فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً .
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله - تعالى - وقوموا بما أوجب الله عليكم من رعاية أولادكم وأهليكم، قوموا بما أوجب الله عليكم من رعاية البنين والبنات، قال الله عزَّ وجل: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"[التحريم: 6]، فإنكم رعاتهم والمسؤولون عنهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته»(1) .
ليس هذا خبراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس هذا خبراً مجرداً ولكنه خبرٌ يضع على رقابكم وأكتافكم المسؤولية وسوف تسألون عن ذلك يوم القيامة سوف يسألهم الله - عزَّ وجل - كما في قوله تعالى: +وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" [القصص: 65] .
أيها المسلمون، يا رجال الإسلام، يا رجال الشهامة، يا رجال المروءة، اذكروا هذه الأمانة العظيمة واشكروا نعمة الله عليكم؛ حيث حباكم بها وقوموا بها على الوجه الأكمل، اسمعوا قول ربكم خالق الكون وعالم السر المحيط بخفيه وظاهره ومستقبله وماضيه وحاضره، اسمعوا الله - عزَّ وجل - يقول: +الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" [النساء: 34]، لم يقل الله - عزَّ وجل - النساء قوامات على الرجال وإنما قال: +الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" [النساء: 34] .
إن الله لم يجعلكم - أيها الرجال - قوامين عليهن إلا لأنه يعلم قصورهن عقلاً وديناً، ولقد أكَّد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال في النساء: «ما رأيت من ناقصاتٍ عقلٍ ودينٍ أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»(2) .
أيها الرجال، اعرفوا هذا الفضل وقوموا بهذه الأمانة ولا تغلبنكم النساء على رجولتكم ولا يلهينكم الشيطان عن رعاية أهليكم ولا تشتغلوا بأموالكم عن الحفاظ على ما هو أهم وأولى .
أيها المسلمون، أيها الرجال، إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة التي يُتهاون بها وليست بالمشكلة الجديدة، إنها مشكلةٌ عظيمة يجب الاعتناء بها ودراسة ما يقضي على أسباب الشر والفساد، إنها مشكلة الوقت كله قديماً وحديثًا .
لقد كانت مشكلة بني إسرائيل - وهي مشكلة هذه الأمة - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء»(3) وهذا الحديث الثابت في الصحيحين يتضمن التحذير من هذه الفتنة العظيمة والسعي في القضاء على أسباب الشر قبل أن يستثقل .
أيها المسلمون، أيها الرجال، إن مشكلة النساء عندنا هذا الزمن في التبرج والاختلاط والتسكع في الأسواق وكل ذلك مما نهى الله عنه ورسوله، فالتبرج: أن تستشرف المرأة للرجال باللباس والزينة والقول والمشية وغير ذلك مما تظهر به نفسها للرجال وتوجب لفتَ النظر إليها ولقد قال الله - عزَّ وجل - مكرهاً ذلك ومقبحاً له - قال: +وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" [الأحزاب: 33] .
ولقد توسع بعض النساء في التبرج باللباس فصارت المرأة من هؤلاء المتوسعات تلبس للسوق من أحسن اللباس وتضع عليه عباءةً ربما تكون قصيرة لا تستر أو رهيفةً لا تمنع للنظر ما وراءها أو ترفعها المرأة عن أسفل جسمها حتى يبين جمال ثيابها وزينتها وربما شدَّت العباءة بيديها من فوق عجيزتها حتى يتبيَّن حجمهما وكل هذا مما نهى الله عنه، لقد قال الله عزَّ وجل:+وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ" [النور: 31]، فنهى الله النساء أن يضربن بأرجلهن فيعلم الخلخال الذي تخفيه، فإذا كان الله نهى عن الضرب بالرجل خوفاً من سماع الخلخال المستور فكيف بمن تلبس جميل الثياب ثم ترفع العباءة عنه ليراه الناس بأعينهم فيفتنهم ؟ وإن الفتنة بما يرى أعظم من الفتنة بما يسمع كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في مسنده وغيره «فليس الخبر كالمعاينة»(4).
إذا كان الله نهى عن الضرب بالرجل خوفاً من سماع الخلخال فكيف بمن تكشف عن ذراعيها لتظهر ما عليهما من الحلي والزينة ونعومة اليد كأنما تقول للرجال: انظروا إلى نعومة يدي وإلى ما عليهما من الحلي والزينة ؟
وإن من التبرج: أن تخرج المرأة متعطرةً متطيبة فإن هذا خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وليخرجن تفلات»(5) أي: غير متطيبات، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا خرجت إحداكن للمسجد فلا تمس طيبًا»(6)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس فهي كذا وكذا»(7) يعني: زانية، أخرجه الترمذي وقال حسنٌ صحيح .
وأما اختلاط النساء بالرجال ومزاحمتهن لهم فهذا موجود في كثيرٍ من محلات البيع والشراء وهو خلاف الشرع،«فلقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم، من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء: استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق به»(8)، ولقد رغَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - رغّب أمته بالبعد عن اختلاط النساء بالرجال حتى في أماكن العبادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف النساء» - يعني: اللاتي يصلين مع الرجال - «خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»(9) وإنما كان كذلك؛ لأن آخر صفوفهن أبعد عن الرجال وعن مخالطتهم ورؤيتهم لهن، ألم يكن في هذا أوضح دليلٍ على محبة الشرع لبعد المرأة عن الرجال واختلاطها بهم ؟
وأما التسكع في الأسواق والتمشي فيها فما أكثر مَن يفعله من النساء: تخرج المرأة من بيتها لغير حاجة أو لحاجةٍ يسيرة يمكن أن يأتي بها أحد ممن في البيت من الرجال أو الصبيان ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن»(10)، فبيتُ المرأة خيرٌ لها حتى من المسجد فكيف بغيره ؟ وإن هذا الحديث الصحيح في النهي عن منع النساء من المساجد ليدل على أنه يجوز للرجل أن يمنع المرأة من الخروج للسوق ما عدا المسجد ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج، أما منعها من التبرج والتعطر عند الخروج فإنه واجبٌ عليه ومسؤولٌ عنه يوم القيامة، وعلى المرأة إذا خرجت أن تخرج بسكينةٍ وخفض صوت ولا تمشي كما يمشي الرجل بقوة تضرب الأرض برجلها وترفع صوتها، «قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية: +يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ" [الأحزاب: 59]، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سودٌ يلبسنها»(11)هكذا صفات نساء المؤمنين، فاقتدوا بهن لعلكم تفلحون ولا تغرنكم الحياة الدنيا وزينتها ولا يغرنكن مَن لا يؤمنون بالله واليوم الآخر؛ فإن هذا التبرج والثياب القصيرة والضيقة إنما صنعت تقليدًا لمن لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وإن أعداءكم أعداء الله ورسوله يعلمون أنهم لو دعوكم إلى الكفر ما كفرتم ولو دعوكم إلى الشرك ما أشركتم ولكن يرضون منكم أن يهدموا أخلاقكم ودينكم من جهات أخرى: من جهة محقرات الذنوب التي يحقرونها في أعينكم فتحتقرونها وتواتونها حتى تهوي بكم إلى النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد أيِسَ أن تعبد الأصنام في أرض العرب ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات وهن الموبقات يوم القيامة»(12) .
فيا أيها الرجال، ويا أيها المسلمون، امنعوا نساءكم من الخروج إلى الأسواق بالثياب القصيرة أو بثيابٍ جميلةٍ تبدو من وراء العباءة وامنعوهن من الخروج متطيبات واحرصوا على ألا يخرجن إلا لحاجة، ولا يحل للمرأة أن تدخل الدكان وحدها مع صاحب الدكان فإن في ذلك فتنة عظيمة، وينبغي للإنسان إذا أتى بامرأته إلى دكانٍ لتشتري حاجتها أن يقول لها: ماذا تريدين ؟ وأن تبقى هي في السيارة وينزل هو إلى صاحب الدكان ليأتي لها بما تريد حتى تكون بعيدةً عن الرجال ومخالطتهم ومكالمتهم؛ فإن ذلك أحصن لفروجهن وأحفظ لكرامتهن ولأخلاقهن .
أيها المسلمون، اتقوا الله - عزَّ وجل - ولا تنخدعوا بما كان عليه أعداؤكم من التهاون بأمر المرأة وعرض المرأة كأنها صورةٌ محلاة .
إن المرأة أمرها عظيم وإنها كريمةٌ يجب أن تكرم، يجب أن تبعد عن محل المهانة وعن محل الإهانة .
أيها المسلمون، إننا في بلادنا هذه على مفترق طرق فتحت علينا الدنيا وانهال علينا الأعداء فإما أن يكون في ديننا صلابةٌ تتحطم عليها مكائد الأعداء وفينا قوة الشخصية الإسلامية فلا نقتدي بهم ولا نغتر بهم ونتمسك بما كان عليه أسلافنا الصالحون وحينئذٍ ننال خير الدنيا والآخرة ويكون لنا شخصيةٌ قائمةٌ بارزةٌ متميزة فيقال: هذا دين المسلمين، هذه أخلاق المسلمين، وإما أن يكون الأمر بالعكس: لينٌ في الدين وضعفٌ في الشخصية وانهيارٌ أمام التيارات فنكون حينئذٍ بالصفقة الخاسرة، قال الله عزَّ وجل: +قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"[الزمر: 15] .
أيها المسلمون، اسمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: +قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [النور: 30-31]، فنهى الله - عزَّ وجل - النساء أن يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: إلا ما ظهر منها كالعباءة والملاءة ونحوها؛ لأنها هذه لا بد منها ولا يمكن أن تستتر المرأة بدونها ولا يمكن أن تستتر المرأة إلا ببيتها إذا كانت لا تريد إظهار مثل ذلك، أما الزينة في قوله: +وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنّ" [النور: 31]،فهي الزينة الداخلة في اللباس: لباس الجمال فإنه لا يبدى إلا لهؤلاء ولم ترد الزينة في كتاب الله مراداً بها الوجه أو مراداً بها الكف كلما ذكر في الكتاب والسنة من الزينة فإنما هو اللباس؛ ولهذا كان القول المتعين في هذه الآية أن المراد بالزينة: اللباس وليس المراد بها الوجه والكفين كما ذهب إليه بعض العلماء وإنما المراد بها بلا شك: الثياب ولكنها نوعان: ثيابٌ ظاهرةٌ لا بد من ظهورها فليس على المرأة فيها بأس كالعباءة والملاءة ونحوهما، وثيابٌ باطنة تكون للتجمل لا تبدى إلا لمن ذكرهم الله - عزَّ وجل - في هذه الآية الكريمة، فاتقوا الله أيها المسلمون، قال الله تعالى: +وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: 2]،واعلموا أنكم كلما حفظتم نساءكم حفظ الله - سبحانه وتعالى - أعراضكم، أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعيننا جميعاً على البر والتقوى وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن الصلحاء المصلحين، إنه جوادٌ كريم، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فقد وعدتكم في جمعةٍ ماضية أن أخبركم عن إعلانٍ يبثه بعض الناس في مساهمةٍ يبذل الإنسان فيها دولاراتٍ قليلة ثم يأتيه ربحٌ كثيرٌ بعد خمسة أسابيع أو نحوها، وقد وكَّلت هذا إلى أحد الأساتذة في الجامعة فدَرَسَه دراسةً وافية وأخبرني أنه أشد من الميسر والقمار وأعظم خطراً وأن الأمة إذا وقعت فيه فسيكون مصيرها الإفلاس بلا شك؛ لهذا يجب علينا الحذر منه وأن نحذِّر إخواننا عن الاغترار به، واعلموا أن أعداءكم الكفار ليس لهم همٌّ إلا الدنيا وتحصيلها، واعلموا أيضاً أنهم لن يسعوا في شيءٍ وفيه ربحٌ لكم أبداً وإنما يسعون لابتزاز أموالكم كما يسعون لهدم أخلاقكم ودينكم فاحذروهم؛ لأن الله - عزَّ وجل - يقول: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ"[الممتحنة: 1]، ولو لم يكن من هذه المساهمة إلا أنها نابعةً من شركةٍ كافرة ومن بلادٍ كافرة لكان ذلك كافياً في النفور عنها والتنفير والتحذير منها، واعلموا - أيها المسلمون - أن الله - تعالى - لم يسد على عباده شيئاً من المعاملات إلا وفيها ضررٌ إما منظورٌ أو منتظر، فلا تغتروا بالمظاهر الغريبة ولكن انظروا للمآل ولما يكون عليه الشيء ولو بعد زمنٍ بعيد، واعلموا كذلك أن الله - عزَّ وجل - لا يسد عليكم طريقاً إلا فتح لكم طريقاً مباحاً أنفع منه في الحاضر والمستقبل، فاجتهدوا - رحمكم الله - في كسب المال من طريقٍ حلال واصرفوه فيما يجب عليكم صرفه فيه من الزكوات وغيرها وتبرعوا وتصدقوا لأنفسكم بما تجود به أنفسكم على مَن هم أهلٌ للصدقة؛ «فإن كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة»(13)، واعلموا «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»(14)، «وكل ضلالة في النار»(15)، «فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(16)، واعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائلٍ عليماً: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [الأحزاب: 56]، فأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم يعظم الله لكم بها أجراً؛ فإن مَن صلى عليه مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم وأحسن أحوالنا كما أحسنت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم هيئ لهم بطانةً صالحة تدلهم على الخير وترغبهم فيه وتبيِّن لهم الشر وتحذرهم منه يا رب العالمين، اللهم مَن كان من بطانة ولاة أمور المسلمين ناصحاً لهم ولشعوبهم فثبته وأيده واجعله خير عونٍ لهم، ومَن كان منهم على خلاف ذلك فأبعده عنهم يا رب العالمين، اللهم أنزل في قلوبهم بغضك حتى يبعدوه عن ساحتهم، إنك على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين،+رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10]، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً سحًّا عاماً طبقاً، نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا غيثاً تحي به البلاد وترحم به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاءٍ ولا عذابٍ ولا هدمٍٍ ولا غرقن اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم نحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا، اللهم نحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا، اللهم نحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا، اللهم فأنزل علينا رحمتك، اللهم أنزل علينا رحمتك وأغثنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين قالوا +رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الأعراف: 23]، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفُ عنا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
-------------
(1) أخرجه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن، رقم (844)، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم (3408)، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ت ط ع .
(2) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الحيض، باب: ترك الحائض الصوم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، رقم (293)، ت ط ع .
(3) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"[التغابن: 14]، من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (4706)، ت ط ع، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الذكر الدعاء والتوبة والاستغفار، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء من حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه، رقم (4923)، ت ط ع .
(4) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند بني هاشم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رقم (1745)، ت ط ع .
(5) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم (9270)، وأخرجه أبو داوود -رحمه الله تعالى- في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم (478)، وأخرجه الإمام الدارمي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الصلاة، باب: النهي عن منع النساء عن المساجد وكيف يخرجن إذا خرجن، رقم (1248)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(6) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (670)، ت ط ع .
(7) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الأدب، باب: ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، رقم(2710) .
(8) أخرجه أبو داوود -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق من حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله تعالى عنه، رقم (4588)، ت ط ع .
(9) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه المبارك من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول فيها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليه وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام، رقم (664)، ت ط ع .
(10) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- إمام أهل السنة في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، رقم (5091)، وأخرجه أبو داوود -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم (480) من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ت ط ع .
(11) أخرجه أبو داوود -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب اللباس، باب: قول الله عزَّ وجل:+يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ"[الأحزاب: 59]، من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، رقم (3578) في تفسير القرآن الجزء (3) الصفحة (123)، ت ط ع، وانظر إليه في تفسير الصنعاني -رحمه الله تعالى- في تفسير القرآن الجزء (3) الصفحة (123) .
(12) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، رقم (3050)، وأخرجه البيهقي -رحمه الله تعالى- في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، الجزء (5) الصفحة (455)، رقم (7263) واللفظ له .
(13) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند الشاميين من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، رقم (16695)، ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، رقم (1435)، ت ط ع .
(15) أخرجه النسائي في سننه في كتاب صلاة العيدين، باب: كيف الخطبة من حديث جابر بن عبد الله تعالى عنهما، رقم (1560)، ت ط ع .
(16) أخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجمعة من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (2093)، ت ط ع .