ذهاب العلم بذهاب العلماء
لا يخفى على كل مسلم مكانة العلماء ورفعة شأنهم وعلو منزلتهم وسمو قدرهم ، إذ هم في الخير قادة وأئمة تُقتصُّ آثارهم ، ويُقتدى بأفعالهم ، وينتهى إلى رأيهم ، تضع الملائكة أجنحتها خُضعاناً لقولهم ، ويستغفر لهم كل رطب ويابس حتى الحيتانُ في الماء ، بلغ بهم علمهم منازل الأخيار ودرجات المتقين الأبرار ، فسمت به منزلتهم وعلت مكانتهم وعظم شأنهم وقدرهم ، كما قال الله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] .
ولهذا فإن فقدَهم خسارة فادحة ، وموتهم مصيبة عظيمة ، لأنهم نور البلاد ، وهداة العباد ، ومنار السبيل ، فقبضهم قبضٌ للعلم ، إذ إنَّ ذهاب العلم يكون بذهاب رجاله وحملته وحفاظه .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ)) [1] . ولهذا لما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنهما : " من سَرَّه أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه " أي : أن ذهابه إنما يكون بذهاب أهله وحملته . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "عليكم بالعلم قبل أن يقبض ، وقبضه ذهاب أهله" .
ولهذا يُعدُّ موت العالم خسارةً فادحة ونقصاً كبيراً وثلمةً في الإسلام لا تسد ، كما قال الحسن البصري رحمه الله: "موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لا يسدها شيءٌ ما اطَّرد الليل والنهار "