" الحدِيثْ ~
عن بن عمر رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " لا يحل لمسلمٍ أن يهجُر أخاه فوق ثلاثة أيام " متفق عليه.
\
/
\
/
" حدِيثْ مُشابِه ~
ورَد في صحيح مُسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " تُفتح أبوابُ الجنةِ يومَ الإثنينِ ويوم الخمْيس ، فَيغفر لكلّ عَبدٍ لا يُشركُ باللهِ شيئاً ، إِلا رَجلا كانتْ بينهُ وبينَ أخِيه شَحناءُ فَيقالُ : أنظِروا هَذَينِ حَتّى يَصطلِحَا ! أَنظروا هذَين حَتى يصْطَلحا ! ".
وعن أبي أَيوبَ رَضي الله عَنهُ، أنّ رسولَ الله صَلى الله علَيه وَسلم قالَ: (( لا يَحِل لمسْلم أَن يهجرَ أخاهُ المُسلم فَوق ثَلاثِ لَيَال، يلتقيانِ فَيعرِضُ هَذا وَيعْرضُ هذَا، وَخَيرهمَا الذِي يَبْدأ بِالسّلامِ )) مُتَّفَقٌ عليهِ.
\
/
\
/
" مُفردات الحدِيثْ ~
( أَخَاهُ ) أي : المُسلم وهو أعمُ من أخوة القرابةِ والصّحابَة .
قال الطّيبي : وتخصيصه بالذكر إشعار بالعليّة والمراد به أخوّة الإسلام ، ويُفهم منه أنّه إن خالف هذه الشّريطة قطع هذه الرّابِطة جاز هُجرانه فوق ثلاثة -انتهى- .
وقِيلَ :وفيه أنه حينئذ يجبُ هجرانهم .
( فَوْقَ ثَلَاثٍ ) فِي روايَة الشيخينِ : فوق ثلاثِ لَيَال وَالمرَاد بأَيامهَا .
( يَلْتَقِيَانِ ) أي : يتلاقيان .
( فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا ) قال النّوَوي : مَعنى يَصد يعرضُ أَي يوليهِ عرضهُ بِضم العينِ وهو جانِبه , وَالصد بِضمّ الصادِ , وَهو أَيضًا الجَانب وَالناحِية -انتهى- .
( وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) أَيْ : هو أَفضَلهما .
قَال النووِي : فِيه دليل لمذهبِ الشافِعي وَمالك ومنْ وافقهمَا أَنّ السلامَ يقْطع الهجرَ ويرفع الإثم فيهَا وَيزيلهُ .
وقالَ أَحمدُ وابْن القاسم المَالِكي : تَرك الْكلامِ إنْ كان يؤذيهِ لمْ يقطعْ السّلام هجْره.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلوْ كاتبه أَو رَاسله عِند غيبته عَنه هَل يَزول إِثم الهجرِ فيهِ وجْهانِ : أحَدهمَا لا يزُول لِأنه لَم يُكلّمه , وَأصحّهما يزول لِزَوال الوحشةِ -انتهى- .
\
/
\
/
" شرحُ الحدِيثْ ~
نَفي الحلّ دال عَلى التحْريمِ، فَيحْرم هِجران المسلِمِ فوقَ ثلاثَةِ أَيام.
وَدلّ مفْهومه علَى جوازِه في ثَلاثَة أيّام ، وَحكمَة جَوَاز ذلك في هَذه المدّة أَنّ الإنسانَ مجبُول على الغضبِ وسوءِ الخلقِ ونحو ذلِكَ، فعفي له هجرُ أخيهِ ثلاثة أَيام، ليذهبَ ذلكَ الْعارض؛ تَخفِيفا علَى الإِنسانِ، ودَفعا لِلإضْرَارِ بِه، فَفي اليَوم الأوّل يَسكنُ غضَبه.
وفي الثانِي يرَاجِعُ نفسَه، وفِي الثّالِث يَعتذِر، وما زادَ على ذَلك كان قطعا لحقوقِ الأخوة، وقدْ فَسرَ معنَى الهَجر بقولهِ (( يلتقيَان.... )) إلى آخرهِ، وهوَ الغَالبُ مِن حالِ المتَهَاجِرين عِنْد اللقاءِ.
وفيهِ دلالَة عَلى زَوال الهَجر له برد السَّلام، وَإِليْه ذَهب الجمهورُ وَمالِك وَالشافعِيّ، وَاستدَل لَه بِما رَواه الطبرانِي مِنْ طريق زيْدِ بنِ وَهب، عَم ابن مَسْعُود، في أثناءِ حَديث موقوف، وفيه: " وَرجوعُهُ أَنْ يَأتِي فَيسَلم عَليهِ".
قال أحمَد وابن القاسِم : وإن كان يُؤذيه تركُ الكلام فلا يكفِيه رد السَّلام ، بل لا بُد من الرُجوع إلى الحال الذي كان بينهُما ، وقيل : ينظُر في حال المهجُور، فإن كان خطابُه زاد على السَّلام عند اللقاءِ مما تطيبُ به نفسُه، ويُزيل علّة الهجر، كان من تمام الوصلِ وترك الهجر، وإن كان لا يحتاجُ إلى ذلك كفى السَّلام .
وأما فوق اليوم الثالث ، فقال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب له في دينه ، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دُنياه ، فرُبَ هجر جميل خير من مخالطة مؤذية .
وَتقدمَ الكلام في هَجر مَن يَأتي مَا يلامُ عَليه شَرعا، وقدْ وقع من السّلف التهَاجر بَين جمَاعة منْ أعْيانِ الصَّحابة والتّابعينَ وتَابعِيهِم.
وقد عدّ الشارِحُ جَماعَة منْ أولَئِك، يستنكَر صُدوره منْ أمثالِهم، أَقاموا عليْه، ولَهم أعْذار إن شاءَ الله، وَالحَمل علَى السلامَةِ متَعينٌ، والعِباد مظِنةُ المُخالفةِ.
\
/
\
/
" شرحُ الحدِيثْ ~
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " والهجر الشرعي نوعان :
أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات ، والثاني: بمعنى العقوبة عليها ".
فالأول هو المذكور في قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 68].
وقوله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعا } [النساء: 140].
فهذا يراد أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة، مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم، وقوم دعوه إلى وليمة فيها خمر وزمر، لا يجب دعوتهم، وأمثال ذلك بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره.
* النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب ~
وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا، حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقاً، فإن الهجر بمنزلة التعزيز، والتعزيز يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.. فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة.
* ثالثاً: اعتبار المصالِح والمفَاسِدْ ~
قال شيخ الإسلام: "وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم، وكثرتهم، فإن المقصود به: زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصحلة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يريد الشر والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهرج، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر".
* رابِعاً: النظر في طبَائع النُفوس ~
قال شيخ الإسلام: "والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً، ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذي خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم".
\
/
\
/
* متى يكوُن الهجر جائزًا و غيْر جائز ؟
"هجر المسلم لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لرجُل أن يهْجر أخاه المُسلِم فوق ثلَاث، يلْتقيَان فيُعرض هَذا ويعُرض هذَا وخيْرهما الذي يبدأ بالسَّلام " رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) ، ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً أو ابن أخ أو عمّاً أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً .
اللهم إلا إذا كان على معصية ، وكان في هجره مصلحة ، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به ، لأن هذا من باب إزالة المنكر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم ( 49 ) ، والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم حتى يوجد ما يقتضي الإباحة" -انتهى-.
انظر " فتاوى منار الإسلام " لابن عثيمين ج/ 3 ص/732 .
\
/
\
/
" الفرقْ بين التهاجر والتدابُر والتَّشاحن ~
قال ابن حجر: " التهاجر: أَن يهْجر المُسلم أخاه فوق ثلاثة أيام لغيْر غرض شرْعي".
والتدابر: هوَ الإعراض عن المُسلم بأن يلقَى أخاه فيُعرض عنهُ بوجهه.
والتشاحن: هو تغيُر القلوب المٌؤدي إلى التَّهاجر والتدَابر .
\
/
\
/
" مثالٌ عنِ الهجر المقصُود ~
وهذه بعض الأمثلة عن السلف الصالح للتسابق على البدء بالسلام بعد التهاجر, فعن أبي الحسن المدائني قال "جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به".
أما في زماننا هذا فإن الأمر يختلف تماماً فتجدُ من يهجر أخاه سنيناً عديدةً لا يكلم أحدهم الآخر، فإنا لله وإنا إليه راجعون أين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" وهذا الهجر الذي حصل ويحصل إنما هو على أغراض دنيوية أو أسباب شخصية أما على محارم الله فلا تجد إلا النادر فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
\
/
\
/
" فوائِد من الحديثْ ~
* التعْبير في الحديث بالأخوة إشارةٌ واضِحة إلى الحثّ على التواصُل والتحذير من الهجران والتقاطع.
*خير المتقاطعين الذي يبدأ أخاه بالسَّلام والكلاَم ويواصل الأخوّة ويزيل أسباب التقاطع.
* تحريم الهجْران بين المُسلمين أكثر منْ ثلاثة أيام، والحكْمة من تحديد هذه المدة أنها كافية لإحلال التفكير وإبعاد العاطفة وتنامِي الأخطاء ودفن الأحقاد.
*المُسلم يتناسى الأحقاد ويسْرع إلى الصُلح ليفوز بالفَضل، والسَّلام في الإسْلام رمز المحبة والإخاء.
\
/
\
/
اللهم ألّف على الخيْر قلُوبنا، اللّهم أصْلح فسادَ قلوبنا، وحبّب إلينا الإيمَان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكُفر والفسوُق والعصيَان واجعلنا مِن الرَّاشدينْ.
لا تنسونا من صالِح دُعائكم ، وجميع المُسلمين ~
فريق عمل مشروع بستان السُنّة