عرض مشاركة واحدة
طالب العلم غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 3 )  أعطي طالب العلم مخالفة
طالب العلم
مشرف الأدآب الشرعية

رقم العضوية : 268
تاريخ التسجيل : Oct 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,870 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
افتراضي

كُتب : [ 06-24-2015 - 11:16 PM ]

باب الإعتكاف


ن : يشرع الإعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مســـجد
إلا إذا أدخـــل فــــيها الجمعــــــة ***** فالجامع اشترطه كيلا يدعه

ش : معنى الاعتكاف في اللغة : لزوم الشيء ، وحبس النفس عليه ، سواء كان خيرا أم شرا .
وفي الشرع : هو لزوم المسلم العاقل - ولو مميزا - مسجدا لطاعة الله على صفة مخصوصة .
وهو على قسمين : واجب ، ومسنون .
فالواجب : ما عينه المسلم وألزم به نفسه كالنذر مطلقا ومعلقا ، فإنه يجب الوفاء به على الوجه الذي عينه عملا بقول الله تعالى نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا )) [ سورة الإنسان : 7 ] .
وبما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ، وبما روى أحمد وأبو داود عن بريدة رضي الله عنه أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال : أوفي بنذرك " . فهذه النصوص فيه دليل على وجوب الوفاء بما ألزم المسلم به نفسه من عبادة شرعية ، سواء كانت اعتكافا ، أو غيره من المشروعات ، أو عمل شيء من المباحات .
وأما المسنون : فللمسلم فعله متى شاء من ليل أو نهار سواء كان زمنا قليلا أو كثيرا ، وله قطعه كذلك متى شاء إذ إن المتطوع أمير نفسه في كثير من أبواب النوافل والفضائل .
أعود إلى قول الناظم :
يشرع الاعتكاف في المساجد *****في أي وقت وبأي مسجد

أي : أن الاعتكاف من السنن المشروعة ، ومحله المساجد ؛ لأنها بنيت لذكر الله والصلاة سواء كانت الحرمين والأقصى أو غيرها من المساجد في سائر البقاع الأخرى ، وسواء تصلى فيها الجمعة أو الجماعة فقط ، خلافا للشافعية الذين لا يرون انعقاد الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
والحق أن هذا الشرط لا يؤخذ على إطلاقه ، غير أن العلماء قد اختلفوا في خروج المعتكف لشهود جنازة أو عيادة مريض أو صلاة جمعة أيبطل اعتكافه أم لا : فذهب إلى القول بالبطلان علي بن أبي طالب والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وذهب إلى القول بعدم البطلان جماعة آخرون كالشافعي والثوري وإسحاق بشرط أن يكون المعتكف قد شرط ذلك في ابتداء اعتكافه .
ولأجل هذا الخلاف وخروجا منه فقد رأى الناظم أن من كان يوم الجمعة من جملة أيام اعتكافه فعليه أن يجعل اعتكافه في مسجد جامع ، لئلا يقع في الخلاف الذي رأيت عند خروجه من محل اعتكافه ، ولئلا يقع في المأثم الذي يترتب على التخلف عن صلاة الجمعة مع القدرة على الحضور إليها .
لهذا وذاك قال الناظم :

إلا إذا أدخل فيها الجمعة *****فالجامع اشترطه كيلا يدعه

أي : إذا كان يوم الجمعة داخلا في جملة أيام المعتكف فألزمه بأن يكون اعتكافه في مسجد جامع ؛ لئلا يضطر يوم الجمعه إلى الذهاب إلى الجامع الذي تقام فيه ويدع اعتكافه ؛ فيكون ذلك سببا في بطلانه عند جماعة من الفقهاء ، وسيأتي الكلام قريبا على ما يجوز للمعتكف أن يخرج لقضائه وما لا يجوز .

ن : وليس فيه الصوم شرطا بل ورد *****بالليل والــنهار نص معـــتمد
لكـــــــــنه فـــــي رمضـــــان آكـــــدا *****لا سيما العشر الأواخر اجهـدا
فيها بجــــد واجـــــتهاد فــــــي العمل *****لكـــي بــــذا تـــنال غاية الأمل

ش : في هذه الأبيات الثلاثة بحث مسألة واحدة وهي :
هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف ، أم من شاء أن يعتكف صائما فحسن ، ومن شاء أن يعتكف مفطرا فلا حرج ؟
والجواب هو :أن الاعتكاف لا يخلو إما أن يكون في نهار رمضان أو في غير رمضان ، فإذا كان في نهار رمضان فإن المعتكف يلزمه الصوم بحكم الفرض الذي عليه ولا خيرة له فيه ما دام قادرا ، أما إذا كان الاعتكاف في غير رمضان فقد اختلف العلماء في اشتراط الصوم فيه وعدمه على رأيين :
الرأي الأول : أنه لا اعتكاف إلا بصوم ، روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وبه قالت الحنفية ومالك والأوزاعي ، غير أنه لا دليل لديهم يصلح الإستناد إليه فيما علمت .
الرأي الثاني : أن المعتكف إذا اعتكف بالنهار وصام فحسن ، ونور على نور ، وإن لم يصم فاعتكافه صحيح ، وليس الصوم شرطا فيه ، وهذا اختيار الناظم ، وهو المؤيد بالدليل الذي رواه البخاري ومسلم وغيره ، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : أوف بنذرك " .
فهو دليل صريح على جواز الاعتكاف بدون صوم .
ثم إن الاعتكاف في شهر رمضان أكثر في الاستحباب وأبلغ في الأجر ، ولذا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحبابه والحث عليه من قوله وفعله وتقريره ، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ، قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ، ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر .
فمطرت السماء في تلك الليلة ، فوكف المسجد ، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " .
ثم استمر فعله وفعل أزواجه من بعده على إحياء العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف والجد والاجتهاد ؛ لينالوا غاية ما يتمنون وما يؤملون من رضا ربهم ودخول جنته ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم :" كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده " إحياء لسنته ، ورغبة في ثواب الله الذي وعد به على شكره وحسن عبادته .
وإلى هذه المعاني أشار الناظم بقوله :

لكنـــــــه فـــــــي رمضان آكدا *****لاسيما العشر الأواخر اجهدا
فـــيها بجد واجـــتهاد في العمل *****لكـــي بذا تنال غاية الأمـــل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ن : وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر لـــيس بــد مــنه
وسُنّ من بـعد صلاة الفــجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

ش : قوله :

وما لعاكف خروج عنه *****إلا لأمر ليس بد منه

أي : ليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا للحاجة التي لابد له منها وقد اتفق العلماء على جواز الخروج لما يسمى بحاجة الإنسان - أي : البول والغائط - ، واختلفوا في غيرهما من الحاجات الأخرى كالأكل والشرب والعلاج ، وشهود الجمعة ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، ومرافقة المرأة الزائرة حتى تصل المكان الذي تأمن فيه على نفسها ، وغير ذلك من الحاجات .
والذي يظهر لي في هذه الحاجات المختلف فيها : أن ما كان منها لا يمكن استغناء المعتكف عنه كالأكل والشرب والعلاج وشهود الجمعة وتشييع المرأة الزائرة إلى دارها فإنه لا يبطل به الاعتكاف لالتحاقه بالبول والغائط في الحاجة والضرورة ، وما أمكن الاستغناء عنه من سائر الحاجات كعيادة المريض وتشييع الجنازة إذا قام به غير المعتكف وزيارة قريب أو صديق للحديث معه فإن هذه الحاجات وما شابهها يبطل بها الاعتكاف ؛ لما جاء في الصحيحين عن عروة وعمرة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا ."
ولما روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج إلا لما لابد منه ".
قوله :

وسُنّ من بعد صلاة الفجر *****دخوله في الاعتكاف فادر

أي :أنه يشرع لمن أراد أن يعتكف يوما أو أياما معلومات أن يدخل معتكفه عند طلوع الفجر من اليوم الذي يعزم فيه على الاعتكاف ، ويكون خروجه بعد غروب الشمس من آخر أيام اعتكافه التي سماها وأمضاها ، وذلك بأن ينوي اعتكاف يومي الخميس والجمعة مثلا ، فإنه يدخل معتكفه فجر يوم الخميس ، ويخرج من معتكفه بعد غروب يوم الجمعة ، وإذا أراد اعتكاف ليلة فقط دخل معتكفه عند غروب الشمس ، ويخرج عند طلوع الفجر من صبيحتها ، هذا الذي اختاره الناظم هو قول جماعة من الفقهاء مستدلين بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه ".
بينما يرى جماعة آخرون أنه يدخل معتكفه من أول الليل لما ثبت عند البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ". والعشر اسم لعدد الليالي، وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين .
والقول الأول هو الراجح ؛ لأن اليوم يصدق على ما بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ولهذا يقال لمن أمسك عن المفطرات بنية الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس : إنه صام يوما .
تنبيه : وفي نهاية هذا الباب أحب أن أنبه على أمور مهمة : الأول منها : أن للاعتكاف أركانا وشروطا ومبطلات .
فأما أركانه فاثنان :
أولهما : عقد النية كغيره من العبادات لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ".
وثانيهما : اللبث في المسجد إذ لا اعتكاف شرعا إلا في المسجد ؛ لقول الله تعالى نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) [ سورة البقرة 187 ] .
فإن الآية صريحة في أن الاعتكاف إنما يكون في المسجد ؛ لأن الله خص تحريم المباشرة بالاعتكاف فيه ولم يذكر غيره .
وأما شروطه : فإن الفقهاء اشترطوا في المعتكف أن يكون مسلما وذلك لأن الإسلام شرط في صحة كل عبادة من العبادات الشرعية ، ومن جملتها الاعتكاف .
ثانيا : أن يكون مميزا يفرق بين العادات والعبادات ، وبين العبادات بعضها عن بعض ، ولو لم يكن بالغا فليس البلوغ شرط صحة وقبول ، وإنما هو شرط تكليف .
ثالثا : أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر كالجنابة والمرأة من الحيض والنفاس ، فإن طرأ شيء من ذلك أثناء الاعتكاف وجب على المعتكف أن يخرج من معتكفه حتى يتطهر ثم يعود ، فيبني على اعتكافه : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) [ سورة الحج 78 ] .
وأما مبطلات الاعتكاف : فالجماع كما في قوله تعالى نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) . والمراد بالمباشرة هنا : الجماع ، وقد أجمع أهل العلم أن الجماع عمدا مفسد للاعتكاف .
وثانيا : الخروج من المعتكف لغير حاجة يباح له الخروج إليها .
الأمر الثاني : اختلف العلماء في أقل مدة الاعتكاف وأكثرها إذا كان تطوعا على عدة أقوال ، أعدلها : أن أقله لحظة مع النية ، ولا حد لأكثره ، كما قال بذلك الإمام الشافعي وقريب منه ما قال به الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد بأن أقله ساعة ، ولا حد لأكثره .
الأمر الثالث : للمعتكف آداب ينبغي له مراعاتها ، وله مباحات لا حرج عليه في تعاطيها .
أما الآداب التي يستحسن له أن يراعيها فهي :
1 - كثرة الذكر على الوجه المشروع كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والتوبة والاستغفار .
2 - التوسع في دراسة العلوم الشرعية التي يزاد بها فقها في دينه وتقوى وورعا في تنسكه .
3 -الإكثار من نوافل الصلاة ، لاسيما قيام الليل الذي هو دأب الصالحين ، ومائدة المتقين ، وسجية المحسنين .
وأما ما يباح له فأمور منها :
أ - خروجه لتوديع أهله وقد أشرت إلى ذلك أثناء الشرح كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية ففي الصحيحين عنها رضي الله عنها أنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت ، فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . قالا : سبحان الله يا رسول الله . قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا - أو قال : - شرا " .
ب - ترجيل شعره ، وحلق رأسه ، وتقليم أظافره ، وتنظيف بدنه ، ولبس أحسن ثيابه ، فقد كانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغسله وهو في معتكفه .
ج - الخروج للحاجة التي لابد منها كالبول والغائط ، وما يلحق بهما من كل ما دعت الحاجة إليه ، ولم يمكن الاستغناءعن الخروج إليه .
د - الأكل في المسجد والشرب والنوم والحديث في أمور الحياة التي لابد منها ، والله أعلم .



توقيع : طالب العلم
قال ابن القيم -رحمه الله-:
( من أشد عقوبات المعاصي أن ينزع الله من قلبك استقباحها )
رد مع اقتباس