معنى قوله : ( اعملوا ما شئتم ؛ فقد غفرت لكم ) و ( قد غفرت لعبدي ؛ فليعمل ما شاء ) .
معنى قوله : ( اعملوا ما شئتم ؛ فقد غفرت لكم ) و ( قد غفرت لعبدي ؛ فليعمل ما شاء ) .
قال ابن القيم : فائدة قول النبى – صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم - لعمر : (( وما يدريك أن الله اطلع علي أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) [ البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه ] أشكل علي كثير من الناس معناه فإن ظاهره إباحة كل الأعمال لهم وتخييرهم فيما شاؤوا منها وذلك ممتنع . فقالت طائفة منهم ابن الجوزي : ليس المراد من قوله (( اعملوا )) الاستقبال وإنما هو للماضي وتقديره : أي عمل كان لكم فقد غفرته . قال : ويدل على ذلك شيئان : أحدهما : أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله : فسأغفر لكم . والثانى : أنه كان يكون إطلاقاً فى الذنوب ولا وجه لذلك . وحقيقة هذا الجواب : إني قد غفرت لكم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم . لكنه ضعيف من وجهين : أحدهما : أن لفظ ( اعملوا ) يأباه فإنه للاستقبال دون الماضى وقوله : ( قد غفرت لكم ) لا يوجب أن يكون ( اعملوا ) مثله فإن قوله : ( قد غفرت ) تحقيق لوقوع المغفرة فى المستقبل كقوله : ( أتى أمر الله ) ، ( وجاء ربك ) ونظائره . الثاني : أن نفس الحديث يرده فإن سببه قصة حاطب وتجسسه على النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها وهو سبب الحديث فهو مراد منه قطعاً . فالذي نظن في ذلك – والله أعلم – أن الخطاب لقوم قد علم الله – سبحانه - أنهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الإسلام وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب ولكن لا يتركهم - سبحانه - مصرين عليها بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم لأنه قد تحقق ذلك فيهم وأنهم مغفور لهم . ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقاً بالمغفرة فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار علي القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك الى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد وهذا محال . ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل أسباب المغفرة . ونظير هذا قوله فى الحديث الآخر : (( أذنب عبد ذنباً فقال : أي رب أذنبت ذنباً فاغفره لى فغفر له ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنباً آخر فقال : أي رب أصبت ذنباً فاغفر لى فغفر له ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنباً آخر فقال : رب أصبت ذنباً فاغفره لي فقال الله : علم عبدى أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدى فليعمل ما شاء )) [ البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فليس فى هذا إطلاق وإذن منه - سبحانه - له فى المحرمات والجرائم وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب . واختصاص هذا العبد بهذا لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب وأنه كلما أذنب تاب حكم يعم كل من كانت حاله حاله لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به لأهل بدر . وكذلك كل من بشره رسول الله – صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم - بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له لم يفهم منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات بل كان هؤلاء أشد اجتهاداً وحذراً وخوفاً بعد البشارة منهم قبلها كالعشرة المشهود لهم بالجنة وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة وكذلك عمر فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيدة بشروطها والاستمرار عليها الى الموت ومقيدة بانتقاء موانعها ولم يفهم أحد منهم من ذلك الإطلاق الإذن فيما شاؤوا من الأعمال ) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ الفوائد : 36 -38 ] . |
فليس فى هذا إطلاق وإذن منه - سبحانه - له فى المحرمات والجرائم وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب .
واختصاص هذا العبد بهذا لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب وأنه كلما أذنب تاب حكم يعم كل من كانت حاله حاله لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به لأهل بدر . بارك الله فيك |
جزيت خيرا
|
بارك الله فيك
|
الساعة الآن 09:25 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir