عرض مشاركة واحدة
الجوهرة غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 5 )  أعطي الجوهرة مخالفة
الجوهرة
عضو مميز
رقم العضوية : 10
تاريخ التسجيل : Aug 2010
مكان الإقامة : في قلب أمي الحبيبة
عدد المشاركات : 2,106 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
افتراضي

كُتب : [ 04-10-2012 - 10:58 PM ]

[5]
صَلاَة المَأْمُومِينَ بَيْنَ السَّوَارِي


لا يخفى على المتأمل ما تحدثه الصلاة بين السواري من قطع للصفوف، وعدم التراصّ والالتصاق، فالفقه السليم يمنع من ذلك، دون سماع نصٍ في المسألة، فكيف إذا كان؟ فالصف بين السواري يؤدي إلى قطع الصف وحينئذ يرد عليه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((. . . ومن قطع صفاً قطعه الله))؛ وقد ورد فيها من النصوص الخاصة ما يفيد تحريم الصف بينها .

لهذا فقد تقرر عند المحققين من أهل العلم أنَّ صلاة المأمومين بين السواري تحرم إلاَّ للضرورة؛ للأدلة التالية -نتعرَّض لها مع بيان فقهها-:

أولاً: حديث قرَّة بن إياس المزني -رضي الله عنه-: ((كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد -رسول الله صلى الله عليه وسلم- ونطرد عنها طرداً))([1]).

ثانياً: حديث عبد الحميد بن محمود -رضي الله عنه- قال: ((صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس، فصلينا بين الساريتين [فجعل أنس بن مالك يتأخر]، فلما صلينا قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-))([2]) ولفظ الترمذي: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ:
صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ([3]) فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ((كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))([4]).

قلتُ: نلاحظ في كلا الحديثين قولهما -رضي الله عنهما-: ((على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-))؛ وتحتمل رواية أنس -رضي الله- إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلَّم- وهو في حكم المرفوع؛ أو أن في المسألة سنة قولية، وهو ما تأكده رواية قرَّة -رضي الله عنه- فتحمل رواية أنس عليها([5])؛ فقول قرَّة: (كُنَّا نُنهى) يدل على ذلك، قال الحافظ في النزهة: " قول الصحابي: كنا نفعل كذا؛ فله حكم المرفوع"([6]) وقال ابن عثيمين: " لفظ: (نهينا)؛ إذا قاله صحابي أو صحابية؛ فالمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- نهاهم، لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- هو الذي له الأمر والنهي"([7]).

فإذا تقرر النهي عنه -صلى الله عليه وسلَّم-؛ فالأصل فيه أنَّه للتحريم إلاَّ إذا دلَّ الدليلُ على الكراهة([8])؛ ولا صارف([9]) .
و لفظ "نُطرَد" يُشعر بالتحريم، ثم إيراد المفعول المطلق "طرداً" مما يزيده تأكيداً([10]).

قال الشوكاني -رحمه الله-: " وَظَاهِر حَدِيث مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكَره الْحَاكِم أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم"([11]) .

وقد ذكر ابن حبَّان هذه الأحاديث تحت باب: (ذكر الزجر عن الصلاة بين السواري جماعة)؛ و قوله: (ذكر خبر ثانٍ يصرح بهذا الزجر المطلق) ثم تعليقه -أي ابن حبَّان- بقوله: " هذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعة وأما استعمال المرء مثله منفرداً فجائز"([12]) وهذا مفهومه أنَّ استعمال المرء مثله للجماعة غير جائز أي: مُحرَّم .
وهو ظاهر تبويب ابن خزيمة للحديثين. فإنَّه بوَّب للأول بـ (باب طرد المصطفين بينالسواري عنها) وللثاني بـ (باب النهي عن الاصطفاف بين السواري)؛ (وهذا الأخير يُفيد التحريم عند الشافعية، وابن خزيمة معدودٌ فيهم)([13]).

قال الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- عن الصفِّ بين السواري من غير ضرورة للجماعة: " حرامٌ لا يجوز"([14])، وقال -رحمه الله- عن حديث أنس: " هذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري، وأنَّ الواجب أن يتقدم أو يتأخر، إلاَّ عند الاضطرار؛ كما وقع لهم"([15]) ويعود الضمير: (لهم) على الصحابة كما في رواية الترمذي التي سبق ذكرها. وأجاب الإمام ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- عندما سُئل عما ورد من أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يطردون عن الصف بين السواري طرداً، وكانوا يتقون الصف فيها، فهل الصف بينها محرم كما هو ظاهر النهي؟ فقال: " الصحيح: أنه منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الصف لا سيما مع عرض السارية"([16])؛ وقال الشيخ المحدِّث عبد المحسن العبَّاد: " السواري هي الأعمدة التي في المسجد، والصف بينها لا يجوز لأنَّها تُقطِّعُ الصفَّ"([17]) قال سماحة الإمام العلاَّمة ابن باز عن الصف بين السواري: "خلاف السُنَّة، وفي حديث أنس قال: كنا نتقيه"([18])؛ قال الشيخ سليم الهلالي: " يحرم على المأمومين الصلاة بين السواري ويدل على ذلك النهي الصريح والقرينة المؤكدة للتحريم، وهو طرد الواقفين بين السواري"([19]).

من أجل ذلك أطلق الكثير من العلماء فقالوا: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- عن الصلاة بين السَّواري"؛ ولا يعني ذلك أنَّ في المسألة سُنَّة قولية بلفظ مباشر؛ نعم . . قد ورد حديث عن ابن المبارك عن إسماعيل بن مسلم عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالصف الأول وعليكم بالميمنة وإياكم والصفَّ بين السواري))([20])؛ وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2513 والمتقي الهندي في "كنز العمَّال" 20566، ولكنَّ الهيثميّ علَّق عليه وقال: "رواه الطبراني في الأوسط([21]) والكبير([22]) وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف"، لذلك أورده الإمام الألباني -رحمه الله- في الضعيفة 2895 وقال: " هذا إسناد ضعيف؛ إسماعيل بن مسلم -وهو المكي- ضعيف الحديث، كما في التقريب " . وقد أورده أيضاً في ضعيف الجامع الصغير 3767؛ وورد هذا الحديث موقوفاً على ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- كما في مصنَّف عبد الرزَّاق 2477: عن ابن عباس قال: ((عليكم بميامن الصفوف وإياكم وما بين السواري وعليكم بالصف الأول)) ولكنَّه من طريق بن جُريج قال: ((أخبرني غير واحد))، فأبهم؛ وقد ورد الحديث موقوفاً في مجمع الزوائد، ولكن قال الإمام الألباني في الضعيفة: " وقع الحديث في مجمع الزوائد ( 2/92 ) موقوفاً على ابن عباس من رواية "المعجمين"، وهو فيهما مرفوع كما ذكرنا، فالظاهر أنه سقط رفعه من الناسخ أو الطابع "([23]) .

وقد أخرج أبو نعيم في أخباره قال: حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا أبو معاوية، ثنا أبو سفيان السعدي، ثنا ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ((نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصف بين السواري))([24]) .

ولكن في الحديث: أبو هشام الرفاعي، وقد ضعفه جماعة من العلماء، وحسَّن حديثه آخرون، وحُجَّة من ضعَّف قوية، والحديث يحتاج إلى مزيد دراسة .

ونخلُص بذلك إلى أنَّه لا توجدُ سُنَّة قولية مباشرة –على حدِّ علمي- عن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- في هذه المسألة؛ وعلى هذا يُمكن حمل قول ابن المنذر -رحمه الله- حين قال: "ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نهى عنه"([25]) ولكن بالنظر والاستنباط ثبت أن النهي عن الصف بين السواري في حكم المرفوع بل هو سنَّة قولية كما أثبتنا آنفاً من حديث قرَّة.

ولو لم يُسلم لنا بذلك -جدلاَ-، وأخذنا برواية أنس -رضي الله عنه- على أنها سنة تقريرية فقط فإنَّ ذلك لا يُغيِّرُ شيئاً، جاء في متن الورقات: " وإقرار صاحب الشريعة على القول الصادر من أحد هو قول صاحب الشريعة وإقراره على الفعل من أحد كفعله؛ وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه"([26]) .


الحواشي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


([1])رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والشيخ الألباني؛ وأورده ابن حبان في صحيحه 2219 بلفظ: ((كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طرداً)).

([2]) قال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-: " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وأحمد عن سفيان الثوري عن يحيى بن هاني بن عروة المرادي عن عبد الحميد به . والسياق للترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) . وما بين القوسين للنسائي، وللحاكم المعنى؛ وقال: (صحيح ). ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وصححه الحافظ أيضاً في ( الفتح ). وله شاهد من حديث هارون بن مسلم عن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه" اهـ وصححه الإمام اليماني مقبل الوادعي في " الصّحيح المسند ممّا ليس في الصّحيحين " وقال: "رجاله ثقات".

([3])قلتُ: وهذه الرواية تَدُل بشكل صريح أنَّهم قد صلوا بين الساريتين عندما اضطروا .

([4]) سنن الترمذي 212 وصححه الألباني .

([5]) تقرير من الشيخ محمد بن عمر بازمول -حفظه الله- في مكالمة هاتفية مسجلة أجريتها معه .

([6]) النزهة 138 .

([7]) شرح رياض الصالحين (3/176) .

([8]) أصول الفقه المهمَّة ص18 للسعدي -رحمه الله- .

([9]) ذهب بعض الفضلاء من أهل العلم إلى أنَّ عدم بطلان الصلاة هو الصارف، لأنَّ التحريم يقتضي البطلان -كما قالوا- وستأتي مناقشة ذلك لاحقاً .

([10]) "تسوية الصفوف وأثرها في حياة الأمة" ص:48 لعوايشة .

([11]) نيل الأوطار 3/236.

([12]) في تعليقه على الحديث 2220.

([13]) الصلاة بين السواري، الحمادي .

([14]) بداية الشريط الرابع من سلسلة الهدى والنور .

([15]) سلسلة الأحاديث الصحيحة،ح360 .

([16]) الفتوى 390 من مجموع الفتاوى والمقالات كتبها في 16/6/1418هـ.

([17]) شرح سنن أبي داود، ش 59 د22 .

([18]) نور على الدرب، ش386 د6 .

([19]) موسوعة المناهي الشرعية في صحيح السنة النبوية، كتاب صلاة الجماعة .

([20]) المعجم الكبير للطبراني 12004 .

([21]) المعجم الأوسط للطبراني، برقم 3338 .

([22]) 12004.

([23]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6/435) .

([24]) أخبار أصفهان، بابٌ من اسمه اسحاق ر733.

([25]) الأوسط (4/183) .

([26]) الورقات للجويني ص 22 .


شارك في نشرها عبر وسائل النشر واكسب الكثير من الأجر

رد مع اقتباس