مدارسة في حديث إن لكل شيء شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة

[الواثقة بالله]

مدارسة في حديث إن لكل شيء شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة
.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

روي هذا الحديث من طريق ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم.

أما حديث ابن عباس :
رواه عبد بن حميد في مسنده 675 - حدثني محمد بن كثير، ثنا هشام بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: عهدت عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو علينا عامل بالمدينة وهو شاب غليظ البضعة ممتلئ الجسم، فلما استخلف وقاسى من العمل والهم ما قاسى تغيرت حاله، فجعلت أنظر إليه لا أكاد أصرف بصري، فقال: يا ابن كعب، إنك لتنظر إلي نظرا ما كنت تنظره إلي من قبل؟ قال: قلت: يعجبني. قال: وما عجبك؟ قال: لما حال من لونك، ونفي من شعرك، ونحل من جسمك. قال: فكيف لو رأيتني بعد ثالثة حين تسيل حدقتاي على وجنتي، ويسيل منخراي وفمي صديدا ودودا، كنت أشد نكرة، أعد علي حديثا كنت حدثتنيه عن ابن عباس قال: قلت: حدثني ابن عباس ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل شيء شرفا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، وإنما يجالس بالأمانة، ولا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث، واقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في صلاتكم ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فكأنما ينظر في النار، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس، فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده، ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: " من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده. قال: أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: «من يبغض الناس ويبغضونه» . قال: «أفأنبئكم بشر من هذا؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: " من لم يقل عثرة، ولم يقبل معذرة، ولم يغفر ذنبا. قال: أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: من لم يرج خيره، ولم يؤمن شره. إن عيسى ابن مريم قام في قومه، فقال: يا بني إسرائيل، لا تكلموا بالحكمة عند الجاهل فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ولا تكافئوا ظالما يظلم؛ فيبطل فضلكم عند ربكم. يا بني إسرائيل، الأمر ثلاثة: أمر تبين رشده فاتبعه، وأمر تبين غيه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكله إلى عالمه.

وكذلك روي مختصراً مجزّءاً.

هشام بن زياد هو هشام بن أبى هشام ، أبو المقدام القرشي متروك الحديث راجع تهذيب الكمال ط الرسالة 30/203 والكامل لا بن عدي 8/404 وقد ساق هذا الحديث في جملة منكراته وكذلك صنع العقيلي في ترجمته 4/340 وقال وليس لهذا الحديث طريق يثبت.


وقال مسلم -رحمه الله- في مقدمة صحيحه (1/ 14):
"سمعت الحسن بن علي الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام، حديث عمر بن عبد العزيز، قال هشام: حدثني رجل يقال له: يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب، قال: قلت لعفان: إنهم يقولون: هشام سمعه من محمد بن كعب، فقال: إنما ابتلي من قبل هذا الحديث، كان يقول: حدثني يحيى، عن محمد، ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد".اهـ.

وقد توبع عن محمد بن كعب على وجه الاختصار بذكر موضع الشاهد من وجوه لا تثبت.

تابعه عيسى بن ميمون وصالح بن حسان ومصادف بن زياد وغيرهم كما سيأتي.

قال الشيخ الألباني في الضعيفة 2786:
وقد تابعه عيسى بن ميمون المدني عن محمد بن كعب القرظي. أخرجه العقيلي (337) وقال:" تابعه من هو نحوه في الضعف ".
كأنه يعني أبا المقدام، وروى في ترجمة عيسى عن ابن معين: أنه ليس حديثه بشيء، وعن البخاري: منكر الحديث ...
وتابعه صالح بن حسان عن محمد بن كعب به. أخرجه ابن عدي (198/1) وقال:" صالح بن حسان بعض حديثه فيه إنكار وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ".
وتابعه محمد بن معاوية: حدثنا مصادف بن زياد المدني - قال: وأثنى عليه خيرا - قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، به.
أخرجه الحاكم (4/269 - 270) وتعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: هشام متروك، ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني؛ فبطل الحديث ".اهـ.

وكذلك تابعه عمرو بن المهاجر كما عند الطبراني في مسند الشاميين 1432 - حدثنا أحمد بن النضر العسكري، ثنا العباس بن الوليد الخلال، ثنا زيد بن يحيى بن عبيد، ثنا عبد الوهاب بن محمد الأوزاعي، حدثني عمرو بن المهاجر، قال: قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يسامره , فجعل محمد بن كعب يحد إليه النظر , فقال له عمر: ما لي أراك تحد إلي النظر يا محمد؟ فقال: يا أمير المؤمنين عهدي بك بالمدينة وأنت غرر اللون ظاهر الدم وهيأتك غير هذه الهيئة , فقال عمر: كيف بك يا محمد لو رأيتني في القبر بعد ثالثة وقد وقصت عيناي على وجنتي , وسال فمي قيحا , ورمى رأسي أشد تغير؟ يا محمد , حدثني حديث ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أشرف المجالس ما استقبل به القبلة».

وكذلك أخرجه ابن عساكر 7522 من طريق الطبراني.

العباس بن الوليد الخلال قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1179: شيخ.
وقال الآجرى كما في سؤالاته: 5 / الورقة 13: سألت أبا داود عنه، فقال: كان عالما بالرجال والأخبار، لا أحدث عنه.

وعبد الوهاب بن محمد الأوزاعي مجهول ترجمه ابن عساكر في تاريخه كما في الإحالة السابقة ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ولم يذكر فيمن روى عنه سوى الهيثم بن حميد وزيد بن يحيى بن عبيد .

وكذلك تابع أبا المقدام تمام بن بزيع كما عند الخرائطي في مكارم الأخلاق ح750 وتمام متروك الحديث.

وقال العقيلي في الضعفاء 1/169 في ترجمة تمام بن بزيع:
لم يحدث بهذا الحديث عن محمد بن كعب، ثقة، رواه هشام بن زياد أبو المقدام، وعيسى بن ميمون ومصارف بن زياد القرشي وكل هؤلاء متروك وحدث به القعنبي عن عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب عن من حدثه عن محمد بن كعب ولعله أخذه عن بعض هؤلاء.

وكذلك تابعه القاسم بن عروة , رواه عنه عبد الرحمن الضبي الكذاب وفي الإسناد من ينظر في حاله كذلك .

وهذه الرواية عند البيهقي في الكبرى ح 14588 وقال عقبه :وروي ذلك أيضا عن هشام بن زياد أبي المقدام عن محمد بن كعب وروي من وجه آخر منقطع عن محمد بن كعب ولم يثبت في ذلك إسناد.


وأخرجه أبو داود وليس فيه موضع الشاهد قال: 694 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق، عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي، قال: قلت له: يعني لعمر بن عبد العزيز، حدثني عبد الله بن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث».

وأخرجه بنفس الإسناد 1485 بلفظ : لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فإنما ينظر في النار، سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فآمسحوا بها وجوهكم.

ثم قال أبو داود عقبه: روي هذا الحديث من غير وجه , عن محمد بن كعب , كلها واهية , وهذا الطريق أمثلها , وهو ضعيف أيضا.

والخلاصة أن الحديث لا يثبت من طريق ابن عباس رضي الله عنهما ولا يستشهد به كذلك لضعفه الشديد فمداره على المتروكين والهلكى والمجاهيل.

أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
رواه الطبراني في الأوسط 8361 - حدثنا موسى بن زكريا، ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا أبو شهاب الحناط، عن حمزة بن أبي حمزة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكرم المجالس ما استقبل به القبلة»
لم يرو هذا الحديث عن نافع إلا حمزة بن أبي حمزة ".

حمزة بن أبي حمزة متروك متهم.

ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان 2/35 قال :
حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن محمود بن الفرج، ثنا يزيد بن خالد أبو مسعود، ثنا زيد بن الحريش، ثنا محمد بن الصلت، عن أبي شهاب، عن الأعمش، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير المجالس ما استقبل به القبلة».

عبد الله بن محمود بن الفرج هو خال أبي الشيخ وقد ترجمه في طبقاته 4/214 ترجمة 623 حيث قال: من عباد الله الصالحين، كتب عن أبي حاتم، وهلال بن العلاء، وعثمان بن خرزاد، وبشر بن موسى، ومن الأصبهانيين أحمد بن مهدي، والناس، كثير الحديث، كتب عنه محمد بن يحيى بن منده، وابن الجارود، وحدثا عنه، توفي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.

زيد بن الحريش ترجمه ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وقال ابن حبان في "الثقات": ربما أخطأ وقال ابن القطان: مجهول الحال.

وقد خولف أبو الربيع في سنده ومتنه.

أما السند فقد أُبدل فيه الأعمش بحمزة بن أبي حمزة.
وقد تقدم قول الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن نافع إلا حمزة بن أبي حمزة.اهـ.

ولو كان الأعمش رواه عن نافع لاشتهر ولرواه عنه ثقات أصحابه فهو إمام كثير الحديث كثير الأصحاب كان المحدثون يلهثون خلفه للأخذ عنه.

وأما المتن فاستُبدل لفظ "خير" بلفظ "أكرم".

والحمل في هذه المخالفة على من روى عن محمد بن الصلت والله أعلم.

والخلاصة في هذه الطريق أنها لا تثبت ولا يستشهد به كذلك لشدة ضعفها فمدارها على حمزة بن أبي حمزة وهو متروك متهم بالوضع والله اعلم.


وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
رواه الطبراني في الأوسط 2354 - حدثنا إبراهيم قال: نا عمرو بن عثمان قال: نا محمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة».

الحديث من هذه الطريق حسنه الهيثمي والمنذري والسخاوي وغيرهم .

لكن شيخ الطبراني إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي لم يوثَّق ولم يرو عنه غير الطبراني وقال الهيثمي في المجمع 10/335 : لم أعرفه اهـ.

بل ضعفه الذهبي في الميزان 1/63 قال :شيخ للطبراني غير معتمد اهـ. ولم يتعقبه الحافظ في اللسان.

فلا أدري ما وجه تحسين حديثه.

وتراجع السلسلة الضعيفة حديث رقم 6958 للفائدة.

فالذي يظهر والعلم عند الله تعالى أن هذه الطريق ضعيفة لجهالة حال شيخ الطبراني والله أعلم.

وعلى هذا فالحديث باقٍ على ضعفه ولا يتقوى بالطريقين المتقدمتين لشدة ضعفهما والله أعلم.

وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف مقطوعاً من قول بعض الأئمة:

25937 - حدثنا عبد الأعلى، عن برد بن سنان، عن سليمان بن موسى، قال: إن لكل شيء شرفا، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة " .
قال (أي عبد الأعلى): ما رأيت سفيان يجلس إلا مستقبل القبلة

25940 - حدثنا وكيع، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن مكحول، قال: «أفضل المجالس مستقبل القبلة».

25941 - حدثنا وكيع، عن ثور، عن سليمان بن موسى، قال: «لكل شيء سيد، وسيد المجالس مستقبل القبلة».

ومن كانت لديه إضافة أو استدراك فليتفضل مشكوراً.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.


منقول