![]() |
رثــاء الأندلس لأبي البقاء صالح بن شريف الرنديُّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ؛ أما بعد : ففي مثل هذا وقبل 523 سنة تم تسليم مفاتيح ( غرناطة ) آخر معاقل الاسلام في الأندلس على يد أميرها أبو عبد الله الصغير ، وبعد ذلك اليوم بدأت مأساة المسلمين في الأندلس جميعها وخاصة غرناطة ، وقد رأى المسلمون أنواع من التعذيب والتهجير والقتل على يد النصارى الكاثوليك بقيادة زعيمهم فرناندو الخامس والملكة ايزابيلا - عليهم لعائن الله - ، وقد قاموا بعمل ما عُرف في التاريخ بمحاكم التفتيش ! التي كان من طرقهم في الاعدام والتعذيب ما يلي : - إذا وجدوا المصحف الشريف في بيت أحد، أعدموه . - إذا امتنع أحد عن الطعام والشراب في شهر رمضان، أو امتنع عن شُرب الخمر وأكل لحم الخنزير، يعدموه . - كانوا يكشفون عورة من يشكّون أنه مُسلم، فإذا وجدوه مختونًا أو كان أحد أفراد عائلته كذلك، يتم إعدامه هو وعائلته . من طـُرق ((محاكم التفتيش)) في التعذيب : - تمزيق الأرجل وفسخ الفك . - إملاء البطن بالماء حتى الاختناق . - سحق العظام بآلات ضاغطة . - كي الأجساد بـ الأسياخ المحمية على النار . - الجلد بسياط من حديد شائك . - قطع اللسان بآلات خاصة . طُرق ((محاكم التفتيش)) في تنفيذ الإعدام : - دفن الأحياء : عن طريق حفر حفره عميقة يوضع بها المحكوم عليه بالاعدام حيًا ويُردم عليه بالتُراب - الحرق: كانت هناك حفلات حرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان الملك الصليبي ((فرناندو الخامس)) من عشاق هذه الحفلات . - التوابيت المسمارية : توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسد الضحية تدريجيًا حتى يموت . هذا ما فعله النصارى الكاثوليك بمسلمي الأندلس حينذاك ، وقد قام كثير ممن وصلهم أخبار الأندلس برثاءها ، ومن هؤلاء أبو البقاء صالح بن شريف الرندي فقال في قصيدته الشهيرة رثاء الأندلس : قال أبو البقاء صالحُ بن شريفٍ الرنديُّ : لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ * فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتَهَا دُوَلٌ * مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ وَهَذِهِ الدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ * وَلَا يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَانُ أَيْنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ * وَأَيْنَ مِنْهُمْ أَكَالِيلٌ وَتِيجَانُ وَأَيْنَ مَا شَادَهُ شَدَّادُ فِي إِرَمٍ * وَأَيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ * وَأَيْنَ عَادٌ وَشَدَّادٌ وَقَحْطَانُ أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمْرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ * حَتَّى قَضَوْا فَكَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلْكٍ وَمِنْ مَلِكٍ * كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ كَأَنَّمَا الصَّعْبُ لَمْ يَسْهُلْ لَهُ سَبَبٌ * يَوْمًا وَلَا مَلَكَ الدُّنْيَا سُلَيْمَانُ فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ * وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُسَهِّلُهَا * وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلَامِ سُلْوَانُ دَهَى الجَزِيرَةَ أَمْرٌ لَا عَزَاءَ لَهُ * هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَانْهَدَّ ثَهْلَانُ أَصَابَهَا العَيْنُ فِي الإِسْلَامِ فَارْتَزَأَتْ * حَتَّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبُلْدَانُ فَاسْأَلْ بَلَنْسِيَةً مَا شَأْنُ مَرْسِيَةٍ* وَأَيْنَ شَاطِبَةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ وَأَيْنَ قُرْطُبَةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ * مِنْ عَالِمٍ قَدْ سَمَا فِيهَا لَهُ شَانُ وَأَيْنُ حِمْصُ وَمَا تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ * وَنَهْرُهَا العَذْبُ فَيَّاضٌ وَمَلْآنُ قَوَاعِدٌ كُنَّ أَرْكَانَ البِلَادِ فَمَا * عَسَى البَقَاءُ إِذَا لَمْ تَبْقَ أَرْكَانُ تَبْكِي الحَنِيفِيَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ * كَمَا بَكَى لِفِرَاقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ عَلَى دِيَارٍ مِنَ الإِسْلَامِ خَالِيَةٍ * قَدْ أَقْفَرَتْ وَلَهَا بِالكُفْرِ عُمْرَانُ حَيْثُ المَسَاجِدُ قَدْ صَارَتْ كَنَائِسَ مَا * فِيهِنَّ إِلَّا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ حَتَّى المَحَارِيبُ تَبْكِي وَهْيَ جَامِدَةٌ * حَتَّى المَنَابِرُ تَرْثِي وَهْيَ عِيدَانُ يَا غَافِلًا وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ * إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ وَمَاشِيًا مَرِحًا يُلْهِيهِ مَوْطِنُهُ * أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُّ المَرْءُ أَوْطَانُ تِلْكَ المُصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا * وَمَا لَهَا مِنْ طِوَالِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الخَيْلِ ضَامِرَةً * كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عِقْبَانُ وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الهِنْدِ مُرْهَفَةً * كَأَنَّهَا فِي ظَلَامِ النَّقْعِ نِيرَانُ وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ البَحْرِ فِي دَعَةٍ * لَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ عِزٌّ وَسُلْطَانُ أَعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أَهْلِ أَنْدَلُسٍ * فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ القَوْمِ رُكْبَانُ كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنَا المُسْتَضْعَفُونَ وَهُمْ * قَتْلَى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزَّ إِنْسَانُ بِالأَمْسِ كَانُوا مُلُوكًا فِي مَنَازِلِهِمْ * وَاليَوْمَ هُمْ فِي بِلَادِ الكُفْرِ عُبْدَان فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لَا دَلِيلَ لَهُمْ * عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابِ الذُّلِّ أَلْوَانُ وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُمْ عِنْدَ بَيْعِهِمُ * لَهَالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتْكَ أَحْزَانُ يَا رُبَّ أُمٍّ وَطِفْلٍ حِيلَ بَيْنَهُمَا * كَمَا تُفَرَّقُ أَرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ وَطَفْلَةٍ مِثْلِ حُسْنِ الشَّمْسِ إِذْ بَرَزَتْ * كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانُ يَقُودُهَا العِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً * وَالعَيْنُ بَاكِيَةٌ وَالقَلْبُ حَيْرَانُ لِمِثْلِ هَذَا يَمُوتُ القَلْبُ مِنْ كَمَدٍ * إِنْ كَانَ فِي القَلْبِ إِسْلَامٌ وَإِيمَانُ * صدق أبو البقاء يموت القلب من كمد ! إن كان في القلب إسلام وإيمان ، ومهما طال بنا الزمان فلا ننسى تاريخ أجدادنا مهما حاول الكفرة ! ذلك . |
الساعة الآن 02:47 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir