، المرجع السابق، ج1، ص.272.
(42) A.A. Vasiliev, History of the Byzantine Empire (324-1453), 2 vols, Madison, 1958-1960, Vol. I, p. 193.
(43) Theophanes, op. cit., p. 47
(44) G. Ostrogorsky, History of ghe byzantin State, Tr. J. Hussy, Oxford, 1956, pp. 106-109
(45) Paul the Deacon, History of byzanitin State, Tr. J. Hussey, Oxford, 1956, pp. 106-109
(46) Theophanes, op, cit., pp. 50-51
(47) انظر ما سبق
(4 اليعقوبي، المصدر السابق، ج2ن ص. 193.
(49) المصدر نفسه، ص. 213.
(50) المنبجي، المصدر السابق، ص. 58
(51) Theophanes, op. cit., p. 48
(52) ابن العبري، تاريخ مختصر الدول بيروت، 1958، ص.109.
(53) هو قسطنطين الرابع الذي كان يتوالى إدارة الحكم في القسطنطينية نيابة عن أبيه قنسكانز الثاني الذي كان وقتذاك مقيما في صقلية.