المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا اخترت المنهج السلفي ( الحلقة الثالثة )


أحمد المصري
04-15-2011, 11:51 PM
* السابع – قالَ تعالى:ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراطٍ مُستقيمٍ
]آل عمران:101[.
والصحابةُ رضي اللهُ عنهم معتصمونَ باللهِ؛ لأنَّ اللهَ وليُّ من اعتصمَ به لقولِه تعالى:
واعتصموا باللهِ هو مولاكم فنعمَ المولى ونعمُ النَّصيرُ ]الحج: 78[.
ومعلومٌ كمال تولي اللهِ لهم ونصره إيّاهم أتمَّ نصرةٍ وأعظمَها، ممّا يدلُّ أنَّهم معتصمونَ باللهِ، فهم مهديّونَ بشهادةِ اللهِ، واتباعُ المَهْدي واجبٌ شرعاً وعقلاً وفطرةً، ولذلكَ جعلَهم اللهُ أئمةً للمتقينَ يَهدونَ بأمرِ اللهِ؛ بما صَبروا وكانوا يوقنون، يوضحه:
* الثامن – قال تعالى :واجعلنا للمتقينَ إماماً ]الفرقان: 74[.
فكلُّ تقيًّ يأتمُّ بهم، والتقوى واجبةٌ صرّحَ اللهُ بذلكَ في آياتٍ كثيرةٍ يَصعبُ حصرُها في هذا المقامِ، فعُلمَ أنَّ الائتمامَ بهم واجبٌ، والعنودَ عن سبيلِهم مظنّةُ الفتنةِ والمحنّةِ.
* التاسع – قال تعالى: وجعلنا منهم أئمةً يَهدونَ بأمرنا لمّا صَبروا وكانوا بآياتِنا يُوقنون
]السجدة: 24[.
هذا الوصفُ وردَ في أصحابِ موسى عليه الصلاةُ والسلامُ فأخبرَ المولى الحقُّ جلَّ جلالُه أنّه جعلَهم أئمّةً يأتمُّ بهم مَن بعدَهم لصبِرهم ويقينهم، إذ "بالصبِر واليقيِن تنالُ الإمامةُ في الدينِ".
ومعلومٌ أنَّ أصحابَ محمدٍ أحقُّ وأولى بهذا الوصفِ من أصحابِ موسى، فهم أكملُ يَقيناً، وأعظمُ صبراً من جميع الأمم؛ فهم أولى بمنصبِ الإمامةِ، وهذا ثابتٌ بشهادةِ اللهِ لهم وثناءِ رسولِ اللهِ  عَليهم، فلذلكَ فهم أعلمُ هذه الأمةِ؛ فوجبَ الرُّجوعُ إلى فتاويهم وأقوالِهم، والتقيّدُ بفهمِهم للكتابِ والسنّةِ؛ حِسَّاً وعقلاً وشرعاً، وباللهِ التوفيقُ.
* العاشر - عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللهُ عنه قالَ:
صلّينا المغربَ مع رسولِ اللهِ rثمَّ قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاءَ، فجلسنا، فخرجَ علينا فقال:  ما زلتم هنا؟  .
قلنا: يا رسولَ اللهِ صلينا معكَ، ثمَ قُلنا: نجلسُ حتّى نصليَ معكَ العشاءَ.
قال:  أحسنتُم أو أصبتم  .
قال: ثمَّ رفعَ رأسَه للسماءِ، وكانَ كثيراً ما يرفع رأسَه إلى السماءِ فقالَ:  النجومُ أمنةٌ للسماءِ،فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ أمرُها،وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي،فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يُوعدونَ، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمتي ما يوعدونَ  ( 1 ).
لقد جَعَلَ رسولُ اللهِ rنسبةَ أصحابِه رضي اللهُ عنهم إلى من بعدهم في الأمةِ الإسلاميّةِ كنسبته لأصحابِه، وكنسبةِ النجومِ إلى السّماء.
ومن المعلوم أنَّ هذا التشبيهَ النبويَّ يُعطى في وجوبِ اتباعِ فهمِ الصحابةِ للدين، نَظير رُجوعِ



(1) : أخرجه مسلم (16/82- نووي ) .



الأمّةِ إلى نبيها r فإنَّه rالمبيّنُ للقرآنِ، وأصحابه رضوانُ اللهِ عليهم ناقلوا بيانِه للأمةِ .
وكذلكَ رسولُ اللهِ معصومٌ لا ينطقُ عن الهوى، وإنَّما يصدرُ عنه الرشادُ والهدى، وأصحابُه عدولٌ لا ينطقونَ إلاّ صدقاً، ولا يَعملونَ إلا حقّاً.
وكذلكَ النجومُ جعلَها اللهُ رُجوماً للشياطينَ في استراقِ السَّمعِ، فقالَ تعالى: إنَّا زيَّنَّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكب وحفظاً من كلَّ شيطانٍ مارد لا يسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى ويُقذفونَ من كلَّ جانبٍ دُحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ إلا من خَطِفَ الخَطفةَ فأتبعَه شِهابٌ ثاقبٌ ]الصافات: 6-10[.
وقالَ سبحانَه وتعالى: ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينَ
]الملك: 5[ .
وكذلكَ الصحابة رضي اللهُ عنهم زينةُ هذه الأمةِ كانوا رصداً لتأويلِ الجاهلينَ، وانتحالِ المبطلينَ وتحريفِ الغالينَ؛ الَّذينَ جعلوا القرآنَ عضين، واتبعوا أهواءَهم، فتفرَّقوا ذاتَ اليمينِ وذات الشمالِ، فكانوا عزين.
وكذلكَ فإنَّ النجومَ منارٌ لأهلِ الأرضِ، ليهتدوا بها في ظلماتِ البرَّ والبحرِ؛ كما قالَ تعالى:
وعلاماتٍ وبالنجمِ هم يَهتدونَ ]النحل: 16[.
وقالَ جلّ شأنه: وهو الّذي جعلَ لكم النجومَ لتهتَدوا بها في ظلماتِ البرَّ والبحرِ
] الأنعام: 97[ .
وكذلكَ الصحابةُ يُقتدى بهم للنجاةِ من ظلمات الشهواتِ والشبهاتِ، ومن أعرضَ عن
فهمِهم فهو في غيّه يتردّى في ظلماتٍ بعضُها فوقَ بعض إذا أخرجَ يدَه لم يَكد يَراها.
وبفهمِ الصحابةِ نحصنُ الكتابَ والسنّةَ من بدعِ شياطين الإنسِ والجنَّ الَّذينَ يَبتغونَ الفتنةَ ويَبتغونَ تأويلهما؛ ليفسدوا مرادَ اللهِ ورسولِه، فكانَ فهمُ الصحابةِ حرزاً من الشرَّ وأسبابِه، ولو كانَ فهمهم لا يحتجُّ به لكانَ فهمُ مَن بعدَهم أمَنَةً للصحابةِ وحرزاً لهم، وهذا محالٌ.
* الحادي عشر – والأحاديثُ في إيجابِ محبتِهم وذمِ من أبغضَهم – وكمال محبتِهم في اقتفاءِ أثرِهم، والسيِر على هداهم في فهمِ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِ اللهِ  - كثيرةٌ.
ومن هذه الأحاديثِ قولهُ  :  لا تسبّوا أصحابي فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثلَ أحدٍ ذهباً ما بَلَغَ مدَّ أحدِهم ولا نَصيفَه  ( 1 ).
وما ذاكَ من جهةِ كونهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط، فإنَّ ذلكَ لا مريةَ فيه، وإنَّما هو لشدّةِ متابعتهم له، وأخذِهم العملَ على سنته كان بهذه المثابةِ، فحقيقٌ أن يُتَّخَذَ فَهْمُهم سَبيلاً، وتجعلَ أقوالُهم قبلةً يولي المسلمُ وجهه شطرَها ولا يلتفتُ لغيرِها، وذلكَ واضحٌ في سببِ ورودِ الحديثِ حيثُ أنَّ الخطابَ لخالد بنِ الوليدِ رضي اللهُ عنه وهو صحابيٌّ ( 2 )، فإذا كانَ مدُّ بعضِ الصحابةِ أو نصيفه أفضلَ عندَ اللهِ من أُحُدٍ، وذلكَ لفضلِهم وسبقهم فلا شكَّ أنَّ بينَّ الصحابةِ ومن بعدَهم مفاوزَ، فإذا كان الأمُر بهذهِ المنزلةِ فكيفَ يُجيزُ ذو مسكةِ عقلٍ أن لا يَكونَ فهمُهم لدينِ اللهِ طريقَ رشدٍ يهدي للتي هي أقومُ ؟


(1) : أخرجه البخاري (7/21- الفتح) ، ومسلم (16/92-93 نووي ).من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه .
وقد وقع عند مسلمٍ (16/92- نووي ) من حديثِ أبي هريرة رضي اللهُ عنه وهو وهمٌ ، كما بيّنَه الحافظان البيهقي في "المدخل إلى السنن" (ص113)، وابن حجر في "فتح الباري" (7/135) .
ومن شاء المزيدَ فلينظر : "جزء محمد بن عاصم عن شيوخِه" بتحقيقي (13) .
(2) : وانظر : "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" لابن حمزة الحسيني (3/304-305) .