أحمد المصري
04-19-2011, 08:32 PM
المنهج في اللُّغة: "هو الطريق الموصل إلى غاية من الغايات، سواء أكان هذا الطريق مكاناً أم وسيلة لتحقيق فكرة معيّنة أو هدف معيّن، وسواء أكانت هذه الغاية مفيدة أم ضارة صواباً أم خطأ"( ).
وقد وردت كلمة "المنهج" في القرآن الكريم، قال تعالى [المائدة: 48].
أمَّا المنهج في الاصطلاح: فهو "أداة التربية ووسيلتها، وهو ذلك الطريق الواضح الذي يسلكه المربي أو المدرس مع مَنْ يربيهم لتنمية معارفهم، ومهاراتهم، واتجاهاتهم، أو هو مجموع الخبرات التربويّة، والثقافيّة، والاجتماعيّة، والرياضيّة، والفنيّة، التي يهيئها المدرس لتلاميذه داخل المدرسة وخارجها بقصد مساعدتهم على النّمو الشامل في جميع النواحي وتعديل سلوكهم طبقاً لأهدافها التربويّة"( ).
وانطلاقاً من هذا المفهوم الشامل للمنهج الدراسيّ المعاصر؛ فإنَّ للمنهج أربعة أركان رئيسية:
أولها: الأهداف التربويّة.
ثانيها: المادة العلميّة الشاملة للمعارف، وأوجه النشاط والخبرات التي تتكوّن منها مادة المنهج.
ثالثها: طُرق وأساليب التدريس المتبعة مع التلاميذ لدفعهم إلى التعلُّم وتحقيق أهدافه المرسومة.
رابعها: طُرق التقويم والقياس( ).
أمَّا المنهج الإسلاميّ فإنَّه يعرف بأنَّه قانون الحياة الذي أنزله الله سبحانه إلى الجنس الإنسانيّ ليحكّموه في حياتهم وشؤونهم المختلفة، وهو
() توفى ـ رحمه الله تعالى ـ منذ مدة.
( ) مناهج الدّراسات الإسلاميّة: د. عابدين توفيق، 1/31.
( ) فلسفة التّربية: د. الدمرداش ود. منير، 1/301.
( ) مناهج الدّراسات الإسلامية: د. عابدين توفيق، 1/32.
منهج يتجاوب مع الفطرة الإنسانيّة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والله أعلم بها؛ لأنَّه خالقها، قال تعالى [الملك: 14]. ذلك أنَّ الخالق أعلم بتصميم منهاج الحياة من الإنسان الذي يجهل طبيعة نفسه وطبيعة عقله، قال تعالى [الكهف: 51].
إنَّ الإنسان يعلم ما يبدو له من ظاهر الحياة الدنيا، قال تعالى [الروم: 7].
ومن هنا؛ فإنَّ الإطار العام لهذا المنهج التربويّ الربانيّ المُنْزَل في جميع الأديان متفق في تجاوبه مع الفطرة الإنسانيّة الكامنة في كل إنسان؛ لأنَّ الناس جميعاً صفتهم الفطرة مشتركة عقلاً، ونفساً، وروحاً، وقلباً، وجسماً، فهو منهاج متكامل للإنسان في هذه المجالات الخمسة، قال تعالى [الروم: 30].
وبناءً على ما تقدّم؛ فإنَّا نقصد بـ "مناهج المفسّرين": "الطُرق التي يتبعها المفسِّرون في تفسير كتاب الله تعالى". ذلك أنَّ منهم الذي يعتمد على الرواية، ومنهم مَنْ يعتمد على الدّراية، ومنهم مَنْ يجمع بين الرواية والدّراية، ومنهم مَنْ يعتمد على الفهم الشَّخصيّ والمجال الذي تخصَّص فيه.
ومن هنا برزت عدّة مسمّيات، منها: "التَّفسير بالمأثور"، "التَّفسير الموضوعيّ"، "التَّفسير الصوفيّ الإشاريّ"، "التَّفسير الصوفيّ النَّظريّ"، "التفسير العلميّ"، و"التَّفسير البدعيّ" الذي يؤول كلام الله ويحمّله معاني فاسدة وبعيدة عن النَّص القرآنيّ الكريم.
كل هذه الطُرق تدخل تحت كلمة "مناهج"، وسيأتي تفصيلها مصحوبة بالأمثلة، والتَّوضيح، والبيان ـ إنْ شاء الله تعالى ـ.
معنى التَّفسير:
التَّفسير في اللُّغة: مأخوذ من الفَسْر، بمعنى: الإبانة، والكشف، وإظهار المعنى، يقال: فسر الشيء يفسر ـ بالكسر والضم ـ فسراً إذا أبانه وكشف غطاءه، ومنه قوله تعالى [الفرقان: 33].
وقيل: هو مقلوب من سفر، ومعناه أيضاً الكشف، يقال: أسفرت المرأة سفوراً: إذا ألقت خمارها عن وجهها.
وفي عُرف الشَّرع: هو "علم يُعرف به كتاب الله المُنْزَل على نبيّه محمد ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمِه".
معنى التأويل:
التَّأويل في اللُّغة: مأخوذ من الأَوْل، وهو الرّجوع إلى الأصل، يقال: آل إليه أولاً ومآلاً بمعنى رجع.
وفي عرف الشَّرع: له معنيان:
الأول: يأتي بمعنى المجيء، ومنه قوله تعالى [الأعراف: 52-53]. فتأويله هنا بمعنى مجيئه.
والثاني: ويأتي بمعنى التَّفسير، وهو ما يعنيه ابن جرير الطّبريّ حين يقول في تفسيره: "القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا.
الفرق بين التَّفسير والتَّأويل:
اختلف العلماء في بيان الفرق بين التَّفسير والتَّأويل، وفي تحديد النّسبة بينهما اختلافاً نتجت عنه أقوال كثيرة لا طائل من ذكرها، والذي تميل إليه النّفس من هذه الأقوال هو أنَّ التَّفسير ما كان راجعاً إلى الرّواية، والتَّأويل ما كان راجعاً إلى الدّراية؛ وذلك لأنَّ التَّفسير معناه الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله لا نجزم به إلاَّ إذا ورد عن رسول الله أو بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
أمَّا التَّأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللَّفظ بالدّليل والتَّرجيح على الاجتهاد ويتوصّل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستعمالها بحسب السّياق، ومعرفة الأساليب العربيّة، واستنباط المعاني من كلّ ذلك.
وعليه؛ فإنَّ ما وقع مبيّناً في كتاب الله أو سُنَّة رسوله قيل عنه "تفسير"، وما استنبطه العلماء عن طريق الاجتهاد قيل عنه "تأويل"، ومن هنا جاء قولهم: "التَّفسير ما تعلّق بالرّواية، والتَّأويل ما تعلّق بالدّراية.
التَّفسير في عهد النَّبي وأصحابه:
معلوم أنَّ الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بحفظ القرآن وبيانه، قال تعالى
[القيامة: 17-19].
فقد كان يفهم القرآن جملة وتفصيلاً، وكان عليه أنْ يبيّنه لأصحابه، قال تعالى [النحل: 44].
وكان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون القرآن؛ لأنَّه نزل بلغتهم، وكانوا يتفاوتون في هذا الفهم، فقد يغيب على واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
أخرج أبو عبيد عن طريق مجاهد وابن عباس قال: "كنت لا أدري ما
، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتمدون في تفسير القرآن على أمور ثلاثة:
أولاً: القرآن، فإنَّ ما جاء من القرآن مجملاً في موضع جاء مبيّناً في موضع آخر، فقد تأتي الآية مطلقة أو عامة ثم ينزل ما يقيّدها أو يخصصها، وهذا الذي يُسمَّى "تفسير القرآن بالقرآن"، فقوله تعالى [المائدة: 1]، فسّرتها آية
[المائدة: 3]، وقوله تعالى [الأنعام: 103]، فسّرتها آية [القيامة: 23].
ثانياً: كان الصحابة يرجعون إلى النبي فيما أشكل عليهم، كقوله تعالى [الأنعام: 82]، قالوا: يا رسول الله وأيُّنا لا يظلم نفسه، قال: (إنَّه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: [لقمان: 13]، إنَّما هو الشرك)( ).
ثالثاً: الفهم، فقد كان الصحابة إنْ لم يجدوا التَّفسير في كتاب الله ولا سُنَّة رسول الله اجتهدوا في الفهم، فإنَّهم من خلص العرب، يعرفون العربيّة ويحسنون فهمها، ويعرفون وجوه البلاغة فيها.
( ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، برقم 3408، 7/443.
وقد اشتهر بالتَّفسير من الصحابة جماعة، منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة، على تفاوت بينهم قلّة وكثرة.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ تفسير الصحابيّ له حكم المرفوع إذا كان يرجع إلى أسباب النّزول، ومن هذا القبيل كلّ ما ليس للرّأْي فيه مجال.
ولم يدوّن شيء من التَّفسير في هذا العصر؛ لأنَّ التَّدوين لم يكن إلاَّ في القرن الثّاني.
التَّفسير في عهد التَّابعين:
اشتهر بالتَّفسير بعض أعلام التابعين، وكانوا يعتمدون على المصادر التي جاءتهم من العصر السابق، بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد وفطرة. ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس، واشتهر من تلاميذه سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليمانيّ، وعطاء بن أبي رباح. فقد كانوا يجلسون إلى ابن عباس ليوضّح لهم ما أشكل من معاني التَّفسير، وهم يعون عنه ما يقول، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه منه.
وفي المدينة نشأت مدرسة أُبيّ بن كعب، ومن تلاميذه زيد بن أسلم،
وأبو العالية، ومحمد بن كعب، وغيرهم.
وفي العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعدّها العلماء نواة لمدرسة أهل الرّأْي. ومن التابعين الذين عُرفوا بالتَّفسير في العراق علقمة بن قيس، ومسروق الأجدع، والأسود بن يزيد، والحسن البصريّ، ومرة الهمدانيّ،
وعامر الشعبيّ، وقتادة بن دعامة الدّوسيّ.
هذا وقد اختلف العلماء فيما أُثر عن التابعين من التَّفسير بين مؤيّد ومعارض، وذهب أكثر المفسِّرين على أنَّه يؤخذ بتفسيرهم.
شروط المفسِّر:
[1] صحة الاعتقاد، فإنَّ للعقيدة أثرها في نفس صاحبها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار.
[2] التجرُّد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم وإنْ كانت باطلة.
[3] أنْ يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر.
[4] أنْ يطلب التَّفسير من السُّـنَّة فإنَّها شارحة للقرآن وموضحة له.
[5] إنْ لم يجد التَّفسير في السُّـنَّة رجع إلى أقوال الصحابة فإنَّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله.
[6] فإنْ لم يجد في القرآن ولا في السُّـنَّة ولا الصحابة فأقوال التابعين؛ لأنَّهم إنَّما يتكلّمون في بعض ذلك بالتلقي عن الصحابة، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح.
[7] العلم باللُّغة العربيّة وفروعها، فإنَّ القرآن نزل بلسان عربيّ.
[8] العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن كـ "علم القراءات"، و"علم التّوحيد"، و"أصول التَّفسير"، و"علم الأصول"، و"معرفة أسباب النّزول".
[9] دقة الفهم التي تمكّن المفسّر من ترجيح معنى على آخر، واستنباط ما يتفق مع النصوص الشَّرعيّة.
آداب المفسِّر:
للمفسِّر آداب، نجملها فيما يأتي:
[1] حسن النّية:
ذلك أنَّ العلوم الشَّرعيّة ينبغي أنْ يكون هدف صاحبها منها الخير العام، فـ (إنَّما الأعمال بالنيّات).
[2] حسن الخُلُق:
فالمفسِّر في موقف المؤدّب، وعليه ينبغي أنْ يكون قدوة يُحتذى به.
[3] الامتثال والعمل:
فالعلم يجد قبولاً عند الناس إذا عمل به صاحبه.
[4] تحري الصدق والضبط في النقل:
فلا يكتب إلاَّ عن ثبت.
[5] التَّواضع ولين الجانب:
فالصلف العلميّ يحول بين العالِم والانتفاع به.
[6] عزّة النّفس:
فمن حقّ العالم التّرفُّع عن سفاسف الأمور.
[7] الجهر بالحقّ:
لأنَّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
[8] حسن السَّمت:
الذي يكسب المفسِّر هيبة ووقاراً.
[9] الأناة والرّوية:
فلا يسرد الكلام سرداً؛ بل يفسِّره، ويبيِّنه ويوضحه.
[10] تقديم مَنْ هو أوْلَى منه:
فلا يتصدّى للتّفسير بحضرة مَنْ هو أوْلَى منه.
[11] حسن الإعداد وطريقة ألأداء:
كأنْ يبدأ بذكر سبب النّزول، ثم معاني المفردات، وشرح التراكيب، وبيان وجوه البلاغة والإعراب.
تدوين التَّفسير:
بدأ التّدوين في أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد العباسيين، وحَظِيَ الحديث بالنصيب الأوفى، وشمل تدوين الحديث أبواباً متنوعة، وكان التَّفسير باباً من هذا الأبواب، فلم يفرد له تأليف خاص يفسّر القرآن سورة سورة، وآية آية. وقد اشتدت عناية جماعة من المفسِّرين بالتَّفسير المنسوب إلى النبي وأصحابه والتابعين، وفي مقدمة هؤلاء يزيد بن هارون السلميّ 117هـ، وشعبة بن الحجاج 160هـ، ووكيع بن الجراح 197هـ، وسفيان بن عيينة، ولم يصل إلينا من تفاسيرهم شيء منظّم إلاَّ ما نُقِلَ هنا وهناك.
ثم جاء من بعد هؤلاء من أفرد التَّفسير بالتأليف، وجعله علماً قائماً بنفسه، ففسّر القرآن حسب ترتيب المصحف، وذلك كابن ماجة 273هـ، وابن جرير الطّبريّ 310هـ، وأبي بكر بن المنذر النيسابوريّ 318هـ، وابن أبي حاتم 327هـ.
ثم جاء على إثر هؤلاء مَنْ تجاوز التَّفسير بالمأثور، ومن ثم اتسعت العلوم، وتم تدوينها، وظهر التعصُّب المذهبيّ، حيث أصبح المفسِّرون يعتمدون في تفسيرهم على الفهم الشَّخصيّ، واهتم كلّ واحد من المفسِّرين بحشو التَّفسير بما برز فيه من العلوم، فصاحب العلوم العقليّة كالرازي يعنى بأقوال الحكماء والفلاسفة، وصاحب الفقه كالجصاص يعنى بالفروع الفقهيّة، وصاحب التاريخ كالثعلبيّ يعنى بالقصص والأخبار، وصاحب البدعة كالجبائيّ يؤول كلام الله على مذهبه الفاسد، وصاحب التصوُّف كابن العربيّ يستخرج المعاني الإشارية، وبذلك طغى التَّفسير بالرَّأْي على التَّفسير بالمأثور.
طبقات المفسِّرين:
الطبقة الأولى:
تقدّم أنَّ الذين اشتهروا بالتَّفسير في عهد الصحابة هم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر، وغيرهم. وهذه هي الطبقة الأولى.
الطبقة الثانية:
المفسِّرون من التابعين، هم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصريّ، والضحّاك، وأبو العالية، وغيرهم.
الطبقة الثالثة:
ثم ظهرت طبقة صنّفت التَّفاسير التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين كسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وغيرهما.
الطبقة الرابعة:
ثم جاءت بعد هؤلاء طبقات أخرى، منها ابن جرير الطّبريّ، وابن أبي حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وغيرهم.
الطبقة الخامسة:
ثم جاءت طبقة بعدهم، فصنَّفت التَّفاسير المشحونة بالفوائد المنقولة عن المتقدمين.
وقد ألَّف في التَّفسير طائفة من المتأخرين، اقتصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء، فدخل من هذا الدَّخيل، والتبس الصحيح بالعليل، وصار كلّ من سنح له قول يورده، ومن خطر بباله شيء يعتمده.
وقد وردت كلمة "المنهج" في القرآن الكريم، قال تعالى [المائدة: 48].
أمَّا المنهج في الاصطلاح: فهو "أداة التربية ووسيلتها، وهو ذلك الطريق الواضح الذي يسلكه المربي أو المدرس مع مَنْ يربيهم لتنمية معارفهم، ومهاراتهم، واتجاهاتهم، أو هو مجموع الخبرات التربويّة، والثقافيّة، والاجتماعيّة، والرياضيّة، والفنيّة، التي يهيئها المدرس لتلاميذه داخل المدرسة وخارجها بقصد مساعدتهم على النّمو الشامل في جميع النواحي وتعديل سلوكهم طبقاً لأهدافها التربويّة"( ).
وانطلاقاً من هذا المفهوم الشامل للمنهج الدراسيّ المعاصر؛ فإنَّ للمنهج أربعة أركان رئيسية:
أولها: الأهداف التربويّة.
ثانيها: المادة العلميّة الشاملة للمعارف، وأوجه النشاط والخبرات التي تتكوّن منها مادة المنهج.
ثالثها: طُرق وأساليب التدريس المتبعة مع التلاميذ لدفعهم إلى التعلُّم وتحقيق أهدافه المرسومة.
رابعها: طُرق التقويم والقياس( ).
أمَّا المنهج الإسلاميّ فإنَّه يعرف بأنَّه قانون الحياة الذي أنزله الله سبحانه إلى الجنس الإنسانيّ ليحكّموه في حياتهم وشؤونهم المختلفة، وهو
() توفى ـ رحمه الله تعالى ـ منذ مدة.
( ) مناهج الدّراسات الإسلاميّة: د. عابدين توفيق، 1/31.
( ) فلسفة التّربية: د. الدمرداش ود. منير، 1/301.
( ) مناهج الدّراسات الإسلامية: د. عابدين توفيق، 1/32.
منهج يتجاوب مع الفطرة الإنسانيّة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والله أعلم بها؛ لأنَّه خالقها، قال تعالى [الملك: 14]. ذلك أنَّ الخالق أعلم بتصميم منهاج الحياة من الإنسان الذي يجهل طبيعة نفسه وطبيعة عقله، قال تعالى [الكهف: 51].
إنَّ الإنسان يعلم ما يبدو له من ظاهر الحياة الدنيا، قال تعالى [الروم: 7].
ومن هنا؛ فإنَّ الإطار العام لهذا المنهج التربويّ الربانيّ المُنْزَل في جميع الأديان متفق في تجاوبه مع الفطرة الإنسانيّة الكامنة في كل إنسان؛ لأنَّ الناس جميعاً صفتهم الفطرة مشتركة عقلاً، ونفساً، وروحاً، وقلباً، وجسماً، فهو منهاج متكامل للإنسان في هذه المجالات الخمسة، قال تعالى [الروم: 30].
وبناءً على ما تقدّم؛ فإنَّا نقصد بـ "مناهج المفسّرين": "الطُرق التي يتبعها المفسِّرون في تفسير كتاب الله تعالى". ذلك أنَّ منهم الذي يعتمد على الرواية، ومنهم مَنْ يعتمد على الدّراية، ومنهم مَنْ يجمع بين الرواية والدّراية، ومنهم مَنْ يعتمد على الفهم الشَّخصيّ والمجال الذي تخصَّص فيه.
ومن هنا برزت عدّة مسمّيات، منها: "التَّفسير بالمأثور"، "التَّفسير الموضوعيّ"، "التَّفسير الصوفيّ الإشاريّ"، "التَّفسير الصوفيّ النَّظريّ"، "التفسير العلميّ"، و"التَّفسير البدعيّ" الذي يؤول كلام الله ويحمّله معاني فاسدة وبعيدة عن النَّص القرآنيّ الكريم.
كل هذه الطُرق تدخل تحت كلمة "مناهج"، وسيأتي تفصيلها مصحوبة بالأمثلة، والتَّوضيح، والبيان ـ إنْ شاء الله تعالى ـ.
معنى التَّفسير:
التَّفسير في اللُّغة: مأخوذ من الفَسْر، بمعنى: الإبانة، والكشف، وإظهار المعنى، يقال: فسر الشيء يفسر ـ بالكسر والضم ـ فسراً إذا أبانه وكشف غطاءه، ومنه قوله تعالى [الفرقان: 33].
وقيل: هو مقلوب من سفر، ومعناه أيضاً الكشف، يقال: أسفرت المرأة سفوراً: إذا ألقت خمارها عن وجهها.
وفي عُرف الشَّرع: هو "علم يُعرف به كتاب الله المُنْزَل على نبيّه محمد ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمِه".
معنى التأويل:
التَّأويل في اللُّغة: مأخوذ من الأَوْل، وهو الرّجوع إلى الأصل، يقال: آل إليه أولاً ومآلاً بمعنى رجع.
وفي عرف الشَّرع: له معنيان:
الأول: يأتي بمعنى المجيء، ومنه قوله تعالى [الأعراف: 52-53]. فتأويله هنا بمعنى مجيئه.
والثاني: ويأتي بمعنى التَّفسير، وهو ما يعنيه ابن جرير الطّبريّ حين يقول في تفسيره: "القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا.
الفرق بين التَّفسير والتَّأويل:
اختلف العلماء في بيان الفرق بين التَّفسير والتَّأويل، وفي تحديد النّسبة بينهما اختلافاً نتجت عنه أقوال كثيرة لا طائل من ذكرها، والذي تميل إليه النّفس من هذه الأقوال هو أنَّ التَّفسير ما كان راجعاً إلى الرّواية، والتَّأويل ما كان راجعاً إلى الدّراية؛ وذلك لأنَّ التَّفسير معناه الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله لا نجزم به إلاَّ إذا ورد عن رسول الله أو بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
أمَّا التَّأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللَّفظ بالدّليل والتَّرجيح على الاجتهاد ويتوصّل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستعمالها بحسب السّياق، ومعرفة الأساليب العربيّة، واستنباط المعاني من كلّ ذلك.
وعليه؛ فإنَّ ما وقع مبيّناً في كتاب الله أو سُنَّة رسوله قيل عنه "تفسير"، وما استنبطه العلماء عن طريق الاجتهاد قيل عنه "تأويل"، ومن هنا جاء قولهم: "التَّفسير ما تعلّق بالرّواية، والتَّأويل ما تعلّق بالدّراية.
التَّفسير في عهد النَّبي وأصحابه:
معلوم أنَّ الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بحفظ القرآن وبيانه، قال تعالى
[القيامة: 17-19].
فقد كان يفهم القرآن جملة وتفصيلاً، وكان عليه أنْ يبيّنه لأصحابه، قال تعالى [النحل: 44].
وكان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون القرآن؛ لأنَّه نزل بلغتهم، وكانوا يتفاوتون في هذا الفهم، فقد يغيب على واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
أخرج أبو عبيد عن طريق مجاهد وابن عباس قال: "كنت لا أدري ما
، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتمدون في تفسير القرآن على أمور ثلاثة:
أولاً: القرآن، فإنَّ ما جاء من القرآن مجملاً في موضع جاء مبيّناً في موضع آخر، فقد تأتي الآية مطلقة أو عامة ثم ينزل ما يقيّدها أو يخصصها، وهذا الذي يُسمَّى "تفسير القرآن بالقرآن"، فقوله تعالى [المائدة: 1]، فسّرتها آية
[المائدة: 3]، وقوله تعالى [الأنعام: 103]، فسّرتها آية [القيامة: 23].
ثانياً: كان الصحابة يرجعون إلى النبي فيما أشكل عليهم، كقوله تعالى [الأنعام: 82]، قالوا: يا رسول الله وأيُّنا لا يظلم نفسه، قال: (إنَّه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: [لقمان: 13]، إنَّما هو الشرك)( ).
ثالثاً: الفهم، فقد كان الصحابة إنْ لم يجدوا التَّفسير في كتاب الله ولا سُنَّة رسول الله اجتهدوا في الفهم، فإنَّهم من خلص العرب، يعرفون العربيّة ويحسنون فهمها، ويعرفون وجوه البلاغة فيها.
( ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، برقم 3408، 7/443.
وقد اشتهر بالتَّفسير من الصحابة جماعة، منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة، على تفاوت بينهم قلّة وكثرة.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ تفسير الصحابيّ له حكم المرفوع إذا كان يرجع إلى أسباب النّزول، ومن هذا القبيل كلّ ما ليس للرّأْي فيه مجال.
ولم يدوّن شيء من التَّفسير في هذا العصر؛ لأنَّ التَّدوين لم يكن إلاَّ في القرن الثّاني.
التَّفسير في عهد التَّابعين:
اشتهر بالتَّفسير بعض أعلام التابعين، وكانوا يعتمدون على المصادر التي جاءتهم من العصر السابق، بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد وفطرة. ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس، واشتهر من تلاميذه سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليمانيّ، وعطاء بن أبي رباح. فقد كانوا يجلسون إلى ابن عباس ليوضّح لهم ما أشكل من معاني التَّفسير، وهم يعون عنه ما يقول، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه منه.
وفي المدينة نشأت مدرسة أُبيّ بن كعب، ومن تلاميذه زيد بن أسلم،
وأبو العالية، ومحمد بن كعب، وغيرهم.
وفي العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعدّها العلماء نواة لمدرسة أهل الرّأْي. ومن التابعين الذين عُرفوا بالتَّفسير في العراق علقمة بن قيس، ومسروق الأجدع، والأسود بن يزيد، والحسن البصريّ، ومرة الهمدانيّ،
وعامر الشعبيّ، وقتادة بن دعامة الدّوسيّ.
هذا وقد اختلف العلماء فيما أُثر عن التابعين من التَّفسير بين مؤيّد ومعارض، وذهب أكثر المفسِّرين على أنَّه يؤخذ بتفسيرهم.
شروط المفسِّر:
[1] صحة الاعتقاد، فإنَّ للعقيدة أثرها في نفس صاحبها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار.
[2] التجرُّد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم وإنْ كانت باطلة.
[3] أنْ يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر.
[4] أنْ يطلب التَّفسير من السُّـنَّة فإنَّها شارحة للقرآن وموضحة له.
[5] إنْ لم يجد التَّفسير في السُّـنَّة رجع إلى أقوال الصحابة فإنَّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله.
[6] فإنْ لم يجد في القرآن ولا في السُّـنَّة ولا الصحابة فأقوال التابعين؛ لأنَّهم إنَّما يتكلّمون في بعض ذلك بالتلقي عن الصحابة، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح.
[7] العلم باللُّغة العربيّة وفروعها، فإنَّ القرآن نزل بلسان عربيّ.
[8] العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن كـ "علم القراءات"، و"علم التّوحيد"، و"أصول التَّفسير"، و"علم الأصول"، و"معرفة أسباب النّزول".
[9] دقة الفهم التي تمكّن المفسّر من ترجيح معنى على آخر، واستنباط ما يتفق مع النصوص الشَّرعيّة.
آداب المفسِّر:
للمفسِّر آداب، نجملها فيما يأتي:
[1] حسن النّية:
ذلك أنَّ العلوم الشَّرعيّة ينبغي أنْ يكون هدف صاحبها منها الخير العام، فـ (إنَّما الأعمال بالنيّات).
[2] حسن الخُلُق:
فالمفسِّر في موقف المؤدّب، وعليه ينبغي أنْ يكون قدوة يُحتذى به.
[3] الامتثال والعمل:
فالعلم يجد قبولاً عند الناس إذا عمل به صاحبه.
[4] تحري الصدق والضبط في النقل:
فلا يكتب إلاَّ عن ثبت.
[5] التَّواضع ولين الجانب:
فالصلف العلميّ يحول بين العالِم والانتفاع به.
[6] عزّة النّفس:
فمن حقّ العالم التّرفُّع عن سفاسف الأمور.
[7] الجهر بالحقّ:
لأنَّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
[8] حسن السَّمت:
الذي يكسب المفسِّر هيبة ووقاراً.
[9] الأناة والرّوية:
فلا يسرد الكلام سرداً؛ بل يفسِّره، ويبيِّنه ويوضحه.
[10] تقديم مَنْ هو أوْلَى منه:
فلا يتصدّى للتّفسير بحضرة مَنْ هو أوْلَى منه.
[11] حسن الإعداد وطريقة ألأداء:
كأنْ يبدأ بذكر سبب النّزول، ثم معاني المفردات، وشرح التراكيب، وبيان وجوه البلاغة والإعراب.
تدوين التَّفسير:
بدأ التّدوين في أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد العباسيين، وحَظِيَ الحديث بالنصيب الأوفى، وشمل تدوين الحديث أبواباً متنوعة، وكان التَّفسير باباً من هذا الأبواب، فلم يفرد له تأليف خاص يفسّر القرآن سورة سورة، وآية آية. وقد اشتدت عناية جماعة من المفسِّرين بالتَّفسير المنسوب إلى النبي وأصحابه والتابعين، وفي مقدمة هؤلاء يزيد بن هارون السلميّ 117هـ، وشعبة بن الحجاج 160هـ، ووكيع بن الجراح 197هـ، وسفيان بن عيينة، ولم يصل إلينا من تفاسيرهم شيء منظّم إلاَّ ما نُقِلَ هنا وهناك.
ثم جاء من بعد هؤلاء من أفرد التَّفسير بالتأليف، وجعله علماً قائماً بنفسه، ففسّر القرآن حسب ترتيب المصحف، وذلك كابن ماجة 273هـ، وابن جرير الطّبريّ 310هـ، وأبي بكر بن المنذر النيسابوريّ 318هـ، وابن أبي حاتم 327هـ.
ثم جاء على إثر هؤلاء مَنْ تجاوز التَّفسير بالمأثور، ومن ثم اتسعت العلوم، وتم تدوينها، وظهر التعصُّب المذهبيّ، حيث أصبح المفسِّرون يعتمدون في تفسيرهم على الفهم الشَّخصيّ، واهتم كلّ واحد من المفسِّرين بحشو التَّفسير بما برز فيه من العلوم، فصاحب العلوم العقليّة كالرازي يعنى بأقوال الحكماء والفلاسفة، وصاحب الفقه كالجصاص يعنى بالفروع الفقهيّة، وصاحب التاريخ كالثعلبيّ يعنى بالقصص والأخبار، وصاحب البدعة كالجبائيّ يؤول كلام الله على مذهبه الفاسد، وصاحب التصوُّف كابن العربيّ يستخرج المعاني الإشارية، وبذلك طغى التَّفسير بالرَّأْي على التَّفسير بالمأثور.
طبقات المفسِّرين:
الطبقة الأولى:
تقدّم أنَّ الذين اشتهروا بالتَّفسير في عهد الصحابة هم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعريّ، وعبد الله بن الزّبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر، وغيرهم. وهذه هي الطبقة الأولى.
الطبقة الثانية:
المفسِّرون من التابعين، هم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصريّ، والضحّاك، وأبو العالية، وغيرهم.
الطبقة الثالثة:
ثم ظهرت طبقة صنّفت التَّفاسير التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين كسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وغيرهما.
الطبقة الرابعة:
ثم جاءت بعد هؤلاء طبقات أخرى، منها ابن جرير الطّبريّ، وابن أبي حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وغيرهم.
الطبقة الخامسة:
ثم جاءت طبقة بعدهم، فصنَّفت التَّفاسير المشحونة بالفوائد المنقولة عن المتقدمين.
وقد ألَّف في التَّفسير طائفة من المتأخرين، اقتصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء، فدخل من هذا الدَّخيل، والتبس الصحيح بالعليل، وصار كلّ من سنح له قول يورده، ومن خطر بباله شيء يعتمده.