أ/أحمد
08-12-2012, 08:39 PM
إثبات التحريف اللفظي بالتبديل وبالزيادة وبالنقصان
1. التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة :
• في سفر التثنية 27 / 4 في النسخة العبرانية :( حين تعبرون الأردن تقيمون هذه الحجارة التي أنا أوصيكم بها اليوم في جبل عيبال وتكلسها بالكلس) .
• وردت في التوراة السامرية كما يلي: ( ويكون عند عبوركم الأردن تقيمون الحجارة هذه التي أنا موصيكم اليوم في جبل جرزيم وتشيدها بشيد) .
• ويفهم من سفر التثنية 27 / 12-13 و11 / 29 أن جرزيم وعيبال جبلان متقابلان في مدينة نص فقرة سفر التثنية 11 / 29: ( وإذا جاء بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها فاجعل البركة على جبل جرزيم واللعنة على جبل عيبال ) .
2. التحريف في اسم المملكة : في سفر أخبار الأيام الثاني 28 / 19 من النسخة العبرانية :( لأن الرب ذلل يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل ) فلفظ إسرائيل في هذا النص غلط يقينا وهو من التحريف بالتبديل لآن آحاز ملك يهوذا ( المملكة الجنوبية وعاصمتها أورشليم ) وليس ملك إسرائيل ( المملكة الشمالية وعاصمتها نابلس ) والصواب أن توضع كلمة يهوذا مكان كلمة إسرائيل كما وقع في النسختين اليونانية واللاتينية أن الرب أذل يهوذا بسبب آحاز ملك يهوذا فالنسخة العبرانية محرفة في هذا الموضع
3. التحير بين النفي والإثبات : في المزمور 105 / 28 من النسخة العبرانية : ( ولم يعصوا كلامه) وفي النسخة اليونانية : ( وهم عصوا قوله) .
4. دليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى صلى الله عليه وسلم:
• في سفر التكوين 36 / 31 :( وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا أرض أدوم قبلما ملك ملك لبني إسرائيل ) ثم شرعت الفقرات في ذكر أسماء ملوك أدوم الذين حكموا قبل أن يحكم طالوت ( شاول ) أول ملوك بني إسرائيل وقد خلفه في الحكم داود فقبل حكمهما كان بنو إسرائيل في عهد القضاة وهذه الفقرات من سفر التكوين 36 / 31-39 هي عينها فقرات سفر أخبار الأيام الأول 1 / 43-50 ومناسبتها لسفر الأخبار ظاهرة ولا اعتراض لأنها تدل على أن المتكلم بها موجود بعد زمن قيام سلطنة بني إسرائيل في فلسطين وكان أول ملوكهم طالوت ( شاول ) وكان هذا بعد موسى صلى الله عليه وسلم بـ 356 سنة لكن لا مناسبة بتاتا لوجود هذه الفقرات في سفر التكوين الذي هو أسفار التوراة فكيف دخلت في المتن؟!
• الصواب ما رجحه المفسر آدم كلارك أن الفقرات ليست من كلام موسى قطعا وأنها كانت مكتوبة على حاشية سفر التكوين في بعض النسخ فظن الناقل فيما بعد أنها جزء من المتن فأدخلها فيه فانظر كيف اعترف هذا المفسر بأن هذه الفقرات التسع الخارجة عن التوراة قد ألحقت في المتن بإحدى نسخها ثم شاعت بعد ذلك ودخلت في جميع النسخ وعلى اعترافه يلزم أن كتبهم كانت صالحة للتحريف بالزيادة .
5. التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب :
• الذي يقرأ بداية سفر التثنية 1 / 1-5 يجزم بأن هذه الفقرات الخمس ليست من كلام موسى صلى الله عليه وسلم لأن الكاتب تكلم به موسى بصيغة الغائب كقوله هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل كلم موسى بني إسرائيل حسب كل ما أوصاه الرب إليهم في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلا) وقد اعترف آدم كلارك بزيادة هذه الفقرات الخمس لتكون مقدمة لباقي سفر التثنية وقال : إن الإصحاح 34 من سفر التثنية ليس من كلام موسى أيضا لأن كلامه تم على الإصحاح 33ولا يجوز أن يقال إن موسى كتب هذا الباب لأن هذا الاحتمال بعيد من الصدق وجزم آدم كلارك بأن هذا الباب 34 كان أول أبواب كتاب يوشع وقال كثير من المفسرين : إن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون بعد مدة من موت موسى وكان هو أول أبواب كتاب يوشع ثم انتقل إلى سفر التثنية ولكن هذا الجزم بلا دليل فقال جامعو تفسير هنري وإسكات وتفسير دوالي ورجردمينت : إن هذا الملحق لهذا الباب إما يوشع أو صموئيل أو عزرا أو أحد آخر لا يعلم اسمه بالجزم وربما ألحق بعد رجوع بني إسرائيل من سبي بابل .
• فيما يلي بعض الفقرات من الباب الرابع والثلاثين من سفر التثنية :وصعد موسى من عربات موآب إلى جبل نبو فأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان وقال له الرب فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم وكان موسى ابن 120 سنة حين مات فبكي بنو إسرائيل موسى ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى) فهل الكتاب المنزل على موسى صلى الله عليه وسلم يكون فيه موته ودفنه والبكاء عليه واندثار قبره إلى هذا اليوم وعدم قيام نبي مثله
6. التحريف للانتصار لعقيدة التثليث :
• في رسالة يوحنا الأولى 5 / 7-8 : فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد وقد كان أصل العبارة على ما قال محققوهم هكذا : ( فإن الذين يشهدون هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد) وهذا نص طبعة سنة 1865م أي بدون الزيادة التي بين القوسين المعقوفتين .
• نص طبعة سنة 1825م و1826م : ( لأن الشهود الذين يشهدون ثلاثة وهم الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد) .
• النصان متقاربان فزاد معتقدوا التثليث في المتن فيما بين أصل العبارة العبارة التالية : ( في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض ) التي هي مستند أهل التثليث إلحاقية يقينا وقال كثير من المحققين المتعصبين بأنها إلحاقية واجبة الإخراج مثل كريسباخ وهورن وآدم كلارك وجامعو تفسير هنري وإسكات
• العالم أكستاين الذي هو أعلم علماء النصارى في القرن الرابع الميلادي والذي إلى الآن عمدة أهل التثليث وكان يناظر فرقة إيرين التي تنكر التثليث فقد كتب عشر رسائل في شرح رسالة يوحنا الأولى ولم ينقل هذه العبارة في رسالة من رسائله العشر ولم يستدل بها على منكري التثليث وراح يرتكب التكلف البعيد فكتب في الحاشية أن المراد بالماء الآب وبالدم الابن وبالروح الروح القدس ولو كانت هذه العبارة الإلحاقية موجودة في عهده لتمسك بها ولنقلها في رسائله للاستدلال بها ضد المنكرين للتثليث ولكن يظهر أن معتقدي التثليث بعد أكستاين استفادوا من هذا التكلف البعيد والتفسير الغريب فاخترعوا العبارة التي هي مفيدة لعقيدتهم الباطلة وأدخلوها في رسالة يوحنا الأولى وجعلوها جزءا من المتن .
• في المناظرة الكبرى التي تمت في الهند سنة 1270هـ 1854 م بين الشيخ رحمت الله الكيرانوي وبين القسيسين فندر وشريكه فرنج أقر القسيسان بأن هذه العبارة محرفة وسلما بالتحريف في سبعة مواضع أخرى .
• كتب هورن 12 ورقة في تحقيق هذه العبارة فقام بتلخيصها جامعو تفسير هنري وإسكات وفي تلخيصهم ذكروا أدلة الذين يثبتون أن هذه العبارة كاذبة كما يلي :
أ- العبارة لا توجد في نسخة من النسخ اليونانية المكتوبة قبل القرن السادس عشر الميلادي .
ب- العبارة لا توجد في النسخ المطبوعة التي طبعت بالجد والتحقيق التام في الزمان الأول .
ت- العبارة لا توجد في أكثر النسخ القديمة اللاتينية ولا في التراجم القديمة غير الترجمة اللاتينية
ث- العبارة لم يتمسك بها أحد من القدماء ولا مؤرخو الكنيسة .
ج- العبارة أسقطها من المتن أئمة فرقة البروتستانت وبعضهم وضع عليها علامة الشك .
• لوثر الإمام الأول لفرقة البروتستانت والرئيس الأقدم ترجم الكتب المقدسة باللسان الجرمني ليستفيد منها أتباعه وطبعت الترجمة مرارا في حياته ولم يكتب هذه العبارة في ترجمته ولا ظهرت في الطبعات المتكررة أثناء حياته وفي آخر حياته أعاد طباعتها سنة 1456م فأوصى في مقدمة هذه الطبعة: ( أن لا يحرف أحد ترجمتي) لكن هذه الوصية لما كانت مخالفة لعادة أهل الكتاب عموما ولعادة النصارى خصوصا لم يلتزموا بها وعملوا بعكسها فلم يمضي على موته ثلاثون سنة حتى قام أهل مدينة فرانكفورت بألمانيا سنة 1574م بطباعة ترجمة لوثر فأدخلوا فيها هذه العبارة الكاذبة ثم أعيدت طباعتها بعد ذلك عدة مرات فأسقطوها من الطبعات اللاحقة خوفا من طعن الخلق عليهم ثم قام أهل مدينة وتنبرغ بألمانيا بإعادة طباعة ترجمة لوثر سنة 1596م و1599م فأدخلوا فيها هذه العبارة ومثلهم كذلك أهل مدينة هامبورغ حيث طبعوا ترجمة لوثر سنة 1596م فأدخلوا فيها هذه العبارة ثم خاف أهل مدينة وتنبرغ من اختلاف الطبعات للترجمة الواحدة أن يجر ذلك طعن الخلق عليهم فأعادوا طباعتها مرة أخرى فأسقطوا منها هذه العبارة ثم ما رضي النصارى البروتستانت بهذا التردد بين الإدخال والإسقاط فأجمعوا على إدخالها في ترجمة لوثر في جميع الطبعات اللاحقة على خلاف وصية إمامهم فمن كانت هذه عادتهم بعد انتشار المطابع فكيف يرجى منهم عدم التحريف في النسخ القليلة المحصورة بأيدي أناس معدودين قبل ظهور المطابع ؟!
• كتب الفيلسوف المشهور إسحاق نيوتن رسالة حجمها بقدر خمسين صفحة أثبت فيها أن هذه العبارة وعبارات أخرى جعلية محرفة والعبارة المحرفة وردت في طبعتي سنة 1865 م و1983م بين قوسين هلاليين كبيرين كما يلي: فإن الذين يشهدون ( في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد .
• قال الطابعون والمصححون لهاتين الطبعتين في الصفحة 1 منهما : إن الكلمات والعبارات التي ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها جعلوها بين قوسين هلاليين والعبارة لم ترد في طبعة العهد الجديد للآتين التي نشرتها دار المشرق في بيروت في المطبعة الكاثوليكية سنة 1982م ولم ترد في طبعة مطابع الحرية في بيروت سنة 1983م بإشراف جان عون .
7. التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله : في سفر أعمال الرسل 8 / 37:( فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله) فالفقرة أن يسوع المسيح هو ابن الله إلحاقية زادها أحد من أهل التثليث واتفق كريسباخ وشولز على أنها إلحاقية جعلية كاذبة .
8. التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه : في سفر التكوين 35 من النسخة العبرانية: ( وحدث إذ كان إسرائيل ساكنا في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه وسمع إسرائيل ) في الفقرة تحريف بالنقصان واليهود معترفون بسقوط عبارة هاهنا قال جامعو تفسير هنري وإسكات : إن اليهود يسلمون أن شيئا سقط من هذه الفقرة وتتمته من الترجمة اليونانية هكذا ( وكان قبيحا في نظره) .
فلماذا أسقط اليهود العبرانيون هذه العبارة من نسختهم ؟!
9. التحريف في حادثة سرقة الصواع : في سفر التكوين 44 / 5 من النسخة العبرانية: ( أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه) لاشك أن في الفقرة تحريفا بالنقصان وأقر المفسر هارسلي بالنقصان هاهنا وأمر بزيادته على حسب ما في الترجمة اليونانية لتصبح الفقرة: ( لم سرقتم صواعي أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه) .
10. التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى : في سفر الخروج 6 من النسخة العبرانية:( وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هارون وموسى ) لاشك أن في الفقرة تحريفا بالنقصان يظهر من النسخة السامرية والترجمة اليونانية هكذا: فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما قال آدم كلارك : إن كبار المحققين يعتقدوم أن هذا اللفظ ومريم أختهما كان موجودا في المتن العبري ومعنى كلامه أن اللفظ أسقطه اليهود العبرانيون إما عنادا للسامريين المعتمدين على التوراة السامرية وإما عنادا للنصارى المعتمدين على التوراة اليونانية وشيء آخر يفهم هنا وهو أن عمران بن قهات بن لاوي قد تزوج يوكابد بنت لاوي فهي عمته أخت أبيه قهات وورد لفظ العمة في التوراة السامرية والعبرانية وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1811م و1865 م و1970 -1983م وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1839م و1845م و1856م وفي التراجم الهندية المطبوعة سنة 1822م و1829م و1842م وبما أن نكاح العمة حرام في التوراة كما في سفر الأحبار (اللاوين) 18 / 12 و20 / 19 فلما طبعت الترجمة العربية في عهد البابا أربانوس الثامن (المتوفى سنة 1644م) حرف لفظ العمة بابنة العم كما يلي: ( فتزوج عمران يوكابد ابنة عمه) فالفقرة وردت بلفظ ابنة العم في الطبعات العربية المطبوعة سنة 1625م و1671م و1844م و1848م فلزمهم التحريف بالتبديل.
11. التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان : وقعت فقرات بين الفقرتين الثالثة والرابعة من المزمور الرابع عشر والفقرات توجد في الترجمة اللاتينية والترجمة العربية ونسخة واتيكانوس إحدى نسخ الترجمة اليونانية ونصها:( فحلقومهم قبر مفتوح وهم يغدرون بألسنتهم وسم الثعابين تحت شفاهم وأفواهمم مملؤة من اللعن والمرورة وأقدامهم مسرعة لسفك الدم والتهلكة والشقاء في طرقهم ولم يعرفوا طريق السلامة وخوف الله ليس بموجود أمام أعينهم ) والفقرات لا توجد في النسخة العبرانية ولكنها توجد في رسالة بولس إلى أهل رومية 3 / 13-18 فإما أن اليهود أسقطوها من نسختها العبرانية عنادا للنصارى الذين كانوا يعتمدون على نسخة التوراة اليونانية وهذا هو التحريف بالنقصان وإما أن النصارى زادوها في التراجم المذكورة انتصارا لبولس وهذا هو التحريف بالزيادة فالتحريف لازم قطعا لأحد الفريقين .
12. التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان :
• في إنجيل لوقا 21 / 32-34 : الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول فاحترز لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم قال هورن : إن فقرة تامة ما بين الفقرتين33 و34 قد أسقطت من إنجيل لوقا وإن المحققين والمفسرين كلهم قد أغمضوا عيونهم عن هذا النقصان الواقع في متن إنجيل لوقا حتى قام المحقق هيلز بالتنبيه عليه وتجاسر هورن فأمر بزيادة هذه الفقرة في إنجيل لوقا بالرجوع إلى إنجيل متى وإنجيل مرقس ليكون موافقا لهما .
• فيما يلي نقل هذه الفقرة مع الفقرات السابقة لها ليظهر التحريف القصدي في إنجيل لوقا بإسقاط هذه الفقرة منه :
أ- في إنجيل متى 24 / 34-36 : الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده) .
ب- في إنجيل مرقس 13 / 30-32: الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب) على اعتراف هورن وهيلز أن الفقرة الواردة في إنجيل متى 24 / 36 وفي إنجيل مرقس 13 ساقطة من إنجيل لوقا ويجب زيادتها فيه .
13. التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا :
• في إنجيل متى 2:( وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصريا) قوله :( لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصريا) من الأغلاط المشهورة في هذا الإنجيل لأنه لا يوجد هذا القول في كتاب من الكتب المعروفة المنسوبة للأنبياء فإما أن يكون النصارى أدخلوا هذا القول في كتبهم عنادا لليهود وهو من التحريف بالزيادة وإما أن يكون اليهود أسقطوا هذا القول من كتبهم عنادا للنصارى وهو من التحريف بالنقصان .
• المحقق كريزاستم وعلماء الكاثوليك يعتقدون أن القول كان في كتب الأنبياء لكن هذه الكتب انمحت وضيعها اليهود لغفلتهم وعدم ديانتهم فمزقوا بعضها وأحرقوا بعضها لأنهم لما رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات عقائد ملتهم ضيعوها قصدا لإنكار نبوة المسيح صلى الله عليه وسلم ويعلم هذا من إعدامهم كتبا نقل عنها متى .
• قال جستن في مناظرته لطريفون اليهودي : إن اليهود حرفوا كتبا كثيرة وأخرجوها من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد مخالف للعهد القديم وهذا يدل على أن التحريف في سالف الزمان كان سهلا ألا ترى كيف انمحت عن صفحة العالم كتب كثيرة بإعدامهم لها لعناد بعضهم بعضا ؟!
مغالطات نصرانية والرد عليها
المغالطة الأولى :
يزعم النصارى لتغليط الجاهلين بحقيقة كتبهم أن المسلمين هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة وللرد على هذه المغالطة تكون الشواهد في ثلاثة مسالك :
المسلك الأول : نقل أقوال المخالفين للنصارى :
1. العالم سلسوس كتب في القرن الثاني للميلاد كتابا في الرد على النصارى ونقل العالم الجرمني أكهارن عن كتاب سلسوس: بدل المسيحيون أناجيلهم 3مرات أو 4 مرات بل أزيد
2. القس والمصلح الأمريكي باركر المتوفى سنة 1860م وهو في نظر النصارى ملحد قال : إن اختلاف العبارات في كتب النصارى ثلاثون ألفا وهذا العدد هو على تحقيق ميل .
3. عمل أحد الملاحدة جدولا للأسفار المنسوبة إلى عيسى والحواريين والتي يرفضها النصارى الآن فكان عددها 74 سفرا ثم قال كيف نعرف أن الكتب الإلهامية هي المسلمة الآن ضمن العهد الجديد أو هذه المرفوضة وإذا لاحظنا أن هذه الكتب المسلمة أيضا قبل إيجاد المطابع كانت قابلة للإلحاق والتبديل يقع الإشكال .
المسلك الثاني :
نقل أقوال الفرق النصرانية القديمة التي يعدها النصارى الآن من المبتدعين :
1. الفرقة الأبيونية : ظهرت هذه الفرقة في القرن الميلادي الأول وكانت معاصرة لبولس أنكرت عليه إنكارا شديدا وعدته مرتدا وكانت تسلم من كتب العهد القديم بالتوراة فقط وتسلم من كتب العهد الجديد بإنجيل متى فقط لكن نسخته التي عند هذه الفرقة مخالفة لنسخة الإنجيل المنسوب إلى متى الآن التي يسلم بها أتباع بولس ولم يكن البابان الأولان موجودين في إنجيلها لأنها تعتقد أن هذين البابين ومواضع أخرى كثيرة محرفة وكانت تنكر ألوهية المسيح وتعتقد أنه إنسان فقط .
2. الفرقة المارسيونية : من فرق النصارى القديمة وكانت تنكر جميع كتب العهد القديم وتقول إنها ليست إلهامية وتنكر جميع كتب العهد الجديد إلا إنجيل لوقا وعشر رسائل من رسائل بولس وهذه الرسائل العشر المسلمة عندها مخالفة للرسائل الموجودة الآن وأما إنجيل لوقا فكانت الفرقة تنكر البابين الأولين منه وتنكر مواضع أخرى كثيرة منه ذكر منها لاردنر في تفسيره 14 موضعا وذكر بل في تاريخه أن هذه الفرقة المارسيونية تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق من عند إله الشر لأنها مخالفة للعهد الجديد
3. فرقة ماني كيز أعظم علماء هذه الفرقة هو فاستس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي وقد نقل لاردنر في تفسيره عن أكستاين ما يلي : قال فاستس : أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته لأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفا عن أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغا بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات زعيم هذه الفرقة كان ينادي بعدة أشياء أبرزها :
أ- النصارى أدخلوا في العهد الجديد أشياء خارجة عنه .
ب- العهد الجديد المعروف الآن ليس من كتابة المسيح ولا الحواريين ولا تابعيهم وإنما من كتابة رجل مجهول الاسم .
ت- العهد الجديد وقعت فيه الأغلاط والتناقضات .
المسلك الثالث : نقل أقوال المفسرين والمؤرخين المتعصبين للنصرانية والمقبولين عند كافة النصارى :
1. قال آدم كلارك في تفسيره: أكثر البيانات التي كتبها المؤرخون للرب يقصد عيسى غير صحيحة لأنهم كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقينا وغلطوا في الحالات الأخر عمدا أو سهوا والأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في القرون المسيحية الأولى وبلغت هذه الأناجيل أكثر من سبعين إنجيلا وكان فابري سيوس جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات .
2. نسبت إلى موسى صلى الله عليه وسلم غير الكتب الخمسة (التكوين والخروج والأحبار والعدد والتثنية) والمشهورة الآن بالتوراة ستة كتب هي :
أ- كتاب المشاهدات
ب- كتاب التكوين الصغير
ت- كتاب المعراج
ث- كتاب الأسرار
ج- كتاب تستمنت ( العهد أو الميثاق)
ح- كتاب الإقرار
3. قال هورن : المظنون أن هذه الكتب الجعلية اخترعت في ابتداء الملة المسيحية أي في القرن الميلادي الأول .
4. قال المؤرخ موشيم : تعلم يهود مصر قبل المسيح مقولة مشهورة عند الفلاسفة هي أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة الله ليسا بجائزين فقط بل قابلان للتحسين وعملوا بهذه المقولة كما يظهر هذا جزما من كثير من الكتب القديمة وانتقل وباء هذه المقولة السيئة إلى النصارى كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نسبوها إلى الكبار كذبا .
5. قال لاردنر في تفسيره : حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان أناسطيثوس ( الذي حكم ما بين سنتي 491-518م) فصححت مرة أخرى فلو كان للأناجيل إسناد ثابت في عهد ذلك السلطان ما أمر بتصحيحها ولكن لأن مصنفيها كانوا مجهولين أمر بتصحيحها والمصححون إنما صححوا الأغلاط والتناقضات على قدر الإمكان فثبت التحريف فيها يقينا من جميع الوجوه وثبت أنها فاقدة الإسناد .
6. أكستاين وهيلز وقدماء النصارى كانوا يقولون إن اليهود في سنة 130م حرفوا التوراة العبرانية قصدا لعناد النصارى الذين كانوا يعتمدون على الترجمة اليونانية ولتصير هذه الترجمة غير معتبرة وأثبت كني كات بأدلة قوية لا جواب عليها بأن اليهود حرفوا توراتهم العبرانية لأجل عداوة السامريين الذين كان لهم توراة خاصة بهم غير توراة العبرانيين .
7. قال المفسر هارسلي : لا ريب في أن المتن المقدس قد حرف وهذا ظاهر من اختلاف النسخ وتناقض العبارات والأمر قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جدا دخلت في المتن المطبوع وأن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان في أشنع حالة التحريف .
8. قال واتسن : إن أوريجن كان يشكو من الاختلافات وينسبها إلى أسباب مختلفة مثل غفلة الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم ولما أراد جيروم ترجمة العهد الجديد قابل النسخ التي كانت عنده فوجد اختلافا عظيما .
9. وصل عرضحال (معروض) من فرقة البروتستانت إلى السلطان جيمس الأول (المتوفى سنة 1625 م) يقولون فيه: إن الزبورات ( المزامير) التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للنص العبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي (200) موضع تخمينا .
10. قال المؤرخ الإنكليزي مستر توماس كارلايل (المتوفى سنة 1881م) : المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال ومطلب الإنجيل الذي كان مستقيما جعلوه معوجا وعندهم الظلمة أحب من النور والكذب أحق من الصدق .
11. مستر بروتن كان كبير المسؤولين عن مجلس الترجمة الجديدة في بريطانية فقال للقسيسين: إن الترجمة السائدة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط وإن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد القديم في ثمانمائة وثمانية وأربعين (84 موضعا وصارت سببا لرد كتب العهد الجديد من قبل أناس غير محصورين .
أسباب وقوع اختلاف العبارة في كتب العهدين
قال هورن في تفسيره : لوقوع اختلاف العبارة أربعة أسباب :
السبب الأول : ( غفلة الكاتب وسهوه) وهو يتصور على وجوه
أ- الذي كان يملي العبارة على الكاتب حرف في الإملاء فألقى ما ألقى أو أن الكاتب لم يفهم قوله حين أملاه عليه فكتب ما كتب
ب- الحروف العبرانية واليونانية بعضها متشابهة فكتب أحدها بدل الآخر .
ت- الكاتب ظن الإعراب خطأ أو ظن الخط الذي كان يكتب عليه جزءا من الحرف أو أن الكاتب لم يفهم أصل المطلب فأصلح العبارة باجتهاده وغلط .
ث- الكاتب انتقل من موضع إلى موضع آخر سهوا فلما تنبه لم يمح ما كتب وبدأ الكتابة مرة أخرى من الموضع الذي تركه فبقي ما كتبه من قبل بلا محو .
ج- الكاتب نسي شيئا فبعدما كتب شيئا آخر تنبه فكتب العبارة المتروكة بعده مباشرة فانتقلت العبارة من موضعها الصحيح إلى موضع آخر .
ح- الكاتب نظر أثناء الكتابة أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة أو عبارات ولم يعلم بها .
خ- الكاتب غلط في فهم بعض الألفاظ فكتبها على حسب فهمه فوقع الغلط .
د- جهل الكاتبين وغفلتهم سبب عظيم لوقوع اختلاف العبارة فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزءا من المتن فأدخلوها فيه .
السبب الثاني : ( نقصان النسخة المنقول عنها) وهو يتصور على وجوه :
أ- انمحاء إعراب الحروف .
ب- الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في صفحة أخرى وامتزج بحروف الصفحة الأخرى ففهمه الكاتب جزءا منها فكتبه كما يفهم .
ت- الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة تدل على موضع نقصانها فلم يعلم الكاتب الثاني أين موضع نقصانها الذي نكتب فيه ، فاجتهد فغلط في موضعها .
السبب الثالث : ( التصحيح الخيالي والإصلاح) وهو يتصور على وجوه :
أ- الكاتب فهم العبارة الصحيحة أنها ناقصة أو غلط في فهم المطلب أو ظن أن العبارة غلط ولم تكن غلطا .
ب- بعض المحققين لم يكتفوا على إصلاح الغلط بل بدلوا العبارات غير الفصيحة بعبارات فصيحة وأسقطوا الفضول من الكلام والألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرق فيها سووا الفقرات المتقابلة باعتبار المعاني فجعلوها متساوية فالزائد نقصوه إلى القليل أو القليل زادوه وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصا ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارات التي نقلها عن العهد القديم مطابقة للترجمة اليونانية وهذا أكثر الوجوه وقوعا .
السبب الرابع : التحريف القصدي وهذا التحريف صدر من المتشددين في الدين والمبتدعين وأعظمهم مارسيون وأما المتشددين فكانوا يحرفون قصدا لتأييد مسألة مقبولة أو لدفع الاعتراضات الواردة ثم ترجح هذه التحريفات بعدهم وضرب هورن أمثلة كثيرة لهذه التحريفات القصدية الصادرة عن المتشددين الذين هم عند قومهم من أهل الديانة والدين .
المغالطة الثانية : يزعم النصارى أن المسيح صلى الله عليه وسلم شهد بحقية كتب العهد العتيق ولو كانت محرفة ما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود بالتحريف .
الرد:
• إنه لما لم يثبت التواتر اللفظي لكتاب من كتب العهدين العتيق والجديد ولا يوجد لها سند متصل إلى مصنفيها وثبت وقوع جميع أنواع التحريف في هذه الكتب وثبت أن المتشددين من أهل الدين والديانة كانوا يحرفون قصدا لتأييد المسائل أو لدفع الاعتراضات الواردة فصارت هذه الكتب جميعها مشكوكة عندنا ولا يجوز الاحتجاج علينا ببعض فقراتها لاحتمال أن تكون الفقرات إلحاقية أدخلها المتشددون من النصارى في القرن الثاني أو في القرن الثالث ضد الفرقة الأبيونية والمارسيونية وماني كيز ثم رجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسائلهم كما فعلوا ضد فرقة إيرين وكانت الفرق الثلاث المذكورة تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها ثم لو قطعنا النظر عن كون هذه الفقرات إلحاقية فلا يثبت منها سند هذه الكتب لأنه لم يبين فيها أعداد هذه الكتب ولا أسماؤها فكيف يعلم أن كتب العهد العتيق 39 كما هي الآن عند البروتستانت أو ستة وأربعون كما هي الآن عند الكاثوليك ؟!
• المؤرخ اليهودي يوسيفس متعصب جدا وعاش بعد المسيح صلى الله عليه وسلم والنصارى يحترمونه ويقبلون كتبه كتب في تاريخه يقول: نحن اليهود ليس عندنا ألوف من الكتب يناقض بعضها بعضا بل عندنا 22 كتابا منها خمسة لموسى فبين غير أسفار موسى الخمسة سبعة عشر كتابا من ملحقات التوراة والحال أن هذه الملحقات للتوراة عند البروتستانت أربعة وثلاثون كتابا وعند الكاثوليك واحد وأربعون كتابا فأي كتاب من هذه الكتب الملحقات يكون داخلا في السبعة عشر وأي كتاب منها يكون خارجا عنها ؟!.قال طامس إنكلس : اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين .
• لو سلمنا أن هذه الكتب من العهد القديم التي كانت متداولة في عهد المسيح وشهد المسيح والحواريون لها فمقتضى الشهادة أن الكتب كانت موجودة عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت من تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو بعضها صادقة وبعضها كاذبة ولا يفهم من هذه الشهادة أن كل كتاب منها هو من تصنيف الشخص المنسوب إليه ولا أن كل حال من الحالات المذكورة فيها صادقة قطعا ولو نقل المسيح والحواريون من هذه الكتب شيئا فلا يلزم من مجرد النقل صدق الكتاب المنقول منه بحيث إنه لا يحتاج إلى تحقيق نعم لو أن المسيح صرح في كل جزء من أجزاء هذا الكتاب وفي كل حكم من أحكامه أنه من عند الله وثبت تصريح المسيح بالتواتر فيكون هذا الكتاب صادقا قطعا وما سواه يكون مشكوكا يحتاج إلى تحقيق ولكن لم يثبت هذا التصريح من المسيح صلى الله عليه وسلم بخصوص أي كتاب من كتب العهد القديم .
• المحقق بيلي ذكر في كتابه أن المسيح قال بأن التوراة من عند الله وقوله ذلك لا يعني أن العهد العتيق كله أو كل فقرة منه صحيحة ولا أن كل كتاب منه أصلي ولا أن تحقيق مؤلفيه واجب نعم لقد كان الحواريون واليهود المعاصرون للمسيح يرجعون إليها ويستعملونها فيثبت من هذا الرجوع والاستعمال أنها كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت ولا يلزم من نقل فقرة في العهد الجديد عن العهد العتيق صدق تلك الفقرة بحيث لا تحتاج إلى تحقيق .
• لو فرضنا أن المسيح شهد لكتب العهد القديم فشهادة المسيح لا تنافي التحريف الواقع بعدها فكما حرف اليهود قبل المسيح حرفوا بعده أيضا وقد مر أن مذهب الجمهور من العلماء والمحققين والمفسرين والمؤرخين أن اليهود حرفوا قصدا بعد المسيح سنة 130 م عنادا للنصارى فشهادة المسيح لا تنفي أن يكون التحريف قد وقع بعدها في هذه الكتب .
المغالطة الثالثة :
يزعم النصارى أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا فلا يمكن لأحد تحريفها .
وللرد فيما يلي إيراد أمور يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم :
• موسى صلى الله عليه وسلم كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وأوصاهم بالمحافظة عليها بوضعها داخل صندوق الشهادة أي التابوت الذي صنعه موسى فكانت توراة موسى في الصندوق وكانت الطبقة الأولى محافظة عليها فلما انقرضت تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويسلمون أخرى وبقي حالهم هكذا إلى سلطنة داود وسليمان صلى الله عليه وسلم فحسنت حالهم واستقامت عقيدتهم أما التوراة الموضوعة في التابوت فضاعت قبل عهد سليمان بسبب الارتدادات الكثيرة ولا يعلم جزما متى ضاعت لأن سليمان صلى الله عليه وسلم عندما فتح الصندوق لم يجد فيه سوى اللوحين اللذين كانت الأحكام الوصايا العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح به في سفر الملوك الأول 8 / 9 ثم وقع الارتداد العظيم في آخر حكم سليمان على ما تشهد به كتبهم المقدسة ولا شك أنه إفك مفترى على سليمان فيقولون إن سليمان ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى لها المعابد الكثيرة إرضاء لأزواجه (سفر الملوك الأول 11/ 1-11) فإذا صار سليمان في آخر عمره مرتدا وثنيا بشهادتهم القبيحة فما بقي له غرض بالتوراة
• بعد موت سليمان صلى الله عليه وسلم سنة 931ق.م وقع الارتداد الأعظم انقسم أسباط بني إسرائيل فصارت المملكة الواحدة مملكتين وصار يربعام بن ناباط ملكا على عشرة أسباط في شمال فلسطين وسميت مملكته بمملكة إسرائيل وعاصمتها ترصة قرب شكيم ( نابلس) وصار رحبعام بن سليمان ملكا على سبطين في جنوب فلسطين وسميت مملكته بمملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم (القدس) وشاع الكفر والارتداد في المملكتين وكان في مملكة إسرائيل أسرع وأشد لأن يربعام بعدما تولى الحكم ارتد ونصب عجول الذهب وأمر بعبادتها فارتدت معه الأسباط العشرة وعبدوا الأصنام ومن بقي منهم على التوحيد هاجر إلى مملكة يهوذا وتعاقب على حكم مملكة إسرائيل19 ملكا ولم يتغير حالهم فهؤلاء الأسباط العشرة من عهد أول ملوكهم إلى آخرهم كانوا كافرين بالله عابدين للأصنام نابذين للتوراة فأبادهم الله بأن سلط عليهم الأشوريين بقيادة سرجون الثاني سنة 722ق.م فأسروا وقتلوا القسم الأكبر منهم وفرقوا قسما آخر في الممالك ولم يبق منهم في هذه المملكة إلا شرذمة قليلة فجلبوا الوثنيين وأسكنوهم في مملكة إسرائيل فاختلطت هذه الشرذمة الإسرائيلية القليلة بالوثنيين اختلاطا شديدا فتزاوجوا وتوالدوا فسميت أولادهم بالسامريين فمن عهد يربعام أول ملوك المملكة الإسرائيلية وإلى اندثارها بعد مدة تزيد عن قرنين من الزمان ما كان لهؤلاء الأسباط العشرة غرض بالتوراة وكان وجود نسخ التوراة في هذه المملكة كوجود العنقاء يسمع بها ولا أصل لها أما مملكة يهوذا التي تضم سبطين من أسباط بني إسرائيل فجلس على سرير الحكم فيها بعد موت سليمان صلى الله عليه وسلم عشرون ملكا وكان المرتدون من هؤلاء الملوك أكثر من المؤمنين الموحدين فمن عهد رحبعام بن سليمان شاعت عبادة الأصنام ووضعت تحت كل شجرة وعبدت فسلط الله عليه شيشق ملك مصر فغزا مملكة يهوذا ونهب جميع أثاث الهيكل وأثاث بيت السلطان ثم سلط الله على آسا ثالث ملوكها بعشا بن أخيا ثالث ملوك مملكة إسرائيل وكان بعشا وثنيا مرتدا فجاء إلى القدس ونهب الهيكل وبيت السلطان نهبا شديدا وفي عهد أخزيا سادس ملوك يهوذا بنيت المذابح للبعل في كل جانب من مدينة أورشليم حتى سدت أبواب بيت المقدس ثم في عهد منسي ملكها الرابع عشر اشتد الكفر حتى صار أكثر أهل المملكة وثنيين فبني مذابح الأوثان في فناء بيت المقدس ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس وهكذا كان حال الكفر والارتداد في عهد ابنه آمون .
• لما تولى الحكم يوشيا بن آمون سنة 638ق .م تاب إلى الله توبة نصوحا وأمر أركان دولته بنشر الملة الموسوية وهدم رسوم الكفر والوثنية في غاية الجد والاجتهاد واتخذ الكاهن حلقيا مرشدا له وعين الكاتب شافان لجمع الضرائب من الشعب لإصلاح الهيكل وكان بحاجة شديدة إلى التوراة ومع ذلك ما رأى أحد ولا سمع بوجود نسخة التوراة إلى سنة 621 ق .م أي بعد سبعة عشر عاما من حكمه ثم في العام الثامن عشر ادعى مرشده الكاهن حلقيا أنه وجد مخطوطة لسفر التثنية ومجموعة من الشرائع في بيت المقدس عندما كان يحسب الفضة الواردة إلى الهيكل فأعطى هذا السفر لشافان فقرأه على الملك يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه حزنا على عصيان بني إسرائيل (سفر الملوك الثاني 22 / 1-11 وسفر أخبار الأيام الثاني 34 / 1-19) ولكن النسخة لا اعتماد عليها ولا على قول حلقيا لأن الهيكل نهب مرتين قبل عهد الملك أخزيا وفي عهده جعل بيتا للأصنام وكان سدنتها يدخلون البيت كل يوم ففي خلال أكثر من قرنين من الزمان (منذ بداية حكم أخزيا سنة 843 ق .م إلى سنة 621 ق .م التي هي العام السابع عشر لحكم يوشيا) ما سمع أحد اسم التوراة ولا رآها علما أن يوشيا وأركان دولته وجميع رعيته كانوا في غاية الاجتهاد لإحياء شريعة موسى وكان الكهنة يدخلون كل يوم إلى الهيكل فالعجب أن يكون سفر التثنية في الهيكل ولا يراه أحد طيلة سبعة عشر عاما والحق اخترعه الكاهن حلقيا فإنه لما رأى أن الملك يوشيا وأركان دولته متوجهون بشدة إلى اتباع شريعة موسى قام بجمع هذا السفر من الروايات اللسانية غير المدونة التي كان يتناقلها الأحبار أو وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو كاذبة وكان طيلة سبعة عشر عاما في جمعها وتأليفها فبعدما أتم جمعها نسبها إلى موسى وادعى أنه وجد هذا السفر في الهيكل ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء النصارى وبقطع النظر عما فعله حلقيا فسفر الشريعة الذي سلمه للملك يوشيا سنة 620 ق .م في العام الثامن عشر من حكمه بقي العمل به طيلة حياته أي لمدة ثلاثة عشر عاما ولما مات يوشيا سنة 608 ق .م جلس ابنه يهوآحاز على سرير الملك فارتد وأشاع الكفر في المملكة فسلط الله عليه نخو ملك مصر فأسره وأجلس مكانه أخاه يهوياقيم بن يوشيا وكان مرتدا وثنيا كأخيه وبعد موته جلس على سرير الملك ابنه يهوياكين بن يهوياقيم وكان مرتدا وثنيا كأبيه وعمه فسلط الله عليه بختنصر ملك بابل فأسره مع جم غفير من بني إسرائيل ونهب الهيكل والقدس وكنز بيت الملك وأجلس مكانه على السرير عمه صدقيا بن يوشيا وكان وثنيا كأخويه فحكم أحد عشر عاما كان خلالها ذليلا لنبوخذ نصر وفي سنة 587ق .م جاء نبوخذ نصر فقبض على صدقيا وقتل أولاده أمام عينه ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله مع سائر بني إسرائيل أسرى إلى بابل وأشعل النار في الهيكل وفي بيوت الملك وجميع بيوت أورشليم فدمرها تدميرا كليا وهدم أسوارها وقضي نهائيا على مملكة يهوذا سنة 587 ق .م ، أي بعد أن قضى سرجون الثاني الأشوري على مملكة إسرائيل بـ 135 سنة.
• فيكون تواتر التوراة في اليهود منقطعا قبل زمان يوشيا (638-608 ق .م) والسفر الذي وجد في عهده لا يثبت به التواتر وما عمل به إلا ثلاثة عشر عاما وبعدها اندثر ولم يعلم حاله والظاهر أنه لما رجع الكفر والارتداد والوثنية في أولاد يوشيا زال هذا السفر قبل حادثة بختنصر ولو فرض بقاؤه فزواله في حادثة بختنصر أمر مقطوع به لأن جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة انعدمت عن صفحة العالم رأسا وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب لذلك يضطرون للقول إن عزرا كتب العهد العتيق مرة أخرى في بابل .
• ذكر كتاب قاموس الكتاب المقدس أنه مما لا شك فيه أن معظم الأسفار المقدسة أتلفت أو فقدت في عصر الارتداد والاضطهاد وبخاصة في مدة حكم منسى الطويل (55 سنة ما بين 693-639 ق .م) ورجحوا أن مخطوطة نسخة الشريعة التي عثر عليها حلقيا قد عبث بها عند تدنيس الهيكل لما كتب عزرا كتب العهد القديم مرة أخرى على زعمهم وقعت حادثة أخرى مروعة جاء ذكرها في كتاب المكابيين الأول وفي تاريخ يوسيفس وفي كتب أخرى هي أنه لما فتح أنطيوخس الرابع ( أنتيوكس ابيفانيس ) أورشليم أراد أن يمحق الديانة اليهودية فأحرق جميع نسخ كتب العهد القديم التي حصلت له من أي مكان بعدما قطعها ، وأمر بقتل كل من توجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد القديم أو من يؤدي رسم الشريعة وكان يفعل هذا الأمر في كل شهر ولمدة ثلاث سنوات ونصف ، وكانت هذه الحادثة حوالي سنة 161 ق .م فقتل خلق كثير من اليهود وأعدمت فيها جميع النسخ التي كتبها عزرا ولذلك قال جان ملنر اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة ونسخ كتب العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر ولما ظهرت نقولها بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضا في حادثة أنتيوكس ثم وقعت على اليهود بعد حادثة أنتيوكس حوادث أخرى انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى ومنها حادثة تيطس الرومي سنة 70م وهي مكتوبة بالتفصيل في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى وقد أهلك في هذه الحادثة من اليهود في القدس ونواحيها مليون ومائة ألف بالسيف والصلب والنار والجوع وأسر سبعة وتسعين ألفا وباعهم في الأقاليم المختلفة وأهلك جموعا كثيرة في أقطار أرض فلسطين وسوريا فلو أن شيئا من كتب العهد القديم نجا من إحراق أنتيوكس فمن المحقق أنه أحرق وأعدم في هذه الحادثة ..
• قدماء النصارى لم يكونوا معترفين بالنسخة العبرانية من العهد القديم وكانوا يعتقدون أنها محرفة وكانوا يستعملون الترجمة اليونانية إلى آخر القرن الميلادي الثاني وأما في معابد اليهود فكانت الترجمة اليونانية مستعملة إلى نهاية القرن الميلادي الأول وكانت نسخ العبرانية قليلة جدا عند الطرفين وقد أعدم اليهود بأمر محفل الشورى نسخا كتبت في القرنين 7 و8 الميلادي لأنها كانت تخالف النسخ المعتمدة عندهم مخالفة كبيرة ولذلك لم تصل إلى أيدي المصححين أية نسخة مكتوبة في هذين القرنين ، فإذا أعدموا النسخ المخالفة لنسخهم ، وأبقوا النسخ التي يرضون بها صار لهم مجال واسع للتحريف .
• الحوادث التي مرت على النصارى في القرون الثلاثة الأولى كانت سببا لقلة النسخ عندهم ولسهولة التحريف فيها لأن تواريخهم تشهد بأنهم طيلة هذه القرون الثلاثة ابتلوا بأنواع المحن والبلايا فقد وقعت عليهم اضطهادات عظيمة كانت كافية لضياع الإنجيل الصحيح وسائر أسفارهم المقدسة وأبرزها عشرة اضطهادات كما يلي :
أ- في عهد السلطان نيرون سنة 64م كان مشهورا بالظلم والقسوة حتى إنه أحرق مدينة روما وألقى تبعة ذلك على النصارى فاضطهدهم بعنف وكان الإقرار بالنصرانية يعد جرما عظيما فقتل بطرس وزوجته وأناسا كثيرين وكان هذا القتل في العاصمة وفي سائر الولايات مستمرا إلى نهاية حياة هذا السلطان سنة 68م
ب- في عهد السلطان دومشيان ( دوميتيانوس )الذي صار إمبراطور روما عام 81م أخو تيطس الذي ذبح اليهود سنة 70م وكان طاغية جبارا وعدوا للنصارى مثل نيرون فأجلى يوحنا الحواري وأمر بالقتل وأسرف في قتل الكبراء ومصادرة أموالهم ونكل بالنصارى فاق ما فعله أسلافه وكان أن يستأصل النصرانية وبقي الحال هكذا إلى أن قتل سنة 96م .
ت- في عهد السلطان تراجان ( ترايانوس )الذي صار امبراطور روما عام 98م بدأ اضطهاده للنصارى سنة 101م واشتد جدا سنة 108م حيث أمر بقتل كل من بقي من ذرية داود فقام الضباط بالتفتيش وبقتل كل من وجدوه منهم وأعدم الأساقفة بالصلب أو بالضرب أو بالإغراق في البحر وبقي الحال هكذا طيلة حياته إلى أن فاجأه الموت سنة 117م .
ث- في عهد السلطان مرقس أنتيونينس ( أنطيونينوس ماركوس ) الذي صار إمبراطور روما عام 161م وكان فيلسوفا رواقيا ووثنيا متعصبا بدأ اضطهاده للنصارى عام 161م ولمدة تزيد على 10 فبلغ القتل شرقا وغربا وكان يطلب من الأساقفة أن يكونوا مع جملة سدنة الأوثان ومن أبى يجلسونه على كرسي حديد تحته نار ثم يمزق لحمه بكلاليب من حديد .
ج- في عهد السلطان سويرس ( سيفيروس ) الذي صار إمبراطور روما عام 193م وابتدأ اضطهاده للنصارى عام 202م فأمر بالقتل في كل ناحية وكان القتل على أشده في مصر وقرطاجة وفرنسا حيث قتل الألوف في غاية الشدة فظن النصارى أن هذا الزمان هو زمن الدجال
ح- في عهد السلطان مكسيمن ( ماكسيمينيوس ) الذي صار إمبراطور روما سنة 235م فأحيا رسوم الوثنية وبدأ اضطهاده للنصارى عام 237م فأصدر أمره بقتل جميع العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل العلماء جعل العوام مطيعين له في غاية السهولة ثم أمر بقتل كل نصراني بلا فحص ولا محاكمة فكثيرا ما كان يطرح منهم في جب واحد خمسون أو ستون قتيلا معا ثم هم بقتل جميع سكان روما فقتله أحد الجند سنة 238م .
خ- في عهد السلطان دي شس ( دنيس ) الذي بدأ اضطهاده للنصارى سنة 253م وقد أراد هذا السلطان استئصال الملة النصرانية فأصدر أوامره بذلك إلى حكام الولايات ونفذ الولاة أوامره بقسوة فبحثوا عن النصارى وقتلوهم في كل مكان بعد التعذيب الشديد وكان ظلمه وقهره شديدا في مصر وأفريقيا وإيطاليا والمشرق (آسيا الصغرى وبلاد الشام) حتى ارتد في زمنه كثيرون من النصرانية إلى الوثنية .
د- في عهد السلطان ولريان( والريانوس )( فالريان )الذي بدأ اضطهاده للنصارى سنة 257م عندما أصدر أمره الشديد بقتل جميع الأساقفة وخدام الدين وإذلال الأعزة ومصادرة أموالهم وسلب حلي نسائهم وإجلائهن من الأوطان ومن بقي منهم بعد ذلك نصرانيا ورفض تقديم قربان للإله جوبيتر يقتل أو يحرق أو يلقى للنمور تفترسه فقتل بضعة ألوف وأخذ الباقون عبيدا مقيدين بالسلاسل لاستعمالهم في أمور الدولة .
ذ- في عهد السلطان أريلين بدأ اضطهاده للنصارى بأوامر مشددة ضدهم سنة 274م لكن لم يقتل فيه كثير لأن السلطان قتل .
ر- في عهد السلطان ديوكليشين ( دقلديانوس ) الذي صار إمبراطور روما عام 284م وبدأ اضطهاده للنصارى سنة 286م بقتل 6600 من النصارى وكانت ذروته سنة 302م واستمر إلى سنة 313م ففي سنة 302م أحرق بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من النصارى وأراد هذا السلطان أن يمحو الكتب المقدسة من الوجود واجتهد في هذا الأمر اجتهادا عظيما فأصدر أمره في شهر آذار ( مارس) سنة 303م بهدم جميع الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع النصارى للعبادة فنفذ الولاة أمره بصرامة شديدة فهدمت الكنائس في كل مكان وأحرق كل كتاب عثروا عليه بالجد التام وعذب عذابا شديدا كل من ظن أنه أخفى كتابا وامتنع النصارى عن الاجتماع للعبادة قال يوسي بيس إنه رأى بعينيه تهديم الكنائس وإحراق الكتب المقدسة في الأسواق وأصدر أمره لعامله على مصر أن يجبر الأقباط على عبادة الأصنام وأن يذبح بالسيف كل من يأبى فقتل منهم (000ر800) فسمي عصره بعصر الشهداء وكان يقتل من النصارى في كل يوم ما بين 30-80 نفسا واستمر اضطهاده للنصارى عشر سنين حتى ملأ الأرض قتلا شرقا وغربا فهذا الاضطهاد أعنف من كل الاضطهادات السابقة وأطولها أمدا .
• هذه الوقائع العظيمة التي يكتبونها في تواريخهم لا يتصور فيها كثرة النسخ وانتشارها شرقا وغربا كما يزعمون بل لا يتصور فيها إمكانية المحافظة على سلامة النسخ الموجودة بين أيديهم ولا تصحيحها ولا تحقيقها لأن النسخ الصحيحة تضيع في مثل هذه الأحداث ويكون للمحرفين مجال كبير للتحريف المناسب لأهوائهم وبسبب الحوادث المذكورة فقدت الأسانيد المتصلة لكتب العهدين وصار الموجود باسم كتب العهدين جعليا مختلقا فلا يوجد عند اليهود ولا عند النصارى سند متصل لكتاب من كتبهم وقد طلب الشيخ رحمت الله في مناظرته للقسيسين فندر وفرنج السند المتصل لأي كتاب من كتبهم فاعتذرا بأن سبب فقدان الإسناد هو وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة (313م) .
إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين
• النسخ في الاصطلاح الإسلامي : بيان مدة انتهاء الحكم العملي الجامع للشروط ويعرف أيضا بأنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر والنسخ عندنا نحن المسلمين لا يطرأ على القصص والأخبار ولا على الأمور العقلية القطعية مثل أن الله موجود وأنه واحد ولا على العقائد مثل وجوب الإيمان وحرمة الكفر والشرك ولا على الأحكام المؤبدة كقوله تعالى: { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } ولا على الأحكام المؤقتة قبل وقتها المعين ولا على الأدعية وإنما يطرأ النسخ على الأحكام العملية المحتملة للوجود والعدم وأن تكون غير مؤبدة ولا مؤقتة وتسمى الأحكام المطلقة . ولا يقصد المسلمون بالنسخ المصطلح عندهم ما يقصده اليهود الذين يجوزون البداء على الله لأن معنى البداء ظهور الشيء بعد خفائه أي أن الله أمر بشيء أو نهى عن شيء دون أن يعلم عاقبة الأمر والنهي ثم بدا له رأي فنسخ الحكم الأول وهذا فيه لزوم الجهل على الله والعياذ بالله من هذه العقيدة الفاسدة وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لكن معنى النسخ المصطلح عند المسلمين أن الله تعالى كان يعلم أن هذا الحكم من الأمر أو النهي يكون باقيا على المكلفين به إلى وقت معين في علم الله ثم ينسخه أي إذا جاء الوقت المعين في علم الله يعطي الله المكلفين حكما آخر يظهر منه للمكلفين الزيادة على الحكم الأول أو النقصان منه أو رفعه نهائيا فهذا الحكم الآخر هو في الحقيقة بيان انتهاء العمل بالحكم الأول ولكننا نحن المكلفين لأننا لم نكن نعلم بالحكم الآخر ولا بوقت وروده ولأن الحكم الأول لم يكن مؤقتا وكنا نظن دوامه فعند ورود الحكم الآخر نظن لقصور علمنا أن هذا تبديل وتغيير للحكم الأول ولكن هو بالنسبة إلى الله ليس تبديلا ولا تغييرا وإنما هو بيان انتهاء العمل بالحكم الأول ولكن هو بالنسبة إلى الله ليس تبديلا ولا تغييرا وإنما هو بيان انتهاء العمل بالحكم الأول وفي هذا حكم ومصالح للعباد يعلمها الله وسواء ظهرت لنا أو لم تظهر لأن جميع الأحكام التي يشرعها الله لعباده فيها مصلحتهم إما في جلب منفعة أو تكميلها وإما في درء مفسدة أو تقليلها والحكم والمصالح تكون نظرا إلى حال المكلفين والزمان والمكان وهذا لا يعلمه أحد إلا الله لذلك كان نسخ الأحكام حقا لله وحده وليس البداء من هذا القبيل وهو ممتنع في حق الله لأن علم الله أزلي أبدي يعلم الأشياء قبل وقوعها أما البداء فجائز في حقنا نحن البشر
• بعد بيان معنى النسخ المصطلح عندنا نحن نقول ليس هناك قصة من القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد منسوخة عندنا لكن بعضها كاذب قطعا مثل
أ- لوطا زنى بابنتيه وحملنا منه بهذا الزنا (سفر التكوين19 / 30-3 .
ب- يهوذا بن يعقوب زنى بثامار زوجة ابنه وحملت منه بهذا الزنا توأمين فارص وزارح سفر التكوين 38 / 12-30) وأن الأنبياء داود وسليمان وعيسى كلهم من أولاد ولد الزنا فارص (إنجيل متى 1 / 3-16) .
ت- داود زنى بامرأة أوريا وحملت منه بهذا الزنا ثم أهلك زوجها بالمكر وأخذها زوجة له (سفر صموئيل الثاني 11 / 2-27) .
ث- سليمان ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها(سفر الملوك الأول 11/1-13).
ج- هارون صنع العجل لبني إسرائيل وعبده وأمرهم بعبادته (سفر الخروج 32 / 1-6).
• نقول في هذه القصص وأمثالها إنها كاذبة مفتراه على أنبياء الله وباطلة يقينا ولا نقول إنها منسوخة .
• بهذا المعنى المصطلح عندنا للنسخ لا يكون الزبور ناسخا للتوراة ولا يكون منسوخا بالإنجيل لأن الزبور أدعية والأدعية لا تنسخ وإنما منعنا عن استعمال الزبور والكتب الأخرى التي في العهدين القديم والجديد لأنها كلها مشكوكة يقينا وفاقدة لأسانيدها المتصلة وثبت وقوع التحريف اللفظي فيها بجميع أقسامه أما الأحكام المطلقة الصالحة للنسخ فنعترف أن بعض الأحكام في التوراة هي الصالحة للنسخ ونسخت الشريعة الإسلامية بعضها ولا نقول إن كل حكم وارد في التوراة منسوخ فبعض أحكام التوراة لم تنسخ مثل حرمة اليمين الكاذبة والقتل والزنا واللواط والسرقة وشهادة الزور والخيانة في مال الجار وعرضه ونكاح المحارم وعقوق الوالدين فهذه الأحكام ما زالت حرمتها باقية في شريعة الإسلام ولم تنسخ .
• قد يكون الحكم الناسخ في شريعة نبي لاحق والحكم المنسوخ في شريعة نبي سابق وقد يكون الحكمان الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه والأمثلة من كتب العهدين العتيق والجديد غير محصورة .
بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق وبعض هذه الأمثلة يكون إيرادها من قبيل الإلزام فقط :
• الزواج بالأخت كان جائزا في شريعة آدم صلى الله عليه وسلم وقد تزوج أولاده بأخواتهم ثم نسخ وصار محرما في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم:في سفر الأحبار (اللاويين) 18 / 9 : (عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجا لا تكشف عورتها)
• جميع الحيوانات كانت حلالا في شريعة نوح في سفر التكوين9 / 3: (كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع) فجميع الحيوانات في شريعة نوح صلى الله عليه وسلم كانت حلالا كالبقولات ونسخت شريعة موسى حلية بعضها فصارت حراما كما في سفر الأحبار (اللاويين) 11 / 4-8 وسفر التثنية 14 / 7-8 وفيما يلي نص فقرتي سفر التثنية : إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر ومما يشق الظلف المنقسم الجمل والأرنب والوبر لأنها تجتر لكنها لا تشق ظلفا فهي نجسة لكم والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس لكم فمن لحومها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا) .
• الجمع بين الأختين كان جائزا في شريعة يعقوب صلى الله عليه وسلم وقد جمع يعقوب بين الأختين ( ليئة وراحيل ) كما في سفر التكوين 29 / 15-35 ثم نسخت شريعة موسى صلى الله عليه وسلم حليته وصار الجمع بين الأٍختين حراما ففي سفر الأحبار (اللاويين) 18 / 18: ( ولا تأخذ امرأة على أختها للضرر لتكشف عورتها معها في حياتها) .
• الزواج بالمطلقة في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم يجوز أن يطلق الرجل امرأته لأي سبب وبعد خروجها من بيته يجوز لأي رجل آخر أن يتزوجها كما ورد في سفر التثنية 24 / 1-4 وفي شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم لا يجوز الطلاق إلا بسبب الزنا ولا يجوز لرجل آخر أن يتزوج هذه المطلقة والزواج بالمطلقة بمنزلة الزنا ففي إنجيل متى 5 / 31-32 : وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني) .
• وفي إنجيل متى 19 / 8-9 جواب عيسى للفريسيين : قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني ) فثبت من هذا النص أن النسخ وقع مرتين ويفهم ذلك من الفقرة الثامنة أي كان الطلاق قبل موسى حراما ثم نسخت حرمته وأبيح في شريعة موسى ثم نسخت الإباحة وصار حراما في شريعة عيسى بل هو بمنزلة الزنا
1. التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة :
• في سفر التثنية 27 / 4 في النسخة العبرانية :( حين تعبرون الأردن تقيمون هذه الحجارة التي أنا أوصيكم بها اليوم في جبل عيبال وتكلسها بالكلس) .
• وردت في التوراة السامرية كما يلي: ( ويكون عند عبوركم الأردن تقيمون الحجارة هذه التي أنا موصيكم اليوم في جبل جرزيم وتشيدها بشيد) .
• ويفهم من سفر التثنية 27 / 12-13 و11 / 29 أن جرزيم وعيبال جبلان متقابلان في مدينة نص فقرة سفر التثنية 11 / 29: ( وإذا جاء بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها فاجعل البركة على جبل جرزيم واللعنة على جبل عيبال ) .
2. التحريف في اسم المملكة : في سفر أخبار الأيام الثاني 28 / 19 من النسخة العبرانية :( لأن الرب ذلل يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل ) فلفظ إسرائيل في هذا النص غلط يقينا وهو من التحريف بالتبديل لآن آحاز ملك يهوذا ( المملكة الجنوبية وعاصمتها أورشليم ) وليس ملك إسرائيل ( المملكة الشمالية وعاصمتها نابلس ) والصواب أن توضع كلمة يهوذا مكان كلمة إسرائيل كما وقع في النسختين اليونانية واللاتينية أن الرب أذل يهوذا بسبب آحاز ملك يهوذا فالنسخة العبرانية محرفة في هذا الموضع
3. التحير بين النفي والإثبات : في المزمور 105 / 28 من النسخة العبرانية : ( ولم يعصوا كلامه) وفي النسخة اليونانية : ( وهم عصوا قوله) .
4. دليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى صلى الله عليه وسلم:
• في سفر التكوين 36 / 31 :( وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا أرض أدوم قبلما ملك ملك لبني إسرائيل ) ثم شرعت الفقرات في ذكر أسماء ملوك أدوم الذين حكموا قبل أن يحكم طالوت ( شاول ) أول ملوك بني إسرائيل وقد خلفه في الحكم داود فقبل حكمهما كان بنو إسرائيل في عهد القضاة وهذه الفقرات من سفر التكوين 36 / 31-39 هي عينها فقرات سفر أخبار الأيام الأول 1 / 43-50 ومناسبتها لسفر الأخبار ظاهرة ولا اعتراض لأنها تدل على أن المتكلم بها موجود بعد زمن قيام سلطنة بني إسرائيل في فلسطين وكان أول ملوكهم طالوت ( شاول ) وكان هذا بعد موسى صلى الله عليه وسلم بـ 356 سنة لكن لا مناسبة بتاتا لوجود هذه الفقرات في سفر التكوين الذي هو أسفار التوراة فكيف دخلت في المتن؟!
• الصواب ما رجحه المفسر آدم كلارك أن الفقرات ليست من كلام موسى قطعا وأنها كانت مكتوبة على حاشية سفر التكوين في بعض النسخ فظن الناقل فيما بعد أنها جزء من المتن فأدخلها فيه فانظر كيف اعترف هذا المفسر بأن هذه الفقرات التسع الخارجة عن التوراة قد ألحقت في المتن بإحدى نسخها ثم شاعت بعد ذلك ودخلت في جميع النسخ وعلى اعترافه يلزم أن كتبهم كانت صالحة للتحريف بالزيادة .
5. التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب :
• الذي يقرأ بداية سفر التثنية 1 / 1-5 يجزم بأن هذه الفقرات الخمس ليست من كلام موسى صلى الله عليه وسلم لأن الكاتب تكلم به موسى بصيغة الغائب كقوله هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل كلم موسى بني إسرائيل حسب كل ما أوصاه الرب إليهم في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلا) وقد اعترف آدم كلارك بزيادة هذه الفقرات الخمس لتكون مقدمة لباقي سفر التثنية وقال : إن الإصحاح 34 من سفر التثنية ليس من كلام موسى أيضا لأن كلامه تم على الإصحاح 33ولا يجوز أن يقال إن موسى كتب هذا الباب لأن هذا الاحتمال بعيد من الصدق وجزم آدم كلارك بأن هذا الباب 34 كان أول أبواب كتاب يوشع وقال كثير من المفسرين : إن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون بعد مدة من موت موسى وكان هو أول أبواب كتاب يوشع ثم انتقل إلى سفر التثنية ولكن هذا الجزم بلا دليل فقال جامعو تفسير هنري وإسكات وتفسير دوالي ورجردمينت : إن هذا الملحق لهذا الباب إما يوشع أو صموئيل أو عزرا أو أحد آخر لا يعلم اسمه بالجزم وربما ألحق بعد رجوع بني إسرائيل من سبي بابل .
• فيما يلي بعض الفقرات من الباب الرابع والثلاثين من سفر التثنية :وصعد موسى من عربات موآب إلى جبل نبو فأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان وقال له الرب فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم وكان موسى ابن 120 سنة حين مات فبكي بنو إسرائيل موسى ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى) فهل الكتاب المنزل على موسى صلى الله عليه وسلم يكون فيه موته ودفنه والبكاء عليه واندثار قبره إلى هذا اليوم وعدم قيام نبي مثله
6. التحريف للانتصار لعقيدة التثليث :
• في رسالة يوحنا الأولى 5 / 7-8 : فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد وقد كان أصل العبارة على ما قال محققوهم هكذا : ( فإن الذين يشهدون هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد) وهذا نص طبعة سنة 1865م أي بدون الزيادة التي بين القوسين المعقوفتين .
• نص طبعة سنة 1825م و1826م : ( لأن الشهود الذين يشهدون ثلاثة وهم الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد) .
• النصان متقاربان فزاد معتقدوا التثليث في المتن فيما بين أصل العبارة العبارة التالية : ( في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض ) التي هي مستند أهل التثليث إلحاقية يقينا وقال كثير من المحققين المتعصبين بأنها إلحاقية واجبة الإخراج مثل كريسباخ وهورن وآدم كلارك وجامعو تفسير هنري وإسكات
• العالم أكستاين الذي هو أعلم علماء النصارى في القرن الرابع الميلادي والذي إلى الآن عمدة أهل التثليث وكان يناظر فرقة إيرين التي تنكر التثليث فقد كتب عشر رسائل في شرح رسالة يوحنا الأولى ولم ينقل هذه العبارة في رسالة من رسائله العشر ولم يستدل بها على منكري التثليث وراح يرتكب التكلف البعيد فكتب في الحاشية أن المراد بالماء الآب وبالدم الابن وبالروح الروح القدس ولو كانت هذه العبارة الإلحاقية موجودة في عهده لتمسك بها ولنقلها في رسائله للاستدلال بها ضد المنكرين للتثليث ولكن يظهر أن معتقدي التثليث بعد أكستاين استفادوا من هذا التكلف البعيد والتفسير الغريب فاخترعوا العبارة التي هي مفيدة لعقيدتهم الباطلة وأدخلوها في رسالة يوحنا الأولى وجعلوها جزءا من المتن .
• في المناظرة الكبرى التي تمت في الهند سنة 1270هـ 1854 م بين الشيخ رحمت الله الكيرانوي وبين القسيسين فندر وشريكه فرنج أقر القسيسان بأن هذه العبارة محرفة وسلما بالتحريف في سبعة مواضع أخرى .
• كتب هورن 12 ورقة في تحقيق هذه العبارة فقام بتلخيصها جامعو تفسير هنري وإسكات وفي تلخيصهم ذكروا أدلة الذين يثبتون أن هذه العبارة كاذبة كما يلي :
أ- العبارة لا توجد في نسخة من النسخ اليونانية المكتوبة قبل القرن السادس عشر الميلادي .
ب- العبارة لا توجد في النسخ المطبوعة التي طبعت بالجد والتحقيق التام في الزمان الأول .
ت- العبارة لا توجد في أكثر النسخ القديمة اللاتينية ولا في التراجم القديمة غير الترجمة اللاتينية
ث- العبارة لم يتمسك بها أحد من القدماء ولا مؤرخو الكنيسة .
ج- العبارة أسقطها من المتن أئمة فرقة البروتستانت وبعضهم وضع عليها علامة الشك .
• لوثر الإمام الأول لفرقة البروتستانت والرئيس الأقدم ترجم الكتب المقدسة باللسان الجرمني ليستفيد منها أتباعه وطبعت الترجمة مرارا في حياته ولم يكتب هذه العبارة في ترجمته ولا ظهرت في الطبعات المتكررة أثناء حياته وفي آخر حياته أعاد طباعتها سنة 1456م فأوصى في مقدمة هذه الطبعة: ( أن لا يحرف أحد ترجمتي) لكن هذه الوصية لما كانت مخالفة لعادة أهل الكتاب عموما ولعادة النصارى خصوصا لم يلتزموا بها وعملوا بعكسها فلم يمضي على موته ثلاثون سنة حتى قام أهل مدينة فرانكفورت بألمانيا سنة 1574م بطباعة ترجمة لوثر فأدخلوا فيها هذه العبارة الكاذبة ثم أعيدت طباعتها بعد ذلك عدة مرات فأسقطوها من الطبعات اللاحقة خوفا من طعن الخلق عليهم ثم قام أهل مدينة وتنبرغ بألمانيا بإعادة طباعة ترجمة لوثر سنة 1596م و1599م فأدخلوا فيها هذه العبارة ومثلهم كذلك أهل مدينة هامبورغ حيث طبعوا ترجمة لوثر سنة 1596م فأدخلوا فيها هذه العبارة ثم خاف أهل مدينة وتنبرغ من اختلاف الطبعات للترجمة الواحدة أن يجر ذلك طعن الخلق عليهم فأعادوا طباعتها مرة أخرى فأسقطوا منها هذه العبارة ثم ما رضي النصارى البروتستانت بهذا التردد بين الإدخال والإسقاط فأجمعوا على إدخالها في ترجمة لوثر في جميع الطبعات اللاحقة على خلاف وصية إمامهم فمن كانت هذه عادتهم بعد انتشار المطابع فكيف يرجى منهم عدم التحريف في النسخ القليلة المحصورة بأيدي أناس معدودين قبل ظهور المطابع ؟!
• كتب الفيلسوف المشهور إسحاق نيوتن رسالة حجمها بقدر خمسين صفحة أثبت فيها أن هذه العبارة وعبارات أخرى جعلية محرفة والعبارة المحرفة وردت في طبعتي سنة 1865 م و1983م بين قوسين هلاليين كبيرين كما يلي: فإن الذين يشهدون ( في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد .
• قال الطابعون والمصححون لهاتين الطبعتين في الصفحة 1 منهما : إن الكلمات والعبارات التي ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها جعلوها بين قوسين هلاليين والعبارة لم ترد في طبعة العهد الجديد للآتين التي نشرتها دار المشرق في بيروت في المطبعة الكاثوليكية سنة 1982م ولم ترد في طبعة مطابع الحرية في بيروت سنة 1983م بإشراف جان عون .
7. التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله : في سفر أعمال الرسل 8 / 37:( فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله) فالفقرة أن يسوع المسيح هو ابن الله إلحاقية زادها أحد من أهل التثليث واتفق كريسباخ وشولز على أنها إلحاقية جعلية كاذبة .
8. التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه : في سفر التكوين 35 من النسخة العبرانية: ( وحدث إذ كان إسرائيل ساكنا في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه وسمع إسرائيل ) في الفقرة تحريف بالنقصان واليهود معترفون بسقوط عبارة هاهنا قال جامعو تفسير هنري وإسكات : إن اليهود يسلمون أن شيئا سقط من هذه الفقرة وتتمته من الترجمة اليونانية هكذا ( وكان قبيحا في نظره) .
فلماذا أسقط اليهود العبرانيون هذه العبارة من نسختهم ؟!
9. التحريف في حادثة سرقة الصواع : في سفر التكوين 44 / 5 من النسخة العبرانية: ( أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه) لاشك أن في الفقرة تحريفا بالنقصان وأقر المفسر هارسلي بالنقصان هاهنا وأمر بزيادته على حسب ما في الترجمة اليونانية لتصبح الفقرة: ( لم سرقتم صواعي أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه) .
10. التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى : في سفر الخروج 6 من النسخة العبرانية:( وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هارون وموسى ) لاشك أن في الفقرة تحريفا بالنقصان يظهر من النسخة السامرية والترجمة اليونانية هكذا: فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما قال آدم كلارك : إن كبار المحققين يعتقدوم أن هذا اللفظ ومريم أختهما كان موجودا في المتن العبري ومعنى كلامه أن اللفظ أسقطه اليهود العبرانيون إما عنادا للسامريين المعتمدين على التوراة السامرية وإما عنادا للنصارى المعتمدين على التوراة اليونانية وشيء آخر يفهم هنا وهو أن عمران بن قهات بن لاوي قد تزوج يوكابد بنت لاوي فهي عمته أخت أبيه قهات وورد لفظ العمة في التوراة السامرية والعبرانية وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1811م و1865 م و1970 -1983م وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1839م و1845م و1856م وفي التراجم الهندية المطبوعة سنة 1822م و1829م و1842م وبما أن نكاح العمة حرام في التوراة كما في سفر الأحبار (اللاوين) 18 / 12 و20 / 19 فلما طبعت الترجمة العربية في عهد البابا أربانوس الثامن (المتوفى سنة 1644م) حرف لفظ العمة بابنة العم كما يلي: ( فتزوج عمران يوكابد ابنة عمه) فالفقرة وردت بلفظ ابنة العم في الطبعات العربية المطبوعة سنة 1625م و1671م و1844م و1848م فلزمهم التحريف بالتبديل.
11. التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان : وقعت فقرات بين الفقرتين الثالثة والرابعة من المزمور الرابع عشر والفقرات توجد في الترجمة اللاتينية والترجمة العربية ونسخة واتيكانوس إحدى نسخ الترجمة اليونانية ونصها:( فحلقومهم قبر مفتوح وهم يغدرون بألسنتهم وسم الثعابين تحت شفاهم وأفواهمم مملؤة من اللعن والمرورة وأقدامهم مسرعة لسفك الدم والتهلكة والشقاء في طرقهم ولم يعرفوا طريق السلامة وخوف الله ليس بموجود أمام أعينهم ) والفقرات لا توجد في النسخة العبرانية ولكنها توجد في رسالة بولس إلى أهل رومية 3 / 13-18 فإما أن اليهود أسقطوها من نسختها العبرانية عنادا للنصارى الذين كانوا يعتمدون على نسخة التوراة اليونانية وهذا هو التحريف بالنقصان وإما أن النصارى زادوها في التراجم المذكورة انتصارا لبولس وهذا هو التحريف بالزيادة فالتحريف لازم قطعا لأحد الفريقين .
12. التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان :
• في إنجيل لوقا 21 / 32-34 : الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول فاحترز لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم قال هورن : إن فقرة تامة ما بين الفقرتين33 و34 قد أسقطت من إنجيل لوقا وإن المحققين والمفسرين كلهم قد أغمضوا عيونهم عن هذا النقصان الواقع في متن إنجيل لوقا حتى قام المحقق هيلز بالتنبيه عليه وتجاسر هورن فأمر بزيادة هذه الفقرة في إنجيل لوقا بالرجوع إلى إنجيل متى وإنجيل مرقس ليكون موافقا لهما .
• فيما يلي نقل هذه الفقرة مع الفقرات السابقة لها ليظهر التحريف القصدي في إنجيل لوقا بإسقاط هذه الفقرة منه :
أ- في إنجيل متى 24 / 34-36 : الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده) .
ب- في إنجيل مرقس 13 / 30-32: الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب) على اعتراف هورن وهيلز أن الفقرة الواردة في إنجيل متى 24 / 36 وفي إنجيل مرقس 13 ساقطة من إنجيل لوقا ويجب زيادتها فيه .
13. التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا :
• في إنجيل متى 2:( وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصريا) قوله :( لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصريا) من الأغلاط المشهورة في هذا الإنجيل لأنه لا يوجد هذا القول في كتاب من الكتب المعروفة المنسوبة للأنبياء فإما أن يكون النصارى أدخلوا هذا القول في كتبهم عنادا لليهود وهو من التحريف بالزيادة وإما أن يكون اليهود أسقطوا هذا القول من كتبهم عنادا للنصارى وهو من التحريف بالنقصان .
• المحقق كريزاستم وعلماء الكاثوليك يعتقدون أن القول كان في كتب الأنبياء لكن هذه الكتب انمحت وضيعها اليهود لغفلتهم وعدم ديانتهم فمزقوا بعضها وأحرقوا بعضها لأنهم لما رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات عقائد ملتهم ضيعوها قصدا لإنكار نبوة المسيح صلى الله عليه وسلم ويعلم هذا من إعدامهم كتبا نقل عنها متى .
• قال جستن في مناظرته لطريفون اليهودي : إن اليهود حرفوا كتبا كثيرة وأخرجوها من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد مخالف للعهد القديم وهذا يدل على أن التحريف في سالف الزمان كان سهلا ألا ترى كيف انمحت عن صفحة العالم كتب كثيرة بإعدامهم لها لعناد بعضهم بعضا ؟!
مغالطات نصرانية والرد عليها
المغالطة الأولى :
يزعم النصارى لتغليط الجاهلين بحقيقة كتبهم أن المسلمين هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة وللرد على هذه المغالطة تكون الشواهد في ثلاثة مسالك :
المسلك الأول : نقل أقوال المخالفين للنصارى :
1. العالم سلسوس كتب في القرن الثاني للميلاد كتابا في الرد على النصارى ونقل العالم الجرمني أكهارن عن كتاب سلسوس: بدل المسيحيون أناجيلهم 3مرات أو 4 مرات بل أزيد
2. القس والمصلح الأمريكي باركر المتوفى سنة 1860م وهو في نظر النصارى ملحد قال : إن اختلاف العبارات في كتب النصارى ثلاثون ألفا وهذا العدد هو على تحقيق ميل .
3. عمل أحد الملاحدة جدولا للأسفار المنسوبة إلى عيسى والحواريين والتي يرفضها النصارى الآن فكان عددها 74 سفرا ثم قال كيف نعرف أن الكتب الإلهامية هي المسلمة الآن ضمن العهد الجديد أو هذه المرفوضة وإذا لاحظنا أن هذه الكتب المسلمة أيضا قبل إيجاد المطابع كانت قابلة للإلحاق والتبديل يقع الإشكال .
المسلك الثاني :
نقل أقوال الفرق النصرانية القديمة التي يعدها النصارى الآن من المبتدعين :
1. الفرقة الأبيونية : ظهرت هذه الفرقة في القرن الميلادي الأول وكانت معاصرة لبولس أنكرت عليه إنكارا شديدا وعدته مرتدا وكانت تسلم من كتب العهد القديم بالتوراة فقط وتسلم من كتب العهد الجديد بإنجيل متى فقط لكن نسخته التي عند هذه الفرقة مخالفة لنسخة الإنجيل المنسوب إلى متى الآن التي يسلم بها أتباع بولس ولم يكن البابان الأولان موجودين في إنجيلها لأنها تعتقد أن هذين البابين ومواضع أخرى كثيرة محرفة وكانت تنكر ألوهية المسيح وتعتقد أنه إنسان فقط .
2. الفرقة المارسيونية : من فرق النصارى القديمة وكانت تنكر جميع كتب العهد القديم وتقول إنها ليست إلهامية وتنكر جميع كتب العهد الجديد إلا إنجيل لوقا وعشر رسائل من رسائل بولس وهذه الرسائل العشر المسلمة عندها مخالفة للرسائل الموجودة الآن وأما إنجيل لوقا فكانت الفرقة تنكر البابين الأولين منه وتنكر مواضع أخرى كثيرة منه ذكر منها لاردنر في تفسيره 14 موضعا وذكر بل في تاريخه أن هذه الفرقة المارسيونية تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق من عند إله الشر لأنها مخالفة للعهد الجديد
3. فرقة ماني كيز أعظم علماء هذه الفرقة هو فاستس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي وقد نقل لاردنر في تفسيره عن أكستاين ما يلي : قال فاستس : أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته لأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفا عن أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغا بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات زعيم هذه الفرقة كان ينادي بعدة أشياء أبرزها :
أ- النصارى أدخلوا في العهد الجديد أشياء خارجة عنه .
ب- العهد الجديد المعروف الآن ليس من كتابة المسيح ولا الحواريين ولا تابعيهم وإنما من كتابة رجل مجهول الاسم .
ت- العهد الجديد وقعت فيه الأغلاط والتناقضات .
المسلك الثالث : نقل أقوال المفسرين والمؤرخين المتعصبين للنصرانية والمقبولين عند كافة النصارى :
1. قال آدم كلارك في تفسيره: أكثر البيانات التي كتبها المؤرخون للرب يقصد عيسى غير صحيحة لأنهم كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقينا وغلطوا في الحالات الأخر عمدا أو سهوا والأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في القرون المسيحية الأولى وبلغت هذه الأناجيل أكثر من سبعين إنجيلا وكان فابري سيوس جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات .
2. نسبت إلى موسى صلى الله عليه وسلم غير الكتب الخمسة (التكوين والخروج والأحبار والعدد والتثنية) والمشهورة الآن بالتوراة ستة كتب هي :
أ- كتاب المشاهدات
ب- كتاب التكوين الصغير
ت- كتاب المعراج
ث- كتاب الأسرار
ج- كتاب تستمنت ( العهد أو الميثاق)
ح- كتاب الإقرار
3. قال هورن : المظنون أن هذه الكتب الجعلية اخترعت في ابتداء الملة المسيحية أي في القرن الميلادي الأول .
4. قال المؤرخ موشيم : تعلم يهود مصر قبل المسيح مقولة مشهورة عند الفلاسفة هي أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة الله ليسا بجائزين فقط بل قابلان للتحسين وعملوا بهذه المقولة كما يظهر هذا جزما من كثير من الكتب القديمة وانتقل وباء هذه المقولة السيئة إلى النصارى كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نسبوها إلى الكبار كذبا .
5. قال لاردنر في تفسيره : حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان أناسطيثوس ( الذي حكم ما بين سنتي 491-518م) فصححت مرة أخرى فلو كان للأناجيل إسناد ثابت في عهد ذلك السلطان ما أمر بتصحيحها ولكن لأن مصنفيها كانوا مجهولين أمر بتصحيحها والمصححون إنما صححوا الأغلاط والتناقضات على قدر الإمكان فثبت التحريف فيها يقينا من جميع الوجوه وثبت أنها فاقدة الإسناد .
6. أكستاين وهيلز وقدماء النصارى كانوا يقولون إن اليهود في سنة 130م حرفوا التوراة العبرانية قصدا لعناد النصارى الذين كانوا يعتمدون على الترجمة اليونانية ولتصير هذه الترجمة غير معتبرة وأثبت كني كات بأدلة قوية لا جواب عليها بأن اليهود حرفوا توراتهم العبرانية لأجل عداوة السامريين الذين كان لهم توراة خاصة بهم غير توراة العبرانيين .
7. قال المفسر هارسلي : لا ريب في أن المتن المقدس قد حرف وهذا ظاهر من اختلاف النسخ وتناقض العبارات والأمر قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جدا دخلت في المتن المطبوع وأن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان في أشنع حالة التحريف .
8. قال واتسن : إن أوريجن كان يشكو من الاختلافات وينسبها إلى أسباب مختلفة مثل غفلة الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم ولما أراد جيروم ترجمة العهد الجديد قابل النسخ التي كانت عنده فوجد اختلافا عظيما .
9. وصل عرضحال (معروض) من فرقة البروتستانت إلى السلطان جيمس الأول (المتوفى سنة 1625 م) يقولون فيه: إن الزبورات ( المزامير) التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للنص العبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي (200) موضع تخمينا .
10. قال المؤرخ الإنكليزي مستر توماس كارلايل (المتوفى سنة 1881م) : المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال ومطلب الإنجيل الذي كان مستقيما جعلوه معوجا وعندهم الظلمة أحب من النور والكذب أحق من الصدق .
11. مستر بروتن كان كبير المسؤولين عن مجلس الترجمة الجديدة في بريطانية فقال للقسيسين: إن الترجمة السائدة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط وإن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد القديم في ثمانمائة وثمانية وأربعين (84 موضعا وصارت سببا لرد كتب العهد الجديد من قبل أناس غير محصورين .
أسباب وقوع اختلاف العبارة في كتب العهدين
قال هورن في تفسيره : لوقوع اختلاف العبارة أربعة أسباب :
السبب الأول : ( غفلة الكاتب وسهوه) وهو يتصور على وجوه
أ- الذي كان يملي العبارة على الكاتب حرف في الإملاء فألقى ما ألقى أو أن الكاتب لم يفهم قوله حين أملاه عليه فكتب ما كتب
ب- الحروف العبرانية واليونانية بعضها متشابهة فكتب أحدها بدل الآخر .
ت- الكاتب ظن الإعراب خطأ أو ظن الخط الذي كان يكتب عليه جزءا من الحرف أو أن الكاتب لم يفهم أصل المطلب فأصلح العبارة باجتهاده وغلط .
ث- الكاتب انتقل من موضع إلى موضع آخر سهوا فلما تنبه لم يمح ما كتب وبدأ الكتابة مرة أخرى من الموضع الذي تركه فبقي ما كتبه من قبل بلا محو .
ج- الكاتب نسي شيئا فبعدما كتب شيئا آخر تنبه فكتب العبارة المتروكة بعده مباشرة فانتقلت العبارة من موضعها الصحيح إلى موضع آخر .
ح- الكاتب نظر أثناء الكتابة أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة أو عبارات ولم يعلم بها .
خ- الكاتب غلط في فهم بعض الألفاظ فكتبها على حسب فهمه فوقع الغلط .
د- جهل الكاتبين وغفلتهم سبب عظيم لوقوع اختلاف العبارة فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزءا من المتن فأدخلوها فيه .
السبب الثاني : ( نقصان النسخة المنقول عنها) وهو يتصور على وجوه :
أ- انمحاء إعراب الحروف .
ب- الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في صفحة أخرى وامتزج بحروف الصفحة الأخرى ففهمه الكاتب جزءا منها فكتبه كما يفهم .
ت- الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة تدل على موضع نقصانها فلم يعلم الكاتب الثاني أين موضع نقصانها الذي نكتب فيه ، فاجتهد فغلط في موضعها .
السبب الثالث : ( التصحيح الخيالي والإصلاح) وهو يتصور على وجوه :
أ- الكاتب فهم العبارة الصحيحة أنها ناقصة أو غلط في فهم المطلب أو ظن أن العبارة غلط ولم تكن غلطا .
ب- بعض المحققين لم يكتفوا على إصلاح الغلط بل بدلوا العبارات غير الفصيحة بعبارات فصيحة وأسقطوا الفضول من الكلام والألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرق فيها سووا الفقرات المتقابلة باعتبار المعاني فجعلوها متساوية فالزائد نقصوه إلى القليل أو القليل زادوه وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصا ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارات التي نقلها عن العهد القديم مطابقة للترجمة اليونانية وهذا أكثر الوجوه وقوعا .
السبب الرابع : التحريف القصدي وهذا التحريف صدر من المتشددين في الدين والمبتدعين وأعظمهم مارسيون وأما المتشددين فكانوا يحرفون قصدا لتأييد مسألة مقبولة أو لدفع الاعتراضات الواردة ثم ترجح هذه التحريفات بعدهم وضرب هورن أمثلة كثيرة لهذه التحريفات القصدية الصادرة عن المتشددين الذين هم عند قومهم من أهل الديانة والدين .
المغالطة الثانية : يزعم النصارى أن المسيح صلى الله عليه وسلم شهد بحقية كتب العهد العتيق ولو كانت محرفة ما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود بالتحريف .
الرد:
• إنه لما لم يثبت التواتر اللفظي لكتاب من كتب العهدين العتيق والجديد ولا يوجد لها سند متصل إلى مصنفيها وثبت وقوع جميع أنواع التحريف في هذه الكتب وثبت أن المتشددين من أهل الدين والديانة كانوا يحرفون قصدا لتأييد المسائل أو لدفع الاعتراضات الواردة فصارت هذه الكتب جميعها مشكوكة عندنا ولا يجوز الاحتجاج علينا ببعض فقراتها لاحتمال أن تكون الفقرات إلحاقية أدخلها المتشددون من النصارى في القرن الثاني أو في القرن الثالث ضد الفرقة الأبيونية والمارسيونية وماني كيز ثم رجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسائلهم كما فعلوا ضد فرقة إيرين وكانت الفرق الثلاث المذكورة تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها ثم لو قطعنا النظر عن كون هذه الفقرات إلحاقية فلا يثبت منها سند هذه الكتب لأنه لم يبين فيها أعداد هذه الكتب ولا أسماؤها فكيف يعلم أن كتب العهد العتيق 39 كما هي الآن عند البروتستانت أو ستة وأربعون كما هي الآن عند الكاثوليك ؟!
• المؤرخ اليهودي يوسيفس متعصب جدا وعاش بعد المسيح صلى الله عليه وسلم والنصارى يحترمونه ويقبلون كتبه كتب في تاريخه يقول: نحن اليهود ليس عندنا ألوف من الكتب يناقض بعضها بعضا بل عندنا 22 كتابا منها خمسة لموسى فبين غير أسفار موسى الخمسة سبعة عشر كتابا من ملحقات التوراة والحال أن هذه الملحقات للتوراة عند البروتستانت أربعة وثلاثون كتابا وعند الكاثوليك واحد وأربعون كتابا فأي كتاب من هذه الكتب الملحقات يكون داخلا في السبعة عشر وأي كتاب منها يكون خارجا عنها ؟!.قال طامس إنكلس : اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين .
• لو سلمنا أن هذه الكتب من العهد القديم التي كانت متداولة في عهد المسيح وشهد المسيح والحواريون لها فمقتضى الشهادة أن الكتب كانت موجودة عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت من تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو بعضها صادقة وبعضها كاذبة ولا يفهم من هذه الشهادة أن كل كتاب منها هو من تصنيف الشخص المنسوب إليه ولا أن كل حال من الحالات المذكورة فيها صادقة قطعا ولو نقل المسيح والحواريون من هذه الكتب شيئا فلا يلزم من مجرد النقل صدق الكتاب المنقول منه بحيث إنه لا يحتاج إلى تحقيق نعم لو أن المسيح صرح في كل جزء من أجزاء هذا الكتاب وفي كل حكم من أحكامه أنه من عند الله وثبت تصريح المسيح بالتواتر فيكون هذا الكتاب صادقا قطعا وما سواه يكون مشكوكا يحتاج إلى تحقيق ولكن لم يثبت هذا التصريح من المسيح صلى الله عليه وسلم بخصوص أي كتاب من كتب العهد القديم .
• المحقق بيلي ذكر في كتابه أن المسيح قال بأن التوراة من عند الله وقوله ذلك لا يعني أن العهد العتيق كله أو كل فقرة منه صحيحة ولا أن كل كتاب منه أصلي ولا أن تحقيق مؤلفيه واجب نعم لقد كان الحواريون واليهود المعاصرون للمسيح يرجعون إليها ويستعملونها فيثبت من هذا الرجوع والاستعمال أنها كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت ولا يلزم من نقل فقرة في العهد الجديد عن العهد العتيق صدق تلك الفقرة بحيث لا تحتاج إلى تحقيق .
• لو فرضنا أن المسيح شهد لكتب العهد القديم فشهادة المسيح لا تنافي التحريف الواقع بعدها فكما حرف اليهود قبل المسيح حرفوا بعده أيضا وقد مر أن مذهب الجمهور من العلماء والمحققين والمفسرين والمؤرخين أن اليهود حرفوا قصدا بعد المسيح سنة 130 م عنادا للنصارى فشهادة المسيح لا تنفي أن يكون التحريف قد وقع بعدها في هذه الكتب .
المغالطة الثالثة :
يزعم النصارى أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا فلا يمكن لأحد تحريفها .
وللرد فيما يلي إيراد أمور يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم :
• موسى صلى الله عليه وسلم كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وأوصاهم بالمحافظة عليها بوضعها داخل صندوق الشهادة أي التابوت الذي صنعه موسى فكانت توراة موسى في الصندوق وكانت الطبقة الأولى محافظة عليها فلما انقرضت تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويسلمون أخرى وبقي حالهم هكذا إلى سلطنة داود وسليمان صلى الله عليه وسلم فحسنت حالهم واستقامت عقيدتهم أما التوراة الموضوعة في التابوت فضاعت قبل عهد سليمان بسبب الارتدادات الكثيرة ولا يعلم جزما متى ضاعت لأن سليمان صلى الله عليه وسلم عندما فتح الصندوق لم يجد فيه سوى اللوحين اللذين كانت الأحكام الوصايا العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح به في سفر الملوك الأول 8 / 9 ثم وقع الارتداد العظيم في آخر حكم سليمان على ما تشهد به كتبهم المقدسة ولا شك أنه إفك مفترى على سليمان فيقولون إن سليمان ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى لها المعابد الكثيرة إرضاء لأزواجه (سفر الملوك الأول 11/ 1-11) فإذا صار سليمان في آخر عمره مرتدا وثنيا بشهادتهم القبيحة فما بقي له غرض بالتوراة
• بعد موت سليمان صلى الله عليه وسلم سنة 931ق.م وقع الارتداد الأعظم انقسم أسباط بني إسرائيل فصارت المملكة الواحدة مملكتين وصار يربعام بن ناباط ملكا على عشرة أسباط في شمال فلسطين وسميت مملكته بمملكة إسرائيل وعاصمتها ترصة قرب شكيم ( نابلس) وصار رحبعام بن سليمان ملكا على سبطين في جنوب فلسطين وسميت مملكته بمملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم (القدس) وشاع الكفر والارتداد في المملكتين وكان في مملكة إسرائيل أسرع وأشد لأن يربعام بعدما تولى الحكم ارتد ونصب عجول الذهب وأمر بعبادتها فارتدت معه الأسباط العشرة وعبدوا الأصنام ومن بقي منهم على التوحيد هاجر إلى مملكة يهوذا وتعاقب على حكم مملكة إسرائيل19 ملكا ولم يتغير حالهم فهؤلاء الأسباط العشرة من عهد أول ملوكهم إلى آخرهم كانوا كافرين بالله عابدين للأصنام نابذين للتوراة فأبادهم الله بأن سلط عليهم الأشوريين بقيادة سرجون الثاني سنة 722ق.م فأسروا وقتلوا القسم الأكبر منهم وفرقوا قسما آخر في الممالك ولم يبق منهم في هذه المملكة إلا شرذمة قليلة فجلبوا الوثنيين وأسكنوهم في مملكة إسرائيل فاختلطت هذه الشرذمة الإسرائيلية القليلة بالوثنيين اختلاطا شديدا فتزاوجوا وتوالدوا فسميت أولادهم بالسامريين فمن عهد يربعام أول ملوك المملكة الإسرائيلية وإلى اندثارها بعد مدة تزيد عن قرنين من الزمان ما كان لهؤلاء الأسباط العشرة غرض بالتوراة وكان وجود نسخ التوراة في هذه المملكة كوجود العنقاء يسمع بها ولا أصل لها أما مملكة يهوذا التي تضم سبطين من أسباط بني إسرائيل فجلس على سرير الحكم فيها بعد موت سليمان صلى الله عليه وسلم عشرون ملكا وكان المرتدون من هؤلاء الملوك أكثر من المؤمنين الموحدين فمن عهد رحبعام بن سليمان شاعت عبادة الأصنام ووضعت تحت كل شجرة وعبدت فسلط الله عليه شيشق ملك مصر فغزا مملكة يهوذا ونهب جميع أثاث الهيكل وأثاث بيت السلطان ثم سلط الله على آسا ثالث ملوكها بعشا بن أخيا ثالث ملوك مملكة إسرائيل وكان بعشا وثنيا مرتدا فجاء إلى القدس ونهب الهيكل وبيت السلطان نهبا شديدا وفي عهد أخزيا سادس ملوك يهوذا بنيت المذابح للبعل في كل جانب من مدينة أورشليم حتى سدت أبواب بيت المقدس ثم في عهد منسي ملكها الرابع عشر اشتد الكفر حتى صار أكثر أهل المملكة وثنيين فبني مذابح الأوثان في فناء بيت المقدس ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس وهكذا كان حال الكفر والارتداد في عهد ابنه آمون .
• لما تولى الحكم يوشيا بن آمون سنة 638ق .م تاب إلى الله توبة نصوحا وأمر أركان دولته بنشر الملة الموسوية وهدم رسوم الكفر والوثنية في غاية الجد والاجتهاد واتخذ الكاهن حلقيا مرشدا له وعين الكاتب شافان لجمع الضرائب من الشعب لإصلاح الهيكل وكان بحاجة شديدة إلى التوراة ومع ذلك ما رأى أحد ولا سمع بوجود نسخة التوراة إلى سنة 621 ق .م أي بعد سبعة عشر عاما من حكمه ثم في العام الثامن عشر ادعى مرشده الكاهن حلقيا أنه وجد مخطوطة لسفر التثنية ومجموعة من الشرائع في بيت المقدس عندما كان يحسب الفضة الواردة إلى الهيكل فأعطى هذا السفر لشافان فقرأه على الملك يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه حزنا على عصيان بني إسرائيل (سفر الملوك الثاني 22 / 1-11 وسفر أخبار الأيام الثاني 34 / 1-19) ولكن النسخة لا اعتماد عليها ولا على قول حلقيا لأن الهيكل نهب مرتين قبل عهد الملك أخزيا وفي عهده جعل بيتا للأصنام وكان سدنتها يدخلون البيت كل يوم ففي خلال أكثر من قرنين من الزمان (منذ بداية حكم أخزيا سنة 843 ق .م إلى سنة 621 ق .م التي هي العام السابع عشر لحكم يوشيا) ما سمع أحد اسم التوراة ولا رآها علما أن يوشيا وأركان دولته وجميع رعيته كانوا في غاية الاجتهاد لإحياء شريعة موسى وكان الكهنة يدخلون كل يوم إلى الهيكل فالعجب أن يكون سفر التثنية في الهيكل ولا يراه أحد طيلة سبعة عشر عاما والحق اخترعه الكاهن حلقيا فإنه لما رأى أن الملك يوشيا وأركان دولته متوجهون بشدة إلى اتباع شريعة موسى قام بجمع هذا السفر من الروايات اللسانية غير المدونة التي كان يتناقلها الأحبار أو وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو كاذبة وكان طيلة سبعة عشر عاما في جمعها وتأليفها فبعدما أتم جمعها نسبها إلى موسى وادعى أنه وجد هذا السفر في الهيكل ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء النصارى وبقطع النظر عما فعله حلقيا فسفر الشريعة الذي سلمه للملك يوشيا سنة 620 ق .م في العام الثامن عشر من حكمه بقي العمل به طيلة حياته أي لمدة ثلاثة عشر عاما ولما مات يوشيا سنة 608 ق .م جلس ابنه يهوآحاز على سرير الملك فارتد وأشاع الكفر في المملكة فسلط الله عليه نخو ملك مصر فأسره وأجلس مكانه أخاه يهوياقيم بن يوشيا وكان مرتدا وثنيا كأخيه وبعد موته جلس على سرير الملك ابنه يهوياكين بن يهوياقيم وكان مرتدا وثنيا كأبيه وعمه فسلط الله عليه بختنصر ملك بابل فأسره مع جم غفير من بني إسرائيل ونهب الهيكل والقدس وكنز بيت الملك وأجلس مكانه على السرير عمه صدقيا بن يوشيا وكان وثنيا كأخويه فحكم أحد عشر عاما كان خلالها ذليلا لنبوخذ نصر وفي سنة 587ق .م جاء نبوخذ نصر فقبض على صدقيا وقتل أولاده أمام عينه ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله مع سائر بني إسرائيل أسرى إلى بابل وأشعل النار في الهيكل وفي بيوت الملك وجميع بيوت أورشليم فدمرها تدميرا كليا وهدم أسوارها وقضي نهائيا على مملكة يهوذا سنة 587 ق .م ، أي بعد أن قضى سرجون الثاني الأشوري على مملكة إسرائيل بـ 135 سنة.
• فيكون تواتر التوراة في اليهود منقطعا قبل زمان يوشيا (638-608 ق .م) والسفر الذي وجد في عهده لا يثبت به التواتر وما عمل به إلا ثلاثة عشر عاما وبعدها اندثر ولم يعلم حاله والظاهر أنه لما رجع الكفر والارتداد والوثنية في أولاد يوشيا زال هذا السفر قبل حادثة بختنصر ولو فرض بقاؤه فزواله في حادثة بختنصر أمر مقطوع به لأن جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة انعدمت عن صفحة العالم رأسا وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب لذلك يضطرون للقول إن عزرا كتب العهد العتيق مرة أخرى في بابل .
• ذكر كتاب قاموس الكتاب المقدس أنه مما لا شك فيه أن معظم الأسفار المقدسة أتلفت أو فقدت في عصر الارتداد والاضطهاد وبخاصة في مدة حكم منسى الطويل (55 سنة ما بين 693-639 ق .م) ورجحوا أن مخطوطة نسخة الشريعة التي عثر عليها حلقيا قد عبث بها عند تدنيس الهيكل لما كتب عزرا كتب العهد القديم مرة أخرى على زعمهم وقعت حادثة أخرى مروعة جاء ذكرها في كتاب المكابيين الأول وفي تاريخ يوسيفس وفي كتب أخرى هي أنه لما فتح أنطيوخس الرابع ( أنتيوكس ابيفانيس ) أورشليم أراد أن يمحق الديانة اليهودية فأحرق جميع نسخ كتب العهد القديم التي حصلت له من أي مكان بعدما قطعها ، وأمر بقتل كل من توجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد القديم أو من يؤدي رسم الشريعة وكان يفعل هذا الأمر في كل شهر ولمدة ثلاث سنوات ونصف ، وكانت هذه الحادثة حوالي سنة 161 ق .م فقتل خلق كثير من اليهود وأعدمت فيها جميع النسخ التي كتبها عزرا ولذلك قال جان ملنر اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة ونسخ كتب العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر ولما ظهرت نقولها بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضا في حادثة أنتيوكس ثم وقعت على اليهود بعد حادثة أنتيوكس حوادث أخرى انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى ومنها حادثة تيطس الرومي سنة 70م وهي مكتوبة بالتفصيل في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى وقد أهلك في هذه الحادثة من اليهود في القدس ونواحيها مليون ومائة ألف بالسيف والصلب والنار والجوع وأسر سبعة وتسعين ألفا وباعهم في الأقاليم المختلفة وأهلك جموعا كثيرة في أقطار أرض فلسطين وسوريا فلو أن شيئا من كتب العهد القديم نجا من إحراق أنتيوكس فمن المحقق أنه أحرق وأعدم في هذه الحادثة ..
• قدماء النصارى لم يكونوا معترفين بالنسخة العبرانية من العهد القديم وكانوا يعتقدون أنها محرفة وكانوا يستعملون الترجمة اليونانية إلى آخر القرن الميلادي الثاني وأما في معابد اليهود فكانت الترجمة اليونانية مستعملة إلى نهاية القرن الميلادي الأول وكانت نسخ العبرانية قليلة جدا عند الطرفين وقد أعدم اليهود بأمر محفل الشورى نسخا كتبت في القرنين 7 و8 الميلادي لأنها كانت تخالف النسخ المعتمدة عندهم مخالفة كبيرة ولذلك لم تصل إلى أيدي المصححين أية نسخة مكتوبة في هذين القرنين ، فإذا أعدموا النسخ المخالفة لنسخهم ، وأبقوا النسخ التي يرضون بها صار لهم مجال واسع للتحريف .
• الحوادث التي مرت على النصارى في القرون الثلاثة الأولى كانت سببا لقلة النسخ عندهم ولسهولة التحريف فيها لأن تواريخهم تشهد بأنهم طيلة هذه القرون الثلاثة ابتلوا بأنواع المحن والبلايا فقد وقعت عليهم اضطهادات عظيمة كانت كافية لضياع الإنجيل الصحيح وسائر أسفارهم المقدسة وأبرزها عشرة اضطهادات كما يلي :
أ- في عهد السلطان نيرون سنة 64م كان مشهورا بالظلم والقسوة حتى إنه أحرق مدينة روما وألقى تبعة ذلك على النصارى فاضطهدهم بعنف وكان الإقرار بالنصرانية يعد جرما عظيما فقتل بطرس وزوجته وأناسا كثيرين وكان هذا القتل في العاصمة وفي سائر الولايات مستمرا إلى نهاية حياة هذا السلطان سنة 68م
ب- في عهد السلطان دومشيان ( دوميتيانوس )الذي صار إمبراطور روما عام 81م أخو تيطس الذي ذبح اليهود سنة 70م وكان طاغية جبارا وعدوا للنصارى مثل نيرون فأجلى يوحنا الحواري وأمر بالقتل وأسرف في قتل الكبراء ومصادرة أموالهم ونكل بالنصارى فاق ما فعله أسلافه وكان أن يستأصل النصرانية وبقي الحال هكذا إلى أن قتل سنة 96م .
ت- في عهد السلطان تراجان ( ترايانوس )الذي صار امبراطور روما عام 98م بدأ اضطهاده للنصارى سنة 101م واشتد جدا سنة 108م حيث أمر بقتل كل من بقي من ذرية داود فقام الضباط بالتفتيش وبقتل كل من وجدوه منهم وأعدم الأساقفة بالصلب أو بالضرب أو بالإغراق في البحر وبقي الحال هكذا طيلة حياته إلى أن فاجأه الموت سنة 117م .
ث- في عهد السلطان مرقس أنتيونينس ( أنطيونينوس ماركوس ) الذي صار إمبراطور روما عام 161م وكان فيلسوفا رواقيا ووثنيا متعصبا بدأ اضطهاده للنصارى عام 161م ولمدة تزيد على 10 فبلغ القتل شرقا وغربا وكان يطلب من الأساقفة أن يكونوا مع جملة سدنة الأوثان ومن أبى يجلسونه على كرسي حديد تحته نار ثم يمزق لحمه بكلاليب من حديد .
ج- في عهد السلطان سويرس ( سيفيروس ) الذي صار إمبراطور روما عام 193م وابتدأ اضطهاده للنصارى عام 202م فأمر بالقتل في كل ناحية وكان القتل على أشده في مصر وقرطاجة وفرنسا حيث قتل الألوف في غاية الشدة فظن النصارى أن هذا الزمان هو زمن الدجال
ح- في عهد السلطان مكسيمن ( ماكسيمينيوس ) الذي صار إمبراطور روما سنة 235م فأحيا رسوم الوثنية وبدأ اضطهاده للنصارى عام 237م فأصدر أمره بقتل جميع العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل العلماء جعل العوام مطيعين له في غاية السهولة ثم أمر بقتل كل نصراني بلا فحص ولا محاكمة فكثيرا ما كان يطرح منهم في جب واحد خمسون أو ستون قتيلا معا ثم هم بقتل جميع سكان روما فقتله أحد الجند سنة 238م .
خ- في عهد السلطان دي شس ( دنيس ) الذي بدأ اضطهاده للنصارى سنة 253م وقد أراد هذا السلطان استئصال الملة النصرانية فأصدر أوامره بذلك إلى حكام الولايات ونفذ الولاة أوامره بقسوة فبحثوا عن النصارى وقتلوهم في كل مكان بعد التعذيب الشديد وكان ظلمه وقهره شديدا في مصر وأفريقيا وإيطاليا والمشرق (آسيا الصغرى وبلاد الشام) حتى ارتد في زمنه كثيرون من النصرانية إلى الوثنية .
د- في عهد السلطان ولريان( والريانوس )( فالريان )الذي بدأ اضطهاده للنصارى سنة 257م عندما أصدر أمره الشديد بقتل جميع الأساقفة وخدام الدين وإذلال الأعزة ومصادرة أموالهم وسلب حلي نسائهم وإجلائهن من الأوطان ومن بقي منهم بعد ذلك نصرانيا ورفض تقديم قربان للإله جوبيتر يقتل أو يحرق أو يلقى للنمور تفترسه فقتل بضعة ألوف وأخذ الباقون عبيدا مقيدين بالسلاسل لاستعمالهم في أمور الدولة .
ذ- في عهد السلطان أريلين بدأ اضطهاده للنصارى بأوامر مشددة ضدهم سنة 274م لكن لم يقتل فيه كثير لأن السلطان قتل .
ر- في عهد السلطان ديوكليشين ( دقلديانوس ) الذي صار إمبراطور روما عام 284م وبدأ اضطهاده للنصارى سنة 286م بقتل 6600 من النصارى وكانت ذروته سنة 302م واستمر إلى سنة 313م ففي سنة 302م أحرق بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من النصارى وأراد هذا السلطان أن يمحو الكتب المقدسة من الوجود واجتهد في هذا الأمر اجتهادا عظيما فأصدر أمره في شهر آذار ( مارس) سنة 303م بهدم جميع الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع النصارى للعبادة فنفذ الولاة أمره بصرامة شديدة فهدمت الكنائس في كل مكان وأحرق كل كتاب عثروا عليه بالجد التام وعذب عذابا شديدا كل من ظن أنه أخفى كتابا وامتنع النصارى عن الاجتماع للعبادة قال يوسي بيس إنه رأى بعينيه تهديم الكنائس وإحراق الكتب المقدسة في الأسواق وأصدر أمره لعامله على مصر أن يجبر الأقباط على عبادة الأصنام وأن يذبح بالسيف كل من يأبى فقتل منهم (000ر800) فسمي عصره بعصر الشهداء وكان يقتل من النصارى في كل يوم ما بين 30-80 نفسا واستمر اضطهاده للنصارى عشر سنين حتى ملأ الأرض قتلا شرقا وغربا فهذا الاضطهاد أعنف من كل الاضطهادات السابقة وأطولها أمدا .
• هذه الوقائع العظيمة التي يكتبونها في تواريخهم لا يتصور فيها كثرة النسخ وانتشارها شرقا وغربا كما يزعمون بل لا يتصور فيها إمكانية المحافظة على سلامة النسخ الموجودة بين أيديهم ولا تصحيحها ولا تحقيقها لأن النسخ الصحيحة تضيع في مثل هذه الأحداث ويكون للمحرفين مجال كبير للتحريف المناسب لأهوائهم وبسبب الحوادث المذكورة فقدت الأسانيد المتصلة لكتب العهدين وصار الموجود باسم كتب العهدين جعليا مختلقا فلا يوجد عند اليهود ولا عند النصارى سند متصل لكتاب من كتبهم وقد طلب الشيخ رحمت الله في مناظرته للقسيسين فندر وفرنج السند المتصل لأي كتاب من كتبهم فاعتذرا بأن سبب فقدان الإسناد هو وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة (313م) .
إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين
• النسخ في الاصطلاح الإسلامي : بيان مدة انتهاء الحكم العملي الجامع للشروط ويعرف أيضا بأنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر والنسخ عندنا نحن المسلمين لا يطرأ على القصص والأخبار ولا على الأمور العقلية القطعية مثل أن الله موجود وأنه واحد ولا على العقائد مثل وجوب الإيمان وحرمة الكفر والشرك ولا على الأحكام المؤبدة كقوله تعالى: { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } ولا على الأحكام المؤقتة قبل وقتها المعين ولا على الأدعية وإنما يطرأ النسخ على الأحكام العملية المحتملة للوجود والعدم وأن تكون غير مؤبدة ولا مؤقتة وتسمى الأحكام المطلقة . ولا يقصد المسلمون بالنسخ المصطلح عندهم ما يقصده اليهود الذين يجوزون البداء على الله لأن معنى البداء ظهور الشيء بعد خفائه أي أن الله أمر بشيء أو نهى عن شيء دون أن يعلم عاقبة الأمر والنهي ثم بدا له رأي فنسخ الحكم الأول وهذا فيه لزوم الجهل على الله والعياذ بالله من هذه العقيدة الفاسدة وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لكن معنى النسخ المصطلح عند المسلمين أن الله تعالى كان يعلم أن هذا الحكم من الأمر أو النهي يكون باقيا على المكلفين به إلى وقت معين في علم الله ثم ينسخه أي إذا جاء الوقت المعين في علم الله يعطي الله المكلفين حكما آخر يظهر منه للمكلفين الزيادة على الحكم الأول أو النقصان منه أو رفعه نهائيا فهذا الحكم الآخر هو في الحقيقة بيان انتهاء العمل بالحكم الأول ولكننا نحن المكلفين لأننا لم نكن نعلم بالحكم الآخر ولا بوقت وروده ولأن الحكم الأول لم يكن مؤقتا وكنا نظن دوامه فعند ورود الحكم الآخر نظن لقصور علمنا أن هذا تبديل وتغيير للحكم الأول ولكن هو بالنسبة إلى الله ليس تبديلا ولا تغييرا وإنما هو بيان انتهاء العمل بالحكم الأول ولكن هو بالنسبة إلى الله ليس تبديلا ولا تغييرا وإنما هو بيان انتهاء العمل بالحكم الأول وفي هذا حكم ومصالح للعباد يعلمها الله وسواء ظهرت لنا أو لم تظهر لأن جميع الأحكام التي يشرعها الله لعباده فيها مصلحتهم إما في جلب منفعة أو تكميلها وإما في درء مفسدة أو تقليلها والحكم والمصالح تكون نظرا إلى حال المكلفين والزمان والمكان وهذا لا يعلمه أحد إلا الله لذلك كان نسخ الأحكام حقا لله وحده وليس البداء من هذا القبيل وهو ممتنع في حق الله لأن علم الله أزلي أبدي يعلم الأشياء قبل وقوعها أما البداء فجائز في حقنا نحن البشر
• بعد بيان معنى النسخ المصطلح عندنا نحن نقول ليس هناك قصة من القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد منسوخة عندنا لكن بعضها كاذب قطعا مثل
أ- لوطا زنى بابنتيه وحملنا منه بهذا الزنا (سفر التكوين19 / 30-3 .
ب- يهوذا بن يعقوب زنى بثامار زوجة ابنه وحملت منه بهذا الزنا توأمين فارص وزارح سفر التكوين 38 / 12-30) وأن الأنبياء داود وسليمان وعيسى كلهم من أولاد ولد الزنا فارص (إنجيل متى 1 / 3-16) .
ت- داود زنى بامرأة أوريا وحملت منه بهذا الزنا ثم أهلك زوجها بالمكر وأخذها زوجة له (سفر صموئيل الثاني 11 / 2-27) .
ث- سليمان ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها(سفر الملوك الأول 11/1-13).
ج- هارون صنع العجل لبني إسرائيل وعبده وأمرهم بعبادته (سفر الخروج 32 / 1-6).
• نقول في هذه القصص وأمثالها إنها كاذبة مفتراه على أنبياء الله وباطلة يقينا ولا نقول إنها منسوخة .
• بهذا المعنى المصطلح عندنا للنسخ لا يكون الزبور ناسخا للتوراة ولا يكون منسوخا بالإنجيل لأن الزبور أدعية والأدعية لا تنسخ وإنما منعنا عن استعمال الزبور والكتب الأخرى التي في العهدين القديم والجديد لأنها كلها مشكوكة يقينا وفاقدة لأسانيدها المتصلة وثبت وقوع التحريف اللفظي فيها بجميع أقسامه أما الأحكام المطلقة الصالحة للنسخ فنعترف أن بعض الأحكام في التوراة هي الصالحة للنسخ ونسخت الشريعة الإسلامية بعضها ولا نقول إن كل حكم وارد في التوراة منسوخ فبعض أحكام التوراة لم تنسخ مثل حرمة اليمين الكاذبة والقتل والزنا واللواط والسرقة وشهادة الزور والخيانة في مال الجار وعرضه ونكاح المحارم وعقوق الوالدين فهذه الأحكام ما زالت حرمتها باقية في شريعة الإسلام ولم تنسخ .
• قد يكون الحكم الناسخ في شريعة نبي لاحق والحكم المنسوخ في شريعة نبي سابق وقد يكون الحكمان الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه والأمثلة من كتب العهدين العتيق والجديد غير محصورة .
بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق وبعض هذه الأمثلة يكون إيرادها من قبيل الإلزام فقط :
• الزواج بالأخت كان جائزا في شريعة آدم صلى الله عليه وسلم وقد تزوج أولاده بأخواتهم ثم نسخ وصار محرما في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم:في سفر الأحبار (اللاويين) 18 / 9 : (عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجا لا تكشف عورتها)
• جميع الحيوانات كانت حلالا في شريعة نوح في سفر التكوين9 / 3: (كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع) فجميع الحيوانات في شريعة نوح صلى الله عليه وسلم كانت حلالا كالبقولات ونسخت شريعة موسى حلية بعضها فصارت حراما كما في سفر الأحبار (اللاويين) 11 / 4-8 وسفر التثنية 14 / 7-8 وفيما يلي نص فقرتي سفر التثنية : إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر ومما يشق الظلف المنقسم الجمل والأرنب والوبر لأنها تجتر لكنها لا تشق ظلفا فهي نجسة لكم والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس لكم فمن لحومها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا) .
• الجمع بين الأختين كان جائزا في شريعة يعقوب صلى الله عليه وسلم وقد جمع يعقوب بين الأختين ( ليئة وراحيل ) كما في سفر التكوين 29 / 15-35 ثم نسخت شريعة موسى صلى الله عليه وسلم حليته وصار الجمع بين الأٍختين حراما ففي سفر الأحبار (اللاويين) 18 / 18: ( ولا تأخذ امرأة على أختها للضرر لتكشف عورتها معها في حياتها) .
• الزواج بالمطلقة في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم يجوز أن يطلق الرجل امرأته لأي سبب وبعد خروجها من بيته يجوز لأي رجل آخر أن يتزوجها كما ورد في سفر التثنية 24 / 1-4 وفي شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم لا يجوز الطلاق إلا بسبب الزنا ولا يجوز لرجل آخر أن يتزوج هذه المطلقة والزواج بالمطلقة بمنزلة الزنا ففي إنجيل متى 5 / 31-32 : وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني) .
• وفي إنجيل متى 19 / 8-9 جواب عيسى للفريسيين : قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني ) فثبت من هذا النص أن النسخ وقع مرتين ويفهم ذلك من الفقرة الثامنة أي كان الطلاق قبل موسى حراما ثم نسخت حرمته وأبيح في شريعة موسى ثم نسخت الإباحة وصار حراما في شريعة عيسى بل هو بمنزلة الزنا