أ/أحمد
08-12-2012, 08:45 PM
التنبيه إلى بعض الأمور :
1. أنبياء بني إسرائيل أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بخت نصر وقورش وإسكندر وخلفائه وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل فيبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول ثم صار شجرة عظيمة تتآوى طيور السماء في أغصانها فكسر الجبابرة والأكاسرة وشاع دينه شيوعا تاما في الأوطان الأصلية لأنبياء بني إسرائيل وبلغ شرقا وغربا في مدة وجيزة وغلب كل الأديان وامتد من ذلك الوقت وإلى الآن هو في توسع فهذه الحادثة أعظم من كل الحوادث التي أخبر عنها أنبياء بني إسرائيل فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن هذه الحادثة العظيمة جدا ؟!
2. النبي المتقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر لا يشترط أن يخبر عنه بالتفصيل التام بل غالبا ما يكون هذا مجملا فيكون خفيا عند العوام أما عند العلماء فيكون جليا بواسطة القرائن وقد يكون خفيا أيضا عند العلماء فإذا ظهر النبي وصدقت نبوته بالمعجزات وعلامات النبوة صار عندهم جليا بلا ريب ولذلك عاتب المسيح صلى الله عليه وسلم علماء اليهود بقوله المذكور في إنجيل لوقا 11 / 52 : ( ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم) وقد قال علماء الإسلام : ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لكن بإشارات ولو كان منجليا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه ثم ازداد غموضا بنقله من لسان إلى لسان .
3. أهل الكتاب كانوا ينتظرون نبيا آخر غير المسيح ففي إنجيل يوحنا 1 / 19-25 أن علماء اليهود سألوا يحيى صلى الله عليه وسلم: أأنت المسيح ؟ ولما أنكر سألوه : أأنت إيليا ؟ ولما أنكر سألوه : أأنت النبي ؟ أي النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى صلى الله عليه وسلم فعلم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان منتظرا مثل المسيح وكان مشهورا عندهم بحيث ما كان محتاجا إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية ولذلك قابلوه بالمسيح ففي إنجيل يوحنا 7 / 40-41 : فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي آخرون قالوا هذا هو المسيح ) ولما لم يثبت مجيء هذا النبي المعهود قبل المسيح فثبت قطعا أنه يكون بعد المسيح وأنه هو محمد صلى الله عليه وسلم وأما قول المسيح صلى الله عليه وسلم في إنجيل متى 7 / 15: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) فالتمسك بهذا النص لنفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم باطل قطعا لأن المسيح صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاحتراز من النبي الصادق ولا أمر بالاحتراز من كل نبي يأتي بعده مطلقا وإنما أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة فقط وقد ثبت في كتبهم ظهور أنبياء كذبة كثيرين في الطبقة الأولى بعد رفع المسيح صلى الله عليه وسلم في عهد الحواريين ولذلك قال بعد ذلك القول مباشرة في إنجيل متى 7 / 16 و17 و20: من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية فإذا من ثمارهم تعرفونهم) ولا شك أن محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء الصادقين كما تدل عليه ثماره وثمار دعوته ولا قيمة لطعن المنكرين له لأن اليهود أنكروا نبوة عيسى صلى الله عليه وسلم وكفروه وليس عندهم رجل أشر منه من ابتداء العالم إلى زمان خروجه وملاحدة أوروبا أنكروا وجود عيسى واستهزءوا به وألفوا في ذلك كتبا كثيرة وانتشرت كتبهم في أنحاء العالم ويزيد أتباعهم كل يوم في ديار أوروبا فكما أن إنكار اليهود وملاحدة أوروبا لعيسى غير مقبول عند النصارى وعندنا فكذلك إنكار أهل التثليث لمحمد صلى الله عليه وسلم غير مقبول عندنا .
4. أهل الكتاب سلفا وخلفا عادتهم جارية في تراجمهم بأنهم غالبا يترجمون الأسماء ويوردون بدلها معانيها ويزيدون تارة شيئا بطريق التفسير في متن الكلام الذي هو بزعمهم كلام الله وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة فلو بدلوا في نصوص البشارات المحمدية اسما من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو زادوا شيئا غامضا فلا استبعاد منهم لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم ولا يرجى منهم المحافظة في كتبهم على اسم محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى الله عليه وسلم لأن عادتهم الجبلية التغيير والتبديل في كتبهم تغييرا بحيث يخل بالاستدلال حسب الظاهر لتأييد مسألة مقبولة عندهم أو لدفع الاعتراض الوارد ضدهم وفرقهم لم يقصروا في هذا الأمر في هذا الأمر في مقابلة بعضهم بعضا ولا شك أن اهتمامهم بمثل هذا الأمر في مقابلة المسلمين أشد وأقوى ولذلك نجد أن نصوص البشارات المحمدية التي نقلها القدماء من علماء المسلمين في كتبهم غير موافقة في كثير من الألفاظ للتراجم المشهورة الآن والسبب أنهم نقلوا من كتب أهل الكتاب المشهورة في زمانهم ثم وقع التغيير في الألفاظ بعدهم وقد يكون اختلاف التراجم سببا في ذلك لكن الأول هو الراجح لأننا نرى أن هذه العادة في التغيير جارية في تراجمهم وكتبهم إلى هذا الحين وفيما يلي نقل بعض البشارات المحمدية من كتب أهل الكتاب : البشارة الأولى : ورد في سفر التثنية 18 / 17-22: (17) قال لي الرب قد أحسنوا في ما تكلموا أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به (19) ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه (20) وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسمه آلهة أخرى فيموت ذلك النبي (21) وإن قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب (22) فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه) فالنبي المقصود بهذه البشارة محمد صلى الله عليه وسلم وليس هو يوشع بن نون كما زعم اليهود ولا هو عيسى صلى الله عليه وسلم كما زعم النصارى لما يلي :
أ- اليهود المعاصرين لعيسى صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون نبيا آخر مبشرا به فالانتظار دليل قطعي أن المبشر به غير يوشع الذي كان معاصرا لموسى صلى الله عليه وسلم وهو غير عيسى الذي كان حاضرا معهم .
ب- وقع في نص هذه البشارة لفظ ( مثلك) ويوشع وعيسى ليسا مثل موسى صلى الله عليه وسلم لأنهما من بني إسرائيل وعلى حسب نص فقرة سفر التثنية 34 / 10 لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى الذي كلمه الله وأرسله بكتاب مستقل وشريعة جديدة مشتملة على الأوامر والنواهي والحدود وأحكام الحلال والحرام والغسل والطهارات وغيرها بينما كان يوشع وعيسى تابعين لشريعته وكان موسى صلى الله عليه وسلم رئيسا مطاعا في قومه منفذا للحدود ومسلطا عليهم وليس كذلك عيسى صلى الله عليه وسلم لأن كتابه الإنجيل خال عن الأحكام والتشريعات ولم يكن مطاعا في قومه بل هو بزعم النصارى قتل مصلوبا بأيدي اليهود بعدما كفروه وأهانوه فلا توجد المماثلة التامة بينه وبين موسى صلى الله عليه وسلم.
ت- وقع في البشارة لفظ ( من وسط إخوتهم) وفي بعض الروايات ( من بين إخوتهم) ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذلك الوقت مع موسى صلى الله عليه وسلم فلو كان النبي المبشر به من بني إسرائيل لقال ( منهم) أو (من بينهم) أو (من أنفسهم) أو (من خلفهم) وبما أن يوشع وعيسى يرجع نسبهما إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فهما من بني إسرائيل ولا تصدق فيهما هذه البشارة والصواب أن المراد بالإخوة هنا هم بنو إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقد ورد في التوراة إطلاق لفظ الإخوة على نسل إسماعيل ونسل إسحاق وورد في حق إسماعيل صلى الله عليه وسلم في سفر التكوين 16 / 12 : ( وأمام جميع إخوته يسكن ) وفي سفر التكوين 35 / 18 :( أمام جميع إخوته نزل) وبما أن محمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل إخوة بني إسرائيل فتصدق فيه هذه البشارة صدقا بينا .
ث- البشارة وردت بصيغة الاستقبال لأن لفظ ( سوف أقيم) أو ( أقيم) أو (يقيم) دال على مستقبل الزمان فلا يصدق على يوشع فتى موسى الذي كان حاضرا عنده وملازما له وداخلا في قوم بني إسرائيل .
ج- وقع في البشارة لفظ ( أجعل كلامي في فمه) إشارة إلى أن النبي المبشر به ينزل عليه كتاب ويكون أميا لا يقرأ في السطور المكتوبة إنما ينطق بكلام الله المنزل عليه والمحفوظ في صدره ولا يصدق ذلك على يوشع الذي لم ينزل عليه كتاب أصلا وكان يقرأ التوراة من السطور المكتوبة لا من حفظه .
ح- وقع في البشارة ( الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه) وفي رواية ( ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم من ذلك ) ولما كان هذا الانتقام امتيازا لهذا النبي المبشر به عن غيره من الأنبياء فلا يجوز أن يراد بالانتقام من منكر هذا النبي الانتقام الدنيوي بالمحن ولا الانتقام الأخروي في جهنم لأن هذا النوع من الانتقام الدنيوي أو الأخروي لا يختص بإنكار نبي دون نبي بل هو يعم الجميع والصواب أن المراد بالانتقام هنا الانتقام التشريعي بأن يكون هذا النبي المبشر به مأمورا من الله بالانتقام من المنكرين له ومجاهدتهم بالسيف واستحلال دمائهم وأموالهم وسبي ذراريهم وهذا يصدق كل الصدق على محمد صلى الله عليه وسلم ولا يصدق على عيسى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن مأمورا بقتال منكريه وإنجيله خال عن أحكام الحدود والقصاص والتعزير والجهاد
خ- وقع في البشارة في طبعة سنة 1844م ( فأما النبي الذي يجترئ بالكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم آمره بأنه يقوله أم باسم آلهة غيري فليقتل) نص صريح في أن النبي الكاذب الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره به يقتل وهو موافق لقوله تعالى { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ }{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبيا صادقا لقتل ومعلوم أنه عليه صلى الله عليه وسلم قاتل الأعداء وثبت لهم بنفسه في مواطن كثيرة ولم يستطع أحد قتله وعصمه الله تعالى من أعدائه وعاش حتى التحق بالرفيق الأعلى بوفاة عادية وموت طبيعي تصديقا لقوله تعالى{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فيزعم أهل الكتاب أنه قتل مصلوبا فلو كانت هذه البشارة في حقه للزم أن يكون متنبئا كما يزعم اليهود والعياذ بالله . بما أن محمد صلى الله عليه وسلم مات موتا طبيعيا ولم يقتل فتصدق فيه هذه البشارة صدقا جليا فلما تنبيه أهل الكتاب إلى ذلك قاموا بتبديل كلمة( فليقتل) الواردة في الطبعات القديمة ووضعوا مكانها كلمة ( فيموت) في طبعة سنة 1865م وما بعددها إصرارا منهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم لأن الموت أعم من القتل والنبي الصادق والكاذب كلاهما يموتان ولكن هذا التحريف لنص البشارة لم ينفعهم في صرفها عن الدلالة على محمد صلى الله عليه وسلم لما يلي :
د- الفقرة (22) آخر فقرات البشارة بينت أن علامة النبي الكاذب أن إخباره عن الحوادث الغيبية المستقبلية لا يكون صادقا لأن الله يفضحه ويظهر كذبه وبما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر عن حوادث مستقبلية كثيرة وظهر فيها صدقه فيكون نبيا صادقا حقا مرسلا من الله.
ذ- علماء اليهود المعاصرين له سلموا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المبشر به في التوراة وبعضهم أسلم مثل مخيريق وعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وبعضهم سلم بنبوته ولم يسلم مثل عبد الله بن صوريا وحيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ولا غرابة في ذلك لأن علماء اليهود المعاصرين لعيسى صلى الله عليه وسلم سلموا بنبوته ومعجزاته ثم أفتوا بكفره وقتله كما هو مصرح في إنجيل يوحنا 11 / 45-57 و18 / 1-24 .
اعتراض أول : إخوة بني إسرائيل لا ينحصرون في بني إسماعيل فقط لأن بنو عيسو بن إسحاق إخوتهم أيضا .
الجواب : لم يظهر في بنو عيسو بن إسحاق نبي تنطبق عليه الأمور المذكورة في هذه البشارة ولم يرد وعد من الله لإبراهيم في حق عيسو بن إسحاق لكن ورد وعد الله لإبراهيم وهاجر في حق ابنهما إسماعيل ونسله في مواضع كثيرة من التوراة .
اعتراض ثان : ورد في بعض الطبعات في هذه البشارة لفظ ( الرب إلهك يقيم من بينك من بين إخوتك) فلفظ ( من بينك) صريح في أن النبي المبشر به يكون من بني إسرائيل . الجواب : لو سلمنا بذلك لا ينافي مقصودنا لأن قوله ( من بين إخوتك) إما بدل اشتمال وإما بدل إضراب وعلى كلا التقديرين يكون المبدل منه غير مقصود ويكون المقصود الأصلي لفظ ( من بين إخوتك) ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره وكان بها وحولها عدد من قبائل اليهود مثل خيبر وبني النضير وبني قينقاع وبني قريظة فكأنه قام من بينهم وهو في نفس الوقت قام من بين إخوتهم أوجه المماثلة بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فكلاهما (1) عبد الله ورسوله (2) ذو والدين (3) ذو نكاح وأولاد (4) مأمور بالجهاد وبقتل المشركين الوثنيين (5) مأمور بحد الزنا (6) قادر على إجراء الحدود (7) رئيس مطاع في قومه ( شريعتهما مشتملة على اشتراط طهارة الثوب والبدن للعبادة والغسل للجنب والحائض والنفساء (9) شريعتهما تحرم غير المذبوح وتحرم قرابين الأوثان (10) شريعتهما فيها تعيين القصاص والحدود والتعزيرات (11) تحريم الربا (12) موتهما على الفراش ودفنهما وأمور أخرى تظهر منها المماثلة بالتأمل قال تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا } . البشارة الثانية :
• ورد في سفر التثنية 33 / 1-2 :(وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم)( استعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار في يمينه سنة من نار) فمجيء الرب من سيناء إعطاؤه التوراة لموسى صلى الله عليه وسلم وإشراقه من ساعير إعطاؤه الإنجيل لعيسى صلى الله عليه وسلم لأن ساعير اسم لجبال فلسطين واسم لقرية من قرى الناصرة وأما استعلانه من جبل فاران فهو إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأن فاران هي مكة والدليل ما ورد في حق إسماعيل صلى الله عليه وسلم في سفر التكوين 21 : وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ) وفي التوراة السامرية المطبوعة سنة 1851م تحديد فاران أنها في الحجاز وعبارتها (سكن برية فاران بالحجاز ) ولا شك إن إسماعيل صلى الله عليه وسلم كان مسكنه مكة ولم يظهر فيها نبي بعده غير حفيده محمد صلى الله عليه وسلم فظهر أن المقصود باستعلان الله من جبل فاران هو نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في مكة لأنه لا يقال جاء الله من ذلك الموضع إلا إذا نزل فيه وحي وبما أن الوحي نزل بالتوراة في سيناء ونزل الوحي بالإنجيل في ساعير ( فلسطين ) لا بد أن يكون المقصود نزول الوحي بالقرآن في مكة وأول شيء نزل من القرآن كان في غار حراء في أعلى جبال فاران وعبارة طبعة سنة 1844م : (ومعه ألوف الأطهار) وعبارة بعض النسخ القديمة ( ومعه ألوف الصالحين ومعه كتاب ناري) صريحة في الدلالة على الصحابة الذين نصروا محمدا صلى الله عليه وسلم وعز الدين بمتابعتهم له وجهادهم معه
• أهل الكتاب عمدوا إلى حذف عبارة (ومعه ألوف الأطهار)وعبارة ( ومعه كتاب ناري) من الطبعات الحديثة فالبشارة تدل دلالة صريحة على الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وتدل على الكتب الثلاثة المنزلة عليهم في المواضع الثلاثة وهي موافقة لقوله تعالى { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ }{ وَطُورِ سِينِينَ }{ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } حيث أشار لمواضع بعثة الأنبياء الثلاثة لأن فلسطين يكثر فيها التين والزيتون لكن لما كان المقصود في القرآن التعظيم تدرج من الأدنى إلى الأعلى فرسالة موسى صلى الله عليه وسلم أعظم من رسالة عيسى صلى الله عليه وسلم ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رسالتيهما ومكة أقدس من فلسطين وسيناء ولما كان المقصود في التوراة الخبر التاريخي فقط ذكرت المواضع الثلاثة مرتبة على حسب زمان بعثة الأنبياء الثلاثة فشبه بعثة موسى بمجيء الفجر وبعثة عيسى بشروق الشمس وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالظهور والاستعلان في كبد السماء الذي هو أوضح من سابقيه وبه يتم النور على الخلائق ويكتمل في الأرض ماحيا من ظلمات الشرك كالإسلام والقرآن اللذين جاء بهما محمد صلى الله عليه وسلم. البشارة الثالثة :
• ورد في سفر التكوين 17 / 20: ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة).
• ذكر القرطبي في كتابه الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام أنه يخرج من النص العبري للبشارة اسم محمد صلى الله عليه وسلم في موضعين بحساب الجمل الذي يستعمله اليهود فيما بينهم لأن قوله في الترجمة العربية( وأكثره كثيرا جدا) وفي بعض الطبعات ( جدا جدا) يقابله في اللغة العبرية (بماماد) وقوله (لشعب كبير) يقابله ( لجوي جدول) يبلغ مجموع حروف الكلمات العبرية بحساب الجمل مجموع حروف كلمة محمد اثنان وتسعون وصورتهما بالحساب المذكور:
محمد 40 + 8 + 40 + 4 = 92
بمادماد 2 + 40 + 1 + 4 + 40 + 1 + 4 + = 92
لجوي جدول30 + 3 + 6 + 10 + 3 + 4 + 6 + 30 = 92
• لما أسلم عبد السلام الدفتري في القرن 10 هـ صنف رسالة سماها الرسالة الهادية ذكر فيها أن أكثر أدلة أحبار اليهود بحرف الجمل الكبير الذي هو حرف أبجد ورد فيها على اليهود الذين نفوا أن تكون كلمة بماماد رمزا لاسم محمد صلى الله عليه وسلم على ما تعارف عليه أحبارهم وأخفوه فيما بينهم وضرب مثالا لكيفية استعمالهم هذا الحساب. البشارة الرابعة:
• في سياق الحديث من عبادة بني إسرائيل الأوثان ورد في سفر التثنية 32 :( هم أغاروني بما ليس إلها أغاظوني بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم)فالمراد بالشعب العرب قال تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
• البشارات في كتب أهل الكتاب كثيرة بعضها بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبعضها فيها إشارة لأمته أو للوحي المنزل عليه أو لجهاده أو للتسبيح والأذان أو لمكة أو لاتساع رقعة الإسلام وبعض البشارات أوردها المسيح صلى الله عليه وسلم بأمثال مضروبة كما نقلتها الأناجيل. الخاتمة: أحمد الله الذي أعانني على إتمام هذا المختصر وأسأله سبحانه أن يجعله عند حسن ظن الإخوة كما أسأله أن يجعله نافعا للباحث عن الحق.
منقول
1. أنبياء بني إسرائيل أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بخت نصر وقورش وإسكندر وخلفائه وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل فيبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول ثم صار شجرة عظيمة تتآوى طيور السماء في أغصانها فكسر الجبابرة والأكاسرة وشاع دينه شيوعا تاما في الأوطان الأصلية لأنبياء بني إسرائيل وبلغ شرقا وغربا في مدة وجيزة وغلب كل الأديان وامتد من ذلك الوقت وإلى الآن هو في توسع فهذه الحادثة أعظم من كل الحوادث التي أخبر عنها أنبياء بني إسرائيل فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن هذه الحادثة العظيمة جدا ؟!
2. النبي المتقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر لا يشترط أن يخبر عنه بالتفصيل التام بل غالبا ما يكون هذا مجملا فيكون خفيا عند العوام أما عند العلماء فيكون جليا بواسطة القرائن وقد يكون خفيا أيضا عند العلماء فإذا ظهر النبي وصدقت نبوته بالمعجزات وعلامات النبوة صار عندهم جليا بلا ريب ولذلك عاتب المسيح صلى الله عليه وسلم علماء اليهود بقوله المذكور في إنجيل لوقا 11 / 52 : ( ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم) وقد قال علماء الإسلام : ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لكن بإشارات ولو كان منجليا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه ثم ازداد غموضا بنقله من لسان إلى لسان .
3. أهل الكتاب كانوا ينتظرون نبيا آخر غير المسيح ففي إنجيل يوحنا 1 / 19-25 أن علماء اليهود سألوا يحيى صلى الله عليه وسلم: أأنت المسيح ؟ ولما أنكر سألوه : أأنت إيليا ؟ ولما أنكر سألوه : أأنت النبي ؟ أي النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى صلى الله عليه وسلم فعلم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان منتظرا مثل المسيح وكان مشهورا عندهم بحيث ما كان محتاجا إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية ولذلك قابلوه بالمسيح ففي إنجيل يوحنا 7 / 40-41 : فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي آخرون قالوا هذا هو المسيح ) ولما لم يثبت مجيء هذا النبي المعهود قبل المسيح فثبت قطعا أنه يكون بعد المسيح وأنه هو محمد صلى الله عليه وسلم وأما قول المسيح صلى الله عليه وسلم في إنجيل متى 7 / 15: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) فالتمسك بهذا النص لنفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم باطل قطعا لأن المسيح صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاحتراز من النبي الصادق ولا أمر بالاحتراز من كل نبي يأتي بعده مطلقا وإنما أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة فقط وقد ثبت في كتبهم ظهور أنبياء كذبة كثيرين في الطبقة الأولى بعد رفع المسيح صلى الله عليه وسلم في عهد الحواريين ولذلك قال بعد ذلك القول مباشرة في إنجيل متى 7 / 16 و17 و20: من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية فإذا من ثمارهم تعرفونهم) ولا شك أن محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء الصادقين كما تدل عليه ثماره وثمار دعوته ولا قيمة لطعن المنكرين له لأن اليهود أنكروا نبوة عيسى صلى الله عليه وسلم وكفروه وليس عندهم رجل أشر منه من ابتداء العالم إلى زمان خروجه وملاحدة أوروبا أنكروا وجود عيسى واستهزءوا به وألفوا في ذلك كتبا كثيرة وانتشرت كتبهم في أنحاء العالم ويزيد أتباعهم كل يوم في ديار أوروبا فكما أن إنكار اليهود وملاحدة أوروبا لعيسى غير مقبول عند النصارى وعندنا فكذلك إنكار أهل التثليث لمحمد صلى الله عليه وسلم غير مقبول عندنا .
4. أهل الكتاب سلفا وخلفا عادتهم جارية في تراجمهم بأنهم غالبا يترجمون الأسماء ويوردون بدلها معانيها ويزيدون تارة شيئا بطريق التفسير في متن الكلام الذي هو بزعمهم كلام الله وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة فلو بدلوا في نصوص البشارات المحمدية اسما من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو زادوا شيئا غامضا فلا استبعاد منهم لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم ولا يرجى منهم المحافظة في كتبهم على اسم محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى الله عليه وسلم لأن عادتهم الجبلية التغيير والتبديل في كتبهم تغييرا بحيث يخل بالاستدلال حسب الظاهر لتأييد مسألة مقبولة عندهم أو لدفع الاعتراض الوارد ضدهم وفرقهم لم يقصروا في هذا الأمر في هذا الأمر في مقابلة بعضهم بعضا ولا شك أن اهتمامهم بمثل هذا الأمر في مقابلة المسلمين أشد وأقوى ولذلك نجد أن نصوص البشارات المحمدية التي نقلها القدماء من علماء المسلمين في كتبهم غير موافقة في كثير من الألفاظ للتراجم المشهورة الآن والسبب أنهم نقلوا من كتب أهل الكتاب المشهورة في زمانهم ثم وقع التغيير في الألفاظ بعدهم وقد يكون اختلاف التراجم سببا في ذلك لكن الأول هو الراجح لأننا نرى أن هذه العادة في التغيير جارية في تراجمهم وكتبهم إلى هذا الحين وفيما يلي نقل بعض البشارات المحمدية من كتب أهل الكتاب : البشارة الأولى : ورد في سفر التثنية 18 / 17-22: (17) قال لي الرب قد أحسنوا في ما تكلموا أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به (19) ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه (20) وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسمه آلهة أخرى فيموت ذلك النبي (21) وإن قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب (22) فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه) فالنبي المقصود بهذه البشارة محمد صلى الله عليه وسلم وليس هو يوشع بن نون كما زعم اليهود ولا هو عيسى صلى الله عليه وسلم كما زعم النصارى لما يلي :
أ- اليهود المعاصرين لعيسى صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون نبيا آخر مبشرا به فالانتظار دليل قطعي أن المبشر به غير يوشع الذي كان معاصرا لموسى صلى الله عليه وسلم وهو غير عيسى الذي كان حاضرا معهم .
ب- وقع في نص هذه البشارة لفظ ( مثلك) ويوشع وعيسى ليسا مثل موسى صلى الله عليه وسلم لأنهما من بني إسرائيل وعلى حسب نص فقرة سفر التثنية 34 / 10 لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى الذي كلمه الله وأرسله بكتاب مستقل وشريعة جديدة مشتملة على الأوامر والنواهي والحدود وأحكام الحلال والحرام والغسل والطهارات وغيرها بينما كان يوشع وعيسى تابعين لشريعته وكان موسى صلى الله عليه وسلم رئيسا مطاعا في قومه منفذا للحدود ومسلطا عليهم وليس كذلك عيسى صلى الله عليه وسلم لأن كتابه الإنجيل خال عن الأحكام والتشريعات ولم يكن مطاعا في قومه بل هو بزعم النصارى قتل مصلوبا بأيدي اليهود بعدما كفروه وأهانوه فلا توجد المماثلة التامة بينه وبين موسى صلى الله عليه وسلم.
ت- وقع في البشارة لفظ ( من وسط إخوتهم) وفي بعض الروايات ( من بين إخوتهم) ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذلك الوقت مع موسى صلى الله عليه وسلم فلو كان النبي المبشر به من بني إسرائيل لقال ( منهم) أو (من بينهم) أو (من أنفسهم) أو (من خلفهم) وبما أن يوشع وعيسى يرجع نسبهما إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فهما من بني إسرائيل ولا تصدق فيهما هذه البشارة والصواب أن المراد بالإخوة هنا هم بنو إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقد ورد في التوراة إطلاق لفظ الإخوة على نسل إسماعيل ونسل إسحاق وورد في حق إسماعيل صلى الله عليه وسلم في سفر التكوين 16 / 12 : ( وأمام جميع إخوته يسكن ) وفي سفر التكوين 35 / 18 :( أمام جميع إخوته نزل) وبما أن محمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل إخوة بني إسرائيل فتصدق فيه هذه البشارة صدقا بينا .
ث- البشارة وردت بصيغة الاستقبال لأن لفظ ( سوف أقيم) أو ( أقيم) أو (يقيم) دال على مستقبل الزمان فلا يصدق على يوشع فتى موسى الذي كان حاضرا عنده وملازما له وداخلا في قوم بني إسرائيل .
ج- وقع في البشارة لفظ ( أجعل كلامي في فمه) إشارة إلى أن النبي المبشر به ينزل عليه كتاب ويكون أميا لا يقرأ في السطور المكتوبة إنما ينطق بكلام الله المنزل عليه والمحفوظ في صدره ولا يصدق ذلك على يوشع الذي لم ينزل عليه كتاب أصلا وكان يقرأ التوراة من السطور المكتوبة لا من حفظه .
ح- وقع في البشارة ( الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه) وفي رواية ( ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم من ذلك ) ولما كان هذا الانتقام امتيازا لهذا النبي المبشر به عن غيره من الأنبياء فلا يجوز أن يراد بالانتقام من منكر هذا النبي الانتقام الدنيوي بالمحن ولا الانتقام الأخروي في جهنم لأن هذا النوع من الانتقام الدنيوي أو الأخروي لا يختص بإنكار نبي دون نبي بل هو يعم الجميع والصواب أن المراد بالانتقام هنا الانتقام التشريعي بأن يكون هذا النبي المبشر به مأمورا من الله بالانتقام من المنكرين له ومجاهدتهم بالسيف واستحلال دمائهم وأموالهم وسبي ذراريهم وهذا يصدق كل الصدق على محمد صلى الله عليه وسلم ولا يصدق على عيسى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن مأمورا بقتال منكريه وإنجيله خال عن أحكام الحدود والقصاص والتعزير والجهاد
خ- وقع في البشارة في طبعة سنة 1844م ( فأما النبي الذي يجترئ بالكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم آمره بأنه يقوله أم باسم آلهة غيري فليقتل) نص صريح في أن النبي الكاذب الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره به يقتل وهو موافق لقوله تعالى { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ }{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبيا صادقا لقتل ومعلوم أنه عليه صلى الله عليه وسلم قاتل الأعداء وثبت لهم بنفسه في مواطن كثيرة ولم يستطع أحد قتله وعصمه الله تعالى من أعدائه وعاش حتى التحق بالرفيق الأعلى بوفاة عادية وموت طبيعي تصديقا لقوله تعالى{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فيزعم أهل الكتاب أنه قتل مصلوبا فلو كانت هذه البشارة في حقه للزم أن يكون متنبئا كما يزعم اليهود والعياذ بالله . بما أن محمد صلى الله عليه وسلم مات موتا طبيعيا ولم يقتل فتصدق فيه هذه البشارة صدقا جليا فلما تنبيه أهل الكتاب إلى ذلك قاموا بتبديل كلمة( فليقتل) الواردة في الطبعات القديمة ووضعوا مكانها كلمة ( فيموت) في طبعة سنة 1865م وما بعددها إصرارا منهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم لأن الموت أعم من القتل والنبي الصادق والكاذب كلاهما يموتان ولكن هذا التحريف لنص البشارة لم ينفعهم في صرفها عن الدلالة على محمد صلى الله عليه وسلم لما يلي :
د- الفقرة (22) آخر فقرات البشارة بينت أن علامة النبي الكاذب أن إخباره عن الحوادث الغيبية المستقبلية لا يكون صادقا لأن الله يفضحه ويظهر كذبه وبما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر عن حوادث مستقبلية كثيرة وظهر فيها صدقه فيكون نبيا صادقا حقا مرسلا من الله.
ذ- علماء اليهود المعاصرين له سلموا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المبشر به في التوراة وبعضهم أسلم مثل مخيريق وعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وبعضهم سلم بنبوته ولم يسلم مثل عبد الله بن صوريا وحيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ولا غرابة في ذلك لأن علماء اليهود المعاصرين لعيسى صلى الله عليه وسلم سلموا بنبوته ومعجزاته ثم أفتوا بكفره وقتله كما هو مصرح في إنجيل يوحنا 11 / 45-57 و18 / 1-24 .
اعتراض أول : إخوة بني إسرائيل لا ينحصرون في بني إسماعيل فقط لأن بنو عيسو بن إسحاق إخوتهم أيضا .
الجواب : لم يظهر في بنو عيسو بن إسحاق نبي تنطبق عليه الأمور المذكورة في هذه البشارة ولم يرد وعد من الله لإبراهيم في حق عيسو بن إسحاق لكن ورد وعد الله لإبراهيم وهاجر في حق ابنهما إسماعيل ونسله في مواضع كثيرة من التوراة .
اعتراض ثان : ورد في بعض الطبعات في هذه البشارة لفظ ( الرب إلهك يقيم من بينك من بين إخوتك) فلفظ ( من بينك) صريح في أن النبي المبشر به يكون من بني إسرائيل . الجواب : لو سلمنا بذلك لا ينافي مقصودنا لأن قوله ( من بين إخوتك) إما بدل اشتمال وإما بدل إضراب وعلى كلا التقديرين يكون المبدل منه غير مقصود ويكون المقصود الأصلي لفظ ( من بين إخوتك) ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره وكان بها وحولها عدد من قبائل اليهود مثل خيبر وبني النضير وبني قينقاع وبني قريظة فكأنه قام من بينهم وهو في نفس الوقت قام من بين إخوتهم أوجه المماثلة بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فكلاهما (1) عبد الله ورسوله (2) ذو والدين (3) ذو نكاح وأولاد (4) مأمور بالجهاد وبقتل المشركين الوثنيين (5) مأمور بحد الزنا (6) قادر على إجراء الحدود (7) رئيس مطاع في قومه ( شريعتهما مشتملة على اشتراط طهارة الثوب والبدن للعبادة والغسل للجنب والحائض والنفساء (9) شريعتهما تحرم غير المذبوح وتحرم قرابين الأوثان (10) شريعتهما فيها تعيين القصاص والحدود والتعزيرات (11) تحريم الربا (12) موتهما على الفراش ودفنهما وأمور أخرى تظهر منها المماثلة بالتأمل قال تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا } . البشارة الثانية :
• ورد في سفر التثنية 33 / 1-2 :(وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم)( استعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار في يمينه سنة من نار) فمجيء الرب من سيناء إعطاؤه التوراة لموسى صلى الله عليه وسلم وإشراقه من ساعير إعطاؤه الإنجيل لعيسى صلى الله عليه وسلم لأن ساعير اسم لجبال فلسطين واسم لقرية من قرى الناصرة وأما استعلانه من جبل فاران فهو إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأن فاران هي مكة والدليل ما ورد في حق إسماعيل صلى الله عليه وسلم في سفر التكوين 21 : وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ) وفي التوراة السامرية المطبوعة سنة 1851م تحديد فاران أنها في الحجاز وعبارتها (سكن برية فاران بالحجاز ) ولا شك إن إسماعيل صلى الله عليه وسلم كان مسكنه مكة ولم يظهر فيها نبي بعده غير حفيده محمد صلى الله عليه وسلم فظهر أن المقصود باستعلان الله من جبل فاران هو نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في مكة لأنه لا يقال جاء الله من ذلك الموضع إلا إذا نزل فيه وحي وبما أن الوحي نزل بالتوراة في سيناء ونزل الوحي بالإنجيل في ساعير ( فلسطين ) لا بد أن يكون المقصود نزول الوحي بالقرآن في مكة وأول شيء نزل من القرآن كان في غار حراء في أعلى جبال فاران وعبارة طبعة سنة 1844م : (ومعه ألوف الأطهار) وعبارة بعض النسخ القديمة ( ومعه ألوف الصالحين ومعه كتاب ناري) صريحة في الدلالة على الصحابة الذين نصروا محمدا صلى الله عليه وسلم وعز الدين بمتابعتهم له وجهادهم معه
• أهل الكتاب عمدوا إلى حذف عبارة (ومعه ألوف الأطهار)وعبارة ( ومعه كتاب ناري) من الطبعات الحديثة فالبشارة تدل دلالة صريحة على الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وتدل على الكتب الثلاثة المنزلة عليهم في المواضع الثلاثة وهي موافقة لقوله تعالى { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ }{ وَطُورِ سِينِينَ }{ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } حيث أشار لمواضع بعثة الأنبياء الثلاثة لأن فلسطين يكثر فيها التين والزيتون لكن لما كان المقصود في القرآن التعظيم تدرج من الأدنى إلى الأعلى فرسالة موسى صلى الله عليه وسلم أعظم من رسالة عيسى صلى الله عليه وسلم ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رسالتيهما ومكة أقدس من فلسطين وسيناء ولما كان المقصود في التوراة الخبر التاريخي فقط ذكرت المواضع الثلاثة مرتبة على حسب زمان بعثة الأنبياء الثلاثة فشبه بعثة موسى بمجيء الفجر وبعثة عيسى بشروق الشمس وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالظهور والاستعلان في كبد السماء الذي هو أوضح من سابقيه وبه يتم النور على الخلائق ويكتمل في الأرض ماحيا من ظلمات الشرك كالإسلام والقرآن اللذين جاء بهما محمد صلى الله عليه وسلم. البشارة الثالثة :
• ورد في سفر التكوين 17 / 20: ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة).
• ذكر القرطبي في كتابه الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام أنه يخرج من النص العبري للبشارة اسم محمد صلى الله عليه وسلم في موضعين بحساب الجمل الذي يستعمله اليهود فيما بينهم لأن قوله في الترجمة العربية( وأكثره كثيرا جدا) وفي بعض الطبعات ( جدا جدا) يقابله في اللغة العبرية (بماماد) وقوله (لشعب كبير) يقابله ( لجوي جدول) يبلغ مجموع حروف الكلمات العبرية بحساب الجمل مجموع حروف كلمة محمد اثنان وتسعون وصورتهما بالحساب المذكور:
محمد 40 + 8 + 40 + 4 = 92
بمادماد 2 + 40 + 1 + 4 + 40 + 1 + 4 + = 92
لجوي جدول30 + 3 + 6 + 10 + 3 + 4 + 6 + 30 = 92
• لما أسلم عبد السلام الدفتري في القرن 10 هـ صنف رسالة سماها الرسالة الهادية ذكر فيها أن أكثر أدلة أحبار اليهود بحرف الجمل الكبير الذي هو حرف أبجد ورد فيها على اليهود الذين نفوا أن تكون كلمة بماماد رمزا لاسم محمد صلى الله عليه وسلم على ما تعارف عليه أحبارهم وأخفوه فيما بينهم وضرب مثالا لكيفية استعمالهم هذا الحساب. البشارة الرابعة:
• في سياق الحديث من عبادة بني إسرائيل الأوثان ورد في سفر التثنية 32 :( هم أغاروني بما ليس إلها أغاظوني بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم)فالمراد بالشعب العرب قال تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
• البشارات في كتب أهل الكتاب كثيرة بعضها بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبعضها فيها إشارة لأمته أو للوحي المنزل عليه أو لجهاده أو للتسبيح والأذان أو لمكة أو لاتساع رقعة الإسلام وبعض البشارات أوردها المسيح صلى الله عليه وسلم بأمثال مضروبة كما نقلتها الأناجيل. الخاتمة: أحمد الله الذي أعانني على إتمام هذا المختصر وأسأله سبحانه أن يجعله عند حسن ظن الإخوة كما أسأله أن يجعله نافعا للباحث عن الحق.
منقول