أ/أحمد
05-09-2011, 06:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد جاءني أحد طلاب العلم من تلاميذي بعددين من أعداد جريدة عكاظ.
أولهما العدد (15810) الصادر يوم الأربعاء بتأريخ (22من ذي الحجة عام 1430) يحمل مقالاً باسم الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي عنوانه: "الاختلاط طبيعي في حياة الأمة ومانعوه لم يتأملوا أدلة جوازه الصريحة".
وثانيهما: العدد (15811) الصادر في يوم الخميس بتأريخ (23/12/1430هـ)، تحت عنوان: "القول بتحريم الاختلاط افتئات على الشارع وابتداع في الدين".
أقول:
لقد خالف هذا الرجل في هذين المقالين نصوص الكتاب والسنة الصريحة في:
1- الأمر بالحجاب.
2- وغض البصر من الرجال والنساء.
3- وتحريم الخلوة بالمرأة.
4- وتحريم الدخول على النساء إلا مع محارمهن.
5- وفصل الرجال عن النساء في أعظم العبادات ألا وهي الصلاة.
6- والفصل بين الجنسين من الصحابة الكرام في التعليم، وفي مجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث لا يخالط النساء الرجال لا في تعليم القرآن الكريم ولا في تعليم السنة النبوية المطهرة وفي أفضل الأجواء وأطهرها وأنزهها وفي مجتمع الصحابة الكرام أفضل المجتمعات وأطهرها وأنبلها بعد الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-.
7- وخالف هذا المجتمع الطاهر مجتمع أصحاب محمد وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، بل شوههم بدعوى أنَّ مجتمعهم مجتمع اختلاط، حيث قال: " من حرَّموا الاختلاط لم يقتفوا هدي المجتمع النبوي".
8- وخالف علماء الأمة وفقهاءها وشوههم بدعاوى باطلة مثل رميهم بالغلو ومخالفة الآثار النبوية وآثار الصحابة ويجعلهم مع العوام ويرى أن تحريمهم الاختلاط بدعة وضلال، وهذه إهانات للعلماء الذين كرّمهم الله وأثنى عليهم وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة، فقال عزّ وجل: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَه إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ) [( آل عمران : 18 )]، وقال تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [( فاطر : 28 )] وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [الزمر :( 8 )]، وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [( المجادلة : 11)]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "العلماء ورثة الأنبياء"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤساً جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
ودعاة الاختلاط هم الرؤوس الجهال الذين يقودون الأمة إلى مهاوي الضلال.
9- وخالف قاعدة سد الذرائع المستمدة من عشرات النصوص من الكتاب والسنة.
10- وخالف قاعدة مراعاة المصالح والمفاسد التي راعتها الشريعة في كل شؤون الحياة.
ومما قاله: "القول بتحريم الاختلاط افتئات على الشارع وابتداع في الدين".
وله أقوال غريبة وتصرفات في النصوص عجيبة ستأتي مناقشته فيها إن شاء الله.
11- ويُقدِّم الإباحة الأصلية وهي العقلية على النصوص النبوية والقواعد الشرعية مثل قاعدة سد الذرائع ومراعاة المصالح والمفاسد.
12- أنه يخالف منهج أهل الحديث في التعامل مع روايات الضعفاء التي يُعتبر بها ويُستشهد بها.
قال العراقي في "ألفيته مع التبصرة والتذكرة" (2/10):
"وَأَسْوَأُ التَّجْرِيْحِ:(كَذَّابٌ) (يَضَعْ) يَكْذِبُ وَضَّاعٌ وَدَجَّالٌ وَضَعْ
وَبَعْدَهَا مُتَّهَمٌ بَالْكَذِبِ وَ(سَاقِطٌ) وَ(هَالِكٌ) فَاجْتَنِبِ
وَذَاهِبٌ مَتْرُوْكٌ أوْ فِيْهِ نَظَرْ وَ(سَكَتُوْا عَنْهُ) (بِهِ لاَ يُعْتَبَرْ)
وَ(لَيْسَ بِالثِّقَةِ) ثُمَّ (رُدَّا حَدِيْثُهُ) كَذَا (ضَعِيْفٌ جِدَّا)
(وَاهٍ بَمَرَّةٍ) وَ(هُمْ قَدْ طَرَحُوْا حَدِيْثَهُ) وَ(ارَمِ بِهِ مُطَّرَحُ)
(لَيْسَ بِشَيءٍ) (لاَ يُسَاوِي شَيْئَا) ثُمَّ (ضَعِيْفٌ) وَكَذَا إِنْ جِيْئَا
بِمُنْكَرِ الْحَدِيْثِ أَوْ مُضْطَرِبِهْ (وَاهٍ) وَ(ضَعَّفُوهُ) (لاَ يُحْتَجُّ بِهْ)
وَبَعْدَهَا (فِيْهِ مَقَالٌ) (ضُعِّفْ) وَفِيْهِ ضَعفٌ تُنْكِرُ وَتَعْرِفْ
(لَيْسَ بِذَاكَ بالْمَتِيْنِ بِالْقَوِيْ بِحُجَّةٍ بِعُمْدَةٍ بِالْمَرْضِيْ)
لِلضَّعْفِ مَا هُوْ فيْهِ خُلْفٌ طَعَنُوْا فِيْهِ كَذَا (سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ)
(تَكَلَّمُوا فِيْهِ) وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ مِنْ بَعْدُ شَيْئَاً بِحَدِيْثِهِ اعْتُبِرْ".
أقول: فأهل المراتب الثلاث الأول إلى قوله " لاَ يُسَاوِي شَيْئَا "، لا تقبل رواياتهم إطلاقاً؛ لا في الاحتجاج ولا في الشواهد والمتابعات.
وأهل المرتبتين الأخيرتين من قوله: "ثم ضعيف"، إلى قوله: "كذا سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ تَكَلَّمُوا فِيْهِ"، تقبل رواياتهم في المتابعات والشواهد.
ولا يحتج برواياتهم إذا انفردوا، لكنها تقبل في المتابعات والشواهد وتُقَوي غيرها وتتقوى بغيرها فيصح الاستدلال بها وتقوم بها الحجة.
والكاتب لم يلتفت إلى هذا المنهج في روايات الضعفاء أو من فيهم نوع ضعْف، وأعطاها كلها حكماً واحداً، لا يُفرِّق بين الكذابين والمتهمين وشديدي الضعف وبين غيرهم ممن يُعتبر برواياتهم ويُستشهد بها، بل يرد بعض الروايات الصحيحة التي يرويها الثقات العدول الضابطون، أو يتأولها لتنسجم مع مذهبه الغريب.
وبعد هذه اللمحة عن منهج هذا الكاتب أقول:
إن الله بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بعثه الله بأكمل رسالة وأشملها فبلغها البلاغ المبين على أكمل الوجوه، ومحور هذه الرسالة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد، وكلف رسوله محمداً –صلى الله عليه وسلم- ببيان ما فيه من إجمال وتقييد ما فيه من إطلاق إلى جانب ذلك جاءت سنته –صلى الله عليه وسلم- بزيادات على القرآن هي من وحي الله لهذا النبي الكريم والرسول الأمين الذي ما ترك من خير إلا دلنا عليه ولا من شر إلا حذرنا منه حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها هالك.
وأمر الله الأمة كلها بطاعة هذا الرسول الكريم واتباعه في آيات كثيرة، وحذرها من مخالفته، فقال عزّ من قائل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ( النور : 63 )
وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً).
وأقام الله تشريعاته كلها على الحِكَم ومراعاة المصالح والمفاسد، فما من حكم يشرعه الله إلا وهو مبني على الحكمة ولا ينهى عن شيء إلا وفي النهي عنه حكمة ومصلحة ودرء مفسدة.
وقد فهم علماء الإسلام وفقهاؤه هذه الحِكَم والمصالح والمقاصد لهذه الشريعة الغراء، وأن مدارها على خمسة مقاصد، وهي الضروريات التي يجب حفظها ألا وهي:
1- الدين.
2- النفس.
3- العقل.
4- النسل.
5- المال.
فشرع الجهاد لنشر الدين، وشرع قتل وقتال المرتدين لحمايته.
وشرع القصاص للحفاظ على الأنفس، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) [سورة البقرة : 178 ]، (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ....) [سورة المائدة :45].
وشرع تحريم الخمر بكل أنواعه لحفظ العقل.
وحرّم الزنى لحفظ الأعراض والنسل، وشرع إقامة الحدود على الزناة مائة جلدة للزاني والزانية إذا كانا بكرين، ورجمهما بالحجارة حتى الموت إذا كانا ثيبين.
وسد كل الذرائع الموصلة إلى الزنى، قال تعالى (قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...) [سورة النور : ( 30 - 31 )].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ »([1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn1)).
وشرع اسئتذان أهل البيوت قبل دخولها فقال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا...) [سورة النور : 27 ].
وأمر تعالى النساء بالحجاب فقال: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى...) [سورة الأحزاب: ( 33 )].
وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ...) [سورة الأحزاب : ( 59 )].
وعن عروة عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: "يَرْحَمُ الله نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ الله (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها"([2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn2)).
والجلباب هو الرداء فوق الخمار، وقال الجوهري هو الملحفة، والقصد من ذلك مخالفة نساء الجاهلية.
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ: يا رَسُولَ اللَّهِ فرأيت الْحَمْوَ قال الْحَمْوُ الْمَوْتُ"([3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn3)).
وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) [سورة الأحزاب : ( 53 )].
وعن جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ قال: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ e عن نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فقال: اصْرِفْ بَصَرَكَ"([4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn4)).
وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : " يا عَلِيُ! لا تتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة"([5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn5)).
وعن ابن شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بن سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أخبره أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ من جُحْرٍ في بَابِ رسول اللَّهِ e وَمَعَ رسول اللَّهِ e مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ فقال له رسول اللَّهِ e : " لو أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ طَعَنْتُ بِهِ في عَيْنِكَ إنما جَعَلَ الله الْإِذْنَ من أَجْلِ الْبَصَرِ"([6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn6)).
وعن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ ما كان عَلَيْكَ من جُنَاحٍ"([7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn7)).
كل هذه الآيات والأحاديث التي تحرم النظر إلى النساء الأجنبيات إنما غايتها سد الذرائع الموصلة إلى الزنى وهتك الأعراض.
فإذا عرف المسلمون مكانة هذا التشريع الحكيم، وعرفوا مقاصده ومراعاته لمصالح الأمة ودرء المفاسد التي تضر بهم في دينهم ودنياهم وأخراهم دفعتهم هذه المعرفة إلى أن يعضوا على هذا الدين عقيدة وتشريعاً وأخلاقاً بالنواجذ ودفعتهم إلى الاعتزاز به وإلى الازدراء بمن يخالف هذا الدين الحق وازدراء تشريعاتهم الفاسدة الضارة التي لا تجلب لمن يغتر بها إلا الخزي والهلاك في الدنيا والآخرة.
وإن دعاة التغريب ودعاة الاختلاط بين الجنسين لا يجرون الأمة إلا إلى هاوية هذا الدمار والهلاك، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [سورة النساء : ( 27 -28)]، أي لا يصمد أما الشهوات.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ"([8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn8)).
[1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref1) - أخرجه البخاري في "الاستئذان" حديث (6243)، ومسلم في "القدر" حديث (2657).
[2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref2) - أخرجه البخاري في "التفسير" حديث (4758)، وأبو داود حديث (4102).
[3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref3) - متفق عليه أخرجه البخاري حديث (5232)، ومسلم حديث (2172).
[4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref4) - أخرجه مسلم في "الاستئذان" حديث (2159)، وأبو داود في "النكاح" حديث (2148)، والترمذي في "الأدب" حديث (2776).
[5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref5) - أخرجه الترمذي في "الأدب"، حديث (2777) وفي إسناده شريك بن عبد الله صدوق يخطئ كثيراً، وأبو ربيعة مقبول، وابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (17395) و (32619)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5/119) كلاهما من طريق سلمة بن أبي الطفيل وهو مجهول، لكن يعضد هذا الحديث ما قبله وما بعده من الأحاديث.
[6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref6) - أخرجه البخاري في "الديات" حديث (6901)، ومسلم في "الآداب" حديث(2156).
[7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref7) - أخرجه مسلم، حديث(2158).
[8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref8) - أخرجه البخاري حديث (5096)، ومسلم حديث (2740).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد جاءني أحد طلاب العلم من تلاميذي بعددين من أعداد جريدة عكاظ.
أولهما العدد (15810) الصادر يوم الأربعاء بتأريخ (22من ذي الحجة عام 1430) يحمل مقالاً باسم الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي عنوانه: "الاختلاط طبيعي في حياة الأمة ومانعوه لم يتأملوا أدلة جوازه الصريحة".
وثانيهما: العدد (15811) الصادر في يوم الخميس بتأريخ (23/12/1430هـ)، تحت عنوان: "القول بتحريم الاختلاط افتئات على الشارع وابتداع في الدين".
أقول:
لقد خالف هذا الرجل في هذين المقالين نصوص الكتاب والسنة الصريحة في:
1- الأمر بالحجاب.
2- وغض البصر من الرجال والنساء.
3- وتحريم الخلوة بالمرأة.
4- وتحريم الدخول على النساء إلا مع محارمهن.
5- وفصل الرجال عن النساء في أعظم العبادات ألا وهي الصلاة.
6- والفصل بين الجنسين من الصحابة الكرام في التعليم، وفي مجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث لا يخالط النساء الرجال لا في تعليم القرآن الكريم ولا في تعليم السنة النبوية المطهرة وفي أفضل الأجواء وأطهرها وأنزهها وفي مجتمع الصحابة الكرام أفضل المجتمعات وأطهرها وأنبلها بعد الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-.
7- وخالف هذا المجتمع الطاهر مجتمع أصحاب محمد وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، بل شوههم بدعوى أنَّ مجتمعهم مجتمع اختلاط، حيث قال: " من حرَّموا الاختلاط لم يقتفوا هدي المجتمع النبوي".
8- وخالف علماء الأمة وفقهاءها وشوههم بدعاوى باطلة مثل رميهم بالغلو ومخالفة الآثار النبوية وآثار الصحابة ويجعلهم مع العوام ويرى أن تحريمهم الاختلاط بدعة وضلال، وهذه إهانات للعلماء الذين كرّمهم الله وأثنى عليهم وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة، فقال عزّ وجل: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَه إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ) [( آل عمران : 18 )]، وقال تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [( فاطر : 28 )] وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [الزمر :( 8 )]، وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [( المجادلة : 11)]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "العلماء ورثة الأنبياء"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤساً جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
ودعاة الاختلاط هم الرؤوس الجهال الذين يقودون الأمة إلى مهاوي الضلال.
9- وخالف قاعدة سد الذرائع المستمدة من عشرات النصوص من الكتاب والسنة.
10- وخالف قاعدة مراعاة المصالح والمفاسد التي راعتها الشريعة في كل شؤون الحياة.
ومما قاله: "القول بتحريم الاختلاط افتئات على الشارع وابتداع في الدين".
وله أقوال غريبة وتصرفات في النصوص عجيبة ستأتي مناقشته فيها إن شاء الله.
11- ويُقدِّم الإباحة الأصلية وهي العقلية على النصوص النبوية والقواعد الشرعية مثل قاعدة سد الذرائع ومراعاة المصالح والمفاسد.
12- أنه يخالف منهج أهل الحديث في التعامل مع روايات الضعفاء التي يُعتبر بها ويُستشهد بها.
قال العراقي في "ألفيته مع التبصرة والتذكرة" (2/10):
"وَأَسْوَأُ التَّجْرِيْحِ:(كَذَّابٌ) (يَضَعْ) يَكْذِبُ وَضَّاعٌ وَدَجَّالٌ وَضَعْ
وَبَعْدَهَا مُتَّهَمٌ بَالْكَذِبِ وَ(سَاقِطٌ) وَ(هَالِكٌ) فَاجْتَنِبِ
وَذَاهِبٌ مَتْرُوْكٌ أوْ فِيْهِ نَظَرْ وَ(سَكَتُوْا عَنْهُ) (بِهِ لاَ يُعْتَبَرْ)
وَ(لَيْسَ بِالثِّقَةِ) ثُمَّ (رُدَّا حَدِيْثُهُ) كَذَا (ضَعِيْفٌ جِدَّا)
(وَاهٍ بَمَرَّةٍ) وَ(هُمْ قَدْ طَرَحُوْا حَدِيْثَهُ) وَ(ارَمِ بِهِ مُطَّرَحُ)
(لَيْسَ بِشَيءٍ) (لاَ يُسَاوِي شَيْئَا) ثُمَّ (ضَعِيْفٌ) وَكَذَا إِنْ جِيْئَا
بِمُنْكَرِ الْحَدِيْثِ أَوْ مُضْطَرِبِهْ (وَاهٍ) وَ(ضَعَّفُوهُ) (لاَ يُحْتَجُّ بِهْ)
وَبَعْدَهَا (فِيْهِ مَقَالٌ) (ضُعِّفْ) وَفِيْهِ ضَعفٌ تُنْكِرُ وَتَعْرِفْ
(لَيْسَ بِذَاكَ بالْمَتِيْنِ بِالْقَوِيْ بِحُجَّةٍ بِعُمْدَةٍ بِالْمَرْضِيْ)
لِلضَّعْفِ مَا هُوْ فيْهِ خُلْفٌ طَعَنُوْا فِيْهِ كَذَا (سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ)
(تَكَلَّمُوا فِيْهِ) وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ مِنْ بَعْدُ شَيْئَاً بِحَدِيْثِهِ اعْتُبِرْ".
أقول: فأهل المراتب الثلاث الأول إلى قوله " لاَ يُسَاوِي شَيْئَا "، لا تقبل رواياتهم إطلاقاً؛ لا في الاحتجاج ولا في الشواهد والمتابعات.
وأهل المرتبتين الأخيرتين من قوله: "ثم ضعيف"، إلى قوله: "كذا سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ تَكَلَّمُوا فِيْهِ"، تقبل رواياتهم في المتابعات والشواهد.
ولا يحتج برواياتهم إذا انفردوا، لكنها تقبل في المتابعات والشواهد وتُقَوي غيرها وتتقوى بغيرها فيصح الاستدلال بها وتقوم بها الحجة.
والكاتب لم يلتفت إلى هذا المنهج في روايات الضعفاء أو من فيهم نوع ضعْف، وأعطاها كلها حكماً واحداً، لا يُفرِّق بين الكذابين والمتهمين وشديدي الضعف وبين غيرهم ممن يُعتبر برواياتهم ويُستشهد بها، بل يرد بعض الروايات الصحيحة التي يرويها الثقات العدول الضابطون، أو يتأولها لتنسجم مع مذهبه الغريب.
وبعد هذه اللمحة عن منهج هذا الكاتب أقول:
إن الله بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بعثه الله بأكمل رسالة وأشملها فبلغها البلاغ المبين على أكمل الوجوه، ومحور هذه الرسالة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد، وكلف رسوله محمداً –صلى الله عليه وسلم- ببيان ما فيه من إجمال وتقييد ما فيه من إطلاق إلى جانب ذلك جاءت سنته –صلى الله عليه وسلم- بزيادات على القرآن هي من وحي الله لهذا النبي الكريم والرسول الأمين الذي ما ترك من خير إلا دلنا عليه ولا من شر إلا حذرنا منه حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها هالك.
وأمر الله الأمة كلها بطاعة هذا الرسول الكريم واتباعه في آيات كثيرة، وحذرها من مخالفته، فقال عزّ من قائل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ( النور : 63 )
وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً).
وأقام الله تشريعاته كلها على الحِكَم ومراعاة المصالح والمفاسد، فما من حكم يشرعه الله إلا وهو مبني على الحكمة ولا ينهى عن شيء إلا وفي النهي عنه حكمة ومصلحة ودرء مفسدة.
وقد فهم علماء الإسلام وفقهاؤه هذه الحِكَم والمصالح والمقاصد لهذه الشريعة الغراء، وأن مدارها على خمسة مقاصد، وهي الضروريات التي يجب حفظها ألا وهي:
1- الدين.
2- النفس.
3- العقل.
4- النسل.
5- المال.
فشرع الجهاد لنشر الدين، وشرع قتل وقتال المرتدين لحمايته.
وشرع القصاص للحفاظ على الأنفس، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) [سورة البقرة : 178 ]، (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ....) [سورة المائدة :45].
وشرع تحريم الخمر بكل أنواعه لحفظ العقل.
وحرّم الزنى لحفظ الأعراض والنسل، وشرع إقامة الحدود على الزناة مائة جلدة للزاني والزانية إذا كانا بكرين، ورجمهما بالحجارة حتى الموت إذا كانا ثيبين.
وسد كل الذرائع الموصلة إلى الزنى، قال تعالى (قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...) [سورة النور : ( 30 - 31 )].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ »([1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn1)).
وشرع اسئتذان أهل البيوت قبل دخولها فقال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا...) [سورة النور : 27 ].
وأمر تعالى النساء بالحجاب فقال: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى...) [سورة الأحزاب: ( 33 )].
وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ...) [سورة الأحزاب : ( 59 )].
وعن عروة عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: "يَرْحَمُ الله نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ الله (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها"([2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn2)).
والجلباب هو الرداء فوق الخمار، وقال الجوهري هو الملحفة، والقصد من ذلك مخالفة نساء الجاهلية.
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ: يا رَسُولَ اللَّهِ فرأيت الْحَمْوَ قال الْحَمْوُ الْمَوْتُ"([3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn3)).
وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) [سورة الأحزاب : ( 53 )].
وعن جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ قال: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ e عن نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فقال: اصْرِفْ بَصَرَكَ"([4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn4)).
وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : " يا عَلِيُ! لا تتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة"([5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn5)).
وعن ابن شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بن سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أخبره أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ من جُحْرٍ في بَابِ رسول اللَّهِ e وَمَعَ رسول اللَّهِ e مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ فقال له رسول اللَّهِ e : " لو أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ طَعَنْتُ بِهِ في عَيْنِكَ إنما جَعَلَ الله الْإِذْنَ من أَجْلِ الْبَصَرِ"([6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn6)).
وعن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ ما كان عَلَيْكَ من جُنَاحٍ"([7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn7)).
كل هذه الآيات والأحاديث التي تحرم النظر إلى النساء الأجنبيات إنما غايتها سد الذرائع الموصلة إلى الزنى وهتك الأعراض.
فإذا عرف المسلمون مكانة هذا التشريع الحكيم، وعرفوا مقاصده ومراعاته لمصالح الأمة ودرء المفاسد التي تضر بهم في دينهم ودنياهم وأخراهم دفعتهم هذه المعرفة إلى أن يعضوا على هذا الدين عقيدة وتشريعاً وأخلاقاً بالنواجذ ودفعتهم إلى الاعتزاز به وإلى الازدراء بمن يخالف هذا الدين الحق وازدراء تشريعاتهم الفاسدة الضارة التي لا تجلب لمن يغتر بها إلا الخزي والهلاك في الدنيا والآخرة.
وإن دعاة التغريب ودعاة الاختلاط بين الجنسين لا يجرون الأمة إلا إلى هاوية هذا الدمار والهلاك، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [سورة النساء : ( 27 -28)]، أي لا يصمد أما الشهوات.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ"([8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn8)).
[1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref1) - أخرجه البخاري في "الاستئذان" حديث (6243)، ومسلم في "القدر" حديث (2657).
[2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref2) - أخرجه البخاري في "التفسير" حديث (4758)، وأبو داود حديث (4102).
[3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref3) - متفق عليه أخرجه البخاري حديث (5232)، ومسلم حديث (2172).
[4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref4) - أخرجه مسلم في "الاستئذان" حديث (2159)، وأبو داود في "النكاح" حديث (2148)، والترمذي في "الأدب" حديث (2776).
[5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref5) - أخرجه الترمذي في "الأدب"، حديث (2777) وفي إسناده شريك بن عبد الله صدوق يخطئ كثيراً، وأبو ربيعة مقبول، وابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (17395) و (32619)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5/119) كلاهما من طريق سلمة بن أبي الطفيل وهو مجهول، لكن يعضد هذا الحديث ما قبله وما بعده من الأحاديث.
[6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref6) - أخرجه البخاري في "الديات" حديث (6901)، ومسلم في "الآداب" حديث(2156).
[7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref7) - أخرجه مسلم، حديث(2158).
[8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref8) - أخرجه البخاري حديث (5096)، ومسلم حديث (2740).