المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمع الجميل لتصريحات أئمة الأشاعرة في (صعوبة) (استحالة) (عسر) (كلفة) فهم معتقد الأشاعرة و (تحييره للعقول) الجمع الجميل لتصريحات أئمة الأشاعرة في (صعوبة) (استحالة) (عسر) (كلفة) فهم معتقد الأشاعرة و (تحييره للعقول) الجمع الجميل لتصريحات أئمة الأشاع


أ/أحمد
08-12-2012, 08:28 PM
الحمدلله الذي خلَق الخلْق على الحق، وشرح صدورهم وقلوبهم لفطرته "الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" ثم بعث نبيه-صلوات الله وسلامه عليه- بـ "ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، وأيَّده بالحجج الباهرات، فاستجاب له أهل الفطرة أفرادًا وأفواجًا، ثم لم يمر قرنٌ من الزمان حتى جاء مَنْ لم يرضَ بذلك النور، واستحب الضلالة على الهدى، فبدَّل وغيَّر ، ثم أراد أنْ يسحر عقول العالمين بزخارف شبهاته، وأن يسلك بهم عويص طرقاته، بدلًا عن صراط الله المستقيم، ودينه القويم، فانساق كثيرون وراء سراب علمهم، ولكنَّهم لم يلبثوا أنِ التقوا بفطرهم وبقايا أنوار عقولهم على ذلك الطريق الملتوي، فلم يجدوا بُدًّا مِن الاعتراف بعسر سبيلهم، وتشعبه، وانقباض فطرهم عنه، فكانت تلك شهادات مسطرة ممَن حمل راية تلك الجموع، ثُم من هؤلاء مَن تآلف مع فطرته قبل موته، ومنهم من غلبت عليه شقوته، والله يتولى عباده.
فأحببت أن أجمع ما وقفت عليه من كلمات أئمة الأشاعرة التي بيَّنوا فيها (صعوبة) (استحالة) (عسر) (كلفة) فهم معتقد الأشاعرة و(مناقضته للفطرة) و (تحييره للعقول).
وقد صنَّفت كلامهم على نقاط:
1- في عموم المسائل العقدية التي خالف فيها الأشاعرة أهل الحق.
2- مذهب الأشاعرة في أفعال العباد (كسب الأشعري-رحمه الله-).
3- مذهب الأشاعرة قي كلام الله -عز وجل-.
4- مذهب الأشاعرة في علو والله –تعالى- وكونه لا داخل العالم ولا خارجه.

والآن أترككم مع هذه النقول التي تزيد السني ثباتًا على الحق، وتظهر له فساد اعتقاد القوم وبعده عن الحق، وقد جردت كلامهم ولم أعقبه بالتعليق إلا ما ندرر لمسيس الحاجة، وإذا وقفت على نقول أخرى أو وقف القارئ فليضعها هنا مشكورًا والحمدلله رب العالمين.

في عموم المسائل العقدية التي خالف فيها الأشاعرة أهل الحق

1- قال الغزالي-رحمه الله- :
فإن قيل فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله، ولم يقل-أي الرسول- إنَّه موجود ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا هو داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا هو في مكان، ولا هو في جهة، بل الجهات كلها خالية عنه، فهذا هو الحق عند قوم، والإفصاح عنه كذلك كما أفصح عنه المتكلمون ممكن، ولم يكن في عبارته-صلى الله عليه وسلم- قصور، ولا في رغبته في كشفه الحق فتور، ولا في معرفته نقصا[1] قلنا:
من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بأنَّه إذا ذكره لَنَفَرَ الناسُ عن قبوله، ولبادروا بالإنكار، وقالوا: هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل، ولا خير في المبالغة في تنزيهٍ يُنتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين، وقد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داعيًا للحق، إلى سعادة الآخرة، رحمة للعالمين ، كيف [يـ]نطق بما فيه هلاك الأكثرين، بل أمر أنْ لا يُكلم الناس إلا على قدر عقولهم...وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جدًا بل لا يقبله واحد من الألف لاسيَّما الأمة الأمية العربية ا.هـ المراد نقله.[2]

2- قال العز بن عبدالسلام –رحمه الله-:
وقد كثرت مقالات الأشعري حتى جمعها ابن فورك في مجلدين، وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه، بل الحق مع واحد منهم، والباقون مخطئون خطأ معفوًا عنه، لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه، ولاسيَّما قول معتقد الجهة، فإنَّ اعتقاد موجود ليس بمتحرك، ولا ساكن، ولا منفصل عن العالم، ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة، ولا يهتدي إليه أحدٌ إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرَك، عَسرة الفهم، فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العادي. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدًا ممن أسلم على البحث عن ذلك، بل كان يُقرهم على ما يعلم أنَّه لا انفكاك لهم عنه، وما زال الخلفاء الراشدون، والعلماء المهتدون يُقرون على ذلك مع علمهم بأنَّ العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه، وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات، والتوارث، والصلاة عليهم إذا ماتوا، وتغسيلهم، وتكفينهم، وحملهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، ولولا أنَّ الله قد سامحهم بذلك، وعفا عنه لعسر الانفصال منه، ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين، ومن زعم أنَّ الإله يحل في شيء من أجساد الناس، أو غيرهم، فهو كافر، لأنَّ الشرع إنَّما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة، بخلاف الحلول فإنَّه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه، ولا عبرة بقول من أوجب النظر عند البلوغ على جميع المكلفين فإن معظم الناس مهملون لذلك غير واقفين عليه ولا مهتدين إليه، ومع ذلك لم يفسقهم أحدٌ من السلف الصالحين كالصحابة والتابعين، والأصح أنَّ النظر لا يجب على المكلفين إلا أنْ يكونوا شاكين فيما يجب اعتقاده، فيلزمهم البحث عنه، والنظر فيه إلى أنْ يعتقدوه أو يعرفوه، وكيف نكفر العامة الذين لا يعرفون أنَّ كلام الله معنى قديم قائم بنفسه متجه مع القضاء بكونه أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا وخبرا واستخبارا ونداء ومسموعا مع أنَّه ليس بصوت، وإنَّ اعتقاد مثل هذا لصعب جدا على المعتقدين الذاهبين إلى أنه من القواطع، المكفرين لجاحديه. ا.هـ[3]

3- بعض فضلائهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة-رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل:
ولقد حدثني بعض أصحابنا أنَّ بعض الفضلاء الذين فيهم نوعٌ من التهجم عاتبَه بعضُ أصحابه على إمساكه عن الانتصار لأقوال النفاة، لما ظهر قولُ الإثبات في بلدهم بعد أنْ كان خفيًا، واستجاب له الناس بعد أنْ كان الـمُتكلم به عندهم قد جاء شيئًا فريًا، فقال: هذا إذا سمعه الناس قَبلوه، وتلقوه بالقبول، وظهر لهم أنَّه الحق الذي جاء به الرسول، ونحن إذا أخذنا الشخص فربيناه، وغذيناه ثلاثين سنة، ثم أردنا أنْ نُنْزل قولنا في حلقه لم ينزل في حلقه إلا بِكَلَفة.ا.هـ

مذهب الأشاعرة في أفعال العباد (كسب الأشعري-رحمه الله-)

1- قال العلامة أبو سالم العياشي في "رحلته" خلال ترجمته لشيخه الإمام العارف ملا إبراهيم الكوراني[4] :
وقد بالغ شيخنا -قلت: أي صفي الدين القشاشي- في إيضاحها –أي مسألة الكسب- والاستشهاد في رسائله الثلاث، وكذلك تلميذه السابق ذكره بالغ في بيانها، وكشفها ،ومع ذلك لم تَخْل عن غموض، ولم تتضح كل الوضوح، ولا غرو إذ هي من معضلات المسائل التي حارت فيها أفكارُ المتقدمين، ولم تحصل على طائلٍ في تحقيق معناها آراءُ المتأخرين، فقصارى أمرهم فيها اعتقاد انفراد الرب- تعالى- بالخلق، والاختراع، واعتقاد أنَّ للعبد في أفعاله الاختيارية كسبًا به صح نسبة الأفعال إليه، وبه ثبت التكليف، وعليه ترتب الثواب والعقاب، وهذا معتقد جميع أهل السنة، وهو الحق الذي لا محيص عنه ولكنه إذا ضويقوا في تحقيق معنى هذا الاكتساب وتبيينه تباينت آراؤهم بين مائل إلى ما يقرب من الجبر ومائل إلى ما يقرب من القدر، وأهل السنة[5] لا يقولون بواحد منهما فقد قال السعد في شرح العقائد –أي النسفية- بعدما ذكر كلامًا في معنى الكسب ما نصه: "وهذا القدر من المعنى ضروري، إذ لم نقدر على أَزْيَد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وإيجاده، مع ما للعبد فيه من القدرة والاختيار"[6] فإذا علم أنَّ فحول أهل السنة قد عجزوا عن تحقيق معناه مع تظاهرهم وتظافر معتقداتهم على نفير الجبر والاستقلال.. ا.هــ[7]

ولذا قال الرازي: "وعند هذا التحقيق يظهر أن الكسب اسم بلا مسمى"[8]

مذهب الأشاعرة في كلام الله-عز وجل-

1- قال إمامهم الرازي-رحمه الله- مستدركًا على مذهب إمامهم عبدلله بن كلاب-وتابعه طائفة كبيرة من متقدمي الأشاعرة[9]- في كلام الله تعالى حيث قرر ابن كلاب:
"أنَّ كلام الله -تعالى- وإنْ كان قديمًا لكنه ما كان في الأزل أمرًا ولا نهيًا ولا خبرًا ثم صار فيما لا يزال كذلك فقال:
وهذا غاية في البعد لأنَّا لمَّا وجدنا في [النفس][10] طلبًا واقتضاءً، وبيَّنا الفرق بينه وبين الإرادة، أمكننا بعد ذلك أنْ نشير إلى ماهيَّة معقولة، وندعي ثبوتها لله تعالى.
فأمَّا الكلام الذي يغاير هذه الحروف والأصوات، ويغاير ماهية الأمر، والنهي، والخبر، فغير معلوم التصور، فكان القول بثبوته لله تعالى في الأزل محض الجهالة ا.هـ [11]


2- قال الآمدي-رحمه الله-:
والحق أنَّ ما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام، وعود الاختلاف إلى التعليقات، والمتعلقات، فمشكل وعسى أن يكون عند غيري حله.
ولعسر جوابه فرَّ بعض أصحابنا إلى القول بأنَّ كلام الله- تعالى- القائم بذاته خمس صفات مختلفة، وهي: الأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار، والنداء." ا.هـ[12]

3- قال الشهرستاني-رحمه الله- في سياق مناقشته لمذهب ابن سينا والفلاسفة في علم الله-تعالى-:
...صلاحية الكلام نحو: الأمر والنهي، ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة أم في ذات واحدة؟، فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين!، حتى فرَّ القاضي أبو بكر الباقلاني! -رضي الله عنه- منها إلى السمع، وقد استعاذ بمَعاذ والتجأ إلى مَلاذ والله الموفق. ا.هـ[13]


مذهب الأشاعرة في علو والله –تعالى- وكونه لا داخل العالم ولا خارجه

1- قال الغزالي –رحمه الله-:
وكذلك النظر إلى ذات الله تعالى يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب إذن أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذات الله سبحانه وصفاته فإن أكثر العقول لا تحتمله بل القدر اليسير الذي صرح به بعض العلماء وهو أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته" ا.هـ[14]
2- العز بن عبدالسلام –رحمه الله-: (نص عليه في النقل الأول).

الهامش:
[1] وهذه الأصول الثلاثة هي التي دندن عليها شيخ الإسلام في الحموية وغيرها ليؤكد صحة وقوة مذهب من تمسك بظواهر النصوص الورادة في الكتاب والسنة، وقد أشار إليها الصابوني في عقيدة السلف.

[2] "إلجام العوام عن علم الكلام" ص41-41، لم يذكر اسم المطبعة وهي طبعة قديمة مجموع فيها أربع رسائل للغزالي -رحمه الله-.

[3] قواعد الأحكام.." 1|170-171.

[4] إتحاف السادة المتقين للزبيدي 2|168.

[5] يريد الأشاعرة وكذا في التي بعدها.

[6] إلى هنا ينتهي كلام التفتازاني –رحمه الله- وللأسف كثير ممن انتصب لمناقشة الأشاعرة في زماننا ظنَّ أنَّ الجملة الآتية من كلام التفتازاني فصار ينقل أنَّ التفتازاني ينقل عجز فحول علماء الأشاعرة عن تحرير معنى الكسب، ولو أتعب الباحث نفسه في الرجوع إلى شرح العقائد النسفية" للتفتازاني وهو مطبوع عدة طبعات لوجد النقل ينتهي إلى هذا الموضع.
وهناك قسم آخر من الباحثين! للأسف ينسب كل ما سبق من الكلام للزبيدي-رحمه الله- وإنما الزبيدي ناقل عن أبي سالم العياشي كما نص في أول الفصل، ولكن العجلة في النقل أو قل: عدم التأمل فيما يكتبون أدى إلى هذا والله المستعان.

[7] "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للمرتضى الزبيدي 2|169 ط مؤسسة التأريخ العربي.

[8] "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين.." ص199 ط. مكتبة الكليات الأزهرية.

[9] انظر "أبكار الأفكار في أصول الدين" للآمدي 1|354.

[10] هكذا في الحسينية وهي مُصحفة في ط. مكتبة الكليات الأزهرية ص 184

[11] "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين" ص 133 ط المطبعة الحسينية المصرية (قديمة).
وقد نسب بعض الباحثين هذا النص لكتاب "المحصول" للرازي وهو خطأ.

[12] أبكار الأفكار في أصول الدين" للآمدي 1|400.

[13] من كتاب"نهاية الإقدام في علم الكلام" آخر القاعدة العاشرة في العلم الأزلي.

[14] "إحياء علوم الدين" 4 / 434