أ/أحمد
08-12-2012, 08:20 PM
الأشاعرة
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
هذا كتيب إختصرته من كتاب "تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية" فأسأل الله جل و علا أن يغفر لي و لزوجتي و لكل المسلمين ما تقدم و ما تأخر من ذنوبنا وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين انه ولي ذلك و القادر عليه.
أبو جهاد سمير الجزائري
مقدمة:
إليك شيئاً من معتقد الأشاعرة على وجه الاختصار :
1- أن الإيمان هو التصديق فلا يرون عمل الجوارح من الإيمان ولا يرون كفراً يكون بالجوارح .
2- أنهم جبرية في باب القدر فلا يثبتون إلا الإرادة الكونية دون الإرادة الشرعية ، فليس للعبد عندهم قدرة ولا يثبتون إلا الاستطاعة والقدرة المقارنة للعمل دون ما قبله .
3- لا يثبتون لأفعال الله علة ولا حكمة والعياذ بالله .
4- لا يثبتون شيئاً من الصفات الفعلية .
5- الأشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو الله على خلقه بذاته .
6- لا يثبتون من صفات المعاني إلا سبعاً أو أكثر وعمدتهم في الإثبات العقل ثم هم في الصفات السبع نفسها لا يثبتونها كما يثبتها أهل السنة .
7- معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله راجع إلى توحيد الربوبية فلا يعرفون توحيد الألوهية كما فسر الباقلاني كلمة التوحيد بمعنى الربوبية .
8- مآل قولهم في كلام الله أن القرآن مخلوق كما أفاده أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين الرازي .
9- يتوسعون في الكرامة فيجعلون كرامة الأنبياء ممكنة للأولياء .
10- يقررون رؤية الله إلى غير جهة ومآل قولهم إنكار الرؤية .
11- أن العقل لا يحسن ولا يقبح .
12- أنه لا يصح إسلام أحد بعد التكليف إلا أن يشك ثم أول واجب عليه النظر كما قال أبو المعالي الجويني .
إلى آخر ما عندهم من اعتقادات بدعية .
إذا تبين شيء من معتقد الأشاعرة فالواحدة مما تقدم تكفي في تبديعهم وإخراجهم من أهل السنة والفرقة الناجية إلى عموم الاثنتين والسبعين فرقة المسلمة الضالة لأن ما ذكرت من المؤاخذات العقدية هي مؤاخذات كلية .
العلماء الذين قرروا بأن الأشاعرة مبتدعة من الفرق الهالكة
قد نص غير واحد من أهل العلم على أن الأشاعرة مبتدعة ، ومعنى هذا أنهم ليسوا من أهل السنة ، وعليه فلا يكونون من الفرقة الناجية الطائفة المنصورة :
1-إمام أهل السنة الإمام أحمد فقد بدع الكلابية وشدد عليهم وهم كالأشاعرة الأوائل قال الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (2/6): (وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه) .
وقال في الفتاوى (12/368: (والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون عن أصحابه.وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية) وقال في كتابه الاستقامة (1/105):والكلابية هم مشايخ الأشعرية فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمنا وطريقة وقد جمع أبو بكر بن فورك شيخ القشيري كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول ولكن لم يكن كلام أبي عبد الرحمن السلمي قد انتشر بعد فإنه انتشر في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت كتب القاضي أبي بكر بن الباقلانى ونحوه ا.هـ وقال كما في الفتاوى(12/17:وأما قوله وقوم نحوا إلى أنه-أي القرآن- قديم لا بصوت ولا حرف إلا معنى قائم بذات الله وهم الأشعرية فهذا صحيح ولكن هذا القول أول من قاله فى الإسلام عبدالله بن كلاب فان السلف والأئمة كانوا يثبتون لله تعالى ما يقوم به من الصفات والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته والجهمية تنكر هذا وهذا فوافق ابن كلاب السلف على القول بقيام الصفات القديمة وأنكر أن يقوم به شيء يتعلق بمشيئته وقدرته وجاء أبو الحسن الأشعرى بعده وكان تلميذا لأبى على الجبائى المعتزلى ثم إنه رجع عن مقالة المعتزلة وبين تناقضهم في مواضع كثيرة وبالغ في مخالفتهم في مسائل القدر والإيمان والوعد والوعيد حتى نسبوه بذلك إلى قول المرجئة والجبرية والواقفة وسلك في الصفات طريقة ابن كلاب وهذا القول في القرآن هو قول ابن كلاب في الأصل وهو قول من اتبعه كالأشعرى وغيره ا.هـ
وقال كما في الفتاوى (17/149) : كالكلابية و من اتبعهم من الأشعرية و غيرهم ا.هـ
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة كما في سير أعلام النبلاء(14/380) لما قال له أبو علي الثقفي : (ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟
قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره ا.هـ
قال الإمام ابن تيمية في شرح الأصفهانية (ص107-10، : فإن كثيراً من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة) وقال في الدرء (7/97) : وهذا الكلام في الأصل-أي تقديم العقل على النقل- هو من قول الجهمية المعتزلة وأمثالهم وليس من قول الأشعري وأئمة أصحابه وإنما تلقاه عن المعتزلة متأخرو الأشعرية لما مالوا إلى نوع التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع بل ما جعله معاضداً له وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل ا.هـ
- الإمام أبو نصر السجزي إذ وصف الأشاعرة بأنهم متكلمون وفرقة محدثة وأنهم أشد ضرراً من المعتزلة فقال:(فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغا إليه أو يناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي...ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً ، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا) انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص100-101) .
-ثم قال ص222- 223 -: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛ بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ...وفي وقتنا أبو بكر الباقلاني ببغداد وأبو إسحاق الإسفرائني وأبوبكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة - ثم قال : وكلّهم أئمّةُ ضَلالة يدعونَ النّاسَ إلى مخالفةِ السّنةِ وتركِ الحديث »....) وبين - رحمه الله- وجه كونهم أشد من المعتزلة فقال ص177-178: ( لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تُمَوِّه.بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه ا.هـ .
3- الإمام محمد بن احمد بن خويز منداد المصري المالكي - رحمه الله- ، فقد روى عنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/96): أنه قال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء قال : أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها )
4- ابن قدامة-رحمه الله- فقد نص على أنهم مبتدعة فقال في كتاب المناظرة في القرآن ص35 : ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم ولا يتجاسرون على إظهارها إلا الزنادقة والأشعرية ا.هـ
وقال في كتاب تحريم النظر في كتب الكلام ص42 : وقال أحمد بن إسحاق المالكي أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري لا تقبل له شهادة ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها ا.هـ
5- أبو حامد الإسفرائني /
قال ابن تيمية في درء التعارض (2/96) : قال الشيخ أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام قال ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرؤن مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول اشهدوا على بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني وتكرر ذلك منه جمعات فقيل له في ذلك فقال حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية وبريء من مذهب ابي بكر بن الباقلاني فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم منى تعلموه قبله وأنا ما قلته وأنا بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته .
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل - يعني الباقلاني - فإياك وإياه فإنه مبتدع ؛ يدعو الناس إلى الضلالة ، وإلا فلا تحضر مجلسي فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل وتائب إليه، واشهدوا علي أني لا أدخل إليه . قال الشيخ أبو الحسن وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا : كان أبو بكر الباقلانى يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسفرايني قال أبو الحسن: ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري . وعلقه عنه أبو بكر الزاذاقاني ، وهو عندي وبه اقتدى الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميزه ، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين.
قلت: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي ، أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها ، وقد ذكر الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وأبو إسحاق الشيرازي وغير واحد بينوا مخالفة الشافعي وغيره من الأئمة لقول ابن كلاب والأشعري في مسألة الكلام التي امتاز بها ابن كلاب والأشعري عن غيرهما وإلا فسائر المسائل ليس لابن كلاب والأشعري بها اختصاص ا.هـ
6- أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري .
ذكر السبكي في طبقاته (4/272) أنه ذكر في كتابه ذم الكلام أنه كان يلعن أبا الحسن الأشعري , وأنه ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعرياً ا.هـ
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(14/354) : كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فإنه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات و له كتاب تكفير الجهمية و يبالغ في ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة و الحديث و ربما كان يلعنهم وقد قال له بعض الناس: بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية ؟ فقال: ألعن من يقول ليس في السموات إله و لا في المصحف قرآن و لا في القبر نبي و قام من عنده مغضباً ا.هـ
7- محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الكرجي أبو الحسن الشافعي.
تقدم نقل ابن تيمية كلامه عن الأشعرية وقد نقل له السبكي في طبقاته(6/144) أبياتاً في ذم الأشعرية فقال-رحمه الله- :
وخبث مقال الأشعري تخنث يضاهي تلويه تلوي الشغازب
يزين هذا الأشعري مقاله ويقشبه بالسم ياشر قاشب
فينفي تفاصيلاً ويثبت جملة كناقصه من بعد شد الذوائب
يؤول آيات الصفات برأيه فجرأته في الدين جرأة خارب
8-القحطاني في نونية الرائعة إذ قال :
يا أشعرية يا أسافلة الورى يا عمي يا صم بلا آذان
أني لأبغضنكم وأبغض حزبكم بغضا أقل قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقتلتين لسرني كيلا يرى إنسانكم إنساني
وقال :
يا أشعرية يا جميع من ادعى بدعاً وأهواء بلا برهان
جاءتكم سنية مأمونة من شاعر ذرب اللسان معان
9- الإمام ابن تيمية-رحمه الله- قد بين أنهم مبتدعة بطرق؛ منها أنه نص على ذلك فقال كما في مجموع الفتاوى (2/50) : كما يقوله بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبرائيل أو محمد مضاهاة منهم فى نصف قولهم لمن قال انه قول البشر من مشركى العرب ممن يزعم أنه أنشأه بفضله وقوة نفسه ا.هـ
ومنها أنه جعلهم من المتكلمين وبجعله لهم من المتكلمين أخرجهم من أهل السنة إلى أهل البدع فقال في الدرء (6/183) : وأهل الكلام من الأشعرية وغيرهم ا.هـ
وفي أكثر من موضع يذكر أنهم أقرب إلى أهل السنة من غيرهم فهذا يدل على أنهم ليسوا منهم قال في مجموع الفتاوى (6/55): ( و أما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث ، وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث . . )
وقد نقل في الدرء (6/221) كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل ثم قال أبو الوليد: وهذه حال الفرق الحادثة في هذه الشريعة وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تاويلا غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى وزعمت أنه الذي قصد صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق وبعد جدا عن موضوعه الأول ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال :ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله تأويلا صرحت به للناس .
قال: وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح فأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج ثم المعتزلة بعدهم ثم الأشعرية ثم الصوفية ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى ا.هـ
فأبو الوليد بن رشد يقرر أن الأشاعرة من عموم الفرق الاثنتين والسبعين الضالة وأقره الإمام ابن تيمية على هذا ولم يعترض عليه .
10-الإمام ابن القيم -رحمه الله-فقد نقل كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ المتقدم في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل كما في الإعلام (4/254) والصواعق المرسلة (2/417) وأقره ولم يخالفه مثل شيخه ابن تيمية .
11- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية سليمان بن سحمان -رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال: (هذا مصانعة من المصنف- رحمه الله تعالى- في إدخاله الأشعرية والماتريدية في أهل السنة والجماعة، فكيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته، واستواءه على عرشه ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، ولا يثبت رؤية المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم، فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي. ويقول: الإيمان مجرد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة) لوامع الأنوار البهية (1/73)
12- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين - رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال : (تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر، فالحق الذي لا ريب فيه أن أهل السنة فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية التي بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل عنها بقوله: (هي الجماعة)، وفي رواية: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، أو (من كان على ما أنا عليه وأصحابي). وبهذا عرف أنهم المجتمعون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ولا يكونون سوى فرقة واحدة. والمؤلف نفسه يرحمه الله لما ذكر في المقدمة هذا الحديث، قال في النظم:
وليس هذا النص جزماً يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر
يعني بذلك: الأثرية. وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة الأثرية والله أعلم) المصدر السابق (1/73) .
31- الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(6/285) حيث قال: (فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم - تقريب السنة بين يدي الأمة - الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل و كتب و مجلات من بعض أعداء السنة من المتمذهبة و الأشاعرة و المتصوفة و غيرهم ، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن الرد على المحبين الناشئين ، فضلا عن غيرهم . و الله المستعان ، و عليه التكلان) ا.هـ
14-الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-في شرحه للواسطية استدرك في أولها على السفاريني لما جعل الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية وبين أن الفرقة الناجية واحدة وهم أهل الحديث أهل السنة دون الأشعرية والماتردية وقال (2/372) أيضاً:أن الأشاعرة والماتردية ونحوهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ا.هـ
15-شيخنا العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- سئل : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة وهذا سائل يقول : هل الأشاعرة والماتريدية يعدون من أهل السنة والجماعة ؟
الجواب :
لا يعدون .
لم يعدهم أحد من أهل السنة والجماعة قط .
لكن هم يسمون أنفسهم من أهل السنة وهم ليس من أهل السنة ا.هـ
مصادر التلقي عند الأشاعرة
إن من المهم معرفة مصادر التلقي عند الأشاعرة من كتب أئمتهم ليعرف مدى ضلالهم وبعدهم عن السنة التي يدعون انتسابهم إليها ، وإن بعد الأشاعرة عن أهل السنة في التأصيل كبعض مصادر التلقي أدى بهم إلى بعد كبير في التطبيق كما تقدم ذكر مختصر عقائدهم البدعية وإليك ذكر مصادرهم:
المصدر الأول/عندهم أن الأدلة السمعية المتواترة وهي القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد فإنه لا يحتج بها في العقائد :
قال الرازي في أساس التقديس ص 168: أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز ا.هـ ثم ذكر أوجهاً لتقوية ما ذهب إليه ، ومنها أن أخبار الآحاد ظنية ، وما كان كذلك فلا يجوز التمسك به لقوله تعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )
وقد رد أئمة السنة على هذا الأصل ، وأطالوا النفس في ذلك ، ومن أحسن ما رأيت ما ذكر الإمام ابن القيم في مختصر الصواعق من أن خبر الواحد يفيد العلم وأنه حجة في باب العقائد وغيرها . إليك كلامه مرتباً مجموعاً في نقاط :
الأولى/ أنه فعل الصحابة وطريقتهم فإنهم كانوا يجزمون بخبر الواحد ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص456: من هذا إخبار الصحابة بعضهم بعضاً فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك خبر واحد ولا يفيد العلم حتى يتواتر ، وتوقف من توقف منهم حتى عضده آخر منهم لا يدل على رد خبر الواحد عن كونه خبر واحد ، وإنما كان يستثبت أحياناً نادرة جداً إذا استخبر . ولم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وأبو ذر ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وعبدالله بن عمر وأمثالهم من الصحابة ، بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ، ولم يقل له أحد منهم يوماً واحداً من الدهر: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم ، وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم من أن يقابل بذلك ، وكان المخبر لهم أجل في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقولوا له مثل ذلك . وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين ، كما اعتقد رؤية الرب وتكليمه ونداءه يوم القيامة لعباده بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وضحكه وفرحه وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده وإثبات القدم له . من سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صاحب اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ، ولم يرتب فيها حتى أنهم ربما تثبتوا في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر كما استظهر عمر رضي الله عنه برواية محمد بن مسلمة على رواية المغيرة بن شعبة في توريث الجدة ، ولم يطلب أحد منهم الاستظهار في رواية أحاديث الصفات البتة ، بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها ، وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع . فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصخابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام ، ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة ، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء ، وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك ، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم ا.هـ ومن هدي الصحابة العملي في ذلك ما ذكره ابن القيم إذ قال : إن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى اله عيه وسلم ، بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى ، فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم ، وغاية ما يقال فيه أنه خبر اقترنته قرينة ، وكثير منهم يقول: لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها ، وهذا في غاية المكابرة ومعلوم أن قرينة تلقي الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها ، فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها ا.هـ
الثانية/ أن كل مسألة فقهية طلبية تتضمن حكماً خبرياً وهو اعتقادي ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص 489: فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر ، وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، بشرعه ودينه راجع إلى أ.سمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته . فأين سلف المفرقين بين البابين ، نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ا.هـ
الثالثة/ أن الله تعالى قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا ) وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا ، وأمر بكذا ونهى عن كذا . وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة . وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل وجزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نسبه إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم .
الرابعة/ إن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك جزم منهم بأنه قاله ، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين إن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن ، بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم ، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه ، وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر ونهى وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى عنه ونحو ذلك ، ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا الحديث صحيح ، وبين قوله إسناده صحيح ، فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني شهادة بصحة سنده ، وقد يكون فيه علة أو شذوذ فيكون سنده صحيحاً ، ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه .
الخامسة/ قوله تعالى ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) والطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، فأخبر أن الطائفة تنذر قومهم إذا رجعوا إليهم والإنذار والإعلام بما يفيد العلم ، وقوله: لعلهم يحذرون ، نظير قولهم في آياته المتلوة والمشهودة ( لعلهم يتفكرون . لعلهم يتقون . لعلهم يهتدون ) وهو سبحانه إنما يذكر ذلك فيما يحصل العلم لا فيما يفيد العلم .
السادسة/ قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) أي لا تتبعه ولا تعمل به ، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون لله تعالى بها الصفات ، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم .
السابعة/ قوله تعالى ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر وهم أولو الكتاب والعلم ، ولولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً ، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر ، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً ، فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً .
الثامنة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) وقال ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( بلغوا عني )) وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة (( أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت . ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ ويحصل به العلم ، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد ، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه فتقوم الحجة على من بلغه ، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ، ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر ، وهذا من أبطل الباطل .
فيلزم من قال إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم أحد أمرين: إما أن يقول: إن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر ، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ ، وإما أن يقول: إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي عملاً ، وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات العدول الحفاظ وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً ، وهذا ظاهر لا خفاء به .
التاسعة/ قوله تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وقوله ( وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وجه الاستدلال أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك ، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا ، فهم حجة الله على من خالف رسول الله ، وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة ، وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه ، ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به أهل الشهادة ، فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه .
العاشرة/ قوله تعالى ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها ، لا يدري هل هي حق أو باطل . فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب اطراحها وأن لا يلتفت إليها ، وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية . وإن كانت حقاً فيجب الشهادة بها على البت أنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به .
الحادية عشرة/ قول النبي صلى الله عليه وسلم على مثلها (( فاشهدوا )) أشار إلى الشمس ولم يزل الصحابة والتابعون وأئمة الحديث يشهدون عليه صلى الله عليه وسلم على القطع أنه قال كذا ، وأمر به ونهى عنه وفعله لما بلغهم إياه الواحد والاثنان والثلاثة فيقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، وحرم كذا وأباح كذا ، وهذه شهادة جازمة يعلمون أن المشهود به كالشمس في الوضوح ، ولا ريب أن كل من له التفات إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناء بها يشهد شهادة جازمة أن المؤمنين يرون بهم ربهم عياناً يوم القيامة ، وأن قوماً من أهل التوحيد يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة وأن الصراط حق ، وتكليم الله لعباده يوم القيامة كذلك ، وأن الولاء لمن أعتق ، إلى أضعاف أضعاف ذلك ، بل يشهد بكل خبر صحيح متلقى بالقبول لم ينكره أهل الحديث شهادة لا يشك فيها .
الثانية عشرة/ إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ، ولو قيل لهم إنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار ، وتعجبوا من جهل قائله ، ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم ، لم يروها عنهم عدد التواتر . وهذا معلوم يقيناً . فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ، ويحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع ، وتعددت طرقه وتنوعت ، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم ؟ إن هذا لهو العجب العجاب .
وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاواه وأقضيته تفيد العلم ، وإما أن يقولوا إنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم ، وأن النقول عنهم لا تفيد علماً ، وأما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أبين الباطل .
الثالثة عشرة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة . ودعوته نوعان: مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين ، وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً ، أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه ، وحال بينه وبين قلبه .
الرابعة عشرة/ قوله تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم ، فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذر .
الخامسة عشرة/ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) إلى قوله ( وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ووجه الاستدلال أنه أمر أن يرد ما تنازع فيه إلى الله ورسوله ، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته . فلولا أن المردود إليه يفيد العلم وفصل النزاع لم يكن في الرد إليه فائدة ، إذ كيف يرد حكم المتنازع فيه إلى ما لا يفيد علماً البتة ولا يدرى حق هو أم باطل؟ وهذا برهان قاطع بحمد الله ، فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد علماً ؛ إنا نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة فإنها تفيد العلم .
السادسة عشرة/ قوله تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) إلى قوله ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما أنزل الله ، وهو ذكر من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول: إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ، ولابد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ، ولا تلتبس بما ليس منها ، فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بستيقنين .
السابعة عشرة/ ما احتج به الشافعي نفسه فقال: أخبرنا سفيان عن عبدالملك بن عمير عن أبيه عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم . فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) . قال الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمر أن يؤديها ولو واحد ، دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ، ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم . انتهى . والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يفد علماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقبل من أدى إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصل العلم إلا بخبرهم ، ولم يدع للحامل المؤدي وإن كان واحداً ؛ لأن ما حمله لا يفيد العلم ، فلم يفعل ما يستحق الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر ، وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث . ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ندب إلى ذلك وحث عليه وأمر به لتقوم الحجة على من أدى إليه ، فلو لم يفد العلم لم يكن فيه حجة.
الثامنة عشرة/ حديث أبي رافع الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول: لا ندري ما هذا ، بيننا وبينكم القرآن ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه )) ووجه الاستدلال أن هذا نهي عام لكل من بلغه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالفه أو يقول لا أقبل إلا القرآن ، بل هو أمر لازم ، وفرض حتم بقبول أخباره وسننه ، وإعلام منه صلى الله عليه وسلم أنه من الله أوحاها إليه ، فلو لم تفد علماً لقال: من بلغته إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول ما لا علم لي بصحته ، والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده ، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم عنه ، ولما علم أن في هذه الأمة من يقول حذرهم منه ، فإن القائل إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواه لا ندري ما هذه الأحاديث ، وكان سلف هؤلاء يقولون بيننا وبينكم القرآن وخلفهم يقولون: بيننا وبينكم أدلة العقول ، وقد صرحوا بذلك وقالوا: نقدم العقول على هذه الأحاديث ، آحادها ومتواترها ، ونقدم الأقيسة عليها .
التاسعة عشرة/ ما رواه مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ ، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت ، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفلها حتى كسرتها . ووجه الاستدلال أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالاً ، وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاها ، وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه ، وهو مال ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه ، والمتكلفون يقولون إن مثل ذلك الخبر لا يفيد العلم لا بقرينة ولا بغير قرينة .
العشرون/ إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويجعل ذلك ديناً يدان به في الأرض إلى آخر الدهر . فهذا الصديق رضي الله عنه زاد في الفروض التي في القرآن فرض الجدة وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة بخبر محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل حكم ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته بخبر الواحد . وأثبت عمر بن الخطاب بخبر حمل ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة . وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبدالرحمن بن عوف وحده . وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر قريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يذكر ، بل هو إجماع معلوم منهم ، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه ، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به ، وهذا قدح في الدين والأمة .
الحادية والعشرون/ إن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ، فقبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاًَ له: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فجزم بخبره وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، وقبل خبر أبيها في قوله: هذه ابنتي وتزوجتها بخبره .
وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك وقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة . وقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له وغزاهم بخبرهم ، واستباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم . ورسل الله صلواته وسلامه عليهم لم يرتبوا على تلك الأخبار أحكامها ، وهم يجوزون أن تكون كذباً وغلطاً ، وكذلك الأمة لم تثبت الشرائع العامة الكلية بأخبار الآحاد ، وهم يجوزون أن يكون كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الأمر ، ولم يخبروا عن الرب تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به ، بل يجوز أن يكون كذباً وخطأ في نفس الأمر ، هذا مما يقطع ببطلانه كل عالم مستبصر .
الثانية والعشرون/ إن خبر العدل الواحد المتلقى بالقبول لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ، ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم ، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله صلى الله ، فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادة زور ، وقولاً على الله ورسوله بغير علم ، ولعمر الله هذا حقيقة قولهم ، وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها .
المصدر الثاني / تقديم العقل على النقل ، وجعل العقل هو الأصل والنقل هو التبع ، هذا فيما يعتبرونه من النقل وهو القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد كما تقدم .
ذكر هذا الأصل الرازي في مواطن من كتبه مثل : أساس التقديس، والمطالب العالية، ولباب الأربعين، ونهاية العقول، لكن ليعلم أنه لم ينفرد به فهو موجود عند أسلافه من المعتزلة والأشاعرة كالجويني في الارشاد ص359 لكن غاية ما من فعله أنه ينظر ويقعد. وإليك نص هذا القانون الكلي : قال في أساس التقديس ص172-173 :
[ اعلم أن الدلائل القطعية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. وإما أن تكذب الظواهر النقلية، وتصدق الظواهر العقلية. وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر النقلية وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم. ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية : إما أن يقال : إنها غير صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها ؛ ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات، وبالله التوفيق ا.هـ.
فهنا أربع احتمالات : إما أن يصدقهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، أو يكذبهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، وإما أن يقدم النقل وهذا لا يصح على قوله لأن العقل أصل في معرفة النقل، وإما أن يقدم العقل وهذا هو الصحيح. وقد أطال ابن تيمية الرد على هذا القانون كما في كتاب درء تعارض العقل والنقل، وابن القيم في كتاب الصواعق المرسلة.
وخلاصة الأدلة في نقض هذا القانون الكلي ما يلي : -
1- القطعي مقدم على الظني عند التعارض سواء كان عقلياً أو سمعيا ً، وليس هناك دليل يدل على أن كل عقلي قطعي وكل سمعي ظني بل متى ما كان أحدهما قطعياً قدم على الآخر فمن ثم يتبين أن القسمة الرباعية على وجه الحصر خطأ، بل يزاد أمر خامس وهو أنه تارة يقدم العقلي إذا كان قطعياً وتارة النقلي إذا كان قطعياً.
2- قولهم : قدم العقل لأنه أصل النقل غير صحيح، إذ يقال : هل يريدون بذلك أن العقل أصل في ثبوت النقل في نفس الأمر، أو أصل في علمنا بالصحة ؟ أما الأول قطعاً أنه خطأ غير مراد إذ عدم العلم بالشيء لا يدل على العدم. أما إن أرادوا أنه أصل في علمنا بالصحة، فيقال لهم ماذا تريدون بالعقل أتعنون به القدرة الغريزية التي فينا أم العلوم المستفادة بهذه القوة الغريزية ولا شك أن القوة الغريزية غير مرادة لأنها ليست علماً يتصور، فلم يبق إلا العلوم المستفادة ومن المعلوم أن هذه العلوم المستفادة منه ما ليس له صلة بالسمعيات كالحساب ومنه ما له صلة وهو صدق الرسول و ثبوت نبوته فمن ثم يعلم أن قول العقل أصل النقل خطأ.
3- من أقر بالنبوة لن يجعلها معارضة بل سيقدمها، وإلا فهو مكذب للنبوة لأنه سيقدم العقل على خبر النبي وهذا تكذيب للنبي الذي هو تكذيب به.
4- بين - رحمه الله - أنهم سموا الأدلة بغير اسمها فقالوا : عقلي وسمعي والصواب أن يقولوا : شرعي وغير شرعي لأن الأدلة الشرعية منها ما هو سمعي، ومنها ما هو عقلي، ومنها ما هو عقلي وسمعي في آن واحد، فكأن هؤلاء يقولون نقدم الدليل البدعي على الدليل الشرعي، وهذا كفر، لأن واقعه معارضة خبر الرسول بخبر غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
5- أن العقول تتفاوت في إدراكها ومعرفتها بل عقل الرجل الواحد يتفاوت فكيف بعقول الناس. وصدق الله القائل : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). وقال مطرف بن الشخير : لو كانت هذه الأهواء هوى واحداً، لقال قائل : الحق فيه. فلما تشعبت فاختلفت عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق.
6- لا نسلِّم أصلاً بوجود التعارض، لأن الشرع يأمر بالحق، والعقل الصحيح يدل على الحق وما يدلان على الحق لا يتعارض إلا إذا كان في أحدهما خطأ، لذا قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )
المصدر الثالث /أنه لا بد من تأويل نصوص الأسماء والصفات لأن ظاهرها التشبيه وهو كفر .
قال السنوسي في كتابه ( شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى ص 502) وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما ، فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي ، وأيضاً فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع ا.هـ
وقال أيضاً : أصول الكفر ستة .. - ثم عد خمسة وقال - سادساً : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية ، للجهل بأدلة العقول ، وعدم الارتباط بأساليب العرب . والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل هو أصل ضلالة الحشوية فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ونحوها ا.هـ
قال في متن الجوهرة الأشعري :
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
وقال الباجوري في شرحه للجوهرة ص 149: والمراد من التشبيه - في هذا الموطن - المشابهة للحوادث ، ومحل الشبهة أن ظاهر النصوص يوهم أن لله تعالى مكاناً أو جارحة ا.هـ
وقد مشى على هذا الأصل عملياً ابن فورك في كتابه مشكل الحديث فقال في عدة مواضع : ذكر خبر مما يقتضي التأويل ويوهم ظاهره التشبيه .
وهذا الأصل فاسد وقد رده أئمة الإسلام منهم الإمام ابن تيمية إذ قال في مجموع الفتاوى (3/43): فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها ولا يرتضون أن يكون ظاهرالقرآن والحديث كفرا وباطلا والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من ان يكون كلامه الذى وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:
تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك وتارة يردون المعنى الحق الذى هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل ا.هـ
وقال الأمين الشنقيطي في تفسيره الأضواء (2/285): اعلم أولاً أنه غلط في خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً لأن اعتقاد ظاهره كفر لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا ، والنبي الذي قيل له ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وأحرى في العقائد ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق والنبي كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا ورسوله والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله .
فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث ، فبمجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق وبين شيء من صفات المخلوقين وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر ا.هـ
وقد رد هذا الأصل البدعي ونقضه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في كتابه القواعد المثلى ص40 من خمسة أوجه ضمنها تدليلات شرعية وعقلية ولوازم لا محيص ولا محيد عنها .
الفرق بين الأشاعرة المتأخرين وأبي الحسن الأشعري
ينتسب الأشاعرة في الاعتقاد إلى أبي الحسن الأشعري ، وواقع الحال يكذب هذه النسبة ويبين الفرق بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة ، وقبل أن أشرع في ذكر بعض الفروق العقدية بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة إليك شيئاً من كلام أبي الحسن الأشعري به يتبين حقيقة اعتقاده :
قال - رحمه الله - في كتابه مقالات الإسلاميين (1/345) مبيناً عقيدة أهل السنة والجماعة أهل الحديث بياناً مجملاً مع التصريح بأنه يعتقده ويدين الله به : هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة :
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .
وان الله سبحانه على عرشه كما قال ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وأن له يدين بلا كيف كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) وكما قال ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) وأن له وجها كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) - ثم قال - ويقرون بأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص - ثم قال -
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله - ثم قال - وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير ا.هـ
وقال في رسالته لأهل الثغر ص210: وأجمعوا على إثبات حياة الله عز وجل لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها قادرا وكلاما لم يزل به متكلما وإرادة لم يزل بها مريدا وسمعا وبصرا لم يزل به سميعا بصيرا وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحا وأن يديه تعالى غير نعمته
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )
وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء من المذنبين ويعذب منهم من يشاء
وقال: وأنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه وقد دل على ذلك بقوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) وقال ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )وقال ( الرحمن على العرش استوى ) وليس استواؤه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر لأنه عز وجل لم يزل مستوليا على كل شيء ا.هـ
وقال في الإبانة ص20 : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيع الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم- ثم قال- وأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه ( خلقت بيدي )
وكما قال ( بل يداه مبسوطتان )
وأن له سبحانه عينين بلا كيف كما قال سبحانه ( تجري بأعيننا ) ا.هـ
مما تقدم يتضح الفرق الكبير بين معتقد أبي الحسن الأشعري ومعتقد الأشاعرة الذي سبق ذكر شيء منه ، ومزيداً على ما تقدم فإن الأشاعرة لا يثبتون اليدين لله بل يؤولون اليد بالنعمة . قال ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه ص 188: واعلم أنه ليس ينكر استعمال لفظ اليد على معنى النعمة ، وكذلك استعماله على معنى الملك والقدرة ا.هـ
وهذا التأويل قد أنكره أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .
ولا يثبت الأشاعرة المجيء لله حقيقة بل يؤولونه كما قال الرازي في أساس التقديس ص 103: المراد هل ينظرون إلا أن تأتيهم آيات الله ، فجعل مجيء آيات الله مجيئاً له على التفخيم لشأن الآيات ، كما يقال: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم من جهته . أو يكون المراد : هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله ... أما قوله ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) إما وجاء أمر ربك ، أو جاء قهر ربك . كما يقال : جاءنا الملك القاهر إذا جاء عسكره ، أو جاء ظهور معرفة الله تعالى بالضرورة في ذلك اليوم ، فصار ذلك جارياً مجرى مجيئه وظهوره ا.هـ
ولا يثبت الأشاعرة الاستواء بل يؤولونه بالاستيلاء ، قال الرازي كما في أساس التقديس ص 156 والآمدي كما في غاية المرام ص141: إن معنى الاستواء : الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية ا.هـ وهذا التأويل قد أنكره أيضاً أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .
ولا يثبت الأشاعرة الوجه لله بل يتأولونه بالذات ، قال البغدادي في أصول الدين ص 110: والصحيح عندنا أن وجهه ذاته ا.هـ
وتأول الأشاعرة العينين فقال الجويني في الإرشاد ص155: المراد منها البصر . وقال البغدادي في أصول الدين ص109: المراد منها الرؤية والعلم . وقال الرازي في أساس التقديس ص121: المراد منها العناية والحراسة ا.هـ
مما تقدم يتبين لك براءة أبي الحسن الأشعري من كثير من التأويلات التي أصبحت من مسلمات الاعتقاد عند الأشاعرة ، و سلفهم فيها المعتزلة الذين يعلن الأشاعرة في كتبهم تبديعهم وعداءهم ، قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى (12/203): فمن قال أن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه ، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه ، فان هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة ا.هـ
وقال في مجموع الفتاوى (5/23): وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه ( تأسيس التقديس ) ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبى على الجبائي وعبدالجبار بن أحمد الهمدانى وأبى الحسين البصري وأبى الوفاء بن عقيل وأبى حامد الغزالى وغيرهم هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء .
فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري صنف كتابا سماه ( رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد ) حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضى أن المريسى أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكى علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم ،ثم إذا رأى الأئمة أئمة الهدى قد أجمعوا على ذم المريسية وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين هو مذهب المريسي تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله ا.هـ
فهلا اعتبر بهذا أشاعرة اليوم وتركوا هذه التأويلات الاعتزالية ، ورجعوا إلى ما عليه السلف الصالح متبعين في ذلك أبا الحسن الأشعري الذي أعلن رجوعه إلى مذهب السلف كما تقدم نقله معرضين عن كل من خالف منهج السلف سواء كان أبا الحسن الأشعري أو غيره في تفصيل ما عليه السلف .
و سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
وكتبه أفقر خلق الله إلى عفوه
أبوجهاد سمير الجزائري
منقول
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
هذا كتيب إختصرته من كتاب "تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية" فأسأل الله جل و علا أن يغفر لي و لزوجتي و لكل المسلمين ما تقدم و ما تأخر من ذنوبنا وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين انه ولي ذلك و القادر عليه.
أبو جهاد سمير الجزائري
مقدمة:
إليك شيئاً من معتقد الأشاعرة على وجه الاختصار :
1- أن الإيمان هو التصديق فلا يرون عمل الجوارح من الإيمان ولا يرون كفراً يكون بالجوارح .
2- أنهم جبرية في باب القدر فلا يثبتون إلا الإرادة الكونية دون الإرادة الشرعية ، فليس للعبد عندهم قدرة ولا يثبتون إلا الاستطاعة والقدرة المقارنة للعمل دون ما قبله .
3- لا يثبتون لأفعال الله علة ولا حكمة والعياذ بالله .
4- لا يثبتون شيئاً من الصفات الفعلية .
5- الأشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو الله على خلقه بذاته .
6- لا يثبتون من صفات المعاني إلا سبعاً أو أكثر وعمدتهم في الإثبات العقل ثم هم في الصفات السبع نفسها لا يثبتونها كما يثبتها أهل السنة .
7- معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله راجع إلى توحيد الربوبية فلا يعرفون توحيد الألوهية كما فسر الباقلاني كلمة التوحيد بمعنى الربوبية .
8- مآل قولهم في كلام الله أن القرآن مخلوق كما أفاده أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين الرازي .
9- يتوسعون في الكرامة فيجعلون كرامة الأنبياء ممكنة للأولياء .
10- يقررون رؤية الله إلى غير جهة ومآل قولهم إنكار الرؤية .
11- أن العقل لا يحسن ولا يقبح .
12- أنه لا يصح إسلام أحد بعد التكليف إلا أن يشك ثم أول واجب عليه النظر كما قال أبو المعالي الجويني .
إلى آخر ما عندهم من اعتقادات بدعية .
إذا تبين شيء من معتقد الأشاعرة فالواحدة مما تقدم تكفي في تبديعهم وإخراجهم من أهل السنة والفرقة الناجية إلى عموم الاثنتين والسبعين فرقة المسلمة الضالة لأن ما ذكرت من المؤاخذات العقدية هي مؤاخذات كلية .
العلماء الذين قرروا بأن الأشاعرة مبتدعة من الفرق الهالكة
قد نص غير واحد من أهل العلم على أن الأشاعرة مبتدعة ، ومعنى هذا أنهم ليسوا من أهل السنة ، وعليه فلا يكونون من الفرقة الناجية الطائفة المنصورة :
1-إمام أهل السنة الإمام أحمد فقد بدع الكلابية وشدد عليهم وهم كالأشاعرة الأوائل قال الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (2/6): (وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه) .
وقال في الفتاوى (12/368: (والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون عن أصحابه.وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية) وقال في كتابه الاستقامة (1/105):والكلابية هم مشايخ الأشعرية فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمنا وطريقة وقد جمع أبو بكر بن فورك شيخ القشيري كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول ولكن لم يكن كلام أبي عبد الرحمن السلمي قد انتشر بعد فإنه انتشر في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت كتب القاضي أبي بكر بن الباقلانى ونحوه ا.هـ وقال كما في الفتاوى(12/17:وأما قوله وقوم نحوا إلى أنه-أي القرآن- قديم لا بصوت ولا حرف إلا معنى قائم بذات الله وهم الأشعرية فهذا صحيح ولكن هذا القول أول من قاله فى الإسلام عبدالله بن كلاب فان السلف والأئمة كانوا يثبتون لله تعالى ما يقوم به من الصفات والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته والجهمية تنكر هذا وهذا فوافق ابن كلاب السلف على القول بقيام الصفات القديمة وأنكر أن يقوم به شيء يتعلق بمشيئته وقدرته وجاء أبو الحسن الأشعرى بعده وكان تلميذا لأبى على الجبائى المعتزلى ثم إنه رجع عن مقالة المعتزلة وبين تناقضهم في مواضع كثيرة وبالغ في مخالفتهم في مسائل القدر والإيمان والوعد والوعيد حتى نسبوه بذلك إلى قول المرجئة والجبرية والواقفة وسلك في الصفات طريقة ابن كلاب وهذا القول في القرآن هو قول ابن كلاب في الأصل وهو قول من اتبعه كالأشعرى وغيره ا.هـ
وقال كما في الفتاوى (17/149) : كالكلابية و من اتبعهم من الأشعرية و غيرهم ا.هـ
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة كما في سير أعلام النبلاء(14/380) لما قال له أبو علي الثقفي : (ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟
قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره ا.هـ
قال الإمام ابن تيمية في شرح الأصفهانية (ص107-10، : فإن كثيراً من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة) وقال في الدرء (7/97) : وهذا الكلام في الأصل-أي تقديم العقل على النقل- هو من قول الجهمية المعتزلة وأمثالهم وليس من قول الأشعري وأئمة أصحابه وإنما تلقاه عن المعتزلة متأخرو الأشعرية لما مالوا إلى نوع التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع بل ما جعله معاضداً له وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل ا.هـ
- الإمام أبو نصر السجزي إذ وصف الأشاعرة بأنهم متكلمون وفرقة محدثة وأنهم أشد ضرراً من المعتزلة فقال:(فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغا إليه أو يناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي...ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً ، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا) انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص100-101) .
-ثم قال ص222- 223 -: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛ بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ...وفي وقتنا أبو بكر الباقلاني ببغداد وأبو إسحاق الإسفرائني وأبوبكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة - ثم قال : وكلّهم أئمّةُ ضَلالة يدعونَ النّاسَ إلى مخالفةِ السّنةِ وتركِ الحديث »....) وبين - رحمه الله- وجه كونهم أشد من المعتزلة فقال ص177-178: ( لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تُمَوِّه.بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه ا.هـ .
3- الإمام محمد بن احمد بن خويز منداد المصري المالكي - رحمه الله- ، فقد روى عنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/96): أنه قال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء قال : أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها )
4- ابن قدامة-رحمه الله- فقد نص على أنهم مبتدعة فقال في كتاب المناظرة في القرآن ص35 : ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم ولا يتجاسرون على إظهارها إلا الزنادقة والأشعرية ا.هـ
وقال في كتاب تحريم النظر في كتب الكلام ص42 : وقال أحمد بن إسحاق المالكي أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري لا تقبل له شهادة ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها ا.هـ
5- أبو حامد الإسفرائني /
قال ابن تيمية في درء التعارض (2/96) : قال الشيخ أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام قال ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرؤن مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول اشهدوا على بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني وتكرر ذلك منه جمعات فقيل له في ذلك فقال حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية وبريء من مذهب ابي بكر بن الباقلاني فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم منى تعلموه قبله وأنا ما قلته وأنا بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته .
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل - يعني الباقلاني - فإياك وإياه فإنه مبتدع ؛ يدعو الناس إلى الضلالة ، وإلا فلا تحضر مجلسي فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل وتائب إليه، واشهدوا علي أني لا أدخل إليه . قال الشيخ أبو الحسن وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا : كان أبو بكر الباقلانى يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسفرايني قال أبو الحسن: ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري . وعلقه عنه أبو بكر الزاذاقاني ، وهو عندي وبه اقتدى الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميزه ، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين.
قلت: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي ، أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها ، وقد ذكر الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وأبو إسحاق الشيرازي وغير واحد بينوا مخالفة الشافعي وغيره من الأئمة لقول ابن كلاب والأشعري في مسألة الكلام التي امتاز بها ابن كلاب والأشعري عن غيرهما وإلا فسائر المسائل ليس لابن كلاب والأشعري بها اختصاص ا.هـ
6- أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري .
ذكر السبكي في طبقاته (4/272) أنه ذكر في كتابه ذم الكلام أنه كان يلعن أبا الحسن الأشعري , وأنه ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعرياً ا.هـ
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(14/354) : كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فإنه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات و له كتاب تكفير الجهمية و يبالغ في ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة و الحديث و ربما كان يلعنهم وقد قال له بعض الناس: بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية ؟ فقال: ألعن من يقول ليس في السموات إله و لا في المصحف قرآن و لا في القبر نبي و قام من عنده مغضباً ا.هـ
7- محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الكرجي أبو الحسن الشافعي.
تقدم نقل ابن تيمية كلامه عن الأشعرية وقد نقل له السبكي في طبقاته(6/144) أبياتاً في ذم الأشعرية فقال-رحمه الله- :
وخبث مقال الأشعري تخنث يضاهي تلويه تلوي الشغازب
يزين هذا الأشعري مقاله ويقشبه بالسم ياشر قاشب
فينفي تفاصيلاً ويثبت جملة كناقصه من بعد شد الذوائب
يؤول آيات الصفات برأيه فجرأته في الدين جرأة خارب
8-القحطاني في نونية الرائعة إذ قال :
يا أشعرية يا أسافلة الورى يا عمي يا صم بلا آذان
أني لأبغضنكم وأبغض حزبكم بغضا أقل قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقتلتين لسرني كيلا يرى إنسانكم إنساني
وقال :
يا أشعرية يا جميع من ادعى بدعاً وأهواء بلا برهان
جاءتكم سنية مأمونة من شاعر ذرب اللسان معان
9- الإمام ابن تيمية-رحمه الله- قد بين أنهم مبتدعة بطرق؛ منها أنه نص على ذلك فقال كما في مجموع الفتاوى (2/50) : كما يقوله بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبرائيل أو محمد مضاهاة منهم فى نصف قولهم لمن قال انه قول البشر من مشركى العرب ممن يزعم أنه أنشأه بفضله وقوة نفسه ا.هـ
ومنها أنه جعلهم من المتكلمين وبجعله لهم من المتكلمين أخرجهم من أهل السنة إلى أهل البدع فقال في الدرء (6/183) : وأهل الكلام من الأشعرية وغيرهم ا.هـ
وفي أكثر من موضع يذكر أنهم أقرب إلى أهل السنة من غيرهم فهذا يدل على أنهم ليسوا منهم قال في مجموع الفتاوى (6/55): ( و أما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث ، وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث . . )
وقد نقل في الدرء (6/221) كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل ثم قال أبو الوليد: وهذه حال الفرق الحادثة في هذه الشريعة وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تاويلا غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى وزعمت أنه الذي قصد صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق وبعد جدا عن موضوعه الأول ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال :ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله تأويلا صرحت به للناس .
قال: وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح فأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج ثم المعتزلة بعدهم ثم الأشعرية ثم الصوفية ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى ا.هـ
فأبو الوليد بن رشد يقرر أن الأشاعرة من عموم الفرق الاثنتين والسبعين الضالة وأقره الإمام ابن تيمية على هذا ولم يعترض عليه .
10-الإمام ابن القيم -رحمه الله-فقد نقل كلام أبي الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ المتقدم في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بالكشف عن مَنَاهِجِ الْأَدِلَّةِ والمثل الذي ضربه لخطورة التأويل كما في الإعلام (4/254) والصواعق المرسلة (2/417) وأقره ولم يخالفه مثل شيخه ابن تيمية .
11- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية سليمان بن سحمان -رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال: (هذا مصانعة من المصنف- رحمه الله تعالى- في إدخاله الأشعرية والماتريدية في أهل السنة والجماعة، فكيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته، واستواءه على عرشه ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، ولا يثبت رؤية المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم، فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي. ويقول: الإيمان مجرد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة) لوامع الأنوار البهية (1/73)
12- الشيخ العلامة من أئمة الدعوة النجدية السلفية عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين - رحمه الله- فقد رد على السفاريني قوله في لوامع الأنوار: إن الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية كما قال هؤلاء المفتون فقال : (تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر، فالحق الذي لا ريب فيه أن أهل السنة فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية التي بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل عنها بقوله: (هي الجماعة)، وفي رواية: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، أو (من كان على ما أنا عليه وأصحابي). وبهذا عرف أنهم المجتمعون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ولا يكونون سوى فرقة واحدة. والمؤلف نفسه يرحمه الله لما ذكر في المقدمة هذا الحديث، قال في النظم:
وليس هذا النص جزماً يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر
يعني بذلك: الأثرية. وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة الأثرية والله أعلم) المصدر السابق (1/73) .
31- الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(6/285) حيث قال: (فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم - تقريب السنة بين يدي الأمة - الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل و كتب و مجلات من بعض أعداء السنة من المتمذهبة و الأشاعرة و المتصوفة و غيرهم ، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن الرد على المحبين الناشئين ، فضلا عن غيرهم . و الله المستعان ، و عليه التكلان) ا.هـ
14-الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-في شرحه للواسطية استدرك في أولها على السفاريني لما جعل الأشاعرة والماتردية من الفرقة الناجية وبين أن الفرقة الناجية واحدة وهم أهل الحديث أهل السنة دون الأشعرية والماتردية وقال (2/372) أيضاً:أن الأشاعرة والماتردية ونحوهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ا.هـ
15-شيخنا العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- سئل : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة وهذا سائل يقول : هل الأشاعرة والماتريدية يعدون من أهل السنة والجماعة ؟
الجواب :
لا يعدون .
لم يعدهم أحد من أهل السنة والجماعة قط .
لكن هم يسمون أنفسهم من أهل السنة وهم ليس من أهل السنة ا.هـ
مصادر التلقي عند الأشاعرة
إن من المهم معرفة مصادر التلقي عند الأشاعرة من كتب أئمتهم ليعرف مدى ضلالهم وبعدهم عن السنة التي يدعون انتسابهم إليها ، وإن بعد الأشاعرة عن أهل السنة في التأصيل كبعض مصادر التلقي أدى بهم إلى بعد كبير في التطبيق كما تقدم ذكر مختصر عقائدهم البدعية وإليك ذكر مصادرهم:
المصدر الأول/عندهم أن الأدلة السمعية المتواترة وهي القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد فإنه لا يحتج بها في العقائد :
قال الرازي في أساس التقديس ص 168: أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز ا.هـ ثم ذكر أوجهاً لتقوية ما ذهب إليه ، ومنها أن أخبار الآحاد ظنية ، وما كان كذلك فلا يجوز التمسك به لقوله تعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )
وقد رد أئمة السنة على هذا الأصل ، وأطالوا النفس في ذلك ، ومن أحسن ما رأيت ما ذكر الإمام ابن القيم في مختصر الصواعق من أن خبر الواحد يفيد العلم وأنه حجة في باب العقائد وغيرها . إليك كلامه مرتباً مجموعاً في نقاط :
الأولى/ أنه فعل الصحابة وطريقتهم فإنهم كانوا يجزمون بخبر الواحد ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص456: من هذا إخبار الصحابة بعضهم بعضاً فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك خبر واحد ولا يفيد العلم حتى يتواتر ، وتوقف من توقف منهم حتى عضده آخر منهم لا يدل على رد خبر الواحد عن كونه خبر واحد ، وإنما كان يستثبت أحياناً نادرة جداً إذا استخبر . ولم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وأبو ذر ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وعبدالله بن عمر وأمثالهم من الصحابة ، بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ، ولم يقل له أحد منهم يوماً واحداً من الدهر: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم ، وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم من أن يقابل بذلك ، وكان المخبر لهم أجل في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقولوا له مثل ذلك . وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين ، كما اعتقد رؤية الرب وتكليمه ونداءه يوم القيامة لعباده بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وضحكه وفرحه وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده وإثبات القدم له . من سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صاحب اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ، ولم يرتب فيها حتى أنهم ربما تثبتوا في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر كما استظهر عمر رضي الله عنه برواية محمد بن مسلمة على رواية المغيرة بن شعبة في توريث الجدة ، ولم يطلب أحد منهم الاستظهار في رواية أحاديث الصفات البتة ، بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها ، وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع . فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصخابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام ، ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة ، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء ، وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك ، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم ا.هـ ومن هدي الصحابة العملي في ذلك ما ذكره ابن القيم إذ قال : إن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى اله عيه وسلم ، بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى ، فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم ، وغاية ما يقال فيه أنه خبر اقترنته قرينة ، وكثير منهم يقول: لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها ، وهذا في غاية المكابرة ومعلوم أن قرينة تلقي الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها ، فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها ا.هـ
الثانية/ أن كل مسألة فقهية طلبية تتضمن حكماً خبرياً وهو اعتقادي ، قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص 489: فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر ، وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، بشرعه ودينه راجع إلى أ.سمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته . فأين سلف المفرقين بين البابين ، نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ا.هـ
الثالثة/ أن الله تعالى قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا ) وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا ، وأمر بكذا ونهى عن كذا . وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة . وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل وجزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نسبه إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم .
الرابعة/ إن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك جزم منهم بأنه قاله ، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين إن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن ، بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم ، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه ، وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر ونهى وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى عنه ونحو ذلك ، ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا الحديث صحيح ، وبين قوله إسناده صحيح ، فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني شهادة بصحة سنده ، وقد يكون فيه علة أو شذوذ فيكون سنده صحيحاً ، ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه .
الخامسة/ قوله تعالى ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) والطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، فأخبر أن الطائفة تنذر قومهم إذا رجعوا إليهم والإنذار والإعلام بما يفيد العلم ، وقوله: لعلهم يحذرون ، نظير قولهم في آياته المتلوة والمشهودة ( لعلهم يتفكرون . لعلهم يتقون . لعلهم يهتدون ) وهو سبحانه إنما يذكر ذلك فيما يحصل العلم لا فيما يفيد العلم .
السادسة/ قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) أي لا تتبعه ولا تعمل به ، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون لله تعالى بها الصفات ، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم .
السابعة/ قوله تعالى ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر وهم أولو الكتاب والعلم ، ولولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً ، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر ، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً ، فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً .
الثامنة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) وقال ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( بلغوا عني )) وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة (( أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت . ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ ويحصل به العلم ، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد ، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه فتقوم الحجة على من بلغه ، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ، ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر ، وهذا من أبطل الباطل .
فيلزم من قال إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم أحد أمرين: إما أن يقول: إن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر ، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ ، وإما أن يقول: إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي عملاً ، وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات العدول الحفاظ وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً ، وهذا ظاهر لا خفاء به .
التاسعة/ قوله تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وقوله ( وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وجه الاستدلال أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك ، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا ، فهم حجة الله على من خالف رسول الله ، وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة ، وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه ، ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به أهل الشهادة ، فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه .
العاشرة/ قوله تعالى ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها ، لا يدري هل هي حق أو باطل . فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب اطراحها وأن لا يلتفت إليها ، وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية . وإن كانت حقاً فيجب الشهادة بها على البت أنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به .
الحادية عشرة/ قول النبي صلى الله عليه وسلم على مثلها (( فاشهدوا )) أشار إلى الشمس ولم يزل الصحابة والتابعون وأئمة الحديث يشهدون عليه صلى الله عليه وسلم على القطع أنه قال كذا ، وأمر به ونهى عنه وفعله لما بلغهم إياه الواحد والاثنان والثلاثة فيقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، وحرم كذا وأباح كذا ، وهذه شهادة جازمة يعلمون أن المشهود به كالشمس في الوضوح ، ولا ريب أن كل من له التفات إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناء بها يشهد شهادة جازمة أن المؤمنين يرون بهم ربهم عياناً يوم القيامة ، وأن قوماً من أهل التوحيد يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة وأن الصراط حق ، وتكليم الله لعباده يوم القيامة كذلك ، وأن الولاء لمن أعتق ، إلى أضعاف أضعاف ذلك ، بل يشهد بكل خبر صحيح متلقى بالقبول لم ينكره أهل الحديث شهادة لا يشك فيها .
الثانية عشرة/ إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ، ولو قيل لهم إنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار ، وتعجبوا من جهل قائله ، ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم ، لم يروها عنهم عدد التواتر . وهذا معلوم يقيناً . فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ، ويحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع ، وتعددت طرقه وتنوعت ، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم ؟ إن هذا لهو العجب العجاب .
وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاواه وأقضيته تفيد العلم ، وإما أن يقولوا إنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم ، وأن النقول عنهم لا تفيد علماً ، وأما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أبين الباطل .
الثالثة عشرة/ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة . ودعوته نوعان: مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين ، وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً ، أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه ، وحال بينه وبين قلبه .
الرابعة عشرة/ قوله تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم ، فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذر .
الخامسة عشرة/ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) إلى قوله ( وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ووجه الاستدلال أنه أمر أن يرد ما تنازع فيه إلى الله ورسوله ، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته . فلولا أن المردود إليه يفيد العلم وفصل النزاع لم يكن في الرد إليه فائدة ، إذ كيف يرد حكم المتنازع فيه إلى ما لا يفيد علماً البتة ولا يدرى حق هو أم باطل؟ وهذا برهان قاطع بحمد الله ، فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد علماً ؛ إنا نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة فإنها تفيد العلم .
السادسة عشرة/ قوله تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) إلى قوله ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما أنزل الله ، وهو ذكر من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول: إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ، ولابد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ، ولا تلتبس بما ليس منها ، فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بستيقنين .
السابعة عشرة/ ما احتج به الشافعي نفسه فقال: أخبرنا سفيان عن عبدالملك بن عمير عن أبيه عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم . فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) . قال الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمر أن يؤديها ولو واحد ، دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ، ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم . انتهى . والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يفد علماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقبل من أدى إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصل العلم إلا بخبرهم ، ولم يدع للحامل المؤدي وإن كان واحداً ؛ لأن ما حمله لا يفيد العلم ، فلم يفعل ما يستحق الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر ، وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث . ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ندب إلى ذلك وحث عليه وأمر به لتقوم الحجة على من أدى إليه ، فلو لم يفد العلم لم يكن فيه حجة.
الثامنة عشرة/ حديث أبي رافع الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول: لا ندري ما هذا ، بيننا وبينكم القرآن ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه )) ووجه الاستدلال أن هذا نهي عام لكل من بلغه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالفه أو يقول لا أقبل إلا القرآن ، بل هو أمر لازم ، وفرض حتم بقبول أخباره وسننه ، وإعلام منه صلى الله عليه وسلم أنه من الله أوحاها إليه ، فلو لم تفد علماً لقال: من بلغته إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول ما لا علم لي بصحته ، والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده ، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم عنه ، ولما علم أن في هذه الأمة من يقول حذرهم منه ، فإن القائل إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواه لا ندري ما هذه الأحاديث ، وكان سلف هؤلاء يقولون بيننا وبينكم القرآن وخلفهم يقولون: بيننا وبينكم أدلة العقول ، وقد صرحوا بذلك وقالوا: نقدم العقول على هذه الأحاديث ، آحادها ومتواترها ، ونقدم الأقيسة عليها .
التاسعة عشرة/ ما رواه مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ ، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت ، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفلها حتى كسرتها . ووجه الاستدلال أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالاً ، وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاها ، وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه ، وهو مال ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه ، والمتكلفون يقولون إن مثل ذلك الخبر لا يفيد العلم لا بقرينة ولا بغير قرينة .
العشرون/ إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويجعل ذلك ديناً يدان به في الأرض إلى آخر الدهر . فهذا الصديق رضي الله عنه زاد في الفروض التي في القرآن فرض الجدة وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة بخبر محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل حكم ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته بخبر الواحد . وأثبت عمر بن الخطاب بخبر حمل ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة . وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبدالرحمن بن عوف وحده . وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر قريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يذكر ، بل هو إجماع معلوم منهم ، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه ، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به ، وهذا قدح في الدين والأمة .
الحادية والعشرون/ إن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ، فقبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاًَ له: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فجزم بخبره وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، وقبل خبر أبيها في قوله: هذه ابنتي وتزوجتها بخبره .
وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك وقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة . وقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له وغزاهم بخبرهم ، واستباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم . ورسل الله صلواته وسلامه عليهم لم يرتبوا على تلك الأخبار أحكامها ، وهم يجوزون أن تكون كذباً وغلطاً ، وكذلك الأمة لم تثبت الشرائع العامة الكلية بأخبار الآحاد ، وهم يجوزون أن يكون كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الأمر ، ولم يخبروا عن الرب تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به ، بل يجوز أن يكون كذباً وخطأ في نفس الأمر ، هذا مما يقطع ببطلانه كل عالم مستبصر .
الثانية والعشرون/ إن خبر العدل الواحد المتلقى بالقبول لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ، ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم ، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله صلى الله ، فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادة زور ، وقولاً على الله ورسوله بغير علم ، ولعمر الله هذا حقيقة قولهم ، وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها .
المصدر الثاني / تقديم العقل على النقل ، وجعل العقل هو الأصل والنقل هو التبع ، هذا فيما يعتبرونه من النقل وهو القرآن والأحاديث المتواترة دون أحاديث الآحاد كما تقدم .
ذكر هذا الأصل الرازي في مواطن من كتبه مثل : أساس التقديس، والمطالب العالية، ولباب الأربعين، ونهاية العقول، لكن ليعلم أنه لم ينفرد به فهو موجود عند أسلافه من المعتزلة والأشاعرة كالجويني في الارشاد ص359 لكن غاية ما من فعله أنه ينظر ويقعد. وإليك نص هذا القانون الكلي : قال في أساس التقديس ص172-173 :
[ اعلم أن الدلائل القطعية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال. وإما أن تكذب الظواهر النقلية، وتصدق الظواهر العقلية. وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر النقلية وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم. ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية : إما أن يقال : إنها غير صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها ؛ ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات، وبالله التوفيق ا.هـ.
فهنا أربع احتمالات : إما أن يصدقهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، أو يكذبهما وهذا لا يصح لأنهما متناقضان، وإما أن يقدم النقل وهذا لا يصح على قوله لأن العقل أصل في معرفة النقل، وإما أن يقدم العقل وهذا هو الصحيح. وقد أطال ابن تيمية الرد على هذا القانون كما في كتاب درء تعارض العقل والنقل، وابن القيم في كتاب الصواعق المرسلة.
وخلاصة الأدلة في نقض هذا القانون الكلي ما يلي : -
1- القطعي مقدم على الظني عند التعارض سواء كان عقلياً أو سمعيا ً، وليس هناك دليل يدل على أن كل عقلي قطعي وكل سمعي ظني بل متى ما كان أحدهما قطعياً قدم على الآخر فمن ثم يتبين أن القسمة الرباعية على وجه الحصر خطأ، بل يزاد أمر خامس وهو أنه تارة يقدم العقلي إذا كان قطعياً وتارة النقلي إذا كان قطعياً.
2- قولهم : قدم العقل لأنه أصل النقل غير صحيح، إذ يقال : هل يريدون بذلك أن العقل أصل في ثبوت النقل في نفس الأمر، أو أصل في علمنا بالصحة ؟ أما الأول قطعاً أنه خطأ غير مراد إذ عدم العلم بالشيء لا يدل على العدم. أما إن أرادوا أنه أصل في علمنا بالصحة، فيقال لهم ماذا تريدون بالعقل أتعنون به القدرة الغريزية التي فينا أم العلوم المستفادة بهذه القوة الغريزية ولا شك أن القوة الغريزية غير مرادة لأنها ليست علماً يتصور، فلم يبق إلا العلوم المستفادة ومن المعلوم أن هذه العلوم المستفادة منه ما ليس له صلة بالسمعيات كالحساب ومنه ما له صلة وهو صدق الرسول و ثبوت نبوته فمن ثم يعلم أن قول العقل أصل النقل خطأ.
3- من أقر بالنبوة لن يجعلها معارضة بل سيقدمها، وإلا فهو مكذب للنبوة لأنه سيقدم العقل على خبر النبي وهذا تكذيب للنبي الذي هو تكذيب به.
4- بين - رحمه الله - أنهم سموا الأدلة بغير اسمها فقالوا : عقلي وسمعي والصواب أن يقولوا : شرعي وغير شرعي لأن الأدلة الشرعية منها ما هو سمعي، ومنها ما هو عقلي، ومنها ما هو عقلي وسمعي في آن واحد، فكأن هؤلاء يقولون نقدم الدليل البدعي على الدليل الشرعي، وهذا كفر، لأن واقعه معارضة خبر الرسول بخبر غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
5- أن العقول تتفاوت في إدراكها ومعرفتها بل عقل الرجل الواحد يتفاوت فكيف بعقول الناس. وصدق الله القائل : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). وقال مطرف بن الشخير : لو كانت هذه الأهواء هوى واحداً، لقال قائل : الحق فيه. فلما تشعبت فاختلفت عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق.
6- لا نسلِّم أصلاً بوجود التعارض، لأن الشرع يأمر بالحق، والعقل الصحيح يدل على الحق وما يدلان على الحق لا يتعارض إلا إذا كان في أحدهما خطأ، لذا قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )
المصدر الثالث /أنه لا بد من تأويل نصوص الأسماء والصفات لأن ظاهرها التشبيه وهو كفر .
قال السنوسي في كتابه ( شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى ص 502) وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما ، فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي ، وأيضاً فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع ا.هـ
وقال أيضاً : أصول الكفر ستة .. - ثم عد خمسة وقال - سادساً : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية ، للجهل بأدلة العقول ، وعدم الارتباط بأساليب العرب . والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل هو أصل ضلالة الحشوية فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ونحوها ا.هـ
قال في متن الجوهرة الأشعري :
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
وقال الباجوري في شرحه للجوهرة ص 149: والمراد من التشبيه - في هذا الموطن - المشابهة للحوادث ، ومحل الشبهة أن ظاهر النصوص يوهم أن لله تعالى مكاناً أو جارحة ا.هـ
وقد مشى على هذا الأصل عملياً ابن فورك في كتابه مشكل الحديث فقال في عدة مواضع : ذكر خبر مما يقتضي التأويل ويوهم ظاهره التشبيه .
وهذا الأصل فاسد وقد رده أئمة الإسلام منهم الإمام ابن تيمية إذ قال في مجموع الفتاوى (3/43): فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها ولا يرتضون أن يكون ظاهرالقرآن والحديث كفرا وباطلا والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من ان يكون كلامه الذى وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:
تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك وتارة يردون المعنى الحق الذى هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل ا.هـ
وقال الأمين الشنقيطي في تفسيره الأضواء (2/285): اعلم أولاً أنه غلط في خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً لأن اعتقاد ظاهره كفر لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا ، والنبي الذي قيل له ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وأحرى في العقائد ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق والنبي كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا ورسوله والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله .
فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث ، فبمجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق وبين شيء من صفات المخلوقين وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر ا.هـ
وقد رد هذا الأصل البدعي ونقضه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في كتابه القواعد المثلى ص40 من خمسة أوجه ضمنها تدليلات شرعية وعقلية ولوازم لا محيص ولا محيد عنها .
الفرق بين الأشاعرة المتأخرين وأبي الحسن الأشعري
ينتسب الأشاعرة في الاعتقاد إلى أبي الحسن الأشعري ، وواقع الحال يكذب هذه النسبة ويبين الفرق بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة ، وقبل أن أشرع في ذكر بعض الفروق العقدية بين أبي الحسن الأشعري والأشاعرة إليك شيئاً من كلام أبي الحسن الأشعري به يتبين حقيقة اعتقاده :
قال - رحمه الله - في كتابه مقالات الإسلاميين (1/345) مبيناً عقيدة أهل السنة والجماعة أهل الحديث بياناً مجملاً مع التصريح بأنه يعتقده ويدين الله به : هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة :
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئا وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .
وان الله سبحانه على عرشه كما قال ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وأن له يدين بلا كيف كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) وكما قال ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) وأن له وجها كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) - ثم قال - ويقرون بأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص - ثم قال -
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله - ثم قال - وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير ا.هـ
وقال في رسالته لأهل الثغر ص210: وأجمعوا على إثبات حياة الله عز وجل لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها قادرا وكلاما لم يزل به متكلما وإرادة لم يزل بها مريدا وسمعا وبصرا لم يزل به سميعا بصيرا وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحا وأن يديه تعالى غير نعمته
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )
وقال : وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء من المذنبين ويعذب منهم من يشاء
وقال: وأنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه وقد دل على ذلك بقوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) وقال ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )وقال ( الرحمن على العرش استوى ) وليس استواؤه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر لأنه عز وجل لم يزل مستوليا على كل شيء ا.هـ
وقال في الإبانة ص20 : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيع الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم- ثم قال- وأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه ( خلقت بيدي )
وكما قال ( بل يداه مبسوطتان )
وأن له سبحانه عينين بلا كيف كما قال سبحانه ( تجري بأعيننا ) ا.هـ
مما تقدم يتضح الفرق الكبير بين معتقد أبي الحسن الأشعري ومعتقد الأشاعرة الذي سبق ذكر شيء منه ، ومزيداً على ما تقدم فإن الأشاعرة لا يثبتون اليدين لله بل يؤولون اليد بالنعمة . قال ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه ص 188: واعلم أنه ليس ينكر استعمال لفظ اليد على معنى النعمة ، وكذلك استعماله على معنى الملك والقدرة ا.هـ
وهذا التأويل قد أنكره أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .
ولا يثبت الأشاعرة المجيء لله حقيقة بل يؤولونه كما قال الرازي في أساس التقديس ص 103: المراد هل ينظرون إلا أن تأتيهم آيات الله ، فجعل مجيء آيات الله مجيئاً له على التفخيم لشأن الآيات ، كما يقال: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم من جهته . أو يكون المراد : هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله ... أما قوله ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) إما وجاء أمر ربك ، أو جاء قهر ربك . كما يقال : جاءنا الملك القاهر إذا جاء عسكره ، أو جاء ظهور معرفة الله تعالى بالضرورة في ذلك اليوم ، فصار ذلك جارياً مجرى مجيئه وظهوره ا.هـ
ولا يثبت الأشاعرة الاستواء بل يؤولونه بالاستيلاء ، قال الرازي كما في أساس التقديس ص 156 والآمدي كما في غاية المرام ص141: إن معنى الاستواء : الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية ا.هـ وهذا التأويل قد أنكره أيضاً أبو الحسن الأشعري بعينه كما تقدم .
ولا يثبت الأشاعرة الوجه لله بل يتأولونه بالذات ، قال البغدادي في أصول الدين ص 110: والصحيح عندنا أن وجهه ذاته ا.هـ
وتأول الأشاعرة العينين فقال الجويني في الإرشاد ص155: المراد منها البصر . وقال البغدادي في أصول الدين ص109: المراد منها الرؤية والعلم . وقال الرازي في أساس التقديس ص121: المراد منها العناية والحراسة ا.هـ
مما تقدم يتبين لك براءة أبي الحسن الأشعري من كثير من التأويلات التي أصبحت من مسلمات الاعتقاد عند الأشاعرة ، و سلفهم فيها المعتزلة الذين يعلن الأشاعرة في كتبهم تبديعهم وعداءهم ، قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى (12/203): فمن قال أن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه ، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه ، فان هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة ا.هـ
وقال في مجموع الفتاوى (5/23): وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه ( تأسيس التقديس ) ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبى على الجبائي وعبدالجبار بن أحمد الهمدانى وأبى الحسين البصري وأبى الوفاء بن عقيل وأبى حامد الغزالى وغيرهم هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء .
فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري صنف كتابا سماه ( رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد ) حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضى أن المريسى أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكى علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم ،ثم إذا رأى الأئمة أئمة الهدى قد أجمعوا على ذم المريسية وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين هو مذهب المريسي تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله ا.هـ
فهلا اعتبر بهذا أشاعرة اليوم وتركوا هذه التأويلات الاعتزالية ، ورجعوا إلى ما عليه السلف الصالح متبعين في ذلك أبا الحسن الأشعري الذي أعلن رجوعه إلى مذهب السلف كما تقدم نقله معرضين عن كل من خالف منهج السلف سواء كان أبا الحسن الأشعري أو غيره في تفصيل ما عليه السلف .
و سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
وكتبه أفقر خلق الله إلى عفوه
أبوجهاد سمير الجزائري
منقول