ادهم
05-12-2011, 10:13 PM
مقالات الطوائف في إثبات العلة والحكمة لله
تمهيد
وقع الخلاف في مسألة تعليل أفعال الله على أقوال:
1- قول من نفي الحكمة وأنكر التعليل.
وهؤلاء يقولون: إن الله - تعالى - خلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لا لعلة ولا لداع ولا باعث، بل فعل ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة، وهذا مذهب الجهمية[1] والأشاعرة[2] وهو قول ابن حزم وأمثاله[3].
2- من أثبت الحكمة، لكن جعلها مخلوقة، ولا ترجع إلى الله..
وهؤلاء يقولون: إن الله فعل المفعولات وخلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة، ولكن هذه الحكمة مخلوقة، منفصلة عنه لا ترجع إليه، وهذا قول المعتزلة[4] وغيرهم [5].
3- من يثبت حكمة وغاية قائمة بذاته - تعالى -، ولكن يجعلها قديمة غير مقارنة للمفعول.
4- من يثبت أن الله فعل المفعولات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة، وهذه الحكمة تعود إلى الرب - تعالى -، لكن بحسب علمه، والله - تعالى -خلق الخلق ليحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه، فهذه حكمة مقصودة واقعة، بخلاف قول المعتزلة، فإنهم أثبتوا حكمة هي نفع العباد... وهذا قول الكرامية[6] الذين يقولون: من وجد منه ذلك فهو مخلوق له، ومن لم يوجد منه ذلك فليس مخلوقا له [7].
5- قول أهل السنة: أن لله حكمة في كل ما خلق وأمر وفعل، ون هذه الحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة عليهم، يفرحون بها، ويلتذون بها، وهذا يكون في المأمورات وفي المخلوقات[8].
فهو "- سبحانه - حكيم لا يفعل شيئا عبثا، ولا بغير معنى ومصلحة وحكمة، هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله - سبحانه - صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسولهr على هذا وهذا في مواضع لا تكاد تحصى"[9].
هذه مجمل الأقوال في مسألة، ولعل أبرز الأقوال قول أهل السنة، وقول المعتزلة، وقول الأشاعرة، لذا سنتناولها بشيء من التفصيل.
الفصل الأول: مذهب أهل السنة والجماعة في الحكمة والتعليل
المبحث الأول: قول أهل السنة في الحكمة والتعليل:
سبقت الإشارة إلى مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الحكمة ويمكن إجمال مذهبهم من خلال النقاط التالية:
1- أن الحكمة ثابتة لله، والحكمة عندهم: "هي الغاية التي يفعل لأجلها، وتكون هي المطلوبة بالفعل، ويكون وجودها أولى من عدمها"[10]- وهي: "الغايات المحمودة في مفعولاته وأوامره وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة"[11].
2- الحكمة تتضمن شيئين:
1- أحدهما: حكمة تعود إليه - تعالى - يحبها ويرضاها، فالمحبة والرضى أخص من الإرادة والمشيئة، والحكمة ليست مطلق المشيئة، إذ لو كان كذلك لكان كل مريد حكيما [12].
2- الثانية: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة عليهم يفرحون ويلتذون بها في المأمورات والمخلوقات[13].
3- ما قاله أهل السنة في الحكمة التي تعود إلى الله وهو يحبها من الخلق والأمر لا يقال فيها إنه صار مستكملا بها وأن الخلق قد أثروا فيه بها، إذ أن الحكمة كسائر أفعاله الاختيارية التي تقوم به، فهي ليست مغايرة له حتى يقال إنه صار مستكملا بها، وأيضا لو كانت نقصا في حال عدم وجودها للزم نقصه في جميع الأفعال (فالحوادث لا يمكن وجودها إلا متعاقبة لا يكون عدمها في الأزل نقصا)[14] ولو كانت لا تعود إليه وإنما تعود إلى الخلق فحسب لما وصف بها كالروائح والألوان والطعوم).
وأما القول بأنه صار محتاجا إلى خلقه فيقال: إن الله - سبحانه - هو الغني، والغنى وصف ذاتي له، الصمد القائم بنفسه، لا يحتاج إلى خلقه بأي حال من الأحوال، وأما الحكمة التي تحصل له بالخلق فهي حكمة حاصلة بمشيئته، لا محذور فيها، وهو - سبحانه - الذي إليه الأمر فهو الذي أثر في عباده بأن هداهم ووفقهم.
4- الحكمة تكون في:
1- خلق الله.
2- أمر الله.
1- فكل ما خلقه الله قفله فيه حكمة بالغة، كما قال: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (88) سورة النمل..
وقال: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (7) سورة السجدة. فإتقانه وإحسانه لخلقه دليل على أن له حكمة في ذلك[15].
وقال - تعالى -: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (12) سورة الطلاق.
فبين - سبحانه - أنه خلق ذلك لأجل الحكمة التي نص عليها، وهي بيان قدرة الله الشاملة، وعلمه المحيط، وليست هي كل الحكمة، فالله أعلم بتفاصيل كل شيء [16].
- فأهل السنة يقولون: فعل كذا لأجل كذا، وفعل كذا لأجل كذا، لا كما قال غيرهم: إنه فعل عنده لا به ولا له [17].
2- وأما الحكمة الحاصلة من الشرائع (الأمر والنهي) فثلاثة أنواع:
أحدها: أن تكون في نفس الفعل و إن لم يؤمر به كما في الصدق و العدل و نحوهما من المصالح الحاصلة لمن فعل ذلك و إن لم يؤمر به. و الله يأمر بالصلاح و ينهى عن الفساد.
والنوع الثاني: أن ما أمر به و نهى عنه صار متصفا بحسن اكتسبه من الأمر و قبح اكتسبه من النهي، كالخمر التي كانت لم تحرم ثم حرمت فصارت خبيثة و الصلاة إلى الصخرة التي كانت حسنة فلما نهى عنها صارت قبيحة...
والنوع الثالث: أن تكون الحكمة ناشئة من نفس الأمر، وليس في الفعل البتة مصلحة، لكن المقصود ابتلاء العبد هل يطيع أو يعصي، فإذا اعتقد الوجوب وعزم على الفعل حصل المقصود بالأمر فينسخ حينئذ.
كما جرى للخليل في قصة الذبح فإنه لم يكن الذبح مصلحة ولا كان هو مطلوب الرب في نفس الأمر بل كان مراد الرب ابتلاء إبراهيم ليقدم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد... )[18].
- فالله - تبارك وتعالى - له حكمة بالغة في كل ما خلق وأمر، وإن كان وجه الحكمة قد يخفي على كثير من الخلق، فلا يجوز التعنت في طلبها وأن يتوقف في التسليم لله والانقياد لأمره على استبانتها.
والله - تعالى - يعِّلم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم، وقد لا يعلمون ذلك، ولهذا يقال: العلل الغائية تارة تطلب لنفسها، وتارة تطلب لغيرها، فتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه.
1- فالتي تطلب لذاتها: كقول الله - تعالى - في الحكمة من خلق الجن والإنس: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات.
وقوله: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (12) سورة الطلاق.
2- وأما التي تطلب لغيرها: فتكون وسيلة إلى مطلوب بنفسه، كقوله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (53) سورة الأنعام.
فاللام هنا في قوله (ليقولوا) دالة على التعليل لفعله المذكور وهو امتحان الله بعض خلقه ببعض، فأسياد القوم وأشرافهم يأنفون استكبارا إباء إذا رأوا الضعفاء والمساكين منهم قد أسلموا فيقولون عند ذلك: (أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا)، فهذا القول منهم هو بعض الحكم والغاية المطلوبة بهذا الامتحان، وهذا وإن كان علة فهو مطلوب لغيره، بمعنى أنه وسيلة إلى مطلوب بنفسه، فالمترتب على قولهم موجب لآثار مطلوبة للفاعل من إظهار عدله وحكمته وعزته وسلطانه وعطائه من يستحق عطائه ويحسن وضعه عنده، ومنعه من يستحق المنع ولا يليق به غيره، قال - تعالى -: (أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) وكانت فتنة بعضهم ببعض لحصول هذا التمييز الذي يترتب عليه شكر هؤلاء وكفر هؤلاء[19].
فكون بعض الناس يتضررون ببعض الأشياء لا يعني أنها خلقت لغير حكمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في خلق إبليس وما ظاهره التضرر من خلقه: (خلق الله إبليس كما خلق الحيات والعقارب والنار وغير ذلك لما في خلقه ذلك من الحكمة، وقد أمرنا أن ندفع الضرر عنا بكل ما نقدر عليه، ومن أعظم الأسباب استعاذتنا به منه، فهو الحكيم في خلق إبليس وغيره، وهو الحكيم في أمرنا بالاستعاذة به منه، وهو الحكيم إذ جعلنا نستعيذ به، وهو الحكيم في إعاذتنا منه، وهو الرحيم بنا في ذلك كله، المحسن إلينا المتفضل علينا، إذ هو أرحم بنا من الوالدة بولدها، إذ هو الخالق لتلك الرحمة، فخالق الرحمة أولى بالرحمة من الرحماء)[20].
وقال - رحمه الله -: "وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته فإن الله: ((كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي))[21]... أخرجاه في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يقولون: فعل المأمور به وترك المنهي عنه مصلحة لكل فاعل وتارك، وأما نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة للعباد، وإن تضمن شرا لبعضهم، وهكذا سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس، فلله في ذلك حكمة أخرى... وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس أو هو سبب ضرر كالذنوب فلا بد في كل ذلك من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله"[22].
5- الحكمة (التي هي المطلوب المقصود من الفعل):
تكون متقدمة في العلم والإرادة، قد أحاط الله بها علما قبل وجودها، وهو مريد لها.
وتكون متأخرة في الوجود والحصول، فيخلق الشيء لحكمة، وهذه تقود إلى حكمة أخرى، وهكذا..
ولا مانع من مثل هذا النوع من التسلسل الذي يكون في المستقبل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن العلة الغائية مقدمة في التصور والقصد، وإن كانت مؤخرة في الوجود والحصول)[23].
5- في تقرير أهل السنة لمذهبهم يتحرون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بلفظ: (الحكمة) و(الرحمة) و(الإرادة) ونحو ذلك مما جاء به النص، ويجتنبون الألفاظ الحادثة المجملة التي تحتمل حقا وباطلا كلفظ(الغرض)، فإنه يشعر بنوع من النقص، إما ظلم وإما حاجة، وهذا مما ينزه الباري عنه.
6- هذه الحكمة الحاصلة هي مما يحبه الله ويرضاه، فالمحبة والرضى جاء بهما النص، ولا يقال إنه يلتذ بها، لعدم ورود الشرع بذلك، وهو لفظ مجمل موهم [24].
المبحث الثاني: أدلة إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله
أولا: الأدلة النقلية:
أطال ابن القيم النفس في كتابه(شفاء العليل) في ذكر أنواع الأدلة الدالة على إثبات الحكمة لله، والغايات المطلوبة له في ذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها، فذكر اثنين وعشرين نوعا من الأدلة، كل نوع يحوي مجموعة من النصوص[25].
بل إن بعض هذه الأنواع تزيد نصوصها على عدة آلاف موضع [26].
وناقش في أثناء تقريره بعض الاعتراضات على تلك الأدلة، بل ناقش مذاهب المخالفين-وبخاصة نفاة الحكمة والتعليل- في أثناء تقريره لتلك الآيات وبيانها.
ونحن هنا نورد بعض تلك الأنواع والأدلة حسب ما يقتضيه المقام:
1- النوع الأول التصريح بلفظ الحكمة وما تصرف منه كقوله: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (5) سورة القمر.
وقوله: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (113) سورة النساء.
2- النوع الثاني: إخباره أنه فعل كذا لكذا، وأنه أمر بكذا لكذا، كقوله: (ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (97) سورة المائدة 538.
وغيرها من الأدلة..
3- الإتيان بـ(كي) الصريحة في التعليل، كقوله: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) سورة الحشر.
4- النوع الرابع: ذكر المفعول له، وهو علة للفعل المعلل به، كقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (89) سورة النحل.
5- النوع الخامس: الإتيان بـ(أن)والفعل المستقبل بعدها تعليلا لما قبله، كقوله: (أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا) (156) سورة الأنعام.
6- النوع السادس: ذكر ما هو من صرائح التعليل، وهو(من أجل)، كقوله - تعالى -: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (32) سورة المائدة.
7- النوع السابع: التعليل بلعل، وهي في كلام الله - سبحانه وتعالى - للتعليل مجردة عن معنى الترجي، فإنها إنما يقارنها معنى الترجي إذا كانت من المخلوق، وأما في حق من لا يصح عليه الترجي فهي للتعليل المحض، كقوله: (أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(21)البقرة، فقيل: هو تعليل لقوله: (أعبدوا ربكم) وقيل تعليل لقوله: (خلقكم) والصواب أنه تعليل للأمرين لشرعه وخلقه...
8- النوع الثامن: ذكر الحكم الكوني والشرعي عقيب الوصف المناسب له، فتارة يذكر بأن، وتارة يقرن بالفاء، وتارة يذكر مجردا،
فالأول كقوله... (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم أنهم كانوا قبل ذلك محسنين)(15-16) الذاريات.
وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء أنه من عبادنا المخلصين)(24)يوسف، والثاني كقوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (38) سورة المائدة.
والثالث كقوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم..)(277) البقرة.
9- تعليله - سبحانه - عدم الحكم القدري أو الشرعي بوجود المانع منه، كقوله... (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (27) سورة الشورى، وقوله: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) (59) سورة الإسراء.
10- النوع العاشر: إخباره عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره.
كقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (22) سورة البقرة... وقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (21) سورة الروم.
11- النوع الحادي عشر: إنكاره - سبحانه - على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا حكمة.
كقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) (115) سورة المؤمنون
12- النوع الثاني عشر: إنكاره - سبحانه - أن يُسَوَّى بين المختلفين أو يفرق بين المتماثلين، وأن حكمته وعدله تأبى ذلك.
أما الأول [إنكاره أن يسوى بين المختلفين] فكقوله: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين* مالكم كيف تحكمون) (35-36)القلم.
فأخبر أن هذا الحكم باطل... ومنكروا الحكمة يجوزون ذلك، بل يقلون بوقوعه..
وأما الثاني، وهو أن يفرق لا بين المتماثلين، فكقوله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ) (43) سورة القمر[27] إلى آخر تلك الوجوه التي ذكرها ابن القيم - رحمه الله -.
ثانيا: الأدلة العقلية:
وقد ساق القائلون بالحكمة التعليل في أفعال الله - تعالى - أدلة عقلية كثيرة، ومنها:
1- أن الكمال في الأفعال يكون بصدورها عن الحكمة البالغة في توجيهها إلى المصالح الراجحة والعواقب الحميدة، فكلما ظهر ذلك فيها كانت أدل على حكمة فاعلها، وعلمه وحسن اختياره ومحامده، وكلما بعدت عن ذلك كانت أشبه بالآثار الاتفاقية وما يتولد عن العلل الموجبة، وأشبهت أفعال الصبيان في ملاعبهم والمجانين في خيالاتهم، لخلوها عن الحكمة، مع أنها لم تخل من موافقة شهواتهم، ولم تجرد عن كل داع، فمن نفي عن أفعال الله كل داع وحكمة، فقد جعلها من هذه الجهة أنقص قدرا من أفعال الصبيان والمجانين في ملاعبهم وجنونهم [28].
2- أن الحكمة من لوازم الإرادة، ذلك أنه إذا ثبت أن الله مريد فيقال: إما أن يكون أرادها لحكمة وإما أن يكون أرادها لغير حكمة، فإن قالوا: لغير حكمة، كان مكابرة، فإن الإرادة لا تعقل إلا إذا كان المريد قد فعل لحكمة يقصدها بالفعل، وأيضا فإذا جاز أن يكون فاعلا مريدا بلا حكمة فكونه فاعلا مريدا لحكمة أولى بالجواز [29].
3- الحكمة من مقتضيات العلم: وذلك لأن العلم بأفضل الأعمال والعمل بمقتضى ذلك العلم يستلزم الحكمة والعلة التي بسببها كان التفاضل بين الأعمال، مثاله: العلم بأن الصدق أولى من الكذب، والعدل أولى من الجور، والجود أولى من البخل، والإحسان أولى من الإساءة، ولا خلاف في تسمية هذا حكمة في حق الحكماء والعلماء من الخلق [30].
4- الاستدلال بقياس الأولى، وهو أن الله أحكم الحاكمين وأعدل العادلين لا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، ولا يناقض جوده ورحمته وفضله حكمته وعدله، ولو رأى العقلاء واحدا منهم قد وضع النجاسات والقاذورات في مواضع الطيب والنظافة لاشتد نكيرهم عليه، والقدح في عقله ونسبوه إلى السفه، وخلاف الحكمة، وكذلك لو وضع العقوبة موضع الإحسان، والإحسان موضع العقوبة، لسفهوه، وقدحوا في عقله، كما قال القائل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى[31].
فإذا كان هذا مما يتنزه عنه عقلاء الناس ولا يتصور وقوعه منهم، فإن الله - تعالى - أولى بذلك.
________________
[1] الجهمية: سموا بذلك نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي تتلمذ على الجعد بن درهم، ونشر أفكاره، وتعتبر الجهمية من أوائل الفرق الكلامية التي عارضت صحيح المنقول بشبهاتها العقلية، وعطلت الله - تعالى - عن أسماءه وصفاته، وقد أصبح لقب (الجهمية) جنسا يطلق على الفرق الكلامية التي جاءت من بعدهم وتبنت أفكارهم، أو بعضها وبخاصة نفي الصفات. انظر: الملل والنحل(1/86)-البداية والنهاية(9/365).
[2] الأشاعرة: اسم فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري، المتوفى بابصرة سنة(324هـ) لازم شيخه وزوج أمه أبا علي الجبائي-شيخ المعتزلة- إلى أن بلغ سن الأربعين، ثم فارقه إثر خلاف معه في مسألة لم يجد لها عند الجبائي إجابة شافية، (وهي مسألة الصلاح والأصلح)، ثم سلك مسلك ابن كلاب في الصفات، وبدأ يميل شيئاً فشيئاً إلى مذهب أهل السنة، وانتسب إلى الإمام أحمد.
وتطور مذهب الأشعرية من نفي أفعال الاختيارية إلى نفي الاستواء فالعلو فبعض الصفات الذاتية ثم كلها حتى أصبحوا لا يثبتون إلا بضع صفات. انظر: تاريخ بغداد(11/347)-تبيين كذب المفتري لابن عساكر(56).
[3] انظر: الإرشاد للجويني(268)-ونهاية الإقدام(297) ومحصل أفكار المتقدمين للرازي (205) الفصل(3/174)-الإحكام لابن حزم(8/1110).
[4] المعتزلة: سموا بذلك نسبة إلى واصل بن عطاء الذي اعتزل حلقة الإمام الحسن البصري وقال بالمنزلة بين المنزلتين، في حكم مرتكب الكبيرة، فسمي هو وأتباعه معتزلة، وهي من أشهر الطوائف غلوا في ما توهموه عقلا، وهم فرق تزيد على العشرين فرقة، يجمعهم القول الأصول الخمسة(التوحيد/والعدل/ والوعد والوعيد/والمنزلة بين المنزلتين/ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). انظر: الانتصار للخياط(126) مقالات الإسلاميين(1/235).
[5] انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار الهمذاني المعتزلي(6/48)(11/92-92)
[6] الكرامية: إحدى فرق المرجئة، يجمعهم التشبيه، والقول بأن الله - تعالى -جسم، وكلهم على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع، قال الذهبي: وكانت الكرامية كثيرين بخراسان، ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا، كان ابن كرام(محمد بن كرام السجستاني) يقول: الإيمان هو نطق اللسان بالتوحيد، مجرد عن عقد القلب، وعمل الجوارح. انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي(229)- الملل والنحل(108).
[7] انظر: مجموع الفتاوى (8/39).
[8] انظر مجموع الفتاوى(8/35-36)
[9] انظر شفاء العليل(400)ط: التراث. وقد ذكر بعض هذه الحكم فلتراجع هناك.
[10] مدار السالكين(3/461)
[11] مجموع الفتاوى(3/19)
[12] انظر: منهاج السنة(1/141)-مجموع الفتاوى(8/34).
[13] مجموع الفتاوى(8/35)
[14] منهاج السنة(1/421)
[15] مجموع الفتاوى(8/34-35)
[16] انظر شفاء العليل(320).
[17] انظر منهاج السنة(2/315)
[18] مجموع الفتاوى ج: 17 ص: 201-(8/436).
[19] شفاء العليل(322).
[20] منهاج السنة النبوية ج: 3 ص: 215
[21] البخاري(7404)ومسلم(2751)
[22] منهاج السنة النبوية ج: 1 ص: 462-463
[23] النبوات لابن تيمية: (136).
[24] انظر مجموع الفتاوى ج: 16 ص: 132
[25] شفاء العليل(2/537-569) ط: مكتبة العبيكان
[26] انظر الوجه الثامن شفاء العليل(2/551).
[27] راجع الوجوه السابقة في شفاء العليل (2/537-559) ط: مكتبة العبيكان. -وقد ساق ابن تيمية طرفا من أدلة إثبات الحكمة: انظر: شرح الأصبهانية(1/157).
[28] انظر: إيثار الحق على الخلق(195)، وطريق الهجرتين(260)
[29] مجموع الفتاوى(16/132).
[30] إيثار الحق على الخلق(193)
[31] طريق الهجرتين(168-169). والبيت لأبي الطيب المتنبي.
تمهيد
وقع الخلاف في مسألة تعليل أفعال الله على أقوال:
1- قول من نفي الحكمة وأنكر التعليل.
وهؤلاء يقولون: إن الله - تعالى - خلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لا لعلة ولا لداع ولا باعث، بل فعل ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة، وهذا مذهب الجهمية[1] والأشاعرة[2] وهو قول ابن حزم وأمثاله[3].
2- من أثبت الحكمة، لكن جعلها مخلوقة، ولا ترجع إلى الله..
وهؤلاء يقولون: إن الله فعل المفعولات وخلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة، ولكن هذه الحكمة مخلوقة، منفصلة عنه لا ترجع إليه، وهذا قول المعتزلة[4] وغيرهم [5].
3- من يثبت حكمة وغاية قائمة بذاته - تعالى -، ولكن يجعلها قديمة غير مقارنة للمفعول.
4- من يثبت أن الله فعل المفعولات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة، وهذه الحكمة تعود إلى الرب - تعالى -، لكن بحسب علمه، والله - تعالى -خلق الخلق ليحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه، فهذه حكمة مقصودة واقعة، بخلاف قول المعتزلة، فإنهم أثبتوا حكمة هي نفع العباد... وهذا قول الكرامية[6] الذين يقولون: من وجد منه ذلك فهو مخلوق له، ومن لم يوجد منه ذلك فليس مخلوقا له [7].
5- قول أهل السنة: أن لله حكمة في كل ما خلق وأمر وفعل، ون هذه الحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة عليهم، يفرحون بها، ويلتذون بها، وهذا يكون في المأمورات وفي المخلوقات[8].
فهو "- سبحانه - حكيم لا يفعل شيئا عبثا، ولا بغير معنى ومصلحة وحكمة، هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله - سبحانه - صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسولهr على هذا وهذا في مواضع لا تكاد تحصى"[9].
هذه مجمل الأقوال في مسألة، ولعل أبرز الأقوال قول أهل السنة، وقول المعتزلة، وقول الأشاعرة، لذا سنتناولها بشيء من التفصيل.
الفصل الأول: مذهب أهل السنة والجماعة في الحكمة والتعليل
المبحث الأول: قول أهل السنة في الحكمة والتعليل:
سبقت الإشارة إلى مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الحكمة ويمكن إجمال مذهبهم من خلال النقاط التالية:
1- أن الحكمة ثابتة لله، والحكمة عندهم: "هي الغاية التي يفعل لأجلها، وتكون هي المطلوبة بالفعل، ويكون وجودها أولى من عدمها"[10]- وهي: "الغايات المحمودة في مفعولاته وأوامره وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة"[11].
2- الحكمة تتضمن شيئين:
1- أحدهما: حكمة تعود إليه - تعالى - يحبها ويرضاها، فالمحبة والرضى أخص من الإرادة والمشيئة، والحكمة ليست مطلق المشيئة، إذ لو كان كذلك لكان كل مريد حكيما [12].
2- الثانية: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة عليهم يفرحون ويلتذون بها في المأمورات والمخلوقات[13].
3- ما قاله أهل السنة في الحكمة التي تعود إلى الله وهو يحبها من الخلق والأمر لا يقال فيها إنه صار مستكملا بها وأن الخلق قد أثروا فيه بها، إذ أن الحكمة كسائر أفعاله الاختيارية التي تقوم به، فهي ليست مغايرة له حتى يقال إنه صار مستكملا بها، وأيضا لو كانت نقصا في حال عدم وجودها للزم نقصه في جميع الأفعال (فالحوادث لا يمكن وجودها إلا متعاقبة لا يكون عدمها في الأزل نقصا)[14] ولو كانت لا تعود إليه وإنما تعود إلى الخلق فحسب لما وصف بها كالروائح والألوان والطعوم).
وأما القول بأنه صار محتاجا إلى خلقه فيقال: إن الله - سبحانه - هو الغني، والغنى وصف ذاتي له، الصمد القائم بنفسه، لا يحتاج إلى خلقه بأي حال من الأحوال، وأما الحكمة التي تحصل له بالخلق فهي حكمة حاصلة بمشيئته، لا محذور فيها، وهو - سبحانه - الذي إليه الأمر فهو الذي أثر في عباده بأن هداهم ووفقهم.
4- الحكمة تكون في:
1- خلق الله.
2- أمر الله.
1- فكل ما خلقه الله قفله فيه حكمة بالغة، كما قال: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (88) سورة النمل..
وقال: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (7) سورة السجدة. فإتقانه وإحسانه لخلقه دليل على أن له حكمة في ذلك[15].
وقال - تعالى -: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (12) سورة الطلاق.
فبين - سبحانه - أنه خلق ذلك لأجل الحكمة التي نص عليها، وهي بيان قدرة الله الشاملة، وعلمه المحيط، وليست هي كل الحكمة، فالله أعلم بتفاصيل كل شيء [16].
- فأهل السنة يقولون: فعل كذا لأجل كذا، وفعل كذا لأجل كذا، لا كما قال غيرهم: إنه فعل عنده لا به ولا له [17].
2- وأما الحكمة الحاصلة من الشرائع (الأمر والنهي) فثلاثة أنواع:
أحدها: أن تكون في نفس الفعل و إن لم يؤمر به كما في الصدق و العدل و نحوهما من المصالح الحاصلة لمن فعل ذلك و إن لم يؤمر به. و الله يأمر بالصلاح و ينهى عن الفساد.
والنوع الثاني: أن ما أمر به و نهى عنه صار متصفا بحسن اكتسبه من الأمر و قبح اكتسبه من النهي، كالخمر التي كانت لم تحرم ثم حرمت فصارت خبيثة و الصلاة إلى الصخرة التي كانت حسنة فلما نهى عنها صارت قبيحة...
والنوع الثالث: أن تكون الحكمة ناشئة من نفس الأمر، وليس في الفعل البتة مصلحة، لكن المقصود ابتلاء العبد هل يطيع أو يعصي، فإذا اعتقد الوجوب وعزم على الفعل حصل المقصود بالأمر فينسخ حينئذ.
كما جرى للخليل في قصة الذبح فإنه لم يكن الذبح مصلحة ولا كان هو مطلوب الرب في نفس الأمر بل كان مراد الرب ابتلاء إبراهيم ليقدم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد... )[18].
- فالله - تبارك وتعالى - له حكمة بالغة في كل ما خلق وأمر، وإن كان وجه الحكمة قد يخفي على كثير من الخلق، فلا يجوز التعنت في طلبها وأن يتوقف في التسليم لله والانقياد لأمره على استبانتها.
والله - تعالى - يعِّلم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم، وقد لا يعلمون ذلك، ولهذا يقال: العلل الغائية تارة تطلب لنفسها، وتارة تطلب لغيرها، فتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه.
1- فالتي تطلب لذاتها: كقول الله - تعالى - في الحكمة من خلق الجن والإنس: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات.
وقوله: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (12) سورة الطلاق.
2- وأما التي تطلب لغيرها: فتكون وسيلة إلى مطلوب بنفسه، كقوله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (53) سورة الأنعام.
فاللام هنا في قوله (ليقولوا) دالة على التعليل لفعله المذكور وهو امتحان الله بعض خلقه ببعض، فأسياد القوم وأشرافهم يأنفون استكبارا إباء إذا رأوا الضعفاء والمساكين منهم قد أسلموا فيقولون عند ذلك: (أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا)، فهذا القول منهم هو بعض الحكم والغاية المطلوبة بهذا الامتحان، وهذا وإن كان علة فهو مطلوب لغيره، بمعنى أنه وسيلة إلى مطلوب بنفسه، فالمترتب على قولهم موجب لآثار مطلوبة للفاعل من إظهار عدله وحكمته وعزته وسلطانه وعطائه من يستحق عطائه ويحسن وضعه عنده، ومنعه من يستحق المنع ولا يليق به غيره، قال - تعالى -: (أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) وكانت فتنة بعضهم ببعض لحصول هذا التمييز الذي يترتب عليه شكر هؤلاء وكفر هؤلاء[19].
فكون بعض الناس يتضررون ببعض الأشياء لا يعني أنها خلقت لغير حكمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في خلق إبليس وما ظاهره التضرر من خلقه: (خلق الله إبليس كما خلق الحيات والعقارب والنار وغير ذلك لما في خلقه ذلك من الحكمة، وقد أمرنا أن ندفع الضرر عنا بكل ما نقدر عليه، ومن أعظم الأسباب استعاذتنا به منه، فهو الحكيم في خلق إبليس وغيره، وهو الحكيم في أمرنا بالاستعاذة به منه، وهو الحكيم إذ جعلنا نستعيذ به، وهو الحكيم في إعاذتنا منه، وهو الرحيم بنا في ذلك كله، المحسن إلينا المتفضل علينا، إذ هو أرحم بنا من الوالدة بولدها، إذ هو الخالق لتلك الرحمة، فخالق الرحمة أولى بالرحمة من الرحماء)[20].
وقال - رحمه الله -: "وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته فإن الله: ((كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي))[21]... أخرجاه في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يقولون: فعل المأمور به وترك المنهي عنه مصلحة لكل فاعل وتارك، وأما نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة للعباد، وإن تضمن شرا لبعضهم، وهكذا سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس، فلله في ذلك حكمة أخرى... وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس أو هو سبب ضرر كالذنوب فلا بد في كل ذلك من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله"[22].
5- الحكمة (التي هي المطلوب المقصود من الفعل):
تكون متقدمة في العلم والإرادة، قد أحاط الله بها علما قبل وجودها، وهو مريد لها.
وتكون متأخرة في الوجود والحصول، فيخلق الشيء لحكمة، وهذه تقود إلى حكمة أخرى، وهكذا..
ولا مانع من مثل هذا النوع من التسلسل الذي يكون في المستقبل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن العلة الغائية مقدمة في التصور والقصد، وإن كانت مؤخرة في الوجود والحصول)[23].
5- في تقرير أهل السنة لمذهبهم يتحرون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بلفظ: (الحكمة) و(الرحمة) و(الإرادة) ونحو ذلك مما جاء به النص، ويجتنبون الألفاظ الحادثة المجملة التي تحتمل حقا وباطلا كلفظ(الغرض)، فإنه يشعر بنوع من النقص، إما ظلم وإما حاجة، وهذا مما ينزه الباري عنه.
6- هذه الحكمة الحاصلة هي مما يحبه الله ويرضاه، فالمحبة والرضى جاء بهما النص، ولا يقال إنه يلتذ بها، لعدم ورود الشرع بذلك، وهو لفظ مجمل موهم [24].
المبحث الثاني: أدلة إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله
أولا: الأدلة النقلية:
أطال ابن القيم النفس في كتابه(شفاء العليل) في ذكر أنواع الأدلة الدالة على إثبات الحكمة لله، والغايات المطلوبة له في ذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها، فذكر اثنين وعشرين نوعا من الأدلة، كل نوع يحوي مجموعة من النصوص[25].
بل إن بعض هذه الأنواع تزيد نصوصها على عدة آلاف موضع [26].
وناقش في أثناء تقريره بعض الاعتراضات على تلك الأدلة، بل ناقش مذاهب المخالفين-وبخاصة نفاة الحكمة والتعليل- في أثناء تقريره لتلك الآيات وبيانها.
ونحن هنا نورد بعض تلك الأنواع والأدلة حسب ما يقتضيه المقام:
1- النوع الأول التصريح بلفظ الحكمة وما تصرف منه كقوله: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (5) سورة القمر.
وقوله: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (113) سورة النساء.
2- النوع الثاني: إخباره أنه فعل كذا لكذا، وأنه أمر بكذا لكذا، كقوله: (ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (97) سورة المائدة 538.
وغيرها من الأدلة..
3- الإتيان بـ(كي) الصريحة في التعليل، كقوله: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) سورة الحشر.
4- النوع الرابع: ذكر المفعول له، وهو علة للفعل المعلل به، كقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (89) سورة النحل.
5- النوع الخامس: الإتيان بـ(أن)والفعل المستقبل بعدها تعليلا لما قبله، كقوله: (أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا) (156) سورة الأنعام.
6- النوع السادس: ذكر ما هو من صرائح التعليل، وهو(من أجل)، كقوله - تعالى -: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (32) سورة المائدة.
7- النوع السابع: التعليل بلعل، وهي في كلام الله - سبحانه وتعالى - للتعليل مجردة عن معنى الترجي، فإنها إنما يقارنها معنى الترجي إذا كانت من المخلوق، وأما في حق من لا يصح عليه الترجي فهي للتعليل المحض، كقوله: (أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(21)البقرة، فقيل: هو تعليل لقوله: (أعبدوا ربكم) وقيل تعليل لقوله: (خلقكم) والصواب أنه تعليل للأمرين لشرعه وخلقه...
8- النوع الثامن: ذكر الحكم الكوني والشرعي عقيب الوصف المناسب له، فتارة يذكر بأن، وتارة يقرن بالفاء، وتارة يذكر مجردا،
فالأول كقوله... (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم أنهم كانوا قبل ذلك محسنين)(15-16) الذاريات.
وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء أنه من عبادنا المخلصين)(24)يوسف، والثاني كقوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (38) سورة المائدة.
والثالث كقوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم..)(277) البقرة.
9- تعليله - سبحانه - عدم الحكم القدري أو الشرعي بوجود المانع منه، كقوله... (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (27) سورة الشورى، وقوله: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) (59) سورة الإسراء.
10- النوع العاشر: إخباره عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره.
كقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (22) سورة البقرة... وقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (21) سورة الروم.
11- النوع الحادي عشر: إنكاره - سبحانه - على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا حكمة.
كقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) (115) سورة المؤمنون
12- النوع الثاني عشر: إنكاره - سبحانه - أن يُسَوَّى بين المختلفين أو يفرق بين المتماثلين، وأن حكمته وعدله تأبى ذلك.
أما الأول [إنكاره أن يسوى بين المختلفين] فكقوله: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين* مالكم كيف تحكمون) (35-36)القلم.
فأخبر أن هذا الحكم باطل... ومنكروا الحكمة يجوزون ذلك، بل يقلون بوقوعه..
وأما الثاني، وهو أن يفرق لا بين المتماثلين، فكقوله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ) (43) سورة القمر[27] إلى آخر تلك الوجوه التي ذكرها ابن القيم - رحمه الله -.
ثانيا: الأدلة العقلية:
وقد ساق القائلون بالحكمة التعليل في أفعال الله - تعالى - أدلة عقلية كثيرة، ومنها:
1- أن الكمال في الأفعال يكون بصدورها عن الحكمة البالغة في توجيهها إلى المصالح الراجحة والعواقب الحميدة، فكلما ظهر ذلك فيها كانت أدل على حكمة فاعلها، وعلمه وحسن اختياره ومحامده، وكلما بعدت عن ذلك كانت أشبه بالآثار الاتفاقية وما يتولد عن العلل الموجبة، وأشبهت أفعال الصبيان في ملاعبهم والمجانين في خيالاتهم، لخلوها عن الحكمة، مع أنها لم تخل من موافقة شهواتهم، ولم تجرد عن كل داع، فمن نفي عن أفعال الله كل داع وحكمة، فقد جعلها من هذه الجهة أنقص قدرا من أفعال الصبيان والمجانين في ملاعبهم وجنونهم [28].
2- أن الحكمة من لوازم الإرادة، ذلك أنه إذا ثبت أن الله مريد فيقال: إما أن يكون أرادها لحكمة وإما أن يكون أرادها لغير حكمة، فإن قالوا: لغير حكمة، كان مكابرة، فإن الإرادة لا تعقل إلا إذا كان المريد قد فعل لحكمة يقصدها بالفعل، وأيضا فإذا جاز أن يكون فاعلا مريدا بلا حكمة فكونه فاعلا مريدا لحكمة أولى بالجواز [29].
3- الحكمة من مقتضيات العلم: وذلك لأن العلم بأفضل الأعمال والعمل بمقتضى ذلك العلم يستلزم الحكمة والعلة التي بسببها كان التفاضل بين الأعمال، مثاله: العلم بأن الصدق أولى من الكذب، والعدل أولى من الجور، والجود أولى من البخل، والإحسان أولى من الإساءة، ولا خلاف في تسمية هذا حكمة في حق الحكماء والعلماء من الخلق [30].
4- الاستدلال بقياس الأولى، وهو أن الله أحكم الحاكمين وأعدل العادلين لا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، ولا يناقض جوده ورحمته وفضله حكمته وعدله، ولو رأى العقلاء واحدا منهم قد وضع النجاسات والقاذورات في مواضع الطيب والنظافة لاشتد نكيرهم عليه، والقدح في عقله ونسبوه إلى السفه، وخلاف الحكمة، وكذلك لو وضع العقوبة موضع الإحسان، والإحسان موضع العقوبة، لسفهوه، وقدحوا في عقله، كما قال القائل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى[31].
فإذا كان هذا مما يتنزه عنه عقلاء الناس ولا يتصور وقوعه منهم، فإن الله - تعالى - أولى بذلك.
________________
[1] الجهمية: سموا بذلك نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي تتلمذ على الجعد بن درهم، ونشر أفكاره، وتعتبر الجهمية من أوائل الفرق الكلامية التي عارضت صحيح المنقول بشبهاتها العقلية، وعطلت الله - تعالى - عن أسماءه وصفاته، وقد أصبح لقب (الجهمية) جنسا يطلق على الفرق الكلامية التي جاءت من بعدهم وتبنت أفكارهم، أو بعضها وبخاصة نفي الصفات. انظر: الملل والنحل(1/86)-البداية والنهاية(9/365).
[2] الأشاعرة: اسم فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري، المتوفى بابصرة سنة(324هـ) لازم شيخه وزوج أمه أبا علي الجبائي-شيخ المعتزلة- إلى أن بلغ سن الأربعين، ثم فارقه إثر خلاف معه في مسألة لم يجد لها عند الجبائي إجابة شافية، (وهي مسألة الصلاح والأصلح)، ثم سلك مسلك ابن كلاب في الصفات، وبدأ يميل شيئاً فشيئاً إلى مذهب أهل السنة، وانتسب إلى الإمام أحمد.
وتطور مذهب الأشعرية من نفي أفعال الاختيارية إلى نفي الاستواء فالعلو فبعض الصفات الذاتية ثم كلها حتى أصبحوا لا يثبتون إلا بضع صفات. انظر: تاريخ بغداد(11/347)-تبيين كذب المفتري لابن عساكر(56).
[3] انظر: الإرشاد للجويني(268)-ونهاية الإقدام(297) ومحصل أفكار المتقدمين للرازي (205) الفصل(3/174)-الإحكام لابن حزم(8/1110).
[4] المعتزلة: سموا بذلك نسبة إلى واصل بن عطاء الذي اعتزل حلقة الإمام الحسن البصري وقال بالمنزلة بين المنزلتين، في حكم مرتكب الكبيرة، فسمي هو وأتباعه معتزلة، وهي من أشهر الطوائف غلوا في ما توهموه عقلا، وهم فرق تزيد على العشرين فرقة، يجمعهم القول الأصول الخمسة(التوحيد/والعدل/ والوعد والوعيد/والمنزلة بين المنزلتين/ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). انظر: الانتصار للخياط(126) مقالات الإسلاميين(1/235).
[5] انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار الهمذاني المعتزلي(6/48)(11/92-92)
[6] الكرامية: إحدى فرق المرجئة، يجمعهم التشبيه، والقول بأن الله - تعالى -جسم، وكلهم على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع، قال الذهبي: وكانت الكرامية كثيرين بخراسان، ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا، كان ابن كرام(محمد بن كرام السجستاني) يقول: الإيمان هو نطق اللسان بالتوحيد، مجرد عن عقد القلب، وعمل الجوارح. انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي(229)- الملل والنحل(108).
[7] انظر: مجموع الفتاوى (8/39).
[8] انظر مجموع الفتاوى(8/35-36)
[9] انظر شفاء العليل(400)ط: التراث. وقد ذكر بعض هذه الحكم فلتراجع هناك.
[10] مدار السالكين(3/461)
[11] مجموع الفتاوى(3/19)
[12] انظر: منهاج السنة(1/141)-مجموع الفتاوى(8/34).
[13] مجموع الفتاوى(8/35)
[14] منهاج السنة(1/421)
[15] مجموع الفتاوى(8/34-35)
[16] انظر شفاء العليل(320).
[17] انظر منهاج السنة(2/315)
[18] مجموع الفتاوى ج: 17 ص: 201-(8/436).
[19] شفاء العليل(322).
[20] منهاج السنة النبوية ج: 3 ص: 215
[21] البخاري(7404)ومسلم(2751)
[22] منهاج السنة النبوية ج: 1 ص: 462-463
[23] النبوات لابن تيمية: (136).
[24] انظر مجموع الفتاوى ج: 16 ص: 132
[25] شفاء العليل(2/537-569) ط: مكتبة العبيكان
[26] انظر الوجه الثامن شفاء العليل(2/551).
[27] راجع الوجوه السابقة في شفاء العليل (2/537-559) ط: مكتبة العبيكان. -وقد ساق ابن تيمية طرفا من أدلة إثبات الحكمة: انظر: شرح الأصبهانية(1/157).
[28] انظر: إيثار الحق على الخلق(195)، وطريق الهجرتين(260)
[29] مجموع الفتاوى(16/132).
[30] إيثار الحق على الخلق(193)
[31] طريق الهجرتين(168-169). والبيت لأبي الطيب المتنبي.