الواثقة بالله
04-09-2013, 08:46 PM
بَابُ اللُّقَطَةِ
وَهِيَ مَالٌ، أَوْ مُخْتَصٌّ ضَلَّ عَنْ رَبِّهِ، وَتَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ. .....
قوله: «اللقطة» فُعَلَة من الأخذ واللقط، فهي الشيء الملقوط، لكن لها معنى خاص عند الفقهاء، عرفها المؤلف بقوله:
«وهي مال أو مختص ضل عن ربه» والقيد المهم فيها قوله: «ضلَّ عن ربه» أي ضاع منه.
وقوله: «مال» وهو ما يصح تملكه وعقد البيع عليه كالدراهم، والأمتعة وما أشبهها.
وقوله: «مختص» وهو كل ما يختص به الإنسان بدون ملك، فلا يصح تملكه ولا أخذ العوض عنه، وذلك مثل كلب الصيد، فكلب الصيد لا يملك، لكن صاحبه أخص به من غيره، فهو مختص وليس بمال، وكالسرجين النجس وجلد الميتة على قول، فهذه لا تباع ولا تشترى، لكن صاحبها أخص بها.
وقوله: «ضلَّ عن ربه» أي: عن صاحبه؛ لأن «رب» في اللغة العربية تطلق بمعنى صاحب، كما جاء ذلك في القرآن، وجاء ذلك في الحديث.
ففي القرآن: قال الله تعالى: {{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *}} [الصافات] رب العزة أي: صاحبها، ولا يمكن أن تكون {{رَبِّ الْعِزَّةِ}} بمعنى خالقها؛ لأن العزة صفة من صفات الله غير مخلوقة.
وفي الحديث: «أن تلد الأمة ربها» في إحدى روايات البخاري[(174)]، وقال في ضالة الإبل: «ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» [(175)].
قوله: «وتتبعه هِمة أوساط الناس» هذا القيد قيد فيما يجب تعريفه لا في اللقطة؛ لأن اللقطة يصدق عليها التعريف، وإن كانت لا تتبعها همة أوساط الناس، فمن وجد رغيفاً لا يساوي درهماً فهي لقطة، وإن كانت الهمة لا تتبعه.
لكن المؤلف ـ رحمه الله ـ دمج الحكم في التعريف ليبين أن الذي يجب تعريفه، هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، وأما ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهذا لا يعرف.
والمراد بقوله: «همة أوساط الناس» أي: تتعلق به نفوسهم، وعلى هذا فنقول: من وجد مالاً فعلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه فهذا لواجده، كما يوجد الآن بعض الكراسي المكسرة ترمى في الأسواق، أو بعض الزنابيل، أو بعض الأواني، أو ما أشبه ذلك، نعلم أن صاحبها تركها رغبة عنها، هذه يملكها واجدها بدون شيء، حتى لو علمنا أن هذا الرجل له متاع ثقيل في البر، وعجز عنه وتركه رغبة عنه كما أراد جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن يسيب جمله[(176)]، فهذا لمن وجده.
وهل من ذلك السيارات التي يكون عليها حوادث وتبقى في الطرق، هل نقول: هذه مما تركها أهلها رغبة عنها، فيجوز للإنسان أن يأخذ منها أو لا يجوز؟
نقول: ننظر إلى حال السيارة إذا كان فيها معدات ونعلم أنها غالية، وأن صاحبها سوف يعود إليها، فإنه لا يجوز أخذها، أما إذا كانت هيكلاً محترقاً ما فيه إلا حديد يحتاج إلى أن يصهر بنار، فهذا لمن وجده؛ لأننا نعلم أن صاحبه لن يعود إليه.
الثاني: أن يكون مما لا تتبعه الهمة؛ لكونه زهيداً، كقلم يساوي درهماً، فهذا زهيد لا تتبعه همة أوساط الناس، فأي إنسان يجده فهو له، إلا إذا كان يعلم صاحبه فعليه أن يوصله إلى صاحبه أو يبلِّغ صاحبه به؛ لأنه أصبح الآن غير لقطة، لأن صاحبه معلوم.
الثالث: وهو الذي أشار إليه الماتن، وهو الذي تتبعه همة أوساط الناس فهذا يجب أن يعرَّف لمدة سنة، وسيأتي إن شاء الله ذكرها.
وقوله: «أوساط الناس» هل المراد أوساط الناس بالمال أو أوساط الناس بالشح، أو بهما جميعاً؟
الجواب: بهما جميعاً، يعني أن أوساط الناس الذين ليسوا من الأغنياء ولا من الفقراء، ولا من الكرماء الذين لا يهتمون به، ولا من البخلاء، فالبخيل همته تتبع حتى قُلامة الظُّفْر كما قال الشاعر:
بَليتُ بِلى الأطلال إن لم أقف بها
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
فالشحيح لا عبرة به، والفقير ـ أيضاً ـ لا عبرة به؛ لأن الفقير أي شيء يضيع منه تتبعه همته، فلو ضاع منك عشرة ريالات لا تهتم بها، لكن لو ضاعت من فقير اهتم بها، ولهذا لو أعطاك شخص عشرة ريالات لا تهتم بها ولا تفرح بها ولا ترى أن هذا قدر لك، لكن لو يعطيها فقيراً فرح بها.
إذاً أوساط الناس خُلُقاً ومالاً، خلقاً يعني ليس من الكرماء الذين لا يهتمون بالأمور، ولا من البخلاء الذين همتهم تتبع كل شيء، فهذا المال لواجده إلا إذا كان يعلم صاحبه؛ ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وجد تمرة في الطريق فقال: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» [(177)] لأن الصدقة محرمة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفلها وفرضها، وآل محمد صلّى الله عليه وسلّم يحرم عليهم الصدقة الواجبة دون النافلة، وسائر الناس إذا كانوا من أهل الزكاة يستحقون النافلة والواجبة.
وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» فيه إشكال، كيف يمتنع النبي صلّى الله عليه وسلّم منها مع أن الأصل الحل وأنها ليست من الصدقة؟ فيقال في الجواب: إن هذا لكمال ورعه صلّى الله عليه وسلّم، ولعل هناك قرينة تدل على أنها من الصدقة مثل أن تكون في المكان الذي حوله فرقت الصدقة، فسقطت منها هذه التمرة، لكن بالنسبة لنا لو وجدناها ونحن ممن تحرم عليهم الصدقة الواجبة، فلنا أن نأكلها حتى نتيقن أنها من الصدقة الواجبة.
وقوله: «تتبعه همة أوساط الناس» الذي تتبعه همة أوساط الناس يختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فيما سبق الدرهم الواحد تتبعه همة أوساط الناس؛ لأنه يحصل به شيء كثير، يعني يمكن أن الدرهم الواحد يشتري به الإنسان شاة ويشتري به ـ أيضاً ـ حباً يطبخه ويكفي ضَيْفَه.
والآن ـ والحمد لله ـ الدرهم لا يهتم به أحد، وكذا خمسة دراهم، وكذا عشرة، والخمسون يهتم بها أوساط الناس، إذاً يقدر هذا بحسب الأحوال، والأحوال يختلف فيها الناس.
لكن لو قال قائل: لعل هذا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس تتبعه همة فاقِدِهِ؟ فيقال: العبرة بالأغلب، يعني رب قلم لا يساوي درهماً، وعند صاحبه يساوي مائة درهم؛ لأنه تعوَّد عليه وكتابته به سهلة وجميلة، وهذا شيء مشاهد، بعض الأشياء تكون عند صاحبها غالية، وعند الناس ليست غالية، فيقال: العبرة بالأغلب.
فَأَمَّا الرَّغِيفُ، وَالسَّوْطُ وَنَحْوُهُمَا فَيُمْلَكُ بِلاَ تَعْرِيفٍ. ...........
قوله: «فأما الرغيف والسوط ونحوهما فيملك بلا تعريف» لأنها لا تتبعها همة أوساط الناس، والرغيف يعني القرص، فمن وجد قرصاً ساقطاً في السوق فليأخذه وليأكله، ما لم يكن يعلم صاحبه.
كذلك السوط وهو عصا رقيقة صغيرة، وليست بذات قيمة، فمن وجدها فهي له.
وقوله: «ونحوهما» مثل القلم الرخيص، وسلسلة المفاتيح «فيملك بلا تعريف» بمجرد ما يجده الواجد يكون ملكاً له، لكن بشرط ألا يكون عالماً بصاحبه، فإن كان عالماً بصاحبه وجب عليه إعلامه ولكن لا يجب عليه إيصاله له.
ثم انتقل المؤلف ـ رحمه الله ـ مما ضاع من الأموال إلى ما ضاع من الحيوان فقال:
وَمَا امْتَنَعَ مِنْ سَبُعٍ صَغِيرٍ كَثَوْرٍ وَجَمَلٍ وَنَحْوِهِمَا حَرُمَ أَخْذُهُ..........
«وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرم أخذه» الحيوان الضائع قسمان:
الأول: ما يمتنع من صغار السباع، وصغار السباع مثل الذئب والكلب إذا صار كَلِباً يعني يَفْرِسُ، وما أشبهها، وأما كبار السباع فإنها لا تمتنع منها حتى الجمال.
وقوله: «كثور وجمل» الثور الكبير يمتنع من صغار السباع لا شك، والصغير لا يمتنع فيلحق بالشاة ونحوها، لكن الكبير يمتنع؛ لأنه إذا أتى إليه الذئب ليأكله نطحه بقرونه أو وطئه برجليه فلا يستطيع الذئب أن يأكله، وكذلك الجمل، نعم لو اجتمع الذئاب على جمل يمكن أن تقدر عليه، لكن العبرة بالغالب.
وقوله: «ونحوهما» مَثَّلَ بعضهم بالحمار، قال: إن الحمار يمتنع من صغار السباع، والواقع أنه لا يمتنع، الحمار جبان، إذا شم رائحة الذئب فإنه يفزع ولا يمكن أن يمتنع، نعم إن كان يوجد حمير على زمن من مثلوا بها تمتنع فكذلك، أما الحمار الموجود عندنا وهو الحمار الأهلي فإنه لا يمتنع.
أما البغل فإنه يمتنع وكذلك الحصان، وكذلك ما يمتنع من السبع الصغير بعَدْوِهِ كالظباء فإنه يمتنع من السبع الصغير بسرعته، وكذلك ما يمتنع من السبع الصغير بطيرانه كالحمام، إذاً ما امتنع من السبع الصغير لكبر جسمه أو لعَدْوه أو لطيرانه فإنه يحرم أخذه، هذا هو الضابط.
وقوله: «حرم أخذه» أي يحرم التقاطه ولا يحل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل عن ضالة الإبل فغضب صلّى الله عليه وسلّم وقال: «دعها، ما لك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» [(178)]، انظر كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنما هو من رعاة الإبل، مع أنه ما رعى الإبل وإنما رعى الغنم، فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «معها سقاؤها» يعني بطنها؛ لأنها إذا شربت تبقى مدة حتى في أيام الصيف لا تحتاج إلى شرب «وحذاؤها» يعني خفها، «ترد الماء وتأكل الشجر» ولا أدل من البعير على الماء، حتى إن الناس فيما سبق إذا خافوا على أنفسهم من العطش ربطوا أنفسهم على الإبل، ثم إن البعير تشم الماء من بعيد وتقف عليه، فمعها سقاؤها، ومعها حذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
وظاهر الحديث العموم، أنه لا يجوز التعرض لها، تترك حتى يجدها ربها، لكن إذا رجعنا إلى أصول الشريعة قلنا: إنه إذا كان يخشى عليها من قطاع الطرق، ففي هذه الحال له أن يأخذها إن لم نقل بالوجوب، ويمكن أن يؤخذ هذا من الحديث، وهو قوله: «حتى يجدها ربها» فإن هذا التعليل يشير إلى أنه إذا كانت في مكان يخشى أن يأخذها قطاع الطرق، فإنه يلتقطها ولا بأس؛ لأنه في هذه الحال يغلب على الظن أن صاحبها لا يجدها، وعلى هذا فنقول: هذا الحديث إن كان لا يدل على أنه يأخذها فإنه يقيد بالنصوص العامة، وإن كان يدل على أنه إذا كان لا يؤمن ألا يجدها صاحبها فإنه يأخذها.
الثاني: الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع كالضأن والمعز وصغار الإبل وما أشبهها، فهذه يجوز التقاطها، وينفق عليها، ويرجع بها على ربها إن وجده، فإن خشي أن تزيد النفقة على قيمتها فإنه يضبط صفاتها ثم يبيعها ويحفظ ثمنها لربها، فإذا جاء ووصفها وانطبقت الأوصاف على الموجود فإنه يعطيه الثمن.
وَلَهُ الْتِقَاطُ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَيَوانٍ وَغَيْرِهِ، إِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ كَغَاصِبٍ.
قوله: «وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك» قوله: «وله» اللام هنا للإباحة، وهي في ضد المنع؛ لأنه لما قال: «حرم أخذه» قال: «وله» فهي في مقابل المنع، أي لا يحرم عليه التقاط غير ذلك.
لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألا يلتقطه، أو يحرم عليه أن يلتقطه؟
يقول المؤلف: يحرم عليه إذا لم يأمن نفسه على ذلك، فإن كان لا يأمن نفسه أنه لو أخذه أنفقه إن كانت دراهم، أو ذبحه إن كانت شاة فإنه يحرم عليه أخذه، ويكون حكمه حكم الغاصب.
أما إذا كان يعرف من نفسه أنه قادر على إنشاد الضالة، فهنا نقول فيه تفصيل: إن كان له قوة وقدرة على التعريف فالأفضل أخذها، وإن كان يخشى ألا يقدر، أو أن يشق عليه فالأفضل تركها، وعلى هذا فقوله: «وله» اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها وقد يكون الأفضل أخذها.
فإن أمن نفسه على ذلك ولم يخف عليها فله الأخذ، لكن السلامة أولى فيتركها، فكم من إنسان أخذ اللقطة على أنه سيعرفها، ثم يتهاون أو يأتيه شغل يمنعه من تعريفها وما أشبه ذلك.
قوله: «وإلا» أي: وإلا يأمن نفسه على ذلك.
قوله: «فهو كغاصب» فيحرم عليه أخذه، وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه لا فرق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأنه لم يفصل، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد يريد أن يعرِّفها مدى الدهر؛ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد» [(179)] وهذا من خصائص الحرم، والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرم إلا إذا كان مستعداً لإنشادها دائماً فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَنْ بَعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا ـ أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها ـ هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رضي الله عنه ـ وعليه يدل الحديث.
لكن إذا خاف الإنسان أن يأخذها مَنْ لا يعرِّفُها فهنا نقول: إما أن يجب أخذها، أو يباح، فماذا يصنع بها؟ نقول: يعرفها دائماً وأبداً، فإن شق عليه ذلك فالأمر ـ والحمد لله ـ واسع، حيث توجد محاكم شرعية تتلقى مثل هذا، فليأخذها وليدفعها للحاكم، وهو إذا أخذها ودفعها للحاكم ـ يعني للقاضي ـ برئت بذلك ذمته.
وَيُعَرِّفُ الجَمِيعَ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ غَيْرَ المَساجِدِ حَوْلاً. وَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُ حُكْماً، لَكِنْ لاَ يَتَصَّرفُ فِيها قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا.
قوله: «ويعرف الجميع» يعني جميع ما يجوز التقاطه، الحيوان وغير الحيوان، أما غير الحيوان فقد ثبت بالسنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة» [(180)]، وأما الحيوان فقد اختلف العلماء في وجوب تعريفه، فمنهم من قال بوجوب التعريف كما هو كلام المؤلف حيث قال: «ويعرف الجميع» ، ومنهم من قال: إنه لا يجب أن يعرفه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الشاة يجدها الرجل: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» ، و «أو» هنا للتخيير، فهي لك إن شئت ألا تعرفها أو لأخيك إن عرفتها فوجدها، أو للذئب إن شئت ألا تأخذها ولا تعرفها فهي للذئب يأكلها، ولكن الصحيح ما ذهب إليه المؤلف أنه يجب أن يعرف الجميع، الحيوان وغير الحيوان.
وقوله: «ويعرِّف» أي: يطلب من يَعْرِفها.
قوله: «في مجامع الناس» مثل أسواق البيع والشراء، بل وما كان خارج باب المسجد عند خروج الناس من الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة مثلاً، فيعرف الجميع.
وكيفية التعريف، أن يقول: من ضاع له المال؟ ولا يعين؛ لأنه لو عيَّن وقال: من ضاع له كذا وكذا ويفصل، لكان ذلك سبيلاً إلى أن يدعيه أي شخص، ولكن يعمم.
وهل يجب عليه أن يذكر النوع عند الإنشاد، كأن يقول مثلاً: من ضاعت له الدراهم بدلاً من أن يقول: من ضاع له المال؟
الظاهر أنه يجب عليه؛ لأنه إذا قال: من ضاع له المال؟ فقد يتصوره الإنسان غير الذي ضاع له، لكن إذا قال: من ضاعت له الدراهم؟ صار هذا أقرب لفهم المقصود، وكذلك يقال لو أنه وجد حلياً، فلو قال: من ضاع له الذهب؟ فإن الناس أول ما يقع في قلوبهم أنه الدنانير، لكن إذا قال: من ضاع له الحلي؟ صار هذا أقرب إلى فهم المخاطب، فيذكر أقرب ما يكون من إدراك الناس له، لكن لا يذكر كل الأوصاف حتى لا يدعيه من ليس له.
فمثلاً إذا وجد دراهم وقال: من ضاعت له الدراهم فإنه يجوز؛ لأنه إذا قال أحد: أنا، سيقول له: كم عددها؟ وما نوعها؟ هل من فئة خمسة، أو من فئة عشرة أو من فئة خمسين، أو من فئة مائة، أو من فئة خمسمائة؟ وهل هي دراهم سعودية أو هل هي دراهم بلد آخر؟ ثم العدد، ثم الكيس إذا كانت في كيس، كل هذا يحددها، إنما يذكر أقرب وصف يمكن للمخاطب أن يعرفه بدون أن يفصل؛ لئلا يدعيها من ليست له.
والتعريف يجب أن يكون فوراً، فلو أخره فهو آثم ويضمنها ضمان غصب.
قوله: «غير المساجد» أما المساجد فلا يجوز إنشاد الضالة فيها، بل قد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من سمع الذي ينشد الضالة في المسجد فليقل: «لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا» [(181)] وهذا من باب التعزير، كما أمر النبي بعدم تشميت العاطس إذا لم يحمد[(182)]، فإذا رأى الإنسان أنه إذا أقام هذا التعزير عُزِّر هو فلا يقدم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والحديث يحتمل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد أن نقول كل الجملة «لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا» ، ويحتمل أنه قال ذلك تعليلاً للحكم، وكأن سائلاً يسأل: لماذا نقول هذا الكلام؟ قال: لأن المساجد لم تبن لهذا، وعليه فلينظر للمصلحة، إذا كان من المصلحة أن يقولها فليقلها تطميناً لنفسه وقلبه وبياناً للعلة والحكمة، وهذا أحسن؛ لأنك لو قلت: «لا ردها الله عليك» وصِحْت به، سيكون في قلبه شيء، لكن إذا قلت: «فإن المساجد لم تبن لهذا» اطمأن.
ولو فتح المجال للناس أن ينشدوا الضوال في المسجد لامتلأت المساجد من أصوات الناشدين، وألهوا الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، فصار الدليل في هذا أثرياً ونظرياً.
وقوله: «غير المساجد» يعم كل ما كان مسجداً، وأما المُصَلَّيات فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مصلّىً في دائرة من الدوائر فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلّىً ليس مسجداً؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجنب المكث فيه، ولا على الحائض، فهو بمنزلة مصلى الإنسان في بيته.
قوله: «حولاً» يعني عاماً كاملاً، واعلم أنه إذا أطلق العلماء ـ رحمهم الله ـ الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلال، أي: السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وقَّتها الله لعباده، قال الله تعالى: {{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}} [التوبة: 36] وهذه التواريخ التي بنيت على أشهر غير هلالية هي في الحقيقة أوهام غير منضبطة بشيء معين، ولهذا تجد بعضها يصل إلى واحد وثلاثين يوماً، والثاني إلى ثمانية وعشرين يوماً مثلاً، فهذه ليست مبنية على أصل، لكن الأشهر الهلالية مبنية على أصل جعله الله ـ تعالى ـ للناس كما قال الله ـ تعالى ـ {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}} [البقرة: 189] وقال تعالى: {{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}} [يونس: 5] فكلما رأيت في كلام أهل العلم حولاً، أو سنة، أو عاماً، فالمراد بالهلال.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أنها تعرَّف حولاً؟
قلنا: ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في اللقطة: «اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرِّفها سنة» [(183)] فبيَّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنها تُعَرَّف سنة، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يريد أن يبقى ليلاً ونهاراً يعرِّف، فيرجع في ذلك إلى العرف، وقد اجتهد بعض العلماء فقال: يُعَرِّفها في الأسبوع الأول كل يوم، ثم كل أسبوع مرة لمدة شهر، ثم في كل شهر مرة، وهذا التقدير اجتهاد ليس عليه دليل، ولكن الأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف.
وإذا وجد اللقطة في مكان بين قريتين، هل يعرفها في واحدة منهما أو فيهما كلتيهما؟
ينظر، إذا كانت هذه السلعة ـ مثلاً ـ معروفة في البلد الشرقي، وليست معروفة في البلد الغربي فإنه يعرفها في البلد الغربي؛ لأن عادة الناس جرت أنَّهم يجلبون السلع إلى المكان الذي تقل فيه، وعلى هذا نقول: هذه السلعة اشتراها مَنْ في البلد الغربي من البلد الشرقي، فنعرفها في البلد الغربي.
فإذا كانت السلعة موجودة في القريتين جميعاً على حد سواء فهل ننظر للأقرب أو للأبعد؟
إن تساويا فنقول: عرِّف فيهما جميعاً، في هذه وهذه؛ لأن احتمال أنه من هذه وارد، واحتمال أنه من هذه وارد، والقرعة هنا لا تتأتى.
فإن كانت إلى إحداهما أقرب، فالظاهر أنه يلزمه أن يعرفها في الأقرب ولا يلزمه في البعيد؛ لأن القريب من المكان له حكم ما قرب منه، ولهذا لما حضرت الوفاة من كان قتل مائة نفس وسأل عابداً وقال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال له: ما لك من توبة، فقتله، ثم سأل عالماً فقال له: لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟! ولكنه أرشده إلى بلد آخر ليس بلد ظلم، وسافر مهاجراً إلى الله، ونزل به الموت في أثناء الطريق، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، حكمة من الله ـ عزّ وجل ـ، وإلا فالله ـ تعالى ـ يعلم، فتخاصمت الملائكة، ملائكة الرحمة تقول: نقبض روحه؛ لأنه تاب وخرج وغادر بلده، وملائكة العذاب تقول: نقبض روحه؛ لأنه لم يصل إلى بلد التوبة، فأرسل الله ملكاً يفصل بينهما، وقال: قيسوا فإلى أيهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا فوجدوه إلى القرية التي هاجر إليها أقرب، حتى إنه لما حضره الموت جعل ينوء بصدره وهو في سياق الموت إلى البلد التي كان قد قصدها، وأوحى الله إليها أن تقرَّبي وإلى الأخرى أن تباعدي، فصار أقرب إلى التي قصدها بشبر[(184)]، فتولت روحه ملائكة الرحمة، فربما يؤخذ من هذا أن البلد الأقرب يعطى الحكم ويمنع البلد الأبعد.
قوله: «ويملكه» أي: الواجد.
قوله: «بعده» أي: بعد تمام الحول.
قوله: «حكماً» أي قهراً بدون أن يختار، كما يملك الوارث مال مورثه ـ أي: بدون اختيار ـ وهذا هو المذهب.
وهناك قول آخر: أنها لا تدخل في ملكه إلا إذا شاء، وعلى هذا القول تبقى في يده أمانة، فإذا تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه.
وعلى المذهب لو تلف هذا الموجود بعد الحول، أو قبل الحول، هل يختلف الحكم؟
نعم يختلف الحكم، إن تلف قبل الحول بتعدٍّ منه فعليه الضمان، وبغير تعدٍّ فلا ضمان عليه؛ لأنه إذا كان متعدياً فهو كغيره من المعتدين يضمن، وإذا كان غير متعدٍّ فهو أمين؛ لأن اللقطة الآن بيده على أنها لصاحبها، فيده يد أمانة، فإذا تلف المال بيده بلا تعدٍّ فلا ضمان عليه.
وإذا تلفت بعد الحول فعليه الضمان سواء تعدى أم لم يتعدَّ؛ لأنها دخلت في ملكه الآن وصارت في ضمانه؛ لأن الشيء الذي في ملكك هو في ضمانك، فإذا دخلت في ملكه وصارت في ضمانه، فإن عليه ضمانها بكل حال إذا وجد صاحبها.
وقيل: لا يضمنها إذا لم يتعدَّ أو لم يفرط، فيكون الحكم واحداً، وهذا هو الأقرب؛ لأن الرجل دخلت في ملكه قهراً عليه بغير اختياره، فهي في الحقيقة كأنها ما زالت في ملك صاحبها إذا كان لا يريدها، فكيف يقول: أنا لا أريد أن تدخل ملكي وأبرأ إلى الله منها، ونقول: هي في ملكك، وفي ضمانك؟! فيه شيء من الصعوبة، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه إذا لم يتعدَّ أو يفرط.
وهناك قول ثالث: أنه لا يضمن على كل حال؛ لأنها ما دامت دخلت ملكه فهي ملكه، فلو ذبح الشاة ـ مثلاً ـ أو أنفق المال فليس عليه شيء؛ لأنه ملكه، وإذا جاء صاحبها يطلبها، قال له: أنا أنشدتها لمدة سنة وتمَّت السنة فملكتها.
قوله: «لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها» أي: لا يتصرف واجدها «فيها» أي في الموجود وهي اللقطة «قبل معرفة صفاتها» لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اعرف عفاصها ووكاءها» [(185)] والعفاص الوعاء، والوكاء الحبل الذي تربط به ويشد عليها، فلا بد أن يعرف ذلك.
وينبغي أن يشهد على صفاتها، لكن يشهد من يثق به؛ لأنه إذا أشهد سلم من صاحبها لو ادعى أنها على وجه أكمل، وهذا الإشهاد من وسائل الضبط.
مسألة: هل له الانتفاع باللقطة؟
الجواب: إن كان بعد تمام الحول فله أن ينتفع بها؛ لأنها ملكه، وأما قبل فإن احتاجت إلى نفقة كالحيوان يحتاج إلى علف وسقي، فله أن ينتفع بقدرها، وإلا فلا كالإناء فليس له أن ينتفع به.
وعلى القول بأنها تدخل في ملكه، فهل يجوز أن يتصرف فيها أو لا؟
الجواب: يجوز أن يتصرف فيها بالبيع والهبة والرهن والإيقاف، وغير ذلك من أنواع التصرف؛ لأنها دخلت في ملكه، لكن قبل أن يتم الحول لا يكون مالكاً لها؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن لم يجئ صاحبها كانت وديعة عندك» [(186)] فهي وديعة وأمانة عنده لا يمكن أن يتصرف فيها إلا إذا كان في بقائها ضرر على صاحبها، فله أن يتصرف فيها، كما لو كانت اللقطة من الأشياء التي لا تبقى، مثل الأشياء التي تفسد، فهنا يتصرف فيها بالبيع ويحفظ الثمن، أو كانت من الأشياء التي تبقى لكن تستنفق أكثر من قيمتها أضعافاً مضاعفة، كما لو وجد شاة فهنا يبيعها وإن كان لم يملكها؛ لأن بقاءها ضرر على صاحبها، فلو بقيت عنده وهي تساوي ثلاثمائة ريال وكل يوم تأكل بأربعين ريالاً، ففي خلال سنة تنفق أربعة عشر ألفاً وأربعمائة ريال تقريباً فهل من المصلحة أن تبقى؟! لا، المصلحة في بيعها، بل في هذه الحال يجب أن يبيعها، إلا إن كان يرجو أن يجد صاحبها من قرب كيوم أو يومين فلا يبيعها.
مسألة: إذا أخذ لقطة على أنها لا تساوي شيئاً ولا تتبعها همة أوساط الناس فتبين أنها بخلاف ذلك، كما لو ظنها صفراً أو نحاساً فبانت ذهباً، فإن له أن يردها إلى مكانها الذي وجدها فيه.
فَمَتى جَاءَ طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ.
قوله: «فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه» «متى» اسم شرط جازم، والمعنى في أي وقت أتى صاحبها فإنه إذا وصفها تدفع إليه.
وقوله: «طالبها» أي من طلب هذه اللقطة.
وقوله: «فمتى جاء طالبها» عمومه يشمل إذا جاء قبل الحول أو بعد الحول.
وقوله: «فوصفها» أي ذكر صفاتها، وكان ما ذكره طبق الواقع.
وقوله: «لزم» أي يلزم الواجد «دفعها إليه» أي: إلى الواصف؛ لأن هذه اللقطة لا يدعيها أحد، حتى الذي هي في يده لا يدعيها.
وقوله: «لزم دفعها إليه» ظاهر كلامه أنه يلزم الدفع إليه فوراً،
وهو كذلك، إلا إذا قال: أبقها عندك وسأرجع، فتبقى عنده أمانة.
وظاهر كلامه أنه يلزم الدفع إليه بدون بينة ولا استحلاف، بمعنى أن الواجد لا يقول للمدعي إنها له: هات بينة؛ وذلك لأنه لا منازع له، أي: لا منازع للواصف لها، وكذلك ـ أيضاً ـ لا يلزمه اليمين؛ لأنه لا منازع له فإذا وصفها فإنه لا يطالب بالبينة، مع احتمال أن يكون غير مالك لها عند المطالبة؛ لأنه باعها ـ مثلاً ـ وضاعت من المشتري، فهذا الاحتمال وارد ولا شك، لكن مع هذا لا نطالب الواصف بالبينة؛ لأن الأصل بقاء ملكه، وقد وصفها فوجب دفعها إليه بمقتضى السنة.
إذاً نقول: لزم دفعها إليه بغير بينة، ولا يمين.
وهل له أن يمتنع حتى يُشْهِد أو لا؟
الجواب: ليس له ذلك؛ لأنه سيقبل قوله في دفعها إلى ربها؛ لأنه متبرع، والمتبرع يقبل قوله في رد العين إلى مالكها، وهذا هو المشهور من المذهب، وقد يقال: له أن يمتنع حتى يحضر بينة تسليمها؛ لأنه ربما يأتي واصفها يوماً من الدهر، ويقول: إنه قد ثبت أنك وجدت هذه اللقطة التي هذه صفتها فأعطنيها، وهو سيقبل قوله في الدفع، لكن يقول: أنا أريد أن أُشهِد لأسلم من الإحضار إلى الحاكم، أو توجه اليمين إليَّ، فإذا كان يلاحظ ذلك فله الحق أن يقول: لا أدفع حتى يحضر شهوداً يشهدون أني دفعت إليك هذه اللقطة؛ لئلا يعود فيدعي عليه أنه لم يقبضها منه.
وَالسَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ يُعَرِّفُ لُقَطَتَهُمَا وَلِيُّهُمَا. وَمَنْ تَرَكَ حَيَوَاناً بِفَلاَةٍ لانْقِطَاعِهِ أَوْ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْهُ مَلَكَهُ آخِذُهُ. وَمَنْ أُخِذَ نَعْلُهُ وَنَحْوُهُ وَوَجَدَ مَوْضِعَهُ غَيْرَهُ فَلُقَطَةٌ.
قوله: «والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما» السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، ولو كان بالغاً ما بلغ من السنين، فيجب إقامة ولي له، أي: لماله، وسبق هذا في باب الحجر.
والصبي مَنْ دون البلوغ، ولم يذكر المؤلف المجنون، لكنه لا شك أنه من باب أولى، فلو أن شخصاً مجنوناً أتى إلى أهله يوماً من الدهر وبيده ذهب فسألوه، فجعل يشير إلى السوق، فهذا تُعرَّف لقطته، على أنه ربما يقال: إن المجنون يختلف عن الصبي، فالصبي يعرف، وإذا قيل له: من أين؟ قال: وجدتها في المكان الفلاني، والمجنون لا يعرف، فقد يكون سرقها من بيت، أو استلب الحلي من لابسته، وعليه فلا يكون لقطة، لكنه في الحقيقة في حكم اللقطة.
وقوله: «يعرف لقطتهما وليهما» أي وجوباً، فينشد ويقول مثلاً: من ضاع له المال الفلاني، فإذا جاء طالبه ووصفه لزم دفعه إليه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لو عرَّفها الصبي لم يجزئ، ولو عرَّفها السفيه لم يجزئ؛ وذلك لأن الناس لا يثقون بقول الصبي، فقد يُحْجِم صاحبها عن ادعائها؛ لأنه يظن أن الصبي يلعب، فلذلك نقول: يجب أن يعرفها الولي، وتعريف السفيه أو الصبي لا يكفي، أما الصبي فواضح، وأما السفيه ففي النفس منه شيء؛ لأن السفيه ليس كالصبي، وكل الناس إذا رأوا هذا الرجل البالغ الملتحي يعرِّف لقطة، فإنه يبعد أن يظن أنه يتلاعب.
فإن تمت السنة ولم يأتِ أحد لهذه اللقطة فإنها تكون للواجد ولو كان سفيهاً أو صغيراً.
قوله: «ومن ترك حيواناً بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه» ألحقه المؤلف في باب اللقطة؛ لأنه شبيه بها.
مثال ذلك: إنسان معه حيوان، بعير، أو بقرة، أو شاة، انقطع وصار لا يمشي، فتركه ربه رغبة عنه، فهو لمن وجده، وأصل هذا حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه كان على جمل له فأعيى فأراد أن يسيبه[(187)].
ولكن لو ادعى مالكه أنه لم يتركه رغبة عنه، لكن تركه ليرجع إليه، بأن يعالجه حتى يقوى ويسير بنفسه، فالأصل حرمة المال، وعلى هذا فمن وجده وأخذه على أنه ملكه يضمن إذا ادعى صاحبه أنه تركه ليرجع إليه.
لكن إذا علمنا بالقرائن القوية أنه تركه رغبة عنه، وأنه لا حاجة له فيه، كما لو كان الحيوان هزيلاً جداً، لا يصلح للذبح ولا للركوب إن كان من المركوبات، ولا يصلح لشيء أبداً، فهنا نقول: يملكه آخذه.
وقوله: «أو عجز ربه عنه» يعني أن الحيوان لم ينقطع، بل هو نشيط، لكن عجز عنه، كبعير تمرد على صاحبه وأبى أن يذهب، فإنه يملكه آخذه؛ لأن صاحبه تركه عجزاً عنه.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن واجده لا يملكه، بل يبقى على ملك صاحبه؛ لأنه لم يتركه، ولكن للآخذ أجرة المثل، وهذا مبني على ما سبق أن من أنقذ مال شخص من هلكة فله أجرة المثل.
والقول الثالث وهو الراجح: أنه يفرق بين من تركه عجزاً ومن تركه لانقطاعه، فمن تركه لانقطاعه ملكه آخذه، ومن تركه عجزاً لم يملكه آخذه وله أجرة المثل؛ لأنه أنقذه من هلكة.
أما المتاع فإنه لمالكه، فإن تركه بالفلاة فإن من أحضره إليه ليس له أجرة المثل، إلا إذا أحضره إليه إنقاذاً له من الضياع فله أجرة المثل، والفرق بين المتاع والحيوان، أن الحيوان يهلك وهذا لا يهلك.
بقي العبد الآبق إذا عجز عنه سيده فهل يكون للواجد؟
لا، ولكن له أجرة المثل، والفرق بينه وبين الحيوان أن العبد يمكنه أن يخلص نفسه، فصاحبه إذا تركه لم يتركه يأساً بالكلية؛ لأنه يستطيع أن يخلص نفسه فليس كالحيوان، فمن وجده فهو لمالكه ولكن له أجرة المثل.
قوله: «ومَنْ أُخِذَ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة» النعل معروف «أو نحوه» كعصاه، أو عباءته، أو كتابه، وما أشبه ذلك، ولهذا قال: «أو نحوه» ولم يحدد المؤلف، لكنه «وجد موضعه» أي: في موضعه، فـ: «موضع» هنا منصوبة على أنها ظرف مكان، و «غيرَه» مفعول «وجد» «فَلُقَطة» أي: فهو لقطة، أي: الموجود في مكانه يكون لقطة.
مثال ذلك: الرفوف التي للنعال، إذا وضع رجل نعله في رف، ولما خرج من المسجد وجد في مكان نعله نعالاً غيرها، ونعله مأخوذة، فنقول له: هذا الذي وجدته لقطة، وأما نعالك فابحث عنها؛ وذلك لاحتمال أن يكون سارق سرقها، ثم جاء آخر ووجد هذا المكان ليس فيه نعل فوضع نعله فيه، ومن باب أولى إذا وضع نعاله عند باب المسجد.
لكن لو قال قائل: ليس في المسجد إلا أنا وآخر دخلنا جميعاً أو دخل هو قبلي، ولا يوجد إلا نعلي ونعله، ثم إن الرجل خرج وأخذ نعلي ولما خرجت لم أجد إلا هذا النعل، فهنا قد يجزم الإنسان أن الرجل الذي كان بالمسجد غلط، وأخذ نعل الرجل الآخر، أو تعمد، فكيف نقول: إنها لقطة؟! لأن الحكم بأنها لقطة يستلزم أحد أمرين: إما أن يدعها الإنسان ويذهب إلى أهله حافياً، وإما أن يأخذها ويعرِّفها وفيه صعوبة، لكن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يقولون: إنها لقطة؛ لأنه إذا كان هناك احتمال من مائة احتمال فالأصل حرمة مال الغير، ولا يمكن أن يأخذها ويتصرف فيها.
لكن إذا غلب على الظن أن المسألة فيها خطأ، كالمثال الذي مثلته أخيراً: رجلان في المسجد، نعالهما تتشابهان، خرج أحدهما وأخذ نعل صاحبه وأبقى نعله، ففي هذه الحال نرى أن يبحث عن الرجل؛ لأن مالك هذه النعل معلوم، فإن لم يجده فلينظر الفرق بين قيمة نعله وهذا النعل الذي وجده، فإن كان نعله أحسن من هذا النعل أخذه واكتفى، وإن كان النعل الموجود أحسن من نعله، فإنه يجب أن يتصدق بالزائد من ثمن هذا الموجود لصاحبه؛ لأن صاحبه الآن غير موجود، هذا إن أيس من صاحبه، أما إذا لم ييأس فهنا نقول: انتظر، فربما يرجع؛ لأنه ربما يغلط الإنسان فإذا وصل إلى بيته ـ مثلاً ـ عرف أنه غلطان فيرجع يطلب نعله.
على أن الغالب بالنسبة للنسيان أنه لا يقع؛ لأن الرِّجْل التي اعتادت على نعل معين تعرف نعلها، فالإنسان من حين أن يلبس النعل يعرف أن هذا نعله أو نعل غيره.
والخلاصة: المذهب أنه إذا أُخِذَ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فهو لقطة مطلقاً.
والقول الثاني: أنه ينظر للقرائن، فإذا وجدت قرائن تدل على أن صاحب النعل أخذ نعلك، وأبقى لك هذا النعل، فإنه لا يكون لقطة وإنما يكون لواجده، ولكن في هذه الحال ينبغي أن يتأنى بعض الشيء لعل صاحبه يرجع، فإذا أيس منه أخذه، فإن كان أدنى من نعله اكتفى به، وإن كان أعلى وجب عليه أن يتصدق بالفرق بين قيمتي النعلين، وعلى هذا يكون كلام المؤلف مقيداً بمثل هذه الصورة.
----------------------------
[174] أخرجها في الإيمان/ باب سؤال جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الإيمان والإسلام والإحسان... (50) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[175] أخرجه البخاري في العلم/ باب الغضب في الموعظة... (91)؛ ومسلم في اللقطة/ باب معرفة العفاص والوكاء... (1722) عن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ.
[176] سبق تخريجه ص(318).
[177] أخرجه البخاري في اللقطة/ باب إذا وجد تمرة في الطريق (2431)؛ ومسلم في الزكاة/ باب تحريم الزكاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1071) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[178] سبق تخريجه ص(360).
[179] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الإذخر والحشيش في القبر (1349)؛ ومسلم في الحج/ باب تحريم مكة (1355) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[180] سبق تخريجه ص(360).
[181] أخرجه مسلم في الصلاة/ باب النهي عن نشد الضالة في المسجد (568) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[182] أخرجه مسلم في الزهد/ باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب (2992) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ.
[183] سبق تخريجه ص(360).
[184] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب (3470)؛ ومسلم في التوبة/ باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (2766) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[185] سبق تخريجه ص(360).
[186] أخرجه مسلم في اللقطة/ باب معرفة العفاص والوكاء... (1722) (4) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
[187] سبق تخريجه ص(318).
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18118.shtml
وَهِيَ مَالٌ، أَوْ مُخْتَصٌّ ضَلَّ عَنْ رَبِّهِ، وَتَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ. .....
قوله: «اللقطة» فُعَلَة من الأخذ واللقط، فهي الشيء الملقوط، لكن لها معنى خاص عند الفقهاء، عرفها المؤلف بقوله:
«وهي مال أو مختص ضل عن ربه» والقيد المهم فيها قوله: «ضلَّ عن ربه» أي ضاع منه.
وقوله: «مال» وهو ما يصح تملكه وعقد البيع عليه كالدراهم، والأمتعة وما أشبهها.
وقوله: «مختص» وهو كل ما يختص به الإنسان بدون ملك، فلا يصح تملكه ولا أخذ العوض عنه، وذلك مثل كلب الصيد، فكلب الصيد لا يملك، لكن صاحبه أخص به من غيره، فهو مختص وليس بمال، وكالسرجين النجس وجلد الميتة على قول، فهذه لا تباع ولا تشترى، لكن صاحبها أخص بها.
وقوله: «ضلَّ عن ربه» أي: عن صاحبه؛ لأن «رب» في اللغة العربية تطلق بمعنى صاحب، كما جاء ذلك في القرآن، وجاء ذلك في الحديث.
ففي القرآن: قال الله تعالى: {{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *}} [الصافات] رب العزة أي: صاحبها، ولا يمكن أن تكون {{رَبِّ الْعِزَّةِ}} بمعنى خالقها؛ لأن العزة صفة من صفات الله غير مخلوقة.
وفي الحديث: «أن تلد الأمة ربها» في إحدى روايات البخاري[(174)]، وقال في ضالة الإبل: «ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» [(175)].
قوله: «وتتبعه هِمة أوساط الناس» هذا القيد قيد فيما يجب تعريفه لا في اللقطة؛ لأن اللقطة يصدق عليها التعريف، وإن كانت لا تتبعها همة أوساط الناس، فمن وجد رغيفاً لا يساوي درهماً فهي لقطة، وإن كانت الهمة لا تتبعه.
لكن المؤلف ـ رحمه الله ـ دمج الحكم في التعريف ليبين أن الذي يجب تعريفه، هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، وأما ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهذا لا يعرف.
والمراد بقوله: «همة أوساط الناس» أي: تتعلق به نفوسهم، وعلى هذا فنقول: من وجد مالاً فعلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه فهذا لواجده، كما يوجد الآن بعض الكراسي المكسرة ترمى في الأسواق، أو بعض الزنابيل، أو بعض الأواني، أو ما أشبه ذلك، نعلم أن صاحبها تركها رغبة عنها، هذه يملكها واجدها بدون شيء، حتى لو علمنا أن هذا الرجل له متاع ثقيل في البر، وعجز عنه وتركه رغبة عنه كما أراد جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن يسيب جمله[(176)]، فهذا لمن وجده.
وهل من ذلك السيارات التي يكون عليها حوادث وتبقى في الطرق، هل نقول: هذه مما تركها أهلها رغبة عنها، فيجوز للإنسان أن يأخذ منها أو لا يجوز؟
نقول: ننظر إلى حال السيارة إذا كان فيها معدات ونعلم أنها غالية، وأن صاحبها سوف يعود إليها، فإنه لا يجوز أخذها، أما إذا كانت هيكلاً محترقاً ما فيه إلا حديد يحتاج إلى أن يصهر بنار، فهذا لمن وجده؛ لأننا نعلم أن صاحبه لن يعود إليه.
الثاني: أن يكون مما لا تتبعه الهمة؛ لكونه زهيداً، كقلم يساوي درهماً، فهذا زهيد لا تتبعه همة أوساط الناس، فأي إنسان يجده فهو له، إلا إذا كان يعلم صاحبه فعليه أن يوصله إلى صاحبه أو يبلِّغ صاحبه به؛ لأنه أصبح الآن غير لقطة، لأن صاحبه معلوم.
الثالث: وهو الذي أشار إليه الماتن، وهو الذي تتبعه همة أوساط الناس فهذا يجب أن يعرَّف لمدة سنة، وسيأتي إن شاء الله ذكرها.
وقوله: «أوساط الناس» هل المراد أوساط الناس بالمال أو أوساط الناس بالشح، أو بهما جميعاً؟
الجواب: بهما جميعاً، يعني أن أوساط الناس الذين ليسوا من الأغنياء ولا من الفقراء، ولا من الكرماء الذين لا يهتمون به، ولا من البخلاء، فالبخيل همته تتبع حتى قُلامة الظُّفْر كما قال الشاعر:
بَليتُ بِلى الأطلال إن لم أقف بها
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
فالشحيح لا عبرة به، والفقير ـ أيضاً ـ لا عبرة به؛ لأن الفقير أي شيء يضيع منه تتبعه همته، فلو ضاع منك عشرة ريالات لا تهتم بها، لكن لو ضاعت من فقير اهتم بها، ولهذا لو أعطاك شخص عشرة ريالات لا تهتم بها ولا تفرح بها ولا ترى أن هذا قدر لك، لكن لو يعطيها فقيراً فرح بها.
إذاً أوساط الناس خُلُقاً ومالاً، خلقاً يعني ليس من الكرماء الذين لا يهتمون بالأمور، ولا من البخلاء الذين همتهم تتبع كل شيء، فهذا المال لواجده إلا إذا كان يعلم صاحبه؛ ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وجد تمرة في الطريق فقال: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» [(177)] لأن الصدقة محرمة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفلها وفرضها، وآل محمد صلّى الله عليه وسلّم يحرم عليهم الصدقة الواجبة دون النافلة، وسائر الناس إذا كانوا من أهل الزكاة يستحقون النافلة والواجبة.
وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» فيه إشكال، كيف يمتنع النبي صلّى الله عليه وسلّم منها مع أن الأصل الحل وأنها ليست من الصدقة؟ فيقال في الجواب: إن هذا لكمال ورعه صلّى الله عليه وسلّم، ولعل هناك قرينة تدل على أنها من الصدقة مثل أن تكون في المكان الذي حوله فرقت الصدقة، فسقطت منها هذه التمرة، لكن بالنسبة لنا لو وجدناها ونحن ممن تحرم عليهم الصدقة الواجبة، فلنا أن نأكلها حتى نتيقن أنها من الصدقة الواجبة.
وقوله: «تتبعه همة أوساط الناس» الذي تتبعه همة أوساط الناس يختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فيما سبق الدرهم الواحد تتبعه همة أوساط الناس؛ لأنه يحصل به شيء كثير، يعني يمكن أن الدرهم الواحد يشتري به الإنسان شاة ويشتري به ـ أيضاً ـ حباً يطبخه ويكفي ضَيْفَه.
والآن ـ والحمد لله ـ الدرهم لا يهتم به أحد، وكذا خمسة دراهم، وكذا عشرة، والخمسون يهتم بها أوساط الناس، إذاً يقدر هذا بحسب الأحوال، والأحوال يختلف فيها الناس.
لكن لو قال قائل: لعل هذا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس تتبعه همة فاقِدِهِ؟ فيقال: العبرة بالأغلب، يعني رب قلم لا يساوي درهماً، وعند صاحبه يساوي مائة درهم؛ لأنه تعوَّد عليه وكتابته به سهلة وجميلة، وهذا شيء مشاهد، بعض الأشياء تكون عند صاحبها غالية، وعند الناس ليست غالية، فيقال: العبرة بالأغلب.
فَأَمَّا الرَّغِيفُ، وَالسَّوْطُ وَنَحْوُهُمَا فَيُمْلَكُ بِلاَ تَعْرِيفٍ. ...........
قوله: «فأما الرغيف والسوط ونحوهما فيملك بلا تعريف» لأنها لا تتبعها همة أوساط الناس، والرغيف يعني القرص، فمن وجد قرصاً ساقطاً في السوق فليأخذه وليأكله، ما لم يكن يعلم صاحبه.
كذلك السوط وهو عصا رقيقة صغيرة، وليست بذات قيمة، فمن وجدها فهي له.
وقوله: «ونحوهما» مثل القلم الرخيص، وسلسلة المفاتيح «فيملك بلا تعريف» بمجرد ما يجده الواجد يكون ملكاً له، لكن بشرط ألا يكون عالماً بصاحبه، فإن كان عالماً بصاحبه وجب عليه إعلامه ولكن لا يجب عليه إيصاله له.
ثم انتقل المؤلف ـ رحمه الله ـ مما ضاع من الأموال إلى ما ضاع من الحيوان فقال:
وَمَا امْتَنَعَ مِنْ سَبُعٍ صَغِيرٍ كَثَوْرٍ وَجَمَلٍ وَنَحْوِهِمَا حَرُمَ أَخْذُهُ..........
«وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرم أخذه» الحيوان الضائع قسمان:
الأول: ما يمتنع من صغار السباع، وصغار السباع مثل الذئب والكلب إذا صار كَلِباً يعني يَفْرِسُ، وما أشبهها، وأما كبار السباع فإنها لا تمتنع منها حتى الجمال.
وقوله: «كثور وجمل» الثور الكبير يمتنع من صغار السباع لا شك، والصغير لا يمتنع فيلحق بالشاة ونحوها، لكن الكبير يمتنع؛ لأنه إذا أتى إليه الذئب ليأكله نطحه بقرونه أو وطئه برجليه فلا يستطيع الذئب أن يأكله، وكذلك الجمل، نعم لو اجتمع الذئاب على جمل يمكن أن تقدر عليه، لكن العبرة بالغالب.
وقوله: «ونحوهما» مَثَّلَ بعضهم بالحمار، قال: إن الحمار يمتنع من صغار السباع، والواقع أنه لا يمتنع، الحمار جبان، إذا شم رائحة الذئب فإنه يفزع ولا يمكن أن يمتنع، نعم إن كان يوجد حمير على زمن من مثلوا بها تمتنع فكذلك، أما الحمار الموجود عندنا وهو الحمار الأهلي فإنه لا يمتنع.
أما البغل فإنه يمتنع وكذلك الحصان، وكذلك ما يمتنع من السبع الصغير بعَدْوِهِ كالظباء فإنه يمتنع من السبع الصغير بسرعته، وكذلك ما يمتنع من السبع الصغير بطيرانه كالحمام، إذاً ما امتنع من السبع الصغير لكبر جسمه أو لعَدْوه أو لطيرانه فإنه يحرم أخذه، هذا هو الضابط.
وقوله: «حرم أخذه» أي يحرم التقاطه ولا يحل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل عن ضالة الإبل فغضب صلّى الله عليه وسلّم وقال: «دعها، ما لك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» [(178)]، انظر كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنما هو من رعاة الإبل، مع أنه ما رعى الإبل وإنما رعى الغنم، فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «معها سقاؤها» يعني بطنها؛ لأنها إذا شربت تبقى مدة حتى في أيام الصيف لا تحتاج إلى شرب «وحذاؤها» يعني خفها، «ترد الماء وتأكل الشجر» ولا أدل من البعير على الماء، حتى إن الناس فيما سبق إذا خافوا على أنفسهم من العطش ربطوا أنفسهم على الإبل، ثم إن البعير تشم الماء من بعيد وتقف عليه، فمعها سقاؤها، ومعها حذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
وظاهر الحديث العموم، أنه لا يجوز التعرض لها، تترك حتى يجدها ربها، لكن إذا رجعنا إلى أصول الشريعة قلنا: إنه إذا كان يخشى عليها من قطاع الطرق، ففي هذه الحال له أن يأخذها إن لم نقل بالوجوب، ويمكن أن يؤخذ هذا من الحديث، وهو قوله: «حتى يجدها ربها» فإن هذا التعليل يشير إلى أنه إذا كانت في مكان يخشى أن يأخذها قطاع الطرق، فإنه يلتقطها ولا بأس؛ لأنه في هذه الحال يغلب على الظن أن صاحبها لا يجدها، وعلى هذا فنقول: هذا الحديث إن كان لا يدل على أنه يأخذها فإنه يقيد بالنصوص العامة، وإن كان يدل على أنه إذا كان لا يؤمن ألا يجدها صاحبها فإنه يأخذها.
الثاني: الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع كالضأن والمعز وصغار الإبل وما أشبهها، فهذه يجوز التقاطها، وينفق عليها، ويرجع بها على ربها إن وجده، فإن خشي أن تزيد النفقة على قيمتها فإنه يضبط صفاتها ثم يبيعها ويحفظ ثمنها لربها، فإذا جاء ووصفها وانطبقت الأوصاف على الموجود فإنه يعطيه الثمن.
وَلَهُ الْتِقَاطُ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَيَوانٍ وَغَيْرِهِ، إِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ كَغَاصِبٍ.
قوله: «وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك» قوله: «وله» اللام هنا للإباحة، وهي في ضد المنع؛ لأنه لما قال: «حرم أخذه» قال: «وله» فهي في مقابل المنع، أي لا يحرم عليه التقاط غير ذلك.
لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألا يلتقطه، أو يحرم عليه أن يلتقطه؟
يقول المؤلف: يحرم عليه إذا لم يأمن نفسه على ذلك، فإن كان لا يأمن نفسه أنه لو أخذه أنفقه إن كانت دراهم، أو ذبحه إن كانت شاة فإنه يحرم عليه أخذه، ويكون حكمه حكم الغاصب.
أما إذا كان يعرف من نفسه أنه قادر على إنشاد الضالة، فهنا نقول فيه تفصيل: إن كان له قوة وقدرة على التعريف فالأفضل أخذها، وإن كان يخشى ألا يقدر، أو أن يشق عليه فالأفضل تركها، وعلى هذا فقوله: «وله» اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها وقد يكون الأفضل أخذها.
فإن أمن نفسه على ذلك ولم يخف عليها فله الأخذ، لكن السلامة أولى فيتركها، فكم من إنسان أخذ اللقطة على أنه سيعرفها، ثم يتهاون أو يأتيه شغل يمنعه من تعريفها وما أشبه ذلك.
قوله: «وإلا» أي: وإلا يأمن نفسه على ذلك.
قوله: «فهو كغاصب» فيحرم عليه أخذه، وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه لا فرق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأنه لم يفصل، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد يريد أن يعرِّفها مدى الدهر؛ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد» [(179)] وهذا من خصائص الحرم، والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرم إلا إذا كان مستعداً لإنشادها دائماً فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَنْ بَعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا ـ أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها ـ هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رضي الله عنه ـ وعليه يدل الحديث.
لكن إذا خاف الإنسان أن يأخذها مَنْ لا يعرِّفُها فهنا نقول: إما أن يجب أخذها، أو يباح، فماذا يصنع بها؟ نقول: يعرفها دائماً وأبداً، فإن شق عليه ذلك فالأمر ـ والحمد لله ـ واسع، حيث توجد محاكم شرعية تتلقى مثل هذا، فليأخذها وليدفعها للحاكم، وهو إذا أخذها ودفعها للحاكم ـ يعني للقاضي ـ برئت بذلك ذمته.
وَيُعَرِّفُ الجَمِيعَ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ غَيْرَ المَساجِدِ حَوْلاً. وَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُ حُكْماً، لَكِنْ لاَ يَتَصَّرفُ فِيها قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا.
قوله: «ويعرف الجميع» يعني جميع ما يجوز التقاطه، الحيوان وغير الحيوان، أما غير الحيوان فقد ثبت بالسنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة» [(180)]، وأما الحيوان فقد اختلف العلماء في وجوب تعريفه، فمنهم من قال بوجوب التعريف كما هو كلام المؤلف حيث قال: «ويعرف الجميع» ، ومنهم من قال: إنه لا يجب أن يعرفه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الشاة يجدها الرجل: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» ، و «أو» هنا للتخيير، فهي لك إن شئت ألا تعرفها أو لأخيك إن عرفتها فوجدها، أو للذئب إن شئت ألا تأخذها ولا تعرفها فهي للذئب يأكلها، ولكن الصحيح ما ذهب إليه المؤلف أنه يجب أن يعرف الجميع، الحيوان وغير الحيوان.
وقوله: «ويعرِّف» أي: يطلب من يَعْرِفها.
قوله: «في مجامع الناس» مثل أسواق البيع والشراء، بل وما كان خارج باب المسجد عند خروج الناس من الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة مثلاً، فيعرف الجميع.
وكيفية التعريف، أن يقول: من ضاع له المال؟ ولا يعين؛ لأنه لو عيَّن وقال: من ضاع له كذا وكذا ويفصل، لكان ذلك سبيلاً إلى أن يدعيه أي شخص، ولكن يعمم.
وهل يجب عليه أن يذكر النوع عند الإنشاد، كأن يقول مثلاً: من ضاعت له الدراهم بدلاً من أن يقول: من ضاع له المال؟
الظاهر أنه يجب عليه؛ لأنه إذا قال: من ضاع له المال؟ فقد يتصوره الإنسان غير الذي ضاع له، لكن إذا قال: من ضاعت له الدراهم؟ صار هذا أقرب لفهم المقصود، وكذلك يقال لو أنه وجد حلياً، فلو قال: من ضاع له الذهب؟ فإن الناس أول ما يقع في قلوبهم أنه الدنانير، لكن إذا قال: من ضاع له الحلي؟ صار هذا أقرب إلى فهم المخاطب، فيذكر أقرب ما يكون من إدراك الناس له، لكن لا يذكر كل الأوصاف حتى لا يدعيه من ليس له.
فمثلاً إذا وجد دراهم وقال: من ضاعت له الدراهم فإنه يجوز؛ لأنه إذا قال أحد: أنا، سيقول له: كم عددها؟ وما نوعها؟ هل من فئة خمسة، أو من فئة عشرة أو من فئة خمسين، أو من فئة مائة، أو من فئة خمسمائة؟ وهل هي دراهم سعودية أو هل هي دراهم بلد آخر؟ ثم العدد، ثم الكيس إذا كانت في كيس، كل هذا يحددها، إنما يذكر أقرب وصف يمكن للمخاطب أن يعرفه بدون أن يفصل؛ لئلا يدعيها من ليست له.
والتعريف يجب أن يكون فوراً، فلو أخره فهو آثم ويضمنها ضمان غصب.
قوله: «غير المساجد» أما المساجد فلا يجوز إنشاد الضالة فيها، بل قد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من سمع الذي ينشد الضالة في المسجد فليقل: «لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا» [(181)] وهذا من باب التعزير، كما أمر النبي بعدم تشميت العاطس إذا لم يحمد[(182)]، فإذا رأى الإنسان أنه إذا أقام هذا التعزير عُزِّر هو فلا يقدم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والحديث يحتمل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد أن نقول كل الجملة «لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا» ، ويحتمل أنه قال ذلك تعليلاً للحكم، وكأن سائلاً يسأل: لماذا نقول هذا الكلام؟ قال: لأن المساجد لم تبن لهذا، وعليه فلينظر للمصلحة، إذا كان من المصلحة أن يقولها فليقلها تطميناً لنفسه وقلبه وبياناً للعلة والحكمة، وهذا أحسن؛ لأنك لو قلت: «لا ردها الله عليك» وصِحْت به، سيكون في قلبه شيء، لكن إذا قلت: «فإن المساجد لم تبن لهذا» اطمأن.
ولو فتح المجال للناس أن ينشدوا الضوال في المسجد لامتلأت المساجد من أصوات الناشدين، وألهوا الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، فصار الدليل في هذا أثرياً ونظرياً.
وقوله: «غير المساجد» يعم كل ما كان مسجداً، وأما المُصَلَّيات فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مصلّىً في دائرة من الدوائر فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلّىً ليس مسجداً؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجنب المكث فيه، ولا على الحائض، فهو بمنزلة مصلى الإنسان في بيته.
قوله: «حولاً» يعني عاماً كاملاً، واعلم أنه إذا أطلق العلماء ـ رحمهم الله ـ الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلال، أي: السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وقَّتها الله لعباده، قال الله تعالى: {{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}} [التوبة: 36] وهذه التواريخ التي بنيت على أشهر غير هلالية هي في الحقيقة أوهام غير منضبطة بشيء معين، ولهذا تجد بعضها يصل إلى واحد وثلاثين يوماً، والثاني إلى ثمانية وعشرين يوماً مثلاً، فهذه ليست مبنية على أصل، لكن الأشهر الهلالية مبنية على أصل جعله الله ـ تعالى ـ للناس كما قال الله ـ تعالى ـ {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}} [البقرة: 189] وقال تعالى: {{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}} [يونس: 5] فكلما رأيت في كلام أهل العلم حولاً، أو سنة، أو عاماً، فالمراد بالهلال.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أنها تعرَّف حولاً؟
قلنا: ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في اللقطة: «اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرِّفها سنة» [(183)] فبيَّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنها تُعَرَّف سنة، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يريد أن يبقى ليلاً ونهاراً يعرِّف، فيرجع في ذلك إلى العرف، وقد اجتهد بعض العلماء فقال: يُعَرِّفها في الأسبوع الأول كل يوم، ثم كل أسبوع مرة لمدة شهر، ثم في كل شهر مرة، وهذا التقدير اجتهاد ليس عليه دليل، ولكن الأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف.
وإذا وجد اللقطة في مكان بين قريتين، هل يعرفها في واحدة منهما أو فيهما كلتيهما؟
ينظر، إذا كانت هذه السلعة ـ مثلاً ـ معروفة في البلد الشرقي، وليست معروفة في البلد الغربي فإنه يعرفها في البلد الغربي؛ لأن عادة الناس جرت أنَّهم يجلبون السلع إلى المكان الذي تقل فيه، وعلى هذا نقول: هذه السلعة اشتراها مَنْ في البلد الغربي من البلد الشرقي، فنعرفها في البلد الغربي.
فإذا كانت السلعة موجودة في القريتين جميعاً على حد سواء فهل ننظر للأقرب أو للأبعد؟
إن تساويا فنقول: عرِّف فيهما جميعاً، في هذه وهذه؛ لأن احتمال أنه من هذه وارد، واحتمال أنه من هذه وارد، والقرعة هنا لا تتأتى.
فإن كانت إلى إحداهما أقرب، فالظاهر أنه يلزمه أن يعرفها في الأقرب ولا يلزمه في البعيد؛ لأن القريب من المكان له حكم ما قرب منه، ولهذا لما حضرت الوفاة من كان قتل مائة نفس وسأل عابداً وقال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال له: ما لك من توبة، فقتله، ثم سأل عالماً فقال له: لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟! ولكنه أرشده إلى بلد آخر ليس بلد ظلم، وسافر مهاجراً إلى الله، ونزل به الموت في أثناء الطريق، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، حكمة من الله ـ عزّ وجل ـ، وإلا فالله ـ تعالى ـ يعلم، فتخاصمت الملائكة، ملائكة الرحمة تقول: نقبض روحه؛ لأنه تاب وخرج وغادر بلده، وملائكة العذاب تقول: نقبض روحه؛ لأنه لم يصل إلى بلد التوبة، فأرسل الله ملكاً يفصل بينهما، وقال: قيسوا فإلى أيهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا فوجدوه إلى القرية التي هاجر إليها أقرب، حتى إنه لما حضره الموت جعل ينوء بصدره وهو في سياق الموت إلى البلد التي كان قد قصدها، وأوحى الله إليها أن تقرَّبي وإلى الأخرى أن تباعدي، فصار أقرب إلى التي قصدها بشبر[(184)]، فتولت روحه ملائكة الرحمة، فربما يؤخذ من هذا أن البلد الأقرب يعطى الحكم ويمنع البلد الأبعد.
قوله: «ويملكه» أي: الواجد.
قوله: «بعده» أي: بعد تمام الحول.
قوله: «حكماً» أي قهراً بدون أن يختار، كما يملك الوارث مال مورثه ـ أي: بدون اختيار ـ وهذا هو المذهب.
وهناك قول آخر: أنها لا تدخل في ملكه إلا إذا شاء، وعلى هذا القول تبقى في يده أمانة، فإذا تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه.
وعلى المذهب لو تلف هذا الموجود بعد الحول، أو قبل الحول، هل يختلف الحكم؟
نعم يختلف الحكم، إن تلف قبل الحول بتعدٍّ منه فعليه الضمان، وبغير تعدٍّ فلا ضمان عليه؛ لأنه إذا كان متعدياً فهو كغيره من المعتدين يضمن، وإذا كان غير متعدٍّ فهو أمين؛ لأن اللقطة الآن بيده على أنها لصاحبها، فيده يد أمانة، فإذا تلف المال بيده بلا تعدٍّ فلا ضمان عليه.
وإذا تلفت بعد الحول فعليه الضمان سواء تعدى أم لم يتعدَّ؛ لأنها دخلت في ملكه الآن وصارت في ضمانه؛ لأن الشيء الذي في ملكك هو في ضمانك، فإذا دخلت في ملكه وصارت في ضمانه، فإن عليه ضمانها بكل حال إذا وجد صاحبها.
وقيل: لا يضمنها إذا لم يتعدَّ أو لم يفرط، فيكون الحكم واحداً، وهذا هو الأقرب؛ لأن الرجل دخلت في ملكه قهراً عليه بغير اختياره، فهي في الحقيقة كأنها ما زالت في ملك صاحبها إذا كان لا يريدها، فكيف يقول: أنا لا أريد أن تدخل ملكي وأبرأ إلى الله منها، ونقول: هي في ملكك، وفي ضمانك؟! فيه شيء من الصعوبة، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه إذا لم يتعدَّ أو يفرط.
وهناك قول ثالث: أنه لا يضمن على كل حال؛ لأنها ما دامت دخلت ملكه فهي ملكه، فلو ذبح الشاة ـ مثلاً ـ أو أنفق المال فليس عليه شيء؛ لأنه ملكه، وإذا جاء صاحبها يطلبها، قال له: أنا أنشدتها لمدة سنة وتمَّت السنة فملكتها.
قوله: «لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها» أي: لا يتصرف واجدها «فيها» أي في الموجود وهي اللقطة «قبل معرفة صفاتها» لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اعرف عفاصها ووكاءها» [(185)] والعفاص الوعاء، والوكاء الحبل الذي تربط به ويشد عليها، فلا بد أن يعرف ذلك.
وينبغي أن يشهد على صفاتها، لكن يشهد من يثق به؛ لأنه إذا أشهد سلم من صاحبها لو ادعى أنها على وجه أكمل، وهذا الإشهاد من وسائل الضبط.
مسألة: هل له الانتفاع باللقطة؟
الجواب: إن كان بعد تمام الحول فله أن ينتفع بها؛ لأنها ملكه، وأما قبل فإن احتاجت إلى نفقة كالحيوان يحتاج إلى علف وسقي، فله أن ينتفع بقدرها، وإلا فلا كالإناء فليس له أن ينتفع به.
وعلى القول بأنها تدخل في ملكه، فهل يجوز أن يتصرف فيها أو لا؟
الجواب: يجوز أن يتصرف فيها بالبيع والهبة والرهن والإيقاف، وغير ذلك من أنواع التصرف؛ لأنها دخلت في ملكه، لكن قبل أن يتم الحول لا يكون مالكاً لها؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن لم يجئ صاحبها كانت وديعة عندك» [(186)] فهي وديعة وأمانة عنده لا يمكن أن يتصرف فيها إلا إذا كان في بقائها ضرر على صاحبها، فله أن يتصرف فيها، كما لو كانت اللقطة من الأشياء التي لا تبقى، مثل الأشياء التي تفسد، فهنا يتصرف فيها بالبيع ويحفظ الثمن، أو كانت من الأشياء التي تبقى لكن تستنفق أكثر من قيمتها أضعافاً مضاعفة، كما لو وجد شاة فهنا يبيعها وإن كان لم يملكها؛ لأن بقاءها ضرر على صاحبها، فلو بقيت عنده وهي تساوي ثلاثمائة ريال وكل يوم تأكل بأربعين ريالاً، ففي خلال سنة تنفق أربعة عشر ألفاً وأربعمائة ريال تقريباً فهل من المصلحة أن تبقى؟! لا، المصلحة في بيعها، بل في هذه الحال يجب أن يبيعها، إلا إن كان يرجو أن يجد صاحبها من قرب كيوم أو يومين فلا يبيعها.
مسألة: إذا أخذ لقطة على أنها لا تساوي شيئاً ولا تتبعها همة أوساط الناس فتبين أنها بخلاف ذلك، كما لو ظنها صفراً أو نحاساً فبانت ذهباً، فإن له أن يردها إلى مكانها الذي وجدها فيه.
فَمَتى جَاءَ طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ.
قوله: «فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه» «متى» اسم شرط جازم، والمعنى في أي وقت أتى صاحبها فإنه إذا وصفها تدفع إليه.
وقوله: «طالبها» أي من طلب هذه اللقطة.
وقوله: «فمتى جاء طالبها» عمومه يشمل إذا جاء قبل الحول أو بعد الحول.
وقوله: «فوصفها» أي ذكر صفاتها، وكان ما ذكره طبق الواقع.
وقوله: «لزم» أي يلزم الواجد «دفعها إليه» أي: إلى الواصف؛ لأن هذه اللقطة لا يدعيها أحد، حتى الذي هي في يده لا يدعيها.
وقوله: «لزم دفعها إليه» ظاهر كلامه أنه يلزم الدفع إليه فوراً،
وهو كذلك، إلا إذا قال: أبقها عندك وسأرجع، فتبقى عنده أمانة.
وظاهر كلامه أنه يلزم الدفع إليه بدون بينة ولا استحلاف، بمعنى أن الواجد لا يقول للمدعي إنها له: هات بينة؛ وذلك لأنه لا منازع له، أي: لا منازع للواصف لها، وكذلك ـ أيضاً ـ لا يلزمه اليمين؛ لأنه لا منازع له فإذا وصفها فإنه لا يطالب بالبينة، مع احتمال أن يكون غير مالك لها عند المطالبة؛ لأنه باعها ـ مثلاً ـ وضاعت من المشتري، فهذا الاحتمال وارد ولا شك، لكن مع هذا لا نطالب الواصف بالبينة؛ لأن الأصل بقاء ملكه، وقد وصفها فوجب دفعها إليه بمقتضى السنة.
إذاً نقول: لزم دفعها إليه بغير بينة، ولا يمين.
وهل له أن يمتنع حتى يُشْهِد أو لا؟
الجواب: ليس له ذلك؛ لأنه سيقبل قوله في دفعها إلى ربها؛ لأنه متبرع، والمتبرع يقبل قوله في رد العين إلى مالكها، وهذا هو المشهور من المذهب، وقد يقال: له أن يمتنع حتى يحضر بينة تسليمها؛ لأنه ربما يأتي واصفها يوماً من الدهر، ويقول: إنه قد ثبت أنك وجدت هذه اللقطة التي هذه صفتها فأعطنيها، وهو سيقبل قوله في الدفع، لكن يقول: أنا أريد أن أُشهِد لأسلم من الإحضار إلى الحاكم، أو توجه اليمين إليَّ، فإذا كان يلاحظ ذلك فله الحق أن يقول: لا أدفع حتى يحضر شهوداً يشهدون أني دفعت إليك هذه اللقطة؛ لئلا يعود فيدعي عليه أنه لم يقبضها منه.
وَالسَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ يُعَرِّفُ لُقَطَتَهُمَا وَلِيُّهُمَا. وَمَنْ تَرَكَ حَيَوَاناً بِفَلاَةٍ لانْقِطَاعِهِ أَوْ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْهُ مَلَكَهُ آخِذُهُ. وَمَنْ أُخِذَ نَعْلُهُ وَنَحْوُهُ وَوَجَدَ مَوْضِعَهُ غَيْرَهُ فَلُقَطَةٌ.
قوله: «والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما» السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، ولو كان بالغاً ما بلغ من السنين، فيجب إقامة ولي له، أي: لماله، وسبق هذا في باب الحجر.
والصبي مَنْ دون البلوغ، ولم يذكر المؤلف المجنون، لكنه لا شك أنه من باب أولى، فلو أن شخصاً مجنوناً أتى إلى أهله يوماً من الدهر وبيده ذهب فسألوه، فجعل يشير إلى السوق، فهذا تُعرَّف لقطته، على أنه ربما يقال: إن المجنون يختلف عن الصبي، فالصبي يعرف، وإذا قيل له: من أين؟ قال: وجدتها في المكان الفلاني، والمجنون لا يعرف، فقد يكون سرقها من بيت، أو استلب الحلي من لابسته، وعليه فلا يكون لقطة، لكنه في الحقيقة في حكم اللقطة.
وقوله: «يعرف لقطتهما وليهما» أي وجوباً، فينشد ويقول مثلاً: من ضاع له المال الفلاني، فإذا جاء طالبه ووصفه لزم دفعه إليه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لو عرَّفها الصبي لم يجزئ، ولو عرَّفها السفيه لم يجزئ؛ وذلك لأن الناس لا يثقون بقول الصبي، فقد يُحْجِم صاحبها عن ادعائها؛ لأنه يظن أن الصبي يلعب، فلذلك نقول: يجب أن يعرفها الولي، وتعريف السفيه أو الصبي لا يكفي، أما الصبي فواضح، وأما السفيه ففي النفس منه شيء؛ لأن السفيه ليس كالصبي، وكل الناس إذا رأوا هذا الرجل البالغ الملتحي يعرِّف لقطة، فإنه يبعد أن يظن أنه يتلاعب.
فإن تمت السنة ولم يأتِ أحد لهذه اللقطة فإنها تكون للواجد ولو كان سفيهاً أو صغيراً.
قوله: «ومن ترك حيواناً بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه» ألحقه المؤلف في باب اللقطة؛ لأنه شبيه بها.
مثال ذلك: إنسان معه حيوان، بعير، أو بقرة، أو شاة، انقطع وصار لا يمشي، فتركه ربه رغبة عنه، فهو لمن وجده، وأصل هذا حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه كان على جمل له فأعيى فأراد أن يسيبه[(187)].
ولكن لو ادعى مالكه أنه لم يتركه رغبة عنه، لكن تركه ليرجع إليه، بأن يعالجه حتى يقوى ويسير بنفسه، فالأصل حرمة المال، وعلى هذا فمن وجده وأخذه على أنه ملكه يضمن إذا ادعى صاحبه أنه تركه ليرجع إليه.
لكن إذا علمنا بالقرائن القوية أنه تركه رغبة عنه، وأنه لا حاجة له فيه، كما لو كان الحيوان هزيلاً جداً، لا يصلح للذبح ولا للركوب إن كان من المركوبات، ولا يصلح لشيء أبداً، فهنا نقول: يملكه آخذه.
وقوله: «أو عجز ربه عنه» يعني أن الحيوان لم ينقطع، بل هو نشيط، لكن عجز عنه، كبعير تمرد على صاحبه وأبى أن يذهب، فإنه يملكه آخذه؛ لأن صاحبه تركه عجزاً عنه.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن واجده لا يملكه، بل يبقى على ملك صاحبه؛ لأنه لم يتركه، ولكن للآخذ أجرة المثل، وهذا مبني على ما سبق أن من أنقذ مال شخص من هلكة فله أجرة المثل.
والقول الثالث وهو الراجح: أنه يفرق بين من تركه عجزاً ومن تركه لانقطاعه، فمن تركه لانقطاعه ملكه آخذه، ومن تركه عجزاً لم يملكه آخذه وله أجرة المثل؛ لأنه أنقذه من هلكة.
أما المتاع فإنه لمالكه، فإن تركه بالفلاة فإن من أحضره إليه ليس له أجرة المثل، إلا إذا أحضره إليه إنقاذاً له من الضياع فله أجرة المثل، والفرق بين المتاع والحيوان، أن الحيوان يهلك وهذا لا يهلك.
بقي العبد الآبق إذا عجز عنه سيده فهل يكون للواجد؟
لا، ولكن له أجرة المثل، والفرق بينه وبين الحيوان أن العبد يمكنه أن يخلص نفسه، فصاحبه إذا تركه لم يتركه يأساً بالكلية؛ لأنه يستطيع أن يخلص نفسه فليس كالحيوان، فمن وجده فهو لمالكه ولكن له أجرة المثل.
قوله: «ومَنْ أُخِذَ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة» النعل معروف «أو نحوه» كعصاه، أو عباءته، أو كتابه، وما أشبه ذلك، ولهذا قال: «أو نحوه» ولم يحدد المؤلف، لكنه «وجد موضعه» أي: في موضعه، فـ: «موضع» هنا منصوبة على أنها ظرف مكان، و «غيرَه» مفعول «وجد» «فَلُقَطة» أي: فهو لقطة، أي: الموجود في مكانه يكون لقطة.
مثال ذلك: الرفوف التي للنعال، إذا وضع رجل نعله في رف، ولما خرج من المسجد وجد في مكان نعله نعالاً غيرها، ونعله مأخوذة، فنقول له: هذا الذي وجدته لقطة، وأما نعالك فابحث عنها؛ وذلك لاحتمال أن يكون سارق سرقها، ثم جاء آخر ووجد هذا المكان ليس فيه نعل فوضع نعله فيه، ومن باب أولى إذا وضع نعاله عند باب المسجد.
لكن لو قال قائل: ليس في المسجد إلا أنا وآخر دخلنا جميعاً أو دخل هو قبلي، ولا يوجد إلا نعلي ونعله، ثم إن الرجل خرج وأخذ نعلي ولما خرجت لم أجد إلا هذا النعل، فهنا قد يجزم الإنسان أن الرجل الذي كان بالمسجد غلط، وأخذ نعل الرجل الآخر، أو تعمد، فكيف نقول: إنها لقطة؟! لأن الحكم بأنها لقطة يستلزم أحد أمرين: إما أن يدعها الإنسان ويذهب إلى أهله حافياً، وإما أن يأخذها ويعرِّفها وفيه صعوبة، لكن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يقولون: إنها لقطة؛ لأنه إذا كان هناك احتمال من مائة احتمال فالأصل حرمة مال الغير، ولا يمكن أن يأخذها ويتصرف فيها.
لكن إذا غلب على الظن أن المسألة فيها خطأ، كالمثال الذي مثلته أخيراً: رجلان في المسجد، نعالهما تتشابهان، خرج أحدهما وأخذ نعل صاحبه وأبقى نعله، ففي هذه الحال نرى أن يبحث عن الرجل؛ لأن مالك هذه النعل معلوم، فإن لم يجده فلينظر الفرق بين قيمة نعله وهذا النعل الذي وجده، فإن كان نعله أحسن من هذا النعل أخذه واكتفى، وإن كان النعل الموجود أحسن من نعله، فإنه يجب أن يتصدق بالزائد من ثمن هذا الموجود لصاحبه؛ لأن صاحبه الآن غير موجود، هذا إن أيس من صاحبه، أما إذا لم ييأس فهنا نقول: انتظر، فربما يرجع؛ لأنه ربما يغلط الإنسان فإذا وصل إلى بيته ـ مثلاً ـ عرف أنه غلطان فيرجع يطلب نعله.
على أن الغالب بالنسبة للنسيان أنه لا يقع؛ لأن الرِّجْل التي اعتادت على نعل معين تعرف نعلها، فالإنسان من حين أن يلبس النعل يعرف أن هذا نعله أو نعل غيره.
والخلاصة: المذهب أنه إذا أُخِذَ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فهو لقطة مطلقاً.
والقول الثاني: أنه ينظر للقرائن، فإذا وجدت قرائن تدل على أن صاحب النعل أخذ نعلك، وأبقى لك هذا النعل، فإنه لا يكون لقطة وإنما يكون لواجده، ولكن في هذه الحال ينبغي أن يتأنى بعض الشيء لعل صاحبه يرجع، فإذا أيس منه أخذه، فإن كان أدنى من نعله اكتفى به، وإن كان أعلى وجب عليه أن يتصدق بالفرق بين قيمتي النعلين، وعلى هذا يكون كلام المؤلف مقيداً بمثل هذه الصورة.
----------------------------
[174] أخرجها في الإيمان/ باب سؤال جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الإيمان والإسلام والإحسان... (50) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[175] أخرجه البخاري في العلم/ باب الغضب في الموعظة... (91)؛ ومسلم في اللقطة/ باب معرفة العفاص والوكاء... (1722) عن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ.
[176] سبق تخريجه ص(318).
[177] أخرجه البخاري في اللقطة/ باب إذا وجد تمرة في الطريق (2431)؛ ومسلم في الزكاة/ باب تحريم الزكاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1071) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[178] سبق تخريجه ص(360).
[179] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الإذخر والحشيش في القبر (1349)؛ ومسلم في الحج/ باب تحريم مكة (1355) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[180] سبق تخريجه ص(360).
[181] أخرجه مسلم في الصلاة/ باب النهي عن نشد الضالة في المسجد (568) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[182] أخرجه مسلم في الزهد/ باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب (2992) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ.
[183] سبق تخريجه ص(360).
[184] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب (3470)؛ ومسلم في التوبة/ باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (2766) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[185] سبق تخريجه ص(360).
[186] أخرجه مسلم في اللقطة/ باب معرفة العفاص والوكاء... (1722) (4) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
[187] سبق تخريجه ص(318).
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18118.shtml