03-03-2019 02:03 AM | |
الجوهرة |
لا نكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله من أصول أهل السنة والجماعة (أنهم) لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر (1)، وأن ليس من السيئات ما يحبط الأعمال الصالحة إلا الردة، كما أنه ليس من الحسنات ما يحبط جميع السيئات إلا التوبة (2) خلافا للمعتزلة في ذلك وأنهم يرون: إحباط الكبيرة الواحدة جميع الأعمال السابقة لها. وهذه القاعدة أصل عقدي عند أهل السنة وهو أنه من كان معه أصل الإيمان وأساسه فإنه لا يكفر لاقترافه بعض الذنوب كالزنا والسرقة وغيرها، وإِن كانوا يرون أن العمل شرط في صحة الإيمان(3)، فأهل القبلة هم المسلمون، وإن كانوا عصاة لأنهم يستقبلون قبلة واحدة، وهي الكعبة؛ فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر؛ والمراد بقولنا: "بمطلق المعاصي والكبائر ولم نقل بالمعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي منها ما يكون كفرا وأما مطلق المعاصي فلا يكون كفرا. (4) والفرق بين الشئ المطلق ومطلق الشئ: أن الشئ المطلق يعنى الكمال، ومطلق الشئ: يعنى أصل الشئ. (5) فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإيمان، فأصل الإيمان موجود عنده لكن كماله مفقود. ومعلوم أن أصل الإيمان هو: الإيمان بالله ورسوله، وهو أصل العلم الإلهي كما بينته في أول الجزء(6). فأما الإيمان بالله، فهو في الجملة قد أقر به جمهور الخلائق، إلا شواذ الفرق من الفلاسفة الدهرية، والإسماعيلية ونحوهم، أومن نافق فيه، من المظهرين للتمسك بالملل، وإنما يقع اختلاف أهل الملل في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وعبادته ونحو ذلك. وأما الإيمان بالرسول، فهو المهم؛ إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه ولهذا كان ركنا الإسلام "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار، لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد: تصديق الرسول فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر، كما أن الإقرار بالله هو الاعتراف به والعبادة له. (7) ومسمى الإيمان والدين في أول الإسلام ليس هو مسماه في آخر زمان النبوة؛ بل مسماه في الآخر أكمل كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وقال: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} ولهذا قال الإمام أحمد: "كان بدء الإيمان في أول الإسلام ناقصا فجعل يتم" (، حيث أن الأعمال الشرعية فرضت شيئا فشيئا وهذا معلوم من تاريخ الفرائض والشرائع من صلاة وزكاة وصيام وحج إلى سائر الأحكام الشرعية في الأموال والمعاملات. وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب. وأما المباني (9) ففي تكفير تاركها نزاع مشهور. وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر من ترك واحدة منها وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط. ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها. ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة. وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن. وهذه أقوال معروفة للسلف. (10) وهذا يدل على أن إطلاق السلف تكفير من ترك هذه المباني الخمسة ليس من قبيل التكفير بالذنب الذي هو من جنس ركوب المحارم كما سماها سفيان بن عينية وهي مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة وقتل النفس بغير حق فإن التكفير بهذه الذنوب من أقوال أهل البدع كالخوارج وغيرهم وهذا القسم من الذنوب هو الذي يشترط لتكفير صاحبه شرط الاستحلال. قال البغوي رحمه الله: "اتفق أهل السنة على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شئ من الكبائر إذ لم يعتقد إباحتها". (11) أما التكفير بترك الفرائض فليس من الأقوال المبتدعة بل نقل عن السلف القول بذلك وإن كان تكفيرهم إنما انصرف إلى الأعمال إذ من الأعمال ماهو كفر ولو لم يعتقد كالسجود للصنم ورمي المصحف وإهانته وتقليد الصليب والاستهزاء بالدين وما في معنى هذا من الأقوال التي يكفر صاحبها لمجرد الفعل أو القول؛ فإن اشتراط الاستحلال في التكفير بهذه الأمور إنما عرف عند المرجئة الذين يحصرون الإيمان في مجرد التصديق الذي في القلب. فلا يَظن ظانٌّ أن في المسألة خلافًا؛ يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد وإنما ذلك غلطٌ، لا يستطيع أحدٌ أن يَحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتَّة. (12) (1) مجموع الفتاوى (3-151) والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (2) مجموع الفتاوى (10-441) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (3) أوليّات الداعية إلى الله - شيخ فركوس حفظه الله. (4) شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية العلامة ابن عثيمين رحمه الله (2-237). (5) شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية العلامة ابن عثيمين رحمه الله (2-237). (6) أول الجزء المشار إليه : موجود في أول المجلد الثاني ، صفحة 1 قوله رحمه الله : قاعدة أولية : أن أصل العلم الإلهي ومبدأه ودليله الأول عند الذين آمنوا : هو الإيمان بالله ورسوله وعند الرسول صلى الله عليه وسلم هو وحي الله إليه. (7) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - المجلد السابع - فصل: أصل الإيمان هو الإيمان بالله ورسوله. ( مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (12-477). (9) المبانى الأربعة: الصلاة والزكاة والصيام والحج. (10) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (7-302). (11) شرح السنة للبغوي (1-103). (12) تقريب الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية رحمه الله (279). |
تعليمات المشاركة |
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code is متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|