فالإيمان وتوابع الإيمان ومتمماته ومكملاته هذه هي السعادة الحقيقية,
وهي سعادة في الدنيا والآخرة.
ولهذا فإن من كان من أهل الإيمان تحقيقًا له وتتميماً وقياماً بمقتضياته ومايستوجبه الإيمان نال من السعادة بحسب ماعنده من الإيمان.
وإذا ضعف الإيمان ضعف حظه من السعادة، وإذا ذهب الإيمان ذهبت السعادة وفارقت الإنسان.
💡فبالإيمان يسعد وبالإيمان يطمئن وبالإيمان تقر العين وبالإيمان ينشرح الصدر وبالإيمان يرتاح البال.
*{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (28)}*[الرعد].
فالسعادة أمر مرتبط بالإيمان وجوداً وعدماً، كما جاء في الحديث الصّحيح: *((عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))*.
فالمؤمن في سرّائه شاكر، وفي ضرّائه صابر، وفي وقوعه في الذنب مستغفر.
وهذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد:
*إذا أذنب استغفر👉🏻*،
*وإذا أنعم عليه شكر👉🏻*،
*وإذا ابتلي صبر👉🏻*.
وقد قرّر هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله تقريرًا لامزيد عليه في أول كتابه (الوابل الصيب)؛ وبيَّن رحمه الله تعالى أنّ العبد المؤمن في حياته لا يخلو من هذه الأحوال الثلاثة.
*• الأمر الأول "إذا أذنب استغفر"*
لأنّ المؤمن يدعوه إيمانُه عندما يذنب إلى الإنابة والتوبة.
ولهذا نادى الله عزَّوجلَّ أهلَ الإيمان إلى التوبة باسم الإيمان *{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}*[التحريم: 8]،
*{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}*[النور: 31]،
فالمؤمن إذا أذنب فزع إلى إيمانه فأرشده إيمانه إلى التوبة والاستغفار، وهداه إيمانه إلى أنّ له ربّاً توّاب غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويغفر الذنوب والخطيئات ولايتعاظمه ذنب أن يغفره *{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}*[الزمر: 53]،
فيدعوه إيمانه إلى الاستغفار وإلى الإنابة والرجوع إلى الله عزَّوجلَّ ومراقبته سبحانه وتعالى،
وإذا كان العاصي المتمادي في عصيانه يجد لذة في تتبعه لشهواته، فإنّ مَن حقّق الإيمان ومراقبة الرجمن يجد لذةً لاتقارَن بلذة العصاة.
وهي لذة الطاعة والاستجابة والامتثال لأوامر الله تبارك وتعالى فيسعد سعادةً حُرمها أهل العصيان ولم يظفروا بها، وهم ينالون في معاصيهم وشهواتهم لذةً تنقضي في حينها وتبقى تبعاتها وحسراتها.
*تفنى اللَّذَاذَةُ ممَنّ نال صفوتَها*
*مِنَ الحَرام ويبقى الخِزِيُ والعارُ*
*وتبقى عَواقِبُ سوءٍ من مغبَّتِهَا*
*لاخَيْرَ في لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ*.
*• والأمر الثاني "إذا أُنعم عليه شكر"*
نعم الله على عبده كثيرة لاتعد ولاتحصى، نعم في بدنه ونِعم في ماله ونِعم في ولده ونعم في مسكنه وفي جميع شؤونه *{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}*[إبراهيم: 34].
فالسعادة تكون في حمد الله وشكره على نعمائه وعلى مَنِّه وفضله سبحانه وتعالى وعطائه.
والشكر سبب زيادة النّعم ودوامها، وقرارها وثبوتها ونمائها وبركتها *{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}*[إبراهيم: 7].
والمؤمن الشاكر يجد لذة الشكر ولذة الحمد ولذة الاعتراف بنعمة المنعِم سبحانه فتقرّ عينُه بذلك.
*• والأمر الثالث "إذا ابتلي صبر"*
قال جلّ وعلا *{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}*[التغابن: 11].
قال علقمة رحمه الله: *(هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم)*.
ولهذا المؤمن: في نعمائه يفوز بثواب الشاكرين، وفي مصابه وضرائه وابتلائه يفوز بثواب الصابرين.
فهو مأجور على كل حال، فهو على خير في كل حال.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: *((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير..))*،
وإذا تأمَّل المسلم في هذا عرف قيمة الإيمان ومكانته العظمى في تحصيل السعادة واكتسابها.
وبهذا يعلم أن الإيمان مفزع لصاحبه،
يفزع إليه عند الطاعة، ويفزع إليه عند المعصية، ويفزع إليه عند النعمة، ويفزع إليه عند المصيبة.
فالمؤمن يفزع إلى الإيمان في كل مشكلة وفي كل عارض وفي كل نازلة ويجد الإيمان هادياً ومسدّدا وقائداً إلى كل فضيلة وخير،