الفرق بين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وبين التغيير باليد
الفرق بين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وبين التغيير باليد
ولكي يتبين لنا الفرق بين الأمر أو النهي والتغيير نضرب مثالاً بشخص رأى آخر معه زمارة من آلات اللهو ؛ يزمر بها ويرقص عليها ، فقال له : يا فلان اتق الله ، هذا حرام ولا يحل ، فهذا نسميه نهياً عن المنكر ، وإذا جاءه مرة أخرى فرآه أيضاً معه الزمارة فأخذها وكسرها ، فهذا يسمى تغييراً ، إذاً فمقام المغير أقوى من مقام الآمر والناهي . وكذلك إذا رأيت رجلاً لايصلي مع الجماعة مع وجوبها عليه ، فقلت له : يا أخي اتق الله وأقم الصلاة مع المسلمين ، فهذا يسمى أمراً بالمعروف ، ثم إذا جئت مرة ثانية ووجدته لم يخرج من بيته فقرعت الباب عليه ، فإذا أبى كسرت الباب ثم جررته إلى المسجد ، فهذا تغيير . لكن هذا الأخير ليس كل أحد يطيقه على خلاف الأول ، فكل أحد يطيقه إلا ما ندر ، ولهذا جاء التعبير النبوي : (( فإن لم تستطع )) ولم يأت حديث واحد فيه : ( مروا بالمعروف فإن لم تستطيعوا ) فدل ذلك أن التغيير شيء والأمر شيء آخر . وقوله : ( فاصبر وزل باليد واللسان ) واليد في وقتنا هذا لا تكون إلا من ذي سلطان ، وإنما كان الأمر كذلك لئلا يصبح الناس فوضى . وعلى كل حال فنحن نقول : إن التغيير شيء لا يكون إلا من ذي سلطان وهو حق ؛ لأنه لو جعل التغيير باليد لكل إنسان لأصبح من رأى ما يظنه منكراً منكراً عنده ، فأتلف أموال الناس من أجل أنه منكر ، فمثلاً يرى بعض الناس أن المذياع منكر ، فإذا مر هذا برجل قد فتح المذياع يسمع الأخبار ، وقلنا غير باليد ، فإنه يكسر المذياع مع أنه ليس له حق في أن يكسره . فلو جعل التغيير في وقتنا الحاضر لغير ذي سلطان لأصبح الناس فوضى ، وتقاتل الناس فيما بينهم . ومنذ سنوات حدث أن دخل حاج من الحجاج إلى مسجد مطار جدة ومعه مذياع ، فقام رجل حبيب طيب ينهى عن المنكر أمام المصلين ، وقال : نعوذ بالله ؛ يأتي أحدكم بالمذياع مزمار الشيطان ويجعله معه في المسجد ... وهو مذياع فيه تسجيل . فهذا لعله يسمع أخباراً يسجلها تنفعه ، فقام الحاج يتكلم كلاماً عظيماً منبهراً : هل هذا حرام؟! نحن جئنا لنحج ولا نبتغي الحرام. فقلت لهم : اطمئنوا فإنه حلال إن شاء الله ، لكن إياكم أن تفتحوه على الأغاني والموسيقى ، فإن هذا حرام ، أما الأخبار والقرآن والحديث فهذا ليس فيه شيء ، فالقرآن والحديث طيب والأخبار من الأمور المباحة ، فأقول : إن بعض الناس يظن ما ليس منكراً منكرا ، فلو قلنا : غير باليد ، كسر هذا المذياع أو المسجل أو الذي يرى أنه منكر . ولهذا نقول : الإزالة باليد أو التغيير باليد في الوقت الحاضر لايكون إلا من ذي سلطان ، والسلطان من أعطاه ولي الأمر صلاحية في ذلك ، وعلى هذا فرجال الحسبة الموجودون عندنا يكون لهم السلطة . وقوله : ( فاصبر ) ، اصبر أمر بالصبر ، لأن المقام يحتاج إلى الصبر ولهذا قال الله تعالى : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) .... وزل باليد واللسان لمنكر واحذر من النقصان هذه مراتب التغيير غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد سبق أن هناك ثلاث مراتب ؛ الدعوة والأمر والنهي والتغيير . فالدعوة أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل ترغيباً وترهيباً ،دون أن يوجه أمراً معينا لشخص معين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يوجه إلى شخص معين أو طائفة معينة وما أشبه ذلك ، لكن فيه أمر ؛ افعلوا ، اتركوا . فلو قام رجل بعد صلاة الظهر مثلاً يدعو الناس ، ويرشدهم إلى الله ؛ يبين الحق ويرغب فيه ويبين الباطل ويحذر منه ، فإن هذا يقال : إنه داع إلى الله ، ولو رأينا رجلاً يقول لشخص : يا فلان افعل كذا ، يا فلان اتق الله ، اترك كذا ؛ فإن هذا آمرٌ وناهٍ. أما التغيير فهو أن يغير الإنسان منكراً بنفسه ، بأن يكون دعا صاحب المنكر إلى تركه ولكن أبى ، أو أمر تارك المعروف أن يفعله ولكن أبى ، فهذا يغير ؛ بأن يُضرب ويحبس ويكسر آلة اللهو وما أشبه ذلك . وقد قيد الرسول عليه الصلاة والسلام التغيير ، ولم يقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : (( والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا )) ، وما قال : إن استطعتم ، لكن قال : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه)) إذاً فالتغيير غير الدعوة والأمر أو النهي ؛ فالتغيير فيه سلطة وقدرة ، والأب في بيته داعٍ آمر مغير ، لأن له سلطة ، ورجل الحسبة في المجتمع داعٍ وآمر ومغير ، لكن ليس التغيير لكل أحد ، فما كل أحد يستطيع أن يغير ، فقد يغير الإنسان ويلحقه من الضرر ما لا يعلمه إلا الله ، بل يلحق غيره أيضاً ممن لم يشاركه في التغيير كما هو الواقع . ______________________________________ المصدر: شرح العقيدة السفارينية الباب السادس : في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر http://www.ibnothaimeen.com/all/book...er_18172.shtml |
الساعة الآن 05:35 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir