المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو النصرانية4


أ/أحمد
08-12-2012, 08:43 PM
إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح
• يستدل النصارى على ألوهية المسيح ببعض النقول الواردة في الأناجيل ومعظمها في إنجيل يوحنا وفيما يلي إيراد أدلتهم وإبطال استدلالهم بها :
دليلهم الأول : إطلاق لفظ ابن الله على المسيح صلى الله عليه وسلم.
وهذا الدليل باطل لوجهين :
أ‌- إطلاق لفظ ابن الله على المسيح معارض بإطلاق لفظ ابن الإنسان عليه ولفظ ابن داود أيضا انظر مثلا إطلاق لفظ ابن الإنسان في إنجيل متى 8 ، و9 / 6 ، و16 / 13 و27 ، و17 / 9 و12و22 ، و18 / 11 ، و19 / 28 ، و20 / 18 و28 ، و24 / 27 ، و26 و45 و64 .
وانظر مثلا إطلاق لفظ ابن داود في إنجيل متى 9 / 27 ، و12 ، و15 / 22 ، و20 و31 ، و21 / 9 و15 ، و22 / 42 وفي إنجيل مرقس 10 / 47 و48 وفي إنجيل لوقا 18 / 38 و39 وسلسلة نسب المسيح التي تنسبه إلى داود صلى الله عليه وسلم ثم إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم مذكورة في إنجيل متى 1 / 1-17 وفي إنجيل لوقا 3 / 23- 34 فإذا كان المسيح يرجع نسبه إلى الأنبياء المذكورين الذين هم من نسل الإنسان آدم صلى الله عليه وسلم.
ب‌- لفظ الابن في قولهم ابن الله لا يصح أن يكون بمعناه الحقيقي لأن المعنى الحقيقي للفظ الابن باتفاق جميع لغات أهل العالم هو المتولد من نطفة الأبوين وهو محال هاهنا فلابد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح صلى الله عليه وسلم أي بمعنى الإنسان الصالح البار والدليل المعنى المجازي قول قائد المائة الوارد في إنجيلي مرقس ولوقا ففي إنجيل مرقس 15 / 39 :( قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله ) وفي إنجيل لوقا 23 / 47 :(فلما رأى قائد المائة ما كان مجد الله قائلا بالحقيقة كان هذا الإنسان بارا ) فلفظ البار عند لوقا مكان لفظ ابن الله عند مرقس وبغض النظر عن هذا التناقض بين اللفظين بسبب التحريف المستمر الواقع في الأناجيل لإثبات ألوهية المسيح فعلى فرض صحة اللفظين ففيهما دليل على جواز إطلاق لفظ ابن الله على الإنسان الصالح البار وبخاصة أنه ورد في الموضعين وصف قائد المائة للمسيح بأنه إنسان .
ت‌- ورد في الأناجيل إطلاق لفظ ابن الله على غير المسيح من الصالحين كما ورد إطلاق لفظ ابن إبليس على فاعلي الشر ففي إنجيل متى 5 / 9 و44 و45 : طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون) ووقعت مكالمة بين المسيح صلى الله عليه وسلم وبين اليهود ويؤيد هذا الوجوب فقرات كثيرة منها فقرات رسالة يوحنا الأولى 3 و9 و10 : (كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله) .ومنها فقرتا رسالة يوحنا الأولى 5 / 1-2 : (1) كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله . وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا (2) بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه) .ومنها فقرة رسالة بولس إلى أهل رومية 8 / 14 :(لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ) .
ففي إنجيل لوقا 3 / 38 أطلق على آدم لفظ ابن الله وفي سفر الخروج 4 أطلق على إسرائيل لفظ الابن البكر لله وفي مزمور 89 / 26 و27 أطلق على داود لفظ البكر وأطلق على الله لفظ الأب له وفي سفر إرميا 31 / 9 أطلق على أفرام لفظ البكر وأطلق على الله لفظ الأب لإسرائيل وفي سفر صموئيل الثاني 7 / 14 أطلق على سليمان لفظ الابن لله وأطلق على الله لفظ الأب له فلو كان إطلاق لفظ : الابن على المسيح موجبا للألوهية لكان آدم وإسرائيل وأفرام وداود وسليمان أحق بالألوهية من المسيح لأنهم من آباء المسيح ولأنه أطلق على ثلاثة منهم لفظ الابن البكر وورد إطلاق لفظ أبناء الله على جميع بني إسرائيل في مواضع منها ما في سفر التثنية 14 / 1 و32 / 19 وفي سفر إشعياء 1 / 2 و30 / 1 ، و63 وفي سفر هوشع 1 / 10 في سفر إشعياء 63 / 16 و64 أطلق على الله لفظ الأب لجميع بني إسرائيل وفي سفر أيوب 38 / 7 :(وهتف جميع بني الله) وفي المزمور 68 / 5 :( أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله) .
دليلهم الثاني : أن المسيح من فوق وليس من هذا العالم فورد في إنجيل يوحنا 8 قول المسيح :(فقال لهم أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم )
فيظنون أن هذا القول يدل على أن المسيح إله نزل من عند الإله الآب الذي هو ليس من هذا العالم وهذا التأويل غير صحيح ومخالف للظاهر لأن عيسى صلى الله عليه وسلم كان من هذا العالم حقيقة ويرد على تأويلهم بوجهين :
الأول : هذا التأويل مخالف للبراهين العقلية وللنصوص الصريحة .
الثاني : عيسى صلى الله عليه وسلم قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضا ففي إنجيل يوحنا 15 / 19 : ( لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم) في هذه الفقرات سوى المسيح صلى الله عليه وسلم بين نفسه وبين تلاميذه في عدم كونهم من هذا العالم فلو كان هذا القول مستلزما لألوهية المسيح كما زعموا للزم أن يكون جميع التلاميذ آلهة وبما أن النصارى ينكرون ألوهية التلاميذ فثبت بطلان هذا التأويل
دليلهم الثالث : أن المسيح والآب واحد فورد في إنجيل يوحنا 10 قول المسيح :(أنا والآب واحد) فهذا القول بزعمهم يدل على اتحاد المسيح بالله فهو إله مثله والتأويل باطل بوجهين
الأول : المسيح صلى الله عليه وسلم عندهم هو إنسان ذو نفس ناطقة وليس بمتحد بهذا الاعتبار فهم يقولون باتحاد المسيح بالله باعتبار لاهوت المسيح لا باعتبار ناسوته ولما كان اسم المسيح عندهم يطلق على اللاهوت والناسوت معا بطل تأويلهم السابق . الثاني : مثل هذا وقع في حق الحواريين في إنجيل يوحنا 17 / 21-23 : ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني
فالأقوال الواردة في الفقرات دالة على اتحادهم ببعضهم وبالمسيح وسوى المسيح بين اتحاده بالله وبين اتحادهم فيما بينهم واتحادهم فيما بينهم ليس حقيقيا فكذا اتحاد المسيح بالله ليس حقيقيا والمعنى الصحيح هو طاعة أوامر الله والعمل بالأعمال الصالحات وهذا المعنى يشترك فيه المسيح والحواريون وجميع أهل الإيمان وإنما الفرق باعتبار القوة والضعف دليلهم الرابع : أن رؤية المسيح رؤية لله لأنه في الآب والآب فيه فقد ورد في إنجيل يوحنا 14 / 9-10 : الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال ) وهذا باطل بوجهين :
الأول : رؤية الله في الدنيا ممتنعة بنص أسفارهم فلا تكون رؤية المسيح رؤية لله حقيقة ويؤولون الرؤية بالمعرفة ومعرفة المسيح باعتبار الجسمية أيضا لا تفيد الاتحاد والصواب أن من رأى الأفعال التي يفعلها المسيح فكأنه رأى أفعال الله لأنها حصلت بأمره وإرادته .
الثاني : ورد مثل هذا في حق التلاميذ ففي إنجيل يوحنا 14 :( في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم) وورد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 6 / 19 :( أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم) فلو كان مثل هذا الكلام مشعرا بالحلول والاتحاد ومثبتا للألوهية للزم أن يكون الحواريون وجميع أهل كورنثوس وجميع أهل أفسس آلهة والحق أن التأويل الصحيح لهذه الفقرات أن يقال : إن حلول الله في أحد أو حلول أحد فيه وكذا حلول أحد في المسيح أو حلول المسيح فيه الوارد في هذه الفقرات يقصد به إطاعة أمرهما فمعرفة المسيح وطاعته بمنزلة معرفة الله وطاعته .

إثبات كون القرآن كلام الله ومعجزا ورفع شبهات القسيسين الواردة على القرآن وعلى الأحاديث
الأمور التي تدل على أن القرآن كلام الله تعالى ورفع شبهات القسيسين على القرآن.
1. القرآن في الدرجة العالية من البلاغة التي لم يعهد مثلها في كلام العرب وتقاصرت عنها درجات بلاغتهم والبلاغة هي التعبير باللفظ المعجب عن المعنى المناسب للمقام الذي أورد فيه الكلام بلا زيادة أو نقصان في البيان وتدل عليه بضعة أوجه :
أ‌- فصاحة العرب والعجم سواء كانوا شعراء أو كتاب أكثرها في وصف ما يشاهدون كوصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو طعنة أو غارة أو حرب ودائرة البلاغة في مثل هذه الأشياء متسعة جدا لأن طبائع أكثر الناس تميل إليها ويظهر من الشاعر أو الكاتب مضمون جديد ونكتة لطيفة ويكون المتأخر المتتبع واقفا على تدقيقات المتقدم غالبا والقرآن ليس في بيان خصوص هذه الأشياء ومع ذلك فيه من الفصاحة والبلاغة ما لم تعهده العرب في كلامهم .
ب‌- فصاحة العرب في شتى الأغراض لم تخل من الكذب حتى قيل أحسن الشعر أكذبه أما القرآن فجاء في غاية الفصاحة مع الصدق في جميعه والتنزه عن الكذب.
ت‌- الشاعر قد ينسب للفصاحة لبيت أو بيتين في قصيدة له وباقيها لا يكون كذلك أما القرآن فجاء كله في غاية الفصاحة التي يعجز الخلق عنها ومن تأمل في سورة يوسف وقصته صلى الله عليه وسلم عرف أنها مع طولها جاءت في الدرجة العالية من البلاغة .
ث‌- الكاتب إذا كرر مضمونا أو قصة لا يكون كلامه الثاني مثل الأول بينما تكررت المضامين القرآنية في قصص الأنبياء وأحوال المبدأ والمعاد والأحكام والصفات الإلهية واختلفت فيها العبارات إيجازا وإطنابا وغيبة وخطابا ومع ذلك جاءت هذه المضامين كلها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلا .
ج‌- القرآن فيه الأوامر والنواهي وإيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق والعمل للآخرة وتقديمها على الدنيا وكل ذلك في غاية الفصاحة علما أن أمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة وإذا قيل لشاعر فصيح أن يكتب بعض مسائل الفقه والعقائد في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والدقيقة يعجز عن ذلك .
ح‌- كل شاعر يحسن كلامه في فن ويضعف كلامه في غيره أما القرآن فجاء فصيحا على غاية الفصاحة في كل فن ترغيبا أو ترهيبا أو غيرها .
خ‌- القرآن يأتي باللفظ اليسير المتضمن للمعنى الكثير فسورة ص مثلا جمع في أولها أخبار الكفار وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم وخلافهم لمحمد وتكذيبهم له وتعجبهم مما أتى به وإجماع ملئهم على الكفر وظهور الحسد في كلامهم ووعيدهم بخزي الدنيا والآخرة وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم ووعيد قريش وأمثالهم مثل مصابهم وحمل النبي على الصبر على أذاهم وتسليته بقصص الأنبياء قبله وكل هذا الذي الذكر جاء بألفاظ يسيرة متضمنة لمعان كثيرة .
د‌- القرآن مشتمل على جميع فنون البلاغة من ضروب التأكيد وأنواع التشبيه والتمثيل وأصناف الاستعارة وحسن المطالع والمقاطع وحسن الفواصل والتقديم والتأخير والفصل والوصل اللائق بالمقام وخلوه عن اللفظ الركيك والشاذ الخارج عن القياس النافر عن الاستعمال ولا يقدر أحد من البلغاء الكملاء من العرب إلا على نوع أو نوعين من الأنواع المذكورة ولو رام نوعا غيره في كلامه لم يتأت له وكان مقصرا والقرآن محتو عليها كلها .
2. تأليف القرآن العجيب وأسلوبه الغريب في المطالع والمقاطع والفواصل مع اشتماله على دقائق البيان وحقائق العرفان وحسن العبارة ولطف الإشارة وسلاسة التركيب وسلامة الترتيب فتحيرت فيه عقول العرب العرباء والحكمة في هذه المخالفة أن لا يبقى لمتعسف عنيد مظنة السرقة وأن يمتاز هذا الكلام عن كلامهم ويظهر تفوقه لأن البليغ ناظما كان أو ناثرا يجتهد في هذه المواضع اجتهادا كاملا ويمدح ويعاب عليه غالبا في هذه المواضع وقد عيب على جميع فحول الشعراء مواضع لم يحسنوا فيها العبارة أو كانت مسروقة عن غيرهم وأشراف العرب مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وشدة عداوتهم للإسلام لم يجدوا في بلاغة القرآن وحسن نظمه مجالا ولم يوردوا في القدح مقالا بل اعترفوا أنه ليس من جنس خطب الخطباء ولا شعر الشعراء فنسبوه تارة إلى السحر تعجبا من فصاحته وحسن نظمه وقالوا تارة إنه إفك افتراه وأساطير الأولين وهذه كلها دأب المحجوج المبهوت فثبت أن القرآن معجز ببلاغته وفصاحته وحسن نظمه وكان فصحاء العرب وبلغاؤهم كثيرين ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية وبتهالكهم على المباراة والمباهاة والدفاع عن الأحساب فكيف يتصور أن يتركوا الأمر الأسهل الذي هو الإتيان بمقدار أقصر سورة من القرآن ويختاروا الأشد الأصعب الذي هو القتال وبذل الأرواح والأموال والرسول صلى الله عليه وسلم يقرعهم ويتحداهم بمثل قوله تعالى في سورة البقرة آية 23-24 : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }.
3. كون القرآن منطويا على الأخبار عن الحوادث الآتية في المستقبل فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر
4. ورد في القرآن أخبار القرون السالفة والأمم الهالكة ومعلوم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولم يشتغل بمدارسة مع العلماء ونشأ بين قوم يعبدون الأصنام ولا يعرفون الكتاب وليس لديهم شيء من العلوم العقلية ولم يغب عن قومه غيبة يمكن له فيها التعلم من غيرهم والمواضع التي خالف فيها القرآن كتب أهل الكتاب في بيان بعض القصص والحالات هي مخالفة قصدية لبيان الحق الذي انحرف عنه أهل الكتاب لأنهم فقدوا النسخ الأصلية لكتبهم والذي بين أيديهم فاقد للسند المتصل وفاقد لصفة الوحي والإلهام قال تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
5. ورد في القرآن كشف أسرار المنافقين حيث كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر وكان الله يطلع رسوله على تلك الأحوال حالا فحالا ويخبره عنها على سبيل التفصيل فما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق ولم يستطيعوا أن ينكروا خبر القرآن عنهم وما فيه من كشف أحوال اليهود وضمائرهم .
6. ورد في القرآن من المعارف الجزئية والعلوم الكلية ما لم تعهده العرب عامة ولا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ففيه علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقلية والرد على أهل الضلال والسير والمواعظ والحكم والأمثال وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الآداب والشيم وقد انبثقت من القرآن علوم كثيرة أهمها علم العقائد والأديان والفقه والأحكام والسلوك والأخلاق .
7. كونه بريئا عن الاختلاف والتفاوت مع أنه كتاب كبير مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم فلو كان هذا القرآن من عند غير الله لوقع فيه أنواع من الكلمات المتناقضة لأن الكتاب الكبير لا ينفك عن ذلك ولما لم يوجد فيه أدنى اختلاف علمنا علما يقينيا أنه من عند الله كما قال تعالى { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } .
8. القرآن معجزة باقية متلوة في كل مكان لأن الله تكفل بحفظه بخلاف معجزات الأنبياء السابقين فمؤقتة في حياتهم وانقضت بوفاتهم لكن معجزة القرآن باقية على ما كانت عليه من وقت نزوله وإلى زماننا هذا ومازالت حجته قاهرة ومعارضته ممتنعة فبلاد العالم مملوءة بالملاحدة والمخالفين العنيدين من كل ملة ونحلة وكلهم عاجزون عن الإتيان بمقدار أقصر سورة من هذا القرآن وستبقى هذه المعجزة إن شاء الله ما بقيت الدنيا وأهلها .
9. قارئ القرآن لا يسأمه وسامعه لا يمله بل تكراره يوجب زيادة محبته وغيره من الكلام مهما كان بليغا فتكراره يمل في السمع ويكره في الطبع بخلاف القرآن الكريم فالهيبة تعتري تاليه والخشية تلحق قلوب سامعيه وهذه قد تكون لمن لا يفهم معانيه ولا يفهم تفسيره بل ولمن لا يعرف اللغة العربية أيضا .
10. القرآن يحفظ نصه بسهولة بالغة كما قال تعالى { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } فحفظه ميسر على الأولاد الصغار في أقرب مدة وحفاظ القرآن منتشرون في الأقطار بحيث يمكن أن يكتب القرآن كاملا من حفظ كل منهم دون وقوع الغلط في الإعراب فضلا عن الألفاظ بينما لا يوجد في كل ديار النصارى واحد يحفظ الإنجيل فضلا عن حفظ كتب العهدين وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولكتابها القرآن.
ثلاثة أسئلة وجوابها : السؤال الأول : ما سبب كون معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جنس البلاغة ؟ الجواب : بعض المعجزات تظهر في كل زمان من جنس ما يغلب على أهل ذلك الزمان لأنهم يكونون بلغوا فيه الدرجة العليا ويقفون على الحد الذي يمكن للبشر الوصول إليه فإذا شاهدوا ما هو خارج عن الحد المذكور علموا أنه من عند الله فمثلا عندما رأى سحرة فرعون في زمان موسى صلى الله عليه وسلم أن عصاه انقلبت ثعبانا يتلقف سحرهم علموا أن هذا الأمر خارج عن حد صناعة السحر وأنه معجزة لموسى من عند الله فآمنوا به وبمن أرسله وفي زمان صلى الله عليه وسلم كان علم الطب متقدما فلما رأى أهل ذلك الزمان إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص علموا أنها ليست من حد صناعة الطب وإنها معجزة لعيسى من عند الله ليؤمنوا برسالته ويتبعوه وفي زمان محمد صلى الله عليه وسلم كانت البلاغة قد وصلت إلى الدرجة العليا وكان بها فخارهم نثرا وشعرا فلما أتى صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الذي أعجز جميع البلغاء علم أنه من عند الله قطعا وأن من لم يؤمن به فهو عنيد مستكبر .
السؤال الثاني : ما حكمة نزول القرآن منجما مفرقا ولم ينزل دفعة واحدة ؟
الجواب :
أ‌- إن لنزول القرآن منجما حكما كثيرة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة فلو نزل عليه القرآن جملة واحدة لصعب عليهم حفظه وضبطه وربما تساهلوا فيه فكان نزوله مفرقا أنسب لهم حيث تمكن الصحابة بالتدريج من حفظه وضبطه وتعلمه وكتابته وبقيت سنة الحفظ جارية في أمته .
ب‌- كثير من آيات القرآن نزلت في وقائع وأحداث معنية حلا لمشكلة أو جوابا على سؤال أو بيانا لحكم فلو نزل عليه القرآن جملة واحدة لم يتضح المراد بها فكان نزولها مفرقة مقترنة بالوقائع والأحداث أبلغ أثرا في النفوس وأوضح في المراد بها .
ت‌- لو أنزل الله عليه الكتاب جملة واحدة لكانت التكاليف قد نزلت على المسلمين دفعة واحدة ولثقل عليهم العمل بها وبخاصة أن فيها الناسخ والمنسوخ ولكن لما كان نزول القرآن مفرقا فالتكاليف نزلت بالتدريج قليلا قليلا فكان تحملها أسهل .
ث‌- نزول القرآن منجما يقتضي أن يشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال فيقوى قلبه على أداء الرسالة ويصبر على أذية القوم .
ج‌- نزول القرآن منجما أشد تعجيزا لهم أي إنهم في غاية العجز بحيث إنهم لم يقدروا على الإتيان بمثله منجما مفرقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحداهم من أول الأمر فكأنه تحداهم بكل واحد من نجوم القرآن فلما عجزوا عنه كان عجزهم عن معارضة الكل أولى فثبت بهذا الطريق أن القوم عاجزون عن المعارضة عجزا تاما من جميع الوجوه
السؤال الثالث : ما سبب تكرار بيان التوحيد وحال القيامة وقصص الأنبياء في عدة مواضع ؟ الجواب : إن للتكرار في القرآن عدة أسباب منها :
أ‌- التكرار يفيد التقرير والتأكيد .
ب‌- إعجاز القرآن لما كان باعتبار البلاغة وتحداهم بهذا الاعتبار فجاء تكرار القصص وغيرها بعبارات مختلفة إيجازا وإطنابا مع حفظ الدرجة العالية للبلاغة في كل مرتبة ليعلم أن القرآن ليس بكلام البشر لأن البلغاء يعرفون أن هذا الأمر خارج عن القدرة البشرية .
ت‌- المخالفون للرسول صلى الله عليه وسلم كان لهم أن يقولوا له إن الألفاظ الفصيحة التي كانت مناسبة لهذه القصة قد استعملتها ولا تناسبها الألفاظ الأخرى أو أن يقولوا له إن طريق كل بليغ يخالف طريق الآخر فبعضهم يقدر على الطريق المطنب وبعضهم يقدر على الطريق الموجز فلا يلزم من عدم القدرة على نوع عدم القدرة مطلقا أو أن يقولوا له إن دائرة البلاغة ضيقة في بيان القصص والذي صدر عنك بيانه منها محمول على البخت والاتفاق لكن تكرار القصص إيجازا وإطنابا يقطع جميع أعذارهم .
ث‌- كان صلى الله عليه وسلم يضيق صدره بإيذاء قومه له كما قال تعالى في سورة الحجر { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } فيثبت الله قلبه بأن يقص عليه من قصص الأنبياء السابقين مناسبة لحاله في ذلك الوقت
ج‌- أن أقواما كانوا يدخلون في الإسلام والمسلمين كان يحصل لهم الأذى بأيدي الكفار فكان الله ينزل في كل موضع من هذه القصص ما يناسبه لأن حال السلف تكون عبرة للخلف وقد يكون المقصود أحيانا تنبيه الكفار فالقصة الواحدة قد تذكر تارة ويقصد بها بعض الأمور قصدا وبعضها تبعا وتُذكر تارة أخرى وتُعكس المقاصد .

ذكر أبرز شبهتين يوردهما المنصّرون على القرآن الكريم : الشبهة الأولى قولهم : ( لا نسلم بأن عبارة القرآن في الدرجة القصوى من البلاغة الخارجة عن العادة ولو سلمنا ذلك لكان دليلا ناقصا على الإعجاز لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة بلغة العرب ويلزم أن تكون من كلام الله جميع الكتب البليغة التي في اللغات الأخرى كاليونانية واللاتينية وغيرهما ويمكن أن تؤدّى المطالب الباطلة والمضامين القبيحة بألفاظ فصيحة وعبارات بليغة في الدرجة القصوى) .
الجواب
• عدم تسليمهم كون عبارة القرآن في الدرجة العليا من البلاغة هو مكابرة محضة لما مر في الأمر الأول والثاني من الفصل السابق وقولهم : (لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة بلغة العرب ) حق لكن هذه المعجزة لما كانت لتعجيز البلغاء والفصحاء وقد ثبت عجزهم ولم يعارضوها واعترفوا بها وعرفها جميع أهل اللغة العربية بسليقتهم وعرفها العلماء بمهارتهم في فن البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام فالعوام يكفيهم اعتراف العلماء بالعجز عن معارضة القرآن وبه تقوم الحجة عليهم لأن عجز العلماء والفصحاء يوجب عجز غيرهم من باب أولى ثم إن الأمم غير العربية يكفيهم اعتراف العرب بعجزهم عن معارضة القرآن الذي هو بلغتهم فتقوم عليهم الحجة أيضا بالإضافة إلى أنه يوجد في هذه الأمم من يتكلمون اللغة العربية ويجيدون علومها فشهادتهم ببلاغة القرآن وأنه كلام الله حجة على سائر أقوامهم لأن من كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجاز القرآن وفنون بلاغته وبهذا ثبت يقينا أن بلاغة القرآن معجزة قاهرة ودليل كامل لا ناقص كما زعموا ثم إن أهل الإسلام لا يدعون أن معجزة القرآن منحصرة في بلاغته فقط بل يقولون إن بلاغة القرآن سبب واحد من أسباب كثيرة توجب علما قطعيا بأنه كلام الله وهذه المعجزة ظاهرة وعجز المخالفين ثابت منذ زمان محمد صلى الله عليه وسلم وإلى هذا الزمان وقولهم ( ويلزم أن تكون من كلام الله جميع الكتب البليغة التي في اللغات الأخرى ) غير مسلَّم لأن هذه الكتب لم تثبت بلاغتها في الدرجة القصوى باعتبار الوجوه التي مر ذكرها في الأمر الأول والثاني من الفصل السابق ولأن مصنفي هذه الكتب لم يدعوا إعجازها ولا أن الفصحاء أمثالهم عاجزون عن معارضتها فكيف يدّعي القساوسة هذا الادعاء وهم لا يميزون غالبا في لغة غيرهم بين المذكر والمؤنث ، ولا بين المفرد والمثنى والجمع ، ولا بين المرفوع والمنصوب والمجرور فضلا عن أن يميزوا الأبلغ عن البليغ ويشهد لهذا الأمر أن البابا أربانوس الثامن أذِن للأب سركيس الهاروني مطران الشام أن يجمع كثيرا من القساوسة والرهبان والعلماء المختصين باللغات العبرانية والعربية واليونانية لإصلاح الترجمة العربية التي كانت مملوءة بالأغلاط الكثيرة فاجتهدوا في هذه المهمة اجتهادا تاما سنة 1625م ولكن هذه الترجمة التي اجتهدوا في إصلاحها وقع في نصوصها أغلاط كثيرة بحيث إنهم اضطروا في المقدمة التي كتبوها لهذه الترجمة إلى الاعتذار عن بعض الأغلاط الواقعة فيها كوجود كلام لا يوافق قوانين اللغة بل يضادها وكوقوع لفظ المذكر بدل المؤنث والعدد المفرد بدل الجمع وكوضع حركة الرفع مكان الجر والنصب في الاسم ومكان الجزم في الفعل وقالوا في اعتذارهم إن روح القدس لم يُردْ أن يقيد اتساع الكلمة الإلهية بالحدود المضيقة التي حدتها الفرائض النحوية فقدم لنا الأسرار السماوية بغير فصاحة وبلاغة وقولهم : (ويمكن أن تؤدَّى المطالب الباطلة والمضامين القبيحة بألفاظ فصيحة وعبارات بليغة في الدرجة القصوى) لا ورود له في حق القرآن لأنه مملوء من أوله إلى آخره بذكر المطالب العالية الفاضلة والمضامين الحميدة مثل :
1. ذكر صفات الكمال لله وتنزيهه عن صفات النقص كالعجز والجهل والظلم وغيرها .
2. الدعوة إلى إخلاص التوحيد لله والتحذير من الشرك والكفر بجميع أنواعه والتثليث نوع منه .
3. ذكر الأنبياء وصفاتهم وتنزيههم عن عبادة الأوثان والكفر وغيرها من المعاصي ومدح المؤمنين بهم وذم أعدائهم والتأكيد على وجوب الإيمان بهم عموما وبالمسيح وبمحمد صلى الله عليه وسلم خصوصا
4. الوعد بغلبة المؤمنين على الكافرين عاقبة الأمر .
5. ذكر القيامة والجنة والنار وجزاء الأعمال وذم الدنيا ومدح العقبى .
6. بيان الحلال والحرام والأوامر والنواهي وسائر الأحكام في المطعومات والمشروبات وفي الطهارة والعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية وغيرها .
7. التحريض على محبة الله وأوليائه والزجر عن مصاحبة الفجار والفساق .
8. التأكيد على إخلاص النية لله في كل شيء والتهديد على الرياء والسمعة .
9. التأكيد على الأخلاق الجميلة ومدحها والتهديد على الأخلاق الذميمة وذمها والتنفير منها .
10. الوعظ المؤدي للتقوى والترغيب في ذكر الله وعبادته .

• لاشك أن مثل هذه المطالب الفاضلة محمودة عقلا ونقلا وجاء ذكر هذه المطالب العالية مكررا في القرآن للتأكيد عليها وتقريرها ولو كانت هذه المطالب والمضامين العالية قبيحة فأي مضمون بعدها يكون حسنا
• لا يوجد في القرآن الكريم مضامين قبيحة كالتي في كتب العهدين مثل :
1. ما ورد في سفر التكوين 19 / 30-38 أن لوطا صلى الله عليه وسلم زنى بابنتيه وحملتا بهذا الزنا .
2. ما ورد في سفر صموئيل الثاني 11 / 1-27 أن داود صلى الله عليه وسلم زنى بزوجة أوريّا ثم قتله بالحيلة وتزوجها.
3. ما ورد في سفر الخروج 32 / 1-6 أن هارون صلى الله عليه وسلم صنع العجل لبني إسرائيل وعبده معهم.
4. ما ورد في سفر الملوك الأول 11 / 1-13 أن سليمان صلى الله عليه وسلم ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها .
5. ما ورد في سفر الملوك الأول 13 / 11-30 أن النبي الذي في بيت إيل كذب على الله في التبليغ وخدع بكذبه نبيا آخر وألقاه في غضب الرب .
6. ما ورد في سفر التكوين 38 / 12-30 أن يهوذا بن يعقوب صلى الله عليه وسلم زنى بكنّته ثامار أي زوجة ابنه عير فولدت منه بهذا الزنا فارص الذي من نسله داود وسليمان وعيسى صلى الله عليه وسلم فكلهم أولاد ولد الزنا .
7. ما ورد في سفر التكوين 35 أن رأوبين بن يعقوب صلى الله عليه وسلم زنى ببلهة سُرّيّة أبيه ولما علم بهما ( أي يهوذا ورأوبين ) أبوهما يعقوب لم يُقم عليهما الحد ودعا ليهوذا بالبركة التامة .
8. ما ورد في سفر صموئيل الثاني 13 / 1-39 أن أمنون بن داود صلى الله عليه وسلم زنى بأخته ثامار وعلم بهما أبوهما داود ولم يُقم عليهما الحد .
9. ما ورد في الأناجيل ( متى 26 / 14-16 ومرقس 14 / 10-11 ولوقا 22 / 3-6 ويوحنا 18 / 1-5) أن يهوذا الإسخريوطي الذي هو أحد الحواريين الاثني عشر رضي بتسليم عيسى صلى الله عليه وسلم لليهود مقابل ثلاثين درهما والنصارى يعتقدون أن الحواريين أنبياء ورسل للإله المصلوب .
10. ما ورد في الأناجيل ( متى 26 / 57-68 ومرقس 14 / 53-65 ولوقا 22 / 54-71 ويوحنا 18 / 12-24) أن قَيَافَا رئيس الكهنة والذي كان نبيا بشهادة يوحنا الإنجيلي كذّب عيسى وكفّره وأهانه وأفتى بقتله وعيسى في زعمهم هو إله قَيَافَا أي أفتى النبي بقتل إلهه بعدما كفّره وأهانه .
الشبهة الثانية قولهم : ( إن القرآن يخالف كتب العهدين القديم والجديد في مواضع عديدة ، فلا يكون كلام الله) . الجواب كتب العهدين لم تثبت أسانيدها المتصلة إلى مصنفيها وثبت أنها مملوءة من الاختلافات المعنوية والأغلاط الكثيرة وثبت وقوع التحريف القصدي فيها بالزيادة على المتن وبالنقصان منه وبالتبديل في الجمل والكلمات فمخالفة القرآن لكتبهم في مواضع عديدة هي مخالفة قصدية لا سهوية لأجل التنبيه على أن ما خالف القرآن في هذه الكتب هو غلط ومحرَّف فالمخالفة لا تعيب القرآن بل يُقطع بصحته وخطئها ونستطيع أن نحصر المخالفة التي بين القرآن وبين كتب العهدين في ثلاثة أنواع الأول منها باعتبار الأحكام المنسوخة والثاني منها باعتبار بعض الحالات التي جاء ذكرها في القرآن ولم تذكر في كتب العهدين والثالث منها باعتبار أن ما جاء في القرآن في بيان بعض الحالات يخالف بيان نفس الحالات في كتب العهدين ولا حجة لهم في الطعن على القرآن الكريم باعتبار هذه الأنواع الثلاثة لما يلي
• باعتبار الأحكام المنسوخة فلأن النسخ لا يختص بالقرآن بل وُجد في الشرائع السابقة واعترف الدكتور القسيس فندر في المناظرة الكبرى التي جرت بينه وبين الشيخ رحمت الله بوقوع النسخ في التوراة والإنجيل وكان قبل المناظرة ينكر بشدة وقوعه فيهما .
• باعتبار بعض الحالات التي انفرد القرآن بذكرها ولم تذكر في كتب العهدين فالمخالفة لا تنفي أن القرآن كلام الله لأنه وُجد في كتب العهد الجديد حالات لم تذكر في كتب العهد القديم فانفراد العهد الجديد بذكرها لم يستلزم كونه معيبا في نظرهم وفيما يلي بعض الأمثلة لذلك :

1. ورد في الفقرة 9 من رسالة يهوذا:(وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس مُحاجًّا عن جسد موسى . .) فهذه المخاصمة بينهما لم تذكر في كتاب من كتب العهد العتيق .
2. ورد في الرسالة إلى العبرانيين 12 : ( وكان المنظر هكذا مخيفا حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد) وورد صعود موسى إلى جبل سيناء ووقوف الشعب عند أسفل الجبل في سفر الخروج 19 / 7-25 وليس فيه ولا في غيره من أسفار العهد العتيق هذه الفقرة .
3. ورد في رسالة بولس الثانية إلي تيموثاوس 3 : (وكما قاوم يَنِّيسُ ويَمْبِرِيسُ موسى ) ووردت قصة سحرة فرعون في الأصحاح السابع من سفر الخروج وليس فيه ولا في غيره من الأسفار هذه العبارة ولا أثر لهذين الاسمين في أي كتاب من كتب العهد القديم .
4. ورد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 15 / 6 ظهور المسيح بعد رفعه : (وبعد ذلك ظهر دَفْعَةً واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا) ولا يوجد أثر لهذا الخبر في الأناجيل الأربعة ولا في سفر أعمال الرسل مع أن لوقا أحرص الناس على كتابة مثل هذه الأمور العجيبة .
5. يوجد في الأناجيل ذكر القيامة وجزاء الأعمال والجنة والجحيم وذلك بالإجمال ولا أثر لذلك في كتب موسى الخمسة بل كل ما فيها مواعيد دنيوية للمطيعين وتهديدات دنيوية للعاصين .
6. ورد في إنجيل متى 1 / 13-15 بعد اسم زَرُبّابل تسعة أسماء في بيان نسب المسيح صلى الله عليه وسلم ولا ذكر لهذه الأسماء في كتاب من كتب العهد القديم .
• باعتبار أن بيان بعض الحالات في القرآن مختلف عن بيانها في كتب العهدين فلا حجة لهم في ذلك أيضا لأن اختلافات فاحشة جدا وقعت بين كتب العهد العتيق بعضها مع بعض وبين كتب العهد الجديد بعضها مع بعض وبين كتب العهد الجديد والعهد القديم كما مر في الباب الأول والنسخ الثلاث للتوراة (العبرانية والسامرية واليونانية) مختلفة فيما بينها اختلافات كبيرة والأناجيل الأربعة ( متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) مختلفة فيما بينها اختلافات كبيرة أيضا لكن القسيسين يغمضون أعينهم عما في كتبهم من الاختلافات ويتوجهون للطعن في القرآن لتغليط عوام المسلمين بهذه الشبهة ومخالفة القرآن لكتبهم لا تضره لأنه كتاب مستقل موحى به من الله بل هذه المخالفة أكبر دليل قطعي على صدقه وعلى وجود التحريف في كتبهم .
دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية
الشبهة الأولى قولهم : ( إن رواة الأحاديث هم أزواج محمد صلى الله عليه وسلم وأقرباؤه وأصحابه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه) .
الجواب رواة حالات المسيح وأقواله المندرجة في هذه الأناجيل المعروفة الآن هم أصحابه وتلاميذه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يبالغ أحد منهم كما بالغ الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله ( يوحنا 21 / 25) فقال :( وأشياء أُخَرُ كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة) ولا شك أن هذا الكلام كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة ولا يكون دافعا للعقلاء إلى الإيمان لكنه قد يخدع السفهاء وليس للقسيسين حجة فيما تتفوّه به فرقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في حق الصحابة أجمعين لأنه وجدت بعض فرق النصارى تقول أقوالا وتعتقد اعتقادات جعلت القسيسين يحكمون على هذه الفرق بالكفر والابتداع كقولهم بأن الإله إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وأن إله الشر هو الذي أعطى التوراة لموسى وأن عيسى نزل إلى الجحيم وأخرج منها كل الأرواح الشريرة وأبقى فيها أرواح الصالحين وأن الذي كلم موسى وخدع أنبياء اليهود هو الشيطان وأن جميع أنبياء بني إسرائيل هم سُرّاق ولصوص وهكذا أقوال أخرى لهذه الفرق المبتدعة ولا شك أن النصارى ينكرون مثل هذه الأقوال والاعتقادات الكفرية ويقولون إن أقوال هذه الفرق لا تقوم بها الحجة على سائر النصارى فنقول لهم أيضا : إذا لم تتم أقوال هذه الفرق عليكم فلا تتم أقوال بعض الفرق الإسلامية على جمهور أهل الإسلام ولا تقوم بها الحجة ولاسيما إذا كانت هذه الأقوال مخالفة لنصوص القرآن ولأقوال بعض الأئمة من آل البيت ففي القرآن الكريم آيات كثيرة مصرحة بأن الصحابة لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الإيمان
الشبهة الثانية قولهم : ( إن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول ولا شاهدوا معجزاته بأعينهم ولا سمعوا أقواله منه مباشرة بلا واسطة بل سمعوها بالتواتر بعد مائة أو مائتي سنة من وفاته ثم جمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار) .
الجواب جمهور أهل الكتاب سلفا وخلفا كانوا يعتبرون الروايات اللسانية الشفوية كالمكتوب بل جمهور اليهود يعتبرونها اعتبارا أزيد وأحسن من المكتوب أما فرقة الكاثوليك فتعتبر الروايات الشفوية مساوية للمكتوب وتعتقد أن كليهما واجب التسليم وأصل للإيمان .
موقف اليهود من الروايات الشفوية :
• إن اليهود يقسمون قانونهم على نوعين مكتوب ويقولون له : التوراة وغير مكتوب ويقولون له الروايات اللسانية الشفوية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ ويدعون أن الله قد أعطى موسى كلا النوعين على جبل الطور فوصل إليهم أحدهما بواسطة الكتابة ووصل ثانيهما بواسطة المشايخ بأن تناقلوه شفويا جيلا بعد جيل ويعتقدون أن كليهما متساويان في المرتبة ومن عند الله ويجب قبولهما بل يرجحون الروايات الشفوية على المكتوبة ويقولون إن القانون المكتوب ناقص ومغلق في كثير من المواضع ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الروايات الشفوية اللسانية لأنها أوضح وأكمل وتشرح القانون المكتوب وتكمله ولهذا يردون معاني القانون المكتوب (التوراة) إذا كانت مخالفة للروايات اللسانية الشفوية .
• اشتهر فيما بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية فكأنهم بهذه الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات وإن كان هذا المعنى الروائي مخالفا لمواضع كثيرة من كلام الله المكتوب ووصلت حالة اليهود في زمان عيسى إلى حد الإفراط حتى عظموا هذه الروايات أكثر من المكتوب ووبخهم عيسى في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم ويوجد في كتبهم أن ألفاظ المشايخ الشفوية اللسانية أحب من ألفاظ التوراة وألفاظ التوراة بعضها جيد وبعضها غير جيد لكن ألفاظ المشايخ كلها جيدة وأجود جدا من ألفاظ الأنبياء وهكذا أقوال أُخَرُ يُعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أكثر من القانون المكتوب ويفهمون القانون المكتوب على حسب ما تشرحه الروايات اللسانية الشفوية فكأن القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت والروايات اللسانية الشفوية بمنزلة الروح التي بها الحياة .
• يقولون : إن الله أعطى موسى التوراة وأمره بكتابتها ( فهي القانون المكتوب) وأعطاه أيضا معاني التوراة وأمره بتبليغها دون الكتابة (فهي القانون اللساني الشفوي) فجاء بهما موسى من الجبل وبلغ القانونين المكتوب والشفوي إلى هارون وابنيه والمشايخ السبعين ثم أخبر هؤلاء سائر بني إسرائيل وبقيت الروايات الشفوية تتناقل بالألسنة إلى أن بدأ بجمعها الربي يهوذا حق دوش ( يوضاس) حوالي سنة 150م ومكث في جمعها أربعين سنة بمشقة كبيرة ثم دونها في كتاب سماه المشنا فالمشنا يضم الروايات الشفوية التي تناقلها المشايخ بألسنتهم حوالي سبعة عشر قرنا بعد موسى صلى الله عليه وسلم ويعتقدون أن كل ما فيه هو من عند الله مثل القانون المكتوب وواجب التسليم والقبول مثله .
• كتب علماء اليهود شرحين على كتاب المشنا أحدهما في القرن الثالث (وقيل الخامس) الميلادي في أورشليم القدس والثاني في بداية القرن السادس الميلادي في بابل ويسمى الشرح ( كمرا) أي الكمال لأنهم يعتقدون أن التوضيح التام لمتن المشنا حصل في هذين الشرحين فإذا جُمع المتن والشرح مشنا + كمرا يقال لهذا المجموع التلمود ويقال للتمييز تلمود أورشليم وتلمود بابل وهذا الشرح ( كمرا) مملوء بالحكايات الواهية لكنه معظم عند اليهود ويدرسونه ويرجعون إليه في كل مُشْكِل مذعنين بأنه مرشد لهم مذهب اليهود الآن وعقيدتهم تؤخذ من هذين التلمودين البعيدين عن التوراة وعن سائر كتب الأنبياء ويقدمون تلمود بابل على تلمود أورشليم .
• إذا كان اليهود قد تناقلوا الروايات اللسانية الشفوية سبعة عشر قرنا ويقدمونها على التوراة علما أنهم تعرضوا خلال هذه المدة لآفات عظيمة ودواهٍ جسيمة أضاعت كتبهم المكتوبة ففقدت إسنادها وتواترها ومع ذلك يعدون الروايات اللسانية هي مبنى إيمانهم وأصل عقائدهم فكيف يجوز الطعن في الأحاديث الشريفة المكتوبة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرن أو قرنين .
موقف جمهور قدماء النصارى من الروايات الشفوية :
• ذكر يوسي بيس في تاريخه أن كليمنس عندما بيّن حال يعقوب الحواريّ نقل حكايات عن الروايات اللسانية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد ونقل في حق يوحنا الحواريّ حكايات أخذها من المحفوظ في الصدور وهو (أي كليمنس ) اعترف أنه كان ينقل الروايات اللسانية من عدة شيوخ أحدهم سُرياني في اليونان وثانيهم آشوري في المشرق وثالثهم عبراني في فلسطين ولكن الشيخ الذي نقل عنه الروايات اللسانية وكان أفضل من المشايخ كلهم ولم يطلب شيخا آخر بعده هو الشيخ الذي كان مختفيا في مصر .
• ذكر يوسي بيس أيضا أن أرينيوس كتب ما وصل إليه بالرواية اللسانية من بوليكارب وكانت الكنيسة تبلغ عن بوليكارب بالرواية اللسانية وكان أرينيوس يفتخر أنه لا يكتب في القرطاس وإنما تعوّد من قديم الأيام أن يحتفظ بالأحاديث في صدره وذكر أن أكناثيوس عندما مر في آسيا الصغرى قوّى الكنائس المختلفة وأوصاهم باللصوق بالروايات اللسانية لصوقا قويا وأن بيبيس كتب جميع الأشياء التي وصلت إليه من المشايخ وأتباعهم لأن الفائدة التي حصلت له من ألسنة الأحياء لم تحصل له من الكتب وأن المؤرخ المشهور هجيسي بوس كتب مسائل الحواريين التي وصلت إليه بالرواية اللسانية بعبارة سهلة في خمسة كتب وأن أساقفة كثيرين قبلوا روايات لسانية كثيرة في باب عيد الفصح قدمها لهم بعض الأشخاص فكتبها الأساقفة في كتاب وأرسلوا نقوله إلى الكنائس لإلزام الناس بها وأن كليمنس اسكندر يانوس الذي كان من أتباع تابعي الحواريين ألف كتابا في بيان عيد الفصح استجابة لرغبة الأحباء الذين طلبوا منه تدوين الروايات اللسانية التي سمعها من الأساقفة
• ذكر جان ملنر الكاثوليكي في رسالته العاشرة التي كتبها إلى جيمس برون أن مبنى إيمان الكاثوليك ليس كلام الله المكتوب فقط بل أعم من ذلك مكتوبا أو غير مكتوب أي الكتب المقدسة والروايات اللسانية على ما تشرح به كنيسة الكاثوليك فأرينيوس بيّن أن أسهل أمر لطالبي الحق هو أن يتفحصوا الروايات اللسانية لأنه وإن كانت ألسنة الأقوام مختل لكن حقيقة الرواية اللسانية متحدة والروايات اللسانية المنقولة عن الحواريين جيلا بعد جيل كلها محفوظة في كنيسة الروم الكاثوليك لأن الحواريين سلموها للناس والناس سلموها للكنيسة الكاثوليكية .
• ذكر ملنر في نفس الرسالة أن ترتولين قال بأن عادة أهل البدعة أنهم يتمسكون بالكتب المقدسة ويرفضون الروايات اللسانية ليلقوا الضعفاء في شباكهم وليوقعوا المتوسطين في الشك ولذلك لا نسمح لهؤلاء أن يستدلوا في مناظراتهم بالكتب المقدسة لأن المباحثة المستندة إلى الكتب المقدسة لا يحصل منها فائدة سوى وجع الدماغ والبطن ولو حصل شيء يكون ناقصا لأن جميع أحكام الدين المسيحي وعقائده التي صرنا بسببها مسيحيين منقولة بالروايات اللسانية .
• ذكر ملنر عن أوريجن قوله : لا يليق بنا تصديق الناس الذين ينقلون عن الكتب المقدسة ونترك الروايات اللسانية التي تبلغها لنا كنيسة الله .
• ذكر عن باسيليوس أن المسائل الكثيرة المحفوظة في الكنيسة للوعظ بها أخذت بعضها من الكتب المقدسة وبعضها من الروايات اللسانية وقوتهما في الدين متساوية
• ذكر عن ابيفانس في رده على المبتدعين أنه حض على استعمال الروايات اللسانية لأن جميع الأشياء لا توجد في الكتب المقدسة .
• ذكر عن كريزاستم أن الحواريين لم يبلغوا كل شيء بواسطة الكتابة بل بلغوا أشياء كثيرة بالروايات اللسانية وكلتاهما متساويتان في الاعتبار فإن الروايات اللسانية هي منشأ الإيمان وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية لا نطلب دليلا آخر .
• ذكر عن أكستاين أن بعض المسائل ليس لها سند تحريري وإنما تؤخذ من الرواية اللسانية لأن الأشياء الكثيرة تسلمها الكنيسة العامة وهي ليست بمكتوبة وقد أورد الربي موسى قدسي شواهد كثيرة على أن الكتاب المقدس لا يُفهم بدون الرواية اللسانية .
• ذكر الدكتور بريت أن الأشياء التي لها دخل في النجاة ليست كلها مكتوبة لأن الحواريين بلّغوا أحاديث كتابة وبلّغوا أحاديث أخرى بالرواية اللسانية والويل للذين لا يأخذون بهما لأن الأحاديث اللسانية في أمر الإيمان سند كالمكتوب .
*ذكر أسقف مونيك أن التقرير اللساني درجته أزيد من المكتوب .
• ذكر جلنك ورتهه أن النزاع فيما هو قانوني يزول بالرواية اللسانية التي هي قاعدة الإنصاف لكل نزاع وشهد أسقف ماني سيك بأن ستمائة أمر مقررة في الدين وتأمر الكنيسة بها ولم يبيّنها الكتاب المقدس في موضع من المواضع وإنما تقبل من الرواية اللسانية .
• قال وليم ميور بأن قدماء المسيحية ما كان عندهم عقيدة مكتوبة من عقائد الإيمان التي اعتقادها ضروري للنجاة وكانت تعلَّم للأطفال وللذين يدخلون في الملة المسيحية تعليما لسانيا .
• قول الطاعن : (جمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار) غلط لأن رواة الأحاديث ما أسقطوا إلا الأحاديث الضعيفة التي لم تكن أسانيدها كاملة وتركها لا يضر وأهل الإسلام جميعا يقبلون الأحاديث الصحيحة المروية في كتب الحديث المعتبرة أما الأحاديث المروية في كتب غير معتبرة فلا يقبلها أهل الإسلام ولا تعارض الصحيحة ثبت أنه لا مجال لأحد أن يطعن على أهل الإسلام في قبولهم أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم.
• يناسب لبيان حال النصارى في هذا المقام ذكر الحكاية التي نقلها جان ملنر في كتابه المطبوع سنة 1838م وهي : أن القديسة الفرنسية جان دارك وتُدعى عذراء أورليان والمولودة سنة 1412م بدأت الشعوذة في سن السادسة عشرة وصار لها أتباع ثم ادعت أنها هي المرأة التي ورد في حقها في سفر رؤيا يوحنا 12 / 1-2 ما يلي : وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا وهي حُبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد) فادعت أنها حبلى من عيسى صلى الله عليه وسلم فتبعها كثير من النصارى وفرحوا فرحا شديدا بهذا الحمل وصنعوا أطباق الذهب والفضة لاستقبال المولود الإلهيََََََََ ََ.
• قال الشيخ رحمت الله معلقا على هذه القصة : هل حصلت رتبة الألوهية لهذا الولد السعيد مثل أبيه أم لا ؟! وفي صورة الحصول هل بدل اعتقاد التثليث بالتربيع أم لا ؟! وكذا هل بدل لقب الله الآب بالجد أم لا

إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المسلك الأول : ظهور المعجزات الكثيرة على يده صلى الله عليه وسلم وهي نوعان : النوع الأول : ففي بيان إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة .
• أما المغيبات الماضية فكثيرة جدا كقصص الأنبياء وقصص الأمم البالية من غير أن يسمعها من أحد ولا تلقنها من كتاب وإلى هذا المعنى وردت الإشارة في قوله تعالى { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا } والمخالفة الحاصلة بين القرآن وبين كتب أهل الكتاب في بيان بعض القصص هي مخالفة قصدية لبيان أن هذه الكتب محرفة وأن القرآن أتى بالحق كما قال تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
• أما المغيبات المستقبلة فكثيرة جدا أيضا وردت في الأحاديث مثل :أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق والأمن يظهر حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله وخيبر تفتح على يد علي في غد يومه ويقسمون كنوز فارس والروم وبنات فارس تخدمهم وفارس ستزول ولا فارس بعدها وأما الروم فذات قرون كلما هلك قرن خلفه قرن آخر والمراد بالروم الفرنج وسائر النصارى وهذه الأمور كلها وقعت في زمن الصحابة كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني : في الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة وقد أحصاها العلماء فزادت على ألف مثل الإسراء والمعراج : قال تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } ولا شك أن الإسراء والمعراج كان في اليقظة بالروح والجسد لأن لفظ العبد يطلق عليهما معا واستبعد الكفار هذا الأمر وأنكروه ولو لم يكن بالجسد وفي اليقظة ما كان سببا للاستبعاد والإنكار لأن مثل هذا في المنامات لا يستبعد ولا ينكر ألا ترى لو أن شخصا ادعى أنه طار في نومه في الشرق وفي الغرب وهو لم يتحول عن مكانه ولم تتبدل حاله الأولى لم ينكر أحد عليه فالإسراء والمعراج الحاصل لمحمد صلى الله عليه وسلم بالجسد والروح معا وفي اليقظة لا استحالة فيه عقلا ولا نقلا .
أ‌- عقلا : فلأن الله خالق العالم وهو على كل شيء قدير وحصول الحركة البالغة السرعة في جسد محمد صلى الله عليه وسلم أمر يسير على الله وغاية ما فيه أنه خلاف العادة وهكذا المعجزات كلها تكون خلاف العادة .
ب‌- نقلا : فلأن صعود الجسم إلى السماوات ليس بممتنع عند أهل الكتاب لما يلي :
• ورد في سفر التكوين 5 :( وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه) فهذا نص على أن النبي أخنوخ ( إدريس صلى الله عليه وسلم) رفع إلى السماء حيا ودخل بجسده ملكوت السماء .
• ورد في سفر الملوك الثاني 2 / 1و11: وكان عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة على السماء أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء) وهذا نص على أن النبي إيليا رفع إلى السماء بجسده حيا وهذان النصان مسلمان عند القسيسين وهم يعتقدون أن المسيح صلى الله عليه وسلم بعدما مات ودفن في القبر قام حيا وصعد بجسده إلى السماء وجلس عن يمين أبيه فلا مجال لهم أن يعترضوا على معراج محمد صلى الله عليه وسلم لا عقلا ولا نقلا .
المسلك الثاني : قد اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق العظيمة والأوصاف الجليلة والكمالات العملية والعلمية والمحاسن الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع في غير نبي فكل واحد منها وإن كان يوجد في غير النبي أيضا لكن مجموعها مما لا يحصل إلا للأنبياء فاجتماعها في ذاته صلى الله عليه وسلم من دلائل النبوة وقد أقر المخالفون أيضا بوجود هذه المحاسن والأخلاق العظيمة في ذاته صلى الله عليه وسلم.
المسلك الثالث : شريعته صلى الله عليه وسلم اشتملت على الاعتقادات والعبادات والمعاملات والسياسات والآداب والحكم بأكمل وجه ومن نظر إلى هذا الكمال والشمول في شريعته صلى الله عليه وسلم علم يقينا أنها من الوضع الإلهي والوحي السماوي والمبعوث بها نبي مرسل من الله ولا منشأ للاعتراض عليها إلا حب العناد الصرف والاعتساف . المسلك الرابع :
• ظهر صلى الله عليه وسلم بين قوم لا كتاب لهم ولا حكمة فيهم فجاءهم بالكتاب المنير والحكمة الباهرة وحثهم على الإيمان والعمل الصالح وقام مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه مخالفا لجميع أهل الأرض آحادهم وأوساطهم وسلاطينهم وجبابرتهم فضلل آراءهم وسفه أحلامهم وأبطل مللهم وهدم دولهم وظهر دينه على سائر الأديان في مدة قليلة شرقا وغربا وزاد ظهورهم على مر الأزمان وأعداؤه مع تنوعهم وكثرة عددهم وشدة شوكتهم وشكيمتهم وفرط تعصبهم وحميتهم وبذل غاية جهدهم لم يقدروا على إطفاء نور دينه ولا على طمس آثار مذهبه فهل يكون ذلك إلا بعون إلهي وتأييد سماوي ؟!
• كتب أهل الكتاب نفسها تشهد بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ففي سفر المزامير 1 / 6:(لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك) وفي المزمور 5 / 6 :(تهلك المتكلمين بالكذب رجل الدماء والغش يكرهه الرب)
المسلك الخامس : ظهر صلى الله عليه وسلم في وقت الناس كلهم محتاجين إلى من يهديهم إلى الطريق المستقيم ويدعوهم إلى الدين القويم فالعرب كانوا على عبادة الأوثان والفرس على الاعتقاد بإلهين والهند على عبادة البقر والشجر واليهود على التشبيه والجحود وترويج الأكاذيب المفتريات على الله وعلى أنبيائه والنصارى على التثليث وعبادة القديسين وسائر أنحاء العالم في أودية الضلال فمن حكمة الله أن يرسل في هذا الوقت أحدا يكون رحمة للعالمين ولم يظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد صلى الله عليه وسلم فأزال ظلمة الشرك والتثليث والثنوية والتشبيه وإليه أشار الله تعالى { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
المسلك السادس : إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته صلى الله عليه وسلم.