أ/أحمد
05-09-2011, 06:46 PM
9- قال الكاتب: "ولقد استمر ذلك الحال على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد، وبقي منه ما لا يمكن أن تمحوه تلك العادات والتقاليد، فظل كما هو؛ لأنه ارتبط بما شرع الله امتثاله من الطاعات على النساء والرجال كالطواف والسعي والصلاة فهم يؤدونها في مكان واحد، مع أنه قد يقع ممن تسول له نفسه ما يسيء بفعل أو قول محرم، إلا أنه لم يقل أحد من علماء المسلمين بمنع الاختلاط في تلك الأماكن لأجل ما قد يقع ممن تسول له نفسه الإقدام على محرم قل أو كثر".
قوله: "ولقد استمر ذلك الحال (يعني الاختلاط المزعوم في العهد النبوي) على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد ".
أقول: أستغفر الله العظيم، وأعوذ به من قلب الواقع والحقائق، فلقد استمر الحجاب والبعد عن الاختلاط من العهد النبوي وعلى مر العصور حتى طرأ عليه ما يغيره من اتباع سنن أعداء الإسلام الذي تحدّث عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ ".
فلقد اتبع كثير من المسلمين أعداء الإسلام في عقائدهم وأخلاقهم وكثير من أحوالهم، فهذا هو الطارئ والوافد على المسلمين في كثير من بلدانهم.
والعجب من هذا الكاتب أن يجعل الاستثناء هو الأصل.
فالحجاب وابتعاد الرجال عن النساء والنساء عن الرجال هو الأصل، كما تدل عليه النصوص وواقع الصحابة وممن اتبع سبيلهم من المسلمين علماء وغيرهم .
والاختلاط الذي ينكره العلماء والفضلاء هو الطارئ الزاحف على المجتمعات الإسلامية.
واستدلاله بالطواف والسعي والصلاة على شرعية الاختلاط من أعجب العجائب.
1- أما الطواف والسعي فهما من أركان الحج والعمرة اللذين فرضهما الله في العمر مرة واحدة على الرجال والنساء بشرط الاستطاعة، فمن لم يستطع ذلك بأن لم يجد الزاد والراحلة سقط عنه وجوبهما.
والمرأة تشارك الرجل في اشتراط الاستطاعة المذكورة، وتزيد على الرجال بأنه لا بد لها من محرم يحج بها، فإن لم تجد المحرم سقط عنها وجوب الحج والعمرة، مع أنهما لا يجبان عليها في العمر إلا مرة واحدة لأن وجود المحرم معها يدفع عنها شر من تسول له نفسه الشر، فانظر إلى هذا التشريع الحكيم الذي يحافظ على المرأة وعرضها وشرفها، بعكس من يدعو إلى الاختلاط فإنه لا يرعى لها إلّاً ولا ذمة.
2- أن هذا الاختلاط إنما أُبيح للضرورة، فكيف يجعل ما يباح للضرورة دليلاً مطلقاً على جواز الاختلاط الذي دلت مصادر التشريع وموارده على تحريم ما يؤدي إليه؟ وقد مضت الأدلة على ذلك.
3- ثم إن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكنَّ يخالطن الرجال في الطواف.
قال ابن جُرَيْجٍ أخبرني عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابن هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مع الرِّجَالِ، قال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وقد طَافَ نِسَاءُ النبي e مع الرِّجَالِ؟، قلت: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أو قَبْلُ، قال: إِي لَعَمْرِي لقد أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قلت: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قال: لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كانت عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَطُوفُ حَجْرَةً من الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فقالت امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قالت: عَنْكِ، وَأَبَتْ، وكن يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مع الرِّجَالِ([1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn1))، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إذا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حتى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أنا وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ في جَوْفِ ثَبِيرٍ قلت: وما حِجَابُهَا؟ قال: هِيَ في قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لها غِشَاءٌ وما بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذلك، وَرَأَيْتُ عليها دِرْعًا مُوَرَّدًا"([2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn2)).
وعن أُمِّ سَلَمَةَ قالت: شَكَوْتُ إلى رسول اللَّهِ e أَنِّي أَشْتَكِي، قال: طُوفِي من وَرَاءِ الناس وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ e يُصَلِّي إلى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بالطور وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ"([3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn3)).
4- كان هناك من الأمراء من يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الطواف كما فعل ابن هشام، وهو أحد الأمراء كما روى ذلك عنه ابن جريج في هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/561) - معلقاً على حديث ابن جريج عن عطاء عن عائشة- رضي الله عنها-:
"وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر، قال الفاكهي: ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرّق بين الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري. انتهى. وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتاً ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة"([4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn4)).
وأما الصلاة جماعة في المساجد فإنما أوجبها الله على الرجال دون النساء رحمة بهن ومراعاة لظروفهن وما يلزمهن من القرار في بيوتهن للقيام برعاية أبنائهن والقيام بحقوق أزواجهن.
فإنْ رغبتْ في الصلاة في المسجد فإن الشارع يسمح لها بذلك مع بيان أن صلاتها في بيتها ومخدعها أفضل من صلاتها في المسجد ولو في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي تعدل الصلاة فيه ألف صلاة فيما سواه من المساجد.
إلى جانب ذلك فإن رسول الله منعها من الصلاة في المسجد إذا تطيبت أو تبخرت كما سيأتي الدليل على ذلك.
فانظر إلى هذا التشريع الرحيم من جهة والحازم الحاسم للفتن من جهة أخرى.
وهاك بعض الأحاديث المتعلقة بصلاة المرأة في المسجد:
قال e : "صَلَاةُ الْمَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا"([5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn5)).
وعن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قالت: "لقد كان رسول اللَّهِ e يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ معه نِسَاءٌ من الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ في مُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ ما يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ"([6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn6)).
وعن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ قالت: "إن كان رسول اللَّهِ e لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ من الْغَلَسِ وقال الْأَنْصَارِيُّ في رِوَايَتِهِ مُتَلَفِّفَاتٍ"([7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn7)).
معنى هذا أن النساء في ذلك العهد كن يبادرن بالخروج من المسجد في الظلام خشية أن يدركهن الرجال.
وعن بُسْرِ بن سَعِيدٍ أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ كانت تُحَدِّثُ عن رسول اللَّهِ e أَنَّهُ قال: "إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ"([8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn8)).
وعن بُسْرِ بن سَعِيدٍ عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبد اللَّهِ قالت: قال لنا رسول اللَّهِ e : "إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فلا تَمَسَّ طِيبًا"([9] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn9)).
وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ e : "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فلا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ"([10] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn10)).
فهذه الأحاديث واضحة جلية في مبالغة الإسلام في سد ذرائع الفتنة بالنساء مهما بلغ المجتمع من الإيمان والفضل والنـزاهة والعفة رجالاً ونساء، فتراه في هذين الحديثين بالإضافة إلى ما سبق يحمي حتى حاسة الشم، فيشترط على من شهدت الصلاة ألا تمس طيباً، وتراه يمنعها إذا أصابت بخوراً.
وعن يحيى (وهو ابن سعيد) عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أنها سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي e تَقُولُ: " لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قال فقلت لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ منعن الْمَسْجِدَ؟ قالت: نعم"([11] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn11)).
هذا الحديث يفيد أنه قد حصل في عهدها تغير يقتضي منع النساء من المساجد " لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"، وذلك لمعرفتها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرته ومنهجه العظيم في كل مجال، ومنها: سد ذرائع الفتن، ولا سيما أخطر الفتن وهي فتنة النساء، فهو -صلى الله عليه وسلم- يحمي حاسة البصر وحاسة السمع ويحمي الرِجل أن تمشي إلى الفتنة واليد أن تبطش أو تمس حيث لا يجوز المس، فأين الكثير والكثير اليوم من الرجال والنساء من هذه التوجيهات النبوية السديدة الرشيدة السادّة لأبواب الفتن وذرائعها؟، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في وادٍ، ودعاة الاختلاط في وادٍ آخر.
[1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref1) - لا يقصد بهذه العبارة أنهن يختلطن بالرجال في الطواف بدليل قوله سابقاً: " لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ"، والظاهر أنهن يصنعن مثل صنيع عائشة أي أنهن يطُفنَ حَجْرَةً من الرِّجَالِ.
[2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref2) - أخرجه البخاري في "الحج"، حديث (1618)، ومصنف عبد الرزاق (5/66) حديث (9018)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/78).
[3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref3) - أخرجه البخاري في "الحج" حديث (1619)، ومسلم في "الحج" حديث (1276).
[4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref4) - هذه الآثار وإن لم تثبت أسانيدها فإن مجموعها يُستأنس ويُستضاء به، ولا سيما أثر عمر -رضي الله عنه- الذي ينسجم مع منهجه، ولعل عمل ابن هشام الأمير كان تأسياً منه بعمر -رضي الله عنه-.
[5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref5) - أخرجه أبو داود، حديث (570).
[6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref6) - أخرجه البخاري" حديث (372).
[7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref7) - أخرجه مسلم، حديث (645).
[8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref8) - أخرجه مسلم، حديث (443).
[9] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref9) - أخرجه مسلم، حديث (443).
[10] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref10) - أخرجه مسلم، حديث (444).
[11] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref11) - أخرجه مسلم في "الصلاة"، حديث (445) وابن أبي شيبة في "الصلاة" حديث (7684).
قوله: "ولقد استمر ذلك الحال (يعني الاختلاط المزعوم في العهد النبوي) على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد ".
أقول: أستغفر الله العظيم، وأعوذ به من قلب الواقع والحقائق، فلقد استمر الحجاب والبعد عن الاختلاط من العهد النبوي وعلى مر العصور حتى طرأ عليه ما يغيره من اتباع سنن أعداء الإسلام الذي تحدّث عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ ".
فلقد اتبع كثير من المسلمين أعداء الإسلام في عقائدهم وأخلاقهم وكثير من أحوالهم، فهذا هو الطارئ والوافد على المسلمين في كثير من بلدانهم.
والعجب من هذا الكاتب أن يجعل الاستثناء هو الأصل.
فالحجاب وابتعاد الرجال عن النساء والنساء عن الرجال هو الأصل، كما تدل عليه النصوص وواقع الصحابة وممن اتبع سبيلهم من المسلمين علماء وغيرهم .
والاختلاط الذي ينكره العلماء والفضلاء هو الطارئ الزاحف على المجتمعات الإسلامية.
واستدلاله بالطواف والسعي والصلاة على شرعية الاختلاط من أعجب العجائب.
1- أما الطواف والسعي فهما من أركان الحج والعمرة اللذين فرضهما الله في العمر مرة واحدة على الرجال والنساء بشرط الاستطاعة، فمن لم يستطع ذلك بأن لم يجد الزاد والراحلة سقط عنه وجوبهما.
والمرأة تشارك الرجل في اشتراط الاستطاعة المذكورة، وتزيد على الرجال بأنه لا بد لها من محرم يحج بها، فإن لم تجد المحرم سقط عنها وجوب الحج والعمرة، مع أنهما لا يجبان عليها في العمر إلا مرة واحدة لأن وجود المحرم معها يدفع عنها شر من تسول له نفسه الشر، فانظر إلى هذا التشريع الحكيم الذي يحافظ على المرأة وعرضها وشرفها، بعكس من يدعو إلى الاختلاط فإنه لا يرعى لها إلّاً ولا ذمة.
2- أن هذا الاختلاط إنما أُبيح للضرورة، فكيف يجعل ما يباح للضرورة دليلاً مطلقاً على جواز الاختلاط الذي دلت مصادر التشريع وموارده على تحريم ما يؤدي إليه؟ وقد مضت الأدلة على ذلك.
3- ثم إن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكنَّ يخالطن الرجال في الطواف.
قال ابن جُرَيْجٍ أخبرني عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابن هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مع الرِّجَالِ، قال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وقد طَافَ نِسَاءُ النبي e مع الرِّجَالِ؟، قلت: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أو قَبْلُ، قال: إِي لَعَمْرِي لقد أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قلت: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قال: لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كانت عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَطُوفُ حَجْرَةً من الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فقالت امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قالت: عَنْكِ، وَأَبَتْ، وكن يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مع الرِّجَالِ([1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn1))، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إذا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حتى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أنا وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ في جَوْفِ ثَبِيرٍ قلت: وما حِجَابُهَا؟ قال: هِيَ في قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لها غِشَاءٌ وما بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذلك، وَرَأَيْتُ عليها دِرْعًا مُوَرَّدًا"([2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn2)).
وعن أُمِّ سَلَمَةَ قالت: شَكَوْتُ إلى رسول اللَّهِ e أَنِّي أَشْتَكِي، قال: طُوفِي من وَرَاءِ الناس وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ e يُصَلِّي إلى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بالطور وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ"([3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn3)).
4- كان هناك من الأمراء من يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الطواف كما فعل ابن هشام، وهو أحد الأمراء كما روى ذلك عنه ابن جريج في هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/561) - معلقاً على حديث ابن جريج عن عطاء عن عائشة- رضي الله عنها-:
"وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر، قال الفاكهي: ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرّق بين الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري. انتهى. وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتاً ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة"([4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn4)).
وأما الصلاة جماعة في المساجد فإنما أوجبها الله على الرجال دون النساء رحمة بهن ومراعاة لظروفهن وما يلزمهن من القرار في بيوتهن للقيام برعاية أبنائهن والقيام بحقوق أزواجهن.
فإنْ رغبتْ في الصلاة في المسجد فإن الشارع يسمح لها بذلك مع بيان أن صلاتها في بيتها ومخدعها أفضل من صلاتها في المسجد ولو في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي تعدل الصلاة فيه ألف صلاة فيما سواه من المساجد.
إلى جانب ذلك فإن رسول الله منعها من الصلاة في المسجد إذا تطيبت أو تبخرت كما سيأتي الدليل على ذلك.
فانظر إلى هذا التشريع الرحيم من جهة والحازم الحاسم للفتن من جهة أخرى.
وهاك بعض الأحاديث المتعلقة بصلاة المرأة في المسجد:
قال e : "صَلَاةُ الْمَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا"([5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn5)).
وعن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قالت: "لقد كان رسول اللَّهِ e يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ معه نِسَاءٌ من الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ في مُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ ما يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ"([6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn6)).
وعن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ قالت: "إن كان رسول اللَّهِ e لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ من الْغَلَسِ وقال الْأَنْصَارِيُّ في رِوَايَتِهِ مُتَلَفِّفَاتٍ"([7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn7)).
معنى هذا أن النساء في ذلك العهد كن يبادرن بالخروج من المسجد في الظلام خشية أن يدركهن الرجال.
وعن بُسْرِ بن سَعِيدٍ أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ كانت تُحَدِّثُ عن رسول اللَّهِ e أَنَّهُ قال: "إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ"([8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn8)).
وعن بُسْرِ بن سَعِيدٍ عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبد اللَّهِ قالت: قال لنا رسول اللَّهِ e : "إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فلا تَمَسَّ طِيبًا"([9] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn9)).
وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ e : "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فلا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ"([10] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn10)).
فهذه الأحاديث واضحة جلية في مبالغة الإسلام في سد ذرائع الفتنة بالنساء مهما بلغ المجتمع من الإيمان والفضل والنـزاهة والعفة رجالاً ونساء، فتراه في هذين الحديثين بالإضافة إلى ما سبق يحمي حتى حاسة الشم، فيشترط على من شهدت الصلاة ألا تمس طيباً، وتراه يمنعها إذا أصابت بخوراً.
وعن يحيى (وهو ابن سعيد) عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أنها سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي e تَقُولُ: " لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قال فقلت لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ منعن الْمَسْجِدَ؟ قالت: نعم"([11] (http://bamhrez.com/vb/#_ftn11)).
هذا الحديث يفيد أنه قد حصل في عهدها تغير يقتضي منع النساء من المساجد " لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"، وذلك لمعرفتها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرته ومنهجه العظيم في كل مجال، ومنها: سد ذرائع الفتن، ولا سيما أخطر الفتن وهي فتنة النساء، فهو -صلى الله عليه وسلم- يحمي حاسة البصر وحاسة السمع ويحمي الرِجل أن تمشي إلى الفتنة واليد أن تبطش أو تمس حيث لا يجوز المس، فأين الكثير والكثير اليوم من الرجال والنساء من هذه التوجيهات النبوية السديدة الرشيدة السادّة لأبواب الفتن وذرائعها؟، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في وادٍ، ودعاة الاختلاط في وادٍ آخر.
[1] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref1) - لا يقصد بهذه العبارة أنهن يختلطن بالرجال في الطواف بدليل قوله سابقاً: " لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ"، والظاهر أنهن يصنعن مثل صنيع عائشة أي أنهن يطُفنَ حَجْرَةً من الرِّجَالِ.
[2] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref2) - أخرجه البخاري في "الحج"، حديث (1618)، ومصنف عبد الرزاق (5/66) حديث (9018)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/78).
[3] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref3) - أخرجه البخاري في "الحج" حديث (1619)، ومسلم في "الحج" حديث (1276).
[4] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref4) - هذه الآثار وإن لم تثبت أسانيدها فإن مجموعها يُستأنس ويُستضاء به، ولا سيما أثر عمر -رضي الله عنه- الذي ينسجم مع منهجه، ولعل عمل ابن هشام الأمير كان تأسياً منه بعمر -رضي الله عنه-.
[5] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref5) - أخرجه أبو داود، حديث (570).
[6] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref6) - أخرجه البخاري" حديث (372).
[7] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref7) - أخرجه مسلم، حديث (645).
[8] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref8) - أخرجه مسلم، حديث (443).
[9] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref9) - أخرجه مسلم، حديث (443).
[10] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref10) - أخرجه مسلم، حديث (444).
[11] (http://bamhrez.com/vb/#_ftnref11) - أخرجه مسلم في "الصلاة"، حديث (445) وابن أبي شيبة في "الصلاة" حديث (7684).