المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذ اخترت المنهج السلفي ( الحلقة الرابعة )


أحمد المصري
04-16-2011, 12:00 AM
* الثاني عشر - ومنها قولُه :  عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الرّاشدينَ عضّوا عليها بالنواجذِ  .
وجه دلالتهِ: أنَّ رسولَ اللهِ  أمرَ أُمَّتَه عند الاختلافِ بالتمسكِ بسنته بفهم صحابتِهِ كما سبقَ بيانُه.
ومن النكتِ اللَّطيفةِ في هذا الحديثِ: أنَّ رسولَ اللهِ  بعدَ أن ذكرَ سنتَه وسنةَ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المهديينَ قالَ:  عضّوا عليها  ولم يَقل:  عضّوا عليهما  للدلالةِ على أنَّ سنتَه وسنةَ الخلُفاءِ الرّاشدينَ منهجٌ واحدٌ، ولن يَكونَ ذلكَ إلا بهذا الفهمِ الصحيحِ الصريحِ وهو: التمسكُ بسنتِه  بفهمِ صحابتِه رضي اللهُ عنهم.
* الثالث عشر – ومنها قولُه  في وصفِ منهجِ الفرقةِ الناجيةِ والطائفةِ المنصورةِ:
 ما أنا عليه اليومَ وأصحابي  .
فإن قيلَ: ليسَ من شكٍ أنَّ فهمَّ الرَّسول rوفهمَ أصحابِه من بعدِه هو المنهجُ الّذي
لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه، لكن ما الدَّليلُ على أنَّ المنهجَ السَّلفيَّ هو فهمُ الرَّسولِ rوأصحابه؟
قلتُ: الجوابُ من وجهينِ:
أ - إنَّ المفاهيمَ المذكورةَ آنفاً متأخَّرةٌ عن عهدِ النُّبوّةِ والخلافةِ الرَّاشدةِ، ولا يُنسبُ السَّابقُ للاحقَّ بل العكس، فتبيّنَ أنَّ الطائفةَ الَّتي لم تسلك هذا السُّبلَ، ولم تتبّع هذه الطُّرق، هي الباقيةُ على الأصلِ.
ب - لسنا نجدُ في فرقِ الأُمّةِ من هم على موافقةِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم غيرَ أهلِ السنّةِ والجماعةِ من أتباعِ السَّلفِ الصالحِ أهلِ الحديثِ، دونَ سائرِ الفرقِ:
فأمَّا المعتزلةُ، فكيفَ يَكونونَ موافقينَ للصَّحابةِ وقد طعنَ رؤوسُهم في جِلّةِ الصحابةِ، وأسقطوا عدالتَهم، ونسبوهم إلى الضلالِ كواصلِ بنِ عطاءٍ الَّذي قالَ: ( لو شهدَ عليٌّ، وطلحةُ، والزُّبيرُ على باقةِ بَقلٍ لم أحكم بشهَادَتِهم )( 1 ).
وأمّا الخوارجُ؛ فقد مَرقوا من الدينِ، وشذّوا عن جماعةِ المسلمينَ؛ فمن ضروريّاتِ مذهبِهم أن يَكفَّروا عليّاً وابنيه، وابنُ عبّاسٍ وعثمان، وطلحة، وعائشة، ومعاوية، ولا يَكونُ على سمتِ الصحابةِ من اتَّخذَهم غَرضاً وكفَّرهم.
وأمَّا الصوفيّةُ؛ فَسَخِروا من ميراثِ الأنبياءِ، وأسقطوا نَقَلَةَ الكتابِ والسنّةِ، ووصفوهم بالأمواتِ، فقال كبيرُهم: ( أنتم تأخذونَ عِلمَكم؛ ميّت عن ميّت، ونحنُ نأخذُ علمنا عن الحيّ الّذي لا يموت ) ولذلك يقولون – فضّت أفواههم، معارضين إسنادَ أهل الحديث - :
(حدَّثني قلبي عن ربّي ).
وأمَّا الشيعةُ؛ فقد زعمت أنَّ الصحابةَ رضوانُ اللهِ عليهم ارتدّوا بعدَ النبيَّ سوى نفرٍ قليلٍ.
فهذا الكشيُّ – أحدُ أئمتِهم – يَروي في "رجالهِ" (ص12و13) عن أبي جعفرٍ أنه قالَ:
"كانَ الناسُ أهلَ ردَّة بعدَ النبيَّ إلا ثلاثة".
فقلتُ: من الثلاثةُ؟


(1) : انظر "الفرق بين الفرق" (ص119-120) .


فقال: المقدادُ بن الأسودِ، وأبوذرًّ الغِفاريّ، وسلمان الفارسيّ".
ويروي (ص13) عن أبي جعفرٍ أنّه قال :
"المهاجرونَ والأنصارُ ذهبوا إلا ثلاثة" ( 1 ) .
وها هو الخُمينيُّ – آيتهم في هذا العصرِ – يَطعنُ ويلعنُ الشيخين أبا بكرٍ وعمرَ في كتابِه "كشف الأسرارِ" (ص131) فيقولُ: "فإنَّ الشيخين ... ومن هنا نَجدُ أنفسنا مضطرّينَ على إيرادِ شواهدَ من مُخالفتِهما الصريحةِ للقرآنِ لنثبتَ بأنهما كانا يُخالفانِ ذلكَ" .
وقالَ (ص137) : "... وأغمضَ عينيه ( 2 ) ، وفي أُذنيه كلماتُ ابنِ الخطابِ القائمة على الفرية، والنابعة من أعمالِ الكفرِ والزندقةِ، والمُخالفةِ لآياتٍ وردَ ذكرها في القرآنِ الكريمِ".
وأمّا المرجئةُ، فيَزعمونَ أنَّ إيمانَ المنافقين الَّذينَ مردوا على النفاقِ كإيمانِ السَّابقينَ الأولين من المهاجرينَ والأنصارِ.
فكيفَ يَكونُ هؤلاءِ موافقينَ للصحابةِ رضي اللهُ عنهم وهم:
أ – يَكفرونَ خيارَهم .
ب – لا يَقبلونَ شيئاً ممّا رووا عن رسولِ اللهِ  في العقائدِ والأحكامِ.
ج – يتبعونَ نفاياتِ حضارةِ الرومانِ وفلسفةِ اليونانِ.
وبالجُملةِ؛ فهذه الفرقُ تُريدُ إبطالَ شهودِنا على الكتابِ والسّنَةِ وجرحَهم؛ فهم بالجرحِ أولى،
وهم زنادقة.


(1) : وانظر "الكافي" للكليني (115) .
(2) : أي النبي  .


وبذلكَ يتبيَّن أنَّ الفهمَ السَّلفيَّ هو منهجُ الفرقةِ النّاجيةِ والطائفةِ المنصورةِ في الفهمِ والتَّلقَّي والاستدلال.
والمقتدونَ بالصحابةِ رضي اللهُ عنهم مَن يعملُ بالروايةِ الصحيحةِ الثابتةِ في أحكامِهم وسيِرهم وفهمهم، وذلكَ سنةُ أهلِ الحديثِ دونَ ذوي البدعِ والأهواءِ، فصحَّ بصحةِ
ما عرضنا، وقوة إذ ذكرنا تحقيق نجاتِهم لحكمِ الرَّسولِ  بنجاةِ المقتدينَ بسنته وسنةِ الخلفاءِ الرّاشدينَ المهديينَ من بعدِه.



احتاج الصحابة والتابعين بفهم السلف ومنهجهم
1 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
عن عمروِ بن سلمة: كنّا جُلوساً على بابِ عبدِ اللهِ بنِ مسعود قبلَ الغداةِ، فإذا خرجَ مشينا معه إلى المسجدِ، فجاءَنا أبو موسى الأشعريّ، فقالَ: أَخرج إليكم أبو عبدِ الرَّحمنِ بعدُ؟
قلنا: لا.
فجلسَ معنا حتّى خرجَ، فلما خرجَ قمنا إليه جَميعاً، فقالَ له أبو موسى:
يا أبا عبدِ الرَّحمنِ إنّي رأيتُ في المسجدِ آنفاً أمراً أنكرته، ولم أرَ - والحمد لله -
إلا خيراً.
قالَ: فما هو ؟
قال: إن عشتَ فستراه، رأيتُ في المسجدِ قوماً حِلَقاً جلوساً ينتظرونَ الصلاةَ، في كلَّ حلقةٍ رجلٌ، وفي أيديهم حصى، فيقولُ: كبرّوا مئةً فيكبرّونَ مئةً، فيقولُ: هلّلوا مئة، فيهلّلونَ مئةً، ويقولُ: سبّحوا مئةً، فيسبحونَ مئةً.
قالَ: فماذا قلتَ لهم؟
قالَ: ما قلتُ لهم شيئاً انتظارَ أمرِكَ.
قالَ: أفلا أمرتَهم أن يعدّوا سيئاتِهم ( 1 )، وضمنتُ لهم ألا يَضيعَ من حسناتِهم؟!
ثمَّ مضى، ومضينا معه، حتّى أتى حلقةً من تلك الحِلَقِ، فوقفَ عليهم، فقالَ: ما هذا الّذي أراكم تصنعونَ؟!
قالوا: يا أبا عبدِ الرحمنِ حصى نعدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ.
قالَ: فعدّوا سيئاتِكم، فأنا ضامنٌ ألا يَضيعَ من حسناتِكم شيءٌ، ويحكم يا أُمةَ محمدٍ
ما أسرعَ هلكتكم هؤلاءِ صحابة نبيّكم  متوافرونَ، وهذه ثيابه لم تبل، وأنيتُه لم تُكسر، والّذي نفسي بيده؛ إنَّكم لعلى ملّةِ أهدى من ملّةِ محمدٍ، أو مفتتحو باب ضلالة.
قالوا: واللهِ يا أَبا عبدِ الرَّحمنِ ما أردنا إلا الخير.
قالَ: وكم من مُريدٍ للخيرِ لم يُصيبَه؛ إنَّ رسولَ اللهِ حدَّثنا:  إنَّ قوماً يَقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تراقيَهم  ( 1 ).


(1) : ليستغفروا منها، فمن أحصى سيئاتِه كانَ داعياً له؛ لأن يَتوبَ إلى اللهِ


وأيمُ الله؛ ما ادري؛ لعل أكثرَهم منكم، ثمَّ تولّى عنهم.
فقال عمرُو بن سَلَمةَ: رأينا عامةَ أُولئكَ الحِلَقِ يُطاعنونا يومَ النهروانِ مع الخوارجِ ( 2 ).
فقد احتجَّ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه على أفراخِ الخوارجِ بوجودِ أصحابِ رسولِ اللهِ  بينَهم، وبأنَّهم لم يَفعلوا فعلتَهم، فلو كانت خيراً كما يَزعمونَ لسبقَهم أصحابُ محمدٍ  إليه، ولمّا لم يَفعلوا ذلكَ فهو ضلالةٌ.
فلو لم يَكن منهجُ الصحابةِ رضي الله عنهم حجّةً على من بعدَهم، لقالوا لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ: أنتم رجالٌ ونحنُ رجالٌ.
2 - وعنه قالَ:
(من كانَ متأسّياً فليتأسَّ بأصحابِ رسولِ اللهِ ، فإنَّهم كانوا أبرَّ هذه الأمةِ قُلوباً، وأعمقَها علماً، وأقلَّها تكلُّفاً، وأقومَها هدياً، وأحسنَها حالاً، قومٌ اختارَهم اللهُ لصحبةِ نبيّهِ، وإقامةِ دينِهِ، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارِهم، فإنَّهم كانوا على الهدى المستقيم).
3 - عبد اللهِ بن عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما.
لمّا خرجت الحروريّة اعتزلوا في دار، وكانوا ستةَ آلافٍ، وأجمعوا على أنَّ يَخرجوا على عليّ، فكانَ لا يَزالُ، يَجيءُ إنسانٌ، فيقولُ: يا أَميرَ المؤمنينَ إنّ القومَ خارجونَ عليك.
فيقولُ: دعوني؛ فإني لا أُقاتلُهم حتّى يُقاتلوني، وسوفَ يفعلونَ.


(1) : وله طريقٌ آخرُ عن عبد الله بنِ مسعود – رضي الله عنه - .
أخرجه أحمدُ (1/404) بإسنادٍ جيد.
وكذلك ورد هذا الحديث عن جمع من الصحابة – رضي الله عنهم - .
(2) : وانظر تَخريج وفقه هذه المناظرة في كتابي "البدعة وأثرها السيئ في الأمة" (ص29-33)، الطبعة الثالثة.



فلماّ كانَ ذاتَ يومٍ؛ أتيتَه قبلَ صلاةِ الظهرِ، فقلتُ لعليًّ: يا أميرَ المؤمنينَ أبرد بالصلاةِ؛ لعلي أُكلَّمُ هؤلاءِ القومَ.
قالَ: فإنّي أخافهم عليكَ.
قلتُ: كلا، وكنتُ رجلاً حسنَ الخُلُقِ؛ لا أُؤذي أحداً.
فأذنَ لي، فلبست حُلَّةً من أحسنِ ما يَكونُ من اليَمَنِ، وترجَّلتُ، ودخلتُ عليهم في دارٍ نصف النهار وهم يأكلونَ، فدخلتُ على قوم لم أرَ قطُّ أشدَّ منهم اجتهاداً، جباههم قَرِحةٌ من السُّجودِ، وأياديهم كأنّها ثَفنُ الإبلِ، وعليهم قُمُصٌ مرحضة، مشمَّرينَ، مسهمة وجوههم.
فسلّمتُ عليهم، فقالوا: مرحباً بكَ يا ابنَ عبّاسٍ وما هذه الحلّة عليكَ؟!
قلتُ: ما تَعيبونَ منّي؟ فقد رأيتُ رسولَ اللهِ  أحسنَ ما يَكونُ في ثيابِ اليمنيّةِ، ثمَّ قرأتُ هذه الآية : قُل من حرَّمَ زينةَ اللهِ التي أخرجَ لعبادِهِ والطيباتِ من الرَّزقِ
]الأعراف: 32[.
فقالوا: فما جاءَ بكَ؟
قلتُ لهم: أتيتُكم من عندِ أصحابِ النبيَّ  المهاجرينَ والأنصارِ، ومن عندِ ابنِ عمَّ النبيَّ  وصهرِه وعليهم نزلَ القرآنُ؛ فهم أعلمُ بتأويلِه منكم، وليسَ فيكم منهم أحدٌ؛ لأُبلَّغَكم
ما يَقولونَ، وأبلَّغهم ما تقولونَ.
فقالت طائفةٌ منهم لا تُخاصموا قريشاً؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقولُ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمونَ
]الأعراف: 58[.
فانتحى لي نفرٌ منهم، فقالَ: اثنان أو ثلاثة: لَنُكَلَّمنّه.
قلتُ: هاتوا؛ ما نقمتكم على أصحابِ رسولِ الله  وابنِ عمّهِ؟
قالوا: ثلاث.
قلت: ما هنَّ؟
قالوا: أمّا إحداهنَّ؛ فإنَّه حكَّمَ الرَّجالَ في أمرِ اللهِ، وقالَ اللهُ: إنِ الحُكْمُ إلا للهِ
]الأنعام: 57، يوسف: 40 و67[.
قلتُ: هذه واحدةٌ.
قالَوا: وأمّا الثانيةُ؛ فإنّه قاتلَ ولم يَسبِ ولم يَغنم؛ إن كانوا كفّاراً لقد حلَّ سبيهم، ولئن كانوا مؤمنينَ ما حلَّ سبيلهم ولا قتالهم ( 1 ).
قلتُ: هذه اثنتانِ، فما الثالثةُ؟.
قالوا: محى نفسَه من أميرِ المؤمنينَ، فإن لم يَكن أميرَ المؤمنين؛ فهو أميرُ الكافرينَ.
قلتُ: هل عندَكم شيءٌ غير هذا؟.
قالوا: حسبُنا هذا.
قلتُ لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتابِ اللهِ جلَّ ثناؤه وسنة نبيهِ  ما يُردُّ قولكم؛ أترجونَ؟
قالوا: نعم.


(1) : هذا هو الحكمُ في الفئةِ الباغيةِ: لا تُسبى نساؤهم وذراريهم، ولا يقسمُ فيئهم، ولا تُجهزُ على جريحم، ولا يُتبعُ هاربهم، ولا يُبدؤونَ بقتالٍ ما لم يَفعلوا.



قلت:ُ أمَّا قولكم: (حكَّم الرّجالَ في أمرِ اللهِ)؛ فإنّي أقرأُ عليكم في كتابِ اللهِ أن قد صيرَّ اللهُ حكمَه إلى الرّجالِ في ثمنِ ربعِ درهمٍ، فأمرَ اللهُ تباركَ وتعالى أن يُحَكَّموا فيه.
أرأيتَ قولَ اللهِ تبارك وتعالى : يا أَيـُّها الَّذينَ آمنوا لا تَقتلوا الصيدَ وأَنتم حُرُم ومن قَتَلَه مِنكُم مُتعمّداً فجزاء مثلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ به ذوا عدلٍ منكم ]المائدة: 95[، وكانَ حُكمُ اللهِ أنّه صيرّه إلى الرّجالِ يَحكمونَ فيه، ولو شاءَ يَحكمُ فيه، فجازَ من حكم الرجال.
أنشدكم باللهِ أحكمُ الرّجالِ في إصلاحِ ذاتِ البيِن وحقنِ دمائهم أفضلُ أو في أرنبٍ؟!
قالوا: بلى؛ بل هذا أفضل.
وفي المرأةِ وزوجها: وإن خِفتم شقاقَ بينهما فابعثوا حَكَماً من أهلِه وحَكَماً مِن أهلِها
]النساء: 35[، فنشدتُكم باللهِ حُكمُ الرجالِ في صلاحِ ذاتِ بينِهم وحقنِ دمائهم أفضلُ من حُكمِهم في بضعِ امرأةٍ؟!
خرجتُ من هذه؟
قالوا: نعم.
قلتُ: وأمّا قولُكم: (قاتلَ ولم يَسب ولم يَغنم)؛ أَفَتسبُونَ أُمَّكم عائشةَ تستحلونَ منها
ما تستحلونَ من غيرها وهي أُمُّكم؟ فإن قلتم: إنّا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرها؛ فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمَّنا فقد كفرتم: النبيُّ أولى بالمؤمنينَ مِن أنفسِهِم وأزواجُهُ أُمّهاتُهُم ]الأحزاب: 6[. فأنتم بينَ ضلالتينَ، فأتوا بمخرجٍ.
أَفخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
وأمّا محيُ نفسِه من أميرِ المؤمنينَ؛ فأنا آتيكم بما ترضونَ: إنَّ نبيَّ اللهِ  يومَ الحديبيةِ صالحَ المشركين، فقالَ لعليّ:  أُمحُ يا عليُّ اللّهمَّ إنَّكَ تعلمُ أنّي رسولُ اللهِ واكتب هذا ما صالحَ عليه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ  ( 1 ).
والله لرسول الله  خيرٌ من عليًّ، وقد محى نفسَه، ولم يكن محوُه نفسَه ذلكَ محاه من النبوّةِ.
أخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
فرجعَ منهم ألفان، وخرجَ سائرهم، فقتلوا على ضلالتِهم، قتلَهم المهاجرونَ والأنصارُ ( 1 ).
فقد احتجَّ عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما بمنهجِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم على الخوارجِ، فإنَّ القرآنَ نَزَلَ فيهم فهم أعلمُ بتأويلِه، وهم صحبوا رسولَ اللهِ  فهم اتبعُ لسبيلِه.
وتوجيه عبدِ اللهِ بنِ عبّاس رضي اللهُ عنهما لشبهِ الخوارجِ، وبيان وجه الحقَّ الأبلج من الباطلِ اللجلجِ، دليلٌ علميٌّ على ما قَدَّمناه من الاحتجاجِ بمنهجِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم.
4 - قالَ الأوزاعيُّ - رحمه اللهُ - :
(اصبر نفسَكَ على السنّةِ، وقف حيثُ وَقَفَ القومُ، وقل بما قالوا، وكفَّ عماّ كفوا عنه، واسلك سبيلَ سلفكَ الصالح، فإنَّه يَسعكَ ما وسعهم)( 2 ).



(1) : وله شاهدٌ من حديثِ البراءِ بن عازبِ – رضي الله عنه - .
أخرجه البخاري (5/303-304- فتح) ومسلمٌ (12/134- 138- نووي).
(1) : صحيح، وانظر تخريجه في كتابي "مناظرات السلف مع حزب إبليس وأفراخ الخلف" (ص95) نشر دار ابن الجوزي - الدمام.
(2) : الآجري في "الشريعة" (ص58).