منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الأدآب الشرعية


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي ادهم مخالفة
ادهم غير متواجد حالياً
 
ادهم
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 88
تاريخ التسجيل : Mar 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 162 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي من خصائص وفضل يوم الجمعة - بيان ما يجب قتله من الدواب الفواسق

كُتب : [ 09-08-2011 - 06:30 PM ]

الخطبة الأولى


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد الله الذي جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وجعله عيداً للأيام، فاختصه بخصائص جليلة؛ ليعرف الناس قدره، فيقوموا به على الوجه المشروع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، منه المبدأ وإليه الرجوع، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أهدى داعٍ وأجل متبوع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان في الهدى والتقى والخضوع، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن لله الأمر كله، وبيده الخير كله، يخلق ما يشاء ويختار، والله ذو الفضل العظيم، واشكروا نعمة الله عليكم بما خصكم به - معشر هذه الأمة - من الفضائل التي لم تكن لأحد من الأمم سواكم، خصكم بهذه الملة الحنيفية السمحة، وأكمل الملل وأتمها وأقومها بمصالح العباد إلى يوم القيامة، وخصكم بهذا اليوم - يوم الجمعة - الذي ضل عنه اليهود والنصارى وهداكم الله له، فكان الناس تبعاً لكم مع سبقهم في الزمن، فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد، قال النبي - صلى الله عليه على آله وسلم -: "ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة"(1)، هدانا الله له وأضل الناس عنه، فالناس فيه لنا تبع، هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد، ولقد خص الله - عز وجل - هذا اليوم بخصائص كونية وخصائص شرعية:
فمن خصائص هذا اليوم الكونية - أي: التي فيها الخلق والتقدير -: ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال عن يوم الجمعة: "فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وفي هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي فيسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه"(2)، وأرجى الساعات في هذا اليوم ساعتكم هذه، ساعة الصلاة والاجتماع عليها، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال في ساعة الإجابة يوم الجمعة: "هي بين ما أن يجلس الإمام يعني علي المنبر إلى أن تقضي الصلاة"(3)، ويلي ذلك ما بعد صلاة العصر إلى الغروب.
أما خصائص هذا اليوم الشرعية: فإن فيه صلاة الجمعة؛ التي دل الكتاب والسنة على فرضيتها، وأجمع المسلمون على ذلك، قال الله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الجمعة: 9-10]، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "لينتهين أقواما من تركهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكوننَّ من الغافلين"(4)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه"(5)، أي: غلف عليه بغلاف المعاصي وظلماتها؛ حتى لا يصل إليه خير، ولقد خص الله تعالى هذه الصلاة - يعني: صلاة الجمعة - بخصائص تدل على أهميتها والعناية بها فمن ذلك:
وجوب الغسل لها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"(6)، أي: على كل بالغ، وقال - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل"(7)، ودخل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ذات جمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب الناس، فعرض به - أي: عرض عمر بعثمان -، قال: "ما بال رجال يتأخرون بعد النداء"؟! فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر: الوضوء أيضاً؟! ألم تسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"(8)، فوبخ أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عثمان بن عفان أمام الناس؛ لكونه ترك الاغتسال يوم الجمعة.
ومن خصائص صلاة الجمعة: مشروعية التطيب لها ولبس أحسن الثياب، ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ويركع إن بدأ له ولم يؤذي أحداً ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى"(9).
ومن خصائص هذه الصلاة: الثواب الخاص بالتبكير إليها، ففي الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة - يعني مثل غسل الجنابة - ثم راح في الساعة الأولى كأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبش أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"(10)، وفي رواية: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا خرج الإمام أو جلس طووا صحفهم وجاءوا يستمعون الذكر"(11)، وهذه الساعات تختلف طولاً وقصراً بحسب طول النهار وقصره، فاقسم من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام، اقسمه على خمسه أقسام، وبذلك تكون الساعة.
ومن خصائص هذه الصلاة: وجوب الحضور إليها ممن تلزمه من الرجال البالغين العقلاء عند سماع الأذان لها؛ لقول الله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]، فلا يجوز التشاغل بعد الأذان الثاني ببيع ولا شراء ولا غيرهما، ولا يصح شيء من العقود الواقعة مما يلزمه الحضور، حتى ولو كان في طريقه إلى المسجد، يعني: لو كان رجلان يمشيان إلى المسجد ثم تبايعا بعد الأذان الثاني فإن البيع باطل وحرام وهما آثمان، ولا ينتقل المبيع إلى المشتري، ولا الثمن إلى البائع؛ لأنه بيع باطل، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"(12)، فالشروط والعقود التي لا تبيحها الشريعة هي باطلة وإن كررت مائة مرة.
ومن خصائص هذه الصلاة: وجوب تقدم خطبتين يتضمنان موعظة الناس بما تقتضيه الحال، ووجوب استماع هاتين الخطبتين على كل من يلزمه الحضور؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت"(13)، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليست له جمعة"(14)، أي: أنه يحرم من ثواب الجمعة، وإن كان لا تلزمه الإعادة، فلا تكلم أحداً والإمام يخطب، لا بسلام ولا برد سلام، ولا بتشميت عاطس ولا غير ذلك، إلا من كلم الخطيب أو كلمه الخطيب لحاجة أو مصلحة، وإذا رجلان قد أقبلا على المسجد الذي يريدان أن يصليا فيه وهو يخطب فإنه لا يحل لهما أن يتكلما ولو كانا في السوق؛ لأنهما مأموران بالاستماع لهذه الخطبة، أما إذا مررت بمسجد يخطب وأنت لا تريد أن تصلي فيه فلا حرج عليك أن تتكلم؛ لأنك غير مأمور بالإنصات لهذه الخطبة؛ إذ أنك لا تريد الصلاة في هذا المسجد الذي يخطب فيه.
ومن خصائص صلاة الجمعة: إنها لا تقام في أكثر من موضع في البلد إلا لحاجة، بخلاف غيرها من الصلوات، فإنها تقام جماعتها في كل حي؛ وذلك لأن تعدد الجمعة لم يكن معروفاً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين، بل كان الناس يأتون من العوالي ونحوها لصلاة الجمعة، قيل للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أيجمع جمعتان في مصر؟ قال: "لا أعلم إن أحداً فعل"، وقال ابن المنذر: "لم يختلف الناس إن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -" قال - أي ابن المنذر -: "وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين بيان أن الجمعة خلاف سائر الصلوات، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد"، وقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد: أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد مع قيام الجمعة القديمة كان في أيام المعتضد، سنة ثمانين ومائتين؛ وذلك لأن تعدد الجمع تفوت به مصلحة المسلمين في اجتماعهم على هذه الصلاة في مكان واحد، على إمام واحد، يصدرون عن موعظة واحدة، ويكون في ذلك عز واعتزاز برؤية بعضهم بعضاً بهذه الكثرة، أما تمزيق المسلمين بكثرة الجمع فهذا خلاف ما يهدف إليه الشرع المطهر.
ومن خصائص صلاة الجمعة: أنها لا تصلى في السفر، أي: أن المسافرين لا يصلون صلاة الجمعة إلا إذا كانوا في بلد تقام فيه الجمعة، فإنه يلزمهم حضورها وصلاتها مع الناس، أما المسافرون الذين في البر فإنه لا يجوز لهم أن يصلوا صلاة الجمعة ولو بخطبة وإمام، وقد ظن بعض الجهال أن صلاة الجمعة كصلاة الظهر تصلى حتى في البر وفي السفر أو في النزهة، وهذا غلط عظيم على شريعة الله، وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الإمام القدوة الذي لنا فيه أسوة، نرجو الله تعالى أن تكون أسوة حسنة، هذا النبي الكريم لم يكن يصلي الجمعة في السفر، بل إنه كان في عرفة الذي صادف يوم الجمعة وهو في أكبر مجمع مع المسلمين لم يقم صلاة الجمعة؛ كما صح ذلك في حديث جابر في صفة حج النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وعلى هذا فمن صلى الجمعة في نزهة أو نحوها فإنه إن كان عالماً فهو آثم مذنب، وإن كان جاهلاً فنرجو الله - تعالى - أن يعفو عنه، ولكنه عليه أن يعيدها ظهراً.
ومن خصائص صلاة الجمعة: أنها لا تجمع مع العصر جمع تأخير، ولا تجمع العصر معها جمع تقديم؛ لأنها صلاة مستقلة منفردة بأحكام خاصة، والجمع الذي جاءت به السنة إنما هو بين الظهر والعصر، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه جمع العصر إلى الجمعة، مع أن الظاهر أن موجب الجمع كان موجوداً ولكنه لم يجمع، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في المدينة من غير خوف ولا مطر" فدل هذا على أنه يجمع بين الظهر والعصر للمطر ونحوه مما يشق على الناس، ولم يذكر الجمعة، فدل هذا على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يجمع العصر إلى الجمعة بأي حال من الأحوال، ولا يصح قياس الجمعة على الظهر؛ لتباين أحكامهما في كثير من المسائل، فالفروق بين الجمعة والظهر تزيد على ثلاثين فرقاً وصلاتان، هذا هو الفرق بينهما، لا يمكن قياس إحداهما على الأخرى.
ومن خصائص صلاة الجمعة: أنها تختص بقراءة معينة دون صلاة الظهر، وذلك أنه "يسن في صلاة الجمعة أن يقرأ بعد الفاتحة سورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقين في الركعة الثانية"(15)، أو "يقرأ في الركعة الأولى سبح وفي الثانية سورة الغاشية"(16)، كل ذلك صح عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
ومن خصائص يوم الجمعة: أنه تسن القراءة في فجرها "الم تنزيل" "السجدة كاملة في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية سورة هل أتى على الإنسان كاملة"(17)، وقد كان بعض الجهال من الأئمة يقسمون السورة الأولى - أعني: "الم" - يقسمونها في الركعتين، أو يقتصرون على قراءه "هل أتى على الإنسان"، وهذا غلط منهم؛ لأنهم إما أن يفعلوا السنة كما فعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يقرؤوا بآيات أخرى.
ومن خصائص هذا اليوم - أعني: يوم الجمعة -: أنه لا تخصص ليلتها بقيام ولا يومها بصيام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، وثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده"(18)، ودخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "أصمتي أمس"؟ قالت: لا، قال: "أتريدين أن تصومي غداً"؟ قالت: لا، قال: "فأفطري"(19)، ولكن إذا صام الإنسان يوم الجمعة من غير قصد تخصيص؛ كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صومه يوم الجمعة أو نحو ذلك فلا بأس به؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"(20).
ومن خصائص يوم الجمعة: أنه تسن فيه قراءة سورة الكهف، سواء إن كان ذلك قبل صلاة الجمعة أم بعدها؛ لورود أحاديث تدل على فضل ذلك(21).
ومن خصائص يوم الجمعة: أنه ينبغي فيه كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ"(22).
أيها المسلمون، هذا شيء مما حضرنا في خصائص يوم الجمعة الكونية والشرعية، فعظموا هذا اليوم، عظموه - أيها المسلمون - وبكروا إلى الصلاة تنالوا الأجر والثواب، ثم إنكم في انتظاركم صلاة الجمعة لا تزالون في صلاة ما انتظرتم الصلاة، اللهم وفقنا للفقه في دينك، والعمل بطاعتك، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه أمر بقتل خمس من الدواب، وقال: "إنهن فواسق الغراب والحدا والعقرب والفارة والكلب العقور"(23)، هذه الدواب أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقتلها في الحل والحرم؛ وذلك لأنها فاسقة - أي: مؤذية بطبيعتها - ومثل ذلك - أيضاً -: كل حشرة أو سبع مؤذٍ، فإنه مأمور بقتله؛ ولهذا قال الفقهاء - رحمهم الله -: "يسن قتل كل مؤذ في الحل والحرم حتى لو كان في الحرم - أي: في مكة أو في المدينة - أو كان في أجواف المساجد، فإنه يقتل؛ وذلك لأذيته وفسقه، ومن هذا الأوزاغ، فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر بقتل الوزغ وسماه فاسقاً"، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه في البخاري وغيره: أنه - أي الوزغ - كان ينفخ النار على إبراهيم، وكان عند عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - رمح في بيتها تقتل به الأوزاغ، وقد ورد في فضل قتله بأول مرة حسنات كثيرة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك، سواء قتله الإنسان بيده مباشرة، أم بواسطة النعل، أم بواسطة شيء آخر، متى قتله الإنسان فإنه مثاب مأجور على ذلك، وهكذا بقية المؤذيات، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب: "النملة والنحلة والهدهد والصرد"(24)، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل هؤلاء الأربع، ولكن متى حصل منها أذية فإنه يباح قتلها؛ دفعاً لأذاها؛ لأن الصائل يجوز دفعه بكل طريق ممكن، حتى ولو كان من بني آدم، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان نمل يؤذيه أو يفسد بيته فلا حرج عليه أن يقتله، لكن إن أمكن أن يرحله بدون القتل فإن ذلك هو الأولى؛ اتقاءً لنهي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وقد كان بعض السلف يقرأ على النمل الذي يملأ البيت يقرأ عليه ما تيسر من كتاب الله ثم يرتحل النمل عن البيت، وكذلك أيضاً إذا صب على بيته الجاز فإنه يرتحل عن البيت، فإذا أمكن أن يرحل بدون قتل فهو الأولى، وإذا لم يمكن إلا بقتله فلا بأس بقتله؛ لأذيته، فاتقوا الله - عباد الله -، واحذروا ما نهى الله عنه ورسوله، وافعلوا ما أمر الله به ورسوله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"(25)، واعلموا "أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار"(26)، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما في يوم الجمعة، ابتغوا بذلك فضل الله - عز وجل -، وامتثال أمره في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته يا رب العالمين، اللهم اجمعنا به وبإخواننا المؤمنين في جنات النعيم يا رب العالمين، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

----------------------------

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (10305) ت ط ع.
(2) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة (10141)، ومسلم في كتاب الجمعة (1410-1411)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنها.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (1409)، وأبو داود في كتاب الصلاة (885)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم (2176)، ومسلم في كتاب الجمعة (1032)، من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (11149)، والبخاري في كتاب الأذان (811)، ومسلم في كتاب الجمعة (1397)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه.
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (14951)، وأبو داود في كتاب الصلاة (888)، من حديث أبي الجعد رضي الله تعالى عنه ت ط ع.
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (5565)، والبخاري في كتاب الجمعة (828)، ومسلم في كتاب الجمعة (1394)، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.
(8) أخرجه الإمام أحمد في مسند المبشرين بالجنة (302)، والبخاري في كتاب الجمعة (823)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(9) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار (22468)، انفرد بهذا اللفظ، والبخاري في كتاب الجمعة، والدارمي في كتاب الصلاة (1497)، من حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه.
(10) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة (9546)، والبخاري في كتاب الجمعة (8320)، ومسلم في كتاب الجمعة (1403)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وأخرجه مالك في الموطأ، في كتاب النداء للصلاة، بلفظ من راح في الساعة الأولى (209) ت ط ع.
(11) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة (10164)، والبخاري في كتاب الجمعة (877)، ومسلم في كتاب الجمعة (1416)، ولفظ مسلم هو الموافق لكلام الشيخ من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(12) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار (24603)، والبخاري في كتاب البيوع (2010)، ومسلم في كتاب العتق (2763)، من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
(13) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة (7261)، والبخاري في كتاب الجمعة (882)، ومسلم في كتاب الجمعة (1404)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(14) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم (1929)، والبزار في مسنده (644)، وانظر إلى الترغيب والترهيب للمنذري [جـ1/ص292]، ومجمع الزوائد للهيثمي [2/184]، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ت ط ع.
(15) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم (2994)، ومسلم في كتاب الجمعة (1454)، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(16) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين (17683)، ومسلم في كتاب الجمعة (1452)، من حديث النعمان بن البشير رضي الله تعالى عنه، وأخرجه غيرهما.
(17) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة (9721)، والبخاري في كتاب الجمعة (842)، ومسلم في كتاب الجمعة (1455، 1456)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(18) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصوم (1849)، ومسلم في كتاب الصوم (1929)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ت ط ع.
(19) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في باقي مسند الأنصار (2553)، والبخاري في كتاب الصوم (1850)، وأبو داود في كتاب الصوم (2069)، من حديث جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها ت ط ع.
(20) أخرجه مسلم في كتاب الصوم (1930)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ت ط ع.
(21) أخرجه الدارمي في كتاب فضائل القرآن الكريم (3273)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه موقوفاً عليه ت ط ع.
(22) أخرجه الإمام أحمد في مسند المدنيين (15575)، والنسائي في كتاب الجمعة (1357)، وأبو داود في كتاب الصلاة (883)، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز (1626)، والدارمي في الصلاة (1526)، من حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه.
(23) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (3067)، ومسلم في كتاب الحج (2069)، من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، واللفظ لمسلم.
(24) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم (2907)، وأبو داود في كتاب الأدب (4586)، والدارمي في كتاب الأضاحي (1915)، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(25) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (6744)، ومسلم في كتاب الحج (2380)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(26) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (14455)، ومسلم في كتاب الجمعة (1435)، والنسائي في كتاب صلاة العيدين (1560)، وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء (2565)، وابن ماجه في كتاب المقدمة (44)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML